بداية الوصول

آية الله الشيخ محمّد طاهر آل الشيخ راضي

بداية الوصول

المؤلف:

آية الله الشيخ محمّد طاهر آل الشيخ راضي


المحقق: محمّد عبدالحكيم الموسوي البكّاء
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: أسرة آل الشيخ راضي
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
964-497-056-X

الصفحات: ٣٤٢

المقصد الثاني في النواهي

فصل

الظاهر أن النهي بمادته وصيغته في الدلالة على الطلب ، مثل الامر بمادته وصيغته ، غير أن متعلق الطلب في أحدهما الوجود ، وفي الآخر العدم ، فيعتبر فيه ما استظهرنا اعتباره فيه بلا تفاوت أصلا (١) ، نعم يختص

______________________________________________________

(١) لا يخفى ان المراد من مادة النهي هو لفظ النهي ، والمراد من صيغة النهي هي لا تفعل او ما ادى مؤداها ، والنهي بمادته وصيغته والامر بمادته وهو لفظ الامر وصيغته كافعل متوافقان في ان كلا منهما يدل على الطلب ، فكما ان مادة الامر تدل على الطلب فكذا مادة النهي تدل عليه ، وكما ان صيغة الامر تدل على الطلب كذلك صيغة النهي تدل عليه سوى ان المتعلق للطلب في الامر بمادته وصيغته هو الوجود ، فمادة الامر تدل على طلب الوجود وصيغته تدل عليه ، ومتعلق الطلب في النهي بمادته وصيغته هو العدم.

ولا يخفى انه قد تقدم في اول مبحث الاوامر ان لفظ الامر مشترك بين الطلب ومعان او معنى آخر كالشان والفعل وغيرهما كما مر بيانه في مبحث الاوامر.

والمراد اتحاده مع مادة النهي هو اتحاده باحد معانيه وهو الطلب ، وليس مادة النهي كمادة الامر مشتركة بين الطلب وغيره ، فالاشتراك بين الطلب وغيره مما يختص بمادة الامر دون مادة النهي : أي ان لفظ امر مشترك ولفظ نهي غير مشترك ، والاتحاد بين مادة الامر ومادة النهي هو في خصوص الطلب وان الامر طلب الوجود والنهي طلب العدم.

وعلى كل فقد تقدم ايضا في الاوامر انه يعتبر في معنى الامر بمعنى الطلب العلو وانه يدل على الوجوب ، ومثله الحال في مادة النهي فانه يعتبر فيها العلو وانها تدل على الالزام.

١

النهي بخلاف ، وهو : أن متعلق الطلب فيه ، هل هو الكف ، أو مجرد الترك وأن لا يفعل والظاهر هو الثاني (١) ، وتوهم أن الترك ومجرد أن

______________________________________________________

وقد تقدم ايضا ان المنساق من لفظ الامر هو الطلب بوجوده الانشائي ، وكذلك المنساق من لفظ النهي هو الطلب بوجوده الانشائي ، وكل ما دلت عليه صيغة افعل انشاء من طلب او وجوب او غير ذلك فصيغة النهي تدل عليه ايضا ، سوى انه لم يوجد قائل بدلالة صيغة النهي على المرة كما كان قائل في دلالة صيغة الامر على المرة.

واما لو قلنا بان متعلق النهي كالامر هو الطبيعة فهل النهي كالامر في الاكتفاء بامتثاله بالمرة ام لا؟ وسيأتي التنبيه على ذلك.

وعلى كل فمن هذه الجهات الامر والنهي وصيغتاهما متوافقان ولا اختلاف بينهما إلّا ان متعلق الطلب في الامر وصيغته هو وجود متعلقهما وفي النهي وصيغته متعلق الطلب عدم الوجود ، وقد اشار إلى ما ذكرنا بقوله : ((الظاهر ان النهي بمادته وصيغته في الدلالة على الطلب مثل الامر بمادته وصيغته غير ان متعلق الطلب في احدهما)) : أي في الامر بمادته وصيغته ((الوجود وفي الآخر)) : أي في النهي بمادته وصيغته ((العدم)) وقد اشار إلى ان ما يعتبر في الامر مادة وصيغة معتبر في النهي كذلك مادة وصيغة من العلو والوجوب وغير ذلك بقوله : ((فيعتبر فيه)) : أي في النهي ((ما استظهرنا اعتباره فيه)) : أي في الامر مادة وصيغة.

(١) قد ذكرنا ان مثل الاشتراك في مادة الامر بين معنيين أو اكثر يختص به مادة الامر دون مادة النهي ، ووجود القائل بدلالة نفس صيغة الامر على المرة مما تختص به صيغة الامر دون صيغة النهي ، وقد اشار الى ان ما يختص به النهي دون الامر هو الخلاف الواقع في صيغة النهي دون الامر ، وهو متعلق الطلب فيها هل هو مجرد الترك وعدم الفعل او هو الكف وهو المعنى الوجودي الحاصل للنفس من الممانعة عن

٢

لا يفعل خارج عن تحت الاختيار ، فلا يصح أن يتعلق به البعث والطلب ، فاسد ، فإن الترك أيضا يكون مقدورا ، وإلا لما كان الفعل مقدورا وصادرا بالارادة والاختيار ، وكون العدم الازلي لا بالاختيار ،

______________________________________________________

ميلها الى الوجود ، بخلاف الامر فان كون المتعلق للطلب فيه هو وجود الفعل وايجاده موضع وفاق.

ولا يخفى ان مادة النهي تابعة لهذا الخلاف لأن المنصرف من لفظ النهي أو الموضوع له فيه هو ما أنشئ بالصيغة ، فان قلنا ان ما ينشأ بصيغة النهي هو طلب الترك وعدم الفعل كان المراد من مادة النهي هو هذا الانشاء ، وان قلنا ان ما ينشا بالصيغة هو طلب الكف كان المراد من مادة النهي هو انشاء طلب الكف.

والمختار للمصنف ان ما ينشأ بالصيغة هو طلب مجرد الترك وان لا يفعل دون طلب الكف ، واليه اشار بقوله : ((الظاهر هو الثاني)) لان الثاني في مساق عبارته هو مجرد الترك وان لا يفعل. ولعل سبب استظهاره ذلك هو ان الصيغة مركبة من هيئة ومادة ، والمادة هي الفعل والهيئة دالة على طلب مجرد ترك الفعل ولا يستفاد منها غير ذلك ، فلا دلالة فيها على ذلك المعنى المدعى وهو كف النفس عن ميلها ، مضافا الى ما ذكروه في بعض المطولات من انه لا يعقل ان يكون المراد بصيغة النهي هو طلب الكف ، اذ المراد من الكف ـ كما مر ـ هو ردع النفس عن ميلها إلى الفعل ، فيلزم على هذا ان يكون المكلف الذي ليس له ميل إلى الفعل ان لا يكون منهيا وغير متوجه اليه النهي ، لانه اذا كان لا يمكن ان يحصل له ميل فطلب الردع عن الميل طلب المستحيل ، واذا كان مما يمكن ان يحصل له ميل فيجب على المكلف تحصيل الميل ليتمكن من امتثال النهي ، ومن البعيد جدا ان يلتزم بانه يجب على المكلف الميل ليقدر على الامتثال ، وحينئذ فينحصر على القول بطلب الكف في النهي اختصاص النهي بخصوص من له الميل الى الفعل وهذا ايضا من المستبعد جدا.

٣

لا يوجب أن يكون كذلك بحسب البقاء والاستمرار الذي يكون بحسبه محلا للتكليف (١).

______________________________________________________

(١) هذا اشارة الى البرهان الذي اقامه مدعي ان النهي هو طلب الكف لا مجرد ان لا يفعل.

وحاصله : ان عدم الفعل غير مقدور ، ويشترط في الامر والنهي ان يكونا متعلقين بما هو مقدور ، والدليل على ان العدم غير مقدور امور ثلاثة :

الأول : ان العدم نفي محض لا محل لتاثير القدرة فيه ، اذ العدم لا شيء ومتعلق القدرة لا بد وان يكون شيئا.

والجواب عنه : ان القدرة على ما عرفوها هي كون الشخص ان شاء فعل وان لم يشأ لم يفعل ، فالقادر هو الذي يستطيع ان يشاء وان لا يشاء ، فالفعل وجوده تحت القدرة لانه يستطيع وجوده فيفعله وعدمه تحت القدرة ايضا لانه لما كان يستطيع أن يشاء فيفعل كان نقض العدم وتبديله بالوجود تحت قدرته وهذا المقدار كاف في نسبة القدرة الى العدم وانه من المقدور لا من غير المقدور ، فهو يستطيع ان لا يفعل بالمعنى الذي ذكرناه مضافا الى انه لو لم يكن عدم الفعل تحت قدرة الشخص لكان وجوده ضروري التحقق من الشخص فلا يكون فعله مقدورا ايضا.

والحاصل : ان الفعل اذا كان غير مقدور فالعدم غير مقدور لعدم القدرة على نقضه ، واذا كان الفعل ضروري التحقق من غير اختيار للشخص فيه كحركة المرتعش فالعدم غير مقدور وهو واضح ، والفعل ايضا غير مقدور لانه لم يكن الشخص بالنسبة اليه بحيث ان شاء فعل ، واذا كان الفعل مقدورا للشخص بحيث ان شاء فعل كان العدم مقدورا ايضا لاستطاعة نقضه وتبديله ، والى هذا الجواب اشار بقوله : ((فان الترك ايضا يكون مقدورا وإلّا لما كان الفعل مقدورا)) وحاصله : انه ليس معنى القدرة التأثير حتى تختص بالوجود ، بل القدرة هي الاستطاعة وليس لازم الاستطاعة التأثير في الوجود والعدم.

٤

.................................................................................................

______________________________________________________

الثاني : ان العدم سابق على النهي فمتعلق النهي لا بد وان يكون متاخرا عنه ، اذ لا يعقل تاثير المتاخر فيما تقدم عليه لانه من تحصيل الحاصل.

والجواب عنه : ان متعلق النهي ليس هو العدم السابق على النهي بل العدم المتاخر عن النهي ، فان العدم مستمر مع الزمان فما مع الزمان المتقدم متقدم وما مع الزمان المتاخر متاخر وليس من تحصيل الحاصل ، لأن السابق هو نفس العدم والمتأخر هو ابقاء العدم واستمراره.

الثالث : ان العدم ازلي لانه لا شيء ، ولا شيئية اللاشيء ذاتية للاشيء والذاتيات لا تحتاج الى علة ولا بد في المطلوب من المكلف اختياره هو العلة له فلذلك كان العدم لا يتعلق به الاختيار ، وقد اشار الى هذا بقوله : ((وكون العدم الازلي لا بالاختيار)).

والجواب عنه : ان ازلية العدم لا تحتاج الى علة في عالم الازل ولكن بقاءه واستمراره ليس كذلك ، لانه يمكن ان ينقلب العدم بقاء الى الوجود ، فاستمرار العدم بقاء بان لا ينقلب الى الوجود انما هو لان الشخص بيده ابقاؤه على عدميته وبيده قلبه الى الوجود ، فاستمرار العدم مما تتعلق به قدرة المكلف بالمعنى المتقدم وكلما تتعلق به القدرة فهو اختياري ، واذا كان اختياريا كان متعلقا للتكاليف ، والى هذا اشار بقوله : ((لا يوجب ان يكون)) كذلك ((بحسب البقاء والاستمرار)) : أي كون العدم ازليا في عالم ازليته لا يوجب ان يكون ازليا في عالم بقائه واستمراره لإمكان ان يكون ازليا في عالم الازل حيث انه لا يحتاج الى العلة ازلا ، ولكن بقاؤه واستمراره حيث انه يمكن ان ينقلب الى الوجود بقاء فاستمراره منوط بان لا يقلبه احد الى الوجود ، فالشخص المقتدر على قلبه الى الوجود يكون امر هذا العدم بيده وتحت اختياره ان شاء واراد قلبه انقلب وان لم يرد ان يقلبه لا ينقلب ، والتكاليف لا تحتاج اختياريتها التي هي الشرط فيها إلى اكثر من ذلك ، فمتعلق الطلب في النهي هو ابقاء العدم واستمراره ، وحيث كان الابقاء والاستمرار للعدم تحت اختيار

٥

.................................................................................................

______________________________________________________

المكلف كان هذا هو ((الذي يكون بحسبه)) العدم ((محلا للتكليف)) هذا على ما هو الظاهر من المصنف.

ويمكن ان يجاب مع تسليم ان القدرة لا تتعلق بالعدم بذاته على ما يظهر من كلمات اهل المعقول ، فانهم يقولون ان العدم غير محتاج إلى علّة ، ومضمون ما يقولون في مقام تعريف القدرة النفسانية انها : هي قوة النفس على الارادة وساير افعال النفس ، والقدرة الجسمانية : هي القوة المنبثة في العضلات التي بواسطتها تتحرك العضلات الى ما تتوجه اليه.

ومن الواضح ان العدم مما لا تتحرك له العضلات مضافا الى كلامهم الاول ان العدم غير محتاج إلى العلّة يظهر جليّا ان العدم لا تتعلق القدرة به بنفسه ، ولكن هذا لا ينافي ما يحتاج اليه التكليف ، لأن وجود الفعل حيث كان مما تتعلق به القدرة فانه مما تتحرك له العضلات واذا شاء الشخص ان يفعله فعله فوجود الفعل تحت القدرة ، واذا لم يرد ان يفعله لو يحصل الوجود ويبقى عدمه على حاله ، فالعدم وان لم يكن متعلقا للقدرة بذاته إلّا انه حيث كان قلبه إلى الوجود تحت القدرة فيكون ابقاؤه واستمراره بيد المكلف ، فهو كالمقدور بالواسطة بسبب القدرة على نقيضه الذي به يتبدل العدم ويقوم الوجود بدلا عنه وهذا المقدار كاف في صحة التكليف به ، فان صحة التكليف لا تناط بما لا بد ان يكون هو متعلق حركة العضلات بل هي منوطة بما يكون وضعه بيده كالوجود بان يقدر عليه بتحريك عضلاته اليه ، وبما كان إبقاؤه واستمراره بيده كالعدم بواسطة ان نقيضه وهو الوجود بيده ، فالعدم كالمقدور مع الواسطة والوجود متعلق لها بلا واسطة وهذا المقدار كاف في صحة التكاليف وكونها اختيارية.

٦

ثم إنه لا دلالة لصيغته على الدوام والتكرار ، كما لا دلالة لصيغة الامر (١) وإن كان قضيتهما عقلا تختلف ولو مع وحدة متعلقهما ، بأن يكون طبيعة واحدة بذاتها وقيدها تعلق بها الامر مرة والنهي أخرى (٢) ،

______________________________________________________

(١) قد عرفت فيما تقدم انه لم نظفر بمن قال : ان صيغة النهي تدل على المرة ، وانما الكلام في دلالتها على التكرار بان يكون التكرار جزء ما يدل عليه النهي ، أو ان التكرار مستفاد من قرينة خارجة عن مدلول اللفظ في النهي.

وحيث ان صيغة النهي مركبة من هيئة ومادة ومدلول المادة هو الماهية والطبيعة من دون تقيدها بشيء ومدلول الهيئة هو النهي عن هذه الطبيعة ـ فلا يكون التكرار مما يدل عليه اللفظ اذ ليس هو بعض مدلول المادة ولا الهيئة.

كما انه قد عرفت الحال في عدم دلالة صيغة الامر عليه ، والى هذا اشار بقوله : ((ثم انه لا دلالة لصيغته)) : أي لصيغة النهي ((على الدوام والتكرار كما لا دلالة لصيغة الامر عليه)).

(٢) توضيحه ان النهي في مرحلة الثبوت اما ان يتعلق بعدم الماهية بنحو الاهمال والمهملة في قوة الجزئية فيكفي في الامتثال تحقق فرد للعدم ولو آناً ما ، واما ان يتعلق بعدم الماهية بحيث لا يشذ عنه عدم فلا يحصل الامتثال الا بعدم جميع هذه الماهية الدفعية من افراد هذا العدم والتدريجية منها ، فيجب ترك الخمر ـ مثلا ـ في أي مكان واي زمان ، هذا في مرحلة الثبوت.

واما في مرحلة الاثبات فحيث كان الامر والنهي تابعين للمصلحة فيه وللمفسدة فيختلف حال متعلق الامر والنهي اذا كان المولى في مقام البيان ، فبواسطة الاطلاق في مقام الامر يكتفى بايجاد الطبيعة مرة واحدة ، لانه بمحض ايجادها مرة واحدة تتحقق الطبيعة الحاملة للمصلحة الداعية الى الامر بايجاد هذه الطبيعة ، فكون هذه الطبيعة قد تعلق الطلب بها بنحو التكرار يحتاج إلى قرينة ، وحيث ان المفروض انتفاء القرينة

٧

.................................................................................................

______________________________________________________

فالاطلاق يقتضي الاكتفاء بالمرة ، وفي مقام النهي حيث انه تابع للمفسدة في هذه الطبيعة فالنهي ببركة مقدمات الحكمة يدل على ان ذات هذه الطبيعة غير المقيدة بشيء فيه المفسدة ، ففي أي فرد من افراد الطبيعة تحققت الطبيعة تحققت المفسدة ، ولا يتخلص من هذه المفسدة إلّا بترك جميع افراد هذه الطبيعة ، وحيث كان المولى في مقام البيان ولم يقيد هذه الطبيعة بمكان خاص أو زمان خاص فيستكشف من عدم تقييده في مقام البيان ان نفس ذات هذه الطبيعة هو متعلق النهي ، فالعقل يحكم بان ترك هذه الطبيعة التي تعلق النهي بنفس ذاتها لا يحصل إلّا بترك هذه الطبيعة بجميع افرادها الدفعية والتدريجية ، وقد اشار إلى هذا الاختلاف بين صيغتي الامر والنهي بقوله : ((وان كان قضيتهما عقلا)) : أي قضية الامر والنهي عقلا ((تختلف ولو مع وحدة متعلقهما بان يكون طبيعة واحدة بذاتها وقيدها تعلق بها الامر مرة والنهي اخرى ضرورة)).

قوله : ((ضرورة)) للاشارة الى سبب اختلافهما من ان العقل يحكم بالفرق بينهما وان وجود الطبيعة يتحقق بوجود فرد من افرادها وعدم الطبيعة لا يتحقق إلّا بعدم جميع افرادها ، إلّا انه لا يخفى ان العقل لا يحكم بهذا الفرق إلّا اذا كان متعلق النهي في مرحلة الواقع هو عدم الطبيعة بحيث لا يشذ عنه عدم.

واما لو كان متعلق الطبيعة واقعا هو عدم الطبيعة بنحو الاهمال فلا يحكم بذلك ، لأن المهملة في قوة الجزئية ، وقد اشار الى ان الدوام والاستمرار في ترك الطبيعة يستفاد من الاطلاق وفي مرحلة الاثبات بقوله : ((اذا كان متعلقه طبيعة مطلقة)) : أي انه اذا كان متعلق النهي هو الطبيعة المطلقة يستفاد ان الدوام والاستمرار مطلوب في ترك الطبيعة.

ومن الواضح : ان هذه الاستفادة انما هي ببركة الاطلاق في مرحلة الاثبات فالاطلاق يثبت ان متعلق النهي هو الطبيعة المطلقة غير المقيدة بزمان أو حال من الاحوال ، والعقل يحكم ان الطبيعة التي دل الدليل على الاطلاق فيها لا يحصل

٨

ضرورة أن وجودها يكون بوجود فرد واحد ، وعدمها لا يكاد يكون إلا بعدم الجميع ، كما لا يخفى.

ومن ذلك يظهر أن الدوام والاستمرار ، إنما يكون في النهي إذا كان متعلقه طبيعة مطلقة غير مقيدة بزمان أو حال ، فإنه حينئذ لا يكاد يكون مثل هذه الطبيعة معدومة ، إلا بعدم جميع أفرادها الدفعية والتدريجية.

وبالجملة قضية النهي ، ليس إلا ترك تلك الطبيعة التي تكون متعلقة له ، كانت مقيدة أو مطلقة ، وقضية تركها عقلا ، إنما هو ترك جميع أفرادها.

ثم إنه لا دلالة للنهي على إرادة الترك لو خولف ، أو عدم إرادته ، بل لا بد في تعيين ذلك من دلالة ، ولو كان إطلاق المتعلق من هذه الجهة ، ولا يكفي إطلاقها من سائر الجهات ، فتدبر جيدا (١).

______________________________________________________

تركها الّا بترك جميع افرادها الدفعية والتدريجية ، والى هذا اشار بقوله : ((وقضية تركها عقلا انما هو ترك جميع افرادها)).

(١) توضيحه ان النهي اما ان يتعلق بالطبيعة بنحو الاستغراق بان ينحل الى نواهي عديدة بعدد اعدام الطبيعة ، وفي مثل هذا لا اشكال انه لو خولف احد افراد الطبيعة فلا يسقط النهي المتعلق ببقية افرادها ، اذ لكلّ عدم منها نهي متعلق به لا ربط له بالنهي الآخر ، فان قضية الاستغراق لا بد فيها من الانحلال الى نواه متعددة ، ولازم الانحلال ان يكون لكل واحد منها اطاعة وعصيان لا ربط له باطاعة الآخر وعصيانه ، فلا يكون عصيان واحد منها مستلزما لسقوط النواهي الأخر حتى لا يكون لها اطاعة وعصيان.

واما اذا كان متعلق النهي هو عدم الطبيعة بنحو الوحدة ولو بحيث لا يشذ عنها عدم الّا ان متعلق النهي واحد ولا بد ان يكون للمتعلق الواحد حكم واحد ، فهذا

٩

.................................................................................................

______________________________________________________

العدم الملحوظ بنحو كونه واحدا وان كان بحيث انه لا يشذ عنه عدم إلّا انه ليس له إلّا حكم واحد.

ومن الواضح : ان الحكم الواحد لو خولف سقط بالمخالفة والعصيان ولا تكون الطبيعة متعلقة للنهي الا بنهي آخر غير هذا النهي الساقط ، فلا بد في مقام بقاء النهي ـ لو خولف ـ على حاله متعلقا بالطبيعة من دلالة دليل على انه بنحو الاستغراق ولو كان ذلك الدليل هو الاطلاق ، اما لو كان لها اطلاق لا يدل إلّا على ان الطبيعة ليست ملحوظة بنحو الاهمال ، بل كان عدم الطبيعة ملحوظا بنحو لا يشذ عنه عدم ، إلّا انه لا يفيد هذا الاطلاق بهذا المقدار على بقاء النهي لو خولف لانه وان كان قد تعلق بالطبيعة بنحو ان يكون العدم ملحوظا بنحو لا يشذ عنه عدم ، إلّا انه حيث انه له حكم واحد وهو يسقط بالمخالفة فلا يكون هناك دليل على إبقاء العدم لو خولف ، وقد اشار الى ما ذكرنا من انه لا بد في بقاء النهي لو خولف من دلالة ولو بالاطلاق على كونه بنحو الاستغراق والانحلال الى نواه بقوله : ((بل لا بد في تعيين ذلك من دلالة ولو كان اطلاق المتعلق من هذه الجهة)) واشار الى ان الاطلاق من ساير الجهات لا يكفي في ذلك كما لو كان له اطلاق من ناحية عدم الاهمال فقط بقوله : ((ولا يكفي اطلاقها من ساير الجهات)).

وقد ظهر مما ذكرنا : ان نفس النهي المتعلق بالطبيعة لا دلالة فيه على بقائه لو خولف ، لما عرفت : من ان الاستغراق أو غيره لا بد وان يستفاد من دليل يدل عليه ، اما نفس صيغة النهي فلا دلالة لها الا على طلب الترك المستفاد من الهيئة وان متعلقه هو هذه المادة المستفاد ذلك من المادة ، واما ان هذا الطلب المتعلق بترك هذه المادة على أي نحو بحيث يكون باقيا لو خولف أو غير باق فليس ذلك داخلا في مفاد الهيئة ولا في مفاد المادة حتى تكون الصيغة دالة عليه.

بقي شيء : وهو هل للصيغة الواردة في مقام البيان اطلاق يقتضي كونها بنحو الاستغراق ام لا؟

١٠

فصل

اختلفوا في جواز اجتماع الامر والنهي في واحد ، وامتناعه ، على أقوال : ثالثها جوازه عقلا وامتناعه عرفا ، وقبل الخوض في المقصود (١)

______________________________________________________

لا يبعد ان يقال : ان اطلاق الصيغة الواردة في مقام البيان يعيّن الاستغراق ، فان النهي حيث انه تابع للمفسدة ، فلازم كونها متعلقة للنهي ان هذه الطبيعة هي المتحملة بنفسها للمفسدة ، ومن الواضح : ان كل وجود من وجودات الطبيعة متحمل لطبيعة ذات المفسدة ايضا ، ولازم ذلك ان يكون كل وجود من وجودات هذه الطبيعة حيث انه فيه الطبيعة الحاملة للمفسدة ان يكون مطلوب الترك ، ومعنى ذلك هو انحلال النهي إلى نواه متعددة ولكل واحد منها اطاعة وعصيان ، ومعنى هذا هو بقاء النهي المتعلق بهذه الطبيعة لو خولف في احد افراده.

(١) لا يخفى ان هذا الفصل من اهم مسائل هذا المقصد الثاني المختص للبحث عن مسائل النهي ، وقد عنونوا المسألة : بانه هل يجوز اجتماع الامر والنهي في واحد ام لا يجوز؟

والاقوال فيه ثلاثة : جواز الاجتماع عقلا وعرفا ، وعدم الجواز عقلا وعرفا ، والتفصيل بجوازه عقلا وامتناعه عرفا.

ولا يخفى انه لا بد من انطباق متعلق الامر والنهي على هذا الواحد ظاهرا اذ لو لم ينطبقا عليه فلا شبهة في جوازه ، فان الامر باكرام زيد والنهي عن احترام عمر مما لا شبهة فيه ، ولكنه اذا انطبقا على شيء واحد ظاهرا فالقائل بجواز الاجتماع يقول لا مانع من الامر بشيء بحيث يسع هذا الواحد الذي ينطبق عليه ما تعلق به النهي ويكون هذا الواحد باعتبار انطباق متعلق الامر عليه امتثالا واطاعة للامر ، وباعتبار انطباق متعلق النهي عليه عصيانا للنهي.

والقائل بعدم الجواز يقول بانه يمتنع ان يكون هذا الواحد مما ينطبق عليه الامر والنهي بالفعل ، ولا يعقل بقاؤهما على حالهما بحيث يسعان هذا الواحد ، ولا بد

١١

يقدم أمور :

الاول : المراد بالواحد مطلق ما كان ذا وجهين ، ومندرجا تحت عنوانين ، بأحدهما كان موردا للامر ، وبالآخر للنهي ، وإن كان كليا مقولا على كثيرين ، كالصلاة في المغصوب ، وإنما ذكر لاخراج ما إذا تعدد متعلق الامر والنهي ولم يجتمعا وجودا ، ولو جمعهما واحد مفهوما ، كالسجود لله تعالى ، والسجود للصنم مثلا ، لا لاخراج الواحد الجنسي أو النوعي كالحركة والسكون الكليين المعنونين بالصلاتية والغصبية (١).

______________________________________________________

اما ان لا يكون متعلق الامر بالفعل مما يسعه ، أو يكون متعلق النهي بالفعل مما لا يسعه ، ولا يعقل ان يكون كلاهما مما يسعاه بالفعل ، بل لا بد إما ان يكون الامر مما يسعه بالفعل ولا يسعه النهي بالفعل أو بالعكس.

ومما ذكرنا ظهر : ان المراد من الجواز وعدم الجواز هو الامكان وعدم الامكان.

والقائل بالتفصيل يقول : بانه ممكن عقلا ولكنه ممتنع وغير ممكن عرفا.

(١) لا يخفى ان الواحد قد يكون جنسيّا كالسجود ، وقد يكون نوعيا كنوع السجود المتفصّل بكونه لله والمتفصّل بكونه لغير الله ، وقد يكون صنفيّا كالسجود لشكر الله والسجود خضوعا له تعالى وكالسجود للصنم أو السجود للنار ، وقد يكون شخصيا كالسجود الخارجي لله.

ولا وجه لاختصاص الواحد الشخصي بالنزاع ، لأن موضوع النزاع هو ان الواحد اذا كان مجمعا لمتعلقي الامر والنهي هل يقع به امتثال الامر وعصيان النهي؟ ولازم هذا بقاء كلّ من متعلقي الامر والنهي بحيث يسعان هذا المجمع أو يمتنع ذلك ولا يعقل بقاؤهما كذلك ، بل اما ان يبقى احدهما أو يسقطا معا للمعارضة أو المزاحمة على ما سيأتي الاشارة اليه في الامر التاسع.

١٢

.................................................................................................

______________________________________________________

وكما يمكن ان يكون الواحد الشخصي مجمعا لهما كذلك يمكن ان يكون الواحد الجنسي أو النوعي أو الصنفي مجمعا لهما ايضا.

وبعبارة اخرى : انه كما يمكن ان يكون الفرد الواحد الخاص الخارجي مجمعا لمتعلقي الامر والنهي كزيد المجتمع فيه عنوان العالم المطلوب اكرامه وعنوان الفاسق الذي يحرم احترامه ، كذلك يمكن ان يكون الكلي الواحد مجمعا للعنوانين ، ككلي الركوع الذي هو احد انواع الوضع ، فانه يكون بما هو كلي الركوع مجمعا لعنوان الصلاة وعنوان الغصب ، فلا وجه لاختصاص النزاع بالواحد الشخصي.

لا يقال : ان الاجتماع في الكلي لو كان موجبا لدخوله في موضوع النزاع لكان الامر بالسجود لله والنهي عن السجود للصنم مما لا يجتمعان ـ بناء على الامتناع ـ واجتماعهما مما لا ريب فيه مع انهما يجتمعان في كلي واحد وهو السجود ، فذهاب كل من القائلين بالجواز والامتناع الى صحة هذا الاجتماع مما يدل على خروجه عن موضوع النزاع.

فانه يقال : ان القائل بالامتناع انما يرى الامتناع اما لانه لا يمكن ان يجتمع فيما هو الحكم لبّا وهو الارادة والكراهة لواحد بان يريد هذا الواحد ويكرهه ، أو لانه لا يمكن ان يجتمع التحريك إلى هذا الواحد والبعث اليه مع التحريك إلى عدمه والزجر عنه ، ولازم هذا الكلام انه لا بد ان يجتمع ما تعلق به الامر وما تعلق به النهي في وجود هذا الواحد ، فان كان هذا الواحد فردا شخصيا فله وجود شخصي وان كان كليا ففي وجوده في ضمن فرده ، واذا كان الكلي متفصلا بفصلين لا يعقل ان يجتمعا في وجود واحد للكلي ولو في ضمن فرده كالسجود لله والسجود للصنم ، فانه لا يعقل ان يجتمعا في وجود واحد لكلي السجود ولو في ضمن احد افراده ، اذ لا يعقل ان يجتمع في وجود واحد للسجود الكلي هذان النوعان وهما السجود لله والسجود للصنم ، بخلاف كلي الركوع المتحقق في فرد من افراده فانه يمكن ان يكون مجمعا للصلاة والغصب ، وكذلك السجود الكلي المتحقق في ضمن فرد من افراده

١٣

.................................................................................................

______________________________________________________

يمكن ان يجتمع فيه العنوانان كالصلاة والغصب ، إلّا انه لا يعقل ان يكون مجمعا لعنواني السجود لله والسجود للصنم ، فالواحد الجنسي الذي يمكن ان يجتمع في وجوده العنوانان هو الداخل في موضع النزاع ، والواحد الجنسي الذي لا يعقل ان يجتمع في وجوده ولو في ضمن فرده العنوانان فهو خارج عن محل النزاع ، فالسجود الكلي الذي يكون مجمعا لعنواني الصلاة والغصب هو الداخل دون السجود الكلي بالنسبة الى نوعيه وهما السجود لله والسجود للصنم فانه خارج عن موضع النزاع.

وبعبارة اخرى : ان محل النزاع هو ان متعلق الامر والنهي الذي يمكن ان يجتمعا في الوجود الواحد سواء كان ذلك الوجود الواحد مجمعا لهما من حيث انه بذاته انطبق عليه العنوانان كزيد الشخصي الذي ينطبق عليه عنوانا العالم والفاسق ، أو لانه قد تحقق في ضمنه الواحد الجنسي الذي هو المجمع للعنوانين كهذا الوضع الخاص الذي تحقق به كلي الوضع السجودي الذي اجتمع فيه ـ بما هو وضع سجودي ـ عنوانا الصلاة والغصب ، وقد اشار الى ما ذكرنا بقوله : ((المراد بالواحد)) في العنوان المذكور هو ((مطلق ما كان ذا وجهين ومندرجا تحت عنوانين باحدهما كان موردا للامر وبالآخر للنهي وان كان كليا مقولا على كثيرين)) أي وان كان ذلك الواحد كليا ومقولا على كثيرين ولا يختص الواحد المذكور في العنوان بالواحد الشخصي ، بل يعم الواحد الجنسي ايضا ((كالصلاة في المغصوب)) فان الصلاة في المغصوب قد اجتمع عنوان الصلاة والغصب في وضع الركوع والسجود والقيام وكل من هذه كلي مقولا على كثيرين من افراد وضع الركوع والسجود والقيام ((وانما ذكر)) الواحد في العنوان لا لاخراج غير الواحد الشخصي بل ((لا خراج)) الواحد مفهوما وهو مثل ((ما اذا)) تعدد متعلق الامر والنهي ولم يجتمعا وجودا ولو جمعهما واحد مفهوما كالسجود لله والسجود للصنم مثلا)) فانهما وان اجتمعا في مفهوم السجود الواحد إلّا ان مفهوم السجود بالنسبة إلى هذين : العنوان المامور باحدهما والمنهي عن احدهما جامع مفهومي لهما لا جامع وجودي ، اذ لا يعقل ان يجتمع في السجود

١٤

الثاني : الفرق بين هذه المسألة ومسألة النهي في العبادة ، هو أن الجهة المبحوث عنها فيها التي بها تمتاز المسائل ، هي أن تعدد الوجه والعنوان في الواحد يوجب تعدد متعلق الامر والنهي ، بحيث ترتفع به غائلة استحالة الاجتماع في الواحد بوجه واحد ، أو لا يوجبه ، بل يكون حاله حاله ، فالنزاع في سراية كل من الامر والنهي إلى متعلق الآخر ، لاتحاد متعلقيهما وجودا ، وعدم سرايته لتعددهما وجها ، وهذا بخلاف الجهة المبحوث عنها في المسألة الاخرى ، فإن البحث فيها في أن النهي في العبادة أو المعاملة يوجب فسادها ، بعد الفراغ عن التوجه إليها (١).

______________________________________________________

الكلي الموجود ولو في ضمن فرده عنوانا السجود لله والسجود للصنم فلا يمكن ان يكون وجودا للسجود يكون ذلك الوجود السجودي سجودا لله وسجودا للصنم.

وعلى كل فالواحد المذكور انما ذكر لاخراج الواحد المفهومي ((لا لاخراج الواحد الجنسي أو النوعي كالحركة والسكون الكليين المعنونين بالصلاتية والغصبية)).

ولا يخفى ان السكون انما يكون مجمعا للعنوانين من الصلاة والغصبية بناء على كون السكون من الاكوان الصلاتيّة ، إلّا ان يكون مراده من السكون هو الوضع الخاص الذي يكون حال السكون كالوضع الركوعي والسجودي.

(١) لا يخفى ان الداعي لإبداء الفرق بين هذه المسألة ومسألة دلالة النهي على الفساد في العبادة هو ان موضوع هذه المسألة هو الامر والنهي ومحمولها جواز الاجتماع وعدمه ، والموضوع والمحمول في تلك المسألة هو الامر والنهي واجتماعهما ، لأن لازم دلالة النهي على الفساد في العبادة وعدمه هو تعلق النهي بما تعلق به الامر ، ولازم تعلق النهي بما تعلق به الامر هو اجتماع الامر والنهي ، فهي مشتملة على الامر والنهي وعلى اجتماعهما ، فمن هنا يبدأ توهم المتوهم : انه ما الفرق بين هاتين المسألتين مع ان هذه المسألة هي الامر والنهي والبحث عما يستلزمه اجتماعهما ، وتلك المسألة ايضا هي الامر والنهي والبحث عما يستلزم اجتماعهما.

١٥

.................................................................................................

______________________________________________________

والذي يرتضيه المصنف في الفرق بينهما : هو ان المميز لمسألة عن مسألة اخرى هو الجهة المبحوث عنها في كل مسألة.

وتوضيحه : انه قد تقدم لك في صدر الكتاب هو ان المميز للعلوم بعضها عن بعض هو امتيازها بالغرض لا بالموضوعات ولا بالمحمولات وكان المميز للعلوم هو الغرض ، فالمميز للمسائل بعضها عن بعض هو الغرض والجهة التي دعت للبحث عن تلك الجهة في تلك المسألة ، لا باختلاف الموضوع في المسألتين ولا باختلاف المحمول فيهما ، فلو اتحدت المسألتان موضوعا ومحمولا واختلفتا في الغرض والجهة المبحوث عنها فيهما فهما مسألتان مختلفتان بواسطة اختلاف الغرض ، ولو اختلفتا موضوعا ومحمولا أو موضوعا فقط ومحمولا فقط ولكنهما اتحدتا في الغرض فهما متحدتان وغير مختلفتين ، مثلا مسألة قام زيد المبحوث عنها من حيث الفاعل داخلة في المسألة المبحوث فيها عن الفاعل هي غير مسألة قام زيد المبحوث عنها في المسألة الباحثة عن الفعل وان اتحدت المسألتان موضوعا ومحمولا ، ومسألة زيد قائم وعمرو قاعد المبحوث عنهما في مسألة المبتدأ والخبر هما مسألة واحدة وان اختلفتا موضوعا ومحمولا.

فاتضح : ان المميز للمسائل هو الغرض والجهة المبحوث عنها في تلك المسألة لا الموضوع ولا المحمول.

واذا عرفت هذا تعرف ان الجهة المبحوث عنها في مسألة الاجتماع وعدمه هو ان تعدد الوجه والعنوان كالصلاة المامور بها والغصبية المنهي عنها المجتمعتين في الحركة الصلاتية في المكان المغصوب هل يوجب تعدد تلك الحركة ام لا يوجب تعددها؟

فالقائل بالجواز يرى ان تعدد الوجه في الامر والنهي موجب لتعددها.

والقائل بالامتناع يرى ان تعدد الوجه والعنوان في الامر والنهي لا يوجب التعدد فيما اجتمعا فيه وهي الحركة. والوجه والغرض المبحوث عنه في مسألة دلالة النهي

١٦

.................................................................................................

______________________________________________________

على الفساد في العبادة هو ان النهي المتعلق بما تعلق به الامر هل يوجب فساده وعدم صحة الامتثال به او لا يوجب فساده؟

والفرق بين هاتين الجهتين واضح ، فان الجهة في مسألة الاجتماع هو اقتضاء تعدد العنوان لتعدد المجمع وعدمه ، والجهة في مسألة دلالة النهي على الفساد في العبادة هو فساد العبادة التي صارت مجمعا لهما.

والفرق بين تعدد المجمع وعدمه ، وفساد العبادة المجمع لهما وعدمه من اوضح الواضحات. وبعد تمايز الجهتين في المسألتين يتضح الميزان الفارق بينهما ، وقد عرفت ان الجهة والغرض هو المميّز ، وحينئذ فسواء اتحد الموضوع والمحمول في المسألتين أو اختلفا فهما مسألتان لاختلاف الجهة فيهما ، وقد اشار إلى ان المميّز للمسائل هو الجهة والغرض بقوله : ((الفرق بين هذه المسألة ومسألة النهي في العبادة هو ان الجهة المبحوث عنها فيها)) : أي في هذه المسألة ((التي بها)) : أي التي بتلك الجهة المبحوث عنها في المسألة ((تمتاز المسائل)) بعضها عن بعض ، وقد اشار الى ان الجهة في هذه المسألة غير الجهة في مسألة النهي في العبادة بقوله : ((هي ان تعدد الوجه والعنوان في الواحد يوجب تعدد متعلق الامر والنهي بحيث ترتفع به)) : أي بحيث ترتفع بواسطة تعدد الوجه والعنوان في هذا الواحد ((غائلة استحالة الاجتماع في الواحد بوجه واحد)) فانه من المسلم انه لا يعقل اجتماع الامر والنهي في الواحد بعنوان واحد ، فلا يعقل اجتماع الامر بالصلاة والنهي عن الصلاة بان يقول : صل ولا تصل ، ولا بد اما من رفع اليد عن احدهما أو تساقطهما والرجوع الى الاصول.

فهل ان الواحد بعنوانين كالحركات الصلاتية في المغصوب المجتمع فيها الامر بالصلاة والنهي عن التصرف في المغصوب هو كالواحد بالعنوان الواحد ، أو انه بواسطة تعدد الوجه والعنوان ترتفع المحالية وعدم الامكان المتحقق في الواحد ب عنوان واحد؟

١٧

.................................................................................................

______________________________________________________

فالنزاع في هذه المسألة في ان هذين العنوانين المجتمعين في الوجود الواحد هل يوجب سراية كل من العنوانين إلى الآخر؟ ويكون حال صلّ ولا تغصب كحال صل ولا تصل.

أو ان تعدد الوجه والعنوان لا يوجب السراية؟ فلا محالية وان كان المجمع وجودا واحدا. فهذه هي الجهة المبحوث عنها في هذه المسألة.

واما الجهة المبحوث عنها في تلك المسألة وهي مسألة النهي في العبادة فهي غير هذه الجهة ، لأن جهة البحث هناك هو ان النهي المتعلق بما تعلق به الامر كقوله صلي ولا تصلي ايام الحيض فانه قد نهيت المرأة عن الصلاة في حال حيضها ، فهل ان هذا النهي المتعلق بصلاتها في حال حيضها يدل على فساد صلاتها لو أتت بالصلاة ام لا يدل؟

ومن الواضح : ان لازم جهة البحث في مسألة النهي في العبادة كون النهي قد تعلق بما تعلق به الامر ، وبعد الفراغ عن انه قد تعلق بما تعلق به الامر فهل يوجب هذا التعلق فساد العبادة ام لا؟

فالبحث فيها عن انه هل يوجب الفساد ام لا؟ بعد الفراغ عن ان متعلق النهي هو نفس متعلق الامر. وهذا المفروغ عنه في مسألة النهي الذي لازمه عدم بقاء الامر التكليفي هو مبحوث عنه في هذه المسألة ، وان النهي المتعلق بعنوان الغصب اذا اجتمع مع عنوان الصلاة في الوجود الواحد هل يسري إلى الصلاة المتعلق بها الامر ام لا؟ فكون متعلق النهي هو متعلق الامر ليس مفروغا عنه هنا بل هو المبحوث عنه ، بخلاف مسألة النهي في العبادة فانه من المفروغ عنه فيها ، والى هذا اشار بقوله : ((بخلاف الجهة المبحوث عنها في المسألة الاخرى)) وهي مسألة النهي في العبادة ((فان البحث فيها في ان النهي في العبادة او المعاملة يوجب فسادها بعد الفراغ عن التوجه اليها)) : أي بعد الفراغ عن توجه النهي الى نفس العبادة كقوله : صلي ، ودعي الصلاة ايام اقرائك.

١٨

نعم لو قيل بالامتناع مع ترجيح جانب النهي في مسألة الاجتماع ، يكون مثل الصلاة في الدار المغصوبة من صغريات تلك المسألة.

فانقدح أن الفرق بين المسألتين في غاية الوضوح (١).

وأما ما أفاده في الفصول ، من الفرق بما هذه عبارته ثم اعلم أن الفرق بين المقام والمقام المتقدم ، وهو أن الامر والنهي هل يجتمعان في شيء واحد أو لا؟ أما في المعاملات فظاهر ، وأما في العبادات ، فهو أن النزاع هناك فيما إذا تعلق الامر والنهي بطبيعتين متغايرتين بحسب

______________________________________________________

(١) وهذا ايضا مما يدل على ان الجهة المبحوث عنها في مسألة الاجتماع غير الجهة المبحوث عنها في مسألة النهي في العبادة.

وحاصله : انه حيث كانت الجهة المبحوث عنها في هذه المسألة هو انه مع تعدد الوجه والعنوان هل يوجب سريان النهي الى متعلق الامر ام لا؟

فعلى القول بالجواز وعدم السريان لا تكون الصلاة في الدار المغصوبة مما يسرى اليها النهي المتعلق بالغصب ولا يكون متعلق الامر العبادي مما سرى اليه النهي فلا تكون من صغريات مسألة النهي في العبادة ، إذ لم يتعلق نهي بالعبادة لعدم السريان.

وعلى القول بالامتناع وان النهي عن الغصب المجتمع مع الامر بالصلاة يسري إلى الصلاة تكون الصلاة الساري لها النهي من الغصب المنهي عنه من صغريات مسألة النهي في العبادة ، وقد اشار إلى إلى ان هذا يدل على الفرق بقوله : ((فانقدح ان الفرق)) الى آخر كلامه (قدس‌سره).

١٩

الحقيقة (١) ، وإن كان بينهما عموم مطلق ، وهنا فيما إذا اتحدتا حقيقة وتغايرتا بمجرد الاطلاق والتقييد ، بأن تعلق الامر بالمطلق ، والنهي

______________________________________________________

(١) قد ظهر ـ مما مر ـ ان الفارق بين المسائل والمميز لها هو الغرض والجهة المبحوث عنها في المسألة ، وان الموضوعات والمحمولات سواء تعددت أو اتحدت لا تكون فارقة ومميزة بين المسائل هذا على مختاره (قدس‌سره).

وحيث كان ما اختاره (قدس‌سره) غير الذي اختاره في الفصول في الفرق بين المسألتين ـ تعرض إلى ما جعله في الفصول فارقا والى رده بقوله : ((فاسد)) جواب قوله : ((واما ما افاده في الفصول من الفرق)).

ولا يخفى ان صاحب الفصول ذكر الفرق بين المسألتين في مسألة النهي في العبادة المبحوث عنها بعد البحث عن مسألة الاجتماع ، فمراده من قوله المقام المتقدم هو مقام مسألة اجتماع الامر والنهي.

وحاصل الفرق عنده بين المسألتين هو اختلاف الموضوع فيهما ، ولذا قال : ((وهو ان الامر والنهي)) الى آخره.

وبيانه : ان الفرق بين مسألة الاجتماع ومسألة النهي في العبادة والمعاملة : هو ان الموضوع في مسألة الاجتماع هو ان الامر والنهي هل يجتمعان ام لا؟ وحيث كان الموضوع فيها هو الامر والنهي والمحمول اجتماعهما ـ ظهر الفرق بين مسألة الاجتماع ومسألة النهي في خصوص المعاملات ، لوضوح انه ليس في المعاملات امر يجتمع مع النهي ، بل الموجود في المعاملات حكم وضعي والامر الذي هو جزء الموضوع في مسألة الاجتماع المراد منه هو التكليفي ، فلا موجب لتوهم اتحادهما حتى نحتاج إلى ابداء الفرق ، والى هذا اشار بقوله : ((اما في المعاملات فظاهر)).

واما في النهي في العبادات فلوجود الامر التكليفي فيها نحتاج الى الفارق ، فالفرق هو ان الموضوع في مسألة الاجتماع هو الامر والنهي ، والمحمول اجتماعهما وعدمه. وحيث كان النزاع في جواز اجتماعهما في واحد ام لا؟ فلا بد وان يكون متعلق الامر

٢٠