بداية الوصول

آية الله الشيخ محمّد طاهر آل الشيخ راضي

بداية الوصول

المؤلف:

آية الله الشيخ محمّد طاهر آل الشيخ راضي


المحقق: محمّد عبدالحكيم الموسوي البكّاء
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: أسرة آل الشيخ راضي
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
964-497-056-X

الصفحات: ٣٤٢

ولا يخفى أنّه لا يكاد يأتي القسم الأوّل هاهنا ، فإنّ انطباق عنوان راجح على الفعل الواجب الّذي لا بدل له إنّما يؤكّد ايجابه ، لا أنّه يوجب استحبابه أصلا ، ولو بالعرض والمجاز إلا على القول بالجواز ، وكذا فيما إذا لازم مثل هذا العنوان فإنّه لو لم يؤكّد الإيجاب لما يصحّح الاستحباب إلّا اقتضائيّا بالعرض والمجاز ، فتفطّن (١).

______________________________________________________

الّا ان يقال بالتلازم ما بين ما بالعرض وما بالذات حتى في الاقتضائية والفعلية.

قوله : ((بالعرض والمجاز)). لا يخفى ان ظاهر العبارة ان قوله بالعرض والمجاز من متممات الاستحباب المولوي الاقتضائي ، وهو ينافي ما مر فعلا ، فلا بد وان يكون مراده انه بالعرض والمجاز بالنسبة الى الواجب ، وقد عرفت انه يمكن ان يكون فعليا بالنسبة كما مر منه التصريح بانه بالنسبة الى الواجب فعلي بالعرض والمجاز فيما كان ملاك الاستحباب هو المصداق الملازم للواجب.

(١) القسم الذي لا بدل له اذا اجتمع معه العنوان الاستحبابي.

فاما ان يكون منطبقا عليه بنحو الاتحاد او يكون مصداقه ملازما له فان كان العنوان الراجح الاستحبابي منطبقا على نفس الواجب الذي لا بدل له ، فعلى الامتناع لا يعقل ان يكون الأمر الاستحبابي باقيا على ما هو عليه من كونه امرا استحبابيا مباينا للأمر الوجوبي ، لانه بعد اتحادهما مصداقا اتحادا حقيقيا وقد جمعهما وجود واحد حقيقي يلزمه ان يكون ذلك الوجود الواحد بماله من حدود مصداقا للواجب ، فلا بد وان يندك الأمر الاستحبابي في الأمر الوجوبي ويكون مؤكدا له ولا يبقى امرا استحبابيا في قبال الأمر الوجوبي ، والى هذا اشار بقوله : ((فان انطباق عنوان راجح على الفعل الواجب الذي لا بدل له إنما يؤكد ايجابه إلّا انه يوجب استحبابه اصلا)) واذا لم يبق الأمر الاستحبابي بحاله فلا يتأتى فيه ما قلناه في القسم السابق : من امكان كونه للارشاد الى افضل الافراد ، اذا المفروض انه

١٢١

ومنها : إنّ أهل العرف يعدّون من اتى بالمأمور به في ضمن الفرد المحرّم ، مطيعا وعاصيا من وجهين ، فإذا أمر المولى عبده بخياطة ثوب ونهاه عن الكون في مكان خاصّ ـ كما مثّل به الحاجبيّ والعضديّ ـ فلو خاطه في ذاك المكان عدّ مطيعا لأمر الخياطة ، وعاصيا للنهي عن الكون في ذلك المكان (١).

______________________________________________________

لا بدل لهذا الواجب وليس هو ذا افراد ، ولا يعقل ان يكون مولويا اقتضائيا لانه بعد اندكاكه في الأمر الوجوبي لا بقاء له حتى يكون امرا مولويا اقتضائيا.

ومنه اتضح : انه لا يعقل ان يكون فعليا بالعرض والمجاز ، اذ بعد فناء ما بالذات لا يعقل بقاء ما بالعرض ولذا قال (قدس‌سره) : ((ولو بالعرض والمجاز)).

نعم بناء على الجواز حيث لا يلازم الانطباق الاتحاد واذا لم يتحد مصداق الأمر الاستحبابي مع مصداق الأمر الوجوبي لا معنى للتأكيد لان معنى التأكيد ان يكون الأمران امرا واحدا مؤكدا يدعو الى مصداق واحد ، ومع التعدد في المصداق لا يعقل ان تتحد الدعوة وتتأكد ، فيبقى الأمر الاستحبابي على مولويته الاقتضائية وعلى فعليته بالعرض والمجاز ولذا قال (قدس‌سره) : ((الا على القول بالجواز)).

واما اذا كان العنوان الراجح منطبقا على ما يلازم المصداق الوجوبي فلا يكون مؤكدا للأمر الوجوبي كما عرفت ، ولكنه لا يعقل ان يكون مولويا فعليا لعدم امكان اختلاف المتلازمين في الوجود في ناحية الحكم فلا بد وان يكون مولويا اقتضائيا بالنسبة إلى مصداقه الملازم للمصداق الوجوبي ، ويكون بالنسبة الى المصداق الوجوبي بالعرض والمجاز ولذا قال (قدس‌سره) : ((وكذا فيما اذا لازم مثل هذا العنوان)) : أي ان الحال في الملازم على الامتناع كالحال في المتحد على الجواز ((فانه لو لم يؤكد الايجاب)) وقد عرفت انه لا يؤكّد ((لما يصحح الاستحباب الا اقتضائيا)).

(١) ملخص هذا الاستدلال ان كيفية الاطاعة من وظائف الشارع والمرجع فيها هو العرف ، ونحن نرى العرف لا يرون مانعا في مقام الامتثال لأمر المولى اذا اجتمع مع

١٢٢

وفيه : مضافا إلى المناقشة في المثال بأنّه ليس من باب الاجتماع ، ضرورة أنّ الكون المنهيّ عنه غير متّحد مع الخياطة وجودا أصلا ، كما لا يخفى ـ المنع إلّا عن صدق أحدهما : إما الإطاعة بمعنى الامتثال فيما غلب جانب الأمر ، أو العصيان فيما غلب جانب النهي ، لما عرفت من البرهان على الامتناع.

نعم لا بأس بصدق الإطاعة بمعنى حصول الغرض والعصيان في التوصّليّات.

وأما في العبادات فلا يكاد يحصل الغرض منها إلّا فيما صدر من المكلّف فعلا غير محرم وغير مبغوض عليه ، كما تقدّم (١).

______________________________________________________

ما نهى عنه على نحو ان يكون السبب لاجتماعهما لم يكن من الشارع ، كما لو امر المولى عبده بالخياطة ونهاه عن الكون في مكان خاص بان قال له خط هذا الثوب ، ونهاه عن ايجاد الكون في دار زيد فخاط العبد الثوب في دار زيد ، فان العرف يراه انه قد اطاع امر الخياطة وعصى النهي عن الكون في الدار ، وقد عرفت ان العرف هو المرجع في كيفية الاطاعة والعصيان.

(١) قد اجاب عنه (قدس‌سره) بجوابين :

الاول : ما اشار اليه بقوله : ((مضافا)) وحاصله : ان محل الكلام في باب الاجتماع جوازا وامتناعا هو اجتماع متعلق الأمر والنهي في شيء واحد له وجود واحد كاجتماع الصلاة والتصرف في الدار المغصوبة بالحركة او السكون ، فان الافعال الصلاتية من القيام والركوع والسجود بنفسها مصداق للتصرف في الدار.

واما فيما اذا كان مصداق النهي شيئا غير مصداق الأمر وجودا بان كان لكل واحد منهما وجود غير وجود الآخر وهما موجودان مجتمعان لا عنوانان مجتمعان في وجود واحد فليس هذا من مسألة باب الاجتماع ، والمثال المذكور من هذا القبيل فان

١٢٣

.................................................................................................

______________________________________________________

للخياطة وجودا غير وجود الكون في الدار وليس نفس الخياطة هي مصداق للكون في الدار.

وبعبارة اوضح : ان النهي عن الكون في الدار ان كان المراد منه هو التحيز وجعل الدار حيّزا ومكانا له وهو مقولة المكان فالمنهي عنه هو ايجاد مقولة المكان في دار زيد ، فمتعلق النهي على هذا غير متعلق الأمر لان الخياطة في الدار ليست هي الهيئة المقولية المكانية في الدار ، ولذا ان العرف يرونه مطيعا في الخياطة وعاصيا في الهيئة ، وليس عندهم مانع من اجتماع موجودين كان كل واحد منهما مصداقا لعنوان غير العنوان الآخر.

واما اذا كان المراد بالنهي عن الكون في الدار هو النهي عن التصرف الشامل للحركة والسكون في الدار.

فان كان المأمور به في الخياطة هو نفس الفعل من تحريك آلة الخياطة ووصل القماش بعضه ببعض فتكون من مسألة باب الاجتماع في نفس المأمور به ، لان المأمور به ينطبق على نفس الحركة والمنهي عنه ايضا عنوان ينطبق على نفس الحركة.

واذا كان المأمور به هو الهيئة العارضة بسبب الحركة على المخيط فالحركة تكون مقدمة للمأمور به ويكون الاجتماع في مقدمة الواجب لا في نفسه.

وعلى كل حال فالعرف لا يرى تحقق الاطاعة والعصيان في المثال المذكور ، بل هو موكول الى ما ينتج عن الرأي في مسألة باب الاجتماع ، لان نفس الخياطة حركة وتصرف في الدار المنهي عن الحركة فيها ، والحال فيها كحال الصلاة في الدار المغصوبة لو كان امر الخياطة امرا عباديا ، واذا كان توصليا فيسقط الأمر بحصول الغرض بناء على الامتناع ، والى هذا اشار بقوله : ((ضرورة ان الكون المنهي عنه)) وهو الهيئة المقولية المكانية ((غير متحد مع الخياطة وجودا اصلا كما لا يخفى)).

الجواب الثاني : ما اشار اليه بقوله : ((المنع الا عن صدق احدهما ... الى آخره)).

١٢٤

بقي الكلام في حال التفصيل من بعض الأعلام ، والقول بالجواز عقلا والامتناع عرفا.

______________________________________________________

وحاصله : انه مع فرض اجتماع الأمر والنهي في وجود واحد نمنع من ان العرف يرونه مطيعا وعاصيا ، بل لا بد من التفصيل بان المراد من الاطاعة :

تارة : حصول الامتثال وايجاد المأمور به بما هو مصداق لما تعلق به الأمر.

واخرى : يكون المراد من الاطاعة حصول الغرض وسقوط الأمر لتحقق الغرض الداعي الى الأمر وان لم يحصل الامتثال بما هو امتثال للأمر.

فان اريد من الاطاعة حصول الامتثال وكون المأمور به قد حصل بما هو مأمور به ومتعلق للأمر فانا نمنع صدق الاطاعة والعصيان على ما اجتمع فيه عنوان الأمر وعنوان النهي سواء في العباديات والتوصليات.

وان كان المراد من الاطاعة حصول الغرض وسقوط الأمر فنقول بها في التوصليات دون العباديات ، لأن حصول الغرض في التوصليات لا يتوقف على قصد امتثال الأمر بل يحصل ولو بالفرد المحرم ، واما في العباديات فلتوقف حصول الغرض فيها على قصد امتثال الأمر فلا تحصل الاطاعة ايضا لعدم الأمر ، هذا اذا قلنا في مقام الاجتماع بتغليب جانب النهي ، واما اذا قلنا بتغليب جانب الأمر فتحصل الاطاعة بمعنى قصد امتثال الامر إلّا انه لا يحصل العصيان.

والحاصل : انه في العباديات ان غلب جانب النهي فيحصل العصيان دون الاطاعة ، وان غلب جانب الامر فتحصل الاطاعة ولا عصيان ، فلا تصدق الاطاعة والعصيان عند العرف في الاتيان بهذا المجمع.

واما في التوصليات فالاطاعة بمعنى اتيان المأمور به هو مأمور به لا تحصل ان قلنا بتغليب جانب النهي ، نعم تحصل الاطاعة بمعنى حصول الغرض الذي يسقط به الأمر.

١٢٥

وفيه : إنّه لا سبيل للعرف في الحكم بالجواز أو الامتناع إلّا طريق العقل ، فلا معنى لهذا التفصيل إلّا ما أشرنا إليه من النظر المسامحيّ للغير المبتني على التدقيق والتحقيق. وأنت خبير بعدم العبرة به ، بعد الاطّلاع على خلافه بالنظر الدقيق.

وقد عرفت فيما تقدّم : أنّ النزاع ليس في خصوص مدلول صيغة الأمر والنهي ، بل في الأعمّ ، فلا مجال لأن يتوهّم أنّ العرف هو المحكّم في تعيين المداليل ، ولعلّه كان بين مدلوليهما حسب تعيينه تناف لا يجتمعان في واحد ولو بعنوانين وإن كان العقل يرى جواز اجتماع الوجوب والحرمة في واحد بوجهين ، فتدبّر (١).

______________________________________________________

(١) يقول هذا المفصّل بانه يجوز اجتماع الأمر والنهي عند العقل ويمنع اجتماعهما عند العرف ، وقد اشار المصنف الى مدركين لهذا التفصيل :

الاول : ان يكون السبب في هذا التفصيل هو ان العقل يرى ان المجمع ليس واحدا فلذا يرى جواز الاجتماع ، والعرف يرى ان المجمع واحد فيرى الامتناع.

والجواب عنه : ان العرف ليس له ـ بما هو عرف ـ رأي في هذا بل العرف يتبع في ذلك حكم العقل ، فالعرف اذا رجع إلى العقل فيما يحكم به العقل هو المتبع عند العرف ، فاذا كان العقل الذي ينظر الحال بنحو التدقيق والتحقيق يرى ان المجمع ليس واحدا ، والعرف يراه واحدا لانه لا ينظر كما ينظر العقل بل نظره مبتن على التسامح وعدم التدقيق فلذا يراه واحدا ، ولكن حيث ان العرف لا معوّل على ما يراه في هذا المقام فلا بد من ان يتبع العقل في حكمه ورأيه.

وبعبارة اخرى : ان العرف انما يتبع في مداليل الالفاظ حيث وضعت للتفاهم ، فاذا كان العرف يفهم منها شيئا يكون هو المتبع.

واما في مصداق ما هو متعلق للأمر والنهي وانه في الخارج هل هو واحد أو متعدد؟ فلا وجه لاتباع العرف في نظره المبني على التسامح ، ولا بد في اتباع رأي

١٢٦

.................................................................................................

______________________________________________________

العقل في ذلك بل على العرف ان يتبع طريق العقل في ذلك ، ولذا قال (قدس‌سره) : ((وفيه انه لا سبيل للعرف في الحكم بالجواز والامتناع الا طريق العقل)).

وقد اشار الى ان الوجه والمدرك لهذا التفصيل من الجواز عقلا والامتناع عرفا هو النظر الدقي عند العقل والنظر المسامحي عند العرف بقوله : ((فلا معنى لهذا التفصيل الّا ما اشرنا اليه ... الى آخر الجملة)).

وقد اشار الى برهان ان العرف في امثال هذا لا طريق له وان المتبع هو العقل ، فاذا اطلعنا على رأي العقل وانه يحكم بخلاف العرف فلا عبرة بالنظر العرفي بقوله : ((وانت خبير ... الى آخر الجملة)).

المدرك الثاني لهذا التفصيل : انه قد توهم هذا المفصّل حيث كان عنوان المسألة عنوان اجتماع الأمر والنهي والغالب في الأمر والنهي هو الدليل اللفظي والصيغة الدالة عليهما ، ويرى هذا المفصّل ان العقل حيث يرى ان العنوان المحرم هو غير العنوان الواجب فهما اثنان وطبيعتان وكل طبيعة تباين الطبيعة الأخرى فيرى الجواز ، ولكن الدلالة اللفظية ربما تكون لها دلالة التزامية ناشئة من الملازمات العادية ، واللفظ الدال على عنوان الأمر بالمطابقة يدل بالالتزام على عدم اجتماعه مع العنوان المنهي عنه ، وان كان غيره عنوانا وحقيقة اذا كان مجتمعا معه في الخارج والعرف هو المرجع في الدلالات اللفظية ، فلذا قال بالتفصيل وان العقل يرى الجواز والعرف يرى الامتناع.

والجواب عنه ما مر مفصلا في الأمر الرابع من ان المسألة عقلية والنزاع فيها عقلي لا في الدلالة اللفظية.

والكلام في ان العنوان المحرم من أي جهة استفيد حكمه التحريمي هل يجوز ان يجتمع مع الواجب المستفاد من أي دليل كاف فيما اذا اجتمعا في شيء واحد خارجا ام لا يجوز؟ ولا ربط لهذا النزاع بالدلالات اللفظية.

١٢٧

وينبغي التنبيه على امور :

الأوّل : إن الاضطرار إلى ارتكاب الحرام وإن كان يوجب ارتفاع حرمته ، والعقوبة عليه مع بقاء ملاك وجوبه ـ لو كان ـ مؤثّرا له ، كما إذا لم يكن بحرام بلا كلام إلّا أنّه إذا لم يكن الاضطرار إليه بسوء الاختيار بأن يختار ما يؤدّي إليه لا محالة ، فإنّ الخطاب بالزجر عنه حينئذ وإن كان ساقطا إلّا أنّه حيث يصدر عنه مبغوضا عليه وعصيانا لذاك الخطاب ومستحقا عليه العقاب لا يصلح لأن يتعلّق بها الإيجاب (١) ، وهذا في الجملة ممّا لا شبهة

______________________________________________________

فاذا تم هذا تعرف انه لا وجه لهذا التفصيل لان المسألة ليست لفظية حتى يكون العرف هو المتبع في الدلالات اللفظية ، وقد اشار الى هذا بقوله : ((فلا مجال لان يتوهم ان العرف ... الى آخر الجملة)).

وقوله (قدس‌سره) : ((ولعله كان بين مدلوليهما ... الى آخره)) ، هذا لبيان وجه دعوى الامتناع عرفا عند هذا المفصّل ، هذا مضافا الى منع هذه الملازمة العادية اللفظية من رأس او منع كون لزومها بينا بالمعنى الاخص الذي لا بد منه في الدلالة الالتزامية.

(١) لا يخفى ان الاضطرار الى ارتكاب الحرام على قسمين :

القسم الاول : ان يكون لا بسوء الاختيار كما لو خدع شخص ـ مثلا ـ فادخل دارا أو بعد دخوله فيها اختيارا جاهلا اضطره من في الدار إلى ان يشرب الخمر ، وفي مثل هذا لا إشكال في ارتفاع العقوبة عنه ، واذا كان الفعل الذي اضطره اليه فيه ملاك الأمر سواء كان امرا استحبابيا أو وجوبيا فانه لا مانع من فعلية ذلك الأمر وتأثيره وترتب الاثر عليه ولو كان عباديا ، كما لو كان الاضطرار إلى الارتماس في الماء للصائم في شهر رمضان وكان جنبا لاحتلام في نهار رمضان ، فانه حينئذ يؤثر الأمر ويصح الغسل من ذلك الصائم المضطر الى الارتماس في الماء سواء كان الأمر

١٢٨

.................................................................................................

______________________________________________________

بالغسل مستحبا او واجبا ، ويقع هذا الارتماس من المضطر اليه ليس بحرام وفعليا عباديا فيما اذا نوى الغسل في ذلك الارتماس.

ولا يخفى ان النهي عن الارتماس او شرب الخمر انما يسقط حين حصول الاضطرار وان امتد زمان طويل بين اول زمان الاضطرار وبين زمان الارتكاب ، فالخطاب بالنهي عن ارتكاب ذلك الفعل يسقط بمجرد حصول الاضطرار.

والى ما ذكرنا اشار بقوله : ((ان الاضطرار الى ارتكاب الحرام وان كان يوجب ارتفاع حرمته والعقوبة عليه)) المراد من هذا الاضطرار هو الاضطرار لا بسوء الاختيار كما نبّه عليه في تتمة هذه الجملة بقوله : ((إلّا انه اذا لم يكن الاضطرار اليه بسوء الاختيار)).

وقد اشار الى ان الفعل المضطر اليه لا بسوء الاختيار كما ترتفع عنه العقوبة يؤثر الملاك الموجود فيه ويترتب علة اثره ولو كان عباديا بقوله : ((مع بقاء ملاك وجوبه لو كان)) هذه لو وصلية ، ومعنى كلامه انه يرتفع عنه الخطاب بالحرمة ويبقى ملاك الوجوب فيه لو كان فيه ملاك الوجوب ((مؤثرا له)) : أي مؤثرا للوجوب ((كما اذا لم يكن)) ذلك الفعل ((بحرام بلا كلام)).

ولا يخفى ان (مؤثرا) في هذه الجملة يقع حالا من ملاك وجوبه.

القسم الثاني : ان يكون الاضطرار بسوء الاختيار كما لو علم ـ مثلا ـ بان في هذه الدار من يضطره إلى شرب الخمر لو دخل اليها ، فيدخل الدار باختياره وحين دخوله يضطره من فيها إلى شرب الخمر ، فهذا الداخل باختياره بمجرد حصول الاضطرار يسقط عنه النهي عن شرب الخمر اذ لا معنى لبقاء التكليف مع الاضطرار ، إلّا انه حيث كان الدخول باختياره مع علمه بانه اذا دخل يكون مضطرا إلى الشرب يقع منه مبغوضا ومعاقبا عليه ، كما لو شرب الخمر باختياره من دون ان يضطر اليه.

ولا يخفى ان هذا الفعل الذي يكون قد اضطر اليه بسوء اختياره لا يؤثر فيه ملاك الوجوب لو كان فيه ملاك الوجوب ، كما لو دخل الدار باختياره مع علمه بانه

١٢٩

فيه ولا ارتياب (١).

وإنّما الإشكال فيما إذا كان ما اضطرّ إليه بسوء اختياره ممّا ينحصر به التخلّص عن محذور الحرام ـ كالخروج عن الدار المغصوبة فيما إذا توسّطها بالاختيار ـ في كونه منهيّا عنه أو مأمورا به ، مع جريان حكم المعصية عليه أو بدونه ، فيه أقوال. هذا على الامتناع.

______________________________________________________

يضطر فيها الى الارتماس في نهار رمضان ، فان هذا الارتماس لا يؤثر فيه ملاك الوجوب لانه يقع منه مبغوضا ومبعّدا فلا يصح للعبادية والمقربيّة ، والى هذا اشار بقوله : ((بان يختار ما يؤدي اليه لا محالة)) ومعناه انه اذا كان الاضطرار بسوء الاختيار كما عرفت بان يدخل الدار ـ مثلا ـ مع علمه بانه اذا دخلها يضطر فيها لشرب الخمر فهو باختياره قد فعل ما يؤدي الى الاضطرار ، وهذا هو مراده من قوله بان يختار ما يؤدي اليه لا محالة : أي بان يفعل باختياره ما يؤدي الى الاضطرار ، وقد اشار الى ان الخطاب بالزجر يسقط بمجرد الاضطرار بقوله : ((فان الخطاب بالزجر عنه حينئذ)) : أي حين الاضطرار ((وان كان ساقطا)) وقد اشار الى ان هذا الفعل يقع منه مبغوضا ومعاقبا عليه كما لو شرب الخمر باختياره ومن غير اضطرار اليه ، وحيث يقع منه مبغوضا ومعاقبا عليه لا يؤثر فيه ملاك الوجوب لو كان ملاكه كالارتماس في نهار رمضان بقوله : ((الّا انه حيث يصدر عنه مبغوضا عليه وعصيانا لذاك الخطاب ومستحقا عليه العقاب لا يصلح لان يتعلق به الايجاب)).

(١) لا يخفى ان هذا القسم الثاني على قسمين لان الفعل المضطر اليه بسوء الاختيار.

تارة لا يكون مقدمة لواجب بعد الاضطرار كما عرفت من مثال شرب الخمر والارتماس.

واخرى يكون مقدمة منحصرة لواجب بعد الاضطرار بسوء الاختيار.

ولا خلاف في القسم الاول من هذا القسم الثاني ، وفي القسم الثاني منه وقع الخلاف ولذا قال : ((وهذا في الجملة مما لا شبهة فيه ولا ارتياب)).

١٣٠

وأما على القول بالجواز ، فعن أبي هاشم : أنه مأمور به ومنهيّ عنه ، واختاره الفاضل القمّي ناسبا له إلى أكثر المتأخّرين وظاهر الفقهاء (١).

______________________________________________________

(١) وقد وقع الخلاف في هذا القسم من القسم الثاني وهو ما كان مقدمة لواجب تكون فعلية ذلك الواجب بعد الاضطرار بسوء الاختيار ، مثل الخروج عن الدار المغصوبة بعد دخولها بسوء الاختيار ، فانه بعد الدخول بسوء الاختيار يجب عليه التخلص من هذا الحرام وهو التصرف في الدار المغصوبة بالبقاء فيها ، فان الداخل في الدار قد عصى بالتصرف فيها بالدخول والبقاء فيها بعد الدخول ايضا تصرف فيها ، ويتوقف التخلص من هذا البقاء على الخروج كمقدمة للتخلص وهو الذي يشير اليه اولا في ان قلت الاولى.

او ان التخلص عن هذا الحرام الذي هو العنوان الواجب مصداقه نفس الخروج فالخروج يكون بنفسه واجبا لا انه مقدمة للواجب ، وهو الذي يظهر من ان قلت الثانية.

وعلى كل فالاقوال التي اشار اليها المصنف في هذا القسم اربعة :

الاول : انه يقع منهيا عنه ومبغوضا منه ، وعليه فلا يصلح لان يؤثر فيه ملاك الوجوب او الاستحباب لو كان فيه كما لو صلى في حال الخروج ، وهو مختاره.

الثاني : انه يقع مأمورا به مع اجراء حكم المعصية عليه للنهي السابق.

الثالث : انه يقع مأمورا به وغير منهي عنه والنهي السابق عن التصرف في المغصوب لا يشمله.

ولا يخفى ان هذه الاقوال انما هي على الامتناع.

واما على الجواز فقد اختار ابو هاشم والمحقق القمي انه يقع مأمورا به ومنهيا عنه ، وهذا هو القول الرابع.

وقد اشار الى القول الاول بقوله : ((في كونه منهيا عنه)). والى الثاني بقوله : ((او مأمورا به مع جريان حكم المعصية عليه)). والى القول الثالث بقوله : ((او

١٣١

والحق أنّه منهيّ عنه بالنهي السابق الساقط بحدوث الاضطرار إليه ، وعصيان له بسوء الاختيار ، ولا يكاد يكون مأمورا به ـ كما إذا لم يكن هناك توقف عليه أو بلا انحصار به ـ وذلك ضرورة أنّه حيث كان قادرا على ترك الحرام رأسا لا يكون عقلا معذورا في مخالفته فيما اضطرّ إلى ارتكابه بسوء اختياره ، ويكون معاقبا عليه ـ كما إذا كان ذلك بلا توقّف عليه أو مع عدم الانحصار به ـ ولا يكاد يجدي توقّف انحصار التخلّص عن الحرام به ، لكونه بسوء الاختيار (١).

______________________________________________________

بدونه)) : أي انه يقع وراءه من دون اجراء حكم المعصية عليه ، ويصرّح صاحب هذا القول بان النهي السابق لا يشمله.

وقد اشار الى أن هذه الاقوال الثلاثة هي على الامتناع بقوله : ((هذا على الامتناع)).

وقد اشار الى القول الرابع بقوله : ((واما على القول بالجواز عن ابي هاشم ... الى آخر الجملة)).

(١) وحاصل ما اختاره ان الخروج يقع منه محرما ومبغوضا وان كان النهي عنه المنجّز عليه قبل الدخول قد سقط بمجرد حصول الاضطرار ، لوضوح انه مع لزوم وقوع النهي عنه لأجل الاضطرار بسوء الاختيار لا معنى لبقاء النهي ، اذ الأمر والنهي انما هما لداعي جعل الداعي وانما يصح ان يكونا داعيين في حال الاختيار وان المكلف يمكنه ان يفعل وان لا يفعل ، والداخل في الدار المغصوبة بسوء اختياره مضطر الى ارتكاب الخروج منها فلا معنى لبقاء النهي السابق عن التصرف الخروجي بعد الاضطرار الى الخروج ، فالنهي عن التصرف الخروجي كان موجها الى المكلف قبل دخوله وبعد دخوله بسوء اختياره يسقط هذا النهي المتعلق بالتصرف الخروجي ، ولا مانع من توجه النهي عن التصرف بالخروج الى المكلف قبل الدخول ، لان الشرط

١٣٢

.................................................................................................

______________________________________________________

في توجه التكاليف هو القدرة على امتثالها ، والمكلف يقدر على امتثال هذا النهي المتعلق بالتصرف الخروجي قبل الدخول وذلك بترك الدخول.

والفرق بين التصرف بالدخول والتصرف بالخروج هو ان الاول مقدور بلا واسطة وهو التصرف بالدخول بان يترك الدخول ، والثاني وهو التصرف بالخروج مقدور بالواسطة وهو ترك الدخول فانه بترك الدخول يكون قد ترك التصرف بالخروج ايضا ، فترك التصرف بالخروج يكون مقدورا عليه بواسطة القدرة على ترك الدخول.

وقد عرفت مرارا ان المقدور بالواسطة كالمقدور بلا واسطة في صحة التكليف به وتنجزه عليه ، وحيث يقع مبغوضا منه ومحرما لا يعقل ان يقع منه مأمورا به وعباديا منه فيما كان فيه ملاك ذلك ، ويكون حال الخروج كحال الدخول فكما لا تصح الصلاة منه في حال الدخول كذلك لا تصح منه في حال الخروج ، ولا ينفع في رفع هذه الحرمة المنجزة سابقا الساقطة بعد الدخول كون الخروج بعد الدخول يكون مما يتوقف عليه التخلص ، او لانه ينحصر به التخلص عن البقاء المحرّم ، وسيأتي توضيح هذا وان انحصار التخلص به لا يجدي ، لانه وقع ذلك بسوء اختياره ، والتخلص عن المحرم أي الترك المحرم ليس بمنحصر ابتداء في الخروج ، لانه قبل الدخول هو متمكن من ترك التصرف في الدار بجميع انحائها من التصرف بالدخول وبالبقاء وبالخروج بان يكون باقيا في خارج هذه الدار المغصوبة ، وانما جعل انحصار ترك التصرف بالدار منحصرا بالخروج هو سوء اختيار المكلف.

وقد اشار الى ان هذا الخروج يقع منهيا عنه بالنهي السابق وان النهي يسقط بمجرد الدخول لأجل الاضطرار بقوله : ((انه منهي عنه بالنهي السابق الساقط بحدوث الاضطرار)).

واشار الى انه لا يقع مصداقا للمأمور به لو كان ملاك ذلك بقوله : ((ولا يكاد يكون مأمورا به)).

١٣٣

.................................................................................................

______________________________________________________

واشار الى ان حال الخروج كغيره من انحاء التصرف بالمغصوب الذي لا يتوقف عليه التخلص او لا ينحصر به بقوله : ((كما اذا لم يكن هناك توقف عليه او بلا انحصار به)).

وتوضيحه : ان المحرم تارة لا يكون مقدمة لواجب.

واخرى يكون مقدمة للواجب ولكنها غير منحصرة كالدابة المغصوبة مع وجود الدابة المغصوبة.

وثالثة يكون المحرم مقدمة منحصرة لواجب ولكن الانحصار يكون بسوء الاختيار ، كما لو اتلف الدابة غير المغصوبة باختياره فالانحصار في الدابة المغصوبة كان بسوء اختياره ، وهذه المقدمات الثلاث كلها تقع محرمة.

نعم لو كان الانحصار لا بسوء الاختيار وكان الواجب اهم من ارتكاب هذا الحرام فانه حينئذ يكون مأمورا به وغير منهي عنه إلّا انه خارج عن الفرض.

وقد اشار الى ان النهي السابق المتعلق بالتصرف الخروجي منجز عليه قبل الدخول للقدرة عليه ولو بالواسطة بقوله : ((وذلك ضرورة انه حيث كان قادرا على الترك الحرام ... الى آخر الجملة)).

وقد اشار الى ان توقف انحصار التخلص بالخروج لا يجدي في رفع حرمته لكونه بسوء اختياره بقوله : ((ولا يكاد يجدي توقف انحصار التخلص عن الحرام به لكونه بسوء الاختيار)).

ولا يخفى انه للمصنف هنا كلام في الهامش (١) محصله :

ان التخلص عن الحرام لا توقف له على الخروج لان الخروج مقدمة للكون في خارج الدار ، والكون خارج الدار ملازم للتخلص عن الحرام فان التخلص عن الحرام هو التخلص عن الكون في الدار الذي هو الحرام فالتخلص عنه هو ترك

__________________

(١) كفاية الاصول بحاشية المحقق المشكيني (قدس‌سره) ج ١ ص ٢٦٤ (حجري).

١٣٤

إن قلت : كيف لا يجديه ، ومقدّمة الواجب واجبة (١)؟

______________________________________________________

الكون في الدار والكون في الدار ، والكون في خارج الدار ضدان ، ومن الواضح ملازمة عدم احد الضدين لوجود الضد الآخر ، فالكون خارج الدار الذي هو الضد للكون في الدار يلازمه ترك الكون في الدار الذي هو التخلص عن الحرام والخروج مقدمة للكون في خارج الدار وليس مقدمة لترك الكون في الدار ومن الواضح ان مقدمة احد الضدين ليست مقدمة لعدم الضد الآخر ، فالتخلص عن الحرام لا توقف له على الخروج وليس الخروج مقدمة له فضلا عن ان يكون مقدمة منحصرة له.

(١) هذا هو القول الثالث من الأقوال المتقدمة في عبارته وبعد هذا القول يتعرض للقول الثاني ، ومن بعده للقول الرابع.

وقد عرفت ان مختاره القول الاول وقد استدل في تقريرات الشيخ الأنصاري طاب ثراه لهذا القول بوجهين :

الاول : ما ذكره بقوله : ((ان قلت)) ، وحاصله : ان الخروج مأمور به وليس بمنهي عنه ، اما انه ليس بمنهي عنه فقد ذكر الدليل عليه في الوجه الثاني ، واما انه مأمور به فلان الخروج وان كان تصرفا في المغصوب إلّا انه مقدمة لترك البقاء في المغصوب ، والبقاء في المغصوب حرمته اشد واكثر من الخروج عن المغصوب ، وترك المحرم الاشد واجب اهم من حرمة الخروج ، وتنحصر مقدمة هذا الواجب الاهم الذي هو ترك البقاء بالخروج ، واذا انحصرت مقدمة الواجب الاهم بالحرام غير الاهم فلا بد وان لا يكون حراما ويقع مأمورا به بالأمر الغيري المقدمي لأن المقدمة الواجب واجبة ، فترك البقاء الذي هو الواجب الاهم تنحصر مقدمته بالخروج فيجب الخروج مقدمة لواجب اهم.

هذا حاصل الوجه الاول المذكور في التقريرات دليلا على كون الخروج مأمورا به.

١٣٥

قلت : إنّما تجب المقدّمة لو لم تكن محرّمة ، ولذا لا يترشّح الوجوب من الواجب إلّا على ما هو المباح من المقدّمات دون المحرّمة مع اشتراكهما في المقدّميّة.

وإطلاق الوجوب بحيث ربما يترشّح منه الوجوب عليها مع انحصار المقدّمة بها إنّما هو فيما إذا كان الواجب أهمّ من ترك المقدّمة المحرّمة ، والمفروض هاهنا وإن كان ذلك إلّا أنّه كان بسوء الاختيار ومعه لا يتغيّر عمّا هو عليه من الحرمة والمبغوضيّة ، وإلّا لكانت الحرمة معلّقة على إرادة المكلّف واختياره لغيره ، وعدم حرمته مع اختياره له ، وهو كما ترى مع أنّه خلاف الفرض وأنّ الاضطرار يكون بسوء الاختيار (١).

______________________________________________________

(١) لا يخفى ان هذا الجواب مبني على تسليم كون الخروج مقدمة للتخلص عن الحرام وهو ترك البقاء.

واما بناء على ما حققه في الهامش فالخروج لا مقدمية فيه اصلا.

وحاصل هذا الجواب : ان مقدمة الواجب اما مباحة او محرمة ولا اشكال في وجوب المقدمة المباحة ولكن الخروج ليس مقدمة مباحة ، واما المقدمة المحرمة فلا اشكال في حرمتها حيث لا انحصار للواجب فيها.

واما المقدمة المنحصر فيها توقف الوجوب فتارة تكون حرمتها اهم من وجوب الواجب وهذه ايضا لا اشكال في حرمتها.

واخرى يكون الوجوب اهم ، وهذه المقدمة المحرمة ترتفع عنها الحرمة ويسري اليها الوجوب الغيري من الوجوب النفسي ، ولكن ايضا لهذه المقدمة المحرمة المنحصر بها وجود الواجب الاهم لوجوبها شرط آخر مضافا إلى الانحصار وهو كون الانحصار بها لا بسوء اختيار المكلف ، فان الانحصار اذا كان بسوء اختيار المكلف ايضا تكون باقية على حرمتها.

١٣٦

.................................................................................................

______________________________________________________

والدليل على اشتراط هذا الشرط فيها هو انه لو كان الانحصار فيها بسوء الاختيار موجبا لارتفاع حرمتها للزم ان تكون حرمتها معلقة على ارادة المكلف ، وتعليق الحرمة فيها على ارادة المكلف واضح الفساد.

اما لزوم ذلك فلان هذه المقدمة المحرمة غير المنحصر بها وجود الواجب الاهم اما ان تكون حرمتها مطلقة من حيث صيرورتها منحصرة بسوء اختيار المكلف ام لا بان يكون النهي عنها المخاطب به المكلف كان مطلقا بان يقول المولى لعبده هذه غير المنحصر بها من طبعه هي حرام سواء جعلتها منحصرة بسوء اختيارك ام لم تجعلها.

واما ان تكون حرمتها غير معلقة بل مطلقة على ان لا يجعلها منحصرة ولو بسوء اختياره.

فان كانت حرمتها من قبيل الاول أي مطلقة وغير معلقة فلازمه عدم صيرورتها واجبة لو كان الانحصار بسوء الاختيار.

وان كانت حرمتها من قبيل الثاني بان كانت معلقة على جعلها ولو بسوء اختياره منحصرة فمرجعه الى ان حرمة هذه المقدمة معلقة على ارادة المكلف واختياره في جعلها منحصرة ، وهذا لا يمكن الالتزام به وهو كون الحرمة لشيء معلقة على ارادة المكلف واختياره ، يعني ان حرمة هذه المقدمة منوطة بارادة المكلف ان شاء ان يبقيها على حرمتها لا يفعل ما يوجب الانحصار بها ، وان شاء ان ترتفع حرمتها جعل الواجب منحصرا بها وهذا واضح الفساد.

والمصنف سلّم كون الخروج مقدمة للتخلص ، وسلّم كون الواجب المتوقف عليها اهم من حرمتها ، وسلّم الانحصار بها ، ولم يسلّم ان الانحصار ولو بسوء الاختيار موجب لارتفاع الحرمة ، والمصنف قد اشار الى هذه الجملة بقوله : ((والمفروض هاهنا وان كان ذلك إلّا انه كان بسوء الاختيار ومعه لا يتغير عما هو عليه من الحرمة)).

١٣٧

.................................................................................................

______________________________________________________

وقد اشار الى الدليل على ذلك وهو عدم معقولية كون الانحصار لسوء الاختيار موجبا لرفع الحرمة بقوله : ((والّا لكانت الحرمة معلقة)) أي لو كان الانحصار لسوء الاختيار موجبا لارتفاع حرمة الخروج لكانت حرمة الخروج معلقة على ما اذا اراد المكلف عدم الخروج بان يريد ترك الدخول ولا يريد الدخول فانه عند ارادة الدخول لا يكون مريدا للخروج بل مريدا لعدم التصرف الخروجي فمرجع الضمير في لغيره هو الخروج ولذا قال : ((والّا لكانت الحرمة معلقة على ارادة المكلف واختياره لغيره)) وتكون عدم حرمة الخروج معلقة على اختياره للخروج ولذا قال : ((وعدم حرمته مع اختياره له)) أي وعدم حرمة الخروج مع اختياره للخروج فضمير له ايضا راجع الى الخروج ((وهو كما ترى)) لعدم معقولية ان يكون حرمة الشيء معلقة على ارادة عدم ذلك الشيء وجوازه معلقا على ارادته لان النهي المعلق على عدم الارادة للشيء والجواز المعلق على الارادة للشيء لازمه رجوع هذا النهي الى الاباحة فان مرجعه انه اذا اراد الترك فليترك واذا اراد الفعل فليفعل لانه منهي عنه عند عدم ارادته له وغير منهي عنه عند ارادته له.

قوله (قدس‌سره) : ((مع انه خلاف الفرض الخ)) حاصله : ان مفروض المسألة انه اضطر الى ما هو المحرم بسوء اختياره ولازمه ان يكون الاضطرار ولو لسوء الاختيار رافعا حرمة هذا المحرّم واذا كان الحرمة معلقة على عدم ارادته له وعدم الحرمة على ارادته له فحين ارادته له لا تكون حرمة واذا لم تكن حرمة فلا يكون الاضطرار رافعا للحرمة اذ لا حرمة حين ارادة الخروج فليس الاضطرار اليه قد رفع حرمته بل ارادة المكلف له تكون رافعة لحرمته دون الاضطرار اليه ولو لسوء الاختيار وهذا مراده من قوله : انه خلاف الفرض وان الاضطرار يكون لسوء الاختيار.

١٣٨

إن قلت : إنّ التصرّف في أرض الغير بدون إذنه بالدخول والبقاء حرام بلا إشكال ولا كلام ، وأمّا التصرّف بالخروج الّذي يترتّب عليه رفع الظلم ، ويتوقّف عليه التخلّص عن التصرّف الحرام ، فهو ليس بحرام في حال من الحالات ، بل حاله حال مثل شرب الخمر المتوقّف عليه النجاة من الهلاك في الاتّصاف بالوجوب في جميع الأوقات.

ومنه ظهر المنع عن كون جميع انحاء التصرّف في أرض الغير مثلا حراما قبل الدخول ، وأنّه يتمكّن من ترك الجميع حتّى الخروج ، وذلك لأنّه لو لم يدخل لما كان متمكّنا من الخروج وتركه ، وترك الخروج بترك الدخول رأسا ليس في الحقيقة إلّا ترك الدخول. فمن لم يشرب الخمر ، لعدم وقوعه في المهلكة الّتي يعالجها به مثلا ، لم يصدق عليه إلّا أنّه لم يقع في المهلكة ، لا أنّه ما شرب الخمر فيها إلّا على نحو السالبة المنتفية بانتفاء الموضوع كما لا يخفى.

وبالجملة لا يكون الخروج ـ بملاحظة كونه مصداقا للتخلّص عن الحرام أو سببا له ـ إلّا مطلوبا ، ويستحيل أن يتّصف بغير المحبوبيّة ، ويحكم عليه بغير المطلوبيّة (١).

______________________________________________________

(١) هذا هو الوجه الثاني الذي يظهر من التقريرات في كون الخروج مأمورا به ، ويختلف هذا الوجه عن الوجه الاول انه قد كان الوجه الاول مبنيا على كون الخروج حتى لو كان منهيا عنه بالنهي السابق قبل الدخول ولكنه بعد الدخول يكون مأمورا به ، لتوقف الواجب الاهم عليه وان وجوبه غيري مقدمي.

واما هذا الوجه فمبناه على كون الخروج ليس بمنهي عنه لا قبل الدخول ولا بعد الدخول ، وان وجوبه بعد الدخول يمكن ان يكون غيريا ، لانه مقدمة يتوقف عليها التخلص عن الحرام ، ويمكن ان يكون نفسيا لكونه بنفسه مصداقا لعنوان التخلص عن الحرام.

١٣٩

.................................................................................................

______________________________________________________

وتوضيحه : ان التصرف بالدار المغصوبة على انحاء ثلاثة :

تصرف بالدخول فيها ، وتصرف بالبقاء فيها وتصرف بالخروج عنها ولا اشكال في حرمة التصرف بالدخول وبالبقاء والنهي عنهما.

واما التصرف بالخروج عنها فليس بحرام وليس بمنهي عنه في حال من الاحوال اصلا لا قبل الدخول ولا بعد الدخول.

اما بعد الدخول فواضح لان الخروج يكون مأمورا به إما لانه مقدمة للتخلص عن البقاء الزائد الذي هو اهم ، واما لكونه بنفسه مصداقا للتخلص بان نقول ان عنوان التخلص عن الحرام واجب بنفسه لكونه من العناوين الحسنة الممدوح عليها عقلا وشرعا ، اما عقلا فلانه دفع للضرر الذي يحصل بالبقاء المحرّم ، واما شرعا فلوضوح وجوب التخلص عن الحرام والتجنب عن ارتكابها فهو من العناوين الواجبة ، والذي يحصل به خارجا التخلص والتجنب عن البقاء الزائد هو الخروج عن الدار المغصوبة.

واما انه ليس بمنهي عنه بالنهي السابق قبل الدخول ، فلأن النهي عن الخارج عن محل الابتلاء ليس بفعلي لقبح توجه النهي فعلا عن الخارج عن محل الابتلاء.

وبعبارة اخرى : ان النهي انما يحسن ويتوجه بالفعل الى المكلف حيث يكون موضوعه ومتعلقه في معرض الابتلاء ، وحيث ان الخروج ليس بمقدور عليه قبل الدخول فلا وجه لان يكون منهيا عنه قبل الدخول ، والذي هو في معرض الابتلاء هو التصرف بالدخول والبقاء فيها.

واما الخروج فحيث لا قدرة عليه قبل الدخول فلا موضوع له في تلك الحال وهو حال ما قبل الدخول ، فلا يصح عنه إلّا بنحو السالبة بانتفاء الموضوع وهو قبيح ، لانه يقبح من المولى ان يخاطب عبده ويقول له لا تقتل ابن زيد حيث لا يكون لزيد ابن فعلا. والخروج عن الدار المغصوبة قبل الدخول حاله كذلك ، لانه حيث لا دخول لا موضوع للخروج حتى يصح النهي عنه ، واذا لم يكن النهي عن الخروج فعليا قبل

١٤٠