بداية الوصول

آية الله الشيخ محمّد طاهر آل الشيخ راضي

بداية الوصول

المؤلف:

آية الله الشيخ محمّد طاهر آل الشيخ راضي


المحقق: محمّد عبدالحكيم الموسوي البكّاء
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: أسرة آل الشيخ راضي
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
964-497-056-X

الصفحات: ٣٤٢

فإن الحزازة والمنقصة فيه مانعة عن صلاحية التقرب به ، بخلاف المقام ، فإنه على ما هو عليه من الرجحان وموافقة الغرض. كما إذا لم يكن تركه راجحا بلا حدوث حزازة فيه أصلا (١).

وإما لاجل ملازمة الترك لعنوان كذلك ، من دون انطباقه عليه ، فيكون كما إذا انطبق عليه من غير تفاوت ، إلا في أن الطلب المتعلق بهي حينئذ ليس بحقيقي ، بل بالعرض والمجاز ، فإنما يكون في الحقيقة متعلقا بما يلازمه من العنوان ، بخلاف صورة الانطباق لتعلقه به حقيقة ، كما في سائر المكروهات من غير فرق ، إلا أن منشأه فيها حزازة ومنقصة في نفس الفعل ، وفيه

______________________________________________________

كون النهي عنه لا لمفسدة وانه باق على ما هو عليه من الرجحان الذاتي فلذا صح ان يقع عبادة.

ولا يخفى انه لا بد من الالتزام بعدم فعلية الأمر الاستحبابي في الفعل ، لما تقدم من تضاد الأحكام وان حكمه الاستحبابي شأني ، وانما يقع صحيحا للمصلحة والرجحان الذاتي فيه لا لقصد الأمر الفعلي به.

(١) حاصل ما ذكرنا من الفرق بين الكراهة عن مفسدة وحزازة وبين الكراهة لكونها نقيضا للاقوى استحبابا ، وانه في الاولى تكون مانعة عن قصد التقرب لغلبة المفسدة على المصلحة اذ المفروض فعلية الكراهة ، ولا يمكن ان يقع الفعل عبادة وصحيحا الا على القول بالجواز وان تعدد العنوان يكشف عن تعدد المعنون لانه قد فرضنا ان النهي كان لأجل انطباق عنوان ، فاذا كان ذلك لأجل المفسدة في الفعل لم يكن مانعا بناء على الجواز.

١٠١

رجحان في الترك ، من دون حزازة في الفعل أصلا ، غاية الامر كون الترك أرجح (١).

______________________________________________________

واما على الامتناع وان تعدد العنوان لا يجدي فلا بد من عدم وقوع الفعل عبادة ، وهذا بخلاف الثانية وهي الكراهة للفعل لكونه نقيضا لما هو اقوى استحبابا فان الفعل باق على ما هو عليه من المصلحة والرجحان الذاتي ، والى هذا اشار بقوله : ((بخلاف المقام فانه على ما هو عليه من الرجحان وموافقة الغرض كما اذا لم يكن تركه راجحا)) أي ان الفعل الذي يكون المصلحة في تركه مثل الفعل الذي لا تكون مصلحة في تركه في كون الفعل على ما هو عليه من المصلحة والرجحان الذاتي.

(١) كان رفع المنافاة في الاول بالتزام كون الترك بنفسه منطبقا لعنوان ذي مصلحة اقوى من المصلحة في نفس الفعل ، وفي هذا الثاني بالتزام كون الترك ليس بنفسه منطبقا للعنوان ذي المصلحة بل الترك ملازما لما فيه المصلحة الاقوى ، فالترك وما فيه المصلحة متلازمان في هذا الاحتمال ، بخلاف الاول فان الترك بنفسه ذو مصلحة لانطباق العنوان عليه بنفسه ، ولازم هذا الفرق ان يكون الاستحباب المتعلق بالترك على الاول استحبابا حقيقيا لأن نفس الترك مصلحة هي الداعي إلى الاستحباب ، ويكون نقيض هذا الترك المستحب الذي هو الفعل مكروها لأنه نقيض المستحب الحقيقي.

واما على هذا الاحتمال الثاني فالمستحب حقيقة هو الملازم للترك لا نفس الترك ، فيكون الطلب الاستحبابي المتعلق بالترك طلبا بالعرض والمجاز باعتبار ملازمته لما هو المستحب واقعا وما فيه المصلحة حقيقة ، وعلى هذا يكون الفعل ايضا منهيا عنه تنزيها بالعرض والمجاز ، لانه نقيض لما هو المستحب بالعرض والمجاز وليس نقيضا لما هو المستحب واقعا وحقيقة.

بخلاف الاحتمال الاول فان الفعل حيث كان نقيضا لما هو المستحب الحقيقي يكون مكروها حقيقة لا بالعرض والمجاز ، وهو كسائر المكروهات من ناحية كون

١٠٢

نعم يمكن أن يحمل النهي ـ في كلا القسمين ـ على الارشاد إلى الترك الذي هو أرجح من الفعل ، أو ملازم لما هو الارجح وأكثر ثوابا لذلك ، وعليه يكون النهي على نحو الحقيقة ، لا بالعرض والمجاز ، فلا تغفل (١).

______________________________________________________

الكراهة فيه حقيقية وان اختلف عنها بان سائر المكروهات للمفسدة في الفعل وهذه الكراهة ليست للمفسدة والحزازة في الفعل ، بل لأن في الفعل يحصل عدم المستحب الاقوى ، واما في كون الكراهة فيه حقيقية فهو لا يختلف عن ساير المكروهات ، والى ما ذكرنا اشار بقوله : ((فيكون كما اذا انطبق عليه من غير تفاوت الا في ان الطلب المتعلق به حينئذ ليس بحقيقي إلى آخر كلامه)).

(١) لا يخفى ان النهي مولوي على كلا الاحتمالين اللذين عبر عنهما المصنف بالقسمين وهو ان النهي عن الفعل باعتبار كون تركه ذا مصلحة أو النهي عن الفعل باعتبار كون الترك ملازما لما فيه المصلحة.

غايته ان النهي على الاول حقيقي وعلى الثاني بالعرض والمجاز ، وقد اشار في قوله نعم انه يمكن ان يكون النهي في كلا القسمين ارشاديا إمّا بقصد الإرشاد إلى الترك الذي هو مستحب بنفسه وانه ارجح من الفعل لقوة مصلحته على مصلحة الفعل ، أو بقصد الارشاد إلى الترك لكونه ملازما لما فيه المصلحة التي هي اقوى من مصلحة الفعل ، واذا كان النهي ارشاديا فهو نهي حقيقي ارشادي في كلا القسمين ، فان كون النهي حقيقيا تارة وبالعرض والمجاز اخرى انما هو في النهي المولوي لا في الارشادي لانه ارشاد حقيقة على كل حال سواء كان ارشادا إلى المصلحة في نفس الترك أو ارشادا إلى المصلحة في ملازمه ولذا قال : ((وعليه يكون النهي على نحو الحقيقة لا بالعرض والمجاز)) : أي على الارشاد يكون النهي على نحو الحقيقة مطلقا في كلا القسمين ولا يكون بالعرض والمجاز.

١٠٣

وأما القسم الثاني (١) : فالنهي فيه يمكن أن يكون لاجل ما ذكر في القسم الاول ، طابق النعل بالنعل (٢) ، كما يمكن أن يكون بسبب حصول

______________________________________________________

(١) وهو ما تعلق النهي به كذلك أي مثل القسم الاول في ان النهي متعلق به بذاته وعنوانه ، إلّا ان الفرق بينهما هو انه في القسم الثاني يكون متعلق الأمر الذي تعلق به النهي له بدل كالنهي تنزيها المتعلق بالصلاة في الحمام ، فان الصلاة فريضة كانت أو نافلة لها بدل لامكان ايقاعها في غير الحمام من البيت أو المسجد ، بخلاف الاول فان صوم يوم عاشوراء المتعلق للنهي لا بدل له.

(٢) وحاصله انه يمكن ان يجاب عن النهي المتعلق بالعبادة التي لها بدل بعد قيام الاجماع على وقوعها صحيحة لو وجدت في الحمام ، بنحو ما ذكره في القسم الاول من حمل النهي المتعلق بظاهره بها لمفسدة فيها على انه لا لأجل المفسدة ، بل لأجل المصلحة المنطبقة على تركها أو على المصلحة في ملازم تركها كما تقدم بيانه.

وتوضيح الحال بحيث يخلو عن الاشكال يحتاج إلى بيان امور :

الاول : ان القسم الاول الوارد في لسان الشارع منحصر في ورود الكراهة متعلقة بمتعلق الأمر الندبي دون الوجوبي ، فانه لم يرد في لسان الشارع تعلق الكراهة بواجب لا بدل له.

الثاني : ان هذا القسم الثاني الوارد في لسان الشارع له فردان الواجب والمندوب ، فان المكروه الصلاة في الحمام سواء كانت واجبة أو مندوبة.

الثالث : قد عرفت في القسم الاول انه يمكن ان يكون النهي مولويا وارشاديا ، ومع كونه مولويا يكونان من قبيل المستحبين المتزاحمين الذي كانت المصلحة في الترك أو في ملازمه اقوى من المصلحة في الفعل وفيها اذا كان الفرد المكروه واجبا لا يأتي هذا لعدم امكان مزاحمة المصلحة الوجوبية بالمصلحة الاستحبابية فضلا عن كونها اقوى. نعم يتم هذا في صلاة النافلة في الحمام مضافا إلى ما عرفت من ان النهي الكراهتي وان لم يكن عن مفسدة إلّا انه لا يعقل ان يكون فعليا مع كون الأمر

١٠٤

منقصة في الطبيعة المأمور بها ، لاجل تشخصها في هذا القسم بمشخص

______________________________________________________

بالفعل ايضا ، وانه لا بد من الالتزام بكون الأمر شأنيا لأن النهي الكراهتي مسلم الفعلية فعباديته تقع بقصد رجحانه الذاتي ، وفي المقام فيما اذا كان الفرد وجوبيا فانه من المسلم فيه ان قصد عباديته بقصد امتثال أمره فلا بد وان يكون النهي الكراهتي فيه شأنيا.

والظاهر انه من المفروغ عنه ان النهي الكراهتي فعلي فلا بد في هذا القسم الثاني بنحو يشمل فردية الواجب والمندوب وان يكون الجواب عنه بنحو الجواب عن القسم الاول : بالتزام مصلحة في الترك أو في ملازم الترك من الالتزام بكون النهي فيه فعليا ارشاديا لا مولويا ، بل يقصد الارشاد إلى المصلحة في الترك أو في ملازمه ولذا قال في آخر كلامه في هذا القسم الثاني ((ولا يخفى ان النهي في هذا القسم لا يصلح إلّا للارشاد بخلاف القسم الاول فانه يكون فيه مولويا)).

وعلى كل حال فالجواب عن هذا القسم الثاني يمكن ان يكون بالتزام ان النهي الكراهتي فيه للارشاد إلى مصلحة في تركه أو في الملازم لتركه ، ولا بد من رفع اليد عن ظهورين في هذا النهي :

الاول كونه لا بداعي المفسدة في الفعل بل بداعي المصلحة في الترك أو في ملازمه وهو خلاف ظاهر النهي الكراهتي.

الثاني انه ارشادي لا مولوي وهو ايضا خلاف الظاهر في الاوامر والنواهي ، فان ظاهرها انها مولوية لا ارشادية.

والحاصل : ان يمكن ان يكون الجواب في هذا القسم كالجواب في القسم الاول ولذا قال (قدس‌سره) : ((واما القسم الثاني فالنهي فيه يمكن ان يكون لأجل ما ذكر في القسم الاول طابق النعل بالنعل)).

ولا يخفى ان الاستشهاد بهذا المثل في المقام لا يخلو عن حزازة لعدم مناسبته مثلا للأحكام الشرعية.

١٠٥

غير ملائم لها ، كما في الصلاة في الحمام ، فإن تشخصها بتشخص وقوعها فيه ، لا يناسب كونها معراجا (١) ، وإن لم يكن نفس الكون في الحمام بمكروه ولا حزازة فيه أصلا ، بل كان راجحا ، كما لا يخفى.

______________________________________________________

(١) هذا جواب آخر يختص بالقسم الثاني دون القسم الاول ، لأن القسم الاول لا افراد له والطبيعة فيه منحصرة بالفرد فلا يتأتي فيه هذا الجواب المتوقف على افراد متعددة للطبيعة.

وحاصله : ان الطبيعة المأمور بها لمصلحة ملزمة وجوبية أو مصلحة ندبية يمكن ان يقارنها انواع ثلاثة من المشخصات :

الاول : ان تقترن بمشخص يكون فيه بالنسبة اليها حزازة ومنقصة وان كان هو في حد ذاته لا حزازة فيه ولا منقصة ، بل ربما يكون بنفسه مندوبا اليه كالكون في الحمام ، فانه بنفسه مما ورد استحبابه لما فيه من ازالة القذارة والنظافة المحبوبة شرعا ولكن وقوع الصلاة فيه لا يلائمها لأنها معراج المؤمن واهم الواجبات التي كلها تعظيم وتقديس له تبارك من تكبيرتها وقراءتها وركوعها وسجودها إلى سائر اجزائها مضافا إلى الطهارة المشروطة فيها ، والحمام معرض لرشاش النجاسة بما يوجب استينافها غالبا ، فلا يكون الحمام ملائما للصلاة ، فايجادها في الحمام يوجب اقترانها بمشخص له حزازة بالنسبة اليها ، إلّا ان هذه الحزازة لا توجب خروجها عن حد المصلحة الوجوبية أو الندبية.

الثاني : ان تقترن بما يزيد في كمالها ويلائمها اشد الملاءمة ويناسب معراجيتها للمؤمن ، كما لو كان المشخص المقارن لها هو المسجد فان وقوع الصلاة في بيت من بيوت الله يناسب معراجية المؤمن اليه ـ تبارك وتعالى ـ وكذا وقوعها في سائر المشاهد المشرفة والأمكنة المقدسة.

الثالث : ان تقترن بمشخص لا يكون فيه حزازة ولا منقصة ولا ملاءمة ومناسبة كوقوع الصلاة في الدار ، ولا يخفى ان للصلاة في مثل الدار الخالية عن المنقصة

١٠٦

وربما يحصل لها لاجل تخصصها بخصوصية شديدة الملاءمة معها مزية فيها كما في الصلاة في المسجد والامكنة الشريفة (١) ، وذلك لأن الطبيعة

______________________________________________________

والملاءمة مزية هي مزية للطبيعة بنفسها ووقوعها فيما فيه الحزازة يوجب نقصان مزيتها التي هي للطبيعة المجردة عن منافر أو ملائم ، وان كان لا بد من الالتزام بان هذه الحزازة لا توجب سقوطها عن حد الالزام أو حد الاستحباب ، وإلّا لما بقى امرها ولما وقعت عبادة صحيحة مقصودا بها امتثال امرها.

نعم لا بد من الالتزام بان ثواب الصلاة المقترنة بالحزازة اقل من ثواب الصلاة المجردة عن الحزازة والملاءمة ، وثواب الصلاة المجردة اقل من ثواب الصلاة المقترنة بما يلائمها ويناسبها.

فاذا عرفت هذا فالنهي في هذا القسم يمكن ان يحمل على الارشاد إلى الحزازة التي تقترن بالصلاة في الحمام مما تؤثر على مزيتها التي تكون للطبيعة المجردة وتنقص ثوابها بالنسبة إلى الثواب المقرر لها فيما اذا وقعت مجردة عن هذه الحزازة.

ولعل هذا مراد من قال ان الكراهة في العبادة هي بمعنى انها اقل أي انها اقل ثوابا من الثواب المقرر للطبيعة المجردة.

(١) هذا دفع توهم يمكن ان يتوهم بان الكون في الحمام اذا لم يكن في ذاته منقصة وحزازة كيف يكون موجبا للحزازة والمنقصة في الصلاة؟

والجواب عنه : انه لا منافاة بين ان يكون الشيء بذاته لا يؤثر اثرا ولكنه مع اجتماعه بشيء آخر يكون مؤثرا وهذا مشاهد في كثير من الأشياء ، فان السكنجبين مثلا له اثر وهو دفع الصفراء ولكنه لو مزج بالماء البارد يكون رافعا للحمى ، وليس الماء البارد بنفسه رافعا لها ولا السكنجبين الممتزج بالماء الحار رافعا لها.

وربما يكون مزج الشيء موجبا لنقصان في تأثيره كما في بعض انواع المسهل فانه لو مزج بالماء الحار يؤثر أثرا شديدا ، ولو مزج بالماء البارد يقل تأثيره ، ولو مزج بالماء الفاتر يؤثر اثرا متوسطا وليس للماء بجميع اقسامه اثر في الاسهال.

١٠٧

المأمور بها في حد نفسها ، إذا كانت مع تشخص لا يكون معه شدة الملاءمة ، ولا عدم الملاءمة لها مقدار من المصلحة والمزيّة ، كالصلاة في الدار مثلا ، وتزداد تلك المزية فيما كان تشخصها بما له شدة الملاءمة ، وتنقص فيما إذا لم تكن له ملاءمة ، ولذلك ينقص ثوابها تارة ويزيد أخرى ، ويكون النهي فيه لحدوث نقصان في مزيتها فيه إرشادا إلى ما لا نقصان فيه من سائر الافراد ، ويكون أكثر ثوابا منه ، وليكن هذا مراد من قال : إن الكراهة في العبادة بمعنى أنها تكون أقل ثوابا (١) ، ولا يرد عليه بلزوم اتصاف العبادة التي تكون أقل ثوابا من الاخرى بالكراهة ، ولزوم اتصاف ما لا مزيد فيه ولا منقصة بالاستحباب ، لانه أكثر ثوابا مما فيه المنقصة ، لما عرفت من أن المراد من كونه أقل ثوابا ، إنما هو بقياسه

______________________________________________________

والحاصل : انه لا مانع من ان يكون الكون في الحمام بذاته لا حزازة فيه ولكن اقترانه بالصلاة الواقعة يوجب حزازة فيها ، ولذا قال (قدس‌سره) : ((وان لم يكن نفس الكون في الحمام بمكروه ولا حزازة فيه اصلا)).

(١) هذا تعليل لقوله : ((فالنهي فيه)) أي في هذا القسم الثاني ((يمكن ان يكون لأجل ما ذكر في القسم الاول كما يمكن ان يكون بسبب حصول منقصة في الطبيعة المأمور بها)) : أي ان النهي في هذا القسم يمكن ان يكون ارشاديا إلى المنقصة والحزازة التي تلحق الصلاة باقترانها بهذا المشخص الموجب لنقصان مزيتها وقلة ثوابها بالنسبة إلى الصلاة المجردة عن مشخص يلائمها وعن مشخص لا يلائمها كالصلاة في الحمام إلى آخر كلامه كما ذكرناه مفصلا.

١٠٨

إلى نفس الطبيعة المتشخصة بما لا يحدث معه مزية لها ، ولا منقصة من المشخصات ، وكذا كونه أكثر ثوابا (١).

______________________________________________________

(١) حاصل هذا التوهم انه اذا كانت الكراهة هي اقلية الثواب يلزم ان يكون كل عبادة ثوابها اقل من ثواب عبادة أخرى مكروهة ، فيكون الصوم ـ مثلا ـ مكروها لانه اقل ثوابا من الصلاة ، والحج مكروها لانه اقل ثوابا من الجهاد وهلم جرا.

ويلزم ان يكون ما هو اكثر ثوابا بالنسبة إلى الاقل مستحبا ، فتكون الصلاة في الدار مستحبة لأنها اكثر ثوابا من الصلاة في الحمام ، بل يلزم ان تكون الصلاة في الدار مكروهة بالنسبة إلى الصلاة في المسجد ومستحبة بالنسبة إلى الصلاة في الحمام ، وهذا مما لا يسع احد الالتزام به.

والجواب عنه : ما اشار اليه بقوله : ((لما عرفت)) وحاصله : ان الكراهة التي قلنا ان النهي الارشادي يرشد اليها هي نقصان الطبيعة الواحدة بالقياس إلى مشخصاتها ، فيقل ثوابها اذا كانت مشخصة بما فيه الحزازة وعدم الملاءمة معها بالنسبة إلى ثواب نفس تلك الطبيعة حيث لا تقترن بمشخص فيه الحزازة ولا الملاءمة ، والاستحباب المنضم إلى هذه الطبيعة هو زيادة ثواب تلك الطبيعة المجردة حيث ينضم اليها مشخص يلائمها.

واما الطبيعة المجردة بما لها من الثواب المقرر لنفس تلك الطبيعة فلا تكون بمكروهة بكراهة عارضة ولا مستحبة باستحباب طارئ ، لأن الكراهة هو النقصان بالقياس إلى تلك الطبيعة المجردة والاستحباب هو الزيادة على ثواب تلك الطبيعة وليس كل نقصان أو زيادة هو كراهة أو استحباب ، فالمراد باقلية الثواب الذي هو مراد من عبّر عن الكراهة في المقام باقلية الثواب هو الاقلية بالنسبة إلى ما لتلك الطبيعة المجردة وليس كل أقليّة ثواب كراهة ولا كل زيادة ثواب استحباب.

وبعبارة اخرى : ان النقصان الموجب للكراهة هو النقصان لموجب اقتضى النقصان في العبادة ، وليس النقصان الذي يكون لعدم الموجب له بكراهة ، فنقصان

١٠٩

ولا يخفى أن النهي في هذا القسم لا يصح إلا للارشاد ، بخلاف القسم الاول ، فإنه يكون فيه مولويا ، وإن كان حمله على الارشاد بمكان من الامكان (١).

______________________________________________________

الصوم عن الصلاة لا لأجل شيء اوجب في الصوم نقصانا ، بل لأن ما يقتضيه طبيعة الصوم هو هذا المقدار من الثواب ، وليس نقصانه عن حزازة كانت فيه لم تكن تلك الحزازة في طبيعة الصلاة ، بل نقصانه لأجل عدم المقتضى فيه لأن يكون مقدار ثوابه كمقدار ثواب الصلاة.

وفرق واضح بين النقصان لعدم المقتضى للزيادة وبين النقصان الذي هو لمقتض اوجب النقصان ، وكذلك الاستحباب الطارئ فانه ما كان لأجل موجب اقتضى الزيادة ، وليست مطلق زيادة كمية مقدار العبادة على كمية آخرى لها باستحباب ، فلا تكون زيادة ثواب الصلاة على ثواب موجبا لأن يكون لها استحباب زائد على الصوم الذي كميته اقل منها ، ولا تكون زيادة كمية الصلاة المجردة على الصلاة المتشخصة بما فيه الحزازة موجبا لكون الصلاة المجردة لها استحباب.

ومما ذكرنا يتبين انه ليس للصلاة مجردة كراهة ، إذ نقصان ثوابها بالنسبة إلى الصلاة في المسجد لعدم المقتضى لا لأجل موجب فيها اقتضى فيها النقصان ، وليس لها استحباب بالنسبة إلى الصلاة مع ما فيه الحزازة اذ زيادة ثوابها عليها ليس لأجل مقتض انضم اليها اوجب زيادتها.

(١) قد عرفت ان هذا القسم الثاني يمكن الجواب عنه بمثل ما مرّ في الجواب عن هذا القسم الاول.

وقد ذكرنا فيما مرّ ان تعميمه للفرد الواجب والمستحب لا بد فيه من الالتزام بكون النهي فيه للارشاد.

ويمكن ان يجاب عنه بهذا الجواب المختص به الذي مرّ تفصيله ، ولا بد فيه من كون النهي فيه ايضا للارشاد ، فالنهي في هذا القسم الثاني على أي حال لا بد من

١١٠

وأما القسم الثالث فيمكن أن يكون النهي فيه عن العبادة المتحدة مع ذاك العنوان أو الملازمة له بالعرض والمجاز ، وكان المنهي عنه به حقيقة ذاك العنوان ، ويمكن أن يكون على الحقيقة إرشادا إلى غيرها من سائر الأفراد ، مما لا يكون متحدا معه أو ملازما له ، إذ المفروض التمكن من استيفاء مزية العبادة ، بلا ابتلاء بحزازة ذاك العنوان أصلا (١).

______________________________________________________

حمله على الارشاد ، ولذا قال (قدس‌سره) : ((ان النهي في هذا القسم لا يصلح إلّا للارشاد بخلاف القسم الاول)) فقد عرفت انه يمكن ان يكون النهي فيه مولويا ويمكن ان يكون ارشاديا ولذا قال : ((فانه يكون فيه مولويا وان كان حمله على الارشاد بمكان من الامكان)).

(١) وهو ما تعلق النهي به لا لأجل حزازة ومنقصة في ذات العبادة ، بل النهي المتعلق في ظاهر لسان الدليل بالعبادة انما هو لأجل انها قد اجتمعت مع المكروه إما بنحو الاتحاد أو بنحو الملازمة ، كالصلاة في مواضع التهمة فان الكون في مواضع التهمة بنفسه مكروه سواء وقعت صلاة فيه ام لم تقع.

وهذا هو الفرق بين هذا القسم الثالث والقسم الثاني كمثل الصلاة في الحمام ، فان الكون في الحمام بنفسه لا كراهة فيه ولذا كان النهي فيه للارشاد إلى المنقصة والحزازة التي تلحق ذات العبادة باقترانها بهذا المشخص.

ولا فرق فيه بين القول بالجواز والامتناع ، بخلاف هذا القسم فانه حيث كان نفس الكون في مواضع التهمة مكروها سواء وقعت الصلاة فيه ام لم تقع فحال الكون في هذا الموضع حال الكون في الدار المغصوبة سوى ان ذلك محرم وهذا مكروه ، فلذا بنى الكلام في هذا القسم على التفصيل بين المبنيين من الجواز والامتناع.

وان الحال فيه على الجواز غير الحال فيه على الامتناع ، وتوضيحه ببيان امور :

الاول : انه حيث كان ذو الحزازة والمنقصة هو الكون في مواضع التهمة دون نفس الصلاة فلا بد من رفع اليد عن ظاهر النهي بتوجهه إلى نفس الصلاة بناء على الجواز

١١١

.................................................................................................

______________________________________________________

وان اتحد مع الصلاة وجودا ، لأن تعدد العنوان بناء على الجواز كاشف عن تعدد المعنون ولا يسري احدهما إلى الآخر.

الثاني : ان هذا القسم ليس كالقسمين الاولين في ان النهي فيهما يمكن ان يكون لمصلحة في الترك أو ملازمه ، بل هو في هذا القسم قطعا لمفسدة وحزازة في نفس الكون في ذلك الموضع.

الثالث : ان اتحاد الكون مع الصلاة ليس فيه منافاة بناء على الجواز ، وانما تكون المنافاة فيه بناء على الامتناع ، فلذا كان الجواب على الجواز يغاير الجواب على الامتناع ، فانه بناء على الجواز بعد رفع اليد عن ظاهر النهي المتعلق بعنوان الصلاة بانه لمفسدة وحزازة فيها ، وان النهي المتعلق بها ليس لمفسدة فيها.

فاما بان يحافظ على ظهوره في المولوية فيكون نهيا مولويا تنزيهيا قد تعلق بعنوان الصلاة بالعرض والمجاز ، وان متعلقه في الحقيقة هو الكون المتحد معها أو الملازم لها ، ولا مانع على الجواز من تعلق النهي الحقيقي المولوي بما يتحد مع الصلاة في الوجود أو بما يلازمها ، وعلى هذا فلا بد ان يرفع اليد عن كونه متعلقا حقيقة بنفس الصلاة وان تعلقه بها لا بد وان يكون بالعرض والمجاز.

واما بأن يحافظ على تعلقه حقيقة بعنوان الصلاة فلا بد من رفع اليد عن ظهوره في المولوية ، وان يكون ارشاديا بقصد الارشاد إلى ان هذا الفرد من الصلاة يتحد معه أو يلازمه ما فيه الحزازة والمنقصة دون بقية أفراد الصلاة كالصلاة في غير هذا الموضع من الدار أو المسجد.

وقد اشار المصنف إلى الشق الاول وهو المحافظة على المولوية بقوله : ((فيمكن ان يكون النهي فيه عن العبادة المتحدة مع ذاك العنوان أو الملازمة له بالعرض والمجاز إلى آخر الجملة)).

١١٢

هذا على القول بجواز الاجتماع.

وأما على الامتناع ، فكذلك في صورة الملازمة ، وأما في صورة الاتحاد وترجيح جانب الامر ـ كما هو المفروض ، حيث أنه صحة العبادة ـ فيكون حال النهي فيه حاله في القسم الثاني ، فيحمل على ما حمل عليه فيه ، طابق النعل بالنعل (١) ، حيث إنه بالدقة يرجع إليه ، إذا

______________________________________________________

واشار إلى الشق الثاني وهو المحافظة على كونه متوجها إلى الصلاة حقيقة من دون محافظته على مولويته بقوله : ((ويمكن ان يكون على الحقيقة ارشادا إلى غيرها من سائر الافراد إلى آخر الجملة)).

(١) يعني ان هذين الحملين في هذا القسم الثالث انما يتمان مطلقا على الاتحاد وعلى الملازمة بين الصلاة والكون في مواضع التهمة بناء على الجواز ، واما بناء على الامتناع فيختلف الحال فيهما ، فانهما يتمان بناء على الملازمة بين الكون في مواضع التهمة وبين الصلاة.

واما لزوم اشكال اختلاف المتلازمين في الوجود في الحكم فقد دفعه بما ذكره في هامش الكتاب كما مر ذكره في القسم الاول.

غايته ان النهي المولوي في الكون في مواضع التهمة الملازم مع الصلاة لا بد وان يكون شأنيا لا فعليا ، بخلافه في القسم الاول فان الأمر قد كان هناك شأني لا فعلي ، وقد اشار إلى تمامية الاحتمالين المذكورين على الامتناع في صورة الملازمة بقوله : ((واما على الامتناع فكذلك في صورة الملازمة)) لانه في صورة الملازمة فالصلاة وجودا لم تتحد مع وجود ما فيه الحزازة والمنقصة ، فيمكن ان يكون النهي مولويا متعلقا بالصلاة على سبيل العرض والمجاز ، ويمكن ان يكون متعلقا بالصلاة حقيقة على نحو الارشاد إلى الملازم لها.

واما بناء على الامتناع والاتحاد وجودا بين الصلاة والكون في مواضع التهمة فلا بد ان يكون في هذا المقام الذي اتحدت الصلاة مع النهي من ترجيح جانب الأمر

١١٣

على الامتناع ، ليس الاتحاد مع العنوان الآخر إلّا من مخصّصاته ومشخّصاته الّتي تختلف الطبيعة المأمور بها في المزيّة زيادة ونقيصة بحسب اختلافها في الملاءمة كما عرفت (١).

وقد انقدح بما ذكرناه : أنّه لا مجال أصلا لتفسير الكراهة في العبادة بأقلّيّة الثواب في القسم الأوّل مطلقا ، وفي هذا القسم على القول بالجواز (٢).

______________________________________________________

على النهي للحزازة والمنقصة المتحدة معها ، لأن المفروض ان الصلاة في هذه المواضع تقع صحيحة مقصودا بها امتثال امرها ، فامرها موجود ولم تتغلب عليه هذه الحزازة والمنقصة ، وعلى هذا فلا يعقل المحافظة معه على مولوية النهي وانه يكون بالنسبة إلى الصلاة بالعرض والمجاز ، لأن العرض والمجاز لا بد فيه من كون وجود ما فيه الحزازة غير وجود الصلاة ، ومع كونهما متحدين في وجود واحد لا معنى للعرض والمجاز ، فلا بد من حمل النهي على الارشاد إلى الحزازة والمنقصة التي تتشخص بها الصلاة بنحو ما مر ذكره مفصلا في القسم الثاني ، والى هذا اشار بقوله : ((واما في صورة الاتحاد وترجيح جانب الأمر كما هو المفروض حيث انه صحة العبادة)) : أي حيث ان المفروض صحة العبادة بقصد الأمر وهو يحتاج إلى بقاء الأمر ليكون مقصودا ((فيكون حال النهي فيه)) : أي في هذا القسم الثالث الذي فرض اتحاد العبادة مع ما فيه الحزازة والمنقصة ((حاله)) : أي حال النهي ((في القسم الثاني الى آخر كلامه)).

(١) هذا اشارة إلى كون هذا القسم الثالث بناء على الامتناع وصحة الصلاة كما هو المفروض واتحادها مع الكون ذي الحزازة يكون هو القسم الثاني بعينه ، لأن الكون بناء على الاتحاد يكون من مشخصات الطبيعة الصلاتية فيكون للطبيعة تشخصات متفاوتة ومزيات مختلفة من حيث نقصان الثواب وعدمه.

(٢) لا يخفى انه يظهر من عبارته انه لا معنى لتفسير الكراهة في العبادة باقلية الثواب في القسم الاول مطلقا على الجواز وعلى الامتناع ، وفي القسم الثاني يصحّ تفسير

١١٤

.................................................................................................

______________________________________________________

الكراهة باقلية الثواب مطلقا على الجواز والامتناع ، وفي القسم الثالث لا يصح على الجواز ويصح على الامتناع.

وتوضيحه : انه قد عرفت ان القسم الاول ما تعلق النهي به في لسان الشارع ولا بدل له كصوم يوم عاشوراء ، وانه لا بد من حمل النهي فيه على الطلب لتركه لكون المصلحة الاقوى اما في عنوان منطبق على تركه أو على ما يلازم الترك ، فيكون المراد من ظاهر النهي المتعلق بالعبادة هو طلب الترك أو طلب ملازمه.

وقد عرفت ايضا انه اذا كان العنوان منطبقا على نفس الترك يكون طلبه مولويا حقيقيا ، واذا كان العنوان منطبقا على ملازمه يكون الطلب لنفس الترك مولويا بالعرض والمجاز ، مع امكان حمل النهي المتعلق بالعبادة على الارشاد إلى الطلب اما لتركها أو لملازم تركها.

وقد عرفت ايضا ان نفس العبادة التي قام الاجماع على صحتها لا منقصة ولا حزازة في ذاتها ، وحيث انه لا بدل لها فلا يكون للطبيعة افراد ومشخصات متعددة ومتفاوته من ناحية زيادة الثواب وقلته.

فاتضح انه لا معنى لأن يراد من النهي في هذا القسم اقلية الثواب فيه سواء قلنا بالجواز أو قلنا بالامتناع ، لأن الخلاف جوازا أو امتناعا انما في النهي المتعلق بعنوان فيه الحزازة وينطبق على نفس العبادة ، فبناء على ان تعدد العنوان يكشف عن تعدد المعنون يقال بالجواز ، وبناء على ان تعدد العنوان لا يكشف عن تعدد المعنون يقال بالامتناع.

وقد عرفت اولا : ان المراد من النهي هو استحباب الترك أو ملازمه.

وثانيا : ان النهي لم يتعلق بعنوان فيه حزازة ينطبق على الفعل العبادي ، ولذا قال (قدس‌سره) : ((انه لا مجال أصلا لتفسير الكراهة في العبادة باقلية الثواب في القسم الاول مطلقا)) : أي على الجواز وعلى الامتناع.

١١٥

.................................................................................................

______________________________________________________

واما القسم الثاني وهو الذي تعلق النهي بالعبادة التي لها بدل ، ولكن لم يكن العنوان الذي هو السبب في الظاهر لتعلق النهي بالعبادة بنفسه مبغوضا وفيه الحزازة ، وهو الكون في الحمام فانه ليس بنفسه فيه منقصة وحزازة بل ربما يكون هو بنفسه محبوبا ومستحبا ، نعم الصلاة الواقعة في الحمام هي ذات المنقصة والحزازة لعدم ملاءمة الكون في الحمام معها.

وبهذا يفترق القسم الثاني عن القسم الثالث ، فان الكون في مواضع التهمة بنفسه عنوان ذو منقصة وحزازة سواء وقعت فيه صلاة ام لا.

وقد عرفت ان الجواز والامتناع انما هو في العنوان الذي هو بنفسه ذو منقصة وحزازة ، ويكون منطبقا ومتحدا في الوجود مع الفعل العبادي ، ولأجل هذا كان القسم الثاني مطلقا بناء على الجواز والامتناع يصح تفسير الكراهة فيه باقلية الثواب باعتبار مشخصاته المتعددة.

ولا يمكن للقائل بالجواز ان يقول ان الكون المنطبق على الفعل العبادي تختص حزازته به ولا تسري إلى الصلاة ـ مثلا ـ لأن الكون في الحمام ـ كما عرفت ـ ليس بنفسه ذا منقصة وحزازة والحزازة والمنقصة انما هي في العبادة المتشخصة به فالكون في الحمام أوجب ان تكون الصلاة ذات منقصة وحزازة ، ولذلك كان الحال فيه مطلقا على الجواز والامتناع يصح تفسير الكراهة فيه باقلية الثواب ، وهذا ظاهر المصنف بمقتضى لازم الحصر المستفاد من عبارته.

واما القسم الثالث فحيث عرفت ان الكون فيه بنفسه ذو منقصة وحزازة ، والقائل بالجواز يقول بعدم سراية احد العنوانين إلى الآخر ، فالمنقصة والحزازة التي في نفس الكون في مواضع التهمة لا تسري إلى الصلاة ، والصلاة المتحدة مع هذا الكون تقع خالية من الحزازة والمنقصة بناء على الجواز ، فلذا لا معنى لتفسير الكراهة فيه بناء على الجواز باقلية الثواب.

١١٦

كما انقدح حال اجتماع الوجوب والاستحباب فيها وأنّ الأمر الاستحبابيّ يكون على نحو الإرشاد إلى أفضل الأفراد مطلقا على نحو الحقيقة ، ومولويّا اقتضائيّا كذلك ، وفعليّا بالعرض والمجاز فيما كان ملاكه ملازمتها لما هو مستحبّ ، أو متّحدة معه على القول بالجواز (١).

______________________________________________________

نعم بناء على الامتناع وترجيح جانب الأمر حيث ان الاتحاد بناء على الامتناع يوجب السراية إلى العنوان الآخر تكون الصلاة بنفسها ذات منقصة وحزازة ايضا فيجوز تفسير الكراهة فيها باقلية الثواب ، وهذا هو الذي يظهر من عبارته (قدس‌سره) لأن لازم حصر النفي مطلقا في القسم الاول وفي القسم الثالث بناء على الجواز ان الاثبات وهو التفسير باقلية الثواب منحصر في القسم الثاني مطلقا وفي القسم الثالث بناء على الامتناع.

(١) لا يخفى ان اجتماع الوجوب والاستحباب قسمان لأن العنوان المستحب المنطبق على الواجب اما ان ينطبق على واجب له بدل أو على واجب لا بدل له.

والاول كالكون في المسجد فانه مستحب بنفسه وينطبق على الصلاة التي لها بدل كطبيعة صلاة الفريضة التي لها افراد من الصلاة في الدار وفي الحمام وفي المسجد.

واخرى ينطبق العنوان المستحب على الواجب الذي لا بدل له كالصوم المنذور في نصف الشهر وقد انطبق عليه عنوان مستحب ، كصوم يوم الجمعة بان كان نصف الشهر يوم الجمعة أو كان من ايام رجب أو شعبان المستحب صوم كل يوم منها.

واما الأمر بالواجب لكونه افضل افراد الطبيعة فليس من اجتماع الوجوب والاستحباب ، كما لو قلنا ـ مثلا ـ ان الكون في المسجد ليس بمستحب بنفسه وورد في اداء الفريضة فيه ترغيب فان مثل هذا ليس من اجتماع عنوان المستحب والواجب بل الواجب له افراد بعضها افضل من بعض.

والحاصل : ان الكلام في اجتماع الاستحباب في قسمين :

١١٧

.................................................................................................

______________________________________________________

الاول : اجتماع الاستحباب مع الواجب الذي له بدل وهو الذي تكلم فيه المصنف اولا حيث عقب كلامه فيه بقوله : ((ولا يخفى انه لا يكاد يأتي القسم الاول هاهنا)) وهو ما لا بدل له.

وعلى كل فالقسم الاول هو اجتماع الوجوب والاستحباب في واحد له بدل ، كالصلاة في المسجد بناء على ان الكون في المسجد مستحب بنفسه قد انطبق على ما انطبق عليه عنوان الصلاة ، وهي كما تكون في المسجد تكون في غيره كالدار ، ويمكن حمل الأمر الاستحبابي المنطبق على الصلاة على الارشاد إلى ان الصلاة في المسجد هي افضل افراد هذه الطبيعة سواء قلنا بالجواز أو الامتناع ، اذ لا مانع من اجتماع الأمر الفعلي الحقيقي الارشادي مع الأمر الفعلي المولوي الوجوبي ، اذ المضادة انما هي بين الاحكام الفعلية المولوية لانها بداعي جعل الداعي ، وليس الأمر الارشادي بداعي جعل الداعي بل بداعي الارشاد والتنبيه على افضلية هذا الفرد ، فلا مضادة بينه وبين الحكم المولوي الايجابي ، اذ ليس هناك امران بداعي جعل الداعي.

فبناء على الامتناع فالحال واضح اذ الكون في المسجد المتحد مع الصلاة يكون افضل الافراد لاتحاده مع ما يزيد في محبوبيته ، فيكون هذا الوجود الواحد من الصلاة احب من بقية افراد طبيعة الصلاة.

واما بناء على الجواز فهو وان كان لابتنائه على ان تعدد العنوان يكشف عن تعدد المعنون لا بد وان لا يكون طبيعة الصلاة متحدة مع العنوان المستحب في مقام التحقق وان اجتمعا في واحد.

إلّا انه بناء على المشهور من ان التشخص هو بما يقترن مع الطبيعة في مقام تحققها فيكون هذا الكون من مشخصات طبيعة الصلاة وان لم يتحد معها اتحادا حقيقيا ، ولا ريب ان الفرد من الطبيعة المقترن بمشخص يلائمه غير الفرد غير المقترن بذلك.

ومنه يتضح : انه حتى لو كان الأمر الاستحبابي منطبقا على ما يلازم الواجب فانه حينئذ وان كان لا فرق بين القول بالجواز والامتناع لأن المفروض ان المستحب

١١٨

.................................................................................................

______________________________________________________

ملازم للواجب لا منطبقا عليه ، إلّا انه لما كان التشخص بما يقترن مع الطبيعة فانه يكون موجبا لاقتران الطبيعة بما يلائمها ، فلا مانع من ان يكون الأمر الاستحبابي إرشادا إلى افضل الافراد ، ولذا قال (قدس‌سره) : ((وان الأمر الاستحبابي يكون على نحو الارشاد إلى افضل الافراد مطلقا)) : أي على الجواز والامتناع ((على نحو الحقيقة)) لما عرفت من ان الأمر الارشادي الحقيقي لا يضاد الأمر الوجوبي المولوي.

ويمكن ان يحمل على المولوية ولكن يختلف الحال فيه من جهة ان العنوان المستحب تارة يكون منطبقا على ما انطبق عليه عنوان الواجب.

واخرى يكون منطبقا على ما يلازم العنوان الواجب في مقام التحقق ولا يكون منطبقا على نفس الواجب.

وعلى الاول فلا بد بناء على الامتناع من كون المولوية اقتضائية لا فعلية اذ لا يعقل اجتماع الحكمين المولويين الفعليين في واحد لانه بناء على الامتناع يكون العنوان الواجب والعنوان المستحب قد اجتمعا في وجود واحد ، اذ المفروض ان العنوان المستحب قد انطبق على ما انطبق عليه العنوان الواجب ، وتعدد العنوان لا يكشف عن تعدد المعنون ، والشيء الواحد ليس له إلّا وجود واحد ، والى هذا اشار بقوله : ((ومولويا اقتضائيا كذلك)) : أي على نحو الحقيقة.

ويظهر من قوله بعد ذلك ((أو متحد معه على القول بالجواز)) ان المولوية الاقتضائية على نحو الحقيقة في فرض الاتحاد ، وفرض الاتحاد انما هو بناء على الامتناع ولا بد فيه من الالتزام بالمولوية الاقتضائية ، واما بناء على الجواز فلا اتحاد فلا مانع من الفعلية.

وعلى الثاني وهو ما كان العنوان المستحب منطبقا على ما يلازم مصداق الواجب فلا مانع من المولوية الفعلية بناء على الجواز والامتناع ، ويكون هذا الأمر الاستحبابي بالنسبة الى الواجب بالعرض والمجاز ، اذ الأمر الاستحبابي انما يتعلق حقيقة بما يلازم الواجب لا بنفس الواجب فنسبته إلى الواجب بالعرض والمجاز ،

١١٩

.................................................................................................

______________________________________________________

ولذا قال (قدس‌سره) : ((وفعليا بالعرض والمجاز فيما اذا كان ملاكه ملازمتها لما هو مستحب)).

وقد عرفت انه على رأيه لا مانع من الفعلية المولوية في العنوان الملازم بناء على الامتناع فضلا على الجواز ، ويدل عليه قوله : ((او متحد معه على القول بالجواز)) فان العنوان المنطبق على ما انطبق عليه الواجب وان اتحد معه ظاهرا إلّا ان تعدد العنوان يكشف عن تعدد المعنون ، فهما ليسا بمتحدين وحيث لا يكونان بمتحدين بناء على الجواز فهما من المتلازمين.

وقد عرفت انه لا مانع من الفعلية في مقام التلازم فالحال في المتحد بناء على الجواز هو الحال في المتلازمين بناء على الامتناع ، وحيث لا مانع عنده من الفعلية في المتلازمين فلا مانع من الفعلية بناء على الجواز في المتحد ، فيكون نسبة الأمر الاستحبابي الى الواجب بالعرض والمجاز لان المستحب واقعا هو غير الواجب وهو ما يلازمه.

لا يقال : انه كيف يمكن الالتزام بالفعلية بالعرض والمجاز في الملازم بناء على الامتناع وفي المتحد بناء على الجواز ، مع انه لا يعقل اختلاف المتلازمين في الوجود في ناحية الحكم.

فانه يقال : اولا : ان الكلام في مقام الاجتماع من ناحية التضاد والتكليف المحال لا التكليف بالمحال ، فالفعلية من ناحية التضاد الحكمي لا مانع فيها في الملازم اذ لم يجتمع الحكمان الفعليان المتضادان في واحد ، لا من ناحية عدم امكان اختلاف المتلازمين في الحكم فانه يمنع عن الفعلية من ناحية التكليف بالمحال.

وثانيا : ان الخطابات الواردة في لسان الشرع بالأمر الاستحبابي متعلقة بنفس الصلاة فهذا الخطاب المتعلق بالصلاة لا مانع من كونه مولويا فعليا بالعرض والمجاز بالنسبة الى الصلاة ، ولا يلزم ان يكون مولويا فعليا ايضا في الملازم لها ، فهو بالنسبة إلى الصلاة فعلي بالعرض والمجاز وبالنسبة إلى الملازم مولوي اقتضائي.

١٢٠