بداية الوصول

آية الله الشيخ محمّد طاهر آل الشيخ راضي

بداية الوصول

المؤلف:

آية الله الشيخ محمّد طاهر آل الشيخ راضي


المحقق: محمّد عبدالحكيم الموسوي البكّاء
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار الهدى
المطبعة: الظهور
الطبعة: ٢
ISBN: 964-497-058-6
ISBN الدورة:
964-497-056-X

الصفحات: ٣٩٩

.................................................................................................

______________________________________________________

المالك مؤثرة في النقل والانتقال من حين العقد لا من حين الاجازة وليست الاجازة كاشفة محضة : بان لا يكون لها مساس في التأثير اصلا ، بل هي كالتراضي من المتعاقدين المقارن للعقد الذي لا اشكال عندهم في انه له مساس في تأثير العقد في النقل والانتقال ، ولذلك اشكل عليهم الامر : في ان الاجازة مع كونها متأخرة عن زمان وقوع العقد كيف يمكن ان يكون لها مساس في تأثير العقد من حينه وهو من تأثير المعدوم في الموجود ـ فاجاب بعضهم : بان الشرط هو عنوان التعقب بالرضا المتأخر لا نفس الرضا المتأخر ، وعنوان التعقب مقارن للعقد فإن العقد الذي تتعقبه الاجازة موصوف من حين وقوعه بانه عقد تتعقبه الاجازة المتأخرة عنه ، فالشرط مقارن لا متأخر.

واجاب المصنف عنه بما أجاب به عن شرائط التكليف المتأخرة عن التكليف بالزمان ، ولعله انما لم يجب بعنوان التعقب لما يمكن ان يرد عليه : بان عنوان التعقب من العناوين المتضايفة ، والمتضائفان متكافئان بالقوة والفعلية ، فوصف العقد بكونه متعقبا بالاجازة مضايف لوصف الاجازة بكونها متعقبة للعقد. فكيف يمكن ان يكون العقد موصوفا بالفعل بالتعقب في حين وقوعه مع كون مضايفه التي هي الاجازة غير موصوفة بالفعل؟ لعدم وجودها فهي متعقبة بالقوة لا بالفعل ، فلا يوصف العقد بالفعل بكونه متعقبا بالاجازة إلا بعد تحقق الاجازة فلا يكون ما هو الشرط مقارنا في الزمان للمشروط.

نعم العقد موصوف بالتعقب بالقوة لا بالفعل ولا بد في تحقق الشرط من تحققه بالفعل لا بالقوة.

وعلى كل فجواب المصنف عن الاشكال : بان الاجازة التي هي بمنزلة الرضا المقارن للعقد ليست شرطا لوجودها الخارجي لحكم الحاكم بالملكية وترتبها على نفس العقد ، بل الشرط في الحقيقة هو تصورها والتصديق بها فالشارع أو العرف الجاعل للملكية مترتبة على تحقق العقد المشروط بالاجازة قد تصور العقد وصدق

٤١

.................................................................................................

______________________________________________________

بفائدة ترتب الملكية عليه وتصور ما له دخل في ترتب الملكية على العقد ، وحكم على العقد الذي يجيزه المالك بترتب الملكية عليه ، فما هو الشرط لترتب الملكية على العقد هو تصور الحاكم وتصديقه بترتب الملكية على العقد ، وتصوّره وتصديقه من المقارن لا من المتأخر ، فما هو المتأخر الذي هو نفس وجود الاجازة في الخارج ليس بشرط وما هو الشرط وهو تصور الحاكم وتصديقه بدخالة الاجازة المتأخرة بوجودها لا بتصورها فهو مقارن للعقد وليس بمتأخر عنه ، فالعقد الذي يجيزه المالك هو المتصور للحاكم وهو المؤثر في النقل والانتقال وهو مصداق من مصاديق كلي العقد الذي رتب الحاكم الشرعي الانتقال عليه وحصول الملكية به ، وهذا العقد الذي يجيزه المالك بمجرد حصوله هو مصداق لعقد تصوره الحاكم وصدق به وصدق بدخالة الاجازة في ترتب أثره ، فما هو الشرط وهو تصور الاجازة والتصديق بها فهو مقارن للعقد المتصور ، فالعقد الذي هو موضوع للاثر هو وجود العقد ذهنا عند الحاكم ، وشرطه وهو تصور دخالة الاجازة فيه ـ أيضا ـ ذهني متصور مقارنا لتصور العقد فلا انخرام للقاعدة العقلية ، إذ ليس للمعدوم تأثير في الموجود ولذا قال (قدس‌سره) : «وكذا الحال في شرائط الوضع مطلقا» : أي سواء كانت الشرائط متقدمة أو متأخرة أو مقارنة فإن الداخل في التأثير في جميعها هو تصورها ووجودها الذهني لا وجودها الخارجي ، فالشرط «ولو كان مقارنا» للعقد كالتراضي من المتعاقدين المالكين المقارن تراضيهما لعقدهما للايجاب من الموجب وللقبول من القابل دخالته في العقد انما هو بدخالة تصوره والتصديق به في العقد المتصور للحاكم الشرعي أو العرف موضوعا للأثر ، فالشرط والمشروط كلاهما من الموجودات الذهنية وهما متقارنان بوجودهما الذهني ، فلا فرق بين الشروط المتأخرة بوجودها الخارجي أو المتقدمة أو المقارنة ، فإن ما هو الشرط فيها جميعا وجودها الذهني وهو مقارن في الجميع وليس بمتقدم ولا متاخر ولذا قال (قدس‌سره) : «فإن دخل شيء في الحكم به» كدخالة الرضا والاجازة في الحكم بالنقل والانتقال «وصحة انتزاعه» : أي

٤٢

وأما الثاني : فكون شيء شرطا للمأمور به ليس إلا ما يحصّل لذات المأمور به بالاضافة إليه وجها وعنوانا به يكون حسنا أو متعلقا للغرض ، بحيث لولاها لما كان كذلك ، واختلاف الحسن والقبح والغرض باختلاف الوجوه والاعتبارات الناشئة من الإضافات ، مما لا شبهة فيه ولا شك يعتريه ، والاضافة كما تكون إلى المقارن تكون إلى المتأخر أو المتقدم بلا تفاوت أصلا ، كما لا يخفى على المتأمل ، فكما تكون إضافة شيء إلى مقارن له موجبا لكونه معنونا بعنوان ، يكون بذلك العنوان حسنا ومتعلقا للغرض ، كذلك إضافته إلى متأخر أو متقدم ، بداهة أن الاضافة إلى أحدهما ربما توجب ذلك أيضا ، فلو لا حدوث المتأخر في محله ، لما كانت للمتقدم تلك الاضافة الموجبة لحسنه الموجب لطلبه والامر به ، كما هو الحال في المقارن أيضا ، ولذلك أطلق عليه الشرط مثله ، بلا انخرام للقاعدة أصلا ، لان المتقدم أو المتأخر كالمقارن ليس

______________________________________________________

انتزاع الحكم بالملكية «لدى الحاكم به» سواء كان الحاكم الشارع أو العرف بالنقل وبالملكية المترتبة على العقد المنتزعة من ملك المتعاقدين للعوضين هذه الدخالة عند الحاكم في حكم «ليس إلّا ما كان بلحاظه يصح انتزاعه وبدونه لا يكاد يصح اختراعه» فالعقد الذي يجيزه المالك مصداق لما هو موضوع الاثر عند الحاكم لانه العقد الذي تصوره وتصور جميع ما له دخل فيه ، والعقد الذي لا يجيزه المالك ليس بمصداق لما تصوره فلا يكون موضوعا للاثر ، فدخالة الشرط انما هي دخالة بحسب اللحاظ لا بحسب الوجود الخارجي ولذا قال : «فيكون دخالة كل من المقارن وغيره» من الشرط المتقدم والمتاخر انما هي «تصوّره ولحاظه» وتصوره ولحاظه «مقارن» لا متقدم ولا متاخر «فاين انخرام القاعدة العقلية» من لزوم تأثير المعدوم في الموجود «في» الشرط «غير المقارن».

٤٣

إلا طرف الاضافة الموجبة للخصوصية الموجبة للحسن ، وقد حقق في محله أنه بالوجوه والاعتبارات ، ومن الواضح أنها تكون بالاضافات.

فمنشأ توهّم الانخرام إطلاق الشرط على المتأخر ، وقد عرفت أن إطلاقه عليه فيه ، كإطلاقه على المقارن ، إنما يكون لاجل كونه طرفا للاضافة الموجبة للوجه ، الذي يكون بذاك الوجه مرغوبا ومطلوبا ، كما كان في الحكم لاجل دخل تصوره فيه ، كدخل تصور سائر الاطراف والحدود ، التي لو لا لحاظها لما حصل له الرغبة في التكليف ، أو لما صح عنده الوضع. وهذه خلاصة ما بسطناه من المقال في دفع هذا الاشكال ، في بعض فوائدنا ، ولم يسبقني إليه أحد فيما أعلم ، فافهم واغتنم (١).

______________________________________________________

(١) لا يخفى ان ما سلكه في الجواب عن إشكال شرائط الحكم التكليفي والحكم الوضعي المتأخرة عن الحكم زمانا أو المتقدمة عليه زمانا المعدومة حال وجوده بارجاع الشرط بوجوده الخارجي إلى الشرط بوجوده الذهني فتكون الشروط كلها من المقارنات ـ لا يتاتى هذا المسلك في الجواب عن الشروط المتأخرة والمتقدمة التي هي شروط لحصول الاثر من الواجب ، لوضوح ان الأثر مترتب على الواجب بوجوده الخارجي ، ولا ترتب للاثر على الواجب بوجوده الذهني اصلا فلا بد وان تكون شروط الواجب لها دخل بوجودها الخارجي ، فلذا سلك مسلكا آخر للجواب.

وحاصله : انّ المصالح الداعية للامر بالواجب :

تارة : تكون مترتبة على ذات الواجب كترتب الاحراق على ذات النار ومثل هذا لا يعقل ان يكون شرط التأثير فيه متقدما معدوما حال حصول الاثر ولا متاخرا حال حصوله ، لعدم تعقل دخالة المعدوم في التأثير بل لا بد ان تكون الشروط من المقارنات.

٤٤

.................................................................................................

______________________________________________________

واخرى : لا تكون المصالح المترتبة على الواجب من قبيل تأثير النار في الاحراق مربوطة بذات النار من دون دخل لكون النار معنونة بعنوان اصلا ، بل تكون المصالح المترتبة عليه لتعنون الواجب بعنوان حسن ، فالحسن اولا وبالذات هو العنوان ، والمعنون انما يكون حسنا لاضافته إلى ذلك العنوان بحيث يكون منطبقا عليه ذلك العنوان.

ولا اشكال ان ذات المعنون بالعنوان الحسن : تارة لا تحتاج في مقام انطباق عنوان الحسن عليها الا إلى اضافتها إلى المولى ، مثلا الركوع يصدق عليه عنوان تعظيم المولى الذي هو الحسن بمجرد كونه ركوعا للمولى وخضوعا له.

واخرى تكون ذات المعنون تحتاج إلى انطباق عنوان الحسن عليها إلى اضافتها إلى حيثية تكون بواسطة تلك الحيثية منطبقة لعنوان ذلك العنوان هو المعنون المنطبق عليه عنوان الحسن ، كمثل ضرب اليتيم فإن ضرب اليتيم انما يتعنون بعنوان حسن حيث يضاف ويتحيث بحيثية كونه تأديبا له ، وتاديب اليتيم هو المعنون بالعنوان الحسن. وعلى كل فالمعنون يرتبط عنوان حسنه بتحيثه باضافته إلى شيء يكون بواسطة تلك الاضافة مصداقا لعنوان الحسن ، فيدور حسنه مدار اضافته وتحيثه بتلك الإضافة والحيثية ، وحصول الاضافة والحيثية للشيء الموجبة لحسنه ليست كالمقاربة بالنسبة إلى النار في تأثيرها للاحراق ، فإن الاضافة والحيثية تحصل للشيء بنسبته إلى ذلك الشيء ، ولا تتوقف نسبته اليه على المقارنة بينهما بل ربما يحصل العنوان باضافة الشيء إلى مقارن له كاضافة الضرب إلى عنوان التاديب فانه لا بد من المقارنة بين الضرب وقصد التأديب ، فلا يعقل ان يكون الضرب لليتيم بلا مقارنته لقصد التأديب معنونا بالتأديب.

وربما يحصل باضافة الشيء إلى شيء متقدم عليه غير موجود حال وجوده ، ككون السلام جوابا فانما يتعنون بعنوان كونه جوابا حيث يتقدم عليه سلام من مبتدئ له بالسلام ، فالسلام الثاني يتعنون بكونه جوابا باضافته إلى سلام متقدم عليه منعدم حال حصول السلام الثاني.

٤٥

.................................................................................................

______________________________________________________

وثالثة تحصل الاضافة والحيثية بنسبته إلى أمر متأخر لم يحصل إلّا بعد حصول المضاف اليه ، كخروج الشخص لاستقبال قادم فإن حركته وخروجه يتعنون بعنوان كونه استقبالا للقادم قبل مجيء القادم ، فاذا كانت الشروط للواجب انما هي لأجل حصول اضافة وحيثية للواجب باضافته ونسبته إلى امر خارج عنه تكون الاضافة موجبة لتعنونه بعنوان حسن فتلك الاضافة هي الشرط في كون المضاف إلى ذلك الشيء الخارج عنه متعنونا بالعنوان الحسن ، وتلك الاضافة تحصل وان كان وجود المضاف اليه متقدما أو متاخرا كما مر في السلام الجوابي والحركة بقصد استقبال القادم ، فيكون ما هو الشرط مقارنا دائما لا متقدما ولا متاخرا لأن الشرط ليس هو المضاف اليه حتى يقال انه معدوم حال وجود المضاف فيلزم تأثير المعدوم في الموجود ، بل الشرط هو تلك الحيثية التي توجد في المضاف المنسوب إلى ما أضيف اليه ، وتلك الحيثية فعليتها وحصولها مربوطة باضافة المضاف إلى المضاف اليه بوجوده الخارجي في ظرفه ، فالخروج يكون استقبالا بالفعل باضافته إلى قدوم القادم الذي يحصل في ظرفه الّا ان وصف الخروج بكونه استقبالا ـ وهو حسن حيث يكون للعالم موجود ومتحصل بالفعل إذا كان قدوم العالم ـ يحصل في ظرف مجيئه.

نعم ، إذا لم يحصل قدوم العالم في ظرفه لا يكون الخروج استقبالا ، فغسل المستحاضة ليلا شرط لحصول امتثال الصوم الواجب ليس بوجوده الخارجي ، بل الشرط اضافة صوم المستحاضة اليه ، وهذه الاضافة حاصلة بالفعل فيما إذا كانت المستحاضة تغتسل في الليل.

نعم ، إذا لم تغتسل المستحاضة ليلا لا يكون للصوم تلك الإضافة والحيثية ، فما هو الشرط المربوط به تعنون الصوم بالعنوان الذي اوجب انطباق الحسن عليه مقارن لوجود الصوم ليس بمتأخر عنه وهو اضافة الصوم وتحيثه بنسبته إلى الغسل في الليل ، وأما الغسل في الليل بنفسه فليس شرطا للصوم فلا يلزم تأثير المعدوم في الموجود ولا تنخرم القاعدة العقلية ، واذا كان الشرط واقعا هو الإضافة والحيثية التي تلحق

٤٦

.................................................................................................

______________________________________________________

المضاف بنسبته إلى المضاف اليه وهي موجودة وحاصله بالفعل وان كان المضاف اليه غير موجود إما لتقدمه وانعدامه أو لانه بعد لم يوجد ، فلا يختلف حال هذا الشرط الذي هو الإضافة والحيثية بالنسبة إلى الأمر الثاني الذي تضاف اليه سواء كان وجوده مقارنا للمضاف أو متقدما عليه أو متأخرا عنه.

فإذا دل الدليل على ان صحة صوم المستحاضة مشروط بغسلها في الليل المتأخر عن يوم الصوم فلا بد وان تكون شرطيته ليست كشرطية المقاربة لتأثير النار في الإحراق ، بل شرطيته ترجع إلى ان الصوم المضاف إلى الغسل في الليل متحيث بحيثية لها الدخل في انطباق عنوان حسن عليه ، والصوم الذي يتعقبه الغسل في الليل في حين وقوعه واجد لما هو الشرط فيه وهو تحيثه بالحيثية التي لها دخالة في حسنه قبل وقوع الغسل ، كما عرفت مثال ذلك في اتصاف الخروج بعنوان كونه استقبالا قبل قدوم من له الاستقبال.

نعم ، إذا لم تغتسل في الليل لا يكون الصوم في حين وقوعه متحيثا بتلك الحيثيّة ، ولعله إلى هذا يرجع ما هو المعروف عن المشهور : بان الأسباب الشرعية معرفات باعتبار كشفها عن كون المضاف اليها متحيثا بالحيثية التي لها الدخالة في الأمر به وطلبه.

هذا حاصل ما أجاب به عن الاشكال في الشروط المتأخرة في الزمان عن وجود المشروط بها أو المتقدمة في الزمان عليه المعدومة حال وجوده.

والمتحصل من عبارته (قدس‌سره) تمهيدا للجواب عن الإشكال أمور ثلاثة :

الأول : ما أشار اليه بقوله : «كون شيء شرطا للمامور به ليس إلّا ما يحصّل لذات المأمور به بالإضافة اليه وجها وعنوانا به يكون حسنا أو متعلقا للغرض».

وحاصله : ان الشروط المذكورة للواجب ليست من قبيل المقاربة بالنسبة إلى النار ، بل ترجع إلى كونها موجبة لأن يحصل لذات المأمور به بواسطة اضافته اليها وجه وعنوان حسن دعا إلى طلبه الامر به.

٤٧

.................................................................................................

______________________________________________________

وقوله : «أو متعلقا للغرض» إشارة إلى ان الاضافة :

تارة ، موجبة لتعنون الواجب بعنوان حسن ، كما هو مذهب العدلية في تبعية الاحكام للمصالح والمفاسد الموجبة لتعنون الشيء بالعنوان الحسن أو القبيح للأمر به والنهي عنه.

واخرى ، تكون الاضافة موجبة لكون الواجب بواسطة تلك الاضافة متعلقا للغرض الملائم للمولى ، وهو مذهب الاشاعرة المنكرين للحسن والقبح العقليين ، فانهم يقولون : بان الأحكام تابعة للاغراض لا لعنوان الحسن والقبيح ، أو انه إشارة إلى الواجبات غير الشرعية بل مطلق الواجبات الصادرة من الموالي إلى عبيدهم فإنها لا تناط بالحسن والقبح ، بل هي منوطة بالغرض ، والاغراض كالمصالح للحيثيات والاضافات دخل في ترتبها على الواجبات التي تتعلق بها أوامر الموالي فإن الخروج الاستقبالي كما يكون مامورا به شرعا لكونه استقبالا لعالم من علماء المذهب تعظيما للشعائر الدينيّة ، كذلك يكون موافقا لغرض المولى يدعوه ان يأمر عبيده بالاستقبال.

الثاني : ما أشار اليه بقوله : «واختلاف الحسن والقبح والغرض باختلاف الوجوه والاعتبارات الناشئة من الاضافات مما لا شبهة فيه».

وحاصله : ان الشيء الواحد يختلف بحسب ما يضاف اليه فربما يتحيث بحيثية تقتضي حسنه كتحيث ضرب اليتيم باضافته لقصد التأديب الموجبة لتعنونه بالعنوان الحسن ، وربما يضاف إلى التشفي الموجبة لكونه ظلما وقبيحا ، فالصوم المضاف إلى الغسل الليلي يكون حسنا والصوم غير المضاف إلى غسل في الليل لعدم فعل المستحاضة الغسل لا يكون معنونا لعنوان حسن.

الثالث : ما أشار اليه بقوله : «والاضافة كما تكون إلى المقارن تكون إلى المتأخر أو المتقدم بلا تفاوت اصلا».

وحاصله : ما عرفت من ان الاضافة تكون موجودة وان كان ما اضيفت اليه غير موجود ، فما هو الشرط وهو الاضافة فهو مقارن على حد سواء في ما يضاف إلى

٤٨

ولا يخفى أنها بجميع أقسامها داخلة في محل النزاع ، وبناء على الملازمة يتصف اللاحق بالوجوب كالمقارن والسابق ، إذ بدونه لا تكاد تحصل الموافقة ، ويكون سقوط الامر بإتيان المشروط به مراعى بإتيانه ، فلولا اغتسالها في الليل ـ على القول بالاشتراط ـ لما صح الصوم في اليوم (١).

______________________________________________________

المقارن في الوجود أو المتقدم أو المتأخر في الوجود ، فالشرط دائما مقارن فلا انخرام للقاعدة العقلية.

واتضح بعد تمامية هذه الامور انه لا تأثير للمعدوم في الموجود بل التأثير لموجود وهو الاضافة المقارنة في موجود مقارن وهو الواجب الذي يتعنون بالعنوان الحسن بواسطتها.

واتضح مما ذكره ان هذه التي يطلقون عليها اسم الشروط المتأخرة بوجودها عن المشروط أو المتقدمة عليه انما اطلق عليها اسم الشرط لكونها وقعت طرفا للاضافة الدخيلة في الحسن ، لا لأن لذاتها دخالة في التأثير كدخالة المقاربة في تأثير النار.

وقد عرفت انه لا يضر تأخرها بذاتها في الوجود أو تقدمها في الوجود في حصول الاضافة ، والى هذا أشار بقوله : «فمنشأ توهم الانخرام اطلاق الشرط على المتأخر».

وقد عرفت ان الشرط هو الإضافة لا نفس المضاف اليه المتأخر.

(١) المراد ان جميع اقسام مقدمة الواجب المتقدمة والمتأخرة والمقارنة داخلة في محل الكلام ، وليس مراده دخول مقدمة الحكم التكليفي أو الوضعي.

نعم ، في خصوص مقدمة الحكم الوضعي ربما تكون واجبة إذا وجب ايجاد الحكم الوضعي بنذر ونحوه. وعلى كل فمقدمة الواجب بجميع اقسامها داخلة فيجب الغسل الليلي سواء كان شرطا متقدما لصوم الغد أو متأخرا لصوم اليوم أو مقارنا كالطهارة للصلاة ـ بناء على الملازمة بين وجوب المقدمة ووجوب ذيها ـ لأن

٤٩

الامر الثالث : في تقسيمات الواجب (١).

منها : تقسيمه إلى المطلق والمشروط ، وقد ذكر لكل منهما تعريفات وحدود ، تختلف بحسب ما أخذ فيها من القيود ، وربما أطيل الكلام بالنقض والإبرام (٢) في النقض على الطرد والعكس ، مع أنها

______________________________________________________

هذه المسماة بالشروط وان كانت ليست بنفسها لها دخالة في التأثير لكنها لها دخالة في تحقق الاضافة والحيثية التي هي الشرط ، فإنها ما لم تحصل في ظرفها سواء كانت متقدمة أو متأخرة أو مقارنة لا تحصل الاضافة ، وما له الدخالة في تحقق الشرط فانه كالشرط نفسه ـ بناء على وجوب مقدمات الواجب ـ وعبارة المصنف واضحة.

(١) قد عقد الأمر الثاني لتقسيمات المقدمة وحيث انه سيأتي ان المقدمة تتبع ذيها في الاطلاق والاشتراط لذلك عقد هذا الامر الثالث لتقسيمات الواجب.

(٢) لا يخفى ان معنى الواجب المطلق والمشروط هو كون الوجوب تارة مطلقا ، واخرى مشروطا ، فهو يلحق الوجوب اولا والواجب ثانيا.

وقد ذكر القوم تعريفات للمطلق والمشروط.

ـ منها : ان المطلق ما لا يتوقف وجوبه بعد الشرائط العامة ـ وهي البلوغ ، والعقل ، والقدرة ، والعلم ـ على شيء.

والمشروط ما يتوقف وجوبه بعد الشرائط العامة على شيء.

ويرد عليه : ان الصلاة عندهم من مصاديق الواجب المطلق ، ومن الواضح ان وجوبها يتوقف على الوقت.

ـ ومنها : ما ينسب إلى المشهور ، وهو ان الواجب المطلق ما لا يتوقف وجوبه على ما يتوقف عليه وجوده ، كالصلاة فانها لا يتوقف وجوبها على الستر والطهارة ـ مثلا ـ مع ان وجودها متوقف عليها.

والمشروط ما يتوقف وجوبه على ما يتوقف عليه وجوده ، كالحج فانه يتوقف وجوبه على الاستطاعة المتوقف عليها وجود الحج أيضا.

٥٠

كما لا يخفى (١) تعريفات لفظية لشرح الاسم ، وليست بالحد

______________________________________________________

ويرد عليه ـ أيضا ـ ان الصلاة التي هي من الواجب المطلق عندهم يتوقف وجوبها على الوقت المتوقف عليه وجود الصلاة ـ أيضا ـ.

ـ ومنها : ما ذكره في الفصول (١) ويظهر انه له وهو ان الواجب المطلق ما كان وجوبه غير معلق على أمر غير حاصل سواء كان معلقا على امر غير حاصل ولكنه حصل ، أو لم يكن معلقا على شيء. والاول كالحج بعد الاستطاعة فانه وان كان قبل الاستطاعة متعلقا على الاستطاعة فهو من المشروط ولكنه بعد الاستطاعة يكون مطلقا وغير معلق على شيء ، والثاني كوجوب المعرفة فانه غير معلق على شيء غير الشرائط العامة ، والواجب المشروط ما كان معلقا على امر غير حاصل كالحج قبل الاستطاعة.

ويرد عليه : ان الواجب المطلق والمشروط وصفان للواجب المعلق وغير المعلق ، والمعلق لا ينقلب غير معلق إذا تحقق ما كان معلقا عليه ، فالحج من الواجب المشروط قبل الاستطاعة وبعد الاستطاعة ، هذا اولا.

وثانيا : ان هذا مبني على إمكان الواجب المعلق ، وان الحج بعد الاستطاعة يكون الخطاب به فعليا وان كان وقت ادائه غير حاصل ، وأما بناء على عدم امكان الواجب المعلق وانه لا يعقل الخطاب قبل وقت يمكن فيه إتيانه فلا يكون الحج بعد الاستطاعة مطلقا وانما يكون مطلقا عند حضور وقت ادائه.

(١) أي غير مطرد وغير منعكس ، والمراد من غير المطرد كونه غير جامع ، ومن غير المنعكس كونه غير مانع ، وانما قيل للتعريف غير الجامع انه غير مطرد لأن الغرض من التعريف هو مساواة المحدود وحدّه ، لوضوح ان الحد بيان ماهية المحدود تفصيلا ،

__________________

(١) الفصول الغروية : ص ٦٤.

٥١

لا بالرسم (١) ، والظاهر أنه ليس لهم اصطلاح جديد في لفظ المطلق والمشروط ، بل يطلق كل منهما بما له من معناه العرفي ، كما أن الظاهر

______________________________________________________

كقولهم في حد الانسان هو الحيوان الناطق ، ولا يعقل عدم المساواة بين الماهية وبين جنسها وفصلها فلا بد وان يكون تعريف الماهية جامعا لجميع افرادها ، فاذا خرج بعض افرادها عنها فلا يكون حدها جامعا لجميع ما يصدق عليه من افرادها. فاذا لا يكون الحد جاريا ومطردا على سنن المحدود واطراده في جميع افراده.

ومنه يتضح اطلاق غير المانع على غير المنعكس ، لانه بعد ان كان اللازم المساواة بين الحد والمحدود فلا بد ان يكون كلما صدق عليه الحد يصدق عليه المحدود ، فاذا كان الحدّ صادقا على غير ما يصدق عليه المحدود فلا يكون مانعا عن دخول غير افراد المحدود في المحدود ، ولا بد في المتساويين من التساوي بحيث لو بدل المحمول فيها بالموضوع لكانت القضية صادقة كقولهم في حدّ الانسان بانه الحيوان الناطق في مقام تعريفه وحده فلازمه المساواة التامة بين الانسان والحيوان الناطق ، فيصح ان يقال : كل انسان حيوان ناطق ، ولا بد ان يصح ـ أيضا ـ ان يقال : كل حيوان ناطق انسان ، فاذا كان الحدّ يصدق على غير افراد المحدود لا تصدق القضية لو بدّل محمولها وجعل موضوعا ، فلو عرّف الانسان بانه حيوان من دون الفصل لما كان هذا التعريف صحيحا لو قيل كل حيوان انسان ، فاذا كان الحدّ غير مانع من دخول غير المحدود لا تصدق القضية. فالمراد من غير المنعكس هو تبديل المحمول وجعله موضوعا : أي جعل الحد موضوعا والمحدود محمولا ، وعدم صدق القضية بنحو الكلية ـ حينئذ ـ انما هو لكونها غير مانعة من دخول غير المحدود في المحدود.

(١) قد تكرر من المصنف هذا الراي ، ويأتي التصريح منه في العام والخاص : بان التعاريف اللفظية هي الواقعة في جواب السؤال عن الشيء بما الشارحة ، لا الواقعة في جواب السؤال عنه بما الحقيقية ، والتعريف الحدي أو الرسمي هو الذي يقع في جواب السؤال عن الشيء بما الحقيقية دون ما الشارحة.

٥٢

أن وصفي الاطلاق والاشتراط ، وصفان إضافيان لا حقيقيان ، وإلا لم يكد يوجد واجب مطلق ، ضرورة اشتراط وجوب كل واجب ببعض الامور ، لا أقل من الشرائط العامة ، كالبلوغ والعقل.

فالحري أن يقال : إن الواجب مع كل شيء يلاحظ معه ، إن كان وجوبه غير مشروط به ، فهو مطلق بالاضافة إليه ، وإلا فمشروط كذلك ، وإن كانا بالقياس إلى شيء آخر بالعكس (١).

______________________________________________________

وتوضيح ذلك : ان السؤال عن الشيء بحسب الترتيب الطبيعي في مقام السؤال عن الاشياء ، هو ان السامع إذا سمع لفظا جاهلا به تماما فأوّل ما يتعلق غرضه بتمييزه بنحو من انحاء التمييز وبوجه ما كمن سمع لفظ العنقاء فيقول : ما العنقاء؟ فيكفي ان يقال في جوابه انها طائر ، ثم يتعلق طبيعي الغرض بالسؤال عن انه هل هو موجود ام لا؟ وهذا السؤال الثاني يسمى بهل البسيطة. ثم إذا اجيب عنه بانه موجود ـ مثلا ـ ياتي السؤال الثالث : بان هذا الموجود ما حقيقته وهو المسمى بالسؤال بما الحقيقية ، وحينئذ لا بد ان يجاب عنه بالحد الحقيقي. ثم ياتي السؤال بهل المركبة ولم الثبوتية والاثباتية ، وقد جمع هذه الاسئلة المحقق السبزواري بقوله :

أسّ المطالب ثلاثة علم

مطلب ما مطلب هل مطلب لم (١).

وعلى كل فالتعاريف اللفظية المطلوب فيها شرح الاسم وتمييزه بوجه من الوجوه وهو مطلب ما الشارحة : أي التي هي لشرح الاسم فقط ، وليس المطلوب فيها التعريف بالحد الحقيقي الذي هو مطلوب ما الحقيقية.

(١) هذا مقدمة منه لقوله : كما ان الظاهر.

وحاصل مراده : ان القوم ليس مرادهم في ذكر تعريف المطلق والمشروط ان هذه التعاريف لأجل ان لهم اصطلاحا جديدا في لفظي المطلق والمشروط ، بل الظاهر

__________________

(١) منظومة السبزواري ، قسم المنطق : ص ٣١ حجري.

٥٣

ثم الظاهر أن الواجب المشروط كما أشرنا إليه ، نفس الوجوب فيه مشروط بالشرط ، بحيث لا وجوب حقيقة ، ولا طلب واقعا قبل حصول

______________________________________________________

انهما عندهم بما لهما من معناهما اللغوي ، فالمطلق ما ليس له شرط ، والمشروط ما كان له شرط ، والمصداق الحقيقي للمطلق ما ليس له شرط اصلا ، لكنه من المعلوم بحسب موارد اطلاق لفظ المطلق على مصاديقه لا يراد منه المطلق الحقيقي والمشروط الحقيقي ، بل المراد منه المطلق والمشروط الاضافيان : بان ينظر الواجب بالنسبة لشيء ويقاس اليه ، فإن كان غير مشروط بالاضافة اليه كان مطلقا من هذه الناحية وان كان مقيدا به كان مشروطا من ناحيته ، فاذا كان المراد من المطلق والمشروط الاضافيين دون الحقيقيين جاز ان يكون الشيء الواحد مطلقا من جهة ومشروطا من جهة اخرى ، فالصلاة ـ مثلا ـ بالنسبة إلى غير الوقت ـ مثلا ـ من المطلق ومن ناحيته من الواجب المشروط. والذي يدلك على ان المراد من وصفي الاطلاق والاشتراط هما الاضافيان دون الحقيقيين هو انه لو كان المراد منهما الحقيقيين لما صدق واجب مطلق اصلا لوضوح اشتراط كل واجب لانه مشروط بالشرائط العامة قطعا ، فيلاحظ وجوب الصلاة ـ مثلا ـ مع الوضوء فحيث ان وجوبها غير مقيد بالوضوء لوضوح ان الوضوء مما يتوقف عليه الواجب : أي الصلاة لا وجوبها ، فالأمر بالصلاة مطلق من هذه الناحية ولكنه بالنسبة إلى الوقت مشروط به ، اذ لا وجوب للصلاة قبل الوقت فالوجوب من هذه الناحية مشروط لا مطلق ، ويلاحظ الحج ـ مثلا ـ فانه بالنسبة إلى الاستطاعة وجوبه مقيد به فهو مشروط من ناحيته إذ لا وجوب للحج قبل الاستطاعة ومن ناحية غيره من المقدمات كالزاد والراحلة فهو مطلق اذ لا تقيد لوجوب الحج بتهيئة الزاد والراحلة. ولا يخفى ان هذا إنما يتم بناء على صحة الواجب المعلق ، وعبارة المصنف واضحة لا تحتاج إلى شرح.

٥٤

الشرط ، كما هو ظاهر الخطاب التعليقي ، ضرورة أن ظاهر خطاب إن جاءك زيد فأكرمه (١) كون الشرط من قيود الهيئة ، وأن طلب الاكرام

______________________________________________________

(١) توضيحه : انك قد عرفت ان الواجب المشروط ما كان وجوبه مشروطا بشرط ، فالشرط يرجع إلى وجوب الواجب لا إلى الواجب ، ولا ريب في ان ظاهر القضية يقتضي ذلك ، فإن ظاهر قول الآمر : ان جاءك زيد فاكرمه هو كون طلب اكرام زيد معلقا على مجيئه ، بحيث إن تحقق المجيء تحقق طلب الاكرام وان لم يتحقق المجيء منه لم يتحقق طلب اكرامه ، لأن الصيغة جميعها ـ وهي اكرم المركبة من هيئة وهي الطلب ومادة وهي الاكرام ـ بهيئتها ومادتها مترتبة ومعلقة على المجيء ، لا أن المعلق على المجيء هي المادة وحدها والطلب فعلي.

وبعبارة اخرى : ان الظاهر من القضية الشرطية هي الحكم بثبوت التالي على فرض تحقق المقدم ، فالتالي قبل ثبوت المقدم ليس له ثبوت تحقيقي بل ثبوته تقديري لا تحقيقي ، وانما يكون حقيقيا إذا كان للمقدم ثبوت حقيقي ، فما دام المقدم في مرحلة الفرض والتقدير فالتالي ـ أيضا ـ له ثبوت فرضي تقديري ، فالطلب المنشأ بقوله : اكرم معلقا على فرض المجيء قبل تحققه هو طلب انشائي ، وانما يكون مصداقا للطلب الحقيقي بالحمل الشائع إذا تحقق المجيء فقبل المجيء هو طلب انشائي أو طلب تقديري وفعليته وحقيقيته تثبت بثبوت المجيء.

فتحصل مما ذكرنا : ان القيد المعلق عليه في القضية الشرطية يرجع إلى الوجوب لا إلى الواجب فقط : بان يكون الوجوب فعليا وحقيقيا قبل المجيء والمجيء قيد للواجب وحده ، وان حال الوقت بالنسبة إلى الصلاة في قوله : إذا زالت الشمس فصل ليس حال الطهارة ، لانه قبل الوقت لا طلب فعليا بالصلاة وقبل الطهارة طلب الصلاة فعلي.

ثم لا يخفى ، ان القيد الراجع إلى الطلب راجع لمتعلقه أيضا ، فما هو قيد للهيئة المتعلقة بالمادة فهو قيد للمادة أيضا ، فالوقت الذي هو قيد للطلب المتعلق بالصلاة هو

٥٥

وإيجابه معلق على المجيء (١) ، لا أن الواجب فيه يكون مقيدا به ، بحيث يكون الطلب والايجاب في الخطاب فعليا ومطلقا ، وإنما الواجب يكون

______________________________________________________

قيد للصلاة ـ أيضا ـ اذ لا تصح صلاة قبل الوقت ، فما هو قيد للوجوب قيد للواجب ـ أيضا ـ بخلاف قيد الواجب وحده فانه ليس بقيد للوجوب ، كما عرفت في ان الطهارة قيد للواجب فانها لا تصح بدون الطهارة ولكنها ليست قيدا للوجوب المتعلق بالصلاة ، فإن الوجوب فعلي تام الفعلية قبل حصول الطهارة المتوقف عليها صحة الواجب ، فقولهم القيد راجع للهيئة لا للمادة ليس معناه ان المادة غير مقيدة بالقيد الراجع إلى الهيئة ، بل مرادهم في ان القيد لا يختص بالمادة : بان تكون الهيئة مطلقة وفعلية قبل تحقق القيد.

(١) أي ان إيجاب الاكرام ووجوبه معلق على المجيء فقبل المجيء لا وجوب ولا ايجاب. ولا يخفى ان عطف الايجاب على الوجوب ليس الغرض منه اختلافهما حقيقة بل هما متحدان ذاتا ومصداقا ، وإنما الاختلاف بينهما بالاعتبار فإن الطلب المتعلق بشيء باعتبار كونه منسوبا إلى الطالب والآمر هو ايجاب منه ، وباعتبار نسبته إلى متعلقه فهو وجوب.

لا يقال : قد حصل بالانشاء ايجاب من الامر ووجوب متعلق بالمادة ، فكيف يكون الايجاب والوجوب معلقا على المجيء.

فانه يقال : الذي حصل بالصيغة هو انشاء الوجوب وليس المراد في المقام ان هذا الانشاء هو المعلق ، بل المراد ان كون هذا الانشاء مصداقا للطلب الحقيقي والبعث الفعلي هو محل الكلام ، ولا اشكال ان الذي حصل بهذا الانشاء هو الطلب على تقدير المجيء فقبل المجيء الطلب تقديري فلا يكون مصداقا للطلب الحقيقي بالفعل ولا بعثا فعليا قبل ثبوت ما علق عليه ، فالمدعى في الواجب المشروط هو كون هذا الانشاء قبل المجيء تقديري وانما يكون فعليا وحقيقيا بعد ثبوت المجيء ولا ملازمة بين انشاء الحكم وبين فعليته وصيرورته بعثا فعليا حقيقيا.

٥٦

خاصا ومقيدا ، وهو الإكرام على تقدير المجيء ، فيكون الشرط من قيود المادة لا الهيئة ، كما نسب ذلك إلى شيخنا العلامة ـ أعلى الله مقامه ـ (١) مدعيا لامتناع كون الشرط من قيود الهيئة واقعا ، ولزوم كونه من قيود

______________________________________________________

فالمدعي لصحة الواجب المشروط يقول : ان هذا الانشاء ثبوته قبل ما علق عليه ثبوت تقديري وانما يكون وجوبا حقيقيا فعليا بعد ثبوت ما علق عليه.

والمنكر للواجب المشروط ـ كما يظهر من تقريرات الشيخ الأنصاري (قدس‌سره) يقول : هو كون الوجوب فعليا وحقيقيا ، والمجيء يرجع إلى قيود الواجب كالطهارة بالنسبة إلى الصلاة غايته انه قيد في الواجب اخذ على نحو اتفاق الحصول ، لا انه واجب التحصيل كالطهارة.

(١) الذي يظهر من الشيخ (قدس‌سره) كون الوجوب في الواجب المشروط فعليا حقيقيا تام الفعلية والحقيقية وان القيد المعلق عليه يرجع إلى الواجب لبرهانين ذكرهما يلزم بحسبهما ارجاع القيد إلى المادة : أي الى ما تعلق به الهيئة : أي إلى الواجب دون الوجوب فاكرم. ـ مثلا ـ في قول القائل : ان جاءك زيد فاكرمه تنحل إلى وجوب مستفاد من هيئتها والى واجب متعلق به الوجوب وهو الاكرام ، والوجوب قبل تحقق المجيء فعلى وانما المقيد بالمجيء هو الاكرام لا وجوبه لقيام البرهان على لزوم هذا الارجاع وان خالف الظاهر ، فالواجب المشروط عنده (قدس‌سره) هو الواجب المعلق الذي سيأتي الكلام فيه ، وحيث لم يرض المصنف هذا الراي وبنى على كون الوجوب هو المشروط وان القيد راجع إلى الهيئة لا إلى المادة فقط قال : ان الظاهر كون الشرط من قيود الهيئة : أي الوجوب وليس من قيود المادة وان الواجب هو المقيد دون الوجوب ، ورتب على هذا الرأي لازمه وهو كون الطلب والوجوب ـ بناء على رجوع القيد إلى المادة ـ يكون فعليا ، والواجب هو المقيد وهو الخاص ، فالاكرام هو المقيد بالمجيء دون وجوبه.

٥٧

المادة لبا (١) ، مع الاعتراف بأن قضية القواعد العربية أنه من قيود الهيئة ظاهرا.

______________________________________________________

(١) حاصل ما استدل به الشيخ (قدس‌سره) : من لزوم رجوع القيد إلى المادة دون الهيئة دليلان (١) :

وحاصل الدليل الاول : ان الهيئة بذاتها غير قابلة لرجوع القيد اليها ويمتنع عقلا ان تكون مقيدة ومعلقة على المجيء ، فلا بد فيما كان ظاهره تقيدها من ارتكاب مخالفة الظاهر فيه وارجاع القيد إلى ما يمكن ان يكون مقيدا به وهو المادة فإنها القابلة للتقييد دون الهيئة ، والتعبير عن الشرط بالقيد واضح لأن مرجع الشرطية والتعليق إلى تقييد المشروط بالشرط ، فالشرط والتعليق قيود للمشروط الذي هو في قبال المطلق غير المقيد بشيء ولا معلق على شيء ، فانه إذا قال المولى : اكرم زيدا ، من دون شرط وتعليق يرجع إلى وجوب اكرام زيد سواء جاء أو لم يجئ ، واذا قال : إن جاءك زيد فاكرمه ، يرجع إلى كون وجوب الاكرام فيما إذا تحقق منه مجيء وعند عدم مجيئه لا وجوب ، فلا يصح ان يقال : اكرم زيدا سواء جاء ام لم يجئ ، هذا بناء على الواجب المشروط.

وأما بناء على إرجاع القيد إلى المادة فالاكرام يكون مقيدا بالمجيء وانه قبل المجيء لا يصح الاكرام ، بخلاف اكرم زيدا من دون تعليق فانه يصح الاكرام سواء جاء ام لم يجئ.

والدليل الثاني يرجع إلى ان القيد وان أمكن رجوعه إلى الهيئة لكن التأمل والتحقيق في كيفية تعلق الوجوب بالواجب يقضي بان القيود في الواقع تكون قيودا للمادة دون الهيئة.

__________________

(١) مطارح الانظار : ص ٤٨.

٥٨

أما امتناع كونه من قيود الهيئة (١) ، فلانه لا إطلاق في الفرد الموجود من الطلب المتعلق بالفعل المنشأ بالهيئة ، حتى يصح القول بتقييده بشرط

______________________________________________________

وحاصل الدليل الاول : ان الهيئة من المعاني الحرفية والمعنى الحرفي موضوع بالوضع العام والموضوع له الخاص ، ومعنى الموضوع له الخاص ان المعنى الذي يدل عليه الحرف هو من الجزئيات الخاصة المتعينة والمتشخصة بتشخص جزئي حقيقي ، ومن الواضح ان الجزئي الحقيقي الشخصي لا سعة فيه لأن التوسعة والتضييق من شئون المعاني الكلية ، أما المعاني الجزئية الحقيقية لا سعة فيها حتى تتضيق.

وقد عرفت ان الشرط قيد ومعنى القيدية التضييق وما لا سعة فيه لا يعقل ان يلحقه تضييق ، فالهيئة التي هي الدالة على الوجوب معنى حرفي فهي امر جزئي شخصي لا سعة فيها فلا تضيق لها ، بخلاف المادة التي هي متعلق الهيئة وهو الاكرام ـ مثلا ـ فانه معنى كلي والكلي له سعة وضيق فلا بد وان يكون القيد راجعا لها لأنها معنى كلي قابلة للسعة والضيق ، فالقيد راجع إلى المادة وهي الواجب ولا يعقل رجوعه إلى الوجوب المستفاد من الهيئة لانه معنى حرفي ، وهو البعث الواقع نسبة بين الباعث والمبعوث والمبعوث اليه ، والمعاني النسبية معان حرفية جزئية حقيقية متشخصة فلا تقبل التقييد والتضييق.

(١) قد عرفت فيما سبق ان ظاهر الجملة الشرطية كقول القائل : ان جاءك زيد فاكرمه هو كون الجزاء بما هو مركب من هيئة ومادة واقعا موقع الفرض والتقدير على فرض تحقق الشرط وهو المجيء ، وبعد قيام البرهان عنده (قدس‌سره) على امتناع رجوع القيد إلى الهيئة فلا بد من صرف هذا الظاهر وارجاعه إلى المادة ، هذا بحسب البرهان الاول.

وأما بحسب البرهان الثاني فيقتضي ان يكون هذا الاعتراف منه (قدس‌سره) انما هو بدوي ولكن بعد التامل والتروي في كيفية تعلق الوجوب بالواجبات يكون القيد راجعا إلى المادة ، فيكون اعترافه بحسب البرهان الاول غير اعترافه بحسب ما يقتضيه

٥٩

ونحوه ، فكل ما يحتمل رجوعه إلى الطلب الذي يدل عليه الهيئة ، فهو عند التحقيق راجع إلى نفس المادة (١).

وأما لزوم كونه من قيود المادة لبا ، فلان العاقل إذا توجه إلى شيء والتفت إليه ، فإما أن يتعلق طلبه به ، أو لا يتعلق به طلبه أصلا ، لا كلام على الثاني.

وعلى الاول : فإما أن يكون ذاك الشيء موردا لطلبه وأمره مطلقا على اختلاف طوارئه ، أو على تقدير خاص ، وذلك التقدير : تارة يكون من الامور الاختيارية ، وأخرى لا يكون كذلك. وما كان من الامور الاختيارية. قد يكون مأخوذا فيه على نحو يكون موردا للتكليف ، وقد لا يكون كذلك ، على اختلاف الاغراض الداعية إلى طلبه والأمر به ، من غير فرق في ذلك بين القول بتبعية الاحكام للمصالح والمفاسد (٢) ، والقول بعدم التبعية ، كما لا يخفى ، هذا موافق

______________________________________________________

البرهان الثاني ، فإن الاعتراف بالظهور في الاول قد صادمه البرهان فلا بد من مخالفته ، بخلاف اعترافه بحسب ما يقتضيه البرهان الثاني فانه بدوي قبل التامل في كيفية تعلق الوجوب بالواجب ، أما بعد التامل فيكون متعلقا بالواجب فينبغي ان يكون عنده (قدس‌سره) بعد التامل ظاهرا في كون متعلقه غير الهيئة وظهوره في تعلقه بالهيئة بدوي.

(١) قد عرفت وجهه ، وهو ان الهيئة من المعاني الحرفية لانها هي البعث الواقع نسبة بين الباعث والمبعوث والمبعوث اليه والمعاني الحرفية الموضوع له فيها خاص شخصي جزئي لا سعة فيه فلا يقبل تضييقا.

(٢) هذا هو الدليل الثاني على لزوم رجوع القيد إلى المادة فقط دون الهيئة.

وتوضيحه ان الاحكام إما ان تكون تابعة لمصالح ومفاسد في متعلقاتها ـ كما هو مذهب المشهور من العدلية ـ وعلى هذا فلا يكون في نفس البعث مصلحة وانما هو

٦٠