بداية الوصول

آية الله الشيخ محمّد طاهر آل الشيخ راضي

بداية الوصول

المؤلف:

آية الله الشيخ محمّد طاهر آل الشيخ راضي


المحقق: محمّد عبدالحكيم الموسوي البكّاء
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار الهدى
المطبعة: الظهور
الطبعة: ٢
ISBN: 964-497-058-6
ISBN الدورة:
964-497-056-X

الصفحات: ٣٩٩

وعليه فجعلهما متعلقين للخطاب الشرعي ، لبيان أن الواجب هو الجامع بين هذين الاثنين (١). وإن كان بملاك أنه يكون في كل واحد منهما

______________________________________________________

(١) وحاصل هذا التحقيق ان الغرض المترتب على افراد هذا الواجب التخييري اما ان يكون واحدا او متعددا ، فان كان واحدا فلا بد وان يكون المؤثر في هذا الغرض الواحد هو الجامع بين هذه الطبائع المتعددة ويكون هو الواجب واقعا ، اذ لا يعقل ان تكون هذه الطبائع المتعددة بما هي متعددة وغير مندرجة تحت جامع واحد مؤثرة في غرض واحد لما برهن عليه في محله : من ان الواحد بما هو واحد لا يعقل صدوره عن الكثير بما هو كثير ، ولا بد ان لا يصدر الواحد الّا عن الواحد ، كما انه قد برهن في محله ـ أيضا ـ على القضية الأخرى وهي عدم إمكان صدور الكثير عن الواحد ، لان البرهان الذي أشار اليه المصنف في عدم إمكان صدور الواحد عن الكثير هو البرهان على القضية الثانية وهي عدم امكان صدور الكثير من الواحد (١).

__________________

(١) وينبغي ان لا يخفى انه قد ذكروا لكل واحد من هاتين القضيتين برهانا يخصه غير برهان المسانخة.

أما عدم إمكان صدور الكثير عن الواحد فبرهانه : ان كل معلول له تعيّن في مرتبة علته بالذات ، إذ لو لم يكن له تعين بالذات في مرتبة ذات علته للزم التخصيص بلا مخصص وهو محال ، فصدور الكثير عن الواحد لا بد فيه من ان يكون في ذات العلة خصوصيتان ذاتيتان كل واحدة تقتضي معلولا ، وهذا خلف بالنسبة إلى الواحد بالذات من جميع الجهات. ولا يخفى ان هذا البرهان يختص بالواحد الشخصي الذي هو واحد من جميع الجهات ، لأن لزوم وجود خصوصيتين في الواحد من جميع الجهات خلف.

وأما برهان عدم إمكان صدور الواحد عن الكثير فهو انه اذا كان لكل من العلتين خصوصية تقتضي صدور المعلول عنها فكل واحد منهما علة مستقلة ، فصدور الواحد عنهما ينافي كون كل واحد منهما علة مستقلة ، وصدور الواحد عن الجامع بينهما لازمه عدم كون كل واحد منهما علة بذاته مستقلة ، بل العلة هو الجامع لا هما ، وهذا البرهان ايضا مورده عدم امكان صدور الواحد الشخصي عن المتعدد الشخصي فلا تغفل. «منه قدس‌سره».

٣٦١

غرض ، لا يكاد يحصل مع حصول الغرض في الآخر مع إتيانه ، كان كل واحد واجبا بنحو من الوجوب ، يستكشف عنه تبعاته ، من عدم جواز

______________________________________________________

وحاصل البرهان : انه لا بد من المسانخة الذاتية بين المعلول والعلة وإلّا لجاز ان يصدر كل شيء من كل شيء ، ومن الواضح انه لا يعقل ان تصدر البرودة من النار ولا الحرارة من الثلج. ومن جملة انواع المسانخة الوحدة والكثرة ، فالعلة الواحدة لا بد وان يكون معلولها واحدا ، لأن فرض كون العلة واحدة ان فيها جهة واحدة للعلية ، فمن اين يصدر المعلول الآخر الذي لا بد له من جهة اخرى غير تلك الجهة التي اقتضت صدور ذلك المعلول؟ وكذلك المعاليل الكثيرة لا بد لها من جهات متعددة فلا يعقل صدور الكثير عن الواحد ، فالغرض الواحد المترتب على هذه الطبائع المتعددة لا بد وان يترتب عليها لجامع واحد ، وذلك الواحد هو المؤثر في الغرض ، ففي الحقيقة يكون الواجب هو ذلك الجامع الواحد المترتب عليه ذلك الغرض الواحد ، وحينئذ يرجع التخيير الشرعي إلى التخيير العقلي وتكون هذه الطبائع المتعددة كافراد طبيعة واحدة. والفرق بينهما هو ان انطباق المأمور به في الطبيعة الواحدة المأمور بها لا يحتاج الى تنبيه من الشارع لمعرفة افرادها المحصلة لها ، بخلاف الواجب التخييري فان المحصل للمؤثر في الغرض لا بد من التنبيه عليه من الشارع اذ لا سبيل للعقل للاهتداء اليه ، فلا يوكل اليه التطبيق فيها الى العقل كما يوكل اليه التطبيق في الطبيعة الواحدة ذات الافراد ، وقد أشار الى ان الغرض اذا كان واحدا لا بد وان يكون المؤثر فيه واحدا بقوله : «لوضوح ان الواحد لا يكاد يصدر من الاثنين بما هما اثنان» وقد أشار الى برهانه بقوله : «لاعتبار نحو من السنخية ... الى آخره».

٣٦٢

تركه إلا إلى الآخر ، وترتب الثواب على فعل الواحد منهما ، والعقاب على تركهما (١) ، فلا وجه في مثله للقول بكون الواجب هو أحدهما

______________________________________________________

(١) لا يخفى انه اذا كان الغرض واحدا فربما يكون ملاكا للقول الاول ، بأن الواجب واحد وهو الجامع بين هذه الطبائع وهي محققات له وافراد له ، واذا تعددت افراد الواجب فيجوز ترك كل واحد منها الى الفرد الآخر وهو البدل ، إلّا ان هذا خلاف ظاهر قولهم ان الواجب التخييري ما يجوز تركه إلى بدل ، فان ظاهره كون كل طبيعة من هذه الطبائع هي بدل عن الواجب ، والواجب هو كل طبيعة منها إلّا انها يجوز تركها إلى البدل ، فكل طبيعة منها هي الواجب ولكنها لها بدل يجوز تركها الى بدلها ، لا أن الواجب واحد وهو الجامع وهذه الطبائع افراده ومصاديقه.

وبعبارة اخرى : ان الفرق بين الواجب التخييري أو التعييني : هو ان الواجب التخييري له بدل والواجب التعييني لا بدل له لا ان الواجب التخييري هو الواجب التعييني وان الفرق بينهما ان الواجب التعييني له افراد من طبيعة واحدة والواجب التخييري افراده طبائع متعددة.

والحاصل : ان ظاهرهم ان التخيير في الواجب التخييري شرعي والتخيير بين افراد الواجب التعييني عقلي.

مضافا الى انه كما لا يمكن للطبائع المتعددة ان تؤثر في غرض واحد لبرهان المسانخة ، كذلك لا يمكن ان يترتب عليها جامع واحد هو المؤثر ، لان ترتب هذا الجامع الواحد عليها إما لاقتضائها بذاتها له فيعود المحذور من لزوم المسانخة وان المتعدد بما هو متعدد كيف يقتضي شيئا واحدا وان كان غيرها فينقل الكلام اليه وهلم جرا.

وان كان اقتضاؤها له لا بذاتها بل بالعرض فحيث ان ما بالعرض لا بد وان ينتهي إلى ما بالذات فيعود المحذور ـ أيضا ـ والالتزام : بان الجامع واحد نوعي وبرهان المسانخة انما هو في الواحد الشخصي لا داعي له لامكان الالتزام بان الغرض المترتب

٣٦٣

.................................................................................................

______________________________________________________

على هذه الطبائع نوعي أيضا فلا يتأتى فيه برهان المسانخة ولا يكون مخالفا لبرهان الواحد لا يصدر عن الاثنين ، فان الحلاوة ـ مثلا ـ واحدة نوعا وهي تصدر وتتحقق في الطبائع المتعددة فليكن الغرض المترتب على هذه الطبائع كالحلاوة واحد نوعا : أي ان الغرض المترتب عليها هو نوع واحد لا واحد شخصي.

وعلى كل فظاهر المصنف وصريحه ان الغرض اذا كان واحدا يرجع الوجوب التخييري الى الوجوب التعييني وان التخيير فيه عقلي وان الشارع حيث لا سبيل للعقل الى معرفة افراد هذا النحو من الواجب التعييني نبه عليه.

هذا كله اذا كان الغرض المترتب على هذه الطبائع واحدا.

واما اذا كان الغرض المترتب عليها متعددا فلا بد وان يكون الغرض المترتب على كل منها مزاحما للغرض المترتب على غيرها من الطبائع التي كانت عدلا لها في هذا الخطاب ، اذ لو لم يكن اغراضها متزاحمة لكانت وجوبات تعيينية لا تخييرية وحيث كانت تخييرية بمعنى انها لو أتى بواحد منها سقط التكليف من الاتيان بالآخر فاللازم ان يكون الغرض في كل منها وان كان غير الغرض الآخر الذي يحصل من الواجب الآخر ، إلّا انه سنخ غرض بحيث لو حصل الغرض الآخر من احد الواجبات : أي الطبائع الواقعة عدلا للطبيعة المحصلة له لا يمكن استيفاؤه ، فاذا اتى باحد هذه الواجبات التخييرية سقطت الاوامر المتعلقة بها ، لأن اوامرها انما هي لتحصيل الاغراض المترتبة عليها ، واذا كانت مع تحقق احدها لا يمكن استيفاؤها لا يعقل بقاء اوامرها فانه من بقاء المعلول بلا علة ، ولازم هذا ان تتعدد الوجوبات لتعدد الاغراض وان يكون كل واحد منها وجوبا يجوز تركه إلى الاتيان بالواجب الآخر ، فيكون الوجوب فيها مرتبطا بهذا النحو من الارتباط ويكون هو معنى قولهم ان الواجب التخييري هو الذي يجوز تركه إلى بدل ويثاب على فعل أحدها ولا يعاقب إلّا على تركها جميعا والى هذا أشار بقوله : «وان كان بملاك انه يكون في كل واحد منهما غرض لا يكاد يحصل مع حصول الغرض في الآخر مع اتيانه» أي بإتيان

٣٦٤

.................................................................................................

______________________________________________________

الآخر : أي انه مع الاتيان بأحد هذه الواجبات لا يبقى مجال لاستيفاء الغرض من بقيتها. وهذا هو الفرق بين هذا الوجوب التخييري والوجوب التعييني فانه لا يجوز تركه لأن غرضه لازم الاستيفاء وليس مزاحما بغيره بحيث لو أتى بغيره لا يمكن استيفاؤه ويكون هذا هو الملاك للقول الثالث : وهو ان الواجب التخييري هو وجوب كل منهما مع السقوط بفعل احدهما فيما اذا كان التخيير بين شيئين ، ووجوب كل منها مع السقوط بفعل احدها اذا كان التخيير بين اشياء ، ولا يكتفى بهذا المقدار في إتمام الواجب التخييري ، فانه بهذا البيان وان خرج التخيير العقلي في وجوب الطبيعة الواحدة ذات الافراد لفرض تعدد الاغراض فيتعدد الواجب ، إلّا ان الغرض في احدها اذا كان يسقط بفعل الآخر كان الغرض في كل منها لزوميا لفرض كونه غرضا يدعو إلى الوجوب ، فاللازم الامر باتيانهما دفعة واحدة لأن الغرض في كل منهما لازم وباتيان احدهما منفردا لا يبقى مجال لاستيفاء الغرض من الآخر الذي هو لازم أيضا ، فحفظا لتحصيل الغرضين اللازمين ينبغي الامر باتيانهما معا دفعة واحدة ، ولا يقول بهذا احد في الواجبات التخييرية التي يمكن الاتيان بها دفعة واحدة ، فينبغي تتميمه بان يقال : ان الغرض في كل واحد منهما غير الغرض من الآخر ، ولا يكون بحصول احدهما يمتنع حصول الغرض من الآخر ولكن هناك مصلحة دعت إلى الاكتفاء بأحدهما ، فلا مانع من الاتيان بهما واحدا بعد واحد ولا يجب الامر بهما دفعة واحدة ويجوز الاكتفاء باحدهما ، ويكون مراده من قوله : «يكون في كل واحد منهما لا يكاد يحصل ...» الى آخر كلامه انه لا يكاد يحصل الغرض مع التحفظ على المصلحة الداعية الى الترخيص في ترك الآخر (١).

__________________

(١) ثم انه اذا كان لكل واحد من الواجبين غرض غير الغرض من الآخر فلا يخلو الحال عن احتمالات كلها غير خالية عن الاشكال :

٣٦٥

لا بعينه مصداقا ولا مفهوما ، كما هو واضح (١) ، إلا أن يرجع إلى ما ذكرنا فيما إذا كان الامر بأحدهما بالملاك الاول ، من أن الواجب هو

______________________________________________________

(١) حاصله انه بعد ما عرفت ان الامر دائر بين غرض واحد أو اغراض متعددة وعلى الاول يكون الواجب واحدا وهو الجامع ، وعلى الثاني كل واحد من افراد

__________________

ـ الاول : ان يكون الغرضان بحيث لا يمكن استيفاء احدهما مع استيفاء الآخر بمعنى انه بعد حصول الغرض من احدهما لا يمكن استيفاء الغرض من الآخر ، فلازم ذلك الامر بهما بايجادهما دفعة واحدة لفرض كون كل واحد من الغرضين لازما ، وبعد وجود احدهما لا يمكن وجود الآخر فلا مناص عن لزوم الامر بايجادهما دفعة واحدة.

الثاني : ان يكون الغرضان متزاحمين ومع ذلك لا يمكن اجتماعهما في زمان واحد بحيث يكون حصول الغرض من احدهما مقيدا بعدم وجود ، ولازم ذلك النهي عن الاتيان بهما دفعة واحدة مضافا إلى انهما يكون التخيير بينهما عقليا ، لأن المتزاحمين تارة يتزاحمان لعدم القدرة على الجمع بينهما كانقاذ غريقين لا يقدر على انقاذهما معا ، واخرى يكون التزاحم بينهما في الملاك وكما ان التخيير بينهما في الصورة الاولى عقلي كذلك التخيير بينهما في الصورة الثانية عقلي ايضا.

الثالث : ان لا يكون الغرضان متزاحمين ملاكا ولا يكونا بحيث اذا حصل احدهما يمنع عن استيفاء ، بل يكونان بحيث اذا حصلا معا لا يترتب عليهما الا غرض واحد كما اذا انفرد كل منهما ، وعلى هذا فالتخيير بينهما وان كان شرعيا إلّا ان لازم ذلك التخيير بين ايجاد كل منهما منفردا وبين ايجادهما معا.

وهناك احتمال رابع وهو ان يكون الغرضان لازمين في حد ذاتهما وليس بينهما تزاحم ولا ان استيفاء احدهما يمنع عن استيفاء الآخر ولا انهما اذا اجتمعا لا يترتب عليهما الا غرض واحد بل كان هناك مصلحة دعت إلى الترخيص في ترك احدهما كمصلحة التسهيل أو غيرها ، وهذا ينطبق على الواجبات التخييرية فان التخيير شرعي لا عقلي.

ولا يرد عليه انه خلاف ظاهر الواجب التخييري فان ظهوره ليس هو الا كون كل واحد منهما واجبا يجوز تركه إلى بدل. ولا يرد عليه ان لازم ذلك ترتب عقابين على تركهما معا لوضوح ان لازم الترخيص في ترك كل منهما إلى بدل هو العقاب الواحد على تركهما. (منه قدس‌سره)

٣٦٦

.................................................................................................

______________________________________________________

التخيير ، وعلى كل منهما فالواجب معلوم في الواجب المخير ولا يكون الواجب امرا مرددا لا مفهوما ولا مصداقا ، ولذا قال : «فلا وجه في مثله» : أي الواجب التخييري «للقول بكون الواجب هو احدهما لا بعينه مصداقا ولا مفهوما» مضافا الى ان الترديد في المفهوم غير معقول تصورا لوضوح ان كل مفهوم في مقام مفهوميته معين لا مردد ، حتى مفهوم المردد فانه في مقام مفهوميته غير مردد نظير مفهوم المجهول فانه في مقام مفهوميته هو معلوم غير مجهول ، اذ لا يعقل ان يتعلق التصور بمجهول حتى في مقام مفهوميته ، فان لكل شيء نحوين من الوجود : ذهني وخارجي ، فاذا فرض انه في مقام خارجيته مجهول وفي مقام تحققه الذهني أيضا مجهول فيكون من المجهول المطلق ، والمجهول المطلق لا يعقل ان يكون متعلقا للتصور ، فلا بد وأن يكون المراد من لا بعينه مفهوما هو تعلق الأمر بمفهوم احدهما.

واما المردد في مقام مصداقيته وهو المراد من لا بعينه مصداقا وهو الفرد المنتشر في كلامهم فهو ايضا غير معقول تصورا ، لأن الفرد الخارجي بخارجيته لا يعقل تعلق التصور به فلا بد وان يتعلق التصور بمفهوم الفرد المنتشر وهو كلي كعنوان احدهما ، وقد عرفت ان تعلق التصور بالمردد بما هو مردد محال ، ولكن يظهر من المصنف امكان تعلق التصور بالمردد.

فقد ذكر المصنف في حاشيته على المتن (١) بما حاصله مع زيادة توضيح منا : انه فرق بين مقام العلم ومقام الامر ، فانه في مقام العلم يمكن ان يتعلق العلم بمفهوم احدهما ويكون خارجا مرددا بين مصداقين او اكثر كما في مقام العلم الاجمالي فانه يتعلق بكون احد الإناءين نجس ومصداقه خارجا مردد بين الإناءين ، إلّا انه في مقام الامر لا يعقل ذلك سواء كان الامر هو الارادة والشوق او البعث والتحريك اعتبارا.

__________________

(١) كفاية الاصول بحاشية المحقق المشكيني (قدس‌سره) : ج ١ ، ص ٢٢٦ حجري.

٣٦٧

الواحد الجامع بينهما ، ولا أحدهما معينا ، مع كون كل منهما مثل الآخر في أنه واف بالغرض فتدبر (١).

______________________________________________________

اما اذا كان هو الشوق والارادة فلوضوح ان الشوق لا يعقل ان يحصل من غير سبب يدعو اليه وإلّا لجاز ان يكون كل شيء متعلقا للشوق وهو باطل ، فالسبب الداعي لتعلق الشوق بالمشتاق اليه اما ان ينحصر بالموجود الخارجي او يكون بما هو الجامع بينه وبين موجود آخر أو موجودات ، وعلى الاول فيكون متعلق الامر هو الوجود الخاص الخارجي ، وعلى الثاني يكون هو الجامع بين الموجودين او الموجودات ، وعلى كل يكون متعلق الامر معينا خارجا لا مرددا. واما اذا كان هو البعث والتحريك اعتبارا فلوضوح ان الداعي للبعث والتحريك هو الارادة والشوق وان يكون المعلول على طبق علته.

مضافا الى ان الامر بداعي جعل الداعي والداعي انما يدعو الى ايجاد ماهية يمكن ان يكون لها وجود خارجي والمردد بما هو مردد لا ماهية له ، اذ كل ماهية في مقام ما هويتها معينة لا مرددة وما لا ماهية له لا وجود له خارجا ، فلا يعقل ان يجعل الداعي إلى ايجاد ما لا يكون له وجود.

واما العلم فحيث انه يمكن ان يحصل من جهة معلومة وان كان من جهة اخرى مجهولا امكن ان يتعلق بمفهوم احدهما فانه يمكن ان يحصل العلم بأن نجسا تحقق في الخارج ولكن يجهل انه أيهما ، ولذا يمكن ان يكون مفهوم احدهما معلوما للعلم بأن نجسا قد تحقق ، وحيث لا يعلم بتفصيله فيكون مجهولا من ناحية ان ذلك النجس هل هو هذا أو هذا؟ فلذا يكون مفهوم احدهما متعلقا للعلم وتفصيله في الخارج مجهولا. فاتضح الفرق بين مقام العلم ومقام الامر ، ولعل قوله (قدس‌سره) : فتدبر اشارة الى ذلك.

(١) لا يخفى ان احدهما لا بعينه لا يمكن ان يرجع الى ما ذكره ثانيا بقوله : «وان كان بملاك انه يكون في كل واحد منهما غرض» الى آخره لوضوح انه على هذا يكون

٣٦٨

بقي الكلام في أنه هل يمكن التخيير عقلا أو شرعا بين الاقل والاكثر ، أو لا (١)؟

______________________________________________________

الواجب معينا وليس لا بعينه ، لوضوح انه مع تعدد الغرض يكون كل واحد منها معينا هو الواجب ، إلّا انه حيث كان الاتيان بالآخر يسقطه كان كل واحد منها واجبا معينا ولكن يجوز تركه الى بدل ، فلا يعقل ان يرجع قول القائل بأن الواجب احدهما لا بعينه الى هذا ، فلا بد في مقام التأويل لكون الواجب احدهما لا بعينه ان نقول انه يمكن ان يرجع الى الاحتمال الاول وهو انه حيث كان الغرض بناء عليه واحدا ومستندا الى جامع واحد المؤثر فيه ، وحيث كان الجامع مجهولا الا من حيث انه يوجد بين هذه الطبائع التي وقع التخيير فيها وكل واحد منها انما امر به تخييرا لكونه به يحصل ذلك الجامع المجهول لا انه بذاته هو الواجب فليس كل واحد منها هو الواجب معينا ، وحيث كان الجامع يوجد في احدها فيكون كل واحد منها مثل الآخر في كونه وافيا بالغرض لحصول الجامع المؤثر في الغرض فيه ، فيصح ان يقال : ان الواجب ليس احدها معينا وكل واحد منها ليس بذاته ولا بعينه واجبا ولكنه يحصل باتيان احدها ، فلذا كان أحدها لا بعينه هو الواجب.

ولا يخفى : انه لم يتعرض لرد القول بكون الواجب هو المعين عند الله لما تقدم من سخافته على ظاهره ، وارجاعه الى القول الثالث ـ أيضا ـ لا يخلو عن سخافة كما مر.

(١) لا يخفى ان المدعى محاليته هو التخيير بين الاقل والاكثر مع مساواة الاقل للاكثر في كل جهة عدا كون احدهما اقل والآخر اكثر. واما لو اختلف الاقل والاكثر بشيء ما ولو بالعنوان الذي يجب قصده في مقام الاتيان كعنوان الظهر والجمعة فانهما يكونان من المتباينين لا الاقل والاكثر ، لأن الركعتين اللتين يجب قصد عنوان الجمعة فيهما غير الركعتين في ضمن الاكثر الذي كان عنوانهما هو الظهرية ، وكذا فيما اذا لم يختلفا بالعنوان ولكن اختلفا بكيفية ما كما اذا كان السلام في الركعتين بعد الثانية في القصر وعلى الرابعة في التمام ، فان الركعتين اللتين يكون السلام فيهما على

٣٦٩

ربما يقال ، بأنه محال ، فإن الاقل إذا وجد كان هو الواجب لا محالة ، ولو كان في ضمن الاكثر ، لحصول الغرض به ، وكان الزائد عليه من أجزاء الاكثر زائدا على الواجب (١) ، لكنه ليس كذلك ، فإنه إذا فرض

______________________________________________________

الاثنين كما في القصر غير الركعتين اللتين يكون سلامهما على الرابعة فهما من المتباينين ، فالظهر والجمعة متباينان من جهتين من جهة العنوان ومن جهة الكيفية ، وفي القصر والتمام التباين من جهة واحدة وهي الكيفية مضافا الى تباين الجمعة والظهر من ناحية المستحبات ـ أيضا ـ كالقنوت ـ مثلا ـ فان في الجمعة قنوتين وفي الظهر قنوتا واحدا.

وعلى كل فالكلام في امكان التخيير بين الاقل والاكثر مع تساويهما في كل جهة عدا الاقلية والاكثرية كالخط القصير والخط الطويل وكالتسبيحة الواحدة والثلاث.

(١) وحاصله ان التخيير بين الاقل والاكثر مع تساويهما فيما عدا الاقلية والاكثرية محال ، لان طلب الاكثر بعد حصول الاقل في ضمنه إما ان يكون لأجل الغرض الذي حصل بمجرد وجود الاقل فيلزم تحصيل الحاصل لأن المفروض ان الغرض قد حصل بالاقل ، فطلب الاكثر لأجل تحصيل ذلك الغرض الحاصل من تحصيل الحاصل.

واما ان يكون لغرض آخر غير الغرض الذي حصل من الاقل فهو محال ايضا لأن المفروض انه واجب تخييري ومع فرض حصول غرض الواجب التخييري في الاقل لا يبقى مجال لغرض آخر في الاكثر ، لأن الغرض الآخر في الاكثر ان كان واجبا آخر لزم الخلف وان كان هو احد فردي الواجب التخييري فلا يبقى مجال لطلبه لحصوله بالاقل.

وأما ان يكون بلا غرض وهو محال ايضا ، لان الطلب للاكثر فعل اختياري للمولى ولا يعقل ان يكون الفعل الاختياري بلا غرض.

٣٧٠

أن المحصل للغرض فيما إذا وجد الاكثر ، هو الاكثر لا الاقل الذي في ضمنه ، بمعنى أن يكون لجميع أجزائه حينئذ دخل في حصوله ، وإن كان الاقل لو لم يكن في ضمنه كان وافيا به أيضا ، فلا محيص عن التخيير بينهما ، إذ تخصيص الاقل بالوجوب حينئذ كان بلا مخصص ، فإن الاكثر بحده يكون مثله على الفرض ، مثل أن يكون الغرض الحاصل من رسم الخط مترتبا على الطويل إذا رسم بما له من الحد ، لا على القصير في ضمنه ، ومعه كيف يجوز تخصيصه بما لا يعمه ومن الواضح كون هذا الفرض بمكان من الامكان (١).

______________________________________________________

وبعبارة اخرى : ان الزائد على الاقل حيث انه بلا غرض فيجوز تركه لا إلى البدل ولا شيء من الواجب ما يجوز تركه لا إلى بدل فلا يعقل التخيير بين الاقل والاكثر. وقد أشار الى لزوم تحصيل الحاصل بقوله : «لحصول الغرض به» والى المحذور الثاني بقوله : «وكان الزائد عليه من أجزاء الاكثر زائدا على الواجب».

(١) وتوضيح الجواب ان الاشكال :

تارة : من ناحية ان الاقل والاكثر لا يعقل ان يكونا فردين لطبيعة واحدة حيث ان الطبيعة بمجرد وجود الاقل تتحقق فيتحقق فرد الماهية ويكون الزائد فردا آخر لها.

واخرى : لا من هذه الناحية وانه بعد ان يكون الاقل والاكثر فردين ولكن الغرض حيث انه يمكن ان يكون واحدا ويرجع التخيير فيه إلى التخيير العقلي ويمكن ان يكون متعددا فلا يرجع التخيير فيه إلى التخيير العقلي بل يكون التخيير شرعيا ، فهل يعقل التخيير العقلي بين فردين من طبيعة واحدة كان احدهما الاقل والآخر الاكثر ام لا؟ فالكلام في مقامين :

اما المقام الأول : فالكلام فيه أيضا في مقامين :

الأول : في وجود الاقل في ضمن الاكثر من دون تخلل عدم في البين كوجود الخط القصير في ضمن الخط الطويل من دون تخلل عدم بينهما ، وان هذا الاقل ما لم

٣٧١

.................................................................................................

______________________________________________________

يتخلل عدم بينه وبين الاكثر لا يكون فردا للطبيعة وانما يكون فردا لها حيث يكون له طرفان منتهيان.

فبيانه انه بعد قيام البرهان والوجدان على التشكيك اما في الماهية او في وجودها ، وان البياض الشديد بالوجدان فرد لطبيعة ماهية البياض كما ان البياض الضعيف فرد لها وليس البياض الشديد مركبا من بياضين بل فرد واحد وبياض واحد ، والتشكيك كما يكون في الشدة والضعف كذلك يكون في القلة والكثرة.

واما برهانا فلأن فردية الفرد للطبيعة انما هو بتشخص الطبيعة وكونها وجودا واحدا خارجا لا يقبل الصدق على غير شخصه ، والطبيعة الموجودة بمجرد وجود الاقل لا يكون ذلك الوجود فردا واحدا لها إلّا إذا تمت له وحدة ، ووحدته لا تتم إلّا بان يكون له طرفان ، فمن رسم خطا بمجرد وجود الخط قبل انتهائه توجد طبيعة الخط ، ولكن الخط ما دام كونه بين المبدأ والمنتهى لم يحصل شخص واحد من الخط وانما يكون شخصا واحدا عند انتهاء الرسم للخط وحصول طرفيه ، وليس هذا الوجود المتصل ما لم ينته وجودات متعددة بل هو وجود متصل تتم وحدته بانتهائه ، فان اتصاله اما ان يكون بالوجود أو بغيره وغير الوجود هو العدم والعدم غير قابل للاتصال المتحقق في الخارج اذ لا خارجية للعدم ، واذا كان الاتصال في الوجود فلا بد ان لا يتخلل العدم وإلّا لزم الانفصال واذا لم يتخلل عدم لذلك المتصل فهو واحد والوجودات آحاد من الوجود ، والواحد بما هو واحد لا يعقل ان يكون آحادا ولذا يقولون : ان الاتصال مساوق للوحدة.

فاذا عرفت ما ذكرنا ـ تعرف ان الاقل الموجود في ضمن الاكثر ليس فردا للطبيعة وانما يكون فردا لها حيث لا يكون موجودا في ضمن الاكثر ويكون موجودا محدودا بحديه ، فالخط القصير المحدود بطرفيه هو الفرد للطبيعة دون الخط القصير الموجود في ضمن الاكثر ، فاذا امر المولى بايجاد الخط كان العبد مخيرا بين الخط الطويل والخط

٣٧٢

إن قلت : هبه في مثل ما إذا كان للاكثر وجود واحد ، لم يكن للاقل في ضمنه وجود على حدة ، كالخط الطويل الذي رسم دفعة بلا تخلل سكون في البين ، لكنه ممنوع فيما كان له في ضمنه وجود ، كتسبيحة في ضمن تسبيحات ثلاث ، أو خط طويل رسم مع تخلل العدم في رسمه ، فإن الاقل قد وجد بحده ، وبه يحصل الغرض على الفرض ، ومعه

______________________________________________________

القصير ولا يكون الخط الزائد على الخط القصير الموجود في ضمن الطويل زائدا على ما هو الواجب.

ولا يخفى انه لا بد وان يكون الغرض ليس مترتبا على محض وجود الطبيعة ، فانه لو كان كذلك لا يكون مربوطا بالفردية للطبيعة ويحصل بمجرد تحقق وجود الطبيعة للخط وان لم يكن ذلك الخط فردا للطبيعة ، بل لا بد وان يكون الغرض مترتبا على فرد الطبيعة بما هو فرد لها ، فالخط ما لم يكتسب الفردية لا يكون الغرض حاصلا وانما يحصل بالفرد من الخط بما هو فرد لطبيعة الخط ، واذا كان الغرض كذلك فلا بد وان يكون التكليف بنحو التخيير بين الخط القصير غير الموجود في ضمن الطويل وبين الخط الطويل ، فإن كلا منهما فرد للطبيعة ، ولا وجه لأن يكون مختصا بالخط القصير بعد ان كان الخط الطويل أيضا فردا يحصل به الغرض ، والى هذا أشار بقوله : «وان كان الاقل لو لم يكن في ضمنه كان وافيا به» : أي ان الاقل انما يكون وافيا بالغرض اذا لم يكن في ضمن الاكثر ، ومعنى هذا كون الغرض مرهونا ترتبه بفردية الفرد من الطبيعة لا بمحض وجود الطبيعة وان لم يكن ذلك الموجود فردا ، وقد أشار إلى ان الغرض اذا لم يكن مختصا بالاقل لا يجوز تخصيص الامر به بقوله : «ومعه» : أي ومع كون الغرض غير مختص بالاقل «كيف يجوز تخصيصه» : أي تخصيص الامر «بما لا يعمه» : أي بما لا يعم الاقل.

٣٧٣

لا محالة يكون الزائد عليه مما لا دخل له في حصوله ، فيكون زائدا على الواجب ، لا من أجزائه (١).

______________________________________________________

(١) حاصل هذا الاشكال ان ما ذكرتموه من إمكان التشكيك بين الفرد القصير والفرد الطويل ، وان القصير ما لم يتخلل العدم بينه وبين الطويل لا يكون فردا للطبيعة وان تحقق وجود الطبيعة بمجرد وجود القصير ولو في ضمن الطويل ، وامكان ان يكون الغرض مترتبا على فردية الفرد للطبيعة لا على مجرد وجود الطبيعة فهذا إنما يتم في التخيير بين الفرد القصير والطويل حيث لا يكون للقصير وجود على حدة وطرفان من المبدأ والمنتهى ، ولكنه لا يتم التخيير بين الفرد القصير وافراد قصار يكون لكل واحد منها فردية للطبيعة ووجود على حدة محدود بمبدئه ومنتهاه مثل التخيير بين التسبيحة الواحدة والتسبيحات الثلاث ، فان لكل واحدة من التسبيحات وجودا منحازا بمبدئه ومنتهاه ، ومثل التخيير بين خط قصير وخطوط متعددة قصار يكون لكل واحد منها مبدأ ومنتهى على حدة ، فان الغرض اذا كان مترتبا على فرد من الطبيعة تكون الافراد مما تزيد على الواجب وكل ما يزيد على الواجب يجوز تركه لا الى بدل ، ولا يعقل ان يكون الواجب مما يجوز تركه لا الى بدل ، والى هذا أشار بقوله : «هبه» : أي هب ان ما ذكرتموه من كون الغرض منوطا بالفردية فانه انما يتم «في مثل ما اذا كان للاكثر وجود واحد لم يكن للاقل في ضمنه وجود على حدة كالخط الطويل الذي رسم دفعة» : أي «بلا تخلل سكون في البين» فان الاقل وان وجد في ضمنه إلّا انه حيث لم يتخلل سكون في الحركة الراسمة للخط فلا يكون للاقل وجود على حدة.

«لكنه ممنوع» : أي ما ذكر من الجواب بالفردية لا يتم «فيما كان له» : أي للاقل «في ضمنه» : أي في ضمن الاكثر «وجود» على حدة «كتسبيحة في ضمن تسبيحات» الى آخر كلامه.

٣٧٤

قلت : لا يكاد يختلف الحال بذلك ، فإنه مع الفرض لا يكاد يترتب الغرض على الاقل في ضمن الاكثر ، وإنما يترتب عليه بشرط عدم الانضمام ، ومعه كان مترتبا على الاكثر بالتمام (١).

______________________________________________________

لا ينبغي ان يخفى انه لا فرق في هذا الاشكال بين ان توجد الافراد من الطبيعة التي لكل منها وجود على حدة دفعة واحدة بان يرسم المكلف خطوطا ثلاثة دفعة واحدة وبين ان توجد الافراد من الخطوط واحدا بعد واحد بان يرسم خطا ثم يرسم آخر ثم يرسم الثالث ، فان الغرض اذا كان يحصل بخط واحد يكون الخطان الآخران مما يزيد على الواجب وان وجدا دفعة واحدة مع الخط الواحد.

(١) وحاصل الجواب ان الغرض كما كان ـ فيما ذكرناه أولا ـ منوطا بالفردية يمكن ان يكون منوطا بشرط عدم انضمام الاكثر إلى الاقل في الوجودات المنفصلة ، فيكون ترتب الغرض على الاقل مراعى بعدم انضمام الاكثر اليه ، فالاقل وان كان فردا من الطبيعة إلّا ان الغرض لا يكون منوطا بالفردية فقط ، بل منوطا بالفرد مع عدم انضمام الاكثر اليه ، فالتسبيحة الواحدة التي يتعقبها الركوع هي الوافية بالغرض ولا تكون بمجرد وجودها وكونها فردا من التسبيح وافية بالغرض.

وبعبارة اخرى : ان الغرض يمكن ان يكون منوطا بمجرد وجود الطبيعة ولو لم تكن فردا فلا يعقل التخيير بين الاقل والاكثر ، ويمكن ان يكون منوطا بالفردية فيعقل التخيير بين الاقل والاكثر بشرط ان لا يكون للاقل وجود على حدة ، ولا يعقل التخيير بين الاقل الذي له وجود على حدة وبين الاكثر ويمكن ان يكون منوطا بشرط زائد على كونه وجودا على حدة ، وهو عدم انضمام الاكثر اليه فيعقل التخيير ـ حينئذ ـ بين الاقل غير المنضم اليه وبين الاكثر ، فالتسبيحة الواحدة التي يتعقبها الركوع تكون مما يترتب عليها الغرض ، والتسبيحة التي ينضم اليها تسبيحتان قبل الركوع تكون مصداقا آخر للغرض ، واذا كان الغرض بهذا النحو صح التخيير بين الاقل والاكثر وان كان للاقل وجود على حدة ، وله ان لا يقتصر على الاقل مع كون

٣٧٥

وبالجملة إذا كان كل واحد من الاقل والاكثر بحده مما يترتب عليه الغرض ، فلا محالة يكون الواجب هو الجامع بينهما ، وكان التخيير بينهما عقليا إن كان هناك غرض واحد ، وتخييرا شرعيا فيما كان هناك غرضان ، على ما عرفت.

نعم لو كان الغرض مترتبا على الاقل ، من دون دخل للزائد ، لما كان الاكثر مثل الاقل وعدلا له ، بل كان فيه اجتماع الواجب وغيره ، مستحبا كان أو غيره ، حسب اختلاف الموارد ، فتدبر جيدا (١).

______________________________________________________

الغرض مما يمكن ان يترتب على الاكثر المنضم اليه أيضا ولذا قال (قدس‌سره) : «فانه مع الفرض» : أي مع فرض كون الاقل له وجود على حدة ومع ذلك وقع التخيير بينه وبين الاكثر فلا بد ان لا يكون الغرض منوطا بكون الاقل فردا من الطبيعة ، بل له شرط آخر وهو عدم انضمام الاكثر اليه ، واذا كان لترتب الغرض شرط عدم الانضمام «لا يكاد يترتب الغرض على الاقل في ضمن الاكثر» : أي لا يكاد يترتب الغرض على الاقل المنضم اليه الاكثر وان كان للاقل وجود على حدة وهو فرد للطبيعة إلّا انه حيث لم يحصل الشرط الآخر وهو عدم الانضمام فلا يترتب على الاقل المنضم اليه الاكثر الغرض بل يكون الغرض مترتبا على الاكثر حينئذ «وانما يترتب عليه» : أي انما يترتب على الاقل الغرض «بشرط عدم الانضمام» اليه «ومعه» : أي ومع الانضمام «كان» الغرض «مترتبا على الاكثر بالتمام».

(١) لا يخفى ان ما تقدم من الكلام كله في المقام الاول وهو امكان التخيير بين الاقل والاكثر وان كانا فردين لطبيعة واحدة.

وبقي الكلام : في ان الغرض اذا كان واحدا فهل يعقل التخيير بين الاقل والاكثر بعد ان كان المؤثر في الغرض الواحد هو الجامع الواحد ـ فهل يتصور الجامع الواحد بين الفردين من طبيعة واحدة بحيث يمتاز احد الفردين عن الآخر بالأقلية والاكثرية فقط؟

٣٧٦

فصل

في الواجب الكفائي والتحقيق أنه سنخ من الوجوب ، وله تعلق بكل واحد ، بحيث لو أخل بامتثاله الكل لعوقبوا على مخالفته جميعا ، وإن سقط عنهم لو أتى به بعضهم ، وذلك لانه قضية ما إذا كان هناك غرض واحد ، حصل بفعل واحد ، صادر عن الكل أو البعض. كما أن الظاهر هو امتثال الجميع لو أتوا به دفعة ، واستحقاقهم للمثوبة ،

______________________________________________________

ربما يقال بانه بناء على تعدد الغرض فلا مانع من ان يكون الواحد من طبيعة واحدة بشرط الوحدة ، وعدم الانضمام مما يترتب عليه غرض ومع انضمامه إلى الاكثر يترتب عليه غرض آخر فيكون تخييره تخييرا شرعيا.

واما بناء على وحدة الغرض وان المؤثر في الغرض هو الجامع بين الاقل والاكثر لا يتصور ذلك ، لأن الجامع بين التسبيحة الواحدة والثلاث اما ان يكون ذاتيا وليس هناك جامع ذاتي الا طبيعي التسبيح لا بشرط الجامع بين التسبيحة بشرط لا وهي الواحدة والتسبيحة بشرط شيء وهي المنضمة إلى التسبيحين ، والطبيعي لا بشرط الذي هو الجامع بين بشرط لا وبشرط شيء يحصل بمجرد وجود التسبيحة الواحدة لأن البشرطلائية غير داخلة في الطبيعي الجامع وانما هي داخلة في الفرد وتمييزه عن البشرطشيء فلا يكون الجامع هو الطبيعي لا بشرط ، وغير الطبيعي لا بشرط يكون جامعا عنوانيا لا ذاتيا ، والجوامع العنوانية تشكيلها انما هو بالتشكيك في منشإ انتزاعها ومنشأ انتزاعها ليس إلّا التسبيحة الواحدة والثلاث ولا جامع تشكيكي لهما الا طبيعي التسبيح ، وقد عرفت انه لا يمكن ان يكون هو الجامع ، فينحصر الحال في التخيير الشرعي.

فما يظهر من المصنف من امكان وحدة الغرض ورجوع الامر الى التخيير العقلي كما يمكن تعدده فانه غير خال عن الاشكال.

٣٧٧

وسقوط الغرض بفعل الكل ، كما هو قضية توارد العلل المتعددة على معلول واحد (١).

______________________________________________________

(١) لا يخفى ان الغرض اذا كان واحدا يحصل بفعل واحد لا وجه لأن يؤمر به كل واحد على سبيل التعيين اذ لا بد ان يكون للامر الموجه لكل واحد من اغراض متعددة كل واحد منها يدعو الى امره والمفروض ان الغرض واحد ويحصل بفعل واحد ، فانه لو أمر به كل واحد على سبيل العينية وأتى به احد المخاطبين فالأوامر الموجهة إلى غيره اما ان تبقى أو تسقط فان بقيت فانها تكون اوامر من دون غرض يدعو اليها وهو يشبه المعلول بلا علة ان كانت على طبق الحكمة والّا فتكون من الجزاف والسفه المحال صدوره من الحكيم ، وان سقطت خرجت عن كونها اوامر عينية.

ولا وجه لان يؤمر به واحد بخصوصه دون الآخرين ، لان تخصيص الامر بذلك الواحد دون غيره ترجيح من غير مرجح ، هذا اذا لم يكن فعل الآخرين مسقطا له ، كما اذا كان الغرض قريبا وقلنا بانحصار قصد القربة في الامر ، واما اذا كان فعل الآخرين مسقطا للغرض فلا وجه أيضا لتخصيص واحد بالامر وكون الآخرين فعلهم مسقطا مع كونه مثل الآخرين فلم كان هذا الواحد مامورا به دون غيره؟ فالترجيح من غير مرجح لازم على كل من الوجهين.

ولا وجه ـ أيضا ـ لامر واحد لا بعينه : أي الفرد المنتشر فان الفرد المنتشر لا تحقق له في الخارج ، فان كل شخص هو فرد غير منتشر وواحد بعينه لا انه واحد لا بعينه فيتعيّن ان يؤمر الكل به على نحو لو قام الكل به لأطاعوا أو اذا قام به واحد يسقط الامر عن الباقين لسقوط الامر بحصول الغرض الداعي اليه فلا يكون مثل هذا الوجوب عينيا بان يكون لكل واحد اطاعة وعصيان سواء فعل الآخر او لم يفعل ، بل لا بد ان يكون وجوبا كفائيا يمكن ان يقوم به الكل ويمكن ان يقوم به احدهم فيكتفى به ويسقط الامر عن الباقين لحصول الغرض ، وهذا معنى كون الوجوب

٣٧٨

.................................................................................................

______________________________________________________

كفائيا في قبال الوجوب العيني الذي هو ان يكون لكل واحد خطاب غير مربوط بالخطاب الموجه الى الآخر ، ولكل واحد اطاعة خاصة سواء اطاع الآخر ام لا ، ولكل واحد عصيان خاص سواء عصى الآخر ام لا ، فالوجوب الكفائي هو كون المأمور به فعلا واحدا قد توجه الخطاب به الى الكل ، فإن صدر من الكل حصلت الاطاعة من الكل ، وان ترك الكل حصل العصيان من الكل ، وان فعله واحد منهم حصلت منه اطاعة وسقط الامر عن غيره من دون اطاعة ولا عصيان.

ويتضح مثال الواجب الكفائي في مثل الفعل الذي يمكن ان يقوم به واحد ويمكن ان يقوم به الكل كرفع حجر يستطيع ان يقوم برفعه واحد ويستطيع ان يقوم الكل بذلك الرفع الواحد ، ومثاله في الشرعيات غسل الميت وتكفينه فانه يمكن ان يقوم به واحد ويمكن ان يقوم به جماعة ، ففيما إذا قام به واحد فله علة واحدة وفيما قام به جماعة فهو كتوارد علل متعددة تشترك في ايجاد معلول واحد كذبح الشاة ـ مثلا ـ فانه يمكن ان يذبحها واحد ويمكن ان يشترك في ذبحها جماعة ، وامثاله في الخارج كثير.

وما يقال : من ان المعلول الواحد لا بد له من علة واحدة فكيف يصدر المعلول الواحد من علل متعددة.

مدفوع : بان هذه العلل المجتمعة في حال اجتماعها هي علة واحدة لا علل متعددة وان كان لو انفرد كل واحد منها لكان علة واحدة بنفسه.

لا يقال ان هذا يتم في مثل غسل الميت وتكفينه فانه فعل واحد يمكن ان يقوم به واحد ويمكن ان يقوم به الكل ، ولا يتم في مثل الصلاة على الميت فانه فيما اذا قام به جماعة فان ما يقع منهم صلوات متعددة لا صلاة واحدة فلا يكون من قبيل توارد علل متعددة على معلول واحد مع ان وجوبها أيضا كفائي.

فانه يقال : ان الصلوات المتعددة وان لم تكن من قبيل توارد علل متعددة على معلول واحد إلّا انه حيث كان الغرض يحصل بصلاة واحدة لو قام بها واحد دون

٣٧٩

فصل

لا يخفى أنه وإن كان الزمان مما لا بد منه عقلا في الواجب ، إلا أنه تارة مما له دخل فيه شرعا فيكون موقتا ، وأخرى لا دخل له فيه أصلا

______________________________________________________

الكل ففيما اذا قام الكل وجاءوا بصلوات يحصل الغرض ويسقط الامر لحصول غرضه ، غايته انه لا يتعين احدها لأن يكون هو الواجب دون غيره ، لانه من الترجيح من غير مرجح ، فهي مثل الفعل الواحد الذي يقوم الكل به من ناحية حصول الغرض وسقوط الامر ، والمناط في كفائية الوجوب هو كون الغرض واحدا يكتفى فيه بفعل واحد ، فان الداعي إلى الامر حصول الغرض وليس الداعي له هو لزوم ان يتعنون الفعل المأتي به بكونه واجبا. ومراد المصنف من قوله : «ان الظاهر هو امتثال الجميع لو أتوا به دفعة» واحدة هو حصول الامتثال من ناحية حصول الغرض ، فانه يصدق ان الكل امتثلوا امر المولى بتحصيل غرضه وليس غرضه انه يتعنون فعل كل واحد منهم بانه هو الواجب في الافعال المتعددة فتأمل.

واما استحقاق الجميع للمثوبة فحيث ان الثواب والعقاب ليس منوطا بوحدة الغرض وتعدده ، بل مناط الثواب والعقاب هو اطاعة الامر وعصيانه وكون العبد ملتزما برسم العبودية ولوازم الرقية او خارجا عن ذلك بتمرده وطغيانه ، فلكل واحد ثواب وان كان الغرض واحدا ولكل واحد عقاب فيما اذا تركوا وان كان الفائت غرضا واحدا.

نعم لو كان الثواب والعقاب منوطا بالغرض لكان للجميع اذا اطاعوا ثواب واحد ولهم اذا عصوا عقاب واحد ياخذ كل واحد منهم حصته من ذلك الواحد ثوابا او عقابا ، الّا ان العقلاء في معاملة الموالي عبيدهم وقاعدة الحسن والقبح العقليين يقضيان بكون الثواب والعقاب منوطين باطاعة أمر المولى وعصيانه لا بوحدة الغرض وتعدده كما هو صريح المصنف في غير هذا المقام.

٣٨٠