بداية الوصول

آية الله الشيخ محمّد طاهر آل الشيخ راضي

بداية الوصول

المؤلف:

آية الله الشيخ محمّد طاهر آل الشيخ راضي


المحقق: محمّد عبدالحكيم الموسوي البكّاء
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار الهدى
المطبعة: الظهور
الطبعة: ٢
ISBN: 964-497-058-6
ISBN الدورة:
964-497-056-X

الصفحات: ٣٩٩

بترك واجب ، ولو كانت له مقدمات غير عديدة ، لحصول العصيان بترك أول مقدمة لا يتمكن معه من الواجب ، ولا يكون ترك سائر المقدمات بحرام أصلا ، لسقوط التكليف حينئذ ، كما هو واضح لا يخفى (١). وأخذ

______________________________________________________

وجوب الشيء ووجوب مقدمته شرعا ، لأن وجوب المقدمة عقلا مما لا يعقل انكاره. والمحصل من هذه المناقشة ان الثمرة للمسألة لا بد وان تكون دائرة مدارها وجودا وعدما ، فالبرّ بالنذر يقتضي ان يترتب على القول بالمقدمة ، وعدم البرّ به مترتب على القول بعدم الملازمة.

وقد عرفت : ان البر بالنذر يحصل وان قلنا بعدم الملازمة وعدم البر بالنذر يحصل وان قلنا بالملازمة ، ومثل هذه الثمرة المترتبة على القول بالملازمة وعدمها لا تكون ثمرة ، لما عرفت : من ان الثمرة لا بد ان تدور مدار الملازمة وعدمها. ومراده من قوله : «يحصل البرّ به» : أي بالنذر «لو قصد ما يعم المقدمة» : أي ان كان قاصدا للاعم من الوجوب الشرعي والعقلي فانه يحصل البر بالنذر ولو قيل بعدم الملازمة.

ويمكن ان يقال : ان من جعل البرّ ثمرة في هذه المسألة قصده ان يكون الناذر قد قصد بنذره الاتيان بواجب شرعي بما للواجب الشرعي من حقيقة فانه على هذا تكون ثمرة ، فلا يرد عليها الّا ما ذكره بانها من التطبيق لا من الاستنباط.

(١) هذه الثمرة الثانية قد ناقش فيها ـ أيضا ـ صغرويا ، بما حاصله ـ وقد تقدم منه ـ في ان الواجب النفسي يتحقق تركه وعصيانه بترك اول مقدمة من مقدماته بحيث لا يبقى مجال لاتيان ذي المقدمة ، فانه بتركها يحصل العصيان وبالعصيان يسقط التكليف للواجب ، واذا سقط الوجوب النفسي لا يبقى الوجوب الغيري لسائر مقدماته عدا المقدمة الاولى التي عصى بتركها ، والاصرار لا يتحقق بترك واجبين ، والى هذا أشار بقوله : «لحصول العصيان بترك اول مقدمة لا يتمكن معه» : أي بحيث مع ترك اول مقدمة «من الواجب» : أي الواجب النفسي ، ثم أشار إلى التعليل بقوله : «ولا يكون ترك ساير المقدمات بحرام اصلا لسقوط التكليف حينئذ».

٢٤١

الاجرة على الواجب لا بأس به ، إذا لم يكن إيجابه على المكلف مجانا وبلا عوض ، بل كان وجوده المطلق مطلوبا كالصناعات الواجبة كفائية التي لا يكاد ينتظم بدونها البلاد ، ويختل لولاها معاش العباد ، بل ربما يجب أخذ الاجرة عليها لذلك ، أي لزوم الاختلال وعدم الانتظام لو لا أخذها ، هذا في الواجبات التوصلية (١).

______________________________________________________

والحاصل : ان الاصرار بعد ان كان لا يحصل في ترك المقدمات الكثيرة فلا يصح جعل هذا ثمرة لهذه المسألة ، اذ لا يتحقق الاصرار سواء قلنا بالملازمة ووجوب المقدمات وجوبا شرعيا أو لم نقل بالملازمة فيكون وجوبها عقليا محضا.

والاولى المناقشة في هذه الثمرة : بان ترك الواجبات الغيرية ليس من ترك الحرام الذي بالاصرار عليه يحصل الفسق ، لما مر : من ان ترك الواجب الغيري لا يوجب عقوبة عليه ولا فعله يقتضي مثوبة له ، والظاهر من الحرام الموجب للفسق هو الحرام الموجب للبعد عن المولى ويستحق فاعله العقاب.

(١) هذه الثمرة الثالثة. وحاصل المناقشة ـ التي أشار اليها المصنف في ترتب هذه الثمرة على القول بالملازمة وعدمه ـ : هو انه لا ربط لجواز اخذ الاجرة بالقول بوجوب المقدمة ، فانه يجوز اخذ الاجرة ومع القول بوجوب المقدمة للملازمة.

وتوضيحه : ان الواجب : اما توصلي أو تعبدي ، والتوصلي : اما عيني أو كفائي.

وقد ذهب المشهور إلى عدم جواز اخذ الاجرة على الواجب التوصلي العيني لوجوه عديدة ذكرت مفصلة في الفقه وكلها لا تخلو عن مناقشة.

لكن الظاهر من المصنف : انه لا يجوز اخذ الاجرة عليه لانه هو المراد بقوله : «واخذ الاجرة على الواجب لا بأس به إذا لم يكن ايجابه على المكلف مجانا وبلا عوض» فان مراده من الايجاب بلا عوض هو الواجب التوصلي العيني ، والّا فلا اشكال في انه إذا صرّح الشارع بعدم جواز اخذ الاجرة على واجب فلا تصح

٢٤٢

.................................................................................................

______________________________________________________

الاجارة عليه ، الّا انه لم نجد تصريحا بذلك من الشارع في واجب من الواجبات. وعلى كل فلا اشكال إذا وجد هذا التصريح من الشارع. واما إذا كان المانع عن اخذ الاجرة في الواجب التوصلي العيني ما ذكره من الموانع : من كونه ليس بمال ، أو انه غير محترم ، أو انه يكون بوجوبه مملوكا للشارع ، أو انه يكون مما لا سلطة عليه ، وامثال هذه الموانع المذكورة مفصلا فانها كلها مخدوشة ، واذا بطلت هذه الموانع فلا بأس بأخذ الاجرة على الواجب التوصلي العيني. واما الواجب التوصلي الكفائي فالظاهر ان المشهور ذهبوا إلى جواز اخذ الاجرة عليه ، واليه أشار المصنف بقوله : «كالصناعات الواجبة كفائية» ، اما على ما اشرنا اليه : من ان نفس الوجوب في التوصلي العيني لا يمنع من اخذ الاجرة ففي الواجب الكفائي بطريق اولى.

والذي يشير اليه المصنف من المناط الذي بسببه ذهب المشهور إلى جواز اخذ الاجرة في الواجب الكفائي كالصناعات وامثالها : هو ان المصلحة الداعية إلى الوجوب تارة تكون داعية إلى ضرورة وجوده بما هو فعل من افعال الشخص كما في الواجبات التوصلية العينية ، فكأن جهة اضافة هذا الفعل إلى الشخص وسلطنته عليه ترتفع بايجابه عليه من الشارع ، ولذا ذهب المشهور إلى عدم جواز اخذ الاجرة عليه ، وهذا وان كان محل مناقشة الّا انه مع القول به لا يكون مثل هذا المانع موجودا في الواجبات الكفائية التي هي كالصناعات ، فإن الداعي إلى وجوبها هي المصلحة : بان تكون هذه الاشياء موجودة لا بما انها فعل من افعال الشخص ، لأن وجوبها انما هو لأن النظام الاجتماعي البشري محتاج إلى وجودها من دون ربط لهذه المصلحة بكونها فعلا من افعال المكلف وله اضافة اليه وسلطنته عليه ، فلا يزاحم هذا الوجوب الناشئ من هذه المصلحة اضافة الفعل إلى المكلف ولا سلطنته عليه ، فلا مانع من جواز اخذ الاجرة عليها ، بل ربما يقال : بان هذه الواجبات حيث انها مما تحتاج إلى كلفة واستغراق وقت وعمل شديد في تعلمها فيجب على الشارع ان

٢٤٣

وأما الواجبات التعبدية فيمكن أن يقال بجواز أخذ الاجرة على إتيانها بداعي امتثالها ، لا على نفس الاتيان ، كي ينافي عباديتها ، فيكون من قبيل الداعي إلى الداعي ، غاية الامر يعتبر فيها كغيرها أن يكون فيها منفعة عائدة إلى المستاجر (١) ، كي لا تكون المعاملة سفهية ،

______________________________________________________

لا يسقط حرمتها ولا احترامها بحيث يجب ان يكون وجوبها الكفائي بما انها محترمة ويقع بازائها المال ليقبل الناس على تعلمها بحيث لو اوجبها الشارع مسلوبة الاحترام للزم من ذلك اختلال النظام ، وحيث كان الداعي إلى ايجابها المصلحة النظامية فلا بد وان لا يلزم من وجودها عدمها ، فلذا لا بد من وقوعها واجبة بما هي محترمة ، وهذا مراده من قوله : «بل ربما يجب اخذ الاجرة عليها» وليس مراده من وجوب اخذ الاجرة عليها انها لا يصح وقوعها مجانا من المكلف ومتبرعا بها. وعلى كل فمثل هذه الواجبات لا مانع من اخذ الاجرة عليها.

(١) وحاصل الكلام في الاجرة على الواجبات العبادية : انه ان كانت الاجرة على نفس الفعل العبادي فلا تصح الاجارة لان المفروض ان عقد الاجارة وقع على نفس الفعل العبادي ، واتيان الفعل اما بلا قصد القربة فلا يكون ما وقع عبادة فلا يتحقق ما وقعت عليه الاجارة ، ولا يقع بقصد الاجارة أيضا لأن اتيانه بقصد الامر الاجاري من دون قصد القربة لا يوجب عباديته والمفروض ان ما وقعت عليه الاجارة هو الفعل العبادي ، واتيانه بقصد الامر الاجاري وبقصد القربة يوجب التشريك في العبادة وهو مناف لعباديته ، واتيانه بقصد الامر القربي مع غفلة عن الاجارة ـ وحيث ان الاجارة امرها توصلي فيستحق الاجرة ـ فانه أيضا لا يوجب تصحيح الاجارة ، لأن من جملة شروط صحة الاجارة القدرة على التسليم ، وحيث انه لا قدرة له على الاتيان به بداعي الامر الاجاري فلا يكون ما وقعت عليه الاجارة مقدورا على كل حال ، هذا إذا وقعت الاجارة على الفعل العبادي.

٢٤٤

وأخذ الاجرة عليها أكلا بالباطل (١).

______________________________________________________

واما إذا وقعت الاجارة على اتيان الفعل بداعي القربة فانه لا يكون الامر الاجاري داعيا إلى نفس الفعل فلا يقع التشريك ، والامر الاجاري حيث وقع على اتيانه بداعي القربة فيكون من قبيل الداعي إلى الداعي ، والداعي إلى الداعي معقول وواقع واكثر عبادة المكلفين من قبيل الداعي إلى الداعي كسائر النوافل ذوات الآثار الدنيوية والأخروية ، وكذلك عبادة المكلفين الواقعة في الفرائض الواجبة بداعي الخوف من العقاب فانه يكون من الداعي إلى الداعي.

وعلى كل حال فلا مانع من وقوع الاجارة على الواجبات العبادية : بان تقع على اتيان الفعل بداعي القربة لا على نفس الفعل ، والى هذا أشار بقوله : «فيمكن ان يقال بجواز اخذ الاجرة على اتيانها بداعي امتثالها لا على نفس الاتيان كي ينافي عباديتها فيكون من قبيل الداعي إلى الداعي».

(١) حيث ذكروا من جملة موانع الاجارة على العبادة انه امر سفهي حيث انه لا بد من اتيانها ، إذ المفروض انها عبادة واجبة ، ووقوع الاجارة على ما لا بد من وقوعه لغو وسفه.

فقد أشار المصنف إلى الجواب عنه : بانه ربما يكون فيه فائدة عائدة إلى المستاجر كتعويد المكلف على العبادة فيما إذا كان تعويده مما يهم المستاجر فإنها من المنافع العقلائية ، فإن كون ابنه ـ مثلا ـ من المعتادين على العبادة من الامور العقلائية التي لها نسبة واضافة إلى هذا المستاجر فلا تكون هذه الاجارة سفهية واخذ الاجرة عليها اكلا للمال بالباطل.

فاتضح مما ذكرنا : ان هذه الثمرة غير صحيحة لصحة وقوع الاجارة على مقدمات الواجب سواء قلنا بوجوبها للملازمة ام لم نقل.

٢٤٥

وربما يجعل من الثمرة ، اجتماع الوجوب والحرمة إذا قيل بالملازمة فيما كانت المقدمة محرمة ، فيبتني على جواز اجتماع الامر والنهي وعدمه ، بخلاف ما لو قيل بعدمها (١).

وفيه : أولا : إنه لا يكون من باب الاجتماع ، كي تكون مبتنية عليه ، لما أشرنا إليه غير مرة ، إن الواجب ما هو بالحمل الشائع مقدمة ، لا بعنوان المقدمة ، فيكون على الملازمة من باب النهي في العبادة والمعاملة (٢).

______________________________________________________

(١) هذه هي الثمرة الرابعة التي ذكروها ثمرة مترتبة على القول بالملازمة وعدمها ، وكون مقدمة الواجب واجبة شرعا بناء على الملازمة وغير واجبة شرعا بناء على عدم الملازمة.

وحاصل هذه الثمرة : انه بناء على الملازمة فالوجوب النفسي لذي المقدمة علة تامة لترشح الوجوب على المقدمة ، واذا كانت المقدمة محرمة فيجتمع الامر الغيري والنهي المتعلق بها فيكون المقام من مصاديق اجتماع الامر والنهي ، فإن قلنا بجواز الاجتماع تقع المقدمة المحرمة مصداقا للواجب ، وان قلنا بالامتناع ورجحنا جانب الوجوب ـ أيضا ـ تقع مصداقا.

نعم ، إذا قلنا بترجيح جانب النهي لا تقع مصداقا للواجب.

واما إذا قلنا بعدم الملازمة فلا تكون من موارد اجتماع الامر والنهي ولا تبتني على القول في تلك المسألة.

والحاصل : ان الثمرة هي وقوع المقدمة المحرمة من موارد اجتماع الامر والنهي بناء على الملازمة وترشح الوجوب اليها من ذيها ، ولا تكون من مصاديق اجتماع الامر والنهي بناء على عدم الملازمة وعدم ترشح الوجوب اليها ، والى هذا أشار بقوله : «فيبتني على جواز اجتماع» إلى آخر كلامه.

(٢) هذا هو الجواب الاول عن هذه الثمرة.

٢٤٦

.................................................................................................

______________________________________________________

وتوضيحه : ان الامر والنهي تارة يجتمعان في الشيء بعنوانين كاجتماع عنوان الغصب والصلاة في الحركة الركوعية وهذا من مصاديق موارد الاجتماع قطعا.

واخرى : يتعلق النهي بما تعلق به الامر بعنوانه المتعلق به للامر كقوله : (دعي الصلاة ايام أقرائك) وهذا ليس من مصاديق مسألة الاجتماع بل هو من مصاديق النهي في العبادة قطعا.

وثالثة : يتعلق النهي به بعنوان من العناوين ولكنه يكون متعلقا للامر ـ مثلا ـ بعنوانه الذاتي له : بان تكون الحركة ـ مثلا ـ بما هي حركة مامورا بها وبما هي من مصاديق عنوان الغصب المتعلق للنهي من موارد النهي.

هذا الفرض الاخير على ما يظهر من المصنف انه من مصاديق النهي في العبادة لا من مصاديق مسألة الاجتماع.

فاذا عرفت هذا نقول :

انه بناء على مختاره : من كون مقدمة الواجب ـ هي ـ ما هو مقدمة بالحمل الشائع لا عنوان المقدمية ، فإن ركوب الدابة بما هو ركوب الدابة يكون واجبا لا بعنوان كونه مقدمة ، فاذا ورد نهي عن ركوب الدابة بعنوان انه غصب لا يكون من مصاديق اجتماع الامر والنهي ، بل هو من مصاديق النهي في العبادة ، وعلى هذا افتى بعض من يقول بجواز اجتماع الامر والنهي ببطلان الوضوء الواقع مقدمة للصلاة ـ مثلا ـ إذا كان بماء مغصوب ، لأن الوضوء ليس هو الّا نفس غسل الاعضاء وقد حرم هذا الفعل بما له من عنوانه الذاتي له وهو كونه غسلا.

وعلى ما ذكرنا لا تكون المسألة من اجتماع الامر والنهي ، لأن المقدمة المحرمة قد وقعت واجبة لا بعنوان كونها مقدمة بل بما هي مقدمة بالحمل الشائع فتكون من موارد مسألة النهي في العبادة ، ولذا قال (قدس‌سره) : «انه لا يكون من باب الاجتماع» : أي المقدمة المحرمة لا تكون من باب الاجتماع حتى تكون صحيحة بناء على الجواز ، وغير صحيحة بناء على الامتناع إذا قلنا بالملازمة وترشح الوجوب

٢٤٧

وثانيا : لا يكاد يلزم الاجتماع اصلا لاختصاص الوجوب بغير المحرم في غير صورة الانحصار به وفيها اما لا وجوب للمقدمة لعدم وجوب ذي المقدمة لاجل المزاحمة واما لا حرمة لها لذلك كما لا يخفى (١).

______________________________________________________

الغيري إلى المقدمة ، بل بناء عليه تكون من مصاديق النهي في العبادة لأن الواجب بالوجوب المقدمي ذات ما هو مقدمة لا بعنوان كونه مقدمة ولذا قال : «ان الواجب ما هو بالحمل الشائع» إلى آخر كلامه.

(١) حاصل هذا الجواب الثاني : ان الواجب النفسي اما ان تنحصر مقدمته بهذا المحرم أو لا تنحصر ، فإن انحصرت به فهو خارج عن مسألة الاجتماع ، لأن ايجاب واجب تنحصر مقدمته بالحرام من التكليف بما لا يطاق الذي لا يقول به القائل بجواز الاجتماع ، واذا لم تنحصر مقدمته بالحرام فالمقدمة الواجبة خصوص الفرد الحلال ، فانه إذا كان هناك دابة مغصوبة ودابة غير مغصوبة فمقدمة الواجب خصوص الدابة غير المغصوبة.

وقد عرفت انه في صورة الانحصار لا يعقل بقاء الواجب النفسي ، فاما ان يكون اهم من حرمة المقدمة فترتفع الحرمة وتقع مصداقا للواجب الغيري ، واما ان لا يكون اهم فلا بد وان لا يبقى الواجب على وجوبه فمتى تتحقق هذه الثمرة؟

والظاهر انه قد ضرب على هذا الجواب الثاني في بعض النسخ المصححة ، والسبب في الضرب عليه ان القائل بهذه الثمرة يقول بها في صورة عدم الانحصار.

وقد كان هذا الجواب الثاني من المصنف اما مبنيا على التنزل عما ذكره في الجواب الاول : من ان الواجب ما هو مقدمة بالحمل الشائع ومع التنزل عنه فإن المقدمة المحرمة في صورة عدم الانحصار تكون من مصاديق مسألة الاجتماع بناء على الملازمة ، واما مبنيا على انه وان كان الواجب ما هو مقدمة بالحمل الشائع الّا انه يكفي في الاجتماع ان يكون ولو من طرف واحد بالعنوان.

٢٤٨

وثالثا : إن الاجتماع وعدمه لا دخل له في التوصل بالمقدمة المحرمة وعدمه أصلا ، فإنه يمكن التوصل بها إن كانت توصلية ، ولو لم نقل بجواز الاجتماع ، وعدم جواز التوصل بها إن كانت تعبدية على القول بالامتناع ، قيل بوجوب المقدمة أو بعدمه ، وجواز التوصل بها على القول بالجواز كذلك ، أي قيل بالوجوب أو بعدمه. وبالجملة لا يتفاوت الحال في جواز التوصل بها ، وعدم جوازه أصلا ، بين أن يقال بالوجوب ، أو يقال بعدمه ، كما لا يخفى (١).

______________________________________________________

وبعبارة اخرى : النهي في العبادة يختص بما إذا تعلق النهي بالعبادة بما هي عبادة وبعنوانها ، واما في المورد الذي اجتمع فيه النهي بعنوان كالغصب والامر بما له من العنوان الذاتي له كالغسل والوضوء فهو من مصاديق الاجتماع ، فالثمرة صحيحة على هذا.

(١) لا يخفى انه نسب إلى الوحيد (قدس‌سره) القول : بان المقدمة المحرمة لا يقع بها التوصل إلى الواجب.

وعلى هذا فيكون ما ذكره المصنف واردا عليه ، واما على ما ذكره من ظاهر هذه الثمرة : من ان المقصود فيها هو كون المقدمة من مصاديق مسألة الاجتماع بناء على الملازمة ، وعدم كونها من مصاديقها بناء على عدم الملازمة ، فالمنظور فيها ليس قصد التوصل بها حتى يرد عليه ما ذكره في العبارة.

وعلى كل فالمتحصل من عبارة المتن : ان المهم في المقدمة هو امكان التوصل بها ، والمقدمة ان كانت توصلية فالتوصل بها ممكن وان كانت محرمة ، ولا فرق في وقوع التوصل بها خارجا بين كونها منهيا عنها أو لا ، وسواء قلنا بالملازمة أو لم نقل وسواء قلنا بجواز الاجتماع أو قلنا بالامتناع ، فالمقدمة يحصل بها التوصل إلى الواجب خارجا على كل حال.

٢٤٩

في تأسيس الاصل في المسألة اعلم أنه لا أصل في محل البحث في المسألة ، فإن الملازمة بين وجوب المقدمة ووجوب ذي المقدمة وعدمها ليست لها حالة سابقة ، بل تكون الملازمة أو عدمها أزلية (١) ، نعم نفس

______________________________________________________

وان كانت المقدمة تعبدية فاذا قلنا بالامتناع فلا يحصل التوصل بها سواء قلنا بالملازمة أو لم نقل ، فانه على القول بالملازمة لا يعقل ان تكون واجبة ، لانه وان اجتمع فيها الامر والنهي إلّا ان المفروض انا نقول بالامتناع ، والمفروض انها عرضتها الحرمة فلا يعقل ان تكون واجبة ، وان قلنا بجواز الاجتماع فالمفروض ان المقدمة تعبدية ففيها في نفسها قبل عروض المقدمية عليها امر ، وعروض النهي عليها لا يرفع الامر المتعلق بها لانا نقول بجواز الاجتماع. فلا فرق على هذا بين القول بالملازمة ووجوب المقدمة أو نقول بعدم الملازمة ، فإن المقدمة التي هي عبادة بنفسها تقع صحيحة ، واذا كانت تقع صحيحة فيمكن التوصل بها إلى الواجب عقلا وان لم تكن واجبة شرعا ، فلا فائدة في هذه الثمرة.

وقد عرفت : ان هذا انما يرد على المنسوب إلى الوحيد (قدس‌سره) لا على الظاهر : من كون الثمرة هي كون المقدمة من مصاديق مسألة الاجتماع وعدمه.

(١) توضيحه ان الاصل الجاري في المقام اما الاستصحاب أو البراءة ولا مجرى لهما معا ، اما الاستصحاب فلما عرفت : من ان البحث في هذه المسألة في الملازمة بين وجوب الشيء ووجوب مقدماته ، فالقائل بالملازمة يدعي ان طبيعة ارادة الشيء تلازمها قهرا ارادة مقدماته ، فالملازمة ذاتية بين حقيقة طلب الشيء وطلب مقدماته ، وهذه الملازمة ما هوية كملازمة الزوجية لماهية الاربعة ، ولذا لا يعقل ان تفارقه في الوجودين الذهني والعيني ، وهذا هو المناط الفارق بين لوازم الوجود ولوازم الماهية ، والملازمة بين ارادة المقدمة وارادة ذيها من هذا القبيل.

فإن الملازمة التي يحكم بها العقل على فرض حكمه بها هو الاستتباع والاستلزام وهذه التبعية هي تبعية ذاتية لماهية الطلب النفسي ، ولذا لا تفارقه في كلا

٢٥٠

.................................................................................................

______________________________________________________

الوجودين بل مع الغض عن الوجودين فالاستتباع وتبعية ماهية طلب المقدمة لماهية طلب ذيها ، كما ان زوجية الاربعة وملازمتها لها وتبعيتها للاربعة غير منوطة بذهن أو عين فلو امكن ان تتحقق اربعة في غير الذهن أو العين لكانت زوجا ، والملازمة التي هي استتباع ارادة الشيء لإرادة مقدماته من هذا القبيل ، ولذا يحكم العقل باستلزام طلب الشيء لطلب مقدماته وان لم يكن طلب موجود.

ومن الواضح ان لوازم الماهية منجعلة بجعل الماهية وليس لها جعل استقلالي بل هي مجعولة بالتبع لجعل الماهية ، وكما ان جعل الاربعة كاف في جعل الزوجية كذلك جعل الوجوب النفسي كاف في جعل استلزامه واستتباعه لمقدماته ، فالملازمة ان كانت متحققة فهي متحققة أزلا ، وان كانت غير متحققة فهي غير متحققة أزلا.

وحيث ان الماهية في قبال الوجود والعدم ولذا يطرءان عليها ، فيقال : الماهية موجودة والماهية معدومة ، والماهية بنفسها ماهية واجدة لذاتها وذاتياتها ولوازمها مع الغض عن الوجود والعدم ، فهي غير مسبوقة بالعدم وليس الاستصحاب إلّا استصحاب العدم الازلي ، والعدم الازلي انما يجري استصحابه بالنسبة إلى الماهية المقيدة بالوجود : أي ان وجود الماهية الممكنة مسبوق بالعدم الازلي ، فلا يكون لنا يقين سابق يمكن استصحابه بحيث يمكننا ان نقول : انه كانت الملازمة معدومة والآن هي باقية على هذا العدم ، واليقين هو الركن الاولي للاستصحاب فحيث لا يقين سابق فلا مجري للاستصحاب ، مضافا إلى ان الشرط في جريان الاستصحاب ان يكون المستصحب امرا مجعولا تشريعا أو موضوعا لاثر مجعول ، وحيث لا جعل تكويني لا جعل تشريعي ، ولوازم الماهية لا جعل تكويني لها لا بالاستقلال ولا بالتبع بل ليس هناك إلا جعل واحد ينسب للماهية بالاصالة وللوازمها بالعرض فلوازم الماهية ليس لها جعل لا استقلالا ولا تبعا ، وانما هناك جعل واحد منسوب إلى الماهية بالاصالة ومنسوب اليها بالعرض ، ولا يعقل ان يكون للوازم الماهية جعل اصلا ،

٢٥١

وجوب المقدمة يكون مسبوقا بالعدم ، حيث يكون حادثا بحدوث وجوب ذي المقدمة ، فالاصل عدم وجوبها (١).

______________________________________________________

لأن ما كان له جعل كان له وجود ، ولوازم الماهية لا وجود لها بل الموجود ملزومها ومنشأ انتزاعها.

وقد عرفت : ان هناك جعلا ووجودا واحدا ينسب إلى الماهية بالاصالة والى لوازمها بالعرض. ومن الواضح ان الموجود في الخارج ليس إلّا وجودا واحدا وهو وجود الاربعة ، وليس للزوجية وجود في الخارج وانما هي موجودة بتبع وجود الاربعة التي هي ملزومها ومنشأ انتزاعها ، وحيث لا جعل للوازم الماهية تكوينا فلا جعل لها تشريعا.

واما انها ليست موضوعا لاثر مجعول فانه من الواضح ان نفس الملازمة والاستتباع ليست موضوعا للوجوب بل موضوع الوجوب هو نفس ذات المقدمة ، ولا جزء الموضوع لوضوح ان الملازمة ليست جزءا من ذات المقدمة ، واذا لم تكن المقدمة مجعولة تشريعا بالاستقلال ولا موضوعا ولا جزء موضوع لأثر مجعول فلا يجري فيها الاستصحاب.

ومنه يتضح : انها لا تجري فيها البراءة أيضا ، فإن مجرى البراءة لا بد وان يكون مما يمكن ان يكون مجعولا تشريعا ، والى ما ذكرنا أشار اجمالا بقوله : «فإن الملازمة بين وجوب المقدمة ووجوب ذي المقدمة وعدمها» : أي وعدم الملازمة «ليست لها حالة سابقة» لانها ان كانت هناك ملازمة فهي من لوازم الماهية لا تنفك عنها بحالة من الحالات فهي ازلية ، وان لم تكن هناك فعدم الملازمة ايضا ازلي ، ولذا لم تكن لها حالة سابقة.

(١) كان الكلام المتقدم في ان الاصل لا يجري في نفس الملازمة ـ وهي المسألة الاصولية التي هي المبحوث عنها في مسألة مقدمة الواجب ـ لعدم اليقين السابق ولانها ليست من المجعولات. والآن يتعرض لجريان الاصل في المسألة الفرعية وهي الوجوب

٢٥٢

وتوهم عدم جريانه ، لكون وجوبها على الملازمة ، من قبيل لوازم الماهية ، غير مجعولة ، ولا أثر آخر مجعول مترتب عليه ، ولو كان لم يكن بمهم هاهنا (١) ، مدفوع بأنه وإن كان غير مجعول بالذات ، لا بالجعل

______________________________________________________

الغيري المترشح إلى المقدمة من وجوب ذيها ، وحيث انه من الامور الحادثة المسبوقة بالعدم اذ قبل الوجوب النفسي لا وجوب غيري قطعا وبعد حدوث الوجوب النفسي يشك في حدوثه للشك في الملازمة فيستصحب عدمه ، وحيث انه من المجعولات الشرعية فتجري فيه البراءة أيضا ، ولذا قال : «نعم نفس وجوب المقدمة يكون مسبوقا بالعدم» إلى آخر كلامه.

(١) حاصل هذا التوهم انه لا مجال لجريان الاصل في الوجوب ـ أيضا ـ كما انه لا مجال للاصل في نفس الملازمة.

وتقريبه : انه لا بد في جريان الاصل من كون مجراه اما مجعولا أو موضوعا لاثر مجعول ، والوجوب الغيري ليس مجعولا ولا موضوعا لأثر مجعول مهم ، أما انه ليس الوجوب في المقام مجعولا فلأن الملازمة على فرضها علة للوجوب الغيري لأن عمدة دليله هو الوجدان : بان من يريد شيئا يريد مقدمته قهرا حتى في حال عدم التفاته فانه يريد المقدمة ارتكازا وبطبعه من غير التفات له إلى ذلك ، وهذا يدل على ان الوجوب المقدمي من الامور واللوازم القهرية المترتبة على الوجوب النفسي ، واذا كان من اللوازم القهرية فانه يكون من قبيل لوازم الماهية ولا يكون للواجب الغيري حينئذ جعل استقلالي في قبال جعل الوجوب النفسي ، اذ ليس للوازم الماهية وما هو من الامور القهرية المترتبة على وجودها جعل في قبال جعلها ووجودها ، واذا لم يكن للشيء جعل فلا يجري الاصل فيه ، فالوجوب الغيري لا يجري الاصل فيه لأن وجوبه ليس من الامور المجعولة ، لما عرفت : من ان الوجوب الغيري ليس بمجعول استقلالا بل هو من اللوازم القهرية التابعة لجعل الوجوب النفسي.

٢٥٣

البسيط الذي هو مفاد كان التامة ، ولا بالجعل التأليفي الذي هو مفاد كان الناقصة ، إلا أنه مجعول بالعرض ، وبتبع جعل وجوب ذي المقدمة ، وهو كاف في جريان الاصل (١). ولزوم التفكيك بين الوجوبين مع الشك

______________________________________________________

واما انه ليس موضوعا لاثر مجعول ، فلأن الأثر المهم المترتب على الوجوب ـ بناء على جعل الثواب والعقاب ـ هو الثواب والعقاب ، وقد تقدم : ان الوجوب الغيري لا ثواب له ولا عقاب عليه. نعم ربما يكون موضوعا لاثر مجعول كالنذر ونحوه إلّا ان مثل هذا الاثر ليس بمهم ، وقد أشار إلى كون الوجوب الغيري ليس بمجعول بقوله : «لكون وجوبها على الملازمة من قبيل لوازم الماهية» وقد أشار إلى انه ليس بموضوع لأثر مجعول بقوله : «ولا اثر آخر مجعول مترتب عليه» وقد أشار إلى انه ربما يترتب عليه اثر كالنذر ونحوه لكنه ليس بمهم بقوله : «ولو كان لم يكن بمهم».

(١) وتوضيح الدفع ان الجعل على قسمين : ذاتي ، وتبعي ، والاول على قسمين ايضا : بسيط وتاليفي ، والجعل البسيط : هو جعل الشيء كجعل الانسان أو غيره كالجسم ـ مثلا ـ وهو مفاد كان التامة ، فإن كان التامة هي التي تتم الفائدة فيها بالفاعل فقط الذي بمنزلة الاسم من كان الناقصة وهي التي بمعنى وجد ، فيقال : كان الانسان أو الجسم بمعنى وجد الانسان ووجد الجسم ، ولذا كانت تكتفي بالفاعل.

والجعل التأليفي : هو جعل الشيء شيئا كجعل الانسان ضاحكا والجسم أبيض وهو مفاد كان الناقصة ، لانه لا تتم الفائدة في مثلها بالاسم بل لا بد من الحاق الخبر ولذا تقول : كان الانسان ضاحكا والجسم أبيض.

والثاني : أي الجعل التبعي وهو الجعل القهري بتبع جعل آخر كجعل الوجوب المقدمي في المقام بتبع جعل الوجوب النفسي ، وهذا المقدار من الجعل كاف في جريان الاصل وليس هو كلوازم الماهية أي كنفس الملازمة غير المجعولة اصلا باي نحو من انحاء الجعل ، لما عرفت : من ان لوازم الماهية لا وجود لها خارجا والوجوب الغيري

٢٥٤

لا محالة ، لاصالة عدم وجوب المقدمة مع وجوب ذي المقدمة (١) ، لا ينافي الملازمة بين الواقعيين ، وإنما ينافي الملازمة بين الفعليين ، نعم لو كانت

______________________________________________________

له وجود كوجود الوجوب النفسي ، فليس هو من لوازم الماهية نعم يوجد قهرا بتبع الوجوب النفسي.

لا يقال : انه يشترط في مجرى الاصل ان يكون امر مجعولا اختياريا والجعل في المقام قهري لا اختياري.

فانه يقال : انه اختياري بالواسطة فان علته وهو الوجوب النفسي جعله اختياري ، والايجاب بالاختيار لا ينافي الاختيار ، وقد أشار إلى ما ذكرنا : من ان الوجوب وان كان ليس بمجعول بالذات لا بالجعل البسيط ولا بالجعل التاليفي بقوله : «وان كان غير مجعول بالذات» والى ان الجعل الذاتي على قسمين بسيط وتاليفي والاول مفاد كان التامة والثاني مفاد كان الناقصة بقوله : «لا بالجعل البسيط الذي هو مفاد كان التامة ولا بالجعل التاليفي الذي هو مفاد كان الناقصة» والى انه مجعول بالجعل التبعي وهو كاف بقوله : «إلّا انه مجعول بالعرض وبتبع جعل وجوب ذي المقدمة وهو كاف في جريان الاصل».

(١) هذا إشارة إلى اشكال آخر أورد على جريان الاصل في الوجوب الغيري حيث يشك في الملازمة.

وتوضيحه : انه يشترط في جريان الاصل في شيء ان يكون مما يمكن للشارع وضعه ورفعه ، والوجوب الغيري وان كان مما يمكن وضعه بوضع الوجوب النفسي إلّا انه بناء على الملازمة يكون الوجوب الغيري قهريا ، فلا يمكن رفعه مع وضع الوجوب النفسي ، فوضع الوجوب النفسي ورفع الوجوب الغيري بناء على الملازمة من المحالات ، اذ لا يعقل تخلف المعلول عن علته التامة ، لأن المفروض انه لا مانع من الوجوب الغيري لو قلنا بالملازمة واحتمال المحال كالقطع بالمحال ، ولا بد ان يكون مجرى الاصل مما يقطع بعدم لزوم المحال منه.

٢٥٥

الدعوى هي الملازمة المطلقة حتى في المرتبة الفعلية ، لما صح التمسك بالاصل ، كما لا يخفى.

إذا عرفت ما ذكرنا ، فقد تصدى غير واحد من الافاضل لاقامة البرهان على الملازمة ، وما أتى منهم بواحد خال عن الخلل (١).

______________________________________________________

فاذا عرفت هذا نقول : ان المفروض انه مما يشك في الملازمة ولازم الشك احتمال وجود الملازمة واحتمال عدمها فاحد الطرفين احتمال وجود الملازمة ، ومع احتمال وجود الملازمة فالوجوب الغيري في حال الوجود النفسي قهري ولا يمكن ان لا يتحقق الوجوب الغيري مع تحقق الوجوب النفسي ، ومع احتمال ان يكون تحققه لا بد منه يكون جريان الاصل في عدم الوجوب الغيري مما يحتمل ان يكون محالا لعدم امكان تخلف المعلول عن علته.

وقد عرفت : انه يشترط في مجرى الاصل ان يكون مما يقطع بامكانه وعدم محاليته ، ومن المحتمل ان تكون الملازمة موجودة وعلى فرض وجودها يلزم التفكيك بين الوجوب الغيري والوجوب النفسي ، والتفكيك بينهما على فرض الملازمة من المحال ، فالاصل الموجب للتفكيك بين الوجوبين يحتمل ان يكون مستلزما للمحال ، وقد عرفت انه لا بد في مجرى الاصل ان يكون مما يقطع بكونه لا يستلزم محالا ، والى هذا أشار بقوله : «ولزوم التفكيك بين الوجوبين» : أي الوجوب الغيري والنفسي «مع الشك لا محالة» واقع فإن الاصل يقضي عدم وجوب المقدمة مع وجوب ذي المقدمة فالاصل مفكك بين هذين الوجوبين قطعا ، ولذا قال : «لاصالة عدم وجوب المقدمة مع وجوب ذي المقدمة» والتفكيك بين الوجوبين يحتمل ان يكون محالا ، واحتمال المحال مانع من إجزاء الاصل كما عرفته مفصلا ، هذا حاصل الاشكال الذي أشار اليه بقوله : «والتفكيك» إلى آخره.

(١) بهذا أشار إلى الجواب عن هذا الاشكال.

٢٥٦

.................................................................................................

______________________________________________________

وتوضيحه : ان مجرى الاصل هو الحكم الفعلي ، فمع ثبوت الحكم الواقعي في مرحلة واقعه لا مانع من جريان الاصل لرفع فعلية الحكم الواقعي ، والملازمة لو كانت متحققة فانما يكون تحققها في مرحلة الواقع ، والمفروض انا في مرحلة الشك ولازم مرحلة الشك كون الملازمة في مرحلة فعليتها مشكوكة وانه لا دليل عليها بالفعل ، فلو فرض تحقق الملازمة بين الوجوبين واقعا لكنها حيث كانت في مرحلة فعليتها مشكوكة فلا مانع من جريان الاصل الذي مجراه مرحلة الفعلية ، لانه من الواضح ان ثبوت الحكم واقعا يلازم فعليته لأن الحكم لا يكون قطعي الفعلية الا بوصوله ، والمفروض انه في مرحلة الفعل مشكوك فلا ملازمة بين ثبوت الملازمة واقعا وعدم ثبوتها في مرحلة الفعلية ، والتفكيك الذي يقتضيه الاصل هو التفكيك بين الوجوبين في مرحلة الفعلية لا التفكيك بينهما في مرحلة الواقع وتبعية الوجوب الغيري للوجوب النفسي قهرا انما هي في مرحلة الواقع دون مرحلة الفعلية ، فلو كان لازم جريان الاصل هو التفكيك في مرحلة الواقع لكان محتملا للمحال ومحتمل المحالية لا يكون مجرى للاصل ، أو كانت ملازمة بين ثبوت الملازمة واقعا وثبوتها فعلا لكان الاشكال في جريان الاصل في عدم الوجوب الغيري في محله.

إلّا انه قد عرفت ان مجرى الاصل ليس في المرحلة الواقعية بل في المرحلة الفعلية ، ولا تلازم بين الثبوت الواقعي والثبوت الفعلي ، بل لا يعقل الملازمة بينهما ، ولان مرحلة الفعلية القطعية منوطة بالوصول وحيث انه فرض الشك فلا وصول ، والى هذا أشار بقوله : «لا ينافي الملازمة بين الواقعيين» : أي ان التفكيك بين الوجوبين الذي اقتضاه الاصل ليس لازمه التفكيك في مرحلة الواقع حتى يكون من مورد احتمال المحال.

نعم ، لازم جريان الاصل التفكيك بين الوجوبين في مرحلة الفعلية ولا مانع منه ، والى هذا أشار بقوله : «وانما ينافي الملازمة بين الفعليين» ولا مانع منه. نعم ، لو كان القول بالملازمة الواقعية يلازمه القول بالملازمة الفعلية لكان لزوم التفكيك بين

٢٥٧

والاولى إحالة ذلك إلى الوجدان ، حيث أنه أقوى شاهد على أن الانسان إذا أراد شيئا له مقدمات ، أراد تلك المقدمات ، لو التفت إليها بحيث ربما يجعلها في قالب الطلب مثله ، ويقول مولويا ادخل السوق واشتر اللحم مثلا ، بداهة أن الطلب المنشأ بخطاب (ادخل) مثل المنشأ بخطاب اشتر في كونه بعثا مولويا ، وأنه حيث تعلقت إرادته بإيجاد عبده الاشتراء ، ترشحت منها له إرادة أخرى بدخول السوق ، بعد الالتفات إليه وأنه يكون مقدمة له ، كما لا يخفى (١).

______________________________________________________

الوجوبين اللازم من جريان الاصل من موارد احتمال المحال ، وهو مانع عن جريان الاصول فلا يصح التمسك بالاصل في اثبات عدم الوجوب الفعلي ، والى هذا أشار بقوله : «نعم لو كانت الدعوى هي الملازمة المطلقة حتى في المرتبة الفعلية لما صح التمسك بالاصل».

لا يخفى : ان ما اثبتناه وهو قوله : لما صح التمسك بالاصل ـ هو الموافق للنسخة المصححة ، وفي بعض النسخ بعد قوله في المرتبة الفعلية «لصح التمسك بذلك في اثبات بطلانها» والظاهر ان مراده من هذه العبارة يرجع أيضا إلى قوله : «لما صح التمسك بالاصل» فإن الظاهر منها ان معناها هو انه لو كانت الدعوى هي الملازمة المطلقة حتى بين الحكمين الفعليين لصح التمسك بما ذكروه : من انه يشترط في مجرى الاصل ان يكون مقطوع الامكان ولا يجري في محتمل المحال ، فلا تصح دعوى جريان الاصل في عدم الوجوب الغيري ، ويصح التمسك بما ذكروه : من لزوم التفكيك لاثبات بطلانها.

(١) لا يخفى ان هذا عمدة الادلة التي اقيمت على الملازمة بين وجوب الشيء ووجوب مقدمته.

وتوضيحه : انه لا ريب في ان من يريد شيئا يجد من نفسه انه يريد مقدماته التي يتوقف عليها وجوده ، وهذا ضروري التحقق في مريد الفعل بالمباشرة ، وايضا في

٢٥٨

ويؤيد الوجدان ، بل يكون من أوضح البرهان ، وجود الاوامر الغيرية في الشرعيات والعرفيات ، لوضوح أنه لا يكاد يتعلق بمقدمة أمر غيري ، إلا إذا كان فيها مناطه ، وإذا كان فيها كان في مثلها ، فيصح تعلقه به أيضا ، لتحقق ملاكه ومناطه ، والتفصيل بين السبب وغيره والشرط الشرعي وغيره سيأتي بطلانه ، وأنه لا تفاوت في باب الملازمة بين مقدمة ومقدمة.

______________________________________________________

مقام الطلب من الغير فان الوجدان شاهد ايضا بان من طلب من عبده وصوله إلى محل يحتاج إلى قطع المسافة فانه كما يريد منه الوصول إلى المحل المطلوب بالطلب النفسي كذلك يجد من نفسه انه يريد منه الحركة وقطع المسافة إلى ذلك المحل ، وحيث ان الحكم لبّا هو الارادة الحقيقية فالحكم الحقيقي موجود وليس بداعي الارشاد ، اذ لا معنى له مع كونه ارادة كارادة المطلوب النفسي قهرية التحقق وليس الارشاد في المقام لازما لحصول الارشاد من طرف عقل المكلف الذي يعلم ان وجود ذي المقدمة متوقف على المقدمة.

والفرق بين الامر المولوي والارشادي : هو ان الامر المولوي يصدر بعنوان كونه امرا صادرا من المولى والسيد لعبده ، والامر الارشادي صادر بداعي كونه مرشدا إلى المكلف لا انه مولى له ، والحال انا نرى ان المولى المكلف عبده يأمره مولويا فيقول له ـ بما هو ـ : مولى ادخل السوق واشتر اللحم ، فالامر بدخول السوق الذي هو امر غيري مقدمي كالامر بشراء اللحم الذي هو نفسي في أن كلا منهما امر مولوي وليس الوجوب الشرعي الّا الامر المولوي. وقد اشار إلى جميع ما ذكرنا في عبارته وهي واضحة.

٢٥٩

ولا بأس بذكر الاستدلال الذي هو كالاصل لغيره مما ذكره الافاضل من الاستدلالات وهو ما ذكره أبو الحسن البصري (١) ، وهو أنه لو لم يجب المقدمة لجاز تركها ، وحينئذ ، فإن بقي الواجب على وجوبه يلزم التكليف بما لا يطاق ، وإلا خرج الواجب المطلق عن وجوبه (٢).

______________________________________________________

(١) حاصله : انه قد ورد في الشرع اوامر بالمقدمة وهي مولوية لأن الظاهر من الامر هو المولوية لانه صادر من مولى الموالي إلى عبيده ، فان الفارق ـ كما مر ـ بين الامر المولوي والامر الارشادي هو ان الامر الصادر من المولى بما هو مولى إلى عبده امر مولوي والصادر منه بما انه مرشد لا مولى هو أمر ارشادي. وفي العرفيات أيضا الاوامر الغيرية المولوية متحققة ، وحكم الامثال واحد.

ولا اشكال ان مناط هذه الاوامر الغيرية هو المقدمية فلازم ذلك ان يكون المناط في كل مقدمة للأمر الغيري موجودا وان لم يلتفت الآمر اليه ، والى ما قلنا أشار بقوله : «لا يكاد يتعلق بمقدمة امر غيري» إلى آخره ، والى ان حكم الامثال واحد بقوله : «واذا كان فيها كان في مثلها» وكان الاولى ان يقتصر على التأييد لأن كون الظاهر من الاوامر الغيرية هي المولوية محل تامل ، اذ الامر وان كان ظاهره المولوية إلّا انه فيما إذا لم تقم قرينة على غيره ، وفي المقام يمكن ان يدعي ان ارشاد العقل إلى لزوم الاتيان بالمقدمة قرينة على ان الاوامر الغيرية ارشادية لا مولوية.

(٢) لا يخفى ان ظاهر ما استدل به ابو الحسن البصري على وجوب المقدمة : هو انه لو لم تجب المقدمة لجاز تركها ، والظاهر من الجواز هو الاباحة الشرعية ، وحينئذ فإن بقي الواجب على وجوبه لزم التكليف بما لا يطاق ، وإلّا خرج الواجب المطلق عن كونه واجبا ، والظاهر من المضاف اليه الظرف ـ وهو حين ـ هو الاباحة الشرعية ، فيكون حاصل الاستدلال : انه لو لم تجب المقدمة لكانت مباحة شرعا ، وحين اباحتها شرعا فإن بقي الواجب واجبا مع كون مقدمته مباحة شرعا يلزم التكليف بما لا يطاق ، وان لم يبق واجبا لزم الخلف ، لأن المفروض كونه واجبا.

٢٦٠