بداية الوصول

آية الله الشيخ محمّد طاهر آل الشيخ راضي

بداية الوصول

المؤلف:

آية الله الشيخ محمّد طاهر آل الشيخ راضي


المحقق: محمّد عبدالحكيم الموسوي البكّاء
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار الهدى
المطبعة: الظهور
الطبعة: ٢
ISBN: 964-497-058-6
ISBN الدورة:
964-497-056-X

الصفحات: ٣٩٩

بقي شيء وهو أن ثمرة القول بالمقدمة الموصلة ، هي تصحيح العبادة التي يتوقف على تركها فعل الواجب ، بناء على كون ترك الضد مما يتوقف عليه فعل ضده ، فإن تركها على هذا القول لا يكون مطلقا واجبا ، ليكون فعلها محرما ، فتكون فاسدة ، بل فيما يترتب عليه الضد الواجب ، ومع الاتيان بها لا يكاد يكون هناك ترتب ، فلا يكون تركها مع ذلك واجبا ، فلا يكون فعلها منهيا عنه ، فلا تكون فاسدة (١).

______________________________________________________

وتوضيحه : انه إذا كانت المقدمة الجائزة هي خصوص الموصلة المتوقف وصف الايصال لها على اتيان الواجب النفسي ، ومن الواضح ان الجواز شرط في تعلق الوجوب والطلب بها ، اذ لا يعقل ان يتعلق الوجوب بما هو المحرم ، وقد عرفت ان جوازها مشروط بالايصال المتوقف على اتيان الواجب ، وفي فرض الاتيان بالواجب لا يعقل ان يتعلق الطلب بالمقدمة ، لأن لازم الاتيان بالواجب الاتيان بمقدمته المتوقف وجوده عليها ، واذا حصل مع الواجب مقدمته يكون طلبها من طلب الحاصل ، وهذا هو مراده بقوله : «وبالجملة يلزم ان يكون الايجاب مختصا بصورة الاتيان لاختصاص جواز المقدمة بها» لأن المقدمة الجائزة هي خصوص الموصلة المتوقفة على الايصال المتوقف على اتيان الواجب الملازم له الاتيان بالمقدمة أيضا ، وطلب المقدمة بعد الاتيان بها طلب الحاصل وهو محال ولذا قال : «وهو محال فانه يكون» الطلب للمقدمة بعد الاتيان بالواجب الملازم للاتيان بالمقدمة أيضا «من طلب الحاصل المحال».

(١) لقد ذكر صاحب الفصول ثمرة للقول بالمقدمة الموصلة (١) : وهي صحة العبادة على القول بالموصلة ، وبطلانها على القول بوجوب المقدمة مطلقا بلا تخصيص لها بالموصلة. وتوضيح هذه الثمرة يحتاج إلى بيان امرين :

__________________

(١) الفصول الغروية : ٧٨ ـ ٧٩.

٢٢١

.................................................................................................

______________________________________________________

الاول : ان هذه الثمرة انما تكون ثمرة بناء على ان ترك الضد من مقدمات وجود الضد الآخر. أما إذا قلنا : بان ترك الضد ليس من مقدمات وجود الضد الآخر بل هو ملازم لما هو المقدمة فلا تتأتى هذه الثمرة كما سيتضح.

الثاني : ان النقيضين لا يجتمعان ولا يرتفعان ، ومتى ارتفعا لا يعقل ان يكونا نقيضين ، فاذا وجبت الإزالة تجب مقدماتها للملازمة بين وجوب الشيء ووجوب مقدماته ، فاذا قلنا بان الواجب هو خصوص المقدمة الموصلة فيكون المقدمة للازالة هو ترك الصلاة الموصل إلى الازالة ، لا ترك الصلاة مطلقا أو صل أو لم يوصل. فاذا يكون الواجب بالوجوب المقدمي هو خصوص ترك الصلاة الموصل إلى الازالة.

ومن الواضح انه إذا كان ترك الصلاة الموصل هو الواجب فيكون نقيض هذا الترك الموصل هو المحرم وهو ترك هذا الترك الموصل ، أمّا فعل الصلاة فلا يكون نقيضا لترك الصلاة الموصل لما عرفت : من ان النقيضين لا يرتفعان ، وهذان يرتفعان لإمكان أن لا يتحقق ترك الصلاة الموصل ، ولا فعل الصلاة بان يترك الصلاة ، ولا يفعل الازالة فيتحقق الترك غير الموصل. واذا جاز ارتفاعهما فلا يكونا نقيضين ، فوجوب ترك الصلاة الموصل لا يقتضي حرمة الصلاة ، إذ الواجب انما يدل على النهي عن نقيضه لا عن غير نقيضه ، وفعل الصلاة قد عرفت انه ليس بنقيض لترك الصلاة الموصل فلا يكون محرما ، واذا لم يكن محرما يقع صحيحا ، لأن النهي في العبادة يدل على فسادها اما العبادة غير المنهي عنها لا يعقل ان تقع فاسدة ، فاذا فعل الصلاة وترك الازالة لا يكون اتيانا بعبادة منهي عنها ، لأن الترك الذي يجب مقدمة للازالة هو ترك الصلاة الموصل للازالة ، واذا فعل الصلاة لا تتحقق الازالة لأن الضدين لا يجتمعان ، واذا لم تتحقق الازالة فلا يكون هناك ترك للصلاة موصلا للازالة لأن الصلاة انما رفعت تركها ولم يرتفع بها الترك الموصل للازالة ، بل الذي ارتفع بالصلاة الترك غير الموصل ولم يكن الترك غير الموصل واجبا حتى يكون فعل

٢٢٢

.................................................................................................

______________________________________________________

الصلاة محرما ، وليس فعل الصلاة نقيضا للترك الموصل والّا لما جاز ارتفاعهما ، مع انك قد عرفت أنهما يرتفعان بالترك للصلاة غير الموصل إلى الازالة.

وقد أشار إلى الامر الاول بقوله : «بناء على كون ترك الضد مما يتوقف عليه فعل ضده» وقد أشار إلى الامر الثاني بقوله : «فإن تركها» : أي ترك الصلاة «على هذا القول» : أي على القول بالمقدمة الموصلة «لا يكون مطلقا واجبا» لأن الواجب من المقدمة هو خصوص الموصلة ، فترك الصلاة الموصل هو الواجب دون ترك الصلاة مطلقا أوصل أو لم يوصل ، فلا يكون ترك الصلاة مطلقا واجبا «ليكون فعلها محرما» لأن الامر بالشيء يقتضي النهي عن نقيضه ، فاذا كان ترك الصلاة مطلقا واجبا كان نقيض هذا الترك الواجب هو فعل الصلاة ، فيكون محرما والنهي في العبادة يدل على الفساد «فتكون» الصلاة «فاسدة» لأنها منهي عنها ، بل الواجب على القول بالموصلة هو خصوص ترك الصلاة الموصل إلى الازالة ، وهو المراد من قوله : «بل فيما ترتب عليه الضد الواجب ومع الاتيان بها» : أي مع الاتيان بالصلاة «لا يكاد يكون هناك ترتب» : أي لا يكاد يكون قد ارتفع بالصلاة الترك المترتب عليه الازالة حتى يكون ما به يرتفع الواجب من النقيض محرما ، بل المرتفع بفعل الصلاة هو ترك الصلاة المطلق دون ترك الصلاة الموصل ولذا قال : «فلا يكون» : أي ترك الصلاة «مع ذلك» : أي مع الاتيان بفعل الصلاة «واجبا» اذ الواجب ترك الصلاة الموصل دون مطلق ترك الصلاة ، فلم يرتفع بالصلاة نقيضا واجب ، واذا لم يرتفع بها نقيضا واجب «لا يكون فعلها منهيا عنه» فلا تكون فاسدة.

بالجملة : ان الترك الموصل نقيضه ترك الترك الموصل لا فعل الصلاة ولا ترك الصلاة غير الموصل ، لأن كلا من هذين يرتفع مع ارتفاع الترك الموصل أيضا ، فإن فعل الصلاة والترك الموصل يرتفعان بالترك غير الموصل ، والترك غير الموصل والترك الموصل يرتفعان بفعل الصلاة ومتى ارتفعا لا يعقل ان يكونا نقيضين ، واذا لم تكن

٢٢٣

وربما أورد على تفريع هذه الثمرة بما حاصله بأن فعل الضد ، وإن لم يكن نقيضا للترك الواجب مقدمة ، بناء على المقدمة الموصلة ، إلا أنه لازم لما هو من أفراد النقيض ، حيث أن نقيض ذاك الترك الخاص رفعه ، وهو أعم من الفعل والترك الآخر المجرد ، وهذا يكفي في إثبات الحرمة ، وإلا لم يكن الفعل المطلق محرما فيما إذا كان الترك المطلق واجبا ، لأن الفعل ايضا ليس نقيضا للترك ، لأنه أمر وجودي ، ونقيض الترك إنما هو رفعه ، ورفع الترك إنما يلازم الفعل مصداقا ، وليس عينه ، فكما أن هذه الملازمة تكفي في إثبات الحرمة لمطلق الفعل ، فكذلك تكفي في المقام ، غاية الامر أن ما هو النقيض في مطلق الترك ، إنما ينحصر مصداقه في

______________________________________________________

نقيضا للترك الواجب لا تكون منهيا عنها فلا تقع فاسدة ، هذا إذا قلنا بوجوب خصوص المقدمة الموصلة. واما إذا قلنا بوجوب المقدمة مطلقا وقلنا بان ترك الضد من مقدمات وجود الضد الآخر فلا محالة تقع الصلاة فاسدة ، لانه إذا وجبت الازالة وجبت مقدماتها مطلقا سواء الموصلة منها وغير الموصلة ، فاذا كان من مقدمات الازالة ترك ضدها وهي الصلاة فيكون ترك الصلاة مطلقا واجبا ، واذا كان ترك الصلاة ـ مطلقا ـ واجبا كان نقيضه وهو فعل الصلاة محرما ، واذا كان فعل الصلاة محرما تقع فاسدة لأن النهي في العبادة يدل على فسادها.

وقد اتضح ـ مما مر من الكلام ـ : ان هذه الثمرة تحتاج إلى امرين غير الامرين اللذين اشرنا اليهما : وهما دلالة الامر بالشيء على النهي عن نقيضه ، وكون النهي في العبادة يدل على فسادها ، وحيث كان هذان الأمران من المسلمات لم يشر اليهما المصنف.

٢٢٤

الفعل فقط ، وأما النقيض للترك الخاص فله فردان ، وذلك لا يوجب فرقا فيما نحن بصدده ، كما لا يخفى (١).

______________________________________________________

(١) حاصل هذا الايراد : ان الصلاة تقع على كل حال فاسدة سواء قلنا بخصوص المقدمة الموصلة أو قلنا بالاعم من الموصلة وغيرها.

وبيانه : ان فعل الصلاة على أي حال ليس نقيضا لما هو المقدمة الواجبة وانما هو ملازم لما هو النقيض واذا كانت ملازمته بناء على القول بغير الموصلة موجبة لبطلانه تكون ملازمته على القول بالموصلة ملازمة لبطلانه أيضا ، فإن الترك للصلاة إذا كان واجبا لانه مقدمة لفعل الازلة فنقيضه ترك هذا الترك لأن نقيض كل شيء رفعه ، فنقيض الفعل رفعه وهو الترك ولكن نقيض الترك هو ترك الترك دون الفعل ، لأن ترك الترك هو رافع الترك دون الفعل. نعم ، يلازمه الفعل ، فما هو النقيض للترك واقعا هو ترك الترك ، ففيما إذا كان ترك الصلاة مطلقا هو الواجب فنقيضه ترك هذا الترك وهو ملازم دائما لفعل الصلاة. وقد اعترف صاحب الفصول : بان مثل هذه الملازمة تقتضي حرمة الصلاة والنهي عنها الموجب لفسادها ، ومثل هذه الملازمة موجود أيضا فيما لو قلنا بان الواجب خصوص المقدمة الموصلة ، فإن ترك الصلاة الموصل هو الواجب ونقيضه الواقعي الرافع له هو ترك هذا الترك الموصل ، وهذا النقيض الذي هو المحرم يلازمه احد شيئين على سبيل منع الخلو إما فعل الصلاة أو ترك الصلاة غير الموصل ، فانه بفعل الصلاة يتحقق ترك ترك الصلاة الموصل ، وبترك الصلاة غير الموصل يتحقق ترك ترك الصلاة الموصل ، فاذا كان ترك الصلاة الموصل واجبا يكون نقيضه الحقيقي المحرم هو ترك هذا الترك الموصل ، وكان اللازم لهذا الترك المحرم على سبيل منع الخلو الفعل أو الترك غير الموصل.

وقد اعترف بان : الفعل للصلاة الملازم للترك المطلق محرم لأجل الملازمة فبحكم هذا الاعتراف لا بد وان يقول : بان فعل الصلاة الذي يلازمه ترك الموصل أيضا محرم ، وإذا كان محرما فلا بد من القول بفساده. فاي فائدة في هذه الثمرة بعد ان كانت

٢٢٥

.................................................................................................

______________________________________________________

الصلاة تقع فاسدة على كل حال سواء قلنا بالمقدمة الموصلة أو قلنا بالاعم من الموصلة وغير الموصلة؟

نعم ، هناك فرق بين كون الواجب هو مطلق المقدمة وبين المقدمة الموصلة : وهو ان الترك الواجب في المقدمة المطلقة الذي نقيضه ترك هذا الترك يكون له ـ دائما ـ مصداق واحد وهو فعل الصلاة ، لأن نقيض ترك الصلاة الذي هو الواجب مقدمة للازالة هو ترك ترك الصلاة ، وترك ترك الصلاة يلازم ـ دائما ـ فعل الصلاة ولا مصداق آخر له ، وعلى المقدمة الموصلة فنقيض الواجب الذي هو ترك الصلاة الموصل هو ترك هذا الترك الموصل ، ولهذا النقيض المحرم فردان على سبيل منع الخلو : اما الصلاة أو ترك الصلاة غير الموصل. وهذا الفرق لا يجدي فرقا فيما هو المهم في المقام ، لأن المهم في المقام هو كون الملازمة بين ما هو النقيض الواقعي والفعل تقتضي حرمة الفعل ، فكون الملازم لما هو المحرم الذي هو محرم أيضا ـ تارة فرد واحد واخرى فردان ـ لا يكون فارقا.

قوله : «حيث ان نقيض ذاك الترك الخاص رفعه ، وهو أعم من الفعل والترك الآخر» تفسيره ما بيناه : من ان نقيض الترك الموصل هو ترك الترك الموصل ، ولهذا النقيض فردان يلازم احدهما على سبيل منع الخلو : وهو فعل الصلاة ، وترك الصلاة غير الموصل ، فهو اعم من كل واحد منهما. فمراده من الفعل هو فعل الصلاة ، ومن الترك الآخر ترك الصلاة غير الموصل ، وقد أشار إلى ان هذا المقدار من الملازمة يكفي في وقوع الصلاة محرمة بقوله : «وهذا يكفي في اثبات الحرمة» وأشار إلى الاستدلال على كون هذا المقدار كاف بقوله : «وإلّا لم يكن الفعل المطلق محرما» : أي فعل الصلاة المطلق الذي هو الملازم لما هو النقيض للترك المطلق الواجب بناء على القول بغير الموصلة : أي ان الملازمة لما هو النقيض المحرم اذا كانت كافية في وقوع فعل الصلاة محرما فلا فرق بين ملازمة وملازمة.

٢٢٦

قلت وأنت خبير بما بينهما من الفرق ، فإن الفعل في الاول لا يكون إلا مقارنا لما هو النقيض ، من رفع الترك المجامع معه تارة ، ومع الترك المجرد أخرى ، ولا تكاد تسري حرمة الشيء إلى ما يلازمه ، فضلا عما يقارنه أحيانا.

نعم لا بد أن لا يكون الملازم محكوما فعلا بحكم آخر على خلاف حكمه ، لا أن يكون محكوما بحكمه ، وهذا بخلاف الفعل في الثاني ، فإنه بنفسه يعاند الترك المطلق وينافيه ، لا ملازم لمعانده ومنافيه ، فلو لم يكن عين ما يناقضه بحسب الاصطلاح مفهوما ، لكنه متحد معه عينا وخارجا ،

______________________________________________________

وقد ذكرنا : ان نقيض الترك هو ترك الترك دون الفعل ، لأن نقيض الشيء رفعه ورفع الترك ترك الترك دون الفعل ، لأن الفعل مفهوم وجودي والنقيض الحقيقي مفهوم عدمي ، فنقيض الوجود ـ مثلا ـ اللاوجود ونقيض اللاوجود وهو رفع اللاوجود يلازم الوجود ، وقد أشار إلى ما ذكرنا بقوله : «لأن الفعل أيضا» : أي على القول بوجوب المقدمة مطلقا الذي اعترف الفصول بفساد الصلاة ، بناء عليه فعل الصلاة أيضا ليس هو النقيض لما هو الواجب ، بل هو ملازم لما هو النقيض لأن الفعل «ليس نقيضا للترك» الذي هو الواجب حتى يكون الفعل محرما لهذه المناقضة مشيرا إلى التعليل بقوله : «لانه امر وجودي» : أي فعل الصلاة امر وجودي ونقيض ترك الصلاة مفهوم عدمي وهو ترك ترك الصلاة دون الفعل ، وأشار إلى النقيض بلازم الفعل بقوله : «ورفع الترك انما يلازم الفعل مصداقا وليس عينه» مفهوما ، إذ لا يعقل ان يكون المفهوم الوجودي عين المفهوم العدمي ، وقد أشار إلى الفرق بين النقيض على المقدمة الموصلة وبينه على القول بغير الموصلة بقوله : «غاية الامر» إلى آخر كلامه.

٢٢٧

فإذا كان الترك واجبا ، فلا محالة يكون الفعل منهيا عنه قطعا ، فتدبر جيدا (١).

______________________________________________________

(١) حاصل ما يريد : ان ما اورد على هذه الثمرة ليس بوارد.

وبيانه : ان الفعل بالنسبة إلى نقيض المقدمة الموصلة الذي هو ترك الترك الموصل من مقارناته لا من ملازماته ، فانه قد اعترف ان لترك الترك الموصل فردين : الفعل ، والترك غير الموصل.

ومن الواضح : ان المتلازمين في الوجود فضلا عن المتقارنين فيه لا يسرى حكم احدهما إلى الآخر لوضوح ان الحكم تابع لمصالح ومفاسد ، وحيث لم يكن في الملازم مصلحة أو مفسدة تدعو إلى الحكم فيه لا يعقل ان يكون محكوما بمثل حكم ملازمه ، لانه يكون من المعلول بلا علة. نعم التلازم بينهما يقتضي ان يكون الملازم لما فيه الحكم الالزامي لا حكم له لا حكما الزاميا منافيا لحكم ملازمه ، لعدم امكان ان يكون حكم احد المتلازمين في الوجود الوجوب وحكم الثاني الحرمة فانه من التكليف بما لا يطاق ، ولا يعقل ان يكون محكوما بالاباحة لأن الترخيص فيه لغو بعد ان كان ملازمه لازم الوجود أو العدم.

إلّا ان هذا انما هو في المتلازمين في الوجود لا في المتقارنين الذي ينفك احدهما عن الآخر فانه لا سراية بينهما لانها غير متحققة في المتلازمين ، فكيف تكون في المتقارنين المنفك احدهما عن الآخر؟ وحيث لا تلازم في الوجود بينهما فلا يقتضي ان لا يكون احدهما محكوما بما ينافي الحكم في الآخر.

وقد اعترف المورد : بان الفعل لا يلازم ما هو النقيض ، لانه قال ان لنقيض ترك الترك الموصل فردين : الفعل ، والترك غير الموصل ، فلا ملازمة في الوجود بين فعل الصلاة وترك ترك الصلاة الموصل إلى الازالة ، وحيث لا يكونا من المتلازمين فلا بد وان يكونا من المتقارنين ، واذا كانا من المتقارنين فلكل واحد منهما حكمه ، فاذا كان ترك الترك الموصل حراما لا يكون مقارنه وهو فعل الصلاة حراما ، بل له حكمه

٢٢٨

.................................................................................................

______________________________________________________

حيث لا يكون محرما ، فلا مانع من وقوعه اذ لا مانع من صحته الا الحرمة وهي غير موجودة ، والى هذا أشار بقوله : «فإن الفعل في الاول» وهو كون الواجب المقدمي خصوص المقدمة الموصلة فإن الفعل على هذا «لا يكون إلّا مقارنا لما هو النقيض من رفع الترك» : أي ترك ترك الصلاة الموصل الذي هو المحرم والذي هو «المجامع معه» : أي مع الفعل «تارة ومع الترك المجرد» من الايصال : أي الترك غير الموصل «واخرى» فاذا كان هذا النقيض تارة يكون مع الفعل واخرى مع الترك غير الموصل فالنقيض والفعل منفكان فهما متقارنان لا متلازمان.

ثم أشار إلى ما ذكرنا : من ان المتلازمين في الوجود لا يسري حكم احدهما إلى الآخر فضلا عن المتقارنين بقوله : «ولا يكاد تسري حرمة الشيء إلى ما يلازمه» إلى آخر عبارته.

فاتضح : انه بناء على المقدمة الموصلة لا مانع من وقوع الصلاة صحيحة بخلاف ما اذا كان الواجب هو الترك المطلق ، فإن الواجب المقدمي الذي تتوقف عليه الازالة هو ترك الصلاة مطلقا سواء اوصل أو لم يوصل ، فإن الفعل يكون محرما لانه اما ان يكون هو النقيض لعدم الصلاة بناء على التحقيق : من ان نقيض الشيء ما يطارده مطاردة بحيث لا يمكن ان يجتمعا ولا يمكن ان يرتفعا ، فالوجود بنفسه نقيض اللاوجود كما أن اللاوجود بنفسه نقيض الوجود ، لا ان اللاوجود نقيض الوجود واما نقيض اللاوجود فهو اللالاوجود. وكيف يمكن ان يكون السلب نقيضا للسلب؟ بل الايجاب هو المناقض للسلب.

فعلى هذا يكون فعل الصلاة بنفسه نقيضا لعدم الصلاة ، والى هذا أشار بقوله : «وهو بخلاف الفعل في الثاني فانه بنفسه يعاند الترك المطلق وينافيه لا ملازم لمعانده ومنافيه» ثم لو تمشينا على ظاهر المشهور : من ان نقيض اللاوجود هو اللالاوجود دون الوجود كان المطارد والمزاحم للا وجود هو الوجود فلا بد وان يكون النقيض الذي هو اللالاوجود متحدا عينا وخارجا مع الوجود لانه به يرتفع اللاوجود ،

٢٢٩

ومنها : تقسيمه إلى الاصلي والتبعي ، والظاهر أن يكون هذا التقسيم بلحاظ الاصالة والتبعية في الواقع ومقام الثبوت ، حيث يكون الشيء تارة متعلقا للارادة والطلب مستقلا ، للالتفات إليه بما هو عليه مما يوجب طلبه فيطلبه ، كان طلبه نفسيا أو غيريا ، وأخرى متعلقا للارادة تبعا لارادة غيره ، لاجل كون إرادته لازمة لارادته ، من دون التفات إليه بما يوجب إرادته ، لا بلحاظ الاصالة والتبعية في مقام الدلالة والاثبات ، فإنه يكون في هذا المقام أيضا تارة مقصودا بالافادة ، وأخرى غير مقصود بها على حدة ، إلا أنه لازم الخطاب ، كما في دلالة الاشارة ونحوها.

وعلى ذلك ، فلا شبهة في انقسام الواجب الغيري إليهما ، واتصافه بالاصالة والتبعية كليهما ، حيث يكون متعلقا للارادة على حدة عند الالتفات إليه بما هو مقدمة ، وأخرى لا يكون متعلقا لها كذلك عند عدم

______________________________________________________

ومثل هذا الاتحاد والعينية الخارجية موجبة للحرمة ، فالفعل وان لم يكن هو النقيض بحسب الاصطلاح إلّا انه هو المتحد مع ما هو الحرام عينا وخارجا ، ومثله لا بد وان يكون حراما ومنهيا عنه والى هذا أشار بقوله : «فلو لم يكن عين ما يناقضه بحسب الاصطلاح مفهوما» إلى آخر كلامه ، لأن مفهوم النقيض هو ترك ترك الصلاة ، ومفهوم الفعل هو مفهوم الصلاة ، ومفهوم الصلاة ليس هو مفهوم ترك الصلاة ، إلّا ان هذا المفهوم السلبي متحد مع هذا المفهوم الوجودي في العين والخارج ومثل هذا الاتحاد موجب للحرمة ، ولذا قال : «فاذا كان الترك واجبا فلا محالة يكون الفعل منهيا عنه قطعا».

فاتضح : انه إذا كانت المقدمة الواجبة بالوجوب الغيري هي الاعم من الموصلة وغيرها تقع الصلاة فاسدة ، فالثمرة صحيحة.

٢٣٠

الالتفات إليه كذلك ، فإنه يكون لا محالة مرادا تبعا لارادة ذي المقدمة على الملازمة.

كما لا شبهة في اتصاف النفسي أيضا بالاصالة ، ولكنه لا يتصف بالتبعية ، ضرورة أنه لا يكاد يتعلق به الطلب النفسي ما لم تكن فيه المصلحة النفسية ، ومعها يتعلق الطلب بها مستقلا ، ولو لم يكن هنا شيء آخر مطلوب أصلا ، كما لا يخفى.

نعم لو كان الاتصاف بهما بلحاظ الدلالة ، اتصف النفسي بهما أيضا ، ضرورة أنه قد يكون غير مقصود بالافادة ، بل أفيد بتبع غيره المقصود بها ، لكن الظاهر ـ كما مر ـ أن الاتصاف بهما إنما هو في نفسه لا بلحاظ حال الدلالة عليه ، وإلا لما اتصف بواحد منهما ، إذا لم يكن بعد مفاد دليل ، وهو كما ترى (١).

______________________________________________________

(١) لا يخفى انه كان ينبغي تقديم هذا المبحث وذكره في الامر الثالث الذي اعده لذكر تقسيمات الواجب ، ولعل السبب في تأخير هذا عن الأمر الرابع هو ان الامر الرابع لما كان لبيان ما هو المتعلق للامر الغيري لذا ناسب ان يذكره بلا فصل بينه وبين البحث المتعلق لتقسيم الواجب إلى النفسي الغيري ، فأوجب ذلك الالحاق تاخير هذا التقسيم.

وعلى كل فمن جملة تقسيمات الواجب تقسيمه : إلى الاصلي والتبعي.

وقد وقع الخلاف في المنظور في هذا التقسيم بين المصنف وصاحبي الفصول والقوانين.

فإن الظاهر منهما : ان هذا التقسيم بلحاظ مرحلة الاثبات والدليل الدال على الوجوب.

٢٣١

.................................................................................................

______________________________________________________

وعند المصنف : ان هذا التقسيم انما هو بلحاظ مرحلة الثبوت والواقع في حقيقة الوجوب دون مرحلة الاثبات والدليل الدال عليه.

فقد عرّف صاحب الفصول الوجوب الاصلي (١) : بانه ما وقع في خطاب مستقل. ومراده من الخطاب المستقل هو الدليل الدال على الوجوب ، فيعم الدلالة اللفظية على الوجوب واللبيّة. والوجوب التبعي : هو الواجب الذي لم تكن دلالته بخطاب مستقل. ولا يخفى ان هذا التعريف للاصلي والتبعي يقتضي ان يكون كل من الواجب النفسي والغيري اصليا تارة وتبعيا اخرى ، لأن الواجب النفسي تارة يكون مدلولا عليه بخطاب مستقل ، واخرى يكون بتبع خطاب كما في دلالة الالتزام ودلالة الإشارة المفهومة من الآيتين على اقل الحمل وهما قوله تعالى : (وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ)(٢) وقوله تعالى : (وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً)(٣). والواجب الغيري مثله فانه أيضا تارة يدل عليه خطاب مستقل كقوله تعالى : (إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ)(٤) واخرى يكون مفهوما بتبع خطاب آخر كسائر مقدمات الواجب التي لم يدل عليها دليل.

وقد عرّفه في القوانين (٥) : بان الواجب الاصلي هو الذي استفيد وجوبه من اللفظ مع قصد المتكلم اياه. فيشمل الاصلي على هذا التعريف الدلالة الالتزامية لانها دلالة لفظية مقصودة للمتكلم. والتبعي هو الذي لم يستفد من اللفظ أو استفيد من اللفظ مع عدم قصد المتكلم اياه كدلالة الإشارة.

__________________

(١) الفصول الغروية : ص ٦٦

(٢) البقرة : الآية ٢٣٣.

(٣) الاحقاف : الآية ١٥.

(٤) المائدة : الآية ٦.

(٥) القوانين : ص ١٠٠.

٢٣٢

.................................................................................................

______________________________________________________

ولا يخفى : انه بين تعريف الفصول وتعريف القوانين عموم من وجه ، فإن الدلالة الالتزامية على ما ذكر في الفصول من الواجب التبعي ، وعلى ما في القوانين من الواجب الاصلي ، والخطاب المستقل المستفاد من غير اللفظ هو واجب اصلي عند الفصول وواجب تبعي عند القوانين لانه لم يستفد من اللفظ. ودلالة الإشارة واجب تبعي عند الاثنين ومثل ساير الواجبات المستفادة بخطاباتها اللفظية هي اصلية عند الاثنين أيضا.

والمصنف يرى : ان التقسيم إلى الاصلية والتبعية ينبغي ان يكون بلحاظ مرحلة الثبوت وما هو عليه واقع الوجوب في نفسه من دون ملاحظة الدليل الدال على الوجوب ، فالفرق بين الاصلي والتبعي عند المصنف : ان الاصلي ما كان ملحوظا مستقلا وملتفتا اليه ، فانه إذا كان كذلك يكون منظورا اليه بالاصالة للحاظه بالاستقلال والالتفات اليه في مقام اللحاظ والارادة ، والواجب التبعي هو الواجب الذي لا يكون منظورا اليه بالاصالة وغير ملتفت اليه في مقام تعلق الارادة. ولا اشكال في ان الواجب الغيري يكون تارة منظورا وملتفتا اليه كما في قوله تعالى : (إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ) واخرى لا يكون منظورا اليه بالاصالة وغير ملتفت اليه الّا تبعا ، كما في ارادة المقدمات تبعا لإرادة الواجب النفسي مع عدم التفات الآمر إلى ما يتوقف عليه الواجب النفسي. فالواجب الغيري يكون تارة اصليا واخرى تبعيا ، واما الواجب النفسي فحيث انه لا بد وان يكون منظورا وملتفتا اليه فلا يكون الّا اصليا ، ولا يعقل ان يكون تبعيا ، فالواجب الاصلي يكون غيريا ونفسيا والواجب التبعي لا يكون إلّا غيريا.

وقد استدل المصنف على كون التقسيم ينبغي ان يكون في هذه المرحلة لا في مرحلة الاثبات والدلالة بما أشار اليه : من ان التقسيم لا بد ان يكون حاصرا لجميع افراد الواجب.

٢٣٣

ثم إنه إذا كان الواجب التبعي ما لم يتعلق به إرادة مستقلة ، فإذا شك في واجب أنه أصلي أو تبعي ، فبأصالة عدم تعلق إرادة مستقلة به يثبت أنه تبعي ، ويترتب عليه آثاره إذا فرض له أثر شرعي ،

______________________________________________________

وحيث جعل في الفصول الاصالة والتبعية موضوعها الخطاب والدلالة المستفادة تارة من اللفظ واخرى من اللب والاجماع ، وفي القوانين جعل الاصالة والتبعية موضوعها الدلالة اللفظية المقصودة ودلالة الدليل غير المقصودة.

فيرد عليهما ان الواجب الغيري ـ غير المستفاد من دلالة دليل بل كانت ارادته ارادة ارتكازية غير ملتفت اليها اصلا ـ يكون خارجا عن هذا التقسيم عند الفصول وعند القوانين ، واما إذا كان التقسيم كما ذكرنا بلحاظ مرحلة الثبوت فلا يشذ عن هذا التقسيم فرد من افراد الواجب كما هو واضح ، وقد أشار إلى أن التقسيم ينبغي ان يكون بلحاظ مرحلة الثبوت وما هو الواقع الذي به يمتاز الاصلي عن التبعي والتبعي عن الاصلي بقوله : «والظاهر ان يكون هذا التقسيم بلحاظ الاصالة والتبعية في الواقع ومقام الثبوت» إلى آخر كلامه ، وقد أشار إلى انه لا ينبغي ان يكون التقسيم بلحاظ مرحلة الاثبات كما في الفصول والقوانين بقوله : «لا بلحاظ الاصالة والتبعية في مقام الدلالة والاثبات» إلى آخر كلامه. قوله : «كما في دلالة الإشارة ونحوها» : أي كالدلالة الالتزامية. وقد أشار إلى الدليل على ان هذا التقسيم لا ينبغي ان يكون في مرحلة الاثبات والدلالة وإلّا لا يكون حاصرا لجميع افراد الواجب بقوله : «لكن الظاهر ـ كما مر ـ ان الاتصاف بهما» : أي بالاصالة والتبعية «انما هو في نفسه» : أي انما هو في نفس ما للوجوب الاصلي والتبعي من الصفة المميزة لكل منهما عن الآخر «لا» ان يكون «بلحاظ حال الدلالة عليه» وهي مرحلة الاثبات «وإلّا لما اتصف بواحد منهما» : أي من الاصالة والتبعية «إذا لم يكن بعد مفاد دليل» كما في الواجبات الارتكازية غير الملتفت اليها «وهو كما ترى» : أي انه حيث كان تقسيما للواجب فلا بد وان يكون حاصرا.

٢٣٤

كسائر الموضوعات المتقومة بأمور عدمية نعم لو كان التبعي أمرا وجوديا خاصا غير متقوم بعدمي ، وإن كان يلزمه ، لما كان يثبت بها إلا على القول بالاصل المثبت ، كما هو واضح (١)

______________________________________________________

(١) حاصله : انه إذا شك في واجب انه اصلي أو تبعي فهل الاصل يثبت الاصالة أو يثبت التبعية.

وتوضيحه : انه إذا كانت التبعية هي الارادة غير الملتفت اليها فتكون الاصلية على هذا خلاف الاصل ، لانها تكون امرا وجوديا فانها تكون هي الارادة الملتفت اليها ، وحيث كانت الارادة متيقنة لفرض كونه واجبا يقينا فالشك يكون في كون هذه الارادة المتيقنة هل كانت ملتفتا اليها والالتفات امر وجودي ومقابله امر عدمي فالاصالة امر وجودي والتبعية امر عدمي ، فباصالة عدم الالتفات يثبت انها ارادة تبعية وهذا معنى قوله : «إذا كان الواجب التبعي ما لم يتعلق به ارادة مستقلة» : أي انه هو الواجب الذي لم تكن ارادته ملتفتا اليها.

واما ظاهر كلامه فلا يخلو عن شيء فانه باصالة عدم تعلق ارادة مستقلة به لا يثبت ان الارادة المتعلقة به ارادة غير مستقلة الا على القول بالاصل المثبت ، ومثل التبعية في المقام ساير الموضوعات المتقومة بامر وجودي محرز وامر عدمي يحرزه الاصل ، كالماء القليل إذا كان المراد من القلة هو عدم كريته ، فإن موضوع الانفعال كونه ماء غير كر وقد احرزت مائيته بالوجدان وعدم كريته بالاصل ، والى هذا أشار بقوله : «كسائر الموضوعات المتقومة بامور عدمية» هذا إذا كانت التبعية امرا عدميا ومقابلها وهي الاصالة امرا وجوديا وهي الارادة الملتفت اليها.

واما إذا كانت التبعية امرا وجوديا بان كانت هي الارادة التي تنشأ من ارادة اخرى ، وتقابلها الاصالة وهي الارادة التي لم تنشأ من ارادة اخرى ـ فينقلب مؤدى الاصل لأن التبعية تكون امرا وجوديا ، فإنها هي الارادة الناشئة من ارادة اخرى والاصل عدم نشوئها من ارادة اخرى ، فالاصل يثبت انها ارادة اصلية لأنها هي

٢٣٥

فافهم (١).

______________________________________________________

الارادة التي لم تنشأ من ارادة اخرى ، وكونها ارادة محرزة بالوجدان وعدم نشوئها محرز بالاصل بخلاف التبعية فإن قيدها امر وجودي وهو النشوء من ارادة اخرى والاصل عدمه فالاصل عدم التبعية والى هذا أشار بقوله : «نعم لو كان التبعي امرا وجوديا خاصا غير متقوم» بامر «عدمي» بان كان هو الارادة الخاصة وهي التي تنشأ من ارادة اخرى فلا يكون الواجب التبعي مما يتقوم بامر عدمي «وان كان يلزمه» : أي وان كان الامر العدمي ملازم لهذا الامر الوجودي وهو كون هذه الارادة لم ينظر اليها بالاستقلال ، فإن الاصل وان كان يجري في عدم استقلال هذه الارادة إلّا انه لا يثبت كون هذه الارادة قد نشأت من ارادة اخرى الّا على القول بالاصل المثبت ، ولذا قال : وان كان يلزمه «لما يثبت بها» : أي باصالة هذا الملازم العدمي الامر الوجودي «الا على القول بالاصل المثبت».

(١) يمكن ان يكون إشارة إلى انه هذه الاصالة لا تثبت شيئا وان كانت امرا عدميا إذا كان الامر العدمي قد اخذ على سبيل التوصيف ، فإن التبعية وان كانت هي الارادة التي لم تنشأ من ارادة اخرى فانه لا يقين سابق بمثل هذه الارادة. نعم لو كان القيد العدمي مأخوذا على سبيل القضية الحينية لا التوصيفية لكان هذا الاصل نافعا وغير مثبت.

وممكن ان يكون إشارة إلى ما قاله اخيرا : من ان هذا الامر العدمي ملازم للامر الوجودي وانه بناء على القول بالاصل المثبت يثبت به الامر الوجودي ، فيكون امره بالفهم إشارة إلى انه إذا كان هذا الامر العدمي ملازما للامر الوجودي لا يثبت الامر الوجودي به وان قلنا بحجية الاصل المثبت ، لأن القائل بالاصل المثبت يقول بانه يثبت بالاصل لازم ما يجري فيه الاصل ، كاثبات عنوان التاخر باصالة عدم الحدوث ولا يقول بانه يثبت بالاصل الجاري في الملازم العدمي ملازمه الوجودي ـ كما في

٢٣٦

تذنيب

في بيان الثمرة

وهي في المسألة الاصولية كما عرفت سابقا ليست إلا أن تكون نتيجتها صالحة للوقوع في طريق الاجتهاد ، واستنباط حكم فرعي ، كما لو قيل بالملازمة في المسألة ، فإنه بضميمة مقدمة كون شيء مقدمة لواجب يستنتج انه واجب (١).

______________________________________________________

المقام ـ فإن الامر العدمي الجاري فيه ملازم له امر وجودي ، ومثل هذا لا يقول به القائل بحجية الاصل المثبت.

(١) هذا التذنيب لبيان ما هو ثمرة البحث عن مقدمة الواجب ، وحيث قد تقدم انها من المسائل الاصولية والمسألة الاصولية ما تقع نتيجتها في طريق الاستنباط ـ فالثمرة المهمة لهذه المسألة هي وقوعها في طريق الاستنباط ، فانه على القول بالملازمة بين وجوب شيء ووجوب مقدماته يستنتج أن مقدمة الواجب واجبة بوجوب شرعي : بان يقال هذه مقدمة واجب ، وكل مقدمة واجب يلزم من وجوب ذيها وجوبها شرعا ، فهذه يلزم من وجوب ذيها وجوبها شرعا ، وهذه هي الثمرة المهمة لهذه المسألة التي يستنبط منها وجوب كل مقدمة واجب بالوجوب الشرعي.

والفرق بين الاستنباط والتطبيق : هو ان الشكل في التطبيق نتيجته تحقيق موضوع لحكم مستنبط لدليله كقاعدة طهارة مشكوك الطهارة ، فإن حكم مشكوك الطهارة مستنبط من دليله ، فاذا شك في طهارة يقال : هذا مشكوك الطهارة ، وكل مشكوك الطهارة طاهر ، فهذا طاهر ، بخلاف الاستنباط فإن نتيجته ليس تحقيق موضوع لحكم مستنبط بل نتيجته نفس استنباط الحكم في مقام ، فإن الثابت بهذه المسألة هو الملازمة بين وجوب الشيء ووجوب مقدمته ، فيثبت بواسطة هذه الملازمة نفس وجوب المقدمة فالوجوب هو الحكم الذي استنبط بواسطة ثبوت الملازمة ، ولذا قال (قدس‌سره) : «فانه بضميمة مقدمة» وتلك المقدمة هي الصغرى التي يوجب

٢٣٧

ومنه قد انقدح ، أنه ليس منها مثل بر النذر بإتيان مقدمة الواجب ، عند نذر الواجب ، وحصول الفسق بترك الواجب بمقدماته إذا كانت له مقدمات كثيرة ، لصدق الاصرار على الحرام بذلك ، وعدم جواز أخذ الاجرة على المقدمة (١). مع أن البرء وعدمه إنما يتبعان قصد الناذر ، فلا

______________________________________________________

انضمامها إلى ما ثبت بهذه المسألة وهي الملازمة يثبت الوجوب لمقدمة الواجب ، والصغرى هي ما أشار اليها بقوله : «كون شيء مقدمة لواجب» والكبرى التي هي الملازمة قد ثبتت بواسطة البحث في هذه المسألة فنتج من هذه الكبرى استنباط حكم فرعي وهو وجوب مقدمة الواجب ، ولذا قال : «يستنتج انه واجب» : أي بضميمة تلك الصغرى إلى ما افادته هذه المسألة يستنتج هذا الاستنتاج.

(١) قد عرفت ان ما ذكره هو النتيجة المهمة لهذه المسألة وهو الثمرة لهذه المسألة. وقد ذكر للبحث في هذه المسألة ثمرات ثلاث :

الاولى : بر النذر فيما لو نذر الناذر ان ياتي بواجب شرعي ، فانه على القول بوجوب مقدمة الواجب يبر نذره فيما لو اتى بمقدمة واجب ، وعلى القول بعدم وجوب المقدمة شرعا لا يكون الاتيان بمقدمة واجب مما يقع به بر النذر.

الثانية : حصول الفسق وعدم الفسق بترك واجب واحد له مقدمات عديدة ، فانه بناء على القول بوجوب مقدمة الواجب تكون جميع مقدمات هذا الواجب الواحد الكثيرة كلها واجبة ، فاذا تركها المكلف فقد ترك واجبات كثيرة وليس الاصرار على الحرام الّا ترك واجبات كثيرة فيحصل موضوع الفسق وهو الاصرار على الحرام ، بخلاف ما إذا قلنا بعدم وجوب مقدمة الواجب فانه لا يحصل الاصرار على الحرام إذ لم يفعل المكلف بترك الواجب إلّا حراما واحدا وهو ترك الواجب النفسي فقط ، واما مقدماته فانه وان تركها الّا انها ليست واجبة فلم يحصل منه ترك لواجبات كثيرة حتى يتحقق موضوع الفسق وهو الاصرار على الحرام.

٢٣٨

.................................................................................................

______________________________________________________

الثالثة : عدم جواز اخذ الاجرة على المقدمات للواجب النفسي وجوازها ، فانه لو قلنا بوجوب مقدمة الواجب للملازمة لا يجوز ان يؤخذ عليها اجرة لعدم جواز اخذ الاجرة على الواجبات ، واذا لم نقل بوجوب المقدمة لعدم القول بالملازمة يجوز اخذ الاجرة عليها لانها لا تكون واجبة فلا يكون اخذ الاجرة عليها من اخذ الاجرة على الواجبات.

وقد أشار إلى الثمرة الاولى بقوله : «مثل برّ النذر» إلى آخر كلامه.

والى الثانية بقوله : «وحصول الفسق» إلى آخره.

والى الثالثة بقوله : «وعدّ جواز اخذ الاجرة» إلى آخره.

وقد ناقش في عدم هذه الثمرات من ثمرات المسألة في المقام بمناقشة واحدة تعمها وهي التي أشار اليها بقوله : وقد انقدح.

وحاصلها : ان الذي ينبغي ان يكون ثمرة للمسألة الاصولية هو وقوعها في طريق استنباط الحكم لا وقوعها في طريق تحقيق الموضوع لتطبيق الحكم المستنبط ، وهذه الثمرات كلها تقع في مسألتنا في طريق تحقيق الموضوع لتطبيق الحكم المستنبط من دليله ، فإن وجوب البرّ بالنذر لم يستنبط من هذه المسألة بل هذه المسألة وقعت طريقا لتحقق ما هو الموضوع لتطبيق هذا الحكم المستنبط الذي دل عليه آية (وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ)(١) ومثله حصول الفسق وعدمه ، فإن كون الفسق يحصل بالاصرار مستنبط من دليله ، وكذلك عدم جواز اخذ الاجرة وجوازه فانه حكم مستنبط من دليله ، وهذه تقع في طريق تحقيق الموضوع لتطبيق هذا الحكم المستنبط ، ولا ينبغي مثل هذا ان يعد اثرا مهما للمسألة الاصولية بما هي مسألة اصولية ، والّا لكان بعض مسائل الفقه من الاصول لوقوع بعضها في طريق اثبات موضوع لتطبيق مسألة فقهية اخرى ،

__________________

(١) الحج : الآية : ٢٩.

٢٣٩

برّ بإتيان المقدمة لو قصد الوجوب النفسي ، كما هو المنصرف عند إطلاقه ولو قيل بالملازمة ، وربما يحصل البرء به لو قصد ما يعم المقدمة ولو قيل بعدمها ، كما لا يخفى (١). ولا يكاد يحصل الاصرار على الحرام

______________________________________________________

والى هذا أشار بقوله : «ومنه قد انقدح انه ليس منها مثل برّ النذر» إلى آخره : أي بعد ما ذكر من كون الاثر المهم للمسألة الاصولية وقوعها في طريق الاستنباط لا التطبيق انقدح انه لا معنى لجعل هذه الامور الثلاثة من ثمرات المسألة لانها ليست استنباطا بل تطبيقا.

(١) حاصل مناقشته التي أشار اليها بقوله ـ : ومنه انقدح انه ليس منها ـ كانت مناقشة كبروية ، مجملها ان ما ذكر من الثمرات ليست ثمرات لمسألة اصولية فلا ينبغي ان تعد من ثمرات البحث في هذه المسألة.

والآن شرع في المناقشة صغرويا وان هذه الثمرات ليست بثمرات حتى للتطبيق.

وتوضيحه : ان بر النذر بناء على وجوب المقدمة لا يقع باتيان المقدمة مطلقا بل هو يتبع قصد الناذر ، فإن قصد الناذر بنذره اتيان واجب اعم من كونه نفسيا أو غيريا يتاتى بر النذر باتيان المقدمة ، واما إذا قصد الاتيان بواجب نفسي فلا يقع بر النذر باتيان المقدمة وان قلنا بوجوبها للملازمة ، لأن وجوبها غيري لا نفسي ، وكذا إذا اطلق في نذره بالاتيان بواجب فان الاطلاق ينصرف إلى الواجب النفسي دون الغيري ، وقد أشار إلى انه لا يحصل البرّ لو قصد الوجوب النفسي أو كان مطلقا في كلامه بقوله : «فلا برّ» : أي لا برّ لنذره «باتيان المقدمة لو قصد الوجوب النفسي» وأشار إلى ان الوجوب النفسي هو المتعين عند الاطلاق في كلام الناذر بقوله : «كما هو المنصرف عند اطلاقه ولو قيل بالملازمة» لأن الوجوب المستفاد بالملازمة وجوب غيري لا نفسي.

قوله : «وربما يحصل» حاصله : ان الناذر إذا قصد بنذره الاتيان بواجب اعم من كونه شرعيا أو عقليا يحصل البر بالنذر باتيان المقدمة ، ولو قلنا بعدم الملازمة بين

٢٤٠