بداية الوصول

آية الله الشيخ محمّد طاهر آل الشيخ راضي

بداية الوصول

المؤلف:

آية الله الشيخ محمّد طاهر آل الشيخ راضي


المحقق: محمّد عبدالحكيم الموسوي البكّاء
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار الهدى
المطبعة: الظهور
الطبعة: ٢
ISBN: 964-497-058-6
ISBN الدورة:
964-497-056-X

الصفحات: ٣٩٩

فتأمل (١).

______________________________________________________

ملاك الوجوب النفسي ، فلا بد وأن يتقدم في التأثير فلا مانع له وهو ملاك الوجوب النفسي لعدم توقفه على ملاك الوجوب الغيري ، لأن تأثير العلة لا يتوقف على تأثير معلولها بخلاف تأثير المعلول فإنه يتوقف على تأثير العلة ، وهو واضح وهذا مراده من قوله (قدس‌سره) : «وان كان واجبا بوجوب واحد نفسي لسبقه».

(١) لقد ذكر (قدس‌سره) في حاشيته على المتن وجه التأمل (١).

وحاصله ، بتوضيح : انه ليس في الأجزاء ملاك الوجوب الغيري وإن تصورنا مقدميتها بما مر من اللحاظ اللابشرطي ، فالأجزاء لا يعقل أن يكون فيها ملاك المقدّمية الذي يقتضي ان تكون واجبة بالوجوب الغيري لأن ملاك المقدمية الذي يقتضي الوجوب لا يكفي فيه صدق المقدّمية وحدها ، بل لا بد من كونها مقدمة بحيث يتوقف وجود الواجب النفسي عليها وهذا الشرط مفقود في الأجزاء ، اذ لا يعقل ان يكون في الأجزاء ملاك ما يتوقف وجود الواجب النفسي عليه ، لما عرفت : من ان الواجب بالوجوب النفسي نفس الأجزاء ، فلا يعقل ان يكون وجود الأجزاء التي هي الواجب بالوجوب النفسي متوقفا على المقدمة الواجبة بالوجوب الغيري ، اذ لا يعقل توقف وجود الأجزاء على نفسها ، فملاك الوجوب الغيري وهو توقف وجود ذي المقدمة على وجود المقدمة لا يوجد في هذه المقدمة التي أمكن أن تكون مقدمة بنحو من اللحاظ.

وقد عرفت ان صرف كونها مقدمة لا يكفي في تحقق ملاك الوجوب الغيري ، بل لا بد من التوقف في مقام الوجود ولا توقف هنا في مقام الوجود.

__________________

(١) راجع كفاية الاصول بحاشية المحقق المشكيني (قدس‌سره) : ج ١ ، ص ١٤١ حجري.

٢١

هذا كله في المقدمة الداخلية.

وأما المقدمة الخارجية : فهي ما كان خارجا عن المأمور به ، وكان له دخل في تحققه ، لا يكاد يتحقق بدونه ، وقد ذكر لها أقسام ، وأطيل الكلام في تحديدها بالنقض والإبرام ، إلا أنه غير مهم في المقام (١).

ومنها : تقسيمها إلى العقليّة ، والشرعيّة ، والعاديّة :

فالعقليّة : هي ما استحيل واقعا وجود ذي المقدمة بدونه.

______________________________________________________

(١) لقد قسموا المقدمة الخارجية التي يتوقف وجود الواجب النفسي عليها إلى خمسة أقسام : السبب ، والشرط ، وعدم المانع ، والمعدّ ، والعلة التامة.

وعرفوا السبب : بانه ما لزم من وجوده الوجود ومن عدمه العدم.

والشرط : بانه ما لزم من عدمه العدم ولا يلزم من وجوده الوجود.

والمانع : بانه ما لزم من وجوده العدم ولا يلزم من عدمه الوجود ومثلوا للسبب بالنار بالنسبة إلى الاحراق ، وللشرط بالمقاربة من الجسم ، وللمانع بالرطوبة المانعة من احتراق الجسم في حال مقاربة النار لها.

وعرفوا المعدّ : بما يقرّب المعلول من علته ومثلوا له بطي المسافة للكون على السطح مثلا.

والعلة التامة : هي مجموع هذه الامور. وقد اكثروا النقض والابرام في التعاريف المذكورة.

ولا يخفي انه لا فائدة في هذه التقاسيم ولا في النقض والإبرام فيها ، لأن هذه التقسيمات انما يكون لها اثر حيث نقول بالتفصيل في وجوب بعضها دون بعض ، أما لو قلنا بوجوب كل ما توقف الواجب عليه فلا فائدة في ذلك ، هذا أولا.

وثانيا : انه على مذاق المصنف ان هذه التعاريف لفظية لشرح الاسم وليست بالحد ولا بالرسم فلا ينبغي النقض والإبرام فيها ولذا قال (قدس‌سره) : «إلّا انه غير مهم في المقام».

٢٢

والشرعيّة على ما قيل : ما استحيل وجوده بدونه شرعا (١) ، ولكنه لا يخفى رجوع الشرعيّة إلى العقليّة ، ضرورة أنه لا يكاد يكون مستحيلا ذلك شرعا ، إلا إذا أخذ فيه شرطا وقيدا ، واستحالة المشروط والمقيد بدون شرطه وقيده يكون عقليا (٢).

______________________________________________________

(١) هذا تقسيم آخر للمقدمة ، فانهم قسموا المقدمة إلى العقلية ، وعرفوها : بانه ما استحيل وجود ذي المقدمة بدونها عقلا كطي المسافة بالنسبة إلى الوصول إلى مكة ـ مثلا ـ فان طي المسافة ما يتوقف عليها وجود الواجب عقلا ، لوضوح محالية الطفرة عقلا. فهذا التوقف مما يحكم العقل به وانه لا يعقل وجود الواجب بدون هذه المقدمة. والى المقدمة الشرعية : وهي ما استحال وجود الواجب بدونها شرعا كالطهارة بالنسبة إلى الصلاة فانه يستحيل تحقق الصلاة الصحيحة شرعا بدون الطهارة بعد أن اشترط الشارع الصلاة بالطهارة ، ومن الواضح ان هذا التوقف ليس كالسابق الذي يدرك العقل محالية وجود ذي المقدمة بدونها ولكن عند الشارع بعد أن أخذ الطهارة شرطا يستحيل عنده وجود ذي المقدمة بدونها. والى المقدمة العادية ، وسيأتي الكلام فيها ، فأقسام المقدمة ثلاثة : عقلية ، وشرعية ، وعادية.

(٢) حاصل ما اورده المصنف على تقسيم المقدمة إلى الشرعية والعقلية ان الشرعية ترجع إلى العقلية ، بان نقول : ان هذا الاشتراط الشرعي إن كان إرشاديا إلى أن هذا المتعلق للوجوب النفسي لا يحصل منه الغرض المترقب منه الّا باتيان هذه المقدمة ، فيكون الشارع في هذا المقام مرشدا صرفا إلى هذا التوقف ، وتكون الصلاة واقعا مما تتوقف على الطهارة ، كتوقف أداء مناسك الحج في مكة على طي المسافة فالتوقف عقلي ، لاستحالة حصول ذي المقدمة واقعا بدون هذه المقدمة ، وإنما الفرق بين هذين التوقفين هو ان العقل في الاولى يدرك التوقف ، وفي الشرعية لا يدرك التوقف وانما الشارع أرشد اليه.

٢٣

وأما العاديّة : فإن كانت بمعنى أن يكون التوقّف عليها بحسب العادة بحيث يمكن تحقّق ذيها بدونها ، إلا أنّ العادة جرت على الإتيان به بواسطتها ، فهي وإن كانت غير راجعة إلى العقلية ، إلا أنه لا ينبغي توهم دخولها في محل النزاع ، وإن كانت بمعنى أن التوقف عليها وإن كان فعلا واقعيا كنصب السلم ونحوه للصعود على السطح ، إلا أنه لاجل عدم التمكن عادة من

______________________________________________________

وأما إذا كانت الشرطية جعلية فالشرعية ـ أيضا ـ ترجع إلى العقلية : بمعنى انه بعد أخذ الشارع هذا الشرط في المشروط به فلا يعقل حصول المشروط بدون شرطه ، فيكون الفرق بين العقلية والشرعية هو ان السبب في التوقف تارة يكون أمرا طبيعيا واخرى أمرا شرعيا.

وأما التوقف نفسه فلا يختلف في كليهما ، فإن الحال في كليهما واحدة لانهما صغرى لكبرى واحدة ، وهي استحالة حصول المشروط من دون شرطه ، غايته ان السبب في كون الشيء شرطا مختلف ، ففي الاولى اقتضاه الوضع الطبيعي وفي الثانية كان بواسطة الجعل الشرعي.

وعلى كل فقد ظهر ان الاستحالة في كل منهما هي عند العقل ، لا أن الاستحالة في المقدمة العقلية عقلية وفي المقدمة الشرعية شرعية ، بل في كليهما الاستحالة عقلية ، وإنما الاختلاف بينهما في سبب هذه الاستحالة كما عرفت. ويمكن ان يكون المصنف قد أشار إلى كلا الاحتمالين بقوله : «إذا اخذ فيه شرطا» فإن الأخذ تارة لأجل أنه يعلم ويرى ما لا يتوصل اليه العقل فيكون قد أخذه لأن يرشد إلى دخالته واقعا ، واخرى يكون الاخذ لأجل جعله لشرطيته ، إلّا ان المنصرف من كلامه (قدس‌سره) هو الاحتمال الثاني لظهور الأخذ في الجعل.

٢٤

الطيران الممكن عقلا فهي ـ أيضا ـ راجعة إلى العقليّة ، ضرورة استحالة الصعود بدون مثل النصب عقلا لغير الطائر فعلا ، وإن كان طيرانه ممكنا ذاتا (١) ،

______________________________________________________

(١) هذا القسم الثالث ، وهو المقدمة العاديّة ـ فقد عرفت فيما تقدم انهم قسموا المقدمة إلى عقلية وشرعية وعادية ، وقد مر الكلام في العقلية والشرعية.

وأما العادية : فهي التي اقتضت العادة إتيانها وقد أشار المصنف إلى نحوين منها ، ولها انحاء أخر ولكن لا موجب لذكرها لخروجها كالنحو الاول الذي أشار اليه في الخروج عن محل النزاع.

النحو الاول : أن يكون توقف ذي المقدمة على هذه المقدمة بالخصوص ، لأن العادة جرت على إتيان هذه المقدمة ، ولكن ليس لذي المقدمة توقف على خصوص هذه المقدمة ، كما لو كان هناك طريقان كل منهما موصل إلى الغاية المأمور بها ولكن العادة جرت على سلوك هذا الطريق ، فهذه المقدمة يصح ان تكون في قبال المقدمة العقلية ، لوضوح أن المقدمة العقلية هي التي يستحيل عقلا إتيان ذي المقدمة بدونها ، وهذه المقدمة العادية لا يستحيل إتيان ذي المقدمة بدونها لإمكان سلوك الطريق الآخر الذي لم تجر العادة بسلوكه ، ولكن لا دخالة لها في محل النزاع من كون مقدمة الواجب واجبة ، فإن الكلام في وجوب المقدمة التي يستحيل وجود الواجب بدونها ، فالقائل بوجوب مقدمة الواجب لا يقول بوجوب خصوص هذه المقدمة العادية ، لأن الذي يستحيل وجوب الواجب بدونه هو طي المسافة لا خصوص هذه المقدمة التي جرت العادة بسلوكها ، فلا وجه لجعلها قسما من أقسام مقدمة الواجب التي هي محل النزاع ، ولذا قال (قدس‌سره) : «فهي وإن كانت غير راجعة إلى العقلية إلّا انه لا ينبغي توهم دخولها في محل النزاع».

النحو الثاني : أن تكون المقدمة مما يستحيل تحقق ذي المقدمة بدونها إلّا ان العادة اقتضت هذه الاستحالة ، وذلك كنصب السلم للأجسام الثقيلة للصعود على السطح التي ليس لها قدرة الطيران ، وليس لها من القوة الخارقة للعادة بحيث تستطيع

٢٥

فافهم (١).

______________________________________________________

الوثوب إلى أعلى حتى تكون على السطح ، وإنما سميت هذه المقدمة بالعاديّة لأن المقدمة العقلية التي يتوقف ذو المقدمة عليها هو طي المسافة ، لامتناع الكون على السطح من دون طي المسافة لاستلزام ذلك للطفرة المحال عقلا وقوعها ، فالكون على السطح يتوقف توقفا عقليا على طي المسافة ، وأمّا توقفه على خصوص نصب السلم إنّما هو لأجل عدم تمكن الجسم الثقيل من الطيران وعدم قوة له خارقة للعادة على الوثوب إلى السطح ، فالتوقف على نصب السلم إنما هو بالقياس إلى أن الجسم الثقيل المعتاد منه لا يقدر على الطيران وليست له قوة خارقة للعادة ، وهذه المقدمة تسمى بالمقدمة العاديّة ، لأن المعتاد في الجسم الثقيل في صعوده إلى السطح أن يتوقف على نصب السلم.

ولا يخفى ان هذا النحو من المقدمة وان كان يسمى بالمقدمة العادية إلّا ان التوقف فيه عقلي ، لوضوح ان الكلام في توجه وجوب المقدمة إلى ما يتوقف عليه وجود ذي المقدمة ، وحيث انحصر في الجسم الثقيل فرد طي المسافة بنصب السلم فيتوجه الوجوب اليه ، لانحصار طي المسافة بالنسبة إلى الجسم الثقيل ، فهذه المقدمة تدخل ـ أيضا ـ في المقدمة العقلية لأن محل الكلام ليس وجوب المقدمة التي لها امكان ذاتي ، فإن طيران الجسم الثقيل وإن كان ممكنا بالذات إلّا انه بحسب العادة والوقوع لا تحقق له ، والكلام ليس في وجوب المقدمة التي لها إمكان بالذات ولذا قال : «فهي ـ أيضا ـ راجعة إلى العقلية ضرورة استحالة الصعود بدون مثل النصب» للسلم «عقلا» بالنسبة إلى الجسم الثقيل «لغير الطائر فعلا ، وان كان طيرانه» أي طيران الجسم الثقيل «ممكنا ذاتا».

(١) لعله يشير بقوله فافهم إلى ان رجوع الشرعية والعادية إلى العقلية لا يضر في كون المقدمة تنقسم اليهما والى العقلية ، لوضوح انه مع كونهما يرجعان إلى العقلية هناك فرق بينهما ، لأن الغرض في هذا التقسيم هو كون ما يتوقف عليه ذو المقدمة تارة

٢٦

ومنها : تقسيمها إلى مقدّمة الوجود ، ومقدّمة الصحة ، ومقدمة الوجوب ، ومقدمة العلم.

لا يخفى رجوع مقدّمة الصحة إلى مقدّمة الوجود ، ولو على القول بكون الاسامي موضوعة للأعمّ ، ضرورة أن الكلام في مقدمة الواجب ، لا في مقدمة المسمى بأحدها ، كما لا يخفى.

ولا إشكال في خروج مقدمة الوجوب عن محل النزاع ، وبداهة عدم اتصافها بالوجوب من قبل الوجوب المشروط بها ، وكذلك المقدمة العلمية ، وإن استقلّ العقل بوجوبها ، إلّا أنه من باب وجوب الاطاعة إرشادا ليؤمن من العقوبة على مخالفة الواجب المنجّز ،

______________________________________________________

يكون أمرا عقليا بذاته يدركه العقل ، واخرى لا يكون العقل مدركا لتوقف ذي المقدمة عليه ، ولكن بعد جعله شرعا يدرك التوقف عليه ، وثالثة ان يكون ادراك العقل للتوقف عليه بملاحظة ما للجسم الثقيل في المعتاد من عدم قدرته على الطيران والوثوب ، وبهذه الإضافة والملاحظة يدرك العقل التوقف على هذه المقدمة الخاصة وهي نصب السلم بخلاف طي المسافة فانه لمحالية الطفرة يدرك العقل توقف ذي المقدمة على طي المسافة توقفا بالذات من دون ملاحظة وإضافة إلى شرع أو عادة.

وبعبارة اخرى : ان التقسيم بلحاظ نفس التوقف في المقدمة ، وان سببه تارة يكون عقليا تدركه الأنظار جميعا ، واخرى يكون شرعيا لا تدركه الانظار غير نظر الشارع ، وثالثة يكون محاليته بالقياس إلى الغير.

والاولى العقلية ، والثانية الشرعية ، والثالثة العادية.

فان نصب السلم إنما يكون مقدمة بالاضافة والقياس إلى الاجسام الثقيلة التي لا قدرة لها على الوثوب.

٢٧

لا مولويا من باب الملازمة ، وترشّح الوجوب عليها من قبل وجوب ذي المقدمة (١).

______________________________________________________

(١) هذا تقسيم آخر للمقدمة ، فإنهم قسموها إلى أقسام أربعة :

القسم الاول : مقدمة الوجود : وهي التي يتوقف وجود الواجب عليها لا وجوبه ، كطي المسافة بالنسبة إلى الكون على السطح ، فإن وجود الكون على السطح يتوقف على طي المسافة لا وجوب الكون على السطح فإنه لا توقف له على طي المسافة ، ولا إشكال في دخول هذه المقدمة في محل النزاع ، فبناء على وجوب مقدمة الواجب تكون مقدمة الكون على السطح واجبا شرعيا ، وبناء على عدم الوجوب تكون مقدمة الكون على السطح واجبا عقليا لا شرعيا ، لإرشاد العقل وإلزامه بإتيانها لتوقف وجود الواجب عليها وهي مقدورة فاذا لم يأت بها يكون قد فوت الواجب ولم يمتثله باختياره.

القسم الثاني : مقدمة الصحة : وهي التي يتوقف صحة الواجب عليها ، كالطهارة بالنسبة إلى الصلاة فإنّ صحة الصلاة متوقفة على الطهارة ، لا ذات وجود أجزاء الصلاة كالتكبير والركوع وغيرهما متوقفة على الطهارة ، لوضوح عدم توقف ذات التكبير على الطهارة. نعم ، التكبير الموصوف بالصحة موقوف على الطهارة ، هذا.

ولكنه من الواضح دخول مقدمة الصحة في مقدمة الوجود ، لأن المفروض أن محل الكلام في مقدمة الواجب بما هو واجب سواء توقف تحقق ذات الواجب عليها أو توقف تحققه بما هو واجب عليها ، فإن الطهارة وإن لم يتوقف تحقق ذات ما هو واجب عليها إلّا أن تحقق الواجب بما هو واجب متوقف عليها.

وبعبارة اخرى : ان الكلام في مقدمة ما هو واجب ومأمور به فان الكلام في وجوب ما تتوقف عليه الصلاة التي هي واجبة ، وليس الكلام في خصوص ما يتوقف عليه المسمى بلفظ الصلاة. نعم ، لو كان الحال كذلك لكانت مقدمة الصحة قسما مقابلا لمقدمة الوجود الّا انه ليس كذلك ، بل الكلام في وجوب مقدمة الواجب بما

٢٨

.................................................................................................

______________________________________________________

هو واجب حتى لو قلنا بان اسامي العبادات ـ مثلا ـ موضوعة للاعم ، لبداهة ان المأمور به بما هو مأمور به هو الفرد الصحيح لا الاعم من الصحيح والفاسد ، واذا كان الواجب والمأمور به هو الصحيح دخلت مقدمة الصحة في مقدمة الوجود لما عرفت من توقف الصحيح عليها الذي هو الواجب ، والى هذا أشار بقوله : «لا يخفى رجوع مقدمة الصحة إلى مقدمة الوجود الخ».

القسم الثالث : مقدمة الوجوب : وهي التي يتوقف وجوب الواجب عليها لا وجوده وهي على نحوين لأنها :

تارة : لا تكون اختيارية للمكلف كالوقت بالنسبة إلى الصلاة ولا ريب في خروج هذا عن محل النزاع لا لما يأتي من محالية دخولها في محل النزاع ، بل لأن ما لا يكون باختيار المكلف لا يكون موردا للتكاليف.

واخرى : تكون تحت الاختيار كقوله ـ مثلا ـ إذا قرأت آية السجدة فاسجد ، فإن قراءة آية السجدة تحت اختيار المكلف إلّا انه لا يعقل دخولها في محل النزاع لعدم إمكان اتصاف مقدمة وجوب الواجب بالوجوب من قبل وجوب الواجب ، لأن المفروض انه انما يكون وجوب الواجب متحققا بعد تحققها ، فقبل تحققها لا وجوب للواجب حتى يترشح منه وجوب هذه المقدمة وبعد تحققها وحصول وجوب الواجب لا معنى لترشح الوجوب اليها ، إذ الداعي لتعلق الوجوب بشيء أن يكون داعيا إلى إيجاده وتحصيله ، وبعد وجوده لا معنى لايجاده وتحصيله فانه من إيجاد الموجود وتحصيل الحاصل ، مضافا إلى ان وجوب مقدمة الواجب معلول لوجوب الواجب ، ومن الواضح ان وجوب الشيء له نحو من العلية لوجوده لانه هو الداعي لوجوده ومقدمة الوجوب هي التي يكون وجودها من معاليل وجوب الواجب ، فاذا فرض ترشح الوجوب اليها من وجوب الواجب تكون العلة معلولة لمعلولها وهو من أبده المحالات ، لوضوح أن ما فرض كونه علة لشيء لا يعقل ان يكون معلولا لذلك الشيء ، والى ما ذكرنا أشار بقوله : «لا إشكال في خروج مقدمة الوجوب عن محل

٢٩

.................................................................................................

______________________________________________________

النزاع وبداهة عدم اتصافها بالوجوب من قبل الوجوب المشروط بها» : أي بداهة عدم إمكان ترشح الوجوب اليها من الواجب المشروط وجوبه بوجودها ، وهذا يمكن انطباقه على المحذور الاول وهو لزوم تحصيل الحاصل ، ويمكن انطباقه على المحذور الثاني وهو أن علة الشيء لا يعقل ان تكون معلولا له.

القسم الرابع : المقدمة العلمية : وهي التي يتوقف العلم بتحقق الواجب عليها لا وجوده ولا صحته ولا وجوبه ، كغسل مقدار مما فوق قصاص الشعر ومما فوق المرفق ليحصل العلم بتحقق ما هو المأمور به من غسل الوجه واليد ، فإن غسل ما فوق قصاص الشعر وما فوق المرفق لا يتوقف عليه وجود غسل الوجه ولا وجود غسل المرفق ولا صحته ولا وجوبه ، وإنما يتوقف عليه العلم بتحقق ما هو المأمور به قطعا أو كالصلاة إلى جهتين أو اكثر إذا اشتبهت القبلة بينها.

ومن الواضح خروج المقدمة العلمية عن محل الكلام ، لانه في المقدمة التي تكون علة في مقام الوجود لتوقف وجود الواجب عليها ، وليس غسل ما فوق قصاص الشعر مما يتوقف عليه وجود الغسل من قصاص الشعر ، ولا الصلاة إلى جهة غير القبلة مما يتوقف عليه وجود الصلاة إلى القبلة.

نعم ، العلم بتحقق وجود الغسل والعلم بتحقق الصلاة إلى القبلة يتوقف على ذلك. وقد عرفت ان الكلام ليس فيما يتوقف عليه العلم بوجود الواجب.

بعبارة اخرى : الكلام في وجوب علة الوجود لا في علة العلم بالوجود ، وان كانت هذه المقدمة العلمية مما يأمر العقل بإتيانها إرشادا إلى احراز الامتثال وللتخلص من تبعات عدم امتثال الواجب ، ليأمن المكلف من تبعات مخالفة التكليف الذي نجز عليه ، وليس الكلام في كل مقدمة يأمر العقل بإتيانها ارشادا إلى ما به يحصل العلم بالاطاعة ، وانما الكلام في المقدمة التي يترشح لها وجوب مولوي من وجوب الواجب فتكون مطلوبة كالواجب النفسي بطلب مولوي ، غايته انه وجوب غيري ترشحي وهذه المقدمة ليست إلا المقدمة التي تكون علة لوجود الواجب ، لأن من

٣٠

ومنها : تقسيمها إلى المتقدّم ، والمقارن ، والمتأخّر ، بحسب الوجود بالاضافة إلى ذي المقدمة (١) ، وحيث إنها كانت من أجزاء العلة ولا بد

______________________________________________________

يريد شيئا يريد ما يتوقف عليه وجود ما أراده ، لا المقدمة التي يتوقف عليها العلم بتحقق ما أراده وهي خارجة عن العلية لوجود ما طلب وما أريد هذا حاصل ما أشار اليه بقوله : «وكذلك المقدمة العلمية» : أي كما ان مقدمة الوجوب خارجة عن محل الكلام كذلك المقدمة العلمية خارجة أيضا «وان استقل العقل بوجوبها» : أي بلزوم اتيانها إلّا انه ليس لتوقف وجود الواجب عليها ، فإن الواجب مربوط بعلة وجوده لا بوجود شيء آخر معه ليس دخيلا في علته ، بل دخيلا في تحقق العلم بوجوده ، ولذلك يأمر العقل باتيانها الّا ان أمره باتيانها لا لأنها علة للوجود ، بل لأنها علة للعلم بتحقق ما أمر به لأن العقل يلزم بالاطاعة على نحو اليقين فلا بد في تحقق العلم بالاطاعة من الإتيان بالمقدمة العلمية ليأمن بها من العقوبة ، إذ الأمان من العقوبة لا يتحقق إلّا بعد العلم بإتيان ما أمر به فالأمر بالمقدمة العلمية أمر عقلي إرشادي للعلم بتحقق الإطاعة. والكلام في مقدمة الواجب التي لها امر مولوي يترشح من وجوب الواجب للملازمة بين الوجوب النفسي للواجب والوجوب الغيري للمقدمة ، ولذا قال (قدس‌سره) : «إلّا انه» : أي إلّا ان استقلال العقل بوجوبها ولزوم اتيانها «من باب وجوب الاطاعة ارشادا» فالامر من العقل بوجوب اتيان المقدمة العلمية ارشادي «ليؤمن من العقوبة على مخالفة الواجب المنجّز لا مولويا» كمقدمة الواجب فإن الأمر فيها مولوي كالامر في الواجب النفسي «من باب الملازمة و» لأجل «ترشح الوجوب عليها من قبل وجوب ذي المقدمة».

(١) هذا تقسيم آخر للمقدمة ، فانهم قسموها الى المقدمة المتقدّمة ، والمقارنة ، والمتأخرة بحسب الوجود.

ولا يخفى ان عنوان هذا التقسيم حيث كان في مقدمة الواجب فهو مختص بمقدمة المأمور به دون مقدمة الحكم التكليفي والحكم الوضعي.

٣١

.................................................................................................

______________________________________________________

ولكن حيث انه لا اختصاص للاشكال الآتي بمقدمة المأمور به لذلك حرّر الإشكال في المقدمات الثلاث ، وحيث إن طريق الجواب عن مقدمة الحكم التكليفي والحكم الوضعي واحد وغير مختلف لذلك جعله مقاما أوّلا ، وجعل الجواب عن مقدمة المأمور به مقاما ثانيا لانه غير طريق الجواب عن الحكم التكليفي والحكم الوضعي كما سيأتي بيانه ان شاء الله.

ثم لا يخفى ـ أيضا ـ انه لا فرق بين الشرط الشرعي والعقلي فيما هو المهم من محل الإشكال ، لوضوح ان الشرط من متممات المقتضي في مقام التأثير ، فكما ان المقاربة للجسم شرط في تأثير النار للاحراق كذلك الطهارة بالنسبة إلى الصلاة فانها شرط في تأثيرها الاثر المترقب منها فلا فرق بينهما ، فاذا لم يعقل تأثير النار للاحراق مع تاخر المقاربة زمانا عن الإحراق كذلك لا يعقل تأثير الصلاة في الصحة وترتب اثرها المترقب منها عليها مع تأخر الطهارة زمانا عن تأثير الصلاة في الصحة المترقبة منها بعد انتهاء زمان الصلاة.

وعلى كل فالشرط يكون متقدما كغسل المستحاضة في الليل لصحة صومها من أول الفجر.

ويكون مقارنا كالستر بالنسبة إلى الصلاة.

ويكون متاخرا كغسل المستحاضة لصلاة المغرب والعشاء بالنسبة إلى صوم يومها الذي انتهى بالمغرب.

واتضح من الأمثلة المذكورة ان التقدم والتقارن والتأخر هو بحسب الوجود ، ففي المثال الاول الغسل يتقدم بالوجود على الصوم ، وفي الثاني وجود الستر يقارن وجود الصلاة ، وفي الثالث يتأخر وجود الغسل عن وجود الصوم ، ولذا قال (قدس‌سره) : «تقسيمها إلى المتقدم والمتاخر بحسب الوجود بالاضافة إلى ذي المقدمة» : أي إلى وجود ذي المقدمة ولم يذكر المقارن ـ في بعض النسخ ـ لعدم تاتي الإشكال الآتي فيه بل هو مختص بالشرط المتقدم بحسب الوجود زمانا المعدوم حال

٣٢

من تقدمها بجميع أجزائها على المعلول (١) أشكل الأمر في المقدمة المتأخرة ، كالأغسال الليلية المعتبرة في صحة صوم المستحاضة عند بعض ، والاجازة

______________________________________________________

حصول المشروط ، أو المقتضي المتقدم كذلك المعدوم حال حصول مقتضاه وأثره ، وبالمتأخر زمانا بحسب الوجود بعد حصول المشروط والمقتضى.

(١) لأجزاء العلة على معلولها ـ : أي المقتضي والشرط ـ تقدم غير تقدم العلة على معلولها ، فإن أجزاء العلة تتقدم بالطبع وملاكه امكان ان يوجد السابق بدون اللاحق ، وعدم إمكان ان يوجد اللاحق ولا يوجد السابق ، كمثل تقدم الواحد على الاثنين فان ملاك التقدم الطبعي موجود فيه ايضا ، اذ يعقل ان يوجد الواحد ولا وجود للاثنين ، ولا يعقل ان توجد الاثنان ولا وجود للواحد ، والحال كذلك في المقتضي بالنسبة إلى مقتضاه فانه يعقل ان يوجد المقتضي ولا وجود للمقتضى : بان توجد النار ولا يوجد الاحراق ولا يعقل ان يوجد الاحراق ولا وجود للنار ، ومثله الشرط كمقاربة النار للجسم المحترق فانه يعقل ان توجد مقاربة النار للجسم المحترق ولا يحصل الاحتراق لوجود الرطوبة في الجسم المانعة من الاحتراق ولكنه لا يعقل ان يحترق الجسم ولا تكون مقاربة من النار له. والعلة التامة تتقدم على معلولها بالوجوب لا بالوجود اذ لا يعقل ان توجد العلة التامة ولا وجود للمعلول ، والّا لم تكن علة تامة فلا بد من لزوم المقارنة في الوجود بين العلة التامة ومعلولها ، ولكنه حيث كان لزوم وجود المعلول آت من ناحية العلة فهذه الضرورة واللزوم لوجود المعلول ليس لذاته بل من ناحية العلة ، فلا بد وأن تكون العلة متقدمة في الوجوب والضرورة على معلولها ، ولذا يقال : وجبت العلة فوجب المعلول ، الّا ان العلة التامة وأجزاءها وان اختلف ملاك التقدم فيهما لكنهما يشتركان في امر وهو انه لا بد من ان يكونا جميعا موجودين في زمان وجود المعلول ، فلا يعقل ان تتقدم أجزاء العلة بالوجود على المعلول وتكون حال وجود المعلول معدومة.

وأما العلة التامة فقد مر أنها لا بد من مقارنة زمان وجودها لوجود المعلول.

٣٣

في صحة العقد ـ على الكشف ـ كذلك ، بل في الشرط أو المقتضي المتقدم على المشروط زمانا المتصرم حينه ، كالعقد في الوصية والصرف والسلم ، بل في كل عقد بالنسبة إلى غالب أجزائه ، لتصرمها حين تأثيره ، مع ضرورة اعتبار مقارنتها معه زمانا ، فليس إشكال انخرام القاعدة العقلية مختصا بالشرط المتأخر في الشرعيات ـ كما اشتهر في الألسنة ـ بل يعم الشرط والمقتضي المتقدمين المتصرمين حين الأثر.

والتحقيق في رفع هذا الاشكال أن يقال : إن الموارد التي توهم انخرام القاعدة فيها ، لا يخلو إما يكون المتقدم أو المتأخر شرطا للتكليف ، أو الوضع ، أو المأمور به (١).

______________________________________________________

وقد عرفت ان المراد بأجزاء العلة المقتضي والشرط دون المعد ، فإن المعد ليس من متممات فاعلية العلة بل هو ما يقرب العلة إلى معلولها ، فقد يكون موجودا حال وجود المعلول كوجود جد زيد بالنسبة إلى نطفة زيد فانه من قبيل المعد لها ، وقد يكون معدوما حال وجود المعلول كصعود المراقي بالنسبة إلى الكون على السطح فإنها حال الكون على السطح معدومة وخصوصا صعود المراقي قبل المرقاة الأخيرة فإن كل واحدة منها معدومة حال وجود لاحقتها.

وأما المقتضي والشرط فلا يعقل انعدامهما حال تحقق المعلول ، لوضوح ان المقتضي هو الذي يترشح منه وجود المعلول ، والشرط هو المتمم لفاعلية المقتضى فلو كانا معدومين حال وجود المعلول للزم تأثير المعدوم في الموجود وهو محال ، اذ لا يعقل ان يؤثر اللاوجود في الوجود وهو بديهي ، وهذا هو البرهان ـ أيضا ـ على أمر مشترك آخر بين أجزاء العلة والعلة التامة ، وهو انه لا يعقل ان يتاخرا زمانا عن زمان وجود المعلول للزوم تأثير المعدوم في الموجود.

(١) لا يخفى ان القوم ذكروا الإشكال في تأخر وجود الشرط زمان وجود مشروطه وقد حرروا المسألة في شرائط الحكم الوضعي لانهم ذكروا الاشكال في إجازة المالك

٣٤

.................................................................................................

______________________________________________________

للعقد الفضولي فإنهم اختلفوا في كون اجازة المالك ناقلة أو كاشفة ، والمراد من كونها ناقلة انه لا يكون للعقد تأثير في حصول النقل والانتقال الا بالاجازة ، فالعقد يؤثر النقل والانتقال بوجود الإجازة.

وذهب المشهور إلى كونها كاشفة ومعنى كونها كاشفة انها بوجودها المتأخر تكون كاشفة عن حصول النقل والانتقال من حين العقد ، وليس الإجازة عند القائلين بالكشف انها لا دخل لها في تأثير العقد اصلا وانها كاشفة محضة والتأثير للعقد وحده من دون دخالة للاجازة ، بل الظاهر من اكثرهم ان لرضا المالك واذنه دخالة بنحو الشرطية في تأثير العقد فلا بد وان يكون لإجازته دخالة الشرطية ـ أيضا ـ في تأثير العقد من حينه مع كونها متأخرة زمانا عن زمان وجود العقد ـ فاشكل عليهم الأمر لأن الشرط لا يعقل ان يكون حال حصول أثر العقد معدوما ، لأن فاعلية الفاعل وتأثيره تتم بالشرط ، فكيف يعقل ان تكون معدوما حال حصول الأثر ويكون من تأثير المعدوم في الموجود ، واذا كان المناط في الإشكال هو هذا اللازم الباطل لا يختص هذا الإشكال بالشرط المتأخر ، بل يعم الشرط المتقدم وجوده على وجود المشروط : بان يكون معدوما حال وجود المشروط ، فغسل المستحاضة المتقدم في أول الليل الذي هو شرط صحة صومها من أول الفجر يكون من تأثير المعدوم في الموجود ، ويعم ـ أيضا ـ المقتضي المتقدم بوجوده على مقتضاه وأثره الذي ـ أيضا ـ يكون معدوما حال حصول أثره ، كتأثير عقد الوصية من الموصي فيما بعد موته فانه ينشئ العقد في حال حياته ويؤثر هذا العقد أثره بعد موته ، إذ لا تأثير للوصية في حياة الموصى ، فهذا العقد حال إنشائه لا اثر له وفي حال تأثيره هو معدوم فيكون من تأثير المعدوم في الموجود.

والإشكال ـ أيضا ـ جار في عقد الصرف فإن العقد لا يؤثر في النقل والانتقال في المعاملة الصرفية الا بعد التفرق ، ففي حال تحقق العقد لا اثر له ، وفي حال التفرق ـ الذي هو زمن التأثير ـ العقد معدوم غالبا. ومثله في عقد السلم ، بل يعم الإشكال

٣٥

أما الاول : فكون أحدهما شرطا له ، ليس إلا أن للحاظه دخلا في تكليف الآمر ، كالشرط المقارن بعينه ، فكما أن اشتراطه بما يقارنه ليس

______________________________________________________

كل عقد لأن العقد مركب من الإيجاب والقبول ، والإيجاب الذي هو جزء العقد معدوم حال القبول ، وبعد أن كان المؤثر هو العقد بجميع أجزائه فانعدام بعض اجزائه حال تأثيره كانعدامه باجمعه في اشكال تأثير المعدوم في الموجود ، ولا وحدة اتصالية بين الإيجاب والقبول حقيقة ، لأن الإيجاب فعل البائع والقبول فعل المشتري وانما الاتصال بينهما عرفي لا حقيقي ، فاشكال لزوم المقارنة بين المؤثر وأثره موجود لئلا يؤثر المعدوم في الموجود.

فاتضح : انه لا اختصاص للإشكال بالشرط المتأخر ، بل يجري في الشرط والمقتضى المتقدمين المعدومين حال حصول الاثر ، لأن الملاك في الإشكال تأثير المعدوم في الموجود وهو كما يكون في الشرط المتأخر بوجوده عن وجود المشروط كذلك يتأتى في المقتضي والشرط المتقدمين المعدومين حال حصول الأثر.

وقد عرفت أن كل عقد أجزاؤه غير مجتمعة في الزمان مع زمان تأثيره ، ولا بد من مقارنة أجزاء العلة بمقتضيها وشرطها في الزمان لوجود المعلول لعدم إمكان تأثير المعدوم في الموجود.

قوله : «والاجازة في صحة العقد على الكشف كذلك» لا يخفى ان الاجازة مبتدأ وخبره كذلك : أي ان الإشكال لا يختص بغسل المستحاضة الذي هو من شرط المأمور به بل يتأتى في شرائط الوضع ، لأن الاجازة على الكشف من الشرط المتأخر.

قوله : «لتصرمها» : أي لتصرم أجزائه «حين تأثيره مع ضرورة اعتبار مقارنتها» : أي ان اللازم في المؤثر ان يكون بجميع أجزائه موجودا في حال تأثيره لأن انعدام بعض المركب كانعدامه باجمعه في إشكال تأثير المعدوم في الموجود ، فلا بد من التقارن الزماني بين أجزاء العلة ومعلولها وان كان لكل جزء من الأجزاء تقدم في الطبع على المعلول.

٣٦

إلا أن لتصوره دخلا في أمره ، بحيث لولاه لما كاد يحصل له الداعي إلى الأمر ، كذلك المتقدم أو المتأخر.

وبالجملة : حيث كان الأمر من الأفعال الاختيارية ، كان من مبادئه بما هو كذلك تصور الشيء بأطرافه ، ليرغب في طلبه والأمر به ، بحيث لولاه لما رغب فيه ولما أراده واختاره ، فيسمى كل واحد من هذه الأطراف ـ التي لتصورها دخل في حصول الرغبة فيه وإرادته ـ شرطا ، لأجل دخل لحاظه في حصوله ، كان مقارنا له أو لم يكن كذلك ، متقدما أو متأخرا ، فكما في المقارن يكون لحاظه في الحقيقة شرطا ، كان فيهما كذلك ، فلا إشكال (١).

______________________________________________________

(١) حاصل مرامه (قدس‌سره) في المقام الأول ـ الذي يكون جوابا عن شرائط التكليف ـ ان التكليف ليس هو إلّا إيجاد الإلزام من الآمر بداعي تحريك الغير إلى متعلق الأمر ، وهذا الإلزام من الآمر بما هو فعل من أفعال الآمر ومن الامور التكوينية الاختيارية للآمر وأما وصفه بالتشريعية فانما هو بلحاظ كون ايجاد متعلقه ليس من افعال الآمر بل من افعال المكلف ، فهو باعتبار متعلقه تشريعي لا باعتبار ذاته فانه باعتبار ذات الامر هو فعل مباشري للآمر كسائر افعاله المباشرية الاختيارية له.

ومن الواضح ـ أيضا ـ ان كل فعل اختياري مسبوق بمبادئه التي من جملتها تصوره والتصديق بفائدته. ولا ريب ـ أيضا ـ ان شرائط تحقق الشيء ليست هي علته الفاعلية ، لوضوح ان العلة الفاعلية للشيء هو الفاعل والشرائط تكون من متممات فاعلية الفاعل ، فشرائط التكليف من متممات فاعلية الآمر وايجاده لهذا التكليف ، ومعنى كونها من متممات ايجاد الفاعل الذي هو الآمر لهذا التكليف هو دخالتها في المصلحة المترتبة على هذا التكليف لا نفس المصلحة المترتبة ، وإلا لرجعت هذه الشرائط إلى العلة الغائية ، والمفروض أنها من الشرائط لا من العلل ، ولما كانت من

٣٧

.................................................................................................

______________________________________________________

شئون العلة الغائية ولواحقها وكل ما هو من شئون شيء ومن توابعه لا بد وان يكون من سنخ ذلك الشيء.

ومن الواضح ان دخالة العلة الغائية في الشيء انما هو دخالة تصورها والتصديق بها في العلية ، لأن العلة الغائية متقدمة على الشيء بتصورها والتصديق بها في عالم الفكر ومتأخرة عن الشيء في مقام وجودها وترتبها عليه في الوجود الخارجي ، ولذا يقولون : ان العلة الغائية أول الفكر وآخر العمل.

فتبين مما ذكرناه : ان شرائط التكليف المتقدمة بوجودها الخارجي هي من الشروط المقارنة كالشروط المقارنة بوجودها والمتأخرة بوجودها الخارجي ـ أيضا ـ من المقارنات للمعلول المشروط بها ، لأن دخالتها فيه إنما هو لدخالة تصورها والتصديق بها في حصول المشروط ، وتصورها والتصديق بها مقارن لحصول المشروط لا متقدم ولا متأخر ، لأن تصور الشيء والتصديق به مقارن لإرادته التي هي الجزء الاخير من العلة المحركة للشيء.

فتحصل من جميع ما ذكرنا : ان الشروط من لواحق العلة الغائية ، والعلة الغائية لتصورها والتصديق بها دخل في تحقق الشيء ، ولا بد وأن يكون شئون الشيء ولواحقه من سنخه فتكون الشروط كالعلة الغائية لتصورها وللتصديق بها دخالة في وجود المشروط ، فالذي يتوقف عليه المشروط لحاظها لا وجودها لأن المعلول إنما يتوقف على لحاظ العلة الغائية لا على وجودها الخارجي ، ولحاظ الشروط سواء كانت متقدمة بوجودها أو متاخرة بوجودها هو من مقارنات وجود المشروط ، فما هو الشرط في الحقيقة الذي هو اللحاظ هو مقارن ، وما ليس بشرط هو المتقدم والمتأخر ، لأن هذه الشروط ليست بوجودها شرط بل بتصورها والتصديق بها ، وتصورها والتصديق بها مقارن لا متقدم ولا متأخر ـ فلا يلزم انخرام القاعدة العقلية في الشروط الشرعية المتقدمة بوجودها أو المتأخرة كذلك ، لأن ما هو المتأخر والمتقدم وهو وجودها الخارجي ، فليس هو بشرط حتى يلزم تأثير المعدوم في الموجود ،

٣٨

.................................................................................................

______________________________________________________

وما هو شرط وهو لحاظها والتصديق بها فهو مقارن وليس بمعدوم لانه ليس بمتقدم ولا متأخر. هذا إذا كان الحكم هو البعث المنشأ بأمر المولى كما هو الظاهر من عبارته في قوله : «وبالجملة حيث كان الامر من الافعال الاختيارية» وهو البعث المنشأ فإنه فعل من افعال الشخص الآمر الاختيارية كسائر أفعاله فمن جملتها نفس امره ، فاذا كان الأمر من أفعال الآمر الاختيارية وكل فعل اختياري مسبوق بمبادئه التي من جملتها تصوره وتصور غايته والتصديق بها ، وقد عرفت ان الشروط من شئون ولواحق العلة الغائية فتؤول شرطيتها إلى لحاظها وتصورها وهو من المقارنات ـ كما مر بيانه ـ وهذا مراده من قوله : «كان من مبادئه بما هو كذلك» : أي بما هو فعل اختياري مسبوق بمبادئه التي منها «تصور الشيء باطرافه ليرغب في طلبه والأمر به» والرغبة في طلبه انما هي للتصديق بغايته ولواحقها وشئونها «بحيث لولاه» : أي لو لا تصوره ولحاظه باطرافه وما يترتب عليه من مصالحه وشئونها «لما رغب فيه ولما أراده» فإن الرغبة التي هي نشوء للارادة انما تحصل من تصور الشيء وتصور ما يترتب عليه وشئونه.

فاتضح ان الشرط هو اللحاظ والتصديق بالغاية وشئونها ، وهذا هو الشرط في الحقيقة فلأجل هذا التصور الذي هو الصورة لهذه الأطراف «فيسمى كل واحد من هذه الأطراف التي لتصورها دخل في حصول الرغبة فيه وإرادته شرطا لأجل دخل لحاظه» : أي لحاظ ذلك المسمى بالشرط في الشرطية ، لا أن يكون لوجوده في الخارج الدخل في الشرطية بل انما سمي شرطا لأن صورته التي هي وجود ماهيته بالوجود الذهني الذي هو المناسب لسنخ الموجودات النفسية هو الشرط في الحقيقة لا مطابق الصورة الذي هو الوجود الخارجي ، فهذا الوجود بعد خروجه في الحقيقة عما هو الشرط واقعا لا فرق فيه سواء «كان» هذا الوجود الخارجي «مقارنا» للمشروط «أو لم يكن كذلك» : أي بان كان «متقدما أو متأخرا».

٣٩

وكذا الحال في شرائط الوضع مطلقا ولو كان مقارنا ، فإن دخل شيء في الحكم به وصحة انتزاعه لدى الحاكم به ، ليس إلا ما كان بلحاظه يصح انتزاعه ، وبدونه لا يكاد يصح اختراعه عنده ، فيكون دخل كل من المقارن وغيره بتصوره ولحاظه وهو مقارن ، فأين انخرام القاعدة العقلية في غير المقارن؟! فتأمل تعرف (١).

______________________________________________________

والمقارن والمتقدم والمتأخر تشترك جميعها في كون لحاظها شرطا لا نفسها بوجودها الخارجي «فكما في المقارن يكون لحاظه في الحقيقة شرطا» لا نفس وجوده الخارجي «كان» الحال «فيهما» : أي في المتأخر والمتقدم «كذلك فلا اشكال» من لزوم تأثير المعدوم في الموجود ، لأن ما هو الشرط في الحقيقة هو لحاظ ما يسمونه شرطا وهو وجوده الذهني لا الخارجي ، ووجوده الذهني مقارن في الجميع ولا فرق فيه بين المقارن والمتقدم والمتاخر ، فهو من تأثير الموجود في الموجود لا المعدوم في الموجود ـ فاتضح الجواب عن الاشكال فيما إذا كان التكليف والحكم هو نفس امر الآمر والبعث المنشأ.

وأما إذا كان الحكم والتكليف لبا هو الارادة والإنشاء ككاشف عما هو الحكم ـ فالجواب اوضح ، لأن الارادة التي هي من الموجودات النفسية فهي من الموجودات الذهنية لا الخارجية فلا بد وان تكون بجميع ما يتعلق بها من شرائطها من سنخ وجودها ووجودها ذهني فيلزم ان تكون شروطها ذهنية ، وإلا فلا مسانخة بين الشرط والمشروط ، فيلزم أن يكون تصور هذه المسميات بالشروط هي الشروط لا نفس وجوداتها الخارجية ، لأن تصورها والتصديق بها هو المسانخ للارادة دون وجوداتها الخارجية.

(١) الجواب عن الإشكال في الحكم الوضعي هو الجواب عن الحكم التكليفي ، وقد عرفت ان القوم حرروا هذا الاشكال في الحكم الوضعي في البيع الفضولي في مسألة الاجازة من المالك المتأخرة عن عقد الفضولي الذي ينسب إلى المشهور ان الاجازة من

٤٠