بداية الوصول

آية الله الشيخ محمّد طاهر آل الشيخ راضي

بداية الوصول

المؤلف:

آية الله الشيخ محمّد طاهر آل الشيخ راضي


المحقق: محمّد عبدالحكيم الموسوي البكّاء
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار الهدى
المطبعة: الظهور
الطبعة: ٢
ISBN: 964-497-058-6
ISBN الدورة:
964-497-056-X

الصفحات: ٣٩٩

وقد استدل صاحب الفصول على ما ذهب إليه بوجوه ، حيث قال بعد بيان أن التوصل بها إلى الواجب ، من قبيل شرط الوجود لها لا من قبيل شرط الوجوب ، ما هذا لفظه (١) والذي يدلك على هذا يعني

______________________________________________________

الوجوب ، فلا بد وان يكون الفرد المحلل بمجرد اتيانه يسقط به الوجوب من دون انتظار لترتب ذي المقدمة عليه.

وبالجملة : لا يعقل ان يكون الفعل الاختياري من المكلف مسقطا للامر الموجه اليه إلّا بان يكون نفس فعله متحملا للغرض الداعي إلى الامر. وقد اعترف المورد :

بانه في فعل المقدمة قبل الاتيان بذيها يسقط الامر ، وهذا كاف في كون متعلق الامر نفس ما فيه الغرض الذي باتيانه يوجب سقوط الامر لاستيفاء الغرض من الامر به ، وهذا مراده من قوله : «نعم لا محيص» إلى آخر كلامه.

(١) قد ذكر ـ اولا ـ صاحب الفصول ان قيد التوصل للمقدمة من قبيل شرط الوجود ، وهو الذي يلحقه الوجوب من المقيد به والمشروط له.

وظاهر كلام الفصول ان نفس التوصل إلى الواجب الذي لا يتحقق الّا بترتب الواجب هو الذي ينتزع منه القيد الذي تقيدت به المقدمة الواجبة بالوجوب الغيري.

ويرد عليه لزوم الدور من ذلك فان وجود الواجب النفسي اذا كان به يتم انتزاع الايصال للمقدمة التي يسري اليها الوجوب من الواجب النفسي ، فسريان الوجوب إلى المقدمة المتوقف على وجوب ذيها يتوقف على وجود الواجب النفسي الذي به يتم قيد المقدمة الواجبة بالوجوب الغيري ، لأن ايصال المقدمة انما يتحقق انتزاعه بواسطة ترتب ذي المقدمة وتحققه في الخارج ، فوجوب المقدمة متوقف على وجود ذيها ، ووجود الواجب بحسب الواقع موقوف على وجود المقدمة التي يكون الامر بها ووجوبها هو سبب ايجادها ، فيلزم توقف وجوب المقدمة ـ المتوقف عليه وجود الواجب النفسي ـ على وجود الواجب النفسي وهذا دور واضح.

٢٠١

.................................................................................................

______________________________________________________

ولزوم رجوع شرط الوجوب إلى شرط الوجود ، فان وجوب الواجب النفسي من قبيل شرط الوجوب للواجب الغيري ، مضافا إلى محذور لزوم ترشح الوجوب الغيري من الواجب النفسي إلى الواجب النفسي ايضا ، لتوقف قيد مقدمته الواجبة بالوجوب الغيري عليه ، وجزء المقدمة الواجبة واجب ـ ايضا ـ إمّا بما بما له من حصة الوجوب المتعلق بالمجموع ، أو لأنه له وجوب غيري آخر مترشح من الوجوب النفسي أو الوجوب الغيري لكونه مقدمة للمقدمة ، ولا اشكال في وجوب مقدمة المقدمة بمناط وجوب المقدمة نفسه ، فيكون الواجب النفسي ، اذا كان لوجوده دخل في انتزاع عنوان الموصلية للمقدمة ـ مترشحا اليه وجوب غيري من وجوبه النفسي أو من الوجوب الغيري المتعلق بالمقدمة فيكون واجبا بوجوبين ، وهذا مما لا يعقل الالتزام به ، ولذلك التزم بتأويله وتفسيره ـ بما لا يلزم عليه شيء من ذلك ـ شيخنا آية المحققين (قدس‌سره) : بان الشرط وهو التوصل بالمقدمة إلى الواجب لا ينتزع من الواجب النفسي حتى ترد هذه المحاذير ، بل ينتزع من كون المقدمة بالغة حدا بحيث لا بد من ترتب الواجب النفسي عليها ، وبهذا يندفع عنه المحذوران وغيرهما من المحاذير التي ترد عليه بناء على كون وجود الواجب شرطا في انتزاع عنوان الايصال والموصلية فلا تغفل. فعلى هذا صح ان يقول صاحب الفصول ان التوصل بها إلى الواجب من قبيل شرط الوجود دون ما كان بالنسبة إلى المقدمة من قبيل شرط الوجوب ، كنفس وجوب ذي المقدمة فانه من قبيل شرط الوجوب للمقدمة الذي لا يعقل ان يلحقه الوجوب الا من حيث ان ذاته وجوب ، ولا يعقل ان يرد الوجوب على الوجوب ، بل لو امكن ان يرد الوجوب على الوجوب لما امكن ان يلحقه وجوب من قبل وجوب المقدمة ، اذ المفروض انه شرط وجوبها ، ولا يعقل ان يترشح الوجوب لمقدمة الوجوب ـ كما مر ـ ثم شرع في استدلاله على كون التوصل بالمقدمة من قيودها وشرائطها ، وان الواجب هو المقدمة المقيدة بالتوصل بها إلى ذي المقدمة وهي المسماة

٢٠٢

الاشتراط بالتوصل أن وجوب المقدمة لما كان من باب الملازمة العقلية ، فالعقل لا يدل عليه زائدا على القدر المذكور (١) ، وأيضا لا يأبى العقل أن يقول الآمر الحكيم أريد الحج ، وأريد المسير الذي يتوصل به إلى فعل الواجب ، دون ما لم يتوصل به إليه ، بل الضرورة قاضية بجواز تصريح الامر بمثل ذلك ، كما أنها قاضية بقبح التصريح بعدم مطلوبيتها له مطلقا ، أو على تقدير التوصل بها إليه ، وذلك آية عدم الملازمة بين وجوبه ووجوب مقدماته على تقدير عدم التوصل بها إليه (٢) ، وأيضا

______________________________________________________

بالمقدمة الموصلة ، فالواجب بالوجوب الغيري ليس مطلق ما يتوقف الواجب النفسي عليه بل خصوص المقدمة التي يتوصل بها اليه.

(١) لا يخفى ان صاحب الفصول قد تدرج فيما ساقه من الادلة إلى القول بوجوب خصوص المقدمة الموصلة ، فإن دليله الاول الذي أشار اليه بقوله : «والذي يدلك» إلى آخره محصله : انه لا اشكال ان وجوب المقدمة انما هو من باب الملازمة العقلية ، فإن العقل حيث يرى ان وجود ذي المقدمة يتوقف على وجود مقدمته ، وحيث ان المقدمة موصلة وغير موصلة ـ فوجوب المقدمة الموصلة هي القدر المتيقن من حكم العقل بالملازمة بين وجوب المقدمة ووجوب ذيها.

ومحصل هذا الدليل هو ان القدر المتيقن من حكم العقل هو حكمه بوجوب المقدمة الموصلة.

وكلامه هذا وان كان لا يخلو من نقاش لأن القدر المتيقن انما هو في غير الاحكام العقلية ، فإن الاحكام العقلية لا بد من وضوح موضوع حكمها بحيث لا تردد فيه ولا إجمال ، فلا بد وان يكون مراده ان غير المقيد بالايصال لا يرى العقل بينه وبين ذيه ملازمة ، إلّا انه على هذا يكون عين دليله الثالث الذي سيأتي التعرض له.

(٢) هذا الدليل الثاني لصاحب الفصول على اختصاص الوجوب بخصوص المقدمة الموصلة.

٢٠٣

.................................................................................................

______________________________________________________

وتوضيحه : انه بعد ان كان القدر المتيقن من حكم العقل هو خصوص المقدمة الموصلة ، وهذا كمن قبيل الامكان الذاتي الذي ربما يكون مانع عن وقوعه ـ فلذلك عقبه بهذا الدليل.

وحاصله : انه بعد ان كان القدر المتيقن عند العقل هو خصوص المقدمة الموصلة فلا ينبغي ان يتوهم احد ان لهذا القدر المتيقن مانعا فانه لا مانع عند العقل والوجدان ان يصرح الآمر : بانى اريد خصوص المقدمة الموصلة ، وحكم العقل بامكان التصريح من الآمر بذلك اعظم دليل على عدم المانع من الوقوع ، فاذا كانت المقدمة الموصلة هي القدر المتيقن الذي يلتزم العقل بامكان سريان الوجوب اليها والملازمة بينها وبين وجوب الواجب النفسي ، وكان العقل لا مانع عنده ولا يأبى عن تصريح الآمر الحكيم العالم بما لا مانع عن وقوعه ، وما له المانع والذي لا يعقل هو ان يأمر بما له المانع ـ فالآمر الذي هو بهذه الصفة لا يرى العقل منافيا لحكمته لتصريحه باختصاص وجوبه بخصوص المقدمة الموصلة ، لأن العقل لا يرى مانعا ان يقول الآمر الحكيم مصرحا بانى اريد الحج من المكلف واريد منه المسير الذي يوصل إلى الحج.

ثم يترقى صاحب الفصول ولا يكتفي بصرف كون العقل غير آب عن ذلك.

الظاهر هذا الكلام بحسب الظاهر وفي بدو التفكير غير آب عن ذلك إلى حكم العقل : بانه قد ادرك الواقع محققا وانه لا مانع من تصريح الآمر الحكيم بذلك ، ولذا قال مترقيا : بل الضرورة قاضية بجواز التصريح من الآمر الحكيم بامره بخصوص المقدمة الموصلة ، ووجوب المقدمة حيث كان بحكم الملازمة العقلية الموكولة إلى العقل ومدركه وانه هو الحاكم المتبع في تحديد الوجوب المقدمي.

والذي يدلك على كونه هو الحاكم المتبع في تحديد ما هو الواجب من المقدمة ـ ان القول باصل الملازمة بين وجوب المقدمة ووجوب ذيها مستنده حكم العقل بقبح تصريح الآمر الحكيم بانى اريد الحج ـ مثلا ـ ولا اريد مقدمته ، وهو المسير اليه مطلقا

٢٠٤

حيث إن المطلوب بالمقدمة مجرد التوصل بها إلى الواجب وحصوله ، فلا جرم يكون التوصل بها إليه وحصوله معتبرا في مطلوبيتها ، فلا تكون مطلوبة إذا انفكت عنه ، وصريح الوجدان قاض بأن من يريد شيئا بمجرد حصول شيء آخر ، لا يريده إذا وقع مجردا عنه ، ويلزم منه أن

______________________________________________________

سواء الموصلة منه وغير الموصلة ، والى هذا أشار بقوله : «كما انها قاضية يقبح التصريح بعدم مطلوبيتها» : أي مطلوبية المقدمة مطلقا سواء الموصلة وغيرها. وأيضا يدرك العقل قبح التصريح من الآمر الحكيم : بان الايصال بالنسبة إلى المقدمة من قبيل شرط الوجوب ، فتكون مطلوبة بعد ايصالها إلى الواجب ، فيكون من قبيل طلب الحاصل من الحكيم وهو قبيح عليه ، إلّا ان هذا الاخير ليس من منافيات الحكمة ، لأن المحال من منافيات العقل لا من منافيات الحكمة ، وان منافيات الحكمة موضوعها الممكن الذي يلزم من وقوعه ما هو مناف لحكمة الحكيم ، دون المحال الذي لا يعقل ان يامر به العقلاء فضلا عن موجد العقل والعقلاء. وعلى كل فقد أشار إلى هذا بقوله : «أو على تقدير التوصل بها اليه».

وبالجملة إذا تم كون القدر المتيقن عند العقل هو المقدمة الموصلة وانه لا يابى العقل من تصريح الآمر بخصوص الموصلة بل العقل يحكم حكما قطعيا بعدم المانع من ذلك التصريح ، وان المرجع والمتبع في مثل المقام هو حكم العقل وتحديده لما هو الواجب بالوجوب المقدمي ـ يتم اختصاص الوجوب بخصوص المقدمة الموصلة دون مطلق المقدمة ، ولذلك قال (قدس‌سره) : «وذلك آية عدم الملازمة بين وجوبه» : أي بين وجوب ذي المقدمة «ووجوب مقدماته على تقدير عدم التوصل بها» وانما الملازمة عنده بين وجوب ذي المقدمة ومقدماته الموصلة اليه.

٢٠٥

يكون وقوعه على وجه المطلوب منوطا بحصوله انتهى موضع الحاجة من كلامه ، زيد في علو مقامه (١).

______________________________________________________

(١) هذا هو الدليل الثالث الذي اعتمد عليه في الفصول لاختصاص الوجوب بالمقدمة الموصلة.

وحاصله : انه قد عرفت ان الحاكم باصل الملازمة بين وجوب المقدمة ووجوب ذيها هو العقل ، وانه لا بد وان يكون هو المرجع في تعيين الموضوع لهذه الملازمة ، والعقل حيث يرى ان السبب في ارادة المقدمة عند ارادة ذيها هو كون ذي المقدمة يتوقف وجوده على وجود المقدمة. ولا اشكال ان ما يتوقف عليه وجود ذي المقدمة هو المقدمة التي يلازمها ويتعقبها وجود ذيها ، وهي خصوص المقدمة الموصلة إلى الواجب دون المقدمة غير الموصلة فإنها لا يلازمها وجود الواجب ولا يتعقب وجودها وجوده ، فالعقل يحكم والوجدان يؤيده : بان ما يسرى اليه وما كانت الملازمة بين وجوبه ووجوب الواجب هو المقدمة التي توصل إلى المطلوب دون المقدمة التي لا توصل اليه ، فإن المقدمة غير الموصلة اليه لا يتوقف وجوده عليها ، بل هي بالنسبة إلى الواجب كالاجنبي الذي لا ربط بينه وبين الواجب. وكما ان العقل يحكم صريحا بان لا وجوب غيري لغير المقدمة ، كذلك يحكم صريحا : بان غير الموصل لا يختلف عنه فيما هو المهم من توقف وجود ذي المقدمة على ما يتوقف عليه من المقدمات ، فالعقل يحكم حكما صريحا : بان الوجوب الغيري الساري من الوجوب النفسي انما يلحق المقدمة الموصلة دون غيرها ، وان الملازمة انما هي بين وجوب خصوص المقدمة الموصلة ـ لا مطلق المقدمة ـ وبين ذيها ، وهذا مراده من قوله : «حيث ان المطلوب بالمقدمة مجرد التوصل بها إلى الواجب وحصوله» : أي وان الغرض من وجوب المقدمة هو حصول الواجب «فلا جرم يكون التوصل بها اليه» : أي التوصل بها إلى الواجب النفسي «وحصوله» : أي وحصول الواجب النفسي يعقب حصولها «معتبرا في مطلوبيتها» واذا انفكت عن حصول الواجب بعدها فلا تكون مطلوبة ،

٢٠٦

وقد عرفت بما لا مزيد عليه ، أن العقل الحاكم بالملازمة دل على وجوب مطلق المقدمة ، لا خصوص ما إذا ترتب عليها الواجب ، فيما لم يكن هناك مانع عن وجوبه ، كما إذا كان بعض مصاديقه محكوما فعلا بالحرمة ، لثبوت مناط الوجوب حينئذ في مطلقها ، وعدم اختصاصه بالمقيد بذلك منها.

______________________________________________________

فالمقدمة غير الموصلة التي هي المنفكة عن حصول الواجب بعدها لا تكون مطلوبة ، ويتمحض الطلب الغيري لخصوص المقدمة الموصلة ، ولذا قال (قدس‌سره) : «فلا تكون مطلوبة إذا انفكت عنه» : أي عن حصول الواجب بعد وجودها.

وأيد هذه الدعوى بالوجدان ـ أيضا ـ فقال : «وصريح الوجدان قاض بان من يريد شيئا» لا يريد إلّا الشيء المتعلق وجود ما يريده به دون غيره.

وبعبارة اخرى : ان من اراد شيئا انما يريد ما هو بالفعل مقدمة له لا ما هو بالقوة مقدمة ، والمقدمة غير الموصلة وهي المجردة التي لا يتعقبها وجود الواجب هي مقدمة بالقوة لا بالفعل ، وهذا مراده من قوله : «بان من يريد شيئا بمجرد حصول شيء آخر» يكون ذلك الشيء الآخر مجردا عما يتعقبه وجود المراد بالاصالة لا يكون ذلك الشيء المجرد عما بالاصالة مرادا بالتبع لما هو مراد ومطلوب بالاصالة ، وهو صريح قوله : «لا يريده إذا وقع مجردا عنه ويلزم منه» : أي ما ذكره من هذه البراهين المؤيدة بالوجدان «ان يكون وقوعه» : أي وقوع المطلوب بالطلب الغيري متصفا بكونه واقعا «على وجه المطلوب منوطا بحصوله» : أي بحصول الواجب النفسي بعقبه وملازما له.

٢٠٧

وقد انقدح منه ، أنه ليس للامر الحكيم الغير المجازف بالقول ذلك التصريح ، وأن دعوى أن الضرورة قاضية بجوازه مجازفة ، كيف يكون ذا مع ثبوت الملاك في الصورتين بلا تفاوت أصلا كما عرفت (١).

______________________________________________________

(١) وحاصل ما يريد ان يقوله ردا على صاحب الفصول ما أشار اليه : بانه لا يعقل ان يكون الداعي لايجاب المقدمة الاثر المترتب عليها وان ترتب الواجب على المقدمة ليس اثر جميع أجزاء المقدمة بل هو اثر مجموعها مجتمعة ، فعليه يختص الوجوب بخصوص العلة التامة ، والحال انه من المسلم ان المعد والسبب والشرط كل واحد منها له وجوب في عرض وجوب الآخر ، فلا بد وان يكون الداعي إلى وجوب كل جزء من أجزاء المقدمة في عرض الآخر هو الاثر المترتب على كل من أجزاء المقدمة دون الاثر المترتب على جميعها ، وليس هو إلّا حصول ما لولاه لما امكن حصول ذي المقدمة ، وليس الاثر الداعي إلى وجوب المقدمة هو ترتب الواجب الذي هو جميع المقدمات حال كونها مجتمعة.

نعم هذا الاثر وهو حصول ما لولاه لما امكن الحصول بمنزلة المقتضي للوجوب المقدمي لا يؤثر مع وجود المانع عن تأثيره كما في الفرد المحرم.

فثبت مما ذكرنا : ان مناط الوجوب المقدمي موجود في مطلق المقدمة لا في خصوص الموصلة منها ، واذا كان الاثر الداعي إلى الوجوب ـ الذي هو المناط ـ موجودا في مطلق المقدمة لا وجه لأن يكون مختصا بخصوص بعض افرادها وهي الموصلة ، واذا كان المناط موجودا في مطلق المقدمة فلا يصح من الآمر الحكيم التصريح بتخصيص الوجوب بخصوص الموصلة. ودعوى صاحب الفصول ان الضرورة قاضية بقبح التصريح بتخصيص الوجوب بخصوص الموصلة دعوى تشبه الجزاف ، ولذا قال (قدس‌سره) : «وان دعوى ان الضرورة قاضية بجوازه مجازفة كيف يكون ذا» : أي جواز التصريح بتخصيص الوجوب بخصوص الموصلة «مع

٢٠٨

نعم إنما يكون التفاوت بينهما في حصول المطلوب النفسي في إحداهما ، وعدم حصوله في الاخرى ، من دون دخل لها في ذلك أصلا ، بل كان بحسن اختيار المكلف وسوء اختياره ، وجاز للآمر أن يصرح بحصول هذا المطلوب في إحداهما ، وعدم حصوله في الاخرى ، بل من حيث أن الملحوظ بالذات هو هذا المطلوب ، وإنما كان الواجب الغيري ملحوظا إجمالا بتبعه ، كما يأتي أن وجوب المقدمة على الملازمة تبعي ، جاز في صورة عدم حصول المطلوب النفسي التصريح بعدم حصول المطلوب أصلا ، لعدم الالتفات إلى ما حصل من المقدمة ، فضلا عن كونها مطلوبة ، كما جاز التصريح بحصول الغيري مع عدم فائدته لو التفت اليها ، كما لا يخفى (١)

______________________________________________________

ثبوت الملاك في الصورتين» : أي في المقدمة مطلقا من دون تخصيص لها ببعض افرادها وهي خصوص الموصلة.

(١) حاصل نعم : ان هناك فرقين بين المقدمة الموصلة وغير الموصلة ، ويجوز تصريح الآمر بها لكنها لا يعقل ان تكون هي الغرض الداعي لوجوب المقدمة ليختص الوجوب بخصوص الموصلة دون مطلق المقدمة.

الأول : ان التفاوت بين الموصلة وغيرها هو حصول المطلوب بعد الموصلة وعدم حصول المطلوب بعد غير الموصلة ، من دون دخل لهذا التفاوت في ما هو المناط في وجوب المقدمة ، فإن هذا الفرق بينهما راجع إلى حسن اختيار المكلف وسوء اختياره في المقدمة الاختيارية. وحيث كان ترك المطلوب بالاصالة إلى حسن اختيار المكلف وسوء اختياره يجوز للآمر ان يصرح بان الغرض الذي دعا لايجاب المقدمة هو ان يتمكن بها من حصول الواجب ، واذا لم يحصل المطلوب في احداهما وهو المقدمة غير الموصلة ويحصل بعد احداهما وهو المقدمة الموصلة فيجوز للآمر ان يصرح

٢٠٩

فافهم (١).

______________________________________________________

بحصول المطلوب في احداهما وعدم حصول المطلوب في احداهما. هذا هو الفرق الاول.

الفرق الثاني : انه لا يخفى ان المطلوب الغيري طلبه تبعي للمطلوب النفسي ، فالمطلوب بالاصالة هو الواجب النفسي والواجب الغيري انما طلب بالتبع للواجب النفسي. وحيث لم يحصل المطلوب النفسي بعد المقدمة غير الموصلة وكان المنظور اليه هو المطلوب بالاصالة ولم يحصل المطلوب بالاصالة بعد المقدمة غير الموصلة ، فيجوز للآمر التصريح بان المطلوب لم يحصل لانه هو اساس هذه الارادات التبعية من دون التفات منه إلى المقدمة وما هو الغرض الذي دعا إلى وجوبها اصلا. وهناك تصريح آخر لو التفت الآمر اليه لصرح به وهو ان المقدمة المطلوبة قد حصلت كما ينبغي ان تحصل ، إلّا انه لا فائدة في حصولها كذلك لأن المطلوب بالاصالة لم يحصل.

(١) لعله يشير إلى انه بعد الاعتراف بان الملحوظ بالاصالة هو حصول المطلوب النفسي والمقدمة ملحوظة بالاجمال وبالتبع ، ولا بد ان يكون ما بالتبع انما كان ملحوظا ومرادا لتوقف ما بالاصالة عليه ، وما بالاصالة انما يتوقف على ما اوصل اليه دون غير الموصل.

والجواب عنه : ان هذا الاعتراف لا يقتضي ان يكون الواجب بالتبع هو خصوص الموصلة وان كان ما بالاصالة انما يتوقف على ما اوصل اليه ، اذ لا يعقل ان يكلف المولى عبده باكثر مما لو كان هو الفاعل بالمباشرة.

ولا اشكال وجدانا ان من اراد شيئا متوقفا على مقدمات تتعلق ارادة المريد بمقدماته التي بها تخرج القدرة من حد ما بالقوة إلى ما بالفعل ، ولا يعقل ان تتعلق ارادته بخصوص الموصلة منها ، اذ وصف ايصالها الذي هو العنوان لها انما يتحقق بعد حصول المقدمة الاخيرة سواء في الاختياريات وفي التوليديات ، ولا بد في العنوان

٢١٠

إن قلت : لعل التفاوت بينهما في صحة اتصاف إحداهما بعنوان الموصلية دون الاخرى ، أوجب التفاوت بينهما في المطلوبية وعدمها ، وجواز التصريح بهما ، وإن لم يكن بينهما تفاوت في الاثر ، كما مر (١).

______________________________________________________

المتعلق للارادة تكوينا أو تشريعا ان يكون معلوما بحيث يستطيع ايجاده متعنونا بعنوانه ، ولا يعقل ايجاد المقدمات ما عدا الاخيرة متعنونة بعنوانها بعد ان كان عنوانها متوقفا على ما يحصل بعد تحققها ، فالمباشر نفسه انما تتعلق ارادته الغيرية بما له عنوان معلوم يتحقق بتحقق الفعل الذي يكون العنوان منطبقا عليه حال وجوده ، وليس هو إلّا المقدمة التي بها يتمكن من حصول الواجب دون المقدمة الموصلة اليه ، فاذا كان المولى نفسه انما تتعلق ارادته بخصوص ما كان اثره التمكن دون الايصال فكيف امره الغيري المتوجه إلى غيره متعلقا بخصوص الموصلة؟

(١) حاصل ان قلت : انه لا اشكال في ان هناك تفاوتا بين المقدمة الموصلة وغير الموصلة ، فإن المقدمة الموصلة تتصف بكونها توصلا إلى الواجب دون غير الموصلة فإنها لا تتصف بذلك ، فلم لا يكون المناط في طلبها وعدم طلب غير الموصلة هو هذا الاتصاف؟ وان كانت المقدمة غير الموصلة كالموصلة في اثر آخر هو التمكن بهما من حصول ما لولاها لما امكن حصوله.

وبعبارة اخرى : انه لم لا يكون الداعي للطلب هو وصف الايصال دون التمكن؟ واذا كان هذا الوصف هو الداعي للطلب جاز ان يصرح الآمر : بان المطلوب هو خصوص الموصلة ، ولذا عند عدم حصوله جاز ان يصرح الآمر : بان المطلوب لم يحصل غير ملتفت إلى ما حصل من المقدمات ، اذ لا فائدة في غير الموصلة.

وعلى كل فالمطلوبية وجواز التصريح بان المطلوب هو المقدمة الموصلة تدور مدار صحة اتصاف الموصلة بالايصال دون غير الموصلة ، فهذا الاتصاف هو الذي يدور مداره الطلب دون التمكن الذي هو اثر لكل مقدمة سواء أوصلت ام لم توصل ،

٢١١

قلت : إنما يوجب ذلك تفاوتا فيهما ، لو كان ذلك لاجل تفاوت في ناحية المقدمة ، لا فيما إذا لم يكن في ناحيتها أصلا كما هاهنا ضرورة أن الموصلية إنما تنتزع من وجود الواجب ، وترتبه عليها من دون اختلاف في ناحيتها ، وكونها في كلا الصورتين على نحو واحد وخصوصية واحدة ، ضرورة أن الاتيان بالواجب بعد الإتيان بها بالاختيار تارة ، وعدم الاتيان به كذلك أخرى ، لا يوجب تفاوتا فيها ، كما لا يخفى (١). وأما ما أفاده (قدس‌سره) : من أن مطلوبية المقدمة

______________________________________________________

وهذا مراده من قوله : «وان لم يكن بينهما تفاوت في الاثر» كما مر ، ومراده بالاثر الذي لا تفاوت فيه بين الموصلة وغيرها هو التمكن.

(١) وحاصل ان قلت : انه لا ننكر ان هناك تفاوتا بين الموصلة وغيرها في اتصاف احداهما بالايصال دون الاخرى ، إلّا ان هذا الاتصاف لا يعقل ان يكون هو الداعي للمطلوبية ، فإن الداعي إلى مطلوبية شيء انما يكون ما يتحمله ذات ما هو المطلوب من الاثر ، وأما ما هو خارج عن ذات المطلوب وان اوجب فرقا في الوصف إلّا انه لا يكون هو الداعي والغرض الذي تدور المطلوبية مداره ، والاثر الذي يتحمله ذات المقدمة هو التمكن ، واما الاتصاف بالموصلية وعدمها فهو إنما ينتزع عما هو خارج عن ذات ما هو المقدمة ، فانه ينتزع عن حصول الواجب عقبها وعدم حصوله ، وهذا امر خارج عما تتحمله المقدمة. وقد عرفت انه لا يكون الداعي والغرض الا ما تتحمله ذات المقدمة ، ففي ناحية ما هو مقدمة وما تتحمله المقدمة من الاثر الذي هو التمكن لا فرق بين الموصلة وغيرها ، فانه كما يحصل التمكن بالموصلة يحصل بغير الموصلة أيضا ، ففي ذات ما هو مقدمة متحملة لأثر يترتب على ذاتها لا فرق بينهما اصلا ، وهذا هو مراده من قوله : «انما يوجب ذلك» : أي هذا الفرق الذي ذكر بين الموصلة وغيرها «تفاوتا فيهما» : أي في فردي المقدمة من الموصلة وغيرها «لو كان ذلك لاجل تفاوت في ناحية المقدمة» وما يمكن ان تتحمله من الاثر على ذاتها

٢١٢

حيث كانت بمجرد التوصل بها ، فلا جرم يكون التوصل بها إلى الواجب معتبرا فيها.

ففيه : إنه إنما كانت مطلوبيتها لاجل عدم التمكن من التوصل بدونها ، لا لاجل التوصل بها ، لما عرفت من أنه ليس من آثارها ، بل مما يترتب عليها أحيانا بالاختيار بمقدمات أخرى ، وهي مبادئ اختياره ،

______________________________________________________

وينتزع من نفس ذاتها «لا فيما إذا لم يكن» هذا الفرق «في ناحيتها اصلا كما هاهنا» فإن الفرق بين الموصلة وغير الموصلة يعود إلى ما هو خارج عن ذاتها ، فإن وصف الايصال انما ينتزع من المقدمة بلحاظ ترتب الواجب عليها ، وهو امر خارج عن ذات ما هو مقدمة وما يمكن ان تتحمله ذاتها من الاثر ، وهذا مراده من قوله : «ضرورة ان الموصلية انما ينتزع من وجود الواجب وترتبه عليها» وهو امر خارج عما يمكن ان يكون اثرا لذات ما هو مقدمة ، اما في الاثر الذي ينتزع من ذات المقدمة وهو الذي يترتب على نفس ذاتها فلا فرق بينهما ، ولذا قال : «من دون اختلاف في ناحيتها» : أي في ناحية ما هي مقدمة «وكونها في كلتا الصورتين على نحو واحد وخصوصية واحدة» ولما عرفت : من عدم الفرق بين الموصلة وغيرها في الاثر الذي تتحمله نفس المقدمة وينتزع من ذاتها لا عما هو خارج عن ذاتها ، وان الايصال وعدم الايصال انما ينتزع عما هو خارج عن ذاتها ، ومثل هذا لا يوجب تفاوتا في المقدمة ، فإنها انما تكون واجبة ومرادة بالطلب الغيري لأجل الاثر الذي يترتب على ذاتها وينتزع من نفس ذاتها ، وفي مثل هذا الاثر لا فرق بين الموصلة وغيرها ، ولذا قال (قدس‌سره) : «ضرورة ان الاتيان بالواجب بعد الاتيان بها بالاختيار» وهذا مما يتعلق بالواجب : أي الاتيان بالواجب بالاختيار بعد الاتيان بهما «وعدم الاتيان به» : أي بالواجب «كذلك اخرى» : أي بالاختيار هذا الامر الذي هو خارج عن ذات المقدمة «لا يوجب تفاوتا فيها» : أي في الأثر المترتب على ذاتها وينتزع منه.

٢١٣

ولا يكاد يكون مثل ذا غاية لمطلوبيتها وداعيا إلى إيجابها (١) ، وصريح الوجدان إنما يقضي بأن ما أريد لاجل غاية ، وتجرد عن الغاية بسبب عدم حصول سائر ما له دخل في حصولها يقع على ما هو عليه من المطلوبية الغيرية ، كيف وإلا يلزم أن يكون وجودها من قيوده ، ومقدمة لوقوعه على نحو يكون الملازمة بين وجوبه بذاك النحو ووجوبها. وهو كما ترى ، ضرورة أن الغاية لا تكاد تكون قيدا لذي الغاية ، بحيث كان تخلفها موجبا لعدم وقوع ذي الغاية على ما هو عليه من المطلوبية الغيرية ،

______________________________________________________

(١) قد عرفت ما اجابه المصنف عن الاستدلال الاول والثاني الذي اعتمد عليهما صاحب الفصول في اختصاص الوجوب بخصوص الموصلة ، واراد ان يشير إلى الجواب عن استدلاله الثالث فأشار اليه بقوله : «واما ما افاده» إلى آخره.

وحاصل الجواب : ما مر منه ـ أيضا ـ بان الداعي إلى الايجاب لا يكون إلّا للاثر الذي يترتب على نفس المقدمة وليس إلّا التمكن ، وأما الايصال فليس من آثار ما هو مقدمة لازما لها ومنتزعا عن نفس ذاتها ، لوضوح انه قد يترتب على ما هو المقدمة فيما إذا اختار المكلف اتيان الواجب بعد الاتيان بها ، وقد لا يترتب فيما إذا لم يختر المكلف اتيان الواجب بعد الاتيان بالمقدمة. ثم أشار إلى ان الذي يمكن ان يكون غرضا لايجاب المتعلق بشيء انما هو ما يترتب على نفس الشيء وملازما للانتزاع عن نفس ذاته ـ دون الشيء الذي قد يترتب عليه وقد لا يترتب ـ وهو التمكن فانه لا يفارق ذات ما هو مقدمة اصلا ، بخلاف الايصال فانه قد يترتب عليها وقد لا يترتب عليها ومثل هذا لا يكون هو الغرض الداعي لايجابها ولذا قال : «ولا يكاد يكون مثل ذا» : أي الايصال الذي قد يترتب عليها وقد لا يترتب «غاية لمطلوبيتها وداعيا إلى ايجابها».

٢١٤

وإلا يلزم أن تكون مطلوبة بطلبه كسائر قيوده ، فلا يكون وقوعه على هذه الصفة منوطا بحصولها ، كما أفاده (١).

______________________________________________________

(١) توضيح ما يريده هو انه بناء على كون الايصال هو الغاية التي تدعو إلى ايجاب المقدمة ، إلّا ان مثل هذه الغاية الداعية إلى ايجاب المقدمة للواجب النفسي لا يعقل ان تدعو إلى ايجاب المقدمة المقيدة بالايصال اليه وان يكون وجود الغاية من قيود ما امر به لأجلها ، اذ يلزم من كون وجود الغاية دخيلة في كون ما طلب لأجلها مقيدا بوجودها ان يلحق نفس الغاية حصة من الطلب الغيري المتعلق بما طلب لأجلها فتكون نفس الغاية مطلوبة بطلب غيري ، فاذا كانت هي ـ أيضا ـ مطلوبة بطلب نفسي يلزم ان تكون مطلوبة بطلبين وهو اجتماع المثلين ، ويلزم الدور أيضا ، وليس تقريره : بان طلب المقدمة المقيدة بالواجب النفسي الذي هو الغاية لوجوبها انما يحصل ويترشح من الطلب والوجوب المتعلق بالغاية التي هي الواجب النفسي ، فوجوب المقدمة انما نشأ من وجوب ذي المقدمة ، فاذا ترشح وجوب ذي المقدمة من وجوب المقدمة لكونه قيدا للمقدمة لزم توقف وجوب ذي المقدمة على وجوب نفسه وترشح وجوبه من وجوب نفسه ، فإن تقريره بهذا النحو واضح البطلان ، لأن الوجوب المترشح من وجوب ذي المقدمة وجوب غيري ، وهذا الوجوب الغيري يتوقف على الوجوب النفسي ، والوجوب النفسي لذي المقدمة لا يتوقف على هذا الوجوب الغيري ليلزم الدور.

نعم ، يلزم ان ينشأ من هذا الوجوب النفسي لذي المقدمة وجوب غيري آخر يسري إلى نفس ذي المقدمة أيضا ، وليس هذا من الدور ، بل تقريره بما ذكرنا : من ان اتصاف المقدمة بكونها موصلة يتوقف على تحقق الواجب النفسي ، فانه بتحققه يحصل وصف الموصلية للمقدمة ويصح انتزاع الموصلية لها ، فانتزاع الموصلية للمقدمة يتوقف على وجود الواجب النفسي خارجا فيتوقف وجود المقدمة خارجا على الواجب النفسي ، ومن الواضح ان وجود الواجب النفسي يتوقف على وجود

٢١٥

.................................................................................................

______________________________________________________

مقدمته فيكون وجود الواجب النفسي ـ بما انه مقدمة ـ موقوفا عليه ، وبما انه هو ذو المقدمة ووجوده يتوقف على المقدمة فيكون موقوفا ، فيكون وجود الواجب النفسي موقوفا على ما يتوقف عليه وهو الدور. وأيضا يلزم التسلسل لانه إذا كان الواجب النفسي هو بنفسه مقدمة وكل مقدمة واجب فهي مقيدة بالايصال إلى الواجب النفسي ، فيكون له ايصال ولهذا الايصال ـ أيضا ـ ايصال وهلم جرا ، والى هذه المحاذير أشار بقوله : «كيف وإلّا يلزم ان يكون وجودها من قيوده ومقدمة لوقوعه على نحو يكون الملازمة بين وجوبه بذاك النحو ووجوبها» : أي تكون الملازمة بين وجوب الواجب النفسي ووجوب المقدمة المقيدة بالايصال اليه ، الذي لازم ذلك ان يكون نفس الواجب من قيود مقدمته «وهو كما ترى» : أي الالتزام بهذا واضح البطلان.

إلّا انه لا يخفى ان هذا انما يلزم إذا كان نفس الواجب النفسي سببا لانتزاع الموصلية للمقدمة ، واما إذا كان انتزاع الموصلية من نفس المقدمة البالغة إلى حد يترتب عليها الواجب النفسي فلا تلزم هذه المحاذير ، إلّا ان ظاهر كلام الفصول يعطي ان انتزاع الموصلية للمقدمة مأخوذ من نفس تحقق الواجب النفسي.

وعلى كل فقد ظهر ان الغاية في المقام ـ وهي الواجب النفسي ـ لا يعقل ان تكون قيدا لذي الغاية ـ وهي المقدمة ـ بحيث يكون تخلف وجود الغاية : أي الواجب النفسي عن ذي الغاية : أي الواجب الغيري موجبا لعدم وقوع ذي الغاية : أي المقدمة على صفة الوجوب : أي يلزم ان يكون وقوع المقدمة من دون ترتب الواجب النفسي عليها موجبا لأن تقع على غير صفة المطلوبية ، وتكون مطلوبيتها منوطة بترتب الغاية لوجوبها وهو الواجب النفسي عليها ، ولازم هذا ان تكون الغاية من قيود ذي الغاية وان تكون مطلوبة بطلبه ، وهذا لازم لا يعقل الالتزام به لما عرفت : من لزوم المحاذير المتقدمة. وحيث لا يمكن الالتزام بذلك فلا بد وان لا يكون وقوع المقدمة على وصف المطلوبية منوطا بترتب الواجب النفسي عليها ، ولذا «فلا يكون وقوعه» : أي وقوع

٢١٦

ولعل منشأ توهمه ، خلطه بين الجهة التقييدية والتعليلية (١) ، هذا مع ما عرفت من عدم التخلف هاهنا ، وأن الغاية إنما هو حصول ما لولاه لما تمكن من التوصل إلى المطلوب النفسي ، فافهم واغتنم (٢).

ثم إنه لا شهادة على الاعتبار في صحة منع المولى عن مقدماته بأنحائها ، إلا فيما إذا رتب عليه الواجب لو سلم أصلا ، ضرورة أنه وإن لم يكن الواجب منها حينئذ غير الموصلة ، إلا أنه ليس لاجل اختصاص

______________________________________________________

ذي الغاية وهو المقدمة والواجب بالوجوب الغيري «على هذه الصفة» على اتصافها بكونها مطلوبة وواجبة بالوجوب الغيري «منوطا بحصولها» : أي منوطا بحصول الغاية التي هي الواجب النفسي.

(١) توضيحه : انه بناء على كون الايصال الى ذي المقدمة هو الغاية الداعية إلى وجوبها لكنها لا بد وان تكون حيثية تعليلية ، ولا يعقل ان يكون الايصال حيثية تقييدية لما عرفت : من ان لازم كونه حيثية تقييدية لزوم كون الواجب النفسي قيدا لمقدمته ، وهو باطل كما عرفت.

(٢) أي ان كون الايصال هو الغاية الداعية إلى ايجاب المقدمة لا نسلمه ، لما عرفت : من انه ليس باثر كل واحدة من المقدمات ، وما عرفت أيضا : من انه لا يعقل ان يكون الغرض الداعي إلى ايجاب شيء الا ما يترتب على نفس ذلك الشيء لا ما هو خارج عنه ، وترتب الواجب ليس مما يترتب على ذات ما هو مقدمة لانه امر خارج عنها ، وان الغرض والاثر الذي تتحمله المقدمة ويكون بحيث لا ينفك انتزاعه عن ذاتها هو حصول ما لولاه لما تمكن من التوصل إلى المطلوب ، فالغاية الداعية إلى ايجاب المقدمة هو هذا الاثر لا إيصالها إلى الواجب ، ولذا قال : «مع ما عرفت من عدم التخلف هاهنا» فإن الغاية التي دعت إلى ايجاب المقدمة لم تتخلف عنها وهي حصول ما لولاه لما امكن التوصل إلى الواجب ، وليس ايصال المقدمة هي الغاية حتى تكون من الموارد التي لا بد وان تكون الغاية حيثية تعليلية لا تقييدية.

٢١٧

الوجوب بها في باب المقدمة ، بل لاجل المنع عن غيرها المانع من الاتصاف بالوجوب هاهنا ، كما لا يخفى (١).

______________________________________________________

(١) قد تقدم انه من جملة ما استدل به صاحب الفصول على اختصاص الوجوب بخصوص المقدمة الموصلة : انه يجوز للمولى التصريح بالمنع وتحريم كل مقدمة من مقدمات الواجب عدا المقدمة الموصلة ، فله ان يصرح : باني لا اريد غير المقدمة الموصلة ولا تأتي بغير الموصلة من مقدمات الواجب ، وجواز تصريح المولى كذلك دليل على انحصار الوجوب بالمقدمة الموصلة فلا تقع المقدمة غير الموصلة مصداقا للواجب.

وحاصل ما يريد ان يشكله المصنف على الفصول انه :

اولا : لا نسلم ان للمولى التصريح بذلك ، وسيأتي بيان وجهه في قوله : «مع ان في صحة المنع منه كذلك نظرا».

وثانيا : انه لو جاز للمولى ان يصرح كذلك ويمنع عن جميع مقدمات الواجب ما عدا المقدمة الموصلة ، فانه مع منعه كذلك ينحصر الواجب من المقدمات بخصوص المقدمة الموصلة ولا تكون غير الموصلة مصداقا للواجب ، إلّا ان السبب في كون الواجب حينئذ منحصرا في المقدمة الموصلة وان غير الموصلة ليست مصداقا للواجب هو منع المولى عن غير المقدمة الموصلة ، لا ان غير الموصلة ليست بذاتها مصداقا للواجب ، بل هي كالموصلة في المقدمية لكن منع المولى عنها صار مانعا عن صدق الواجب عليها.

فقد عرفت ان شمول دليل الوجوب المقدمي للمقدمة يتوقف على ثبوت المقتضي في المقدمة وعدم المانع ، وعدم شمول الوجوب المقدمي للمقدمة غير الموصلة انما هو للمنع عنها لا لانه ليس في ذاتها مقتضي للشمول ، فهي مع منع المولى عنها تكون كالدابة المغصوبة منع الغصب فيها عن كونها مصداقا للواجب الغيري. وفي المقام يكون منع المولى عنها مانعا عن ان تكون مصداقا للواجب المقدمي لا لانه ليس في

٢١٨

مع أن في صحة المنع منه كذلك نظرا ، وجهه أنه يلزم أن لا يكون ترك الواجب حينئذ مخالفة وعصيانا ، لعدم التمكن شرعا منه ، لاختصاص جواز مقدمته بصورة الاتيان به. وبالجملة يلزم أن يكون الايجاب مختصا بصورة الاتيان ، لاختصاص جواز المقدمة بها وهو محال فإنه يكون من طلب الحاصل المحال ، فتدبر جيدا (١).

______________________________________________________

ذاتها اقتضاء لأن تكون مصداقا للواجب ولان يشملها الوجوب المقدمي ، فانحصار مصداق الواجب بخصوص المقدمة الموصلة انما هو لأجل منع المولى عن ساير المقدمات فلا يستطيع الوجوب المقدمي ان يشملها ، ولا يبقى من المقدمات سالما عن المانع غير المقدمة الموصلة فينحصر الوجوب بها ، ولذا قال فانه «وان لم يكن الواجب منها حينئذ غير الموصلة» : أي حين تصريح المولى بالمنع عن غير الموصلة لا يكون الواجب المقدمي غير الموصلة : أي يكون الواجب المقدمي منحصرا بالموصلة ولا يكون الواجب الا الموصلة ، وهو معنى قوله : لا يكون الواجب حينئذ غير الموصلة : أي لا يكون الواجب الا المقدمة الموصلة ، فغير الموصلة من المقدمات لا يكون واجبا وينحصر الوجوب بالمقدمة الموصلة «إلّا انه ليس لأجل اختصاص الوجوب بها في باب المقدمة» : أي ان هذا الانحصار بالموصلة ليس لأن الاقتضاء منحصر في المقدمة الموصلة ، بل لأجل وجود المانع عن تأثير المقتضي في غير المقدمة الموصلة ، بل سبب الانحصار بالموصلة هو المنع عن غير الموصلة ، ولذا قال : «بل لأجل المنع عن غيرها المانع عن الاتصاف بالوجوب هاهنا».

(١) هذا هو وجه عدم التسليم ، وانه لا يصح التصريح من المولى بالمنع عن جميع المقدمات الا المقدمة الموصلة ، وأنها هي الواجبة والمرادة لا غير وغيرها من المقدمات ممنوع عنه ، لأن هذا التصريح يستلزم ان لا يكون ترك الواجب مخالفة وعصيانا ، ويلزم من ذلك طلب الحاصل أيضا.

٢١٩

.................................................................................................

______________________________________________________

وبيانه وتوضيحه : انه لا ريب فيما إذا انحصر الواجب بالمقدمة المحرمة لا يعقل ان يبقى على وجوبه ، واذا لم يبق الواجب على وجوبه لا يكون مخالفته وتركه عصيانا.

ومن الواضح ـ أيضا ـ انه إذا منع المولى عن كل مقدمة ما عدا المقدمة الموصلة يكون لنا فردان : من المقدمة المحرمة وهي غير الموصلة ، والمقدمة الموصلة وهي الفرد الجائز من المقدمة. ولا اشكال أيضا ان ترتب الواجب على المقدمة هو الذي يوجب انتزاع الموصلية لها ، فالفرد الجائز من المقدمة يتوقف جوازه على اتيان الواجب ، لأن الشرط في جواز هذا الفرد من المقدمة يتوقف على الايصال المتوقف على اتيان الواجب النفسي. ومن الواضح ـ أيضا ـ ان وجوب الواجب النفسي يتوقف على ان له مقدمة جائزة ، ففي حال عدم الاتيان بالواجب النفسي تكون جميع مقدماته محرمة ، لأن مقدمته الجائزة الشرط في تحققها اتيانه لأنها خصوص المقدمة الموصلة المتوقفة على الايصال المتوقف على اتيان الواجب النفسي ، ففي حال عدم الاتيان بالواجب النفسي تكون جميع مقدماته محرمة ، اذ مقدمته الجائزة انما تتحقق باتيانه والمفروض انه في حال عدم الاتيان به ، ففي حال عدم الاتيان به حيث جميع مقدماته في الفرد المحرم لا بد وان لا يبقى الواجب في هذا الحال على وجوبه لانحصار مقدماته بالفرد المحرم ، واذا لم يبق الواجب على وجوبه لا تكون مخالفته عصيانا ، لانه من انحصرت مقدماته بالفرد المحرم يكون غير مقدور عليه ، اذ الممنوع شرعا كالممتنع عقلا والى هذا أشار بقوله : «وجهه انه يلزم ان لا يكون ترك الواجب حينئذ» : أي حين التصريح بالمنع عن جميع مقدماته غير الموصلة ، وهي جميع مقدماته في حال عدم الاتيان بالواجب النفسي ، لأن مقدمته الجائزة وهي الموصلة تختص بصورة الاتيان بالواجب النفسي الذي يتوقف عليه وصف الايصال الذي هو الشرط في جواز المقدمة التي هي الموصلة ، ولذا قال : «لاختصاص جواز مقدمته بصورة الاتيان به».

وقد أشار إلى لزوم طلب الحاصل بقوله : «وبالجملة» إلى آخره.

٢٢٠