بداية الوصول

آية الله الشيخ محمّد طاهر آل الشيخ راضي

بداية الوصول

المؤلف:

آية الله الشيخ محمّد طاهر آل الشيخ راضي


المحقق: محمّد عبدالحكيم الموسوي البكّاء
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار الهدى
المطبعة: الظهور
الطبعة: ٢
ISBN: 964-497-058-6
ISBN الدورة:
964-497-056-X

الصفحات: ٣٩٩

وفيه : إن الشرط إنما هو القدرة على الواجب في زمانه ، لا في زمان الايجاب والتكليف ، غاية الامر يكون من باب الشرط المتأخر ، وقد عرفت بما لا مزيد عليه أنه كالمقارن ، من غير انخرام للقاعدة العقلية أصلا ، فراجع (١).

______________________________________________________

التكليف لا يعقل ان يكون البعث اليه فعليا ، لما عرفت من كون البعث الفعلي يتوقف على القدرة وهي مفقودة في المقام ، فلا يعقل ان يكون البعث فعليا وفي الحال ومتعلق التكليف امرا استقباليا لا قدرة للمكلف على اتيانه بالفعل ، وقد عرفت انه لا بد في الواجب المعلق ان يكون البعث فعليا وفي الحال ، والمبعوث اليه امرا استقباليا.

(١) حاصل الجواب عن هذا الاشكال ان القدرة التي هي شرط في كون التكليف فعليا هي قدرة المكلف على المبعوث اليه في زمان اتيان المبعوث اليه لا في زمان البعث ، حيث ان الفعل المشترط بقدرة المكلف ـ من ناحية عدم امكان تكليف المكلف بما هو خارج عما يستطيع ويطيق والذي يلزم به هذا الشرط الفعلي ـ ليس هو الاعم من القدرة في زمان التكليف مستمرة إلى زمان اتيان المكلف به ، بل خصوص القدرة عليه في زمانه ، فإن المكلف القادر على ما كلف به في زمانه لم يكلف بما هو خارج عن وسعه وطاقته.

ولا يخفى ان القدرة حيث انها شرط في كون التكليف فعليا إذا لم تكن في زمان البعث متحققة وكانت متحققة في زمان الواجب فلا بد وان يكون كونها شرطا في التكليف قد اخذ في التكليف بنحو الشرط المتأخر وهو ان لحاظ المكلف قادرا في زمان الواجب هو الشرط في فعلية التكليف ، وقد مر عليك معقولية الشرط المتأخر وانه ليس من المتأخر بل هو من المقارن ، والى هذا أشار بقوله : «غاية الامر يكون من باب الشرط المتأخر».

١٠١

ثم لا وجه لتخصيص المعلق بما يتوقف حصوله على أمر غير مقدور ، (١) بل ينبغي تعميمه إلى أمر مقدور متأخر ، أخذ على نحو يكون

______________________________________________________

(١) يظهر من المصنف ان صاحب الفصول القائل بالواجب المعلق يخصه بخصوص ما إذا كان المتوقف عليه الواجب هو الزمان المتأخر ، كالحج ـ مثلا ـ الذي لا يمكن الاتيان بالواجب فيه الا في ايام مخصوصة من ذي الحجة.

فأورد عليه : بأنه لا ينبغي تخصيص الواجب المعلق بذلك لأن الواجب المعلق ما كان الوجوب فيه فعليا والواجب متأخرا ، وتأخر الواجب كما يكون لتقييده بالزمان المتأخر ، كذلك يكون متأخرا لتقييده بشيء يكون حصوله الاتفاقي شرطا في الواجب ، وهو وان كان مقدورا عليه بالفعل إلّا انه لم يكن نفس وجوده شرطا في الواجب ليكون الواجب من المنجز بالفعل ، بل كان حصوله ـ من باب الاتفاق ـ شرطا.

وبعبارة اخرى : ان الشرط اخذ على نحو لا يترشح اليه الوجوب من الواجب.

ومما ذكرنا يتضح : ان العبارة ينبغي ان تكون هكذا : «بل ينبغي تعميمه إلى امر مقدور متأخر اخذ على نحو لا يكون موردا للتكليف ويترشح عليه الوجوب من الواجب» باسقاط لفظة أولا من آخر العبارة وزيادة لفظة «لا» الداخلة على يكون في صدر العبارة كما انه ذكر كون العبارة هكذا بعض افاضل مقرري بحث المصنف قدس‌سرهما. واما النسخ الموجودة المطبوعة فالعبارة فيها هكذا : «بل ينبغي تعميمه إلى امر مقدور متأخر اخذ على نحو يكون موردا للتكليف ويترشح عليه الوجوب من الواجب اولا» وهي لا تخلو عن اشكال ، لأن الواجب المعلق معقول في الفرضين المذكورين ، وهما كون تقييد الواجب فيه بالزمان المتأخر أو تقييده بحصول بعض مقدماته على سبيل الاتفاق ، ومثل هذه المقدمة غير واجبة التحصيل لفرض كون اخذها على سبيل الاتفاق وان حصولها بسبب طبيعي لها لا انها واجبة التحصيل ، فوجوب تحصيلها لترشح الوجوب اليها خلف الفرض ، وحيث انها غير موجودة في زمان البعث فيكون الوجوب الفعلي للواجب الذي اخذ فيه حصول

١٠٢

.................................................................................................

______________________________________________________

بعض مقدماته من باب الاتفاق وبسببه الطبيعي من الواجب المعلق ، واما كون المقدمة مقدورة ومتأخرة ويترشح عليها الوجوب ففيه اشكال ، لأن كونها مقدورة يترشح عليها الوجوب لا يجامع كونها متأخرة لانها إذا لم يكن حصولها الاتفاقي شرطا فانه يجب تحصيلها بالفعل ، واذا كانت متأخرة لتأخر زمانها ففيه :

اولا : ان الواجب يكون زمانه متأخرا فيدخل في الفرض الاول.

وثانيا : ان كون زمانها متأخرا ينافي كونها مقدورة لأنها بالفعل غير مقدورة بل مقدورة في ظرفها.

وثالثا : ان غرض المصنف الايراد على الفصول من حيث تخصيصه للواجب المعلق بخصوص ما كان مقيدا بالزمان المتأخر ، وليس غرضه بيان ان المقدمة المتأخرة تارة تكون غير واجبة التحصيل واخرى لا تكون كذلك (١).

__________________

(١) وتوضيح المراد من هذه العبارة كما هي مثبتة في الكتاب من دون تصحيح لها كما هو المنسوب إلى بعض افاضل مقرري بحثه قدس‌سرهما يتوقف على امور :

الاول : ان غرض المصنف الايراد على صاحب الفصول بان الواجب يعم غير ما اشار اليه في الفصول بل صرح بدخوله فيه.

الثاني : ان الواجب المقيد بامر مقدور ولكنه قد اخذ على نحو يكون حصول شرطه من باب الاتفاق قد صرح صاحب الفصول بدخوله في الواجب المعلق.

الثالث : ان عبارة الكتاب لا تشمل الشرط الذي اخذ من باب الاتفاق بل صريحة في عدمه لأن الشرط المأخوذ من باب الاتفاق لا اشكال في عدم ترشح الواجب اليه.

الرابع : ان صاحب الفصول ذكر للواجب المعلق فردين : الاول ، ما كان شرطه ـ زمانا ـ متأخرا كالحج. الثاني ، ما كان الشرط فيه قد اخذ من باب الاتفاق.

الخامس : ان الوجوب المشروط بنحو الشرط المتأخر غير الواجب المعلق وان تساويا من جهة كون الوجوب في كل منهما فعليا كما أشار اليه المصنف من ان الفرق بينهما ان الوجوب في الواجب

١٠٣

موردا للتكليف ، ويترشح عليه الوجوب من الواجب ، أو لا ، لعدم

__________________

ـ المعلق لم يشترط بشيء اصلا وفي المشروط بالشرط المتأخر قد فرض كون الوجوب فيه مشروطا بالشرط المتأخر.

اذا عرفت هذا فنقول : ان غرض المصنف هو ان الواجب المعلق له فرد ثالث غير الفردين الذين أشار اليهما في الفصول ولم يشر الفصول إلى دخوله في الواجب المعلق وهو ما اذا كان للواجب مقدمة كانت مقدورة بذاتها ولكنها اخذت مقدمة للواجب مقيدة بزمان خاص متأخر فالواجب من حيث كون هذه المقدمة مقدمة له لا بد من تأخره عنها وهذه المقدمة وان كانت بذاتها مقدورة لكن من حيث تقيدها بزمان خاص بما هي مقدمة للواجب فهي غير مقدورة بالفعل ولما كان الواجب مقيدا بها فهو أيضا لا يكون مقدورا بالفعل لأن المتقيد بالامر غير المقدور غير مقدور فمثل هذا الواجب من الواجب المعلق ولكن عبارة الفصول لا تشمله ولذا اورد عليه المصنف : بانه ينبغي تعميم الواجب المعلق لهذا الفرد.

فاتضح مما ذكرنا : ان عبارة الكتاب صحيحة ولا يرد عليها ما ذكرناه هناك (منه قدس‌سره).

١٠٤

تفاوت فيما يهمه (١) من وجوب تحصيل المقدمات التي لا يكاد يقدر عليها في زمان الواجب على المعلق ، دون المشروط ، لثبوت الوجوب

______________________________________________________

(١) أي ان السبب في ذكر الواجب المعلق وانه في قبال الواجب المشروط كالواجب المنجز هو كون الواجب المشروط حيث ان الوجوب فيه كان مشروطا بشيء فلا وجوب له بالفعل ، واذ لم يكن للواجب وجوب بالفعل لا يترشح منه الوجوب على مقدماته ، اذ لا يعقل تحقق المعلول الذي هو وجوب المقدمات قبل تحقق علته التي هي وجوب نفس الواجب ، بخلاف الواجب المعلق فإن الوجوب فيه فعلي حالي فيترشح منه الوجوب على مقدماته قبل حضور زمان الواجب ويجب تحصيلها بالفعل اذا كانت هذه المقدمات لا يمكن ان تحصل في زمان الواجب ، وعلى هذا فلا فرق في الواجب المعلق عن زمان وجوبه بين كونه مقيدا بزمان متأخر أو مقيدا بمقدمة اخذ حصولها على سبيل الاتفاق ، وحيث لم تكن حاصلة بالفعل والواجب مقيد بها فلا بد وان لا يكون واجبا منجزا بالفعل ، وحيث كان وجوبه بالفعل فهو من الواجب المعلق ويجب شرعا تحصيل مقدمات الواجب قبل زمان الواجب ، واذا كان المهم هذا فلا فرق ـ حينئذ ـ في تأخر الواجب المعلق بين كون تاخره لتأخير زمانه ، أو لتأخر مقدمته التي اخذت على نحو يكون حصولها بسببها الطبيعي لا ان تكون واجبة التحصيل ، ولذا قال (قدس‌سره) : «لثبوت الوجوب الحالي فيه» : أي في الواجب المعلق «فيترشح منه الوجوب على المقدمة بناء على الملازمة» اذ بناء على عدم الملازمة بين وجوب المقدمة ووجوب ذيها شرعا لا وجوب شرعي للمقدمة في كل واجب سواء كان منجزا أو معلقا أو مشروطا ، والوجوب فيها يكون عقليا لا شرعيا ، فلا يحصل فرق مهم بين المعلق والمشروط بل بين المنجز والمشروط ، ثم قال (قدس‌سره) : «دونه» : أي دون الواجب المشروط «لعدم ثبوته فيه» : أي لعدم ثبوت الوجوب بالفعل في الواجب المشروط حتى يترشح على مقدماته ، لوضوح ان الوجوب في الواجب المشروط لا يكون «الا بعد الشرط».

١٠٥

الحالي فيه ، فيترشح منه الوجوب على المقدمة ، بناء على الملازمة ، دونه لعدم ثبوته فيه إلا بعد الشرط.

نعم لو كان الشرط على نحو الشرط المتأخر ، وفرض وجوده ، كان الوجوب المشروط به حاليا أيضا ، فيكون وجوب سائر المقدمات الوجودية للواجب أيضا حاليا ، وليس الفرق بينه وبين المعلق حينئذ إلا كونه مرتبطا بالشرط ، بخلافه ، وإن ارتبط به الواجب (١).

______________________________________________________

(١) ظاهر هذا الكلام انه استثناء من الواجب المشروط ، وانه ليس كل واجب مشروط يلزم ان لا يكون وجوبه حاليا ، بل رب واجب مشروط كان الوجوب فيه حاليا وهو ما إذا كان الشرط للوجوب متأخرا في التحقق لكنه لحظ شرطا للوجوب بنحو الشرط المتأخر ، فانه إذا كانت شرطيته للوجوب بنحو الشرط المتأخر الراجع إلى كون لحاظه شرطا عند التأويل ـ كما سبق بيانه ـ فإن مثل هذا الواجب المشروط يكون وجوبه حاليا وتجب جميع مقدماته لفرض فعلية وجوبه حالا ، وينحصر الفرق ـ حينئذ ـ بينه وبين الواجب المعلق : ان الواجب المعلق لم يكن الوجوب فيه مرتبطا بالشرط ، بل الواجب فيه هو المرتبط بالشرط ، والواجب المشروط بالشرط المتأخر كسائر افراد الواجب المشروط الوجوب فيه مرتبط بالشرط ، إلّا ان هذا الواجب المشروط كان ارتباطه بالشرط بنحو الشرط المتأخر ، والى ما ذكرنا أشار بقوله : «نعم إذا كان الشرط على نحو الشرط المتأخر وفرض وجوده» لا يخفى ان قوله : وفرض وجوده هو كعطف تفسير على الشرط المتأخر لانه ما لم يكن شرط الوجوب مفروض الوجود لا يكون الوجوب حاليا وانه مأخوذ بنحو الشرط المتأخر ، ومتى اخذ الشرط مفروض الوجود «كان الوجوب المشروط به حاليا أيضا» ومتى كان الوجوب حاليا «ف» لا بد أن «يكون وجوب سائر المقدمات الوجودية للواجب ـ أيضا ـ حاليا» لما عرفت : من ان وجوب المقدمات بالفعل تتبع حالية الوجوب «وليس الفرق بينه» : أي بين الواجب المشروط بنحو الشرط المتأخر «وبين

١٠٦

تنبيه : قد انقدح من مطاوي ما ذكرناه أن المناط في فعلية وجوب المقدمة الوجودية ، وكونه في الحال بحيث يجب على المكلف تحصيلها هو فعلية وجوب ذيها ، ولو كان أمرا استقباليا ، كالصوم في الغد والمناسك في الموسم ، كان وجوبه مشروطا بشرط موجود أخذ فيه ولو متأخرا ، أو مطلقا ، منجزا كان أو معلقا (١) ، فيما إذا لم تكن مقدمة للوجوب

______________________________________________________

الواجب المعلق حينئذ» بكون الوجوب في المعلق حاليا وفي المشروط ليس بحالي ، بل الوجوب في كليهما حالي وليس الفرق بينهما ـ حينئذ ـ «الا كونه» : أي الا كون الوجوب في الواجب المشروط «مرتبطا بالشرط بخلافه» : أي بخلاف الواجب المعلق ، فإن الوجوب فيه ليس مرتبطا بالشرط «وان ارتبط به الواجب» : أي وان ارتبط الشرط في الواجب المعلق بالواجب ، فإن الوقت ـ مثلا ـ في الواجب المعلق شرط مرتبط بالواجب لا بالوجوب ، ولكنه يظهر من كلامه اخيرا ان الغرض من هذا ليس صرف التنبيه على الاستثناء من الواجب المشروط ، بل هو مقدمة لما يأتي من كلامه (قدس‌سره) انه لا ينحصر التفصي في الجواب عن اشكال وجوب مقدمات الواجب الذي كان زمانه متأخرا في القول بالواجب المعلق ، بل يمكن مع القول بالواجب المشروط التزام وجوب المقدمات لكون الشرط اخذ بنحو الشرط المتأخر ، وعلى هذا فلا يكفي الالتزام بالشرط المتأخر عن الالتزام بالواجب المعلق لأن وجوب المقدمات قبل زمان الواجب لا يصح الالتزام به إلّا بنحو الواجب المعلق ، والله العالم.

(١) يحتوي هذا التنبيه على مطلبين :

المطلب الاول : بيان المقدمة التي يترشح عليها الوجوب من ذيها والمقدمة التي لا يترشح عليها الوجوب منه.

والمطلب الثاني : ما اشرنا اليه من انه لا ينحصر الجواب عن اشكال وجوب المقدمة التي يجب الاتيان بها مع كون زمان الاتيان بذيها متأخرا في الواجب المعلق

١٠٧

.................................................................................................

______________________________________________________

كما في الفصول ، أو برجوع القيد إلى المادة كما عن الشيخ الذي يرجع هذا ـ أيضا ـ إلى الواجب المعلق وان ابى الشيخ عن تسميته بالواجب المعلق.

وتوضيح المطلب الاول : انه حيث قد عرفت ان وجوب المقدمة معلول لوجوب ذيها فلا بد إذا كان وجوب المقدمة حاليا وفعليا ان يكون وجوب ذيها فعليا وحاليا ـ أيضا ـ لعدم معقولية تحقق المعلول قبل تحقق علته ، والى هذا أشار بقوله : «ان المناط في فعلية وجوب المقدمة الوجودية وكونه» : أي وكون وجوبها فعليا و «في الحال بحيث يجب على المكلف تحصيلها» بالفعل «هو فعلية وجوب ذيها» هذه الجملة هي الخبر لقوله : ان المناط. فاذا كان المناط في فعلية وجوب المقدمة المترشح من ذيها هو فعلية وجوبها فحينئذ لا بد وان ينحصر في الافراد الآتية فإنها هي التي تكون وجوب ذي المقدمة فيها فعليا سواء كان زمان الواجب الذي هو ذو المقدمة متأخرا واستقباليا أو كان حاليا وفعليا ـ أيضا ـ.

الأول : من هذه الافراد هو الواجب الذي كان زمان الاتيان به متأخرا ولكن كان وجوبه مشروطا بالنسبة إلى ذلك الزمان بنحو الشرط المتأخر ، كأن يأمر المولى ـ فعلا وحالا ـ بالصوم ، أو يأمر ـ فعلا ـ باتيان المناسك في أيامها المعلومة من ذي الحجة ، فزمان الواجب في هذا الامر استقبالي والزمان كان شرطا لوجوب هذا الواجب بنحو الشرط المتأخر.

وقد عرفت ان الشرط الملحوظ بنحو الشرط المتأخر يرجع إلى المقارن ، وحينئذ يكون شرط الوجوب في هذا متحققا ، ومتى كان شرط الوجوب متحققا لا بد وان يكون الوجوب متحققا ، فالأمر ـ فعلا ـ بالصوم في الغد وبالحج في ايام معلومة يمكن ان يكون وجوبه الفعلي مستندا إلى كونه من الواجب المشروط الملحوظ بنحو الشرط المتأخر ، والى هذا أشار بقوله : «هو فعلية وجوب ذيها ولو كان امرا استقباليا» : أي ولو كان ذو المقدمة امرا استقباليا «كالصوم في الغد والمناسك في الموسم» فالامر في المثالين حالي وفعلي ، ولذا يجب الاتيان بجميع ما يتوقف عليه الصوم في الغد من

١٠٨

أيضا ، أو مأخوذة في الواجب على نحو يستحيل أن تكون موردا للتكليف ، كما إذا أخذ عنوانا للمكلف ، كالمسافر والحاضر والمستطيع إلى غير ذلك ، أو جعل الفعل المقيد باتفاق حصوله ، وتقدير وجوده بلا اختيار أو باختياره موردا للتكليف ، ضرورة أنه لو كان مقدمة الوجوب أيضا ، لا يكاد يكون هناك وجوب إلا بعد حصوله ، وبعد الحصول يكون وجوبه طلب الحاصل كما أنه إذا أخذ على أحد النحوين يكون كذلك ، فلو لم يحصل لما كان الفعل موردا للتكليف ، ومع حصوله

______________________________________________________

المقدمات بالفعل ، ويجب الاتيان بجميع ما تتوقف عليه المناسك من المقدمات بالفعل لأن وجوب ذي المقدمة فعلي فيترشح منه وجوب ساير مقدماته وان كان نفس ذي المقدمة امرا استقباليا.

والسبب في كون الوجوب فعليا هو ان الشرط له ـ وهو الزمان المتأخر ـ اخذ فيه بنحو الشرط المتأخر ، والى هذا أشار بقوله : «كان وجوبه مشروطا بشرط موجود اخذ فيه ولو متأخرا» ولا يخفى ان قوله : ولو متأخرا انما حسن هذا الترقي لقوله : كان وجوبه مشروطا بشرط موجود ، فإن وجود الشرط متحقق وان كان الشرط متأخر الوجود ، لانه قد اخذ بنحو الشرط المتأخر الذي كان اللحاظ فيه هو الشرط وهو متحقق ومقارن.

الفرد الثاني من المقدمة التي تجب بالفعل ويترشح عليها الوجوب من ذيها هي مقدمة الواجب المطلق ، وهو الواجب الذي لم يكن لوجوبه شرط ، وهو فردان : الواجب المنجز ، والواجب المعلق ، لأن الواجب المعلق الشرط فيه يرجع إلى الواجب. لا للوجوب والاول كوجوب المعرفة فانها من الواجب المنجز ، والثاني كالحج ـ بناء على كون الزمان شرطا للواجب لا للوجوب ـ فانه حينئذ من الواجب المعلق ، وأما إذا كان الزمان شرطا للوجوب فانه يكون من الوجوب المشروط بالشرط المتأخر ـ كما تقدم ـ والى هذين أشار بقوله : «أو مطلقا منجزا كان أو معلقا».

١٠٩

لا يكاد يصح تعلقه به ، فافهم. إذا عرفت ذلك (١) ، فقد عرفت أنه لا إشكال أصلا في لزوم الاتيان بالمقدمة قبل زمان الواجب ، إذا لم يقدر

______________________________________________________

(١) لا يخفى ان الكلام في تقسيم المقدمة الوجودية : أي مقدمة الواجب ، وبيان ان بعضها يترشح عليها الوجوب ، وبعضها لا يترشح عليها وقد ذكر ما يترشح عليها الوجوب ثم شرع في ما لا يترشح عليها الوجوب من المقدمة الوجودية : أي مقدمة الواجب. فما معنى ذكره لمقدمة الوجوب.

والجواب عنه : ان كل ما كان مقدمة للوجوب ويتوقف عليه وجوب الواجب فهو من مقدمات الواجب ، لأن تحقق الواجب بما هو واجب يتوقف على وجوبه المتوقف على تلك المقدمة ، فمقدمة الوجوب هي ـ أيضا ـ من مقدمات الواجب. ولما ذكر الواجب المشروط بالشرط المتأخر والواجب المعلق وانه يترشح الوجوب فيهما إلى المقدمة استثنى من ذلك المقدمة التي علق عليها الوجوب وانها مما لا يترشح عليها الوجوب ، وقوله : «أيضا» لبيان ما ذكرنا : من ان المقدمة المعلق عليها الوجوب هي ـ أيضا ـ معلق عليها الواجب ومن مقدماته.

وعلى كل فالمقدمات التي لا يترشح عليها الوجوب ثلاث :

الفرد الأول : مقدمة الوجوب التي أشار اليها بقوله : «فيما إذا لم تكن مقدمة للوجوب أيضا» ومن الواضح استحالة ترشح الوجوب ، فإن المراد بمقدمة الوجوب هي التي علق تحقق الوجوب على تحقق ذاتها في الخارج ، لا انه علق عليها بنحو الشرط المتأخر ، ومثل هذه المقدمة لا يعقل ان يترشح عليها الوجوب فيأمر بايجادها وتحصيلها ، لوضوح انه قبل تحققها لا وجوب للواجب حتى يترشح عليها وبعد تحققها وان تحقق الوجوب إلّا انها لا معنى لترشحه عليها ، فإن طلبها بعد تحققها من طلب الحاصل والى هذا أشار ـ فيما ياتي ـ بعد ذكر السبب في عدم امكان ترشح الوجوب في الفردين الآتيين بقوله : «ضرورة انه لو كان مقدمة الوجوب أيضا» الظاهر ان يريد بقوله : أيضا ـ انه لو كان الشرط مقدمة للوجوب كما انه مقدمة

١١٠

.................................................................................................

______________________________________________________

للواجب ، ويحتمل بعيدا ان يريد ـ بقوله : أيضا هنا العطف على الفردين المتقدمين من المقدمات التي لا يترشح عليها الوجوب.

وعلى كل فمقدمة الوجوب لا يعقل ان يترشح عليها وجوب من الواجب لانه «لا يكاد يكون هناك وجوب الا بعد حصوله» لا يخفى ان تذكير الضمير في حصوله باعتبار كونها شرطا ولفظ الشرط مذكر «وبعد الحصول يكون وجوبه طلب الحاصل».

الفرد الثاني : من المقدمة أو الشرط الذي لا يترشح عليه الوجوب هو ما إذا اخذ الشرط عنوانا للمكلف كعنوان المسافر وعنوان الحاضر فإن مرجعه إلى كون السفر والحضور شرطا للتقصير والإتمام لكنه اخذه عنوانا للمكلف ، فقال : الحاضر يتم والمسافر يقصر ، والمستطيع يحج ، أو غير ذلك من العناوين كقوله : الشاك يبني على الاكثر ، والساهي يسجد ، ومثل هذا لا يعقل ان يترشح عليه الوجوب كما سيأتي.

الفرد الثالث : هو الشرط للفعل الواجب ، لكنه اخذ الفعل الواجب مقيدا بهذا الشرط بما انه يحصل على سبيل الاتفاق ، وهذا الشرط ـ الذي قد قيد الواجب به بما انه اتفاقي ـ على نحوين :

الأول : ان لا يكون وجوده اختياريا للمكلف وتحت قدرته ، كالوقت فانه ليس من افعال المكلف فلا يكون واقعا تحت قدرته واختياره.

الثاني : ان يكون اختياريا للمكلف ويمكن ان يقع بمباشرته أو تسبيبه ولكنه اخذ على نحو يكون حصوله بسببه ، كمجيء زيد ـ بناء على كونه من قيود المادة ـ فانه يمكن ان يقع المجيء من زيد بتسبيب من المكلف لكنه اخذ على نحو ان يكون حاصلا بطبعه ، أو يكون الشرط اختياريا ومباشريا كدخول المكلف نفسه الدار ـ مثلا ـ ولكنه اخذ على نحو يكون دخوله الدار حيث يكون المكلف اراد دخول الدار لغرض له تعلق بدخول الدار لا ان يكون مطلوبا منه دخول الدار. وعلى كل فالجامع بين هذين النحوين ان يكون حصول الشرط بنحو الاتفاق وبسببه الطبيعي.

١١١

عليه بعد زمانه ، فيما كان وجوبه حاليا مطلقا ، ولو كان مشروطا بشرط متأخر ، كان معلوم الوجود فيما بعد ، كما لا يخفى ، ضرورة فعلية

______________________________________________________

والحاصل : ان الشرط الذي اخذ عنوانا للمكلف ، والشرط قيدا لفعل الواجب يكون حصوله من باب الاتفاق يستحيل ان يكونا موردا للتكليف وان يترشح لهما الوجوب من الواجب ، لانه فيما اخذ عنوانا للمكلف لا يعقل ان يحصل الوجوب المعلق على العنوان الا بعد تحقق العنوان ، فقبل تحقق العنوان لا وجوب حتى يترشح إلى العنوان ، وبعد تحقق العنوان لا يعقل ان يترشح عليه الوجوب لحصول العنوان فلا معنى لوجوب تحصيله ، واما في الشرط الذي اخذ على سبيل الاتفاق فلانه وان كان مقدمة للواجب ، ويمكن ان يكون موردا للتكليف فيما إذا كان اختياريا للمكلف إلّا ان ترشح الوجوب عليه يوجب الخلف ، لأن المفروض انه اخذ على نحو يكون وجوده بسببه الطبيعي بطلب من المولى ، ففرض ترشح الوجوب اليه لازمه ان يكون بطلب المولى وهو خلف المفروض.

وبالجملة : ان الذي اخذ عنوانا ، والذي كان ماخوذا بنحو الاتفاق لا يعقل ان يترشح عليهما وجوب ، لانه في الأول يلزم طلب الحاصل ، وفي الثاني يلزم الخلف.

ومما ذكرنا ظهر : ان في عبارة المتن مسامحة لانه قال : «كما انه إذا اخذ على احد النحوين يكون كذلك» : أي مثل مقدمة الوجوب من لزوم طلب الحاصل ، وقد صرح به بقوله : «فلو لم يحصل لما كان إلى آخر كلامه».

وقد عرفت ان لزوم الحاصل انما يلزم في الشرط الماخوذ عنوانا للمكلف ، وأما الشرط الماخوذ من باب الاتفاق فليس محذوره طلب الحاصل بل الخلف ، لأن هذا الشرط الاتفاقي ان كان شرطا للوجوب أيضا فانه يلزم من طلبه طلب الحاصل ، لانه قبل تحققه لا وجوب وبعد تحققه يكون من طلب الحاصل ، إلّا انه لا معنى لجعله قسما مقابلا لمقدمة الوجوب ، واذا كان شرطا للواجب فقط ولكنه اخذ من باب الاتفاق فمحذوره الخلف كما عرفت ، ولعله إلى هذا أشار بقوله : فافهم.

١١٢

وجوبه وتنجزه بالقدرة عليه بتمهيد مقدمته ، فيترشح منه الوجوب عليها على الملازمة ، ولا يلزم منه محذور وجوب المقدمة قبل وجوب ذيها ، وإنما اللازم الاتيان بها قبل الاتيان به ، بل لزوم الإتيان بها عقلا ، ولو لم نقل بالملازمة ، لا يحتاج إلى مزيد بيان ومئونة برهان ، كالاتيان بسائر المقدمات في زمان الواجب قبل إتيانه (١).

______________________________________________________

(١) هذا هو المطلب الثاني الذي اشرنا اليه.

وحاصله : انه وقع الاشكال في وجوب مقدمة الواجب الذي يكون زمانه متأخرا ، كالحج ـ مثلا ـ بعد الاستطاعة فإن زمان اتيانه في الايام المعلومة من ذي الحجة مع انه يجب تهيئة الزاد والراحلة وجملة من مقدمات سفره إلى الحج وجوبا شرعيا بعد الاستطاعة وقبل زمان الحج.

فذهب الفصول إلى الواجب المعلق ، وذهب الشيخ في مقام التفصي عنه إلى رجوع القيد إلى المادة ، الذي قد عرفت انه يرجع إلى الواجب المعلق ليتحقق الوجوب الحالي وان كان متعلقه ـ وهو الواجب ـ امرا استقباليا ، ومتى كان الوجوب حاليا فلا بد وان يترشح إلى المقدمات ، فلا يكون باس بوجوب اتيان مقدمات الواجب قبل حلول زمانه.

والمصنف تفصى عن الاشكال بكون الزمان المتأخر الذي هو ظرف لاتيان الواجب شرطا للوجوب قد اخذ بنحو الشرط المتأخر ، فهذا الزمان شرط للواجب بذاته وبنفسه ، لانه لا يصح اتيان الواجب في غيره من الازمنة وهو شرط للواجب ولكنه بنحو الشرط المتأخر ، فيكون الوجوب الذي كان الزمان شرطا له بنحو الشرط المتأخر وجوبا حاليا ، واذا كان الوجوب حاليا يترشح على مقدمات الواجب قبل حلول زمان اتيان الواجب ، وتكون هذه المقدمات زمان اتيانها قبل زمان اتيان الواجب ، لا زمان وجوبها قبل زمان وجوبه ، لما عرفت : من ان وجوبه حالي لا استقبالي ، وانما الواجب فقط استقبالي ، والى هذا أشار بقوله : «لا اشكال اصلا في

١١٣

.................................................................................................

______________________________________________________

لزوم الاتيان بالمقدمة قبل زمان الواجب إذا لم يقدر عليه بعد زمانه» انما قيد المقدمة بكونها لا يقدر عليها بعد زمان الواجب لأن الاشكال انما يتضح وروده في مثل هذه المقدمة ، أما المقدمة التي لاتيانها مجال بعد زمان الواجب فلا يتضح الاشكال فيها ، لامكان الالتزام بانها قبل زمان الواجب ليست واجبة وانما تجب بعد زمان الواجب ، فالمقدمة التي لا يمكن الاتيان بها الا قبل زمان الواجب هي مورد الاشكال ، ولذا قال : لا اشكال في وجوبها ولزوم الاتيان بها قبل زمان الاتيان بالواجب ، لأن وجوب الواجب ليس بمتأخر ، بل وجوبه حالي فعلي لأن الزمان شرط للوجوب بنحو الشرط المتأخر ، ولذا قال : «فيما كان وجوبه حاليا مطلقا» : أي ليس بمشروط بشرط متأخر وليس بمقارن ، بل شرطه مقارن لانه اخذ الشرط فيه بنحو الشرط المتأخر وهو شرط مقارن لا متأخر ، كما عرفت ذلك في الكلام في الشرط المتأخر ـ فيما سبق ـ ولذلك عقب هذا الاطلاق بقوله : «ولو كان مشروطا بشرط متأخر كان معلوم الوجود» فإن الشرط الذي غير معلوم الوجود لا يكون اخذه بنحو الشرط المتأخر موجبا للعلم بتحقق الوجوب حالا وبالفعل ، لأن تصوره موجودا في ظرفه هو الشرط المقارن للوجوب ، واذا لم يكن له تحقق في ظرف يمكن ان يتحقق فيه لا يكون الشرط المقارن للوجوب معلوم التحقق ، فلذلك قيد الشرط المتأخر بكونه معلوم الوجود فيما بعد واذا كان معلوم التحقق كان الوجوب فعليا ولذا قال : «ضرورة فعلية وجوبه وتنجزه» : أي يكون وجوب الواجب فعليا ومنجزا ، وحيث ان كل ما كان له مقدمة لا يكون مقدورا عليه إلّا باتيان مقدمته تمهيدا له فيجب الاتيان بها تمهيدا للواجب وتهيئة للقدرة عليه ، والى هذا أشار بقوله : «بالقدرة عليه بتمهيد مقدمته فيترشح منه الوجوب عليها على الملازمة» : أي فيترشح الوجوب من وجوب هذا الواجب الذي هو استقبالي ووجوبه حالي ، لانه كان شرطه ماخوذا بنحو الشرط المتأخر على مقدمات الواجب لأن المترشح منه وهو وجوب الواجب حالي وفعلي لا استقبالي.

١١٤

فانقدح بذلك أنه لا ينحصر التفصي عن هذه العويصة بالتعلق بالتعليق ، أو بما يرجع إليه ، من جعل الشرط من قيود المادة في المشروط (١).

______________________________________________________

فعلى القول بالملازمة بين وجوب الشيء ووجوب مقدماته يترشح الوجوب منه على مقدماته ، فوجوب المقدمة يكون شرعيا مترشحا من وجوب الواجب الذي وجوبه حالي وهو استقبالي ، ولا يلزم على هذا وجوب المقدمة قبل وجوب ذيها ، بل وجوبها كان في زمان وجوب ذيها ومترشحا منه ولم يكن قبله ، فيكون من تحقق المعلول قبل علته بل من تحقق المعلول لتحقق علته ، فإن علته وجوب الواجب وقد عرفت انه حالي لأن شرطه بنحو الشرط المتأخر ، ولذا قال (قدس‌سره) : «ولا يلزم منه محذور وجوب المقدمة قبل وجوب ذيها وانما اللازم الاتيان بها قبل الاتيان به» والمقدمة لا بد من ان يكون اتيانها قبل اتيان ذيها ، سواء قلنا بوجوبها الشرعي الترشحي ، أو قلنا بعدم الملازمة وانه لا وجوب شرعي ، وانما وجوبها عقلي يحكم العقل بلزوم اتيانها لتوقف وجود الواجب عليها ، فإن وجوبها ضروري عند المنكرين للوجوب الشرعي والملازمة بين وجوب ذي المقدمة ووجوبها ، وفي الواجب المطلق ـ بناء على الملازمة ـ تجب مقدماته قطعا ويكون الاتيان بها قبل الاتيان بالواجب ، والى هذا أشار بقوله : «بل لزوم الاتيان بها عقلا ولو لم نقل بالملازمة ... إلى آخر كلامه».

(١) لا إشكال انه بعد وجود طريق ثالث لوجوب المقدمة التي يكون زمان الاتيان بالواجب فيها متأخرا ـ غير طريق الفصول وغير طريق الشيخ من الواجب المعلق أو كون القيد راجعا إلى المادة ـ وهو كون الشرط بنحو الشرط المتأخر لا يكون الأمر في الجواب عن الاشكال تقدم زمان وجوب المقدمة على زمان الاتيان بالواجب منحصرا في طريقة الفصول وفي طريقة الشيخ التي قد عرفت انها ترجع إلى مقالة الفصول ، وهذا الانقداح واضح ومن الامور التي قياساتها معها.

١١٥

فانقدح بذلك : أنه لا إشكال في الموارد التي يجب في الشريعة الاتيان بالمقدمة قبل زمان الواجب ، كالغسل في الليل في شهر رمضان وغيره مما وجب عليه الصوم في الغد ، إذ يكشف به بطريق الإنّ عن سبق وجوب الواجب ، وإنما المتأخر هو زمان إتيانه ، ولا محذور فيه أصلا ، ولو فرض العلم بعدم سبقه ، لاستحال اتصاف مقدمته بالوجوب الغيري (١) ، فلو

______________________________________________________

(١) بعد ما عرفت انه لا مانع من ان يكون الواجب الذي كان زمان الإتيان به استقباليا ان يكون وجوبه حاليا وفعليا وان الوجوب للمقدمة يترشح من الوجوب الفعلي ـ تعرف انه في الموارد التي قام الدليل على اتيان المقدمة واجبة بوجوب شرعي وكان زمان الواجب فيها متاخرا واستقباليا يكشف بطريق الإن ان وجوب هذا الواجب كان متقدما وحاليا ، إما بنحو الواجب المشروط بالشرط المتأخر أو كان بنحو الواجب المعلق ، كقيام الدليل على وجوب الغسل للمستحاضة في الليل بنحو كونه شرطا لصوم الغد ، فإن مثل هذا يكشف ان وجوب الصوم كان متقدما في الليل إما بنحو الشرط المتأخر أو بنحو الواجب المعلق ، وان المتأخر زمان الاتيان بالواجب لا زمان وجوبه بل زمان وجوبه متقدم ، واذا كان متقدما فيترشح منه الوجوب على ما يتوقف صحة الصوم في الغد وهو الغسل في الليل ، وهو على القاعدة لأن العلة لم تكن متأخرة عن المعلول بل في زمانه ، والى هذا أشار بقوله : «كالغسل في الليل في شهر رمضان وغيره» : أي وغير شهر رمضان كصوم بدل الهدي «ممن وجب عليه الصوم في الغد اذ يكشف به» : أي يكشف بواسطة وجوب هذه بعنوان كون وجوبها وجوبا مقدميا شرعيا ، وهو معلول لوجوب ذي المقدمة ، فوجود هذا الوجوب المقدمي الشرعي يكشف عن وجوب ذيها في ذلك الوقت والزمان ، لأن وجود المعلول يكشف عن وجود العلة وهو الكشف الإني ولذا قال : «بطريق الإن عن سبق وجوب الواجب وانما المتأخر هو زمان اتيانه» : أي اتيان هذا الواجب لا زمان وجوبه ، ولو علمنا ان وجوب هذا الواجب ليس بمتقدم بل هو متأخر

١١٦

نهض دليل على وجوبها ، فلا محالة يكون وجوبها نفسيا ولو تهيؤا ، ليتهيأ بإتيانها ، واستعد لايجاب ذي المقدمة عليه ، فلا محذور أيضا (١).

______________________________________________________

ـ أيضا ـ كالواجب : بان كان الزمان ـ مثلا ـ شرطا للوجوب بنفسه لا بنحو الشرط المتأخر وحيث كان الزمان متأخرا فلا بد وان يكون الوجوب متأخرا ـ أيضا ـ ، واذا كان الوجوب المتأخر لا يعقل ان تكون المقدمة لهذا الواجب واجبة قبل زمان وجوبه لعدم معقولية تحقق المعلول قبل تحقق علته ، فلا بد وان لا يكون وجوب هذه المقدمة وجوبا غيريا مقدميا ، لانه من المستحيل تأثير العلة حال عدم وجودها والى هذا أشار بقوله : «ولو فرض العلم بعدم سبقه لاستحال اتصاف مقدمته بالوجوب الغيري».

(١) مع العلم بعدم سبق وجوب ذيها لا يعقل ان يكون وجوب هذه المقدمة غيريا ترشحيا ، لأن الوجوب الغيري هو الوجوب المترشح من وجوب الواجب النفسي ، وحيث علمنا بعدم سبق وجوب الواجب النفسي فلا محالة لا يكون وجوب هذه المقدمة وجوبا غيريا ، بل لا بد وان يكون وجوبها نفسيا بغرض التهيؤ إلى الواجب النفسي والاستعداد له.

نعم ، لا بد وان نقول في الواجب النفسي بانه لا يلزم ان يكون وجوبه لغرض متعلق بذاته أو لعنوان حسن في نفس متعلقه ، بل الواجب النفسي هو الواجب الذي لم يترشح وجوبه من واجب آخر ، سواء كان الغرض من وجوبه شيئا يتعلق بذاته أو بغيره ، والمفروض في المقام ان هذا الوجوب لم يترشح من وجوب ذي المقدمة لفرض العلم بعدم سبق وجوب ذي المقدمة ، فوجوبها ليس بوجوب غيري ترشحي ، واذا لم يكن الوجوب غيريا كان نفسيا وان الغرض منه التهيؤ والاستعداد لأن يجب على المكلف واجب آخر في ظرفه ، لأن المفروض انه إذا تركت هذه المقدمة لا يمكن ان يقدر المكلف على اتيان الواجب في ظرفه ، فالمولى حفظا لامكان اتيان الواجب في ظرفه يوجب هذه المقدمة قبل زمان وجوب ذيها بوجوب نفسي ،

١١٧

إن قلت : لو كان وجوب المقدمة في زمان كاشفا عن سبق وجوب ذي المقدمة لزم وجوب جميع مقدماته ولو موسعا ، وليس كذلك بحيث يجب عليه المبادرة لو فرض عدم تمكنه منها لو لم يبادر (١).

______________________________________________________

ولا محذور في هذا الوجوب النفسي للمقدمة ، لانه لا يلزم ان يكون وجوب المقدمة دائما وجوبا غيريا ترشحيا.

نعم ، الوجوب الغيري الترشحي لا بد وان يكون لمقدمة واجب ولا يلزم ان يكون كل وجوب ـ عرض للمقدمة ـ وجوبا غيريا ترشحيا ، واذا لم يكن وجوبها غيريا فلا يكون من تحقق المعلول قبل تحقق علته ، إذ المعلول لوجوب ذي المقدمة هو الوجوب الغيري فلا يعقل تحققه قبل تحقق الوجوب النفسي لذي المقدمة ، والى ما ذكرنا أشار بقوله : «فلا محذور أيضا».

(١) قد عرفت انه إذا وجبت المقدمة قبل زمان ذيها كشف بطريق الإن عن تقدم وجوب ذيها ما لم يعلم بعدم تقدمه فنلتزم بالوجوب النفسي للمقدمة ، وعلى هذا :

أي لو فرضنا تقدم وجوب مقدمة من مقدمات الواجب ولم نكن نعلم بعدم السبق فيكون هذا الوجوب للمقدمة كاشفا عن تقدم وجوب ذي المقدمة ، واذا تقدم وجوب ذي المقدمة فلا بد من الالتزام بوجوب جميع مقدمات هذا الواجب قبل زمانه ولا يقتصر على خصوص المقدمة التي قام الدليل على وجوبها.

نعم ، يكون وجوب المقدمات مختلفا ، فإن كانت المقدمات موسعة بمعنى انها يقدر عليها قبل زمانه وفي زمانه فيكون وجوبها وجوبا موسعا مما قبل زمان الواجب إلى آخر زمان الواجب بمقدار اتيانها واتيانه ، وان كانت مضيقة وهي التي يكون ظرف اتيانها قبل زمان الواجب كغسل المستحاضة ليلا مثلا فيكون وجوبها وجوبا مضيقا.

ثم لا يخفى أن لازم الواجب الموسع انه لو علم المكلف اتفاقا انه لا يقدر عليه في بعض الازمنة المتأخرة يكون وجوب المبادرة اليه في الزمان الذي يقدر عليه لازما ،

١١٨

قلت : لا محيص عنه ، إلا إذا أخذ في الواجب من قبل سائر المقدمات قدرة خاصة ، وهي القدرة عليه بعد مجيء زمانه ، لا القدرة عليه في زمانه من زمان وجوبه ، فتدبر جدا (١).

______________________________________________________

والظاهر ان القوم لا يلتزمون بذلك : بمعنى انه لو قام دليل على وجوب بعض مقدمات الواجب المتأخر ظرف اتيانه لا يلتزمون بوجوب جميع مقدماته وجوبا موسعا بحيث لو لم يبادر اليها قبل زمانه وصادف عجزه عنها في زمان الواجب كان تاركا للواجب النفسي لترك مقدماته في وقت كان قادرا عليها ، والى هذا أشار بقوله : «وليس كذلك بحيث يجب عليه المبادرة إلى آخره».

(١) حاصله انه لا بد من الالتزام بذلك في المقدمات التي لم يؤخذ في الواجب قدرة خاصة توجب اختصاص المقدمة بزمان الواجب كالواجب.

وتوضيحه ببيان امرين :

الأول : ان الوجوب المترشح من الواجب انما يترشح لما يتوقف عليه الواجب ، فاذا كان شيء في وقت لا يتوقف عليه الواجب وفي وقت آخر يتوقف عليه فالوجوب انما يترشح إلى ذلك الشيء في وقت التوقف ، اذ هو في الحقيقة في غير ذلك الوقت ليس بمقدمة للواجب.

الثاني : ان الواجب الذي له مقدمات انما يكون مقدورا عليه بالقدرة على مقدماته ، فلكل مقدمة بالنسبة إلى الواجب قدرة مخصوصة بينه وبين مقدمته.

فاذا عرفت هذا نقول : انه ربما يكون مأخوذا في الواجب بالنسبة إلى بعض مقدماته قدرة خاصة ، فمثل الطهارة بالنسبة إلى الصلاة قد اخذ في الصلاة ، قدرة خاصة بالنسبة اليها ، وهي القدرة على الطهارة في وقت الإتيان بالصلاة ، فالمكلف مأمور بالصلاة ، التي يتمكن من الطهارة لها في وقت اتيانها ، ومثل هذه القدرة على الطهارة هي المأخوذة في الصلاة ومما تتوقف عليها الصلاة ، أما الطهارة قبل وقت الصلاة فبحكم العدم من حيث توقف الصلاة عليها ، فلا يكون للطهارة

١١٩

تتمة : قد عرفت اختلاف القيود في وجوب التحصيل ، وكونه موردا للتكليف وعدمه ، فإن علم حال قيد فلا إشكال (١) ، وإن دار أمره ثبوتا

______________________________________________________

وجوب غيري مترشح من وجوب الصلاة إلا في وقت الصلاة ، وأما قبل وقتها فانه وان كان للصلاة وجوب إلّا انه لا يترشح على الطهارة.

وبعبارة اخرى : ان الوقت كما انه ظرف وشرط لإتيان الصلاة كذلك هو شرط للطهارة التي تكون مقدمة للصلاة ، فقبل الوقت لا تكون الطهارة مقدمة للصلاة حتى يترشح لها الوجوب. أما بقية مقدمات الصلاة التي لم يؤخذ في كونها مقدمة قدرة خاصة ولا يكون الوقت شرطا لمقدميتها كما هو شرط للصلاة فإنها تكون واجبة بالوجوب الذي كان قبل وقت الصلاة ، والى هذا أشار بقوله : «لا محيص عنه» : أي لا محيص عن الالتزام بسريان الوجوب إلى جميع المقدمات قبل زمان الواجب التي لم يؤخذ فيها قدرة خاصة ولا يكون الوقت شرطا لها كما هو شرط للواجب.

نعم ، في المقدمة التي اخذ فيها قدرة خاصة وكان الوقت شرطا لها ـ أيضا ـ لا بد من الالتزام بوجوبها في الوقت لا قبله ، لما عرفت انها قبل الوقت هي بحكم العدم من حيث كونها مقدمة يتوقف عليها الواجب ، ولذا قال : «إلّا إذا اخذ في الواجب من قبل سائر المقدمات قدرة خاصة وهي القدرة عليه» : أي على الواجب «بعد مجيء زمانه» : أي بعد مجيء زمان الواجب «لا القدرة عليه في زمانه من زمان وجوبه» : أي لا أن القدرة التي بين الواجب ومقدماته تكون مطلقة ومستمرة في زمان الاتيان به وابتداؤها من زمان وجوبه ، فمن في قوله : من زمان وجوبه للابتداء ، وفي قوله : في زمانه هي بمعنى إلى : أي تكون القدرة مستمرة من زمان وجوب الواجب الذي هو قبل وقته الى زمانه : أي زمان الاتيان به في وقته الماخوذ فيه.

(١) قد ظهر ـ مما مر ـ ان القيد إذا كان راجعا إلى الهيئة ـ وهي الوجوب ـ لا يجب تحصيله ، واذا كان راجعا إلى المادة ـ وهي الواجب ـ فإن لم يؤخذ على سبيل الاتفاق وجب تحصيله شرعا بناء على الملازمة وعقلا بناء على عدم الملازمة.

١٢٠