بداية الوصول

آية الله الشيخ محمّد طاهر آل الشيخ راضي

بداية الوصول

المؤلف:

آية الله الشيخ محمّد طاهر آل الشيخ راضي


المحقق: محمّد عبدالحكيم الموسوي البكّاء
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار الهدى
المطبعة: الظهور
الطبعة: ٢
ISBN: 964-497-058-6
ISBN الدورة:
964-497-056-X

الصفحات: ٣٩٩

فصل في مقدمة الواجب

وقبل الخوض في المقصود ، ينبغي رسم أمور :

الاول : الظاهر أن المهم المبحوث عنه في هذه المسألة ، البحث عن الملازمة بين وجوب الشيء ووجوب مقدمته ، فتكون مسألة أصولية ، لا عن نفس وجوبها ـ كما هو المتوهم من بعض العناوين ـ كي تكون فرعية ، وذلك لوضوح أن البحث كذلك لا يناسب الاصولي ، والاستطراد لا وجه له ، بعد إمكان أن يكون البحث على وجه تكون من المسائل الاصولية (١).

______________________________________________________

(١) لا يخفى ان البحث في مقدمة الواجب يمكن ان يكون اصوليا ، ويمكن ان يكون فقهيا ، ويمكن ان يكون غير ذلك ، واذا امكن ان يكون البحث فيها بحثا اصوليا فلا وجه للعدول عنه إلى عنوان آخر ، فإن بحث عنوان فقهي ـ مثلا ـ في فن الأصول لا بد وان يكون استطراديا ، وحيث يمكن ان لا يكون استطراديا فلا وجه لتحريره بنحو يكون استطراديا.

وبيان ذلك : إن المسائل الاصولية : هي ما كان البحث فيها عن قواعد كلية تقع نتيجة البحث عنها في طريق الاستنباط ، فاذا كان البحث في مقدمة الواجب عن الملازمة بين وجوب الشيء ووجوب مقدمته كان البحث اصوليا ، لأن الملازمة الثابتة اما بالبرهان ، أو بالوجدان بين كل واجب ومقدماته هي غير وجوب المقدمة ، فاذا ثبتت هذه الملازمة كانت نتيجتها تقع في استنباط حكم شرعي وهو وجوب المقدمة واذا لم تثبت هذه الملازمة كانت نتيجتها عدم وجوب المقدمة ، وينبغي ان يكون العنوان المبحوث عنه في المقام هكذا :

هو انه هل هناك ملازمة بين وجوب الشيء ووجوب مقدمته ام لا؟

ولا ينبغي أن يكون العنوان كما ذكروه :

هل مقدمة الواجب واجبة ام لا؟

١

ثم الظاهر ـ أيضا ـ أن المسألة عقلية ، والكلام في استقلال العقل بالملازمة وعدمه ، لا لفظية كما ربما يظهر من صاحب المعالم ، حيث استدل على النفي بانتفاء الدلالات الثلاث ، مضافا إلى أنه ذكرها في مباحث الالفاظ ، ضرورة أنه إذا كان نفس الملازمة بين وجوب الشيء ووجوب مقدمته ثبوتا محل الاشكال ، فلا مجال لتحرير النزاع في الاثبات والدلالة عليها باحدى الدلالات الثلاث ، كما لا يخفي (١).

______________________________________________________

فإن تحرير البحث بهذا العنوان يناسب أن يكون بحثا فقهيا فيلزم الاستطراد من ذكره في الاصول ، لأن الاصولي لا يبحث عن نفس الحكم ، بل يبحث عما يقع في طريق استنباط الحكم.

فالبحث عن الملازمة بين وجوب الشيء ووجوب مقدمته بحث اصولي ، لأنه بحث عما يقع في استنباط الحكم لا عن نفس الحكم ، لوضوح ان ملازمة حكم لحكم غير نفس الحكم ، والبحث عن نفس حكم مقدمة الواجب هل هي واجبة ام لا؟ بحث فقهي.

(١) لا يخفي ان استلزام وجوب شيء لوجوب مقدمته لملازمة واقعية ذاتية بينهما ليست من الامور الواضحة لكل احد ، بل هي من الامور التي تحتاج إلى اقامة برهان إما نظري أو ارتكازي وجداني ، فلا يسع أحد أن يدعي : ان الملازمة بينهما من اللزوم البين بالمعنى الاخص ، إذ لو كان اللزوم الذاتي الواقعي بينهما بالغا إلى درجة البين بالمعنى الاخص لما وقع محل نقض وابرام بين الاعلام ، فاثبته بعض ، وانكره آخرون ، ومن البعيد جدا ـ أيضا ـ أن يدعى احد : ان الملازمة بين وجوب شيء ووجوب مقدمته ليست واقعية ذاتية ، بل هي من الملازمات العرفية كاستلزام حاتم للكرم ، فانه لم يدعها احد ، ولا ينبغي ان تدعى ، إذ لو لم يكن ربط واقعي بين وجوب شيء ووجوب مقدمته فهما اجنبيان فأي شيء من المصادفات والاتفاقيات يوجب الملازمة بينهما كاستلزام حاتم للكرم.

٢

.................................................................................................

______________________________________________________

فاتضح : ان المسألة عقلية فهي من المسائل الاصولية العقلية لا ربط لها بمباحث الاصول اللفظية ، والذي يظهر من (صاحب المعالم) انها من المسائل الاصولية اللفظية لامرين :

الأمر الأول : ذكر (صاحب المعالم) لها في مباحث الالفاظ لا في مباحث الاصول العقلية. ويمكن الاعتذار عن (صاحب المعالم) بالنسبة إلى هذا الامر : بان السبب في ذكره لها في مباحث الالفاظ هو بعينه السبب الذي دعا لذكر مسألة اجتماع الامر والنهي في مباحث الالفاظ ، فإن مسألة اجتماع الامر والنهي هي امكان ان يجتمع الطلب لشيء والزجر عنه بعنوانين ام لا؟ ولا اختصاص له بان يكون الحكم الطلبي أو الحكم الردعي مستفادا من لفظ الامر ، أو لفظ النهي ، أو الاجماع ، أو غير ذلك.

ولكن حيث كان الطلب والمنع اكثر ما يستفادان من لفظ الامر ولفظ النهي لذلك ذكرت مسألة الاجتماع في مباحث الالفاظ ، وفي المقام كذلك فإن الوجوب اكثر ما يستفاد من الاوامر اللفظية.

الثاني : استدلال (صاحب المعالم) (١) على نفي وجوب مقدمة الواجب : بان الامر الدال على وجوب ذي المقدمة لا يدل على وجوب مقدمته لا مطابقة ولا تضمنا ولا التزاما.

وظاهر هذا الكلام منه (قدس‌سره) ان المسألة لفظية ، وان الكلام في ان اللفظ الدال على وجوب شيء هل يدل على وجوب مقدمته ام لا؟

وقد عرفت ان المسألة وان الدعوى هي وجود ملازمة واقعية ذاتية بين وجوب الشيء ووجوب مقدمته.

وقد عرفت ـ أيضا ـ بعد دعوى كون هذه الملازمة من البين بالمعنى الاخص حتى يصح ان يقال : انه إنما استدل على نفيها (صاحب المعالم) باحدى الدلالات الثلاث ،

__________________

(١) معالم الدين ، تحقيق البقال : ص ٢٤٤.

٣

.................................................................................................

______________________________________________________

فانه إذا كان اللزوم بينا بالمعنى الاخص لا بد من ان يكون اللفظ الدال على وجوب شيء يدل على وجوب مقدمته ، لفرض كون اللزوم بينهما من البين بالمعنى الاخص.

وقد عرفت ان المدعى للملازمة لا يدعي بلوغها لهذا الحد.

وقد عرفت ـ أيضا ـ انه من البعيد جدا دعوى الملازمة العرفية دون الواقعية الذاتية ، فلا يضر مدعي الملازمة تسليم عدم دلالة اللفظ الدال على وجوب ذي المقدمة على وجوب المقدمة ، لأن الملازمة بينهما ليست عرفية ولا لزوم بينهما بالمعنى الاخص ، بل لزومها من البين مطلقا أو بالمعنى الاعم ، وهذا يكفي في استلزام وجوب الشيء لوجوب مقدمته ، وهو غير مدلول عليه باللفظ ، بل الدال عليه البرهان أو الوجدان بعد التأمل والالتفات.

فاتضح : أن النزاع في الملازمة بين وجوب الشيء ووجوب مقدمته نزاع في مرحلة الثبوت والواقع ، وان العقل والبرهان أو الوجدان هل يثبت هذه الملازمة ، أو انه لا ملازمة في مرحلة الواقع بينهما فلا يثبتها برهان أو وجدان ، واذا كان النزاع في مرحلة الثبوت والواقع فان من اعترف بمرحلة الثبوت يقول بوجوب مقدمة الواجب وان لم يدل دليل لفظي على وجوب المقدمة ، ومن نفى الملازمة في مرحلة الثبوت والواقع فلا يعقل ان يدل دليل وجوب شيء على وجوب مقدمته لوضوح عدم مجال للمطابقة والتضمن ، وانما يحتمل الالتزام ، وحيث لا لزوم واقعي فلا يعقل الدلالة الالتزامية في مثل المقام لبعد دعوى الملازمة العرفية.

فاتضح من جميع ما ذكرناه : انه لا مجال لتحرير النزاع في مقام الاثبات والدلالة كما يظهر من (صاحب المعالم) لانه :

اولا : ان مقام الاثبات فرع مقام الثبوت ، فاذا كان الكلام في اصل الملازمة في مقام الثبوت فلا تصل النوبة إلى مقام الاثبات والدلالة ، لانها انما تكون بعد فرض انه هناك ملازمة واقعا يتأتى الكلام في ان : هل لهذه الملازمة الثابتة واقعا دليل في مقام الاثبات؟

٤

الامر الثاني : إنه ربما تقسم المقدمة إلى تقسيمات :

منها : تقسيمها إلى الداخلية وهي الأجزاء المأخوذة في الماهية المأمور بها ، والخارجية : وهي الامور الخارجة عن ماهيته مما لا يكاد يوجد بدونه (١).

وربما يشكل في كون الاجزاء مقدمة له وسابقة عليه ، بأن المركب ليس إلا نفس الاجزاء بأسرها (٢).

______________________________________________________

وثانيا : ان النزاع في مقام الثبوت ـ هنا ـ لا تصل معه النوبة إلى مقام الاثبات اصلا ، لأنه على فرض تحقيق الملازمة واقعا عند العقل أو الوجدان ، فلا داعي لأن يدل عليها دليل لفظي أو لبيّ ، ومع فرض عدم تحقق الملازمة واقعا عند العقل والوجدان فلا يعقل ان يدل عليها دليل ، إلّا ان يدعى ان الملازمة هنا عرفية لا عقلية أو وجدانية ، وهو بعيد جدا.

وقد أشار المصنف على الظاهر إلى ما ذكرناه اولا بقوله : «ضرورة انه إذا كان نفس الملازمة الخ».

(١) قد قسموا المقدمة إلى داخليّة وخارجية ، ولا بد اولا من بيان الفرق بينهما.

وحاصله : ان المقدمة الخارجية هي الامور التي يتوقف عليها وجود ذي المقدمة ، وكانت خارجة بوجودها وماهيتها عن ماهية ذي المقدمة ، ووجودها كالشرط والمقتضي والمعد ، وسيأتي الكلام فيها.

والمقدمة الداخلية هي التي يتوقف عليها ذو المقدمة ، وكانت ليست بخارجة عما يتقوم به المركب الذي هو ذو المقدمة ، بل داخلة في قوام ماهيته فينحصر مصداقها في الأجزاء التي يتألف المركب منها ولذا قال (قدس‌سره) : «وهي الأجزاء المأخوذة في الماهية المأمور بها».

(٢) حاصل الاشكال : ان لزوم المغايرة بين المقدمة وذيها مما لا ريب فيه ، وان من الواضح انه لا يعقل ان يكون الشيء مقدمة لنفسه.

٥

والحل : إن المقدمة هي نفس الاجزاء بالاسر ، وذو المقدمة هو الاجزاء بشرط الاجتماع ، فيحصل المغايرة بينهما ، وبذلك ظهر أنه لا بد

______________________________________________________

وقد عرفت ان المقدمة الداخلية منحصرة فيما يتقوم منها ماهية ذي المقدمة واجزائه التي يتالف منها ، ولا إشكال ـ أيضا ـ ان الوجوب النفسي الذي هو وجوب ذي المقدمة معروضة نفس ذي المقدمة ، وذو المقدمة ليس هو الّا الماهية التي يتالف منها ذو المقدمة ، وأجزاء الماهية التي يتالف منها ماهية ذي المقدمة هي نفس ذي المقدمة ، إذ ليست الماهية المركبة الّا نفس الأجزاء التي تتركب منها الماهية ، فاذا كانت الماهية المركبة التي هي الواجبة بالوجوب النفسي وهي نفس الأجزاء التي تتألف ـ فالأجزاء التي تتألف منها هي الواجبة بالوجوب النفسي. فكيف ان يعقل ان تكون نفس هذه الأجزاء مقدمة ، ولها وجوب غير الوجوب النفسي وهو الوجوب الغيري؟

ثم لا يخفى ان وجوب المقدمة وان كان مترشحا من وجوب ذيها ومتاخرا عنه ، إلّا ان نفس ذات المقدمة لها السبق على ذيها ، لأن وجود ذي المقدمة يتوقف عليها ، فلا بد من سبقها عليه ، واذا كانت الأجزاء هي نفس ذي المقدمة فلا يعقل ان يكون لها السبق عليه ، لعدم معقولية سبق الشيء على نفسه.

وقد عرفت انه لا بد من سبق المقدمة على ذي المقدمة ، وقد أشار إلى ما ذكرناه بقوله : «ربما يشكل في كون الأجزاء مقدمة له» : أي مقدمة للواجب «وسابقة عليه بان المركب ليس إلّا نفس الأجزاء باسرها» فلا يعقل ان تكون نفس الأجزاء باسرها مقدمة ، لأنها نفس المركب الذي هو ذو المقدمة ، ولا يعقل ان يكون الشيء مقدمة لنفسه ، ولا يعقل ـ أيضا ـ سبق الأجزاء باسرها على المركب ، التي هي نفس المركب لعدم معقولية سبق الشيء على نفسه.

٦

في اعتبار الجزئية أخذ الشيء بلا شرط ، كما لا بد في اعتبار الكلية من اعتبار اشتراط الاجتماع (١).

______________________________________________________

(١) لا يخفى ان في المقام أمرين :

الأول : انه هل يعقل الاثنينية بين المركب واجزائه؟ واذا تعقلنا الاثنينية صح ان يكون هناك مقدمة وذو المقدمة.

والثاني : ان هذه الاثنينية هل تصح ان تكون موجبة لترشيح وجوب غيري من الوجوب النفسي ام لا تصح وان تعقلنا الاثنينية.

والكلام في الثاني يأتي عند قول المصنف : ثم لا يخفى انه ينبغي خروج الأجزاء عن محل النزاع.

وعلى كل فالكلام ـ الآن ـ في تعقل الاثنينية وان هنا مقدمة وذا المقدمة.

وتوضيحه : ان المركب من أجزاء الذي هو الكل : هو عبارة عن أجزاء تقيدت بالتآلف والاجتماع ، فهناك شيئان : ذوات الأجزاء ، وقيد تآلفها واجتماعها ، فالأجزاء المجتمعة ـ بما هي مجتمعة ـ التي هي الكل عبارة عن مجموع الأجزاء وحيثية الاجتماع ، فالأجزاء في حال اجتماعها عبارة عن ذوات هذه الكتلة المجتمعة وحيثية اجتماعها ، فالكل هو الأجزاء المجتمعة بقيد اجتماعها ، ونفس الأجزاء المجتمعة من دون اخذ قيد الاجتماع هي أجزاء الكل.

واتضح مما ذكرنا : ان الفرق بين الأجزاء والكل هو لحاظ اللابشرطية والبشرطشيء ، فإن نفس الأجزاء المجتمعة إذا لوحظت من دون اخذ حيثية الاجتماع فيها ، بنحو عدم لحاظ قيد الاجتماع فيها : أي عدم تقيدها بالاجتماع كانت هي الأجزاء ، وهذا معنى لحاظها لا بشرط ، اذا ليس اللابشرطية الا لحاظ الشيء من دون تقيده بشيء ، وليس اللابشرطية في الأجزاء لحاظها مقيدة بعدم الاجتماع ، فانه من لحاظ بشرط لا ، لانه لحاظ الأجزاء مع قيد عدم الاجتماع فتكون مقيدة بهذا العدم ، وليس معنى البشرطلا الّا تقيد الملحوظ بعدم شيء ، وهذا بخلاف لحاظها بنحو عدم

٧

.................................................................................................

______________________________________________________

التقيّد بهذا العدم بلحاظها بنحو عدم لحاظ شيء معها لا مقيدة بعدم هذا الشيء ، فانه من اللحاظ اللابشرطي ، اذ اللابشرطية هو كون الملحوظ غير مقيد بوجود شيء آخر ولا بعدمه ، فلحاظ الأجزاء المجتمعة من دون تقيدها بحيثية تحقق الاجتماع ولا بحيثية عدم تحقق الاجتماع هو لحاظها لا بشرط ، ولحاظها مقيدة بحيثية الاجتماع هو لحاظها بشرط شيء وهو معنى كونها كلّا ومركبا ، ولحاظها بشرط عدم حيثية الاجتماع لحاظها بشرط لا : أي بشرط كونها ليست كلا ومن الواضح ان حيثية الاجتماع لا يعقل ان تعرض على المقيد بشرط عدم الاجتماع ، بل لا بد ان تعرض على غير المقيد بالاجتماع ، لأن عروضها على المقيد بالاجتماع لازمه عروض الشيء على نفسه ، وعروضها على المقيد بعدم الاجتماع لازمه عروض الشيء على نقيضه ، فهي انما تعرض على غير المقيد بالاجتماع ولا بعدم الاجتماع ، وهذا لازم في كل عارض ومعروض ، فإن العارض لا بد وأن يعرض على غير المقيد به ولا بعدمه.

وقد عرفت : ان معنى اللابشرطية هو كون الملحوظ غير مقيد بوجود شيء آخر ولا بعدمه ، فالأجزاء بالأسر الملحوظة من دون حيثية الاجتماع هو مناط كونها أجزاء ، والأجزاء بالاسر بقيد الاجتماع هو مناط كونها كلا.

فاتضح بما ذكرنا معنى الاثنينية في المقام ، وان المركب ينحل إلى ذات المقيد والمقيد بما هو مقيد ، فهنا اثنان : ذات المقيد ، والمقيد بما هو مقيد.

وقد اتضح ـ أيضا ـ ان هذه الأجزاء الملحوظة لا بشرط هي التي تعرضها الكلية وحيثية الاجتماع ، فلا بد ان يكون لها سبق على الكل ، لوضوح لزوم سبق كل معروض على عارضه.

واتضح ـ أيضا ـ ان المقدمة هي الأجزاء المجتمعة من دون أخذ قيد اجتماعها ، لأن لحاظ الأجزاء بالانفراد والاستقلال لا يكون لحاظا لها بما هي أجزاء للكل ، ومن الواضح ان الجزئية والكلية متضائفان فلا بد وان يلحظ الجزء بما هو مضاف إلى الكل ، وفي حال لحاظها جزءا لا بد من لحاظ كليتها ، واذا لحظت بالانفراد

٨

وكون الاجزاء الخارجية ـ كالهيولى والصورة ـ هي الماهية المأخوذة بشرط لا لا ينافي ذلك ، فإنه إنما يكون في مقام الفرق بين نفس الاجزاء الخارجية والتحليلية ـ من الجنس والفصل ـ وأن الماهية إذا أخذت بشرط لا تكون هيولى أو صورة ، وإذا أخذت لا بشرط تكون جنسا أو فصلا (١) ،

______________________________________________________

والاستقلال لا تكون مضافة إلى الكل ، فلا يكون لحاظها منفردة وبالاستقلال لحاظا للجزء بما هو جزء ، وانما يكون لحاظها بما هي جزء : بان تلحظ الأجزاء المجتمعة بذاتها مضافة إلى حيثية اجتماعها التي بها تتم حيثية الكلية.

وقد أشار المصنف إلى الاثنينية بقوله : «والحل ان المقدمة هي نفس الأجزاء بالاسر ، وذا المقدمة هو الأجزاء بشرط الاجتماع فيحصل المغايرة» والاثنينية.

وقد أشار إلى ان الفرق بين الجزئية في الأجزاء بالاسر وكليتها هو اللحاظ اللابشرطي والبشرطشيء بقوله : «وبذلك ظهر انه لا بد في اعتبار الجزئية اخذ الشيء بلا شرط» والى الشرط بقوله : «كما لا بد في اعتبار الكلية من اعتبار اشتراط الاجتماع» ، ولعله أشار إلى ما ذكرنا اخيرا من تضايف الجزئية والكلية بتعبيره باعتبار الجزئية واعتبار الكلية.

(١) قد عرفت ان جواب المصنف في الفرق بين الأجزاء والكل هو اللابشرطية والبشرطشيء ، وهو غير جواب تقريرات الشيخ ، فإن الظاهر منه انه قد أجاب عن الإشكال : بان الفرق بين الأجزاء والكل هو ان لهذه الأجزاء المجتمعة لحاظين : لحاظ بشرط لا وهو مناط جزئيتها ، ولحاظها لا بشرط وهو مناط كليتها ، فالفرق بين الأجزاء والكل هو البشرطلائية الذي هو مناط الجزئية ، واللابشرطية وهو مناط الكلية ، لأن مناط الكلية هو الاجتماع والاتحاد في هذه الأجزاء ولا بد في الاتحاد من لحاظ اللابشرطية ، بخلاف الجزئية فإنها مناط الانفراد ولا بد من لحاظ البشرط اللائية فإنها مناط الانفراد ، وقد قرب ما ادعاه : من ان الفرق هو البشرطلائية واللابشرطية بالتنظير بالهيولى والصورة التي هي الأجزاء الخارجية : بأن

٩

.................................................................................................

______________________________________________________

الأجزاء الخارجية إذا لوحظت بنحو الانفراد والبشرطلائية فلا يصح حمل بعضها على بعض ولا حملها على الكل ، فلا يقال ـ مثلا ـ البدن نفس ، ولا النفس بدن ، ولا البدن انسان.

واذا لوحظت هذه الأجزاء بنحو اللابشرطية كان لها اتحاد ووحدة وكانت انسانا ـ مثلا ـ وصح حمل بعضها على بعض ، فيقال : الحيوان ناطق وبالعكس ، وصح حملها على الكل ، فيقال : الحيوان انسان ، والناطق انسان وبالعكس فيهما ، فاثبتها ومقدميتها بلحاظها بشرط لا ومنفردة وكونها كلا وذا المقدمة بلحاظها لا بشرط وانها متحدة ، هذا هو المتحصل مما ذكر في التقريرات.

وقد عرفت بما ذكرنا : ان الفرق بينهما هو اللابشرطية والبشرطشيء ، وما ذكر في التقريرات غير تام لما عرفت ان الكل ليس هو إلّا الأجزاء بقيد الانضمام والاجتماع ، فهناك مقيد وقيد والقيود لا تلحق الّا اللابشرط ، فإن غير المقيد بوجود شيء ولا بعدمه يعقل ان يتقيد بوجوده ، فالأجزاء غير المقيدة بحيثية الاجتماع ولا بعدمها يعقل ان تتقيد بحيثية الاجتماع فتكون كلا ، اما المقيدة بشرط لا : أي بعدم كونها كلا ومجتمعة وتكون ملحوظة بالانفراد وعدم كونها متحدة ومجتمعة ، فلا يعقل ان تلحقها حيثية الاجتماع فإنها بما هي مقيدة بعدم الاتحاد والاجتماع لا يعقل ان تكون متحدة ومجتمعة.

واما ما ذكره من التنظير بالهيولى والصورة ولحاظهما بشرط لا فالذي يظهر مما ذكره اهل فنه انهم في مقام بيان الفرق بين الأجزاء الخارجية : أي الهيولى والصورة ، والأجزاء التحليلية : أي الجنس والفصل.

وتوضيح ذلك ـ على نحو لا يكون منافيا لما ذكرنا ـ : انهم ذكروا هذا الفرق في الماهية التي لها وجود واحد في الخارج فهي متحدة في الوجود اتحادا حقيقيا مع كونها مركبة ، فاذا لوحظت اجزاؤها بحيث انها متحدة في الوجود ولها وجود واحد لا بد وان تلحظ تلك الأجزاء بنحو اللابشرط ، إذ اللابشرطية هي التي لا تأبى عن

١٠

.................................................................................................

______________________________________________________

أي شرط فهي ـ مع انها موجودة بوجود واحد ـ أجزاء ، فلا بد وان تلحظ غير آبية عن هذا الاتحاد والموجودية بوجود واحد ، ولهذا يسمون هذه الأجزاء الملحوظة من هذه الجهة بالأجزاء التحليلية لفرض كونها موجودة بوجود واحد ، فالعقل مع كونه يراها موجودة بوجود واحد يحللها إلى جزءين ويعبّرون عنهما بالجنس والفصل ، ويقولون ان الجنس هو اللامتعيّن في مقام وجوده المتعيّن بوجود الفصل ويسمونها بالأجزاء التحليلية لفرض كونها أجزاء لما هو موجود بوجود واحد بلحاظ هذه الوحدة في الوجود ، فلا بد وأن تكون تحليلا لهذا الواحد وجودا ، واذا لوحظت هذه الأجزاء بما انها لكل منها وجود إذ المفروض كونها لها تركيب في الخارج ـ فلكل من هذه الأجزاء المركبة في الخارج وجود يختصّ به ، ولذا يقال : الهيولى موجودة في الخارج والصورة موجودة في الخارج ، فلحاظها بما ان لكل منها وجودا يخصّه وإن كان لمجموعها وجود واحد الّا أنه لكل واحد من الأجزاء حيثية وجود غير حيثية وجود الجزء الآخر فاذا لوحظت هذه الحيثيات بما أنها مختصّة بكل واحد وأن لكل واحد حيثية من هذا الوجود غير الحيثية الأخرى ـ كان ذلك سببا لأن تكون ملحوظة بشرط لا ، لفرض لحاظ كل منها بحيثيته المختصّة به ، ولا إشكال ان حيثيته المختصّة به غير الحيثية الأخرى المختصّة بالآخر فقد لوحظت منفردة وان لكل منها تحققا غير تحقق الآخر ، فهي بهذا اللحاظ بشرط لا وهي بهذا اللحاظ غير متحدة وكل منها غير الجزء الآخر ، لأن له حيثية وجود غير حيثية وجود الآخر وغير حيثية وجود الكل ، ولذا لا يصح حملها بعضا على بعض ولا بعضها على الكل ، فلا يقال : البدن نفس ، ولا النفس بدن ، ولا البدن انسان وانما يصح حملها مجتمعة على الكل فيصح ان يقال : الانسان نفس وبدن ، فالبشرطلائية في الهيولى والصورة انما هي في قبال اللابشرطية في الأجزاء التحليلية التي هي الجنس والفصل المنظور لحيثية اتحادها ، ولذا يصح حمل بعضها على بعض وعلى الكل فيصح ان تقول : الناطق حيوان ، والناطق انسان وبالعكس فيهما.

١١

لا بالاضافة إلى المركب (١)

______________________________________________________

فاذا عرفت ما ذكرنا ـ تعرف أن البشرطلائية التي ذكروها في الماهية الموجودة بوجود واحد غير البشرطلائية التي ذكرها في التقريرات في المقام ، فإن الأجزاء في المقام لكل منها وجود مستقل ـ تماما ـ خارجا وحقيقة عن وجود الآخر وانما لها وحدة اعتبارية فلا يعقل لحاظها بشرط لا لأجل لحاظ ما لها من حيثية الوجود الواحد ، لأن المفروض بل واقع الحال ان لكل منها وجودا منفصلا تمام الانفصال عن وجود الجزء الآخر وعن الكل وأنهم في غنى عن لحاظها بشرط لا ، لذلك فلحاظها بشرط لا لا بد وان يكون بنحو قياسها إلى الكل ، واذا لحظت بشرط لا عن الكل لا يعقل ان تكون مع هذا اللحاظ أجزاء وذات مقيد تلحقه حيثية الاجتماع ، فإن المقيد بعدم الكلية والاجتماع لا يعقل ان يلحقه الاجتماع كما عرفت ، فلا بد في هذه المركبات ان تلحظ بنحو اللابشرطية حتى يصح ان يلحقها شرط الاجتماع فتكون كلا.

وقد اتضح ـ أيضا ـ ان لحاظ الأجزاء بشرط لا كما ذكر في الهيولى والصورة بلحاظ ان لكل منها حيثية من الوجود غير حيثية وجود الجزء الآخر وغير حيثية وجود الكل ، وانها بهذا اللحاظ لا يصح حمل بعضها على بعض ولا على الكل وان هذه البشرطلائية لا تنافي في لحاظها لا بشرط من ناحية أنها أجزاء تلحظ بنحو اللابشرط من ناحية التألف ، والانضمام ، والتركيب ، والاجتماع وانها ذات المقيد ، والتاليف والاجتماع قيدها والمجموع منها يكون كلا.

(١) لا يخفى ان لحاظ الأجزاء بنحو البشرط اللائية كالهيولى والصورة ولحاظ الأجزاء لا بشرط كالجنس والفصل لا يختص باضافة الأجزاء بعضها إلى بعض ، بل يعم لحاظ المركب أيضا ، فإن لحاظها بنحو البشرطلائية كما يقع بالنسبة إلى لحاظ الأجزاء بنحو اللابشرط كذلك يقع في قبال لحاظ المركب ، فالهيولى كما أنها في قبال الجنس والفصل : أي الحيوان والناطق كذلك هي في قبال الانسان أيضا ، بل الهيولى والصورة في لحاظهما بشرط لا يقع حتى بالنسبة إلى بعضهما إلى بعض ، فإن حيثية

١٢

فافهم (١).

______________________________________________________

الهيولى غير حيثية الصورة كما انها غير حيثية الجنس والفصل وغير حيثية الانسان ، وكذلك الجنس والفصل فإنهما حيث لحظا بنحو اللابشرطية فهما باضافة بعضهما إلى بعض وبالاضافة إلى المركب أيضا ، ولذا يجوز حملهما بعضا على بعض وعلى الكل أيضا ولحاظهما كذلك في قبال لحاظهما بشرط لا ولا يختص لحاظ البشرطلائية واللابشرطية بالنسبة إلى لحاظ الأجزاء بعضها إلى بعض ، ويمكن أن يكون مراده من قوله (قدس‌سره) : لا بالاضافة الى المركب ـ ان لحاظ هذه اللابشرطية ليس هو لحاظ اللابشرطية التي ذكرها وهو لحاظ الأجزاء لا بشرط من حيث قيد التالف والاجتماع فإن تلك اللابشرطية تختص بلحاظ الأجزاء في قبال الكل ، فإنها لحاظ بالنسبة إلى وصف الجزئية والكلية وهما متضائفان ، فلا بد في مقام لحاظ احدهما من لحاظ الآخر.

(١) يمكن ان يكون إشارة إلى إمكان تصحيح ما في التقريرات بان نقول : ان لحاظ اللابشرطية والبشرطلائية في أجزاء المركبات الحقيقية كما ذكره المصنف في أمور المشتق إنما هو لأجل تصحيح الحمل ولعدم تصحيح الحمل ، فإن الجزء الملحوظ لا بشرط كالجنس والفصل يصح حمله ، والملحوظ بشرط لا كالهيولى والصورة لا يصح الحمل فيه.

وما ذكره المصنف وان كان غير ما ذكره غيره : من ان لحاظ اللابشرطية والبشرطلائية في أجزاء المركبات الحقيقية التي هي الموجودة بوجود واحد إنما هو لأن لأجزاء هذه المركبات جهتين واقعيتين : جهة كونها موجودة بوجود واحد فهي متحدة في الوجود ولحاظها من هذه الجهة لحاظ اللابشرط فلذلك يصح حملها ، وجهة ان لكل من هذه الأجزاء حيثية من الوجود تخصه غير حيثية الجزء الآخر وغير حيثية الكل وبهذه الجهة يكون لحاظ البشرطلائية.

١٣

.................................................................................................

______________________________________________________

والفرق بين المصنف وما ذكره الغير لا يهم فيما نحن بصدده فنقول : انه من الواضح ان هذه اللابشرطية والبشرطلائية لا محل لها في أجزاء المركبات التي لكل واحد من أجزائها وجود واقعي حقيقي مستقل تمام الاستقلال عن وجود الأجزاء الأخر والوحدة فيها اعتبارية لا غير ، فانه إذا كان للأجزاء وجودات استقلالية واقعية فلا يعقل لحاظها لا بشرط لتصحيح الحمل ، لوضوح ان ما كان له وجود مستقل لو لحظ لا بشرط لا يصح حمله على الأجزاء ولا على الكل لأن مناط صحة الحمل في هذا الحمل الذي هو الحمل الشائع الاتحاد إما اتحادا في الوجود : بان يكون لهما وجود واحد حقيقي كالجنس والفصل ، وإما لاتحادهما اتحاد الكلي وفرده كحمل الانسان على زيد وبالعكس ، أو لتصادقهما على وجود واحد كحمل الضاحك على المتعجب أو على الناطق فما لم يكن هناك اتحاد حقيقي بنحو من الأنحاء لا يصح الحمل واما صرف اللحاظ اللابشرطي لا يكون مصححا للحمل مع ان لكل منهما وجودا منفردا مستقلا عن الآخر لا يتحد مع الآخر بنحو من أنحاء الاتحاد ، وحيث انها ليست موجودة بوجود واحد فلا يصح لحاظها لا بشرط لما لها من حيثية الوجود الواحد المختصة بها ـ كما ذكره غير المصنف (قدس‌سره) ـ وأيضا لا يكون لحاظها بشرط لا لأجل عدم تصحيح الحمل ، لوضوح انه بعد ان كان لكلّ منها وجود مستقل فهي بنفسها لا يصح حملها فلا داعي إلى لحاظها بشرط لا ، لعدم صحة الحمل كما في المركبات الحقيقية كالهيولى والصورة.

ومن الواضح ـ أيضا ـ انها حيث كان لكل منها وجود مستقل انفرادي فلا يعقل لحاظها بنحو البشرطلائية لأجل حيثية تخصّها من الوجود الواحد إذ ليس لها وجود واحد ، بل لكل واحد منها وجود على حدة مستقل ومنفرد عن الآخر تماما ، فإن للركوع ـ مثلا ـ وجودا يخصّه غير وجود القراءة. إلّا انها يمكن ان تلحظ بشرط لا ولا بشرط لا من حيث الجهتين المتقدمتين.

١٤

ثم لا يخفى أنه ينبغي خروج الاجزاء عن محل النزاع ـ كما صرح به بعض ـ وذلك لما عرفت من كون الأجزاء بالأسر عين المأمور به ذاتا ، وإنما كانت المغايرة بينهما اعتبارا ، فتكون واجبة بعين وجوبه ، ومبعوثا إليها بنفس الأمر الباعث إليه ، فلا تكاد تكون واجبة بوجوب آخر ،

______________________________________________________

وتقريبه انه حيث كان الكلام في مقدميّة الأجزاء للكل لأجل إمكان ان تكون واجبة بوجوب مقدّمي فلذات الجزء الذي له وجود مستقل لحاظ لا يرتبط بكونه جزءا : بان تلحظ ذاته من حيث هي ، لا من حيث كونه جزءا ، ولحاظ : بان يلحظ كل جزء منفردا عن الكل بما انه بعض هذا الكل وهذا لحاظ صحيح لذات كل جزء منفردا ، فإن كل جزء بنفسه إذا لحظ بالنسبة إلى تألف الكل منه هو بعضه وجزء من الكل ، ففي هذا اللحاظ حيثية التضايف بين الكل والجزء محفوظة ولا يلزم في لحاظ الجزئية ملاحظة مجموع الأجزاء ، كما ذكرنا سابقا.

ولا يخفى ان لحاظ الجزء بهذا اللحاظ : أي بما هو بعض الكل هو من اللحاظ البشرطلائي ، لانه ملحوظ بما هو غير الكل : بنحو انه بعضه ولحاظ بما هو بعض مضايف للحاظ الكل وهو في قبال الكل وبشرط لا من ناحية الكلية ، لوضوح كون البعضيّة في قبال الكلية ـ فصحّ ان يلحظ الجزء بما هو جزء بنحو اللحاظ البشرطلائي ، ويمكن ان يلحظ لا بشرط من ناحية كونه في قبال الكل وانه بعض منه ، بل بان يلحظ مع غيره من الأجزاء مجتمعة ، وحيث ان الكل هو الأجزاء المجتمعة فلحاظها لحاظ الكل فصحّ أن يكون لحاظ الأجزاء لا بشرط : أي لحاظها مع غيرها ـ لحاظا لكليّه.

إلّا انه بعد تصحيح ما في التقريرات ـ بما ذكرنا : من البشرطلائية واللابشرطية ـ يمكن ان يرد عليه : ان لحاظ الأجزاء مجتمعة لا بشرط ليس لحاظ الكليّة ، بل لحاظ الكلية لحاظ الأجزاء المجتمعة بشرط الاجتماع ، فيكون الفرق بين الجزئية والكلية هو لحاظ البشرطلائية والبشرطشيء لا اللابشرطية.

١٥

لامتناع اجتماع المثلين (١) ، ولو قيل بكفاية تعدّد الجهة ، وجواز اجتماع الأمر والنهي معه ، لعدم تعدّدها هاهنا ، لأن الواجب بالوجوب الغيري

______________________________________________________

(١) هذه هي الجهة الثانية التي أشرنا اليها في صدر المسألة : وهي انه بعد تصحيح أن للأجزاء مقدميّة على الكل ، وانه ـ هنا ـ اثنان : مقدمة وذو المقدمة إلّا ان هذه المقدميّة لا ينبغي ان يشملها محل النزاع في مسألة وجوب مقدمة الواجب ، وان بين وجوب المقدمة ووجوب ذيها ملازمة واقعية ام لا؟

وتوضيح ذلك : ان المفروض هو كون هذا التركيب اعتباريا لا حقيقيا ، ولازم كون التركيب اعتباريا انه ليس الموجود في الخارج إلّا نفس الأجزاء ، وانه ليس في الخارج هيئة خارجية تعرض هذه الأجزاء كهيئة السريرية ـ مثلا ـ والّا كان التركيب خارجيا ولم يكن تركيبا اعتباريا ، فمعنى التركيب الاعتباري هو كون لحاظ الاجتماع لحاظا ذهنيا بحتا لا خارجيا وإنما هو آلة للحاظ كونه مركبا فقط.

ومن الواضح : ان الذي يكون واجبا باي نحو من الوجوب سواء كان نفسيا أو غيريا هو الموجود الخارجي ، فاذا لم يكن في الخارج غير نفس الأجزاء فحينئذ هي التي تكون واجبة بالوجوب النفسي.

ومن الواضح : انه ليس المأمور به في هذه المركبات الاعتبارية مركبا مما في الخارج ومما في الذهن. فاذا كانت حيثية الاجتماع أمرا ذهنيا فلا تكون مامورا بها وينحصر ما هو المأمور به في المركبات الاعتبارية وبما يوجد في الخارج ، والذي يوجد في الخارج هو نفس الأجزاء من دون حيثية الاجتماع لما عرفت : من ان التركيب اعتباري. واذا كانت نفس الأجزاء في الخارج هي الواجبة بالوجوب النفسي لا يبقى مجال لأن تكون واجبة بوجوب آخر مقدّمى ، لأن الواجب بالوجوب المقدمي هو الذي يتوقف عليه وجود ذي المقدمة في الخارج ، فاذا كانت نفس هذه الأجزاء التي هي مقدمة بنحو من اللحاظ هي الواجبة بالوجوب النفسي في الخارج لا تكون مما يتوقف عليها وجود الواجب في الخارج فلا يترشح لها وجوب من الوجوب النفسي ،

١٦

لو كان إنما هو نفس الأجزاء ، لا عنوان مقدّميتها والتوسّل بها إلى

______________________________________________________

لأن الذي يترشح له الوجوب هو ما توقف عليه وجود الواجب لا ما كان نفس الواجب خارجا ، فإن المقدمة إذا كانت في الخارج نفس ما هو واجب بالوجوب النفسي لا يعقل ان يترشح لها وجوب غيري فانه لو ترشح لها وجوب غيري ، لزم اجتماع المثلين كما هو المعروف ، ولزوم اجتماع العلتين المستقلتين على معلول واحد ، لأن الوجوب الذي هو علة لإيجاد المقدمة والوجوب النفسي علة لإيجاد ذي المقدمة ، وحيث انه في الخارج واحد وهو نفس الاجزاء فيلزم اجتماع علتين عليه ، لوضوح ان هذه الموجودات في الخارج تكون واجبة بوجوب نفسي ، ونفسها ـ أيضا ـ تكون واجبة بوجوب غيري فيجتمع وجوبان على واجب واحد ويكون من اجتماع العلتين المستقلتين على معلول واحد.

والى ما ذكرنا أشار بقوله : «لما عرفت من كون الأجزاء بالأسر عين المأمور به» لما عرفت : من ان التركيب إذا كان اعتباريا لا يكون المأمور به في الخارج إلا نفس الأجزاء لا غير ، وتنحصر المغايرة بين الأجزاء والكل بالمغايرة الاعتبارية ، لأن حيثية الاجتماع أمر ذهني غير مأمور بها وانما هي أمر ذهني كان آلة للحاظ المركب ووحدته اعتبارا ، فحينئذ تكون نفس الأجزاء بلحاظها لا بشرط مقدمة وبلحاظها بشرط شيء ذا المقدمة ، فالمغايرة بين المقدمة وذي المقدمة بصرف اللحاظ الاعتباري وهو امر اعتباري ، ولذا قال (قدس‌سره) : «وانما كانت المغايرة بينهما» : أي بين المقدمة وذي المقدمة «اعتبارا» لا أمرا خارجيا ، ولازم ذلك ان تكون الواجبة بالوجوب النفسي هي نفس الأجزاء بالأسر ولذا قال (قدس‌سره) : «فتكون واجبة بعين وجوبه» : أي بعين الوجوب النفسي «و» تكون الأجزاء بالأسر مبعوثا اليها بنفس الأمر الباعث اليه» : أي بنفس الباعث إلى الواجب النفسي ، ولا يعقل ان تكون واجبة بوجوب آخر غيري ، وإلّا لزم اجتماع المثلين ، ولذا قال : «فلا تكاد تكون واجبة بوجوب آخر لامتناع اجتماع المثلين».

١٧

المركب المأمور به ، ضرورة أن الواجب بهذا الوجوب ما كان بالحمل الشائع مقدّمة ، لأنه المتوقف عليه ، لا عنوانها ، نعم يكون هذا العنوان علّة لترشح الوجوب على المعنون.

فانقدح بذلك فساد توهم اتصاف كل جزء من أجزاء الواجب بالوجوب النفسي والغيري ، باعتبارين : فباعتبار كونه في ضمن الكل واجب نفسي ، وباعتبار كونه مما يتوسّل به إلى الكل واجب غيري (١) ، اللهم إلا أن يريد

______________________________________________________

(١) هذا دفع لما يمكن ان يقال.

وحاصله : انه لو قلنا بكفاية تعدد الجهة في اجتماع الأمر والنهي ، بان نقول : إن الشيء بعنوان واحد لا يعقل أن يؤمر به وينهى عنه لكنه بعنوانين يمكن أن يجتمع الأمر والنهي فيه فيكون واجبا بعنوان ومحرما بعنوان آخر كعنوان الصلاة والغصب في الحركة الركوعية ـ مثلا ـ فانه تكون بعنوان كونها صلاة مأمورا بها ، وبعنوان كونها غصبا منهيا عنها ، فاذا قلنا بجواز اجتماع الأمر والنهي بعنوانين وبجهتين جاز اجتماع الوجوبين ـ أيضا ـ هنا بعنوانين ، فإن الأجزاء بعنوان كونها هي الكل تكون واجبة بالوجوب النفسي وبعنوان كونها مقدمة تكون واجبة بالوجوب الغيري ، وحيث ان المطلوب واحد يتاكد الوجوب ويكون وجوبا واحدا مؤكدا.

نعم ، اذا قلنا بامتناع الاجتماع صح ان يمنع اجتماع الوجوبين في المقام.

وحاصل الدفع : هو انه لو قلنا : بكفاية تعدد الجهة في اجتماع الأمر والنهي أو الأمرين في الواحد ذي العنوانين لا نقول به في المقام ، لأن الواجب بالوجوب المقدّمي ليس عنوان المقدمية حتى يجتمع في هذه الأجزاء عنوان كونها صلاة ـ مثلا ـ وعنوان كونها مقدمة فإن الواجب بالوجوب المقدّمي ليس عنوان المقدّمية ، بل ذات ما هو مقدمة.

١٨

.................................................................................................

______________________________________________________

والبرهان عليه : ان الواجب بالوجوب الغيري ذات ما يتوقف عليه الواجب النفسي لا عنوان مقدّميته وليس كالصلاة والغصب فإن المحرّم ما هو معنون الغصبية : أي الحركة المعنونة بكونها غصبا لتعلق الحرمة بعنوان الغصبية ، وليس المحرم ذات الحركة فيجتمع العنوانان. فإن قلنا بكفاية تعدّد الجهة صح الاجتماع ، وان لم نقل بكفاية تعدّد الجهة نقول : بالامتناع.

وأما في المقام فالواجب بالوجوب الغيري ذات ما هو مقدمة لا عنوان المقدميّة ـ فلا يكون المقام مما اجتمع فيه عنوانان.

وبعبارة اخرى : ان الحيثية تارة تكون تقييدية كما في الصلاة ـ مثلا ـ واخرى تعليلية كما في وجوب المقدمة ، فإن عنوان المقدمية حيثية تعليلية لأن يكون ذات ما يتوقف عليه الواجب النفسي واجبا بالوجوب الغيري ، ولعل السبب في كون عنوان المقدمية حيثية تعليلية هو أن الحاكم بوجوب مقدمة الواجب هو العقل ، والعقل يرى ان التوقف لذات ما يتوقف عليه الواجب النفسي ، لا لعنوان المقدمية فما هو بالحمل الشائع مقدمة هو الذي يتوقف عليه الواجب فعنوان المقدمية عند العقل حيثية تعليلية ، بخلاف الصلاة فانه لما وقع هذا العنوان متعلقا للأمر فالشيء المعنون بكونه صلاة هو الواجب ، فالحركة الركوعية المقيدة بحيثية كونها صلاة هي الواجبة فالحيثية تقييدية ، وإلى هذا أشار (قدس‌سره) بقوله : «لأن الواجب بالوجوب الغيري لو كان إنما هو نفس الأجزاء لا عنوان مقدميتها» وأشار إلى البرهان بقوله : «ضرورة ان الواجب بهذا الوجوب ما كان بالحمل الشائع مقدمة» : أي ذات ما هو مقدمة لا عنوان المقدمية «لأنه المتوقف عليه لا عنوانها» : أي لأن الملاك والسبب في وجوب المقدمة هو توقف الواجب عليها ، والواجب انما يتوقف على ذات ما هو مقدمة لا عنوان المقدّمية كما عرفت ، فان عنوان المقدمية لم يقع تحت خطاب شرعي حتى نقول ان الأمر تعلق بالعنوان لينطبق على المعنون كما تعلق في عنوان الغصب حتى ينطبق على معنونه ، والّا فالذي يقوم به مفسدة الغصب ـ أيضا ـ ما هو غصب

١٩

أن فيه ملاك الوجوبين ، وإن كان واجبا بوجوب واحد نفسي لسبقه (١) ،

______________________________________________________

بالحمل الشائع ، لا مفهوم الغصبية ولكن حيث كان الغصب متعلق النهي بعنوانه لينطبق على معنونه فالعنوان هو المتعلق للنهي والخطاب ، بخلاف وجوب المقدمة فإن المدرك لوجوبها لو قلنا به هو العقل والعقل يدرك ان ذات ما يتوقف عليه الواجب هو الذي تعلق به الوجوب ويترشح اليه من الوجوب النفسي.

نعم ، حيث ان موجودات العقل من سنخ المدركات النفسية فالعقل يدرك ما في الخارج بعنوانه فيجعل عنوان المقدمية مرآة لما هو الواجب عنده ، وهو ما بالحمل الشائع مقدمة : أي ذات ما هو مقدمة ، وإلى كون الحيثية تعليلية أشار بقوله : «نعم يكون هذا العنوان علة لترشح الوجوب على المعنون».

فاذا عرفت هذا ـ عرفت انه لم يجتمع في المقام عنوانان.

فاتضح فساد ما توهم ان المقام من قبيل ما اجتمع فيه العنوانان كما في مقام اجتماع الأمر والنهي فلا تكون الأجزاء مما تتصف بالوجوب النفسي والغيري والى هذا أشار بقوله : «فانقدح بذلك فساد توهم اتصاف كل جزء إلى آخره».

(١) حاصله كاعتذار وتأويل لتوهم هذا المتوهم : بان نقول أن مراده من اجتماع العنوانين في الأجزاء أن في الأجزاء يجتمع الملاكان للوجوبين لا نفس الوجوبين ، لأنه حيث كان ملاك المقدمية ـ على ما عرفت مما تقدم ـ موجودا في الأجزاء وملاك الوجوب النفسي لا ريب في وجوده فيها لأنها نفس الواجب بالوجوب النفسي فاجتمع في الأجزاء الملاكان لوجوبين لا نفس الوجوبين ، وحيث لا مجال لتأثير كلا الملاكين فلا بد ان يؤثر احدهما فقط ، فيكون المؤثر في الوجوب هو ملاك الوجوب النفسي لأن ملاك الوجوب النفسي كعلة للوجوب الغيري ، فلا بد وأن يسبق ملاك الوجوب النفسي في التأثير ـ في المقام ـ لأن تأثير ملاك الوجوب النفسي بعد ان كان كعلة للوجوب الغيري لا يعقل بان يتوقف تأثيره على ما هو كمعلول له ، بخلاف تأثير ملاك الوجوب الغيري فانه لما كان كمعلول للوجوب النفسي فيتوقف تأثيره على تأثير

٢٠