بداية الوصول - ج ١

آية الله الشيخ محمّد طاهر آل الشيخ راضي

بداية الوصول - ج ١

المؤلف:

آية الله الشيخ محمّد طاهر آل الشيخ راضي


المحقق: محمّد عبدالحكيم الموسوي البكّاء
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار الهدى
المطبعة: الظهور
الطبعة: ٢
ISBN: 964-497-057-8
ISBN الدورة:
964-497-056-X

الصفحات: ٥٠٥

وقبل الخوض في ذكر ادلة القولين يذكر امور (١):

ـ منها : انه لا شبهة في تأتي الخلاف ، على القول بثبوت الحقيقة الشرعية ، وفي جريانه على القول بالعدم اشكال (٢) ،

______________________________________________________

(١) حيث انه سيعقد بحثا في اسامي المعاملات جعل الكلام فعلا في الفاظ العبادات ، وانها هل هي موضوعة لخصوص الصحيح ، أو للاعم منه ومن الفاسد؟

(٢) جريان النزاع في الوضع للصحيح ، او الأعم بناء على ثبوت الحقيقة الشرعية واضح ، فان مدعي الصحيح يدعي ان الشارع وضعها له ، ومدعي الأعم يدعي وضعها له ، الّا ان الاشكال في ان هذا النزاع هل يجري بناء على عدم ثبوت الحقيقة الشرعية؟

ولا يخفى ان الاقوال في استعمال هذه الالفاظ في المعاني المخترعة للشارع ثلاثة :

ـ وضعها له ، وهو الحقيقة الشرعية.

ـ واستعمالها فيها مجازا بمناسبة المعاني اللغوية.

ـ واستعمالها في معانيها اللغوية دائما ، وهذه الامور المخترعة الخاصة لم تستعمل هذه الالفاظ فيها بخصوصها لا حقيقة ولا مجازا ، وانما استعملت فيها لأنها من مصاديق المعاني اللغوية ، وهو مذهب الباقلاني.

ثم لا ريب في ان عنوان هذه المسألة وأدلة الطرفين تختص بالحقيقة الشرعية ، لان عنوان المسألة : ان هذه الالفاظ هل هي موضوعة للصحيح ، او للاعم ، فما لا وضع فيه خارج عنه موضوعا. وأما ادلة الطرفين فانهم يستدلون بالتبادر ، وصحة السلب ، وان الاستعمال علامة الحقيقة ، وان ديدن الواضعين هو الوضع للصحيح او الاعم ، وهذه الادلة موضوعها ما له حقيقة ، اما ما لا حقيقة له ، بل الاستعمال فيه مجاز يخرج عن موضوعها.

٨١

وغاية ما يمكن ان يقال في تصويره : ان النزاع وقع على هذا : في ان الاصل في هذه الالفاظ المستعملة مجازا في كلام الشارع هو استعمالها في خصوص الصحيحة ، او الاعم : بمعنى ان ايهما قد اعتبرت العلاقة بينه وبين المعاني اللغوية ابتداء وقد استعمل في الآخر بتبعه ومناسبته كي ينزل كلامه عليه مع القرينة الصارفة عن المعاني اللغوية ، وعدم قرينة اخرى معينة للآخر. وانت خبير بانه لا يكاد يصح هذا الّا اذا علم ان العلاقة انما اعتبرت كذلك ، وان بناء الشارع في محاوراته استقر عند عدم

______________________________________________________

الّا ان ثمرة المسألة ـ : هي التمسك بالاطلاق على الاعم ، وعدمه على الصحيح ـ لا تختص بالوضع ، بل تتأتى على المجازية ، وعلى مذهب الباقلاني ايضا ، ولذلك لا بد من تصوير على المجازية ، وعلى مذهب الباقلاني.

فاتضح بما ذكرنا : ان سبب الاشكال هو عدم شمول العنوان والادلة مضافا الى ما سيأتي من الاشكالات على نفس التصوير.

٨٢

نصب قرينة اخرى على ارادته ، بحيث كان هذا قرينة عليه من غير حاجة الى قرينة معينة اخرى ، وأنى لهم باثبات ذلك (١).

______________________________________________________

(١) حاصل ما صوره : ان النزاع بناء على المجازية يكون بادعاء ان الذي اعتبرت العلاقة بينه وبين المعنى اللغوي هو الصحيح بناء على الصحيحي ، ويستعمل في الأعم بمناسبة المعنى الصحيح ، فالعلاقة ابتداء اعتبرت في الصحيح. والأعمّي يدعي العكس ، وان العلاقة ابتداء اعتبرت مع الاعم ، ويستعمل في الصحيح بمناسبة الاعم ، ولازم هذا التصوير هو ان الاستعمال في غير ما اعتبرت العلاقة بينه وبين المعنى اللغوي ابتداء يكون من باب سبك المجاز في المجاز ، ولذلك اورد عليه المصنف : ان مدعي احد الامرين لا بد له من اثبات ان العلاقة ابتداء اعتبرت بين ما يدعيه والمعنى اللغوي ، وطريق اثبات هذه العلاقة الابتدائية لا يتأتى له ، الّا بان يثبت ان الشارع استقر ديدنه في محاوراته انه اذا نصب قرينة على عدم ارادة المعنى اللغوي ، فهو يريد الصحيح ـ مثلا ـ بناء عليه ، من دون حاجة الى تعيينه ، لان المعنى اللغوي له مجاز واحد ، وهو الصحيح ، فبمجرد صرف النظر عن معناه اللغوي يتعين المعنى المجازي ، وهو الصحيح ، واما الأعم فحيث انه يكون بمناسبة المعنى المجازي وهو الصحيح ، فهو يحتاج الى صارف عن المعنى اللغوي ، والى ارادته بعلاقة المعنى الصحيح. ومدعي الأعم يدعي هذا الامر بالعكس. وأنى للكل منهم باثبات هذه الدعوى.

إلّا انه لا ينحصر تصوير النزاع فيما يلزمه سبك المجاز بالمجاز ، بل يمكن أن يتصور بنحو آخر : وهو ان يدعى : ان كلا من المعنيين اعتبرت العلاقة بينه وبين المعنى اللغوي ، لكن مدعي الصحيح يدعي : ان الصحيح اشد مناسبة وارتباطا بالمعنى اللغوي ، فهو ارجح من المعنى الاعم ، فاذا حصل الصارف عن المعنى اللغوي يتعين الأرجحية على المعنى الأعم. ومدعي الأعم يدعي : العكس.

وحينئذ ، يكون على كل منهما اثبات الأرجحية على الآخر ، أو أن كلا منهما يدعي غلبة الاستعمال فيما يدعيه بالنسبة الى الاستعمال في المعنى المجازي الآخر ،

٨٣

وقد انقدح بما ذكرنا : تصوير النزاع على ما نسب الى الباقلاني ، وذلك : بان يكون النزاع في ان قضية القرينة المضبوطة التي لا يتعدى عنها ، الّا بالاخرى الدالة على اجزاء المأمور به وشرائطه هو تمام الأجزاء والشرائط ، او هما في الجملة ، فلا تغفل (١).

______________________________________________________

وايضا يكون على مدعي الغلبة اثباتها. وهناك تصوير ثالث ذكر في تقريرات الشيخ الاعظم ، لا يلزم منه سبك المجاز بالمجاز. فليراجع ، مع ما يمكن ان يقال فيه.

(١) لا يخفى أن الباقلاني حيث يدعي استعمال هذه الالفاظ في معانيها اللغوية ، والخصوصيات مستفادة من دال آخر ، لا بد وان يكون النزاع بين الصحيحي والأعمي في ذلك الدال وهو القرينة المستفادة منها الخصوصيات ، واذا كانت القرينة الدالة على الخصوصيات : وهي الأجزاء والشرائط مبينة ، ومفصلة فلا وجه للنزاع ، وإنما يتأتى النزاع فيما اذا كانت القرينة الدالة على الاجزاء والشرائط مجملة ، مدلولها معنى واحد ، فالصحيحي يدعي انه الجامع الصحيحي ، والأعمي يدعي انه الجامع الأعمي ، فانه اذا لم يكن مدلولها معنى واحدا ، لا يبقى للتمسك بالاطلاق ، وعدمه مجال ، الذي هو المهم في ثمرة هذا النزاع.

ولا يخفى : انه على هذا لا يكون النزاع في هذه الالفاظ ، بل فيما هو خارج عنها وهو القرينة الدالة على الأجزاء والشرائط. وقد عرفت : عدم تأتي النزاع فيما كانت القرينة دالة على الأجزاء والشرائط تفصيلا ، وانما يتوهم النزاع فيما كانت مفهوما مجملا قابلا للانطباق على الصحيح وعلى الاعم ، فمدعي الصحيح يدعي انها هي الصحيح ، ومدعي الاعم يدعي العكس.

الّا انه على هذا أيضا تنتفى الثمرة المترتبة على الاعم : من التمسك بالاطلاق ، وعلى الصحيح من عدم التمسك ، فان هذه الثمرة إنما تأتى فيما اذا كان اللفظ موضوعا لمعنى بسيط ، يدعي الاعم انه هو الجامع ، ويدعي الصحيحي انه هو الصحيح ، لا فيما كان مفهوما عاما قابلا للانطباق ، فانه لا بد من الاخذ بما هو القدر

٨٤

ومنها : ان الظاهر : ان الصحة عند الكل بمعنى واحد ، وهو التمامية ، وتفسيرها باسقاط القضاء ـ كما عن الفقهاء ـ أو بموافقة الشريعة ـ كما عن المتكلمين ـ أو غير ذلك ، إنما هو بالمهم من لوازمها ، لوضوح اختلافه بحسب اختلاف الانظار. وهذا لا يوجب تعدد المعنى ، كما

______________________________________________________

المتيقن منه ، ونفي ما عداه بالبراءة ، فلا ثمرة بين القولين. ومن الواضح : انه لم يدع احد ان هناك قرينة موضوعة لمعنى بسيط وقع الخلاف ان الموضوع له فيها هو الصحيح او الاعم.

وربما يقال : بان الفرق بين قول الباقلاني ، والقول بعدم الحقيقة الشرعية والاستعمال مجازا ، هو انه بناء على مذهب الباقلاني فيما اذا قيدت بالاجزاء والشرائط فانه يبنى الامر فيه على ان المطلق اذا قيد بشيء ، هل يكون مستعملا مجازا ، أو انه باق على معناه ، والقيود مستفادة من دال آخر بنحو تعدد الدال والمدلول؟.

فالفرق بين قول الباقلاني ، وعدم الحقيقة الشرعية والمجازية : هو أن قول الباقلاني يكون على احد القولين في المطلق مجازا ، وعلى القول الآخر حقيقة ، بخلاف القول : بانكار الحقيقة الشرعية والاستعمال المجازي ، فانه لا يبتني الامر فيه على قولين.

وفيه : ان القول بتقييد المطلق يستلزم استعماله مجازا إنما هو لأن المطلق عندهم موضوع للماهية بقيد الارسال والاطلاق ، فاذا قيد بشيء لا يكون مستعملا في الارسال ، وليس لازم هذا ان يكون المطلق بعد تقييده مستعملا في المقيد ، بل يجوز ان يستعمل بعد التقييد في المعنى الكلي الجنسي اللابشرطي ، ويجوز ان يكون مستعملا في الحصة ، : أي الكلي المضاف بخروج القيد ، ودخول التقيّد.

٨٥

لا يوجبه اختلافها بحسب الحالات ، من السفر والحضر ، والاختيار والاضطرار ... الى غير ذلك ، كما لا يخفى (١).

______________________________________________________

(١) لا يخفى ان الفقيه فسر الصحيح بما يسقط القضاء والاعادة ، والمتكلم فسره بما يوافق الامر ، ولازم هذين التفسيرين ظاهرا هو ان الصحة عند الفقيه هي إسقاط القضاء والاعادة ، وعند المتكلم هي موافقة الامر ، وحيث لا يعقل ان يكون الموضوع له اللفظ هو الصحيح بدخول حيثية اسقاط القضاء عند الفقيه في حقيقته ، ولا بدخول حيثية موافقة الامر كذلك عند المتكلم ، لوضوح ان حيثية اسقاط القضاء وحيثية موافقة الأمر لا يعقل تحققهما الّا بعد تعلق الامر بالشيء ، فانه بعد تعلقه به يكون ذلك الشيء اذا أتى به يوجب سقوط الأمر ، ويوجب موافقته ، والمفروض ان الصحيح بما انه هو الصحيح يكون متعلقا للأمر في قول الآمر : صلّ ، فاذا كانت حيثية الاسقاط ، وحيثية الموافقة دخيلتين في حقيقته المتوقفتين على الامر ، يكون الامر بما أنه داخل في الصحيح متعلقا ومتقدما ، وبما انه هو المتعلق بالصحيح متعلقا ومتقدما ، فيلزم عروض الشيء على نفسه ، لان المتعلق عارض على المتعلق ، وحيث ان المتعلق هو المتعلق ، فلازمه عروضه على نفسه ، وعروض الشيء على نفسه محال ، لان المعروض متقدم على العارض ، ولازمه تقدم المتأخر وتأخر المتقدم.

ومن هنا تسمعهم يقولون : لا يعقل اتحاد الحكم وموضوعه ، وحيث لا يعقل ان يكون مرادهم من الصحيح هو هذا ، فلا بد وأن يكون مرادهم من الصحيح هو التام ، فان التمامية هي معنى الصحة في اللغة ، ومن البعيد نقلها لمعنى آخر في مصطلحهم لعدم الداعي الى النقل ، ويكون التفسيران تفسيرا لها باللازم ، وانما اختلف التعبير عند الفقيه والمتكلم ، لأن المهم عند الفقيه هو الأثر من حيث اسقاط القضاء والإعادة ، فان مهمه بيان ما يلزم المكلف من حيث الاحكام ، والمهم عند المتكلم هو الثواب والعقاب ، بموافقة أمر الشارع ، وعدمه ، فلذلك فسرها الفقيه بالاسقاط ، والمتكلم بالموافقة ، لا لأن التمامية عند احدهما غيرها عند الآخر.

٨٦

ومنه ينقدح : ان الصحة والفساد أمران اضافيان ، فيختلف شيء واحد صحة وفسادا بحسب الحالات ، فيكون تاما بحسب حالة ، وفاسدا بحسب اخرى فتدبر جيدا (١).

______________________________________________________

فالاختلاف فيما هو المهم من الاثر لا يوجب اختلافا في المؤثر ، كما ان اختلاف مصاديق المؤثر الذي هو مصداق التام والصحيح من حيث كونه ركعتين في السفر وأربعة في الحضر ، ومع الطهارة المائية في حال الاختيار ، ومع الطهارة الترابية في حال الاضطرار ، أو مع القيام أو الجلوس ـ مثلا ـ ، أو مع الافعال نفسها ، أو الايماء بحسب اختلاف الحالات من الصحة والمرض والقدرة والعجز ، فان هذا الاختلاف لا يوجب اختلافا في مفهوم الصحيح والتام كما لا يخفى.

(١) لا يخفى ان الصحة والفساد حيث عرفت انهما يختلفان ، فيكون شيء واحد بحسب حالة صحيحا ، وبحسب حالة اخرى فاسدا ، فان الصلاة التامة الأجزاء والشرائط تقع فاسدة من المريض الذي يضره القيام ـ مثلا ـ أو من المسافر الذي عليه ركعتان ، لا اربع ركعات ، وتقع صحيحة من الحاضر وغير المريض. فاذا الصلاة الواحدة بالاضافة الى حالة تصح ، وبالاضافة الى اخرى تفسد ، فصحتها وفسادها من الامور الاضافية ، وليسا من المتضائفين ، لان المتضائفين : هما المتقابلان اللذان متى نتعقل احدهما نتعقل الآخر. ومن البين انا نتعقل الصحيح ولا نتعقل الفاسد حال تعقلنا للصحيح.

وحيث عرفت : ان الصحيح ما يترتب عليه الاثر ، والفاسد ما لا يترتب عليه الاثر ، تعرف ان الصحة والفساد متقابلان بتقابل العدم والملكة ، فان الفساد عدم الاثر مما يترقب منه ترتبه ، فان من رمى حصاة في غير منى وفي غير ايام رمي الجمار ، لا يوصف رميه بالفساد ، بخلاف من رمى جمرة العقبة ولم يصب ، فانه يوصف رميه بالفساد.

٨٧

ومنها : انه لا بد على كلا القولين من قدر جامع في البين كان هو المسمى بلفظ كذا (١) ، ولا اشكال في وجوده بين الافراد الصحيحة ، وامكان الاشارة اليه بخواصه وآثاره ، فان الاشتراك في الاثر كاشف عن الاشتراك في جامع واحد يؤثر الكل فيه بذاك الجامع ، فيصحّ تصوير المسمّى بلفظ الصلاة ـ مثلا ـ بالناهية عن الفحشاء ، وما هو معراج المؤمن ونحوهما (٢).

______________________________________________________

(١) وجه اللابدية : ان القائل بالاعم ، مهمته وغرضه التمسك بالاطلاق ، واذا لم يكن جامعا قد وضع له اللفظ ، فلا بد من الاشتراك بوضع اللفظ للصحيح وبالوضع للفاسد ، لان الأعمّي يدعي صدق اللفظ صدقا حقيقيا على الصحيح وعلى الفاسد ، فلا بد وان يكون مشتركا ، ومع الاشتراك لا يمكنه التمسك بالاطلاق ، بل يكون مجملا ، وهو مناف لغرضه من التمسك بالاطلاق. والقائل بالصحيح يدعي الاجمال المفهومي في هذه الالفاظ ، ولازم الاجمال المفهومي هو الوضع لجامع يختص بالصحيح ، واذا كان اللفظ مشتركا بين الصحيح والفاسد ، او بينه وبين الاعم ، لا يكون الاجمال في المفهوم الذي وضع له اللفظ ، بل يكون الاجمال فيما هو المراد من اللفظ ، لا فيما وضع له اللفظ.

(٢) حاصل ما افاده في تصوير الجامع الصحيحي انه لا يلزم معرفته بكنهه وبنفسه ، بل يكفي معرفته بأثره وخواصه. وحينئذ ، نقول : انه قد رتب على الصلاة الصحيحة أثر واحد ، وهو معراجية المؤمن ، ووحدة الأثر تدل على وحدة المؤثر ، فلا بد وان تكون جميع افراد الصحة مؤثرة هذا الأثر الواحد بجامع واحد يتحد معها وينطبق عليها ، لان المتعدد بما هو متعدد لا يعقل ان يؤثر اثرا واحدا ، والّا لزم صدور الواحد عن الكثير ، وهو محال ـ كما هو مبرهن عليه في محله ـ. فوحدة الاثر كاشفة عن جامع واحد هو المؤثر وهو الموضوع له اللفظ. ولا يخفى ان لازم هذا الاستدلال كون الجامع ذاتيا.

٨٨

.................................................................................................

______________________________________________________

ويرد عليه : اولا : ان برهان أن الواحد لا يصدر الّا عن الواحد مختص بالواحد الشخصي لا غير.

وثانيا : انه لم يترتب على الصلاة أثر واحد ، بل آثار متعددة ، فان الاخبار تدل على آثار متعددة تترتب على الصلاة وهي معراجية المؤمن والنهي عن الفحشاء ، وقربان كل تقي وعمودية الدين ، ... وغير ذلك مما دلت الاخبار عليه.

وثالثا : انه لا يعقل ان يكون للصلاة جامع مقولي يتحد معها ، لان الصلاة مركبة من مقولات متعددة ، كالكيف مثل القراءة ، والوضع مثل الركوع والسجود ، والكم وهو العدد الخاص ، ولا يعقل انطباق مقولة واحدة على المركب من مقولات ، والّا جاز رجوع المقولات العشر الى مقولة واحدة ، ومن المعلوم ان المقولات اجناس عالية لا جامع مقولي بينها ، بل لو فرضنا كون الصلاة مركبة من افراد مقولة واحدة ايضا ، لا يعقل ان تتحد معها اتحادا مقوليا مقولة واحدة ، فان المقولة الواحدة تتحد مع كل فرد من افرادها ، لا مع المركب من الفردين منها.

فاتضح : ان الجامع لا يعقل ان يكون جامعا ذاتيا.

وايضا : لا يعقل ان يكون الجامع هو أحد العناوين المعلومة ، كعنوان النهي عن الفحشاء ، وامثاله ، لوضوح لزوم الترادف بين لفظ الصلاة ، وبينها ، وكون حمل عنوان الناهي عن الفحشاء عليها حملا اوليا ، ولزوم كون استعمال الصلاة في افرادها بخصوصياتها مجازا ، لان الموضوع الكلي اذا استعمل في الفرد بخصوصيته كان استعماله مجازا ، ومن الواضح ان الصلاة تطلق اطلاقا حقيقيا على نفس هذه المجموعة. فيقال : الصلاة تكبيرة ، وقراءة ، وركوع ... الى آخر اجزائها ، ومن الواضح عدم امكان الالتزام بهذه المحاذير.

فلا بد من الالتزام : بكون الصلاة موضوعة لمفهوم مبهم ، الّا من حيث كونه له آثار خاصة ، ولعل الوضع في جملة من المفاهيم العامة كذلك ، فان لفظ الميزان ـ مثلا ـ

٨٩

والاشكال فيه : بانّ الجامع لا يكاد يكون امرا مركبا ، اذ كل ما فرض جامعا يمكن ان يكون صحيحا وفاسدا ، لما عرفت .. ولا امرا بسيطا ، لانه لا يخلو إما ان يكون هو عنوان المطلوب ، او ملزوما مساويا له.

والاول ، غير معقول ، لبداهة استحالة اخذ ما لا يتاتّى الّا من قبل الطلب في متعلقه ، مع لزوم الترادف بين لفظة الصلاة ، والمطلوب ، وعدم جريان البراءة مع الشك في أجزاء العبادات وشرائطها ، لعدم الاجمال حينئذ في المأمور به فيها ، وانما الاجمال فيما يتحقق به ، وفي مثله لا مجال لها ، كما حقق في محله .. مع ان المشهور القائلين بالصحيح قائلون بها في الشك فيها (١) ، وبهذا يشكل لو كان البسيط هو ملزوم المطلوب

______________________________________________________

موضوع لمفهوم مبهم لا يعرف منه ، الّا انه تنكشف به تساوي الاجسام ورجحانها ، وكذلك الخمر موضوعة لمفهوم مبهم لا يعرف منه ، الّا انه مائع يؤثر الاسكار.

(١) هذا الاشكال منسوب الى الشيخ الاعظم على ما في تقريراته.

وحاصله : انه ردد الجامع بين كونه مركبا وبسيطا ، وهو عنوان المطلوب ، او ملزومه وحذف الجامع المقولي من الترديد ، ولعله لوضوح عدم امكانه عنده.

وحاصل ما ذكره من الاشكال في الجامع : انه اما أن يكون الجامع امرا مركبا : بان يكون الموضوع له اللفظ عددا خاصا كعشرة اجزاء ـ مثلا ـ ، أو يكون عنوانا وأمرا بسيطا ، كعنوان المطلوب ، او عنوان الناهي عن الفحشاء المؤدي لعنوان المطلوب صدقا والملازم له تحققا ، وكلا الترديدين لا يمكن المصير اليهما.

اما الاول ، وهو كونه مركبا : فلوضوح ان كل مركب فرض كونه جامعا للصحيح يمكن ان يكون ذلك المركب فاسدا ، فان كل مرتبة فرض كونها هي الجامع يمكن ان تكون تلك المرتبة فاسدة ، لصدورها ممن لم يكلف بها ، فانا لو فرضنا ـ مثلا ـ ان الجامع هو المرتبة الجامعة لجميع الأجزاء والشرائط ، فان تلك المرتبة تقع صحيحة من القادر المختار ، وتقع فاسدة من المريض الذي يضره القيام ، او الطهارة المائية.

٩٠

.................................................................................................

______________________________________________________

فلا يعقل ان نتصور جامعا مركبا يقع صحيحا دائما ، ولا يقع في حال من الاحوال فاسدا. فأين الجامع المركب المختص بالصحيح ، دون الفاسد؟ : هذا اولا.

وثانيا : انه اذا كان كلما يمكن ان يقع صحيحا من الجامع التركيبي يمكن ان يقع فاسدا لا يكون ذلك الجامع جامعا مختصا بالصحيح ، لصدقه على الفاسد ايضا ، ولا يعقل ان ما فرض جامعا للصحيح يصدق على الفاسد ، للزوم الخلف الواضح.

وثالثا : ان تصور جامع تركيبي لأفراد الصحيحة التي تزيد وتنقص في غاية الاشكال ، فان كل مقدار ، وأي عدد تصورناه جامعا يمكن أن يزيد وأن ينقص.

نعم ، صلاة المختار الحاضر الجامعة لجميع الاجزاء والشرائط ، لا يمكن ان تزيد ، الّا انها لا يعقل ان تكون جامعا ، لأنها تنقص في السفر ، وفي حالات الاضطرار ، فانه ربما تكون الصلاة إيماء واحدا. هذا اذا كان الجامع امرا مركبا.

واما اذا كان امرا بسيطا ، وهو لا يخلو اما ان يكون عنوان المطلوب ، أو امرا ملازما مساويا له. اما اذا كان عنوان المطلوب فيرد عليه :

اولا : ان الصلاة الصحيحة هي التي يرد عليها الطلب ، فاذا كان الجامع لها هو عنوان المطلوب ، فيلزم ان يكون المتعلق للطلب هو هذا العنوان. ومن الواضح : ان عنوان المطلوب لا يعقل ان يتحقق الّا بأن يتقدم طلب متعلقا بشيء. فحينئذ يتحقق عنوان المطلوب ، فعنوان المطلوب متأخر عن تعلق الطلب. وحيث ان عنوان المطلوب على الفرض هو متعلق الطلب وموضوعه ، فهو متقدم عليه ، فيلزم ان يكون ما هو متقدم متأخرا ، والى هذا اشار بقوله : «والاول غير معقول ، لبداهة استحالة اخذ ما لا يتأتى الّا من قبل الطلب في متعلقه».

وثانيا : يلزم الترادف بين لفظ الصلاة والمطلوب ، وهو واضح الفساد ، لانهما لو كانا مترادفين لكان حمل المطلوب على الصلاة حملا اوليا ، لا حملا شايعا. ومن الواضح ان حمل المطلوب على الصلاة ليس كحمل الشيء على نفسه. وايضا

٩١

ايضا .. مدفوع : بان الجامع انما هو مفهوم واحد منتزع عن هذه المركبات المختلفة زيادة ونقيصة بحسب اختلاف الحالات متحد معها نحو اتحاد. وفي مثله تجري البراءة ، وانما لا تجري فيما اذا كان المأمور به أمرا واحدا خارجيا مسبّبا عن مركّب مردّد بين الاقل والاكثر ، كالطهارة المسببة عن الغسل ، والوضوء فيما اذا شك في اجزائهما. هذا على الصحيح (١).

______________________________________________________

لا اختصاص لعنوان المطلوب بالصلاة ، فان ساير العبادات مطلوبة ، فاذا كان جامعا في العبادات يلزم مرادفته لسائر الفاظ العبادات.

وثالثا : ان المشهور القائلين بالصحيح حيث ان الموضوع له الفاظ العبادات مجمل لا يسعهم التمسك بالاطلاق في نفي ما شك في جزئيته ، إلّا انهم يتمسكون في نفيه بالبراءة ، فلا بد وان يكون متعلق الطلب عندهم من الاقل والاكثر ، ولو كان الجامع امرا بسيطا يترتب على هذه الافعال لما امكنهم اجراء البراءة ، لانه يكون من الشك في المحصل وهم لا يتمسكون في الشك بالمحصل بالبراءة ، بل يقولون بالاحتياط ، ولو كان الجامع عنوان المطلوب ، او ملازمه لكان مما يترتب على هذه الافعال فيكون من موارد الاحتياط ، لا البراءة ، لانه من الشك في المحصل.

(١) يعني : ان هذا الايراد الاخير فقط يرد على فرض كون الجامع هو البسيط الملازم لعنوان المطلوب ، دون الأولين ، لوضوح انهما يختصان بعنوان المطلوب ، لأن الملازم لعنوان المطلوب لم يؤخذ فيه الطلب ، فلا يرد الاول ، ولزوم الترادف بينه وبين الفاظ العبادات لا مانع عنه. نعم يرد عليه الايراد الاخير الذي مر : من عدم امكان التمسك بالبراءة.

وحاصل ما اجاب به : انه حيث يكون الجامع امرا بسيطا ملازما لعنوان المطلوب فلا يرد عليه ما اورد على الجامع التركيبي من الزيادة والنقص ، فان البسيط يتحد مع الزائد والناقص ، كالانسان ـ مثلا ـ فانه يتحد مع ذي الرأس ، ومع ذي الرأسين ، ومع ذي اليد الواحدة ، او الرجل الواحدة ، ومع ذي اليدين ، وذي الرجلين ، وقد عرفت :

٩٢

واما على الاعم ، فتصوير الجامع في غاية الاشكال. وما قيل في تصويره او يقال وجوه.

احدها ـ ان يكون عبارة عن جملة من أجزاء العبادة ، كالاركان في الصلاة ـ مثلا ـ وكان الزائد عليها معتبرا في المأمور به ، لا في المسمى. وفيه ما لا يخفى.

______________________________________________________

انه لا يرد عليه الايرادان المختصان بعنوان المطلوب ، واما عدم ورود الايراد الاخير عليه ، فلأن هذا الجامع ليس امرا منحازا بالوجود عن وجود هذه المركبات حتى تكون هذه المركبات بالنسبة من الشك في المحصل ، بل هو متحد في الوجود معها ، وهو مفهوم واحد منتزع عن نفس هذه المركبات ، متحد معها تحصلا ووجودا ، وانما لا تجري البراءة فيما كان العنوان البسيط مسببا عنها ، وله وجود غير وجودها خارجا ، كالطهارة المسببة عن الغسلات ، فانه يظهر من بعض الاخبار انه نور يترتب على هذه الافعال ويتسبب عنها. هذا حاصل ما ذكره جوابا عن ايراد عدم التمسك بالبراءة.

ويمكن ان يرد عليه :

اولا : انه بعد الاعتراف ببساطة الجامع لا يعقل ان يكون وجوده في الخارج عين وجود هذه المركبات ، والّا لزم تركب البسيط ، او بساطة المركب ، وهو خلف. واما ما ذكره مثالا : من اتحاد الانسان بذي الرأسين ، والرأس الواحد ، فقد نشأ من توهم كون الحيوان الناطق الذي هو الانسان المركب بالتركيب الاتحادي هو هذه الاعضاء والنفس الناطقة ، وليس كذلك ، بل الانسان هو النفس الناطقة المتحدة مع الحيوان ، وهو الروح او الحياة البخارية ، لا نفس هذه الاعضاء.

وثانيا : ان التمسك بالبراءة لا يعقل أن يتم الّا حيث يرجع الى مقطوع ومشكوك ، وبعد كون متعلق الطلب امرا بسيطا ، لا نفس هذه الأجزاء ، بل هو مفهوم منتزع عنها ، وان اتحد معها فلا يكون له مقطوع ومشكوك حتى تجري البراءة.

٩٣

فان التسمية بها حقيقة لا تدور مدارها ، ضرورة صدق الصلاة مع الاخلال ببعض الاركان ، بل وعدم الصدق عليها مع الاخلال بسائر الاجزاء والشرائط عند الأعمّي. مع انه يلزم ان يكون الاستعمال فيما هو المأمور به بأجزائه وشرائطه مجازا عنده ، وكان من باب استعمال اللفظ الموضوع للجزء في الكل ، لا من باب اطلاق الكلي على الفرد والجزئي ـ كما هو واضح ـ ، ولا يلتزم به القائل بالاعم (١).

______________________________________________________

(١) هذا هو التصوير الاول للجامع الأعمّي.

وحاصله : ان تكون الاركان في هذه العبادات كأركان الصلاة ـ مثلا ـ هي الجامع الموضوع له لفظ الصلاة ، وهو يصدق مع الصحيح والفاسد ، وإنما اختار هذا المدعي الاركان ، لأنها تفترق عن بقية الاجزاء : بان تركها عمدا وسهوا مضر بصحة الصلاة دون بقية الاجزاء ، فان تركها عمدا مضر بالصحة ، لا سهوا.

وقد اورد عليه : ـ بأن كون الأركان هي الجامع ـ بايرادات ثلاثة :

الاول : ان الجامع لو كان هو الاركان فلازمه ان لو فقد بعض الاركان لما صح اطلاق الصلاة ، ولو فاسدة عليه ، فان من ترك الركوع ـ مثلا ـ وأتى بباقي الاركان وسائر الاجزاء والشرائط يقتضي ان لا يصدق على ما اتى به انها صلاة فاسدة ، مع انه لا اشكال في صدق الصلاة الفاسدة عليه ، فيقال : ما اتى به صلاة فاسدة ، ولو كان الجامع للصحيح والفاسد هو الاركان لما صدق على ما أتى به انه صلاة فاسدة ، بل يكون كما لو أكل وشرب ومشى ، والى هذا اشار بقوله : «ضرورة صدق الصلاة».

والثاني : ان لازم كون الاركان هي الجامع انه لو أتى بنفس الاركان مع ترك كل جزء وشرط غيرها : بأن أتى بها في غير الوقت ، وعاريا ، ومستدبر القبلة ، وعلى غير طهارة ، فينبغي ان يصدق على ما أتى به انه صلاة عند الأعمّي ، والوجدان شاهد ايضا بانه لا يصدق عليها انها صلاة ، ولو فاسدة. والى هذا اشار بقوله : «بل وعدم

٩٤

فافهم (١).

______________________________________________________

الصدق» : أي عدم صدق الصلاة على من أتى بصرف الاركان ، مع تركه كل جزء آخر وشرط.

فاتضح : ان كون الاركان هي الجامع غير مطرد ، ولا منعكس.

والثالث : انه لو كان الجامع الاركان ، فاذا تكون هي المسماة بلفظ الصلاة ولا اشكال ، ولا ريب ان هناك اجزاء تنضم اليها ، وشرائط ، لأجل حصول الفرد الذي يسقط به الامر. وعليه تكون الاجزاء التي تدخل في المأمور به خارجة عما وضع له لفظ الصلاة ، ويكون هناك كلّ آخر وهو المأمور به والذي وضع له لفظ الصلاة جزء منه. وحينئذ فلو استعمل لفظ الصلاة الموضوع لجزء من الكل المأمور به في مجموع المأمور به لكان استعمالا مجازيا ، من استعمال اللفظ الموضوع للجزء في الكل ، وليس من باب اطلاق اللفظ الموضوع للكلي على فرده ، فان استعمال اللفظ الموضوع للكلي على فرده له نحوان : تارة يطلق عليه ، لأنه فرده ومصداقه ، وهذا استعمال حقيقي في نفس ما وضع له اللفظ ، واخرى يستعمل في الفرد بخصوصه ومشخصاته ، وفي هذا يكون استعمالا مجازيا ، اما استعمال اللفظ الموضوع للجزء في الكل فلا يصح ، الّا بنحو المجازية ، لأن الكل ليس فردا للجزء ، ولا مصداقا له ، ولا يلتزم القائل بالاعم : بان اطلاق لفظ الصلاة على مجموع الاجزاء والشرائط من المجاز.

(١) لعله يشير الى : ان لحاظ الموضوع لا بشرط لا ينفع في جواز استعمال اللفظ الموضوع للماهية لا بشرط في صحة استعماله في البشرطشيء استعمالا حقيقيا مع فرض كون الشيء داخلا في المستعمل فيه. نعم ، يصدق اللابشرط شيء باعتبار حصول ما هو موضوع له وتحققه معه ، فان الانسان ـ مثلا ـ موضوع للماهية لا بشرط الكتابة وعدمها ، وهو يصدق على نفس الانسان الكاتب صدقا حقيقيا ، لا على الانسان مع فرض كون الكتابة بعض المستعمل فيه.

٩٥

ثانيها ـ ان تكون موضوعة لمعظم الأجزاء التي تدور مدارها التسمية عرفا. فصدق الاسم كذلك يكشف عن وجود المسمى ، وعدم صدقه عن عدمه.

وفيه ، مضافا الى ما اورد على الاول أخيرا : انه عليه يتبادل ما هو المعتبر في المسمى فكان شيء واحد داخلا فيه تارة وخارجا عنه اخرى ، بل مرددا بين ان يكون ، هو الخارج او غيره عند اجتماع تمام الأجزاء ، وهو كما ترى ، سيّما إذا لوحظ هذا مع ما عليه العبادات من الاختلاف الفاحش بحسب الحالات (١).

______________________________________________________

(١) هذا التصوير الثاني للجامع على الاعم.

وحاصله : ان يكون لفظ الصلاة ـ مثلا ـ موضوعا لمعظم الأجزاء التي بحيث متى حصلت في الخارج صدق عليها انها صلاة ، ولعل السبب في هذه الدعوى : وهو كون الصلاة موضوعة لمعظم الاجزاء انّا نرى صدق الصلاة لو أتى بالمعظم صدقا حقيقيا ، وان لم تكن صحيحة ، واذا أتى ببعض الاجزاء بحيث لا يكون المعظم لا يصدق عليها الصلاة ، ولو فاسدة فيكشف هذا الصدق في مقام حيث يوجد المعظم ، وعدم الصدق في آخر حيث لا يتحقق المعظم عن انها موضوعة لنفس المعظم ، لا لخصوص الصلاة الصحيحة.

واورد عليه في المتن :

اولا : بانه يرد عليه الايراد الاخير الذي اورده على فرض كون الجامع هو الاركان ، وهو لزوم كون استعمال لفظ الصلاة بناء على وضعها لمعظم الاجزاء في الفرد التام الجامع لجميع الاجزاء والشرائط استعمالا مجازيا ، ومن باب استعمال اللفظ الموضوع للجزء في الكل ، والوجدان على خلافه. واليه اشار بقوله : «وفيه مضافا الى ما اورد على الاول أخيرا».

٩٦

.................................................................................................

______________________________________________________

وثانيا : انه لو كان الموضوع له هو المعظم ، فانه لا اشكال في ان الموضوع له لفظ الصلاة ليس مفهوم معظم الاجزاء ، والّا لزم الترادف بين لفظ الصلاة ، ومفهوم معظم الاجزاء ، وهو واضح البطلان ، فلا بد وان يكون مراده مصداق معظم الاجزاء. وحينئذ نقول : ان المصداق لمعظم الاجزاء اما ان يكون معينا من حيث الذات والماهية ، كالتكبير ، والركوع ، والسجود ، والقراءة ، والتشهد ـ مثلا ـ فاذا أتى بصلاة فاقدة للتشهد ، فاما ان يكون لها ، أو لا ، والثاني واضح البطلان ، لأن لغالب افراد الصلاة معظم الاجزاء ، وان كان لها معظم فلا بد وأن يكون التشهد ليس داخلا في المعظم ، واذا حلّ محله جزء آخر ، كالتسبيح لزم التبدل في اجزاء الماهية المعينة ، والى هذا اشار بقوله : «لزم كون شيء واحد داخلا فيه مرة ، وخارجا عنه اخرى» ، مضافا الى ان دخول التسبيح في المعظم ، وقد كان خارجا لما كان التشهد داخلا لازمه : تعدد الوضع في المعظم ، ومعناه الاشتراك. وعليه فلا يمكن للاعمي التمسك بالاطلاق. وان كان مبهما غير معين ، ولا يعرف الّا بمعرف هو مفهوم معظم الاجزاء ، فقد يرد عليه : ان هذا من المردد ، والمردد لا وجود له ، ولا ماهية ، لا ذهنا ، ولا خارجا ، لأن كل شيء هو هو ، لا هو أو غيره ، الّا انه واضح الاندفاع ، لأن الموضوع له مبهم ، لا مردد ، وكون الموضوع له قد يكون امرا مبهما لا مانع منه.

ولا يورد عليه ـ بالايراد السابق ـ : من لزوم التبدل في اجزاء الماهية ، لان اجزاء الماهية فيه غير معينة حتى يكون هذا لازما باطلا.

وقد يورد : ان الصلاة التامة الاجزاء والشرائط يصلح كل جزء منها ان يكون داخلا في المعظم ، ولا يكون خارجا عنها ، وهو الذي أشار اليه بقوله : «بل مرددا بين ان يكون هو الخارج ، او غيره» الّا ان هذا لا يضر ، وليس بلازم باطل ، فان كل مفهوم مبهم يكون مصداقه غير معين بمعين خاص ، كنفس مفهوم معظم الاجزاء ، أو أكثر الاجزاء يكون قابلا لان يدخل فيه شيء من الاجزاء وان يخرج عنه ويدخل غيره ، وهذا ليس بضار في المفاهيم المبهمة غير المعينة المصداق.

٩٧

ثالثها ـ ان يكون وضعها كوضع الأعلام الشخصية ، كزيد ، فكما لا يضر في التّسمية فيها تبادل الحالات المختلفة من الصغر والكبر ، ونقص بعض الأجزاء وزيادته ، كذلك فيها.

وفيه : أن الاعلام إنما تكون موضوعة للأشخاص ، والتشخّص إنما يكون بالوجود الخاص ، ويكون الشخص حقيقة باقيا ما دام وجوده باقيا ، وان تغيّرت عوارضه من الزيادة والنقصان وغيرهما من الحالات والكيفيات ، فكما لا يضر اختلافها في التشخص لا يضر اختلافها في التّسمية. وهذا بخلاف مثل الفاظ العبادات مما كانت موضوعة للمركبات والمقيدات ، ولا يكاد يكون موضوعا له الّا ما كان جامعا لشتاتها ، وحاويا لمتفرقاتها ، كما عرفت في الصحيح منها (١).

______________________________________________________

نعم الذي ، ينبغي ان يورد به عليه : هو ان الصلاة تصدق على الواجد لتمام الاجزاء والشرائط بمجموعه صدقا حقيقيا ، ولو كانت موضوعة لمعظم الاجزاء لما صدقت على المجموع صدقا حقيقيا ، بل كان صدقها عليه من المجاز.

ويرد عليه ايضا : ان الصلاة الصحيحة ربما لا يكون لها معظم الاجزاء حيث تكون عبارة عن إيماء واحد ، كما في بعض الاحوال ، ولعل الماتن يشير إلى الاخير بقوله : «سيما اذا لوحظ هذا مع ما عليه العبادات ، من الاختلاف الفاحش بحسب الحالات».

(١) هذا هو التصوير الثالث لكون الفاظ العبادات موضوعة للاعم.

وحاصله : انه لا اشكال في ان الوضع في الاعلام الشخصية ، كزيد وعمرو ، هو انه قد وضعت الفاظ الاعلام للهوية الممتازة عن ساير الهويات المعينة بنفس هذا الامتياز الخاص ، وهو كون كل منها هوية مشخصة معينة مميزة عن ساير الهويات الأخر ، واما من سائر جهاتها الأخر فهي مبهمة ولا يضرها تبادل الحالات فيها واختلافها ، فان زيدا ـ مثلا ـ في حال أول ولادته هو هوية ممتازة مشخصة عن غيرها ، الّا انه من

٩٨

.................................................................................................

______________________________________________________

ناحية الصغر والكبر فهو مبهم ، ولذا لا يضر في صدق زيد على هذه الهوية صغرها وكبرها ، ومن ناحية نقص بعض الاجزاء فيه ، أو تمامها مبهم أيضا ، فلو كان اولا واجد اليدين ثم قطعت احداهما لا تضر في صدقه وتسميته ، وكذلك لو خرجت له يد ثالثة أو غيرها من الاجزاء لا تضر في صدقه وتسميته. فاذا الموضوع له في الاعلام هوية ممتازة ومشخصة بنفس هذا الامتياز عن غيرها ، واما من ساير جهاتها فهي مبهمة ، فمع وجود الزيادة في أعضائه يصدق على ذاته وهويته اسم زيد ، ومع نقصانها يصدق أيضا ، ومع عدم الزيادة والنقيصة يصدق كذلك.

فاذا تصورنا امكان ان يكون الموضوع له مميزا من جهة مبهما من جهات يمكننا ان نتصور ان الموضوع له لفظ الصلاة هو الجامع بين افراد الصحيح والفاسد الممتازة بكونها هوية من هويات العبادات ممتازة عما سواها من الحج والزكاة وغيرهما ، مبهمة من ناحية نقص بعض اجزائها وزيادتها ، فلا يضر بها تبادل الحالات ، وكونها في السفر ركعتين وفي الحضر اربع ، وكونها تامة الاجزاء والشرائط مرة ، وفاقدة بعض الاجزاء والشرائط اخرى.

والجواب عنه : ان المركب تارة يكون حقيقيا ، وهو المركب من اجزاء موجودة بوجود واحد ، كهويات الاعلام المركبة من الحيوان الناطق المتشخص المحفوظة وحدته بتشخصه ، وفي مثله لا يضر تبادل الحالات واختلافها في وحدته ، واخرى يكون المركب اعتباريا لا يكون له وحدة وجودية ، فلا بد في مقام الوضع لجامع يجمع افراده المتشتتة التي كل فرد منها هو عبارة عن مجموع وجودات كل جزء منه له وجود متشخص متميز ، ولا يتصور لهذه الافراد المتشتتة جامع يجمع جميع افرادها ويلم شتاتها الّا ما تصورناه في الجامع الصحيحي : وهو كونها معراج المؤمن ، وامثاله من الآثار التي دلت عليها الاخبار ، وجعلتها من آثار الصلاة الصحيحة.

فحاصل الجواب : ان المركب الموضوع له اللفظ اما ان يكون واحدا بالحقيقة والوجود وله التشخص ، ووحدة مستمرة هي بنفس تشخصه ، وفي هذه الوحدة

٩٩

رابعها ـ انّ ما وضعت له الالفاظ ابتداء هو الصحيح التّام الواجد لتمام الأجزاء والشرائط ، الّا ان العرف يتسامحون ـ كما هو ديدنهم ـ ويطلقون تلك الالفاظ على الفاقد للبعض تنزيلا له منزلة الواجد ، فلا يكون مجازا في الكلمة على ما ذهب اليه السكاكي في الاستعارة ، بل يمكن دعوى صيرورته حقيقة فيه بعد الاستعمال فيه كذلك دفعة او دفعات من دون حاجة الى الكثرة والشهرة ، للأنس الحاصل من جهة المشابهة في الصورة ، أو المشاركة في التأثير ، كما في اسامي المعاجين الموضوعة ابتداء لخصوص مركبات واجدة لاجزاء خاصة ، حيث يصح اطلاقها على الفاقد لبعض الاجزاء المشابه له صورة والمشارك في المهم أثرا ، تنزيلا أو حقيقة.

______________________________________________________

الحقيقة لا يضر تبدل الحالات ، وهذا صحيح في الاعلام ويختص بها فان لها وحدة حقيقية متشخصة مستمرة لا يضر بوحدتها تبدل حالاتها ، واما في غير الاعلام ، كالصلاة ـ مثلا ـ فانها ليس لفردها وحدة وجودية حقيقية ، وحيث انها لها وضع واحد ، وموضوع له واحد ، فلا بد من وحدة لها تكون هي الجامع الموضوع له لفظ الصلاة ، ولا نتصور لها جامع واحد بحيث يجمع افرادها ويصدق عليها صدقا حقيقيا ، الّا ما تصورناه من الجامع الذي استكشفناه بآثاره.

ثم لا يخفى ، انه قد مر بيانه ، والايراد عليه وانه لا جامع الّا المفهوم المبهم الذي جعل الاثر معرفا له ، فان كان المفهوم المبهم الذي وضع له لفظ الصلاة هو ما يترتب عليه الأثر بالفعل كانت الصلاة موضوعة للصحيح ، لانه هو الذي يترتب عليه الاثر بالفعل ، وان كان الموضوع له هو ما فيه اقتضاء التأثير كان الموضوع له اللفظ هو الاعم ، لان ما به الاقتضاء يصدق على الصحيح والفاسد.

١٠٠