بداية الوصول - ج ١

آية الله الشيخ محمّد طاهر آل الشيخ راضي

بداية الوصول - ج ١

المؤلف:

آية الله الشيخ محمّد طاهر آل الشيخ راضي


المحقق: محمّد عبدالحكيم الموسوي البكّاء
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار الهدى
المطبعة: الظهور
الطبعة: ٢
ISBN: 964-497-057-8
ISBN الدورة:
964-497-056-X

الصفحات: ٥٠٥

.................................................................................................

______________________________________________________

على التركيب هو الموضوع وهو الذات ، وعلى البساطة لا يكون الموضوع متكررا فيها.

واما القضية بشرط المحمول فالمتكرر فيها هو المحمول فتقول : زيد الكاتب كاتب بالضرورة ، بخلاف التركيب في المشتق فان المتكرر فيه هو الموضوع ويعود قولنا : زيد كاتب بالفعل او بالقوة الى قولنا : زيد زيد الكاتب بالفعل او بالقوة بالضرورة ، كما هو مذكور في العبارة المصححة. هذا اولا.

وثانيا : ان القضية بشرط المحمول الانقلاب فيها الى الضرورة لا يفرق فيه سواء قلنا بالتركيب في المشتق او بالبساطة ، والمفروض ان الانقلاب انما يكون على التركيب دون البساطة ، وفي القضية بشرط المحمول يلزم الانقلاب ولو كان المشتق بسيطا ، فان الانقلاب انما يلزم فيها لأخذ المحمول في الموضوع فسواء كان الكاتب بسيطا او مركبا اذا اخذ في الموضوع يلزم الانقلاب لا محالة. وحاصل ما اراده الفصول في هذا النظر هو ان ما قلنا : من ان المقيد بقيد غير ضروري لا يكون ضروريا ليس بصحيح ، لانه بناء على التركيب يكون المحمول منحلا الى ذات لها الكتابة ، فالمحمول اذا في نفسه قضية لها موضوع ونسبة ومحمول وهذه النسبة مادتها هو الامكان فيكون هذا المحمول المنحل الى هذه القضية التي مادتها الامكان منسوبا ومحمولا الى الموضوع ، ولا ريب ان ثبوت امكان الكتابة لزيد بالضرورة لا بالامكان.

نعم ، الكتابة المنسوبة للذات الماخوذة في نفس المحمول بحسب الانحلال هي بالامكان ، واما ثبوت هذه الكتابة للذات بالامكان ، للذات التي هي الموضوع في القضية فهو بالضرورة لا بالامكان ، فان ثبوت الكتابة لزيد ليس بالضرورة بل بالامكان ، ولكن الكتابة الثابتة لزيد بالامكان بما هي ثابتة له بالامكان اذا حملت على زيد الذي هو الموضوع في (زيد كاتب) تكون بالضرورة لا بالامكان ، ولا يلزم هذا بناء على البساطة لعدم تركب المحمول فلا يئول الى قضية مادتها الامكان ليكون

٢٦١

وقد انقدح بذلك عدم نهوض ما أفاده رحمه‌الله بإبطال الوجه الاول ، كما زعمه قدس‌سره ، فإن لحوق مفهوم الشيء والذات لمصاديقهما ، إنما يكون ضروريا مع إطلاقهما ، لا مطلقا ، ولو مع التقيد إلا بشرط تقيد المصاديق به أيضا ، وقد عرفت حال الشرط (١)

______________________________________________________

حمله على زيد بالضرورة ويكون المثال الاول في عبارة الفصول وهو قوله : مثلا لا يصدق زيد كاتب بالضرورة هو مثال للبساطة.

ومثاله الثاني : وهو قوله ولكن يصدق زيد زيد الكاتب بالفعل او بالقوة بالضرورة هو مثال للتركيب ، فلا يرد على الفصول بناء على هذا ما اورده المصنف.

نعم ، يمكن ان يرد على الفصول غير ما اورده المصنف ، ولكنا نعرض عن ذكره لأن المبنى في هذه الكتابة الاقتصار على التوضيح ، وقد طال المقام في هذا الامر الاول.

(١) ينبغي ان نشير الى ما في الفصول متسلسلا ايضاحا للمطلب.

لقد ذكر في الفصول ما اورده الشريف على تركب المشتق بمنفصلة ذات شقين ، فاورد صاحب الفصول على الشق الاول : وهو اخذ مفهوم الشيء في المشتق بما عرفت ، ثم اورد على الشق الثاني : وهو لزوم الانقلاب من اخذ مصداق الشيء في المشتق بعدم الانقلاب ، لأن المقيد بقيد غير ضروري ليس بضروري ، ثم تنظر في هذا : بلزوم الانقلاب على كل حال ، ثم بعد ان اثبت الانقلاب من اخذ المصداق قال قدس‌سره : ان هذا كما يبطل هذا الوجه ، كذلك يبطل الوجه الاول : يعني أن انقلاب الممكنة الى الضرورية الذي ذكر لابطال اخذ المصداق في المشتق هو ايضا يبطل الوجه الاول : وهو اخذ مفهوم الشيء في المشتق ، لأن ثبوت مفهوم الشيء للانسان ـ مثلا ـ ضروري كثبوت الانسان لنفسه.

٢٦٢

فافهم (١).

______________________________________________________

فاورد عليه المصنف بقوله : «وقد انقدح بذلك» وحاصله : ان المقيد بقيد غير ضروري ليس بضروري ، فان مفهوم الشيء او الذات اذا حمل مطلقا ومن غير قيد يكون ثبوته لعامة الاشياء ضروريا ، واما اذا لحق للاشياء وحمل عليها مقيدا بقيد غير ضروري لا يكون ضروريا.

نعم ، لو كان الموضوع في القضية ملحوظا بنحو شرط المحمول يتم الانقلاب وتكون الممكنة ضرورية ، الّا انك قد عرفت ان الكلام انما هو في القضايا الممكنة التي لم يلحظ الموضوع فيها مقيدا بوجود المحمول ، والى جميع هذا اشار بقوله : «وقد انقدح بذلك» وجه الانقداح انه يرد عليه عين ما اورده فيما تقدم الآن : من ان الكلام في غير القضية بشرط المحمول ، بل هو في القضية التي اخذ الموضوع فيها لا بشرط وفيها لا يلزم الانقلاب «فان لحوق مفهوم الشيء والذات لمصاديقهما انما يكون ضروريا مع اطلاقهما» وهو فيما اذا حمل الشيء او الذات مطلقا ومن غير قيد ، لا فيما اذا حمل «مطلقا ولو مع التقيد» ـ لو هنا وصلية ـ ولا يلزم الانقلاب «إلّا بشرط تقيد المصاديق به ايضا» : أي بنحو القضية بشرط المحمول «وقد عرفت حال الشرط» : أي ان الكلام ليس فيها بل الكلام في غيرها.

ثم لا يخفى ، انه بناء على النسخة المصححة لعبارة الفصول : وهو كون المحمول بناء على التركيب في المشتق ينحل الى قضية : وهي كون الشيء له الكتابة ، وسواء كانت جهة هذه القضية المنحل اليها المشتق بناء على التركيب هي الامكان أو الضرورة ، فان ثبوتها للانسان الذي هو الموضوع في القضية بالضرورة ـ كما مر بيانه ، وهذا كما يبطل اخذ مصداق الشيء في المشتق كذلك يبطل اخذ مفهوم الشيء فيه فلا تغفل.

(١) يشير بقوله : فافهم الى ان عدم لزوم الانقلاب إنما هو على ما سلكه صاحب الفصول : من ان المقيد بغير الضروري غير ضروري ، واما على مسلك المصنف :

٢٦٣

ثم إنه لو جعل التالي في الشرطية الثانية لزوم أخذ النوع في الفصل ، ضرورة أن مصداق الشيء الذي له النطق هو الانسان ، كان أليق بالشرطية الاولى ، بل كان أولى لفساده مطلقا ، ولو لم يكن مثل الناطق بفصل حقيقي ، ضرورة بطلان أخذ الشيء في لازمه وخاصته ، فتأمل جيدا (١).

______________________________________________________

من لزوم انقلاب الممكنة الى ضرورية فيما اذا كان المحمول ذات المقيد ، والقيد اخذ بنحو المعنى الحرفي : بان يكون التقيّد داخلا والقيد خارجا او الى ممكنة وضرورية فيما اذا كان القيد كالمقيد داخلا ايضا ، فان هذا كما يبطل اخذ مصداق الشيء في المشتق كذلك يبطل الوجه الاول وهو اخذ مفهوم الشيء في المشتق ، فالمركب من مفهوم الشيء والكتابة اذا حمل على الانسان مثلا ـ بنحو دخول التقيّد وخروج القيد تنقلب الممكنة الى ضرورية ، واذا حمل بنحو اخذ مفهوم الشيء والكتابة تنقلب القضية الممكنة الى قضية ممكنة وقضية ضرورية.

(١) قد عرفت ان التالي في الشرطية الثانية في كلام الشريف : هو انقلاب مادة الامكان الى الضرورة ، ويقول المصنف : لو جعل بدل هذا التالي : أي انقلاب الامكان الى الضرورة لزوم دخول النوع في الفصل لكان اليق ، وللاليقية وجهان :

الاول : هو ان المثال في الشرطية الاولى التي هي لزوم دخول العرض العام في الفصل قولنا : الانسان ناطق ، فالتالي فيها هو دخول العرض العام في الفصل ومثاله : الانسان ناطق فلو جعلنا التالي في الشرطية الثانية هو دخول النوع في الفصل لأن المشتق اذا كان مركبا من مصداق الشيء فمصداقه في قولنا : الانسان ناطق هو نفس الانسان وهو النوع ، فيكون داخلا في الفصل وبعضا من الفصل ، ولا يعقل ان يكون النوع بعضا من فصله ، وكيف يكون الكل بعضا من جزئه ويكون قولنا الانسان ناطق مثالا له ايضا ، فالشرطيتان يردان في مورد واحد والمثال لهما واحد.

٢٦٤

ثم إنه يمكن أن يستدل على البساطة ، بضرورة عدم تكرّر الموصوف في مثل زيد الكاتب ، ولزومه من التّركّب ، وأخذ الشيء مصداقا أو مفهوما في مفهومه (١).

______________________________________________________

الثاني : ما ذكره بقوله : «بل كان اولى لفساده مطلقا» وحاصله : أن ما ذكره من التحقيق : من ان الناطق ليس بفصل حقيقي بل هو خاصة لا يضر في الشرطية الثانية كما اضر بالشرطية الاولى ، لأن النوع كما لا يجوز دخوله في فصله كذلك لا يجوز دخول النوع في خاصته ولازمه ، وكيف يعقل دخول الملزوم في لازمه فيلزم الفساد مطلقا سواء كان الناطق فصلا او خاصة.

(١) هذا دليل آخر على البساطة.

ومحصله : ان المشتق لو كان مركبا اما من مفهوم الشيء والكتابة او من مصداقه والكتابة للزم تكرر الموصوف في قولنا : زيد الكاتب فانه لو كان مركبا من مفهوم الشيء للزم تكرر الموصوف وهو زيد لا باسمه ، بل بعنوان كونه شيئا ويكون المتبادر من قولنا : زيد الكاتب زيد شيء له الكتابة ، واذا كان المشتق مركبا من مصداق الذات لزم تكرر الموصوف بنفسه وباسمه ، لأن لازم التركب من المصداق ان يكون الموصوف بنفسه ماخوذا في المشتق فيرجع قولنا : زيد الكاتب الى قولنا : زيد زيد له الكتابة ، مع انه من الواضح عدم تبادر تكرر الموصوف عند قولنا : زيد الكاتب لا بعنوان انه شيء ولا بنفسه. هذا كل ما امكن ان يكون دليلا على بساطة المشتق ، ولكن الانصاف ان الوجدان والبرهان يثبتان تركب المشتق ، ولكنه ليس مركبا من مفهوم الذات ، ولا من مصداقه ، بل بما هو مركب من المبدأ وامر مبهم من كل الجهات عدا كونه قائما به المبدأ.

اما الوجدان ، فلوضوح تبادرنا من لفظ القائم ـ مثلا ـ ما له الانتصاب ، لا نفس الانتصاب ، وكذا الراكب المفهوم منه ما له الركوب لا نفس الركوب.

٢٦٥

إرشاد : لا يخفى أن معنى البساطة بحسب المفهوم وحدته إدراكا وتصورا ، بحيث لا يتصور عند تصوره إلا شيء واحد لا شيئان ، وإن انحل بتعمل من العقل إلى شيئين ، كانحلال مفهوم الحجر والشجر إلى شيء له الحجرية أو الشجرية ، مع وضوح بساطة مفهومهما.

وبالجملة : لا ينثلم بالانحلال إلى الاثنينية بالتعمل العقلي وحدة المعنى ، وبساطة المفهوم كما لا يخفى ، وإلى ذلك يرجع الاجمال والتفصيل الفارقان بين المحدود والحد ، مع ما هما عليه من الاتحاد ذاتا ، فالعقل بالتعمل يحلل النوع ، ويفصله إلى جنس وفصل ، بعد ما كان أمرا واحدا إدراكا ، وشيئا فاردا تصوّرا ، فالتحليل يوجب فتق ما هو عليه من الجمع والرتق (١).

______________________________________________________

واما البرهان ، فلان مناط الحمل في المشتقات هو اتحادها مع موضوعاتها ، وكذا في الاتصاف هو اتحادها مع الموصوفات واقعا ، وما لم يكن اتحاد واقعا مصححا للحمل والاتصاف لا يصح الحمل ولا يصح التوصيف ، فان اعتبار الكتابة أو الركوب أو القيام لا بشرط لا يجعله متحدا مع زيد بحيث يصح ان يقال : هذا ذاك.

وقد ذهب الى هذا الراي واستدل عليه شيخنا المؤسس المحقق في حاشيته نهاية الدراية على الكفاية فليراجع اليه (١). ولا يخفى انه لا يرد عليه شيء مما ذكر لأن الماخوذ في المشتق امر مبهم من كل الجهات عدا كونه قائما به المبدأ فلا يلزم دخول مفهوم الشيء في المشتق ، لأن الامر المبهم ليس مفهوم الشيء ، ولا يلزم الانقلاب لأن الموضوع لم يؤخذ بنفسه ولا بعنوان من عناوينه في المشتق حتى يلزم الانقلاب.

(١) يظهر منه قدس‌سره في هذا الارشاد ان النزاع في المشتق من حيث بساطته وتركيبه انما هو في مفهومه لا في حقيقته : أي ان من يدعى البساطة يقول : ان المفهوم من

__________________

(١) المحقق الاصفهاني قدس‌سره ، نهاية الدراية : ج ١ ، ص ٩٢.

٢٦٦

.................................................................................................

______________________________________________________

المشتق عند تمثل صورته في الذهن وتصوره هو معنى واحد لحظ بنحو الانطواء ، وان كان مركبا حقيقة بعد التعمل من العقل فبساطة المشتق : هو انه واحد عند الادراك والتصور ، وان القائل بالتركيب يقول : انه مركب من مفهومين كمفهوم رامي الحجارة ـ مثلا ـ ، فمن يقول بالبساطة يقول : ان مفهوم المشتق كمفهوم الانسان ومفهوم الحجر فانه عند الادراك والتصور الحاصل عند اطلاق هذين اللفظين يحصل في الذهن مفهوم واحد ، وان كان العقل بعد تعمله يحلل الانسان الى جنس وفصل ، وتحليل الحجر أو الشجر الى ما له الحجرية والشجرية : أي الى المادة والصورة. ولا ريب ان هذا المفهوم واحد وبسيط في التصور ، ولكنه مركب بعد التحليل والتعمل من العقل ، وان القائل بالتركيب يدعي : ان المتصور والمدرك من لفظ المشتق مفهومان إما مفهوم الذات والشيء والمبدأ ، واما مصداق الذات والشيء والمبدأ ولذا قال قدس‌سره : «وبالجملة لا ينثلم بالانحلال الى الاثنينية بالتعمل العقلي وحدة المعنى وبساطة المفهوم» فلا يضر على هذا كون المشتق مركبا عند التعمل ولكنه واحد وبسيط عند الادراك والتصور ، وواضح هذا بقوله : «والى ذلك يرجع الاجمال والتفصيل الفارقان بين المحدود والحد» فان الانسان الذي هو المحدود له مفهوم واحد بسيط عند الادراك والتصور ، ولكن العقل يحلله الى جنس وفصل والى مفهومين ممتازين في المفهومية قد تركبت ذاته منهما حقيقة وهما جنسه وفصله فيحدد بالحيوان الناطق.

إلّا ان الظاهر من استدلال الشريف ان النزاع ليس في ما ذكره المصنف ، بل النزاع في حقيقة المشتق وانه حقيقة مركب أو انه بسيط وغير مركب.

ويدل على هذا بوضوح استدلال الشريف على البساطة : بلزوم دخول العرض العام في الفصل ، وانقلاب القضية الممكنة الى الضرورية ، فان المشتق لو كان في مقام التصور والادراك بسيطا وواحدا ولا تركيب فيه ولكن حقيقته كانت مركبة يلزم ما ذكره الشريف : من دخول العرض العام في الفصل حيث لو كانت حقيقته مركبة من

٢٦٧

الثاني الفرق بين المشتق ومبدئه مفهوما ، أنه بمفهومه لا يأبى عن الحمل على ما تلبس بالمبدإ ، ولا يعصي عن الجري عليه ، لما هما عليه من نحو من الاتحاد ، بخلاف المبدأ ، فإنه بمعناه يأبى عن ذلك ، بل إذا قيس ونسب إليه كان غيره ، لا هو هو ، وملاك الحمل والجري إنما هو نحو من الاتحاد والهوهوية (١) ، وإلى هذا يرجع ما ذكره أهل المعقول في الفرق

______________________________________________________

ما يؤول الى مفهوم الشيء والمبدأ ويلزم الانقلاب لو كانت حقيقته مركبة من مصداق الشيء والمبدأ ، فالظاهر ان النزاع في التركيب والبساطة انما هو في ناحية ذاته وحقيقته لا في وحدته التصورية وتركيبها.

(١) لما تقدم مختاره بما برهن عليه بخروج مفهوم الذات ومصداقها عن المشتق فلم يبق في المشتق سوى المبدأ.

فتوجه السؤال : بانه أي فرق حينئذ بين المشتق والمبدأ. فعقد هذا الامر لبيان وجه الفرق ، لأن الفرق بين المشتق ومبدئه مما لا يمكن انكاره ، فان المبدأ لا يحمل على الذات ولا يصح حمله عليها الّا بالتاويل ، كرجل عدل ، والمشتق يصح حمله من غير تاويل بالبداهة ، فان العادل يحمل بالبداهة من غير تاويل على الرجل ، فيقال : هذا الرجل عادل.

وحاصل الفرق الذي ذكره : هو ان لحاظ اللابشرطية والبشرطلائية قد يلحظان بالنسبة الى ما هو خارج عن مفهوم الملحوظ ، كلحاظ الكفر بالنسبة الى الرقبة فان لحاظه خارج عن مفهوم الرقبة ، لانه لم يؤخذ الكفر في مفهوم الرقبة لا بنحو اللابشرطية ولا بنحو البشرطلائية ، بل لفظ الرقبة موضوع لماهية الرقبة بلحاظ ذاتها وذاتياتها من غير شيء آخر اصلا ، وانما تلحظ الرقبة بالنسبة الى الكفر في مقام الحكم عليها بالعتق ونحوه ، فتارة تؤخذ لا بشرط ، واخرى تؤخذ بشرط لا ، وربما تكون اللابشرطية والبشرطلائية مأخوذين في نفس المفهوم كمقامنا ، فان المبدأ اذا اخذ في صلب مفهومه الإباء عن الحمل : أي اخذ فيه كونه بشرط عدم الحمل وضع

٢٦٨

بينهما ، من أن المشتق يكون لا بشرط ، والمبدأ يكون بشرط لا : أي يكون مفهوم المشتق غير آب عن الحمل ، ومفهوم المبدأ يكون آبيا عنه ، وصاحب الفصول رحمه‌الله حيث توهم أن مرادهم إنما هو بيان التفرقة

______________________________________________________

له لفظ الضرب أو البياض ، واذا اخذ في مفهومه عدم الإباء عن الحمل وهو لحاظ اللابشرطية وضع له لفظ الضارب والابيض ، ولذا لا يصح حمل الضرب والبياض على الذات ، ويصح حمل الضارب والابيض عليها ، فالاباء عن الحمل وعدم الإباء عن الحمل داخلان في مفهوم الضرب والضارب.

والسبب في هذين اللحاظين ودخولهما في المفهوم الموضوع له اللفظ : هو ان ماهية البياض ـ مثلا ـ تارة تلحظ بما انها كيف خاص وماهية خاصة في قبال سائر الماهيات ، فقد اخذ فيها بحسب هذا اللحاظ انها هي غير غيرها من سائر الجواهر والاعراض ، بل غير انواع الكيف ايضا ، ففي هذا النظر منظورة بنحو المغايرة لغيرها وانها في قبال غيرها من سائر الاشياء ، فهي ملحوظة بشرط لا وأنها ماهية خاصة تباين غيرها من الماهيات ، ومع هذا الشرط وهذا اللحاظ وضع لها لفظ البياض ، ولذا لا يصح حمله على غيره من سائر الماهيات.

واخرى : تلحظ الماهية من جهة اتحادها مع غيرها الّا انها تقع وصفا لغيرها من الماهيات ، ووقوعها وصفا لغيرها لا بد له من جهة اتحاد ، والّا لما صح التوصيف ، لأن التوصيف حيثية كون الشيء من لواحق غيره وكونه عارضا عليه ، وفي مقام كون الشيء لاحقا لغيره وعارضا عليه لا بد له من جهة اتحاد معه ، وفي هذا اللحاظ ودخوله في مفهوم هذه الماهية وضع له لفظ الابيض ، ولذا صرح قدس‌سره : ان الفرق بين المشتق ومبدئه هو في ناحية المفهوم وان مفهوم كل منهما غير مفهوم الآخر وانه داخل في مفهوم احدهما انه لا يأبى عن الحمل ، وداخل في مفهوم الآخر الإباء عن الحمل ، فلحاظ اللابشرطية ولحاظ البشرطلائية داخلان في صلب المفهوم وليسا خارجين عن المفهوم كالكفر بالنسبة الى الرقبة.

٢٦٩

بهذين الاعتبارين ، بلحاظ الطوارئ والعوارض الخارجية مع حفظ مفهوم واحد أورد عليهم : بعدم استقامة الفرق بذلك ، لاجل امتناع حمل العلم والحركة على الذات ، وإن اعتبر لا بشرط ، وغفل عن أن المراد ما ذكرنا (١) ، كما يظهر منهم من بيان الفرق بين الجنس والفصل ،

______________________________________________________

(١) لا يخفى ان دعوى رجوع ما ذكره اهل المعقول الى ما ذكره قدس‌سره مقدمة للرد على صاحب الفصول : فان صاحب الفصول اورد على ما ذكره اهل المعقول : من الفرق بين المشتق ومبدئه بلحاظ اللابشرطية والبشرطلائية : بانه يلزم على ما ذكروه من الفرق بينهما باللحاظ انه يجوز لنا حمل العلم والحركة على الذات اذا لحظناهما بنحو اللابشرطية ، ومن الواضح انه لا يصح حملهما على الذات ولو لحظا لا بشرط ، وانما يجوز الحمل اذا استعملناهما في العالم والمتحرك ، واستعمالهما في العالم والمتحرك غير لحاظهما لا بشرط.

وتوضيح الحال : ان لازم ما ذكره المصنف من دخول اللابشرطية في مفهوم المشتق هو كون المشتق مركبا مفهوما من المبدأ والنسبة ، لدخول حيثية عدم الإباء عن الحمل في نفس مفهومه ، فاذا كان لحاظ اللابشرطية داخلا في المشتق ، ولحاظ الإباء عن الحمل داخلا في مفهوم المبدأ لا يصح حمل المبدأ بمفهومه الموضوع له اذا لحظ لا بشرط ، فان لحاظ اللابشرطية لا يعقل ان يغير المفهوم الذي اخذت البشرطلائية في نفسه.

نعم ، اذا استعمل في غير مفهومه وغير ما وضع له صح حمله حينئذ ، فلحاظ اللابشرطية داخلا في مفهوم المشتق ، ولحاظ البشرطلائية داخلا في مفهوم المبدأ هو الذي فهمه المصنف من كلام اهل المعقول ، ولذا رد على صاحب الفصول : بان ما اورده على القوم غير وارد عليهم ، لانهم لم يردوا ان الفرق بين المبدأ والمشتق بلحاظ اللابشرطية والبشرطلائية الخارجين عن المفهوم ، فيكون المفهوم في المبدإ

٢٧٠

.................................................................................................

______________________________________________________

والمشتق واحدا ، فاذا لحظ لا بشرط كان مشتقا ، واذا لحظ بشرط لا كان مبدأ فان المفهوم فيهما ليس واحدا ، لدخول اللابشرطية والبشرطلائية في نفس المفهوم فيهما ، وان صاحب الفصول حسب انهم يريدون اتحاد المفهوم فيهما والفرق باللحاظ الخارج عن المفهوم فاورد عليهم بما ذكر ، ولكنهم لم يريدوا ذلك ، بل ارادوا دخولهما في نفس المفهوم فلا يرد عليهم ما اورده.

والذي دعا المصنف الى حمل كلام القوم على ما ذكر : هو ان لحاظ اللابشرطية والبشرطلائية الخارجيين لا يعقل ان يسبب تغييرا وفرقا بينهما في المفهوم مع كون الفرق بينهما في نفس المفهوم واضحا ، فان مفهوم البياض بنفسه غير مفهوم الابيض ، وكذلك الضرب غير الضارب فانه لا يصح الحمل في المبدأ بما له من المفهوم ، ويصح في المشتق بمفهومه ، فلا بد وان يكون لحاظ الإباء وعدم الإباء داخلا في نفس مفهومهما.

الّا انه عند مراجعة كلام اهل المعقول يظهر ان ما فهمه صاحب الفصول هو صريح كلماتهم ، فان كلامهم صريح في خروج النسبة عن مفهوم المشتقات كخروج الذات عنها ، وقد عرفت ان لازم ما ذكره المصنف هو دخول النسبة ولحاظ اللابشرطية في مفهومها.

نعم ، هناك شيء خفي على المصنف وصاحب الفصول وهو ان الفرق الذي ذكروه انما هو بين المشتق والمبدأ الساري في جميع المشتقات وهو المبدأ الحقيقي الذي هو المادة لهيئات المشتقات ، ولم يريدوا بالمبدإ المبدأ المشهور وهو المصدر ، لأن المصدر عندهم مشتق من المشتقات لتألفه من مادة وهيئة ، فلا يحسن الايراد عليهم من صاحب الفصول : بانه لا يصح حمل العلم والحركة اذا لحظا لا بشرط فانهما مبدأ مشهوري لا مبدأ حقيقي ، وكذلك الظاهر من المصنف من عدم صحة الحمل في المبدأ انما هو في المصدر بل هو في المبدأ الحقيقي عندهم ، والمبدأ الحقيقي لا تحقق له الّا في ضمن الهيئات فلا حمل له بذاته حتى لا يصح حمله.

٢٧١

وبين المادة والصورة ، فراجع (١).

______________________________________________________

(١) أي ان الفرق الذي ذكره المصنف بين المشتق ومبدئه من الإباء عن الحمل ، وعدم الإباء هو ايضا الفرق الذي ذكره اهل المعقول بين الجنس والمادة ، والفصل والصورة.

وتوضيح ما ذكره : وهو انه لا اشكال عندهم : أي عند متاخري اهل المعقول هو ان الاتحاد بين المادة والصورة والجنس والفصل حقيقي وان فيض الوجود يسري من الفصل الى الجنس ، ومن الصورة الى المادة وانهما موجودان بوجود واحد فهما متحدان في الوجود ، ولهما وجود واحد خارجا ، فالحيوان والناطق المركب منهما ماهية الانسان عند التحليل والتجزئة العقلية هما عين البدن والنفس الناطقة اللذين هما المادة والصورة ، إلّا انه يصح حمل الحيوان على الناطق وحمل الناطق على الحيوان ، ولا يصح حمل النفس على البدن ولا حمل البدن على النفس. نعم ، يصح حملهما مجتمعين على الانسان فيقال : الانسان نفس وبدن ، ولكن لا يصح ان يقال : البدن نفس ولا النفس بدن ، بخلاف الحيوان والناطق فانه يصح ان يقال : الحيوان ناطق ، والناطق حيوان.

وحاصل ما ذكره من الفرق بينهما : هو انه لا اشكال ان الانسان موجود بوجود واحد وان كلا من جزئيه له حظ ونصيب من هذا الوجود ، فاذا لحظ هذا الوجود بما له من الحد والمرتبة التي تخص الجزء كان مادة وصورة وهو معنى لحاظه بشرط لا ، فان لحاظه بما له من الحد الخاص والمرتبة المعينة لكل واحد من جزئيه لازمه ومقتضاه هو كون كل من الجزءين ملحوظين بنحو المغايرة والمباينة ، فان كل جزء بما له من المرتبة الخاصة به غير الجزء الآخر بما له من المرتبة الخاصة به ، ومع هذه المغايرة والمباينة يكون كل منهما ملحوظا غير الآخر ، بل في قبال الآخر وهو معنى لحاظ الجزءين بشرط لا ، وفي هذا اللحاظ يعبّر عن الجزءين بالمادة والصورة ، واذا لحظ الجزءان بما انهما موجودان بوجود واحد وان لهما تحققا واحدا في الخارج ، وان

٢٧٢

الثالث : ملاك الحمل كما أشرنا إليه هو الهوهوية والاتحاد من وجه ، والمغايرة من وجه آخر ، كما يكون بين المشتقات والذوات ، ولا يعتبر معه ملاحظة التركيب بين المتغايرين ، واعتبار كون مجموعهما بما هو كذلك واحدا ، بل يكون لحاظ ذلك مخلا ، لاستلزامه المغايرة بالجزئية والكلية ومن الواضح أن ملاك الحمل لحاظ بنحو الاتحاد بين الموضوع والمحمول ، مع وضوح عدم لحاظ ذلك في التحديدات وسائر القضايا في طرف الموضوعات ، بل لا يلحظ في طرفها إلا نفس معانيها ، كما هو الحال في طرف المحمولات ، ولا يكون حملها عليها إلا بملاحظة ما هما عليه من نحو من الاتحاد ، مع ما هما عليه من المغايرة ولو بنحو من الاعتبار.

______________________________________________________

حيثية الجنس حيثية اللامتحصل ، وحيثية الفصل حيثية المتحصل والمحصل للجنس ، ولازم لحاظهما كذلك لحاظ الاتحاد بينهما وعدم لحاظهما بما لهما من المرتبة المختصة بهما من الوجود والتحقق ، فلا يكونان ملحوظين بما ان كلا منهما في قبال الآخر ، بل بما هما متحققان بتحقق واحد ، وان لهما وجودا واحدا ساريا بينهما ، ومثل هذا اللحاظ هو لحاظ اللابشرطية وهو لحاظ الاتحاد ، فلذلك يصح حمل كل منهما على الآخر ، وفي هذا اللحاظ هما جنس وفصل.

فتحصل من ذلك : ان الجنس والفصل لحظا لا بما هما متغايران ، والمادة والصورة لحظا بما هما متغايران ، والمتحدان يصح حملهما والمتغايران لا يصح حملهما ، وليس مرادهم انهما لحظا بما هما متحدان وبشرط الاتحاد ، بل المراد انهما حيث كانا موجودين بوجود واحد ولم تلحظ المرتبة الخاصة لهما من هذا الوجود كان ذلك معنى لحاظهما لا بشرط ، لا انهما ملحوظان بشرط الاتحاد ، بخلاف الصورة والمادة فانهما لحظا بما ان لهما نصيبا ومرتبة خاصة من هذا الوجود ، ولا ريب ان لازم ذلك هو كونهما ملحوظين بنحو المغايرة ولحاظ المغايرة هو لحاظ البشرطلائية.

٢٧٣

فانقدح بذلك فساد ما جعله في الفصول تحقيقا للمقام. وفي كلامه موارد للنظر ، تظهر بالتأمل وإمعان النظر (١).

______________________________________________________

(١) هذا الامر عقد لمناقشة صاحب الفصول ، وتوضيح ما يقوله المصنف يتوقف على امرين :

الاول : ان الحمل اما ذاتي واما شايع صناعي ويجمعهما معنى واحد وهو ان الحمل هو الهوهوية : أي هذا ذاك ، أو ان الموضوع هو المحمول.

ولا يخفى انه لا بد في الحمل من اتحاد من جهة ومغايرة من جهة اخرى ، لوضوح انه مع الاتحاد من كل جهة لا يصح الحمل ، لانه قضية ذات نسبة قائمة بطرفين فلا بد فيها من تحقق طرفين ، ومع الاتحاد في كل جهة لا يكون طرفان ، بل طرف واحد ولا تقوم النسبة في القضية الّا بطرفين ، ولا شبهة ان الحمل قضية ذات طرفين ونسبة فلا بد من تحقق مغايرة ما حتى يتحقق الطرفان ، فانه مع وجود المغايرة يتحقق شيئان : مغاير ومغاير ، فان معنى المغايرة هو كون هذا غير هذا ولو بنحو من انحاء المغايرة.

ولا يخفى ايضا : انه مع المغايرة من كل جهة لا يصح الحمل ايضا اذ الحمل هو كون هذا ذاك ، فاذا لم يكن بينهما اتحاد اصلا كيف يعقل ان يكون هذا ذاك.

الثاني : ان الحمل الذاتي الذي معناه الاتحاد في الحقيقة والماهية جهة اتحاده ما عرفت ، وجهة المغايرة فيه اما ان تكون هي الاجمال والتفصيل ، كما في الحدود الانسان : حيوان ناطق فإن حقيقة الانسان هي الحيوان الناطق ، ولكنها اخذت بنحو الجمع والرتق في الانسان ، وبنحو التفصيل والفتق في الحيوان الناطق ، فالاختلاف بينهما في المفهوم مع الاتحاد في الحقيقة ، فان المفهوم الاجمالي غير المفهوم التفصيلي ، واخرى تكون المغايرة مع الاتحاد في المفهوم ايضا فتنحصر المغايرة بينهما في اللفظ كالانسان بشر ، وكذلك ساير المترادفات فان الحقيقة والمفهوم متحد في كليهما ،

٢٧٤

.................................................................................................

______________________________________________________

فالمغايرة انما هي في ان المفهوم في احدهما باعتبار انه مسمى بهذا اللفظ غير المفهوم نفسه بما انه مسمى بلفظ آخر. هذا وجه الاتحاد والمغايرة في الحمل الذاتي.

واما الحمل الشائع الصناعي فالاتحاد فيه في الوجود والمغايرة فيه في المفهوم كقولك : الانسان ناطق او الحيوان انسان او ناطق فانه لا اتحاد فيهما من حيث الماهية ، اذ لا يعقل اتحاد الكل والجزء ماهية ، وكذلك لا يعقل اتحاد الاجزاء من حيث الماهية ، والّا لزم الخلف من فرض انهما كل وجزء أو انهما جزءان لكل واحد منهما حقيقة غير حقيقة الآخر ، فهما حقيقة وماهية ومفهوما متغايران ، وانما صح الحمل لاتحادهما في الوجود ولا يحتاج الحمل الى غير ما ذكرنا.

وظهر مما ذكرنا : ان المتغايرين في الوجود لا يصح حمل احدهما لا بالحمل الذاتي لوضوح عدم اتحادهما في الماهية والّا فكيف يتغاير المتحدان في الماهية في مقام الوجود ، ولا بالحمل الشائع للزوم الاتحاد في الوجود فيه ، والمفروض انهما متغايران في الوجود فلا يمكن الحمل في المتغايرين في الوجود بكلا قسميه.

إلّا ان صاحب الفصول زعم : امكان ان يتاتى الحمل في المتغايرين في الوجود بكيفية حاصلها ان يلحظ اولا : المتغايران بنحو اللابشرطية حتى لا يأبيا عن لحاظ وحدة لهما ، ثم ثانيا : يلحظ لهذين الملحوظين لا بشرط مجموع واحد : أي بان يلاحظا من حيث المجموع واحد ، فيكون لهما وحدة من حيث المجموع في افق اللحاظ والاعتبار ليتحقق هناك وحدة يصح بواسطتها الحمل ، وثالثا : ان يلاحظ الحمل فيهما بالاضافة الى هذا المجموع من حيث الهيئة الاجتماعية ليصح الحمل في هذين المتغايرين في الوجود المتحدين في افق الاعتبار. ثم ذكر في آخر كلامه : ان الناطق والحيوان من المتغايرين في الوجود فانما يصح حملهما بالكيفية التي ذكرها لصحة حمل المتغايرين في الوجود.

وقد اورد عليه المصنف قدس‌سره بايرادين ، ثم قال في آخر كلامه : ان هناك مواقع للنظر في كلام صاحب الفصول غير هذين الايرادين.

٢٧٥

.................................................................................................

______________________________________________________

وحاصل الايراد الاول : ان لحاظ الوحدة من حيث المجموع للمتغايرين في الوجود ليحصل الاتحاد فيصح الحمل بهذا اللحاظ هو مخل بالحمل ، لا انه يصحح ، لأن لحاظ الوحدة المجموعية يرجع الى لحاظ كلّ لهذين المتغايرين وان المتغايرين جزءان لهذا الكل ، ولحاظ الكل والجزء لحاظ المغايرة بينهما ، وليس هو لحاظ الاتحاد لهما ، فما جعله مصححا للاتحاد وهو لحاظ ان لهما كلا هو موجب للمغايرة ، فان الجزء مغاير للكل ومغاير للجزء الآخر ، لأن فرض الكلية فرض مجموع له جزءان ، ومقتضى هذا الفرض وهو فرض الكلية يلازمه فرض اجزاء لهذا الكل هو فرض كون الكل غير الجزء وكون كل واحد من الجزءين غير الكل وغير الجزء الآخر ، فما جعله موجبا للاتحاد ليصح الحمل اوجب المغايرة فلا يصح الحمل ، والى هذا اشار بقوله : «بل يكون لحاظ ذلك مخلا الى آخر كلامه».

الايراد الثاني : ما اشار اليه بقوله : «مع وضوح عدم لحاظ ... الخ».

وحاصله : ان الحمل سواء كان ذاتيا كما في التحديدات والتعاريف او المترادفات او حملا شايعا كما في ساير القضايا المتعارفة لم يلحظ التركيب فيه ولم يفرض ان للموضوع والمحمول وحدة من حيث المجموع ، بل الملحوظ في الموضوعات نفس المفاهيم والمعاني ، كما ان الملحوظ في المحمولات ايضا هو نفس المفاهيم والمعاني وانما يصح الحمل فيهما لاجل اتحادهما بنحو من الاتحاد ، وهو اما الاتحاد في الحقيقة او الاتحاد في الوجود مع لزوم مغايرة بينهما اما في الحقيقة كما في الحمل الشائع أو المغايرة الاعتبارية كما في المتحدين في المفهوم ايضا ، فان مغايرتهما بصرف ان لهذا المفهوم اسما غير نفسه بما هو مسمى باسم آخر كما في حمل المترادفات.

نعم الذي يظهر من صاحب الفصول هو ان الكيفية التي ذكرها انما هي لامكان حمل المتغايرين في الوجود وليست في كل متغايرين حتى المتغايرين بالمفهوم المتحدين في الوجود فيكون الحمل الشائع خارجا عن هذه الكيفية. والذي يظهر من المصنف ان صاحب الفصول يدعى شمول هذه الكيفية لمطلق المتغايرين فتشمل الحمل الشائع.

٢٧٦

الرابع : لا ريب في كفاية مغايرة المبدأ مع ما يجري المشتق عليه مفهوما ، وإن اتحدا عينا وخارجا ، فصدق الصفات مثل : العالم ،

______________________________________________________

نعم في عد صاحب الفصول ان الانسان والناطق ، والناطق والحيوان من متغايري الوجود ليس بصحيح لانهما من المتغايرين بالمفهوم المتحدين في الوجود ، بل هما من اظهر مصاديق الحمل الشائع الذي كان الاتحاد فيه في الوجود والتغاير في المفهوم ، ولعل هذا هو الذي دعا المصنف الى ان ينسب الى صاحب الفصول شمول الطريقة التي ذكرها لكل متغايرين.

ولا يخفى : ان هذا وهو التمثيل للمتغايرين في الوجود بالانسان والناطق ، والحيوان والناطق من مواقع النظر التي اشار اليها المصنف.

ـ ومن مواقع النظر : ان الاتحاد الذي ذكره في فرض ان لهما كلا واحدا من حيث المجموع هو اتحاد في افق الفرض والاعتبار ، وليس اتحادا في الوجود كما صرح به في ضمن ذكر الكيفية ، فانما يصح حملهما في افق اللحاظ والفرض لا في افق الخارج.

ـ ومنها : ان الاتحاد الذي يصحح الحمل عند العرف لا بد وان يكون اتحادا حقيقيا اما في الحقيقة او في الوجود ، والاتحاد الفرضي ليس من مصححات الحمل.

ـ ومنها : ان اعتبار اللابشرطية في المتغايرين في الوجود اذا كان لا يكتفى به في تصحيح الحمل فاعتبار ان لهما كلا فرضيا اعتباريا ايضا لا يصحح الحمل ، لأن الاتحاد الحقيقي اذا كان لا بد منه في تصحيح الحمل فالوحدة الفرضية لا تجعل لهما اتحادا حقيقيا ، واذا كان الاتحاد الحقيقي غير لازم في مقام الحمل فصرف اعتبار اللابشرطية في المتغايرين في الوجود كاف ولا حاجة الى اعتبار ان لهما فرضا في افق اللحاظ والاعتبار.

٢٧٧

والقادر ، والرحيم ، والكريم ، إلى غير ذلك (١) من صفات الكمال

______________________________________________________

(١) لا يخفى ان الحمل الذي لا بد فيه من مغايرة واتحاد انما هو بين المشتق وما يجري عليه : أي بين الموضوع والمحمول الذي هو المشتق ، والمبدأ اجنبي عن الموضوع والمحمول ، إلّا انه يظهر من المصنف وصاحب الفصول الاتفاق من العلماء على لزوم امر آخر ، وهو لزوم المغايرة بين مبدأ المشتق والموضوع الذي يجري عليه المشتق مع كون المبدأ اجنبيا عن الموضوع. ولعل السبب في ذلك هو ما اختاره من بساطة المشتق وانه لا فرق بينه وبين مبدئه الّا باللابشرطية والبشرطلائية ، واما نفس المفهوم والحقيقة ففيهما واحد ، وحيث انه لا بد من مغايرة بين الموضوع والمحمول فاذا لا بد من المغايرة بين مبدأ المشتق والموضوع الذي يجري عليه المشتق ، ولكن هذا التعليل انما يصح عند من يرى البساطة في المشتق ، اما عند من يرى التركيب فلا ينبغي ان تشترط المغايرة بين الموضوع ومبدأ المشتق في صحة حمل المشتق على الموضوع ، لكونه اجنبيا عن الحمل وعن المشتق ، فاي داع لاشتراط هذه المغايرة.

وعلى كل حال فالخلاف بين المصنف وصاحب الفصول : هو انه عند المصنف يكتفى في المغايرة بين المبدأ وما يجري عليه المشتق بالمغايرة المفهومية ، واما عند صاحب الفصول فلا بد من المغايرة الوجودية ولا يكتفى بالمغايرة المفهومية.

واستدل صاحب الفصول على لزوم المغايرة الوجودية بين مبدأ المشتق وما يجري عليه باطباق العلماء على اشتراط هذه المغايرة ، ولذا وقع في الاشكال من ناحية حمل هذه المشتقات ، كالعالم والرحيم عليه تعالى ، فان صفاته ومبدأ صفاته عين ذاته ، وانه عين القدرة والحياة ، وعين العلم وساير صفاته الثبوتية المعبر عنها بالصفات الجمالية والكمالية ، فالتزم بانه لا بد من النقل او التجوز في هذه المشتقات بالنسبة اليه تعالى ، لانه قد ثبت بالبرهان ـ في محله ـ انه تعالى ليس فيه حيث دون حيث وانه واحد من جميع الجهات بسيط من كل جهة ، ويرى قدس‌سره انه لا بد من

٢٧٨

.................................................................................................

______________________________________________________

التغاير الوجودي بين مبدأ المشتق وما تجري عليه هذه المشتقات ، وفيه تعالى لا تباين ولا تغاير بين المبدأ وموضوع هذه المشتقات وهو نفسه تعالى ، فلذا لا بد من التأويل في مقام إجراء هذه المشتقات وهي العالم والرحيم ـ مثلا ـ عليه تبارك وتعالى اما بالالتزام بالنقل أو التجوز.

والمصنف بعد ان اعترف بانه لا بد من المغايرة ايضا الّا ان المغايرة التي لا بد منها بين مبدأ المشتق والموضوع هي المغايرة المفهومية وهي القدر اللازم الجامع لجميع موارد حمل المشتقات على موضوعاتها ، سواء الواجب والممكن.

نعم في الممكن تضاف اليها المغايرة الوجودية ايضا ، لوضوح كون العلم غير ذات العالم ، والرحمة غير الذات المتلبسة بالرحمة ولكن هذه المغايرة غير لازمة والقدر اللازم هي المغايرة المفهومية ، وهي كما انها موجودة في الممكن موجودة في الواجب ايضا ، لأن الذي دل عليه البرهان : من الاتحاد والعينية هو الاتحاد بين مصداق العلم وذات الواجب ، لا بين مفهوم العلم وذاته تبارك وتعالى ، ولذا لا داعي إلى النقل ولا إلى التجوز في حمل هذه المشتقات عليه ـ تبارك وتعالى ـ لأن المغايرة المفهومية بين الواجب ومبدأ هذه الصفات متحققة ، لوضوح ان مفهوم واجب الوجود غير العلم والقدرة ، وان كان هو خارجا عين مصداق القدرة والعلم حقيقة ، ولذا قال قدس‌سره : «ومنه قد انقدح ما في الفصول» : أي مما ذكرنا من انه يكتفى بالمغايرة المفهومية يظهر فساد ما ادعاه صاحب الفصول : من المغايرة الوجودية وفساد ما التزم به من النقل أو التجوز في إجراء هذه الصفات عليه تبارك وتعالى ـ ، وليس هناك اتفاق على غير المغايرة المفهومية ، اذا لم نقل بانهم متفقون على عدم اعتبار المغايرة الوجودية ، ويدل عليه صحة الحمل الاولي مع انه لا مغايرة وجودية بين الموضوع ومبدأ المشتق فيها ، فان الانسان عين الحيوانية والنطق.

٢٧٩

والجلال (١) عليه تعالى ، على ما ذهب إليه أهل الحق من عينية صفاته ، يكون على الحقيقة ، فإن المبدأ فيها وإن كان عين ذاته تعالى خارجا ، إلا أنه غير ذاته تعالى مفهوما.

ومنه قد انقدح ما في الفصول ، من الالتزام بالنقل أو التجوز في ألفاظ الصفات الجارية عليه تعالى ، بناء على الحق من العينية ، لعدم المغايرة المعتبرة بالاتفاق ، وذلك لما عرفت من كفاية المغايرة مفهوما ، ولا اتفاق على اعتبار غيرها ، إن لم نقل بحصول الاتفاق على عدم اعتباره ، كما لا يخفى ، وقد عرفت ثبوت المغايرة كذلك بين الذات ومبادئ الصفات.

الخامس : إنه وقع الخلاف بعد الاتفاق على اعتبار المغايرة كما عرفت بين المبدأ وما يجري عليه المشتق ، في اعتبار قيام المبدأ به ، في صدقه على نحو الحقيقة ، وقد استدل من قال بعدم الاعتبار ، بصدق الضارب والمؤلم ، مع قيام الضرب والالم بالمضروب والمؤلم بالفتح.

والتحقيق : إنه لا ينبغي أن يرتاب من كان من أولى الالباب ، في أنه يعتبر في صدق المشتق على الذات وجريه عليها ، من التلبس بالمبدإ بنحو خاص ، على اختلاف أنحائه الناشئة من اختلاف المواد تارة ، واختلاف الهيئات أخرى ، من القيام صدورا أو حلولا أو وقوعا عليه أو فيه ، أو

______________________________________________________

(١) هذا منه على خلاف اصطلاح القوم ، فان صفات الجلال عندهم هي الصفات السلبية ، كليس بجسم ، وليس بمتحيّز ، وليس بمركب وليست له ماهية. وهم انما قالوا بالاتحاد والعينية بين الواجب وصفاته الثبوتية المعبّر عنها بالصفات الجمالية والكمالية فلا بد وان يكون الجلال في كلام المصنف تفسيرا للكمال ، وهذا جار على غير اصطلاح القوم ، كما ان الرحيم والعالم ليست من الصفات الجلاليّة بحسب الاصطلاح.

٢٨٠