بداية الوصول - ج ١

آية الله الشيخ محمّد طاهر آل الشيخ راضي

بداية الوصول - ج ١

المؤلف:

آية الله الشيخ محمّد طاهر آل الشيخ راضي


المحقق: محمّد عبدالحكيم الموسوي البكّاء
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار الهدى
المطبعة: الظهور
الطبعة: ٢
ISBN: 964-497-057-8
ISBN الدورة:
964-497-056-X

الصفحات: ٥٠٥

.................................................................................................

______________________________________________________

هو ان السارق سارق حقيقة ، والزاني زان حقيقة في وقت اقامة الحد عليهما ، فلا يعقل ان يقال في الجواب : ان الاطلاق بلحاظ حال التلبس.

إلّا ان يقال : ان المصنف اشار الى بعض الجواب واكتفى عن تفصيله بما تقدم في الجواب عن آية (لا يَنالُ عَهْدِي).

وعلى كل حال فالجواب عن هذا الاستدلال : هو منع المقدمة الاخيرة ، وانه لا نسلم ان الظاهر كون الاطلاق حقيقيا في حال اقامة الحد.

فان السبب في هذه الدعوى ، اما لزوم كون العنوان علة لحكمه حدوثا وبقاء ، وقد عرفت ان العنوان لا يلزم ان يكون دائما علة حدوثا وبقاء ، بل ربما يكون مجرد التلبس ولو في زمان ما علة للحكم كما في قوله عليه‌السلام : (الساهي يسجد للسهو) وامثال ذلك ، فان العنوان علة للحكم في هذه الاحكام حدوثا لا بقاء ، ومجرد حدوثه والتلبس به كاف في ترتب الحكم.

وحينئذ ياتي لا يقال السابق : من ان الظاهر كون الاطلاق في حال عدم التلبس ، اطلاقا حقيقيا. فيجاب عنه : انه لا منافاة في ذلك ، فانه لا بأس بان يكون الاطلاق حقيقيا في حال عدم التلبس لكنه بلحاظ حال التلبس. وان المراد من قوله تعالى في الآية (وَالسَّارِقُ) أي من كان سارقا.

واما ان يكون السبب في هذه الدعوى : هو انه قد اطلق السارق على غير المتلبس ، فاما ان يكون حقيقة بلحاظ حال التلبس ، واما ان يكون مجازا ، وكلاهما يحتاج الى قرينة ، ولا قرينة في المقام ، فيتعين كون الاطلاق حقيقيا لا بلحاظ حال التلبس ، ولازم ذلك الوضع للاعم.

والجواب عنه : ما عرفت سابقا ان المشتق مطابقه هو المتلبس. واما كون الجري بلحاظ حال النطق او بلحاظ حال التلبس او مجازا كل ذلك يحتاج الى معين.

غايته ان المعين في الاول هو مقدمات الحكمة ، وفي غيره هو القرينة. ومن الواضح ان الغرض في هذه الآية بيان ان حكم السارق هو القطع ولم يسبق الكلام

٢٤١

ومن مطاوي ما ذكرنا ـ هاهنا وفي المقدمات ـ ظهر حال سائر الاقوال ، وما ذكر لها من الاستدلال ، ولا يسع المجال لتفصيلها ، ومن أراد الاطلاع عليها فعليه بالمطولات (١).

بقي أمور : الاول : إن مفهوم المشتق على ما حققه المحقق الشريف في بعض حواشيه بسيط منتزع عن الذات باعتبار تلبسها بالمبدإ واتصافها به غير مركب. وقد أفاد في وجه ذلك : أن مفهوم الشيء لا يعتبر في مفهوم الناطق مثلا ، وإلا لكان العرض العام داخلا في الفصل ، ولو اعتبر فيه ما صدق عليه الشيء ، انقلبت مادة الامكان الخاص ضرورة ، فإن الشيء الذي له الضحك هو الانسان ، وثبوت الشيء لنفسه ضروري. هذا ملخص ما أفاده الشريف ، على ما لخصه بعض الاعاظم (٢).

______________________________________________________

لبيان ان زمان الحكم متحد مع زمان الاطلاق الحقيقي. ومع تسليم الظهور المدعى نقول : ان الظهور انما يكون حجة في تعيين المراد لا في كيفية الاستعمال.

(١) وحاصله ان لازم هذا التفصيل تعدد الوضع ، وكون المشتق له وضعان : وضعه اذا كان محكوما به لخصوص المتلبس ، ووضع آخر له في الاعم اذا كان محكوما عليه. ومن الواضح فساد تعدد الوضع ، فان المشتق قد وضعت المادة فيه للمبدا ، والهيئة موضوعة فيه اما للمتلبس او للاعم ، وليس للهيئة وضعان وهو واضح لا خفاء فيه.

(٢) تعرض الشريف لاقامة الدليل على بساطة المشتق في حاشيته على شرح المطالع (١) للرّد على الشارح في مقام جوابه عن الاشكال على تعريف القوم للنظر : بان ترتيب امور حاصلة لتحصيل غير الحاصل.

فاورد عليهم : بان هذا لا يشمل التعريف بالمفردات ، كتعريف الانسان بالناطق او الضاحك وهي امر واحد لا امور.

__________________

(١) حاشية مير السيد الشريف على شرح المطالع : ص ١١.

٢٤٢

.................................................................................................

______________________________________________________

فاجاب عن الايراد شارح المطالع : بان التعريف بالمفردات انما يكون بالمشتقات كالناطق والضاحك. والمشتق وان كان في اللفظ مفردا ، إلّا ان معناه شيء له المشتق منه ، فيكون من حيث المعنى مركبا. فاورد عليه المحقق الشريف : بان المشتق معناه بسيط لا مركب.

ويمكن ان يورد على شارح المطالع مع تسليم التركيب ، والغضّ عما اورد عليه الشريف من كون المشتق بسيطا : ان هذا التركيب لا يدفع ايراد القوم على التعريف المذكور ، فان المفرد وان انحل الى شيء له المبدأ ، إلّا انه ليس هذا الّا انحلالا بعد تعمل من العقل وإعمال الدقة ، وليس هو من ترتيب امور لتحصيل غير الحاصل ، فان المفهوم من ترتيب امور ترتيب استلزامات تدل على غير الحاصل. ومن الواضح انه لا يفهم من المشتق المفرد ترتيب استلزامات تؤدي الى غير الحاصل.

وعلى كلّ فحاصل ما اورده الشريف : هو ان المشتق ليس مفهوما مركبا ، لأنه إما ان يكون مركبا من مفهوم الذات ، أو الشيء ـ اللذين هما من الاعراض العامة العارضة للمقولات باجمعها ـ ومن النطق ، أو يكون المشتق مركبا من مصداق الذات ، أو الشيء : أي ان الواضع ـ مثلا ـ لم يرد مفهوم الذات بما هو مضافا اليه النطق بل اراد ما يصدق عليه الذات أو الشيء بنحو الوضع العام والموضوع له الخاص ، فيراد من الناطق ـ مثلا ـ هو مصداق الشيء المضاف له النطق ، وحيث ان المصاديق لا يمكن ان تتصور بذاتها فلا بد من تصورها بالمفهوم العام لها وهو الشيء أو الذات.

وبعبارة اخرى : ان الواضع للناطق وضعه للنطق المضاف الى ما يصدق عليه الشيء ، او الذات.

فان اريد الاول : وهو كون المشتق مركبا من مفهوم الشيء والنطق.

يرد عليه : انه لا يعقل ذلك ، لان الناطق هو الفصل المقوم للجنس وهو الحيوان وجاعله نوعا من انواع الحيوان الذي هو الانسان. والفصل من ذاتيات النوع وأحد جزئيه المتقومة منهما ماهيته المركبة : من جنسه وفصله ، ولذا يذكر في مقام تعريف

٢٤٣

.................................................................................................

______________________________________________________

حقيقة الانسان ، وشرح ماهيته ، فيقال : الانسان حيوان ناطق. ولو كان مفهوم الناطق مركبا من مفهوم الشيء والنطق المضاف اليه بعد وضوح كون مفهوم الشيء من الاعراض العامة لكافة المقولات وانواعها للزم ان يكون هذا العرض العام مقوما وداخلا في ذات النوع ، لبداهة دخول فصله في حقيقة ماهيّته ، فاذا كان فصله مركبا من مفهوم الشيء والنطق كان مفهوم الشيء داخلا في حقيقة النوع ، لانه جزء من فصله الذي هو جزء ماهيّته ، فيدخل العرض العام المعلوم خروجه عن ذاتيات الماهية في مقومات الماهية وذاتياتها. والى هذا اشار بقوله : «المشتق على ما حققه المحقق الشريف في بعض حواشيه بسيط منتزع عن الذات باعتبار تلبسها بالمبدإ واتصافها به» لأن المبدأ حيث لا يمكن حمله على الذات اللاحق لها بنفسه ، لوضوح ان النطق أو الضحك أو الكتابة لا يصح حملها بانفسها ، فلا يصح ان يقال : الانسان نطق أو ضحك ، أو زيد كتابة وانما يصح الحمل بطريقين :

الاول : ان يضاف لها ذو فيقال : الانسان او زيد ذو نطق ، او ذو كتابة.

الثاني : ان يحمل بواسطة الاشتقاق فيشتق من النطق الناطق ، ومن الضحك الضاحك ، ومن الكتابة الكاتب ، ليحمل على من تلبّس بهذه المبادئ.

فالمشتق مفهوم انتزع من الذات باعتبار المبدأ الذي لحقها وتلبست به ، ليصح حمل ذلك المبدأ عليها ويكون وصفا محمولا عليها وهو بسيط «غير مركب» لعدم صحة كونه مركبا «وقد افاد في وجه ذلك» أي في وجه كونه غير مركب ، لأن التركيب اما من المفهوم أو من المصداق ، ولا سبيل الى الأول لوضوح «ان مفهوم الشيء لا يعتبر في مفهوم الناطق مثلا» لانه لو اعتبر مفهوم الشيء في مفهوم الناطق فان معنى اعتباره فيه كونه جزء من مفهوم الناطق ، ولا يصح هذا الاعتبار «وإلّا لكان العرض العام» أي الشيء الذي هو من الاعراض العامة «داخلا في الفصل» المقوم للحقيقة ، فيلزم تقوم الذات من عرضها العام ، ولا يعقل ان يكون المقوم

٢٤٤

.................................................................................................

______________________________________________________

للذات وما هو جزء ماهيتها من الاعراض الخاصة ، فضلا عن كونه من الاعراض العامة ، لان اعراض الشيء الخاص منها والعام خارج عن الذات لا مقوما له وذاتيا له.

وان اريد الثاني : أي ان المشتق مركب من مصداق الشيء او الذات والكتابة على نحو الوضع العام والموضوع له الخاص ، فيكون ذات الموضوع الذي حمل عليه المشتق هو بنفسه الجزء الذي تركب الكاتب منه ومن الكتابة فالكاتب المحمول على الانسان ، والكاتب المحمول على زيد مركب من نفس ذات الانسان ، وذات زيد مع الكتابة ، فينحل قولنا : الانسان كاتب ، أو زيد كاتب الى قولنا : الانسان انسان له الكتابة ، وزيد زيد له الكتابة ، فالموضوع بنفسه ماخوذ بنحو الجزئية في محموله.

ومن الواضح انه اذا كان الموضوع بنفسه بعضا من محموله يكون ثبوت المحمول للموضوع ضروريا وان كان المحمول مركبا من الموضوع ، مع وصف مضاف له ، لأن ثبوت الشيء لنفسه ضروري في جميع حالاته واوصافه ويستحيل ان ينسلخ عن نفسه مع ايّ حالة ، وأيّ وصف كان ، فان زيدا هو زيد بالضرورة في حال اتصافه بالكتابة او بغيرها من الاوصاف ويستحيل ان ينسلخ عن نفسه في أي حالة من الحالات ، فاذا كان الكاتب ينحل الى زيد له الكتابة يكون جهة هذه القضية هي الضرورة ، لا الامكان ، الّا انه من المعلوم بالبداهة ان قضية زيد كاتب جهتها هي الامكان الخاص ، لا الضرورة ، لوضوح ان قضية زيد كاتب ليست كقضية زيد انسان او ناطق ، فان الاولى ممكنة بالبداهة ، كما ان الثانية ضرورية كذلك ، لوضوح ضرورة ثبوت الكلي لفرده ، وضرورة ثبوت فصله لفرده ايضا. فالانقلاب انما يلزم في مثل قضية الانسان كاتب ، او زيد كاتب ، لا في مثل الانسان ناطق ، او زيد انسان او ناطق ، لان الجهة في القضيتين الاوليين الامكان ، وفي الاخريين هي الضرورة ، والى هذا اشار بقوله : «ولو اعتبر فيه» أي في المشتق «ما صدق عليه الشيء» لا مفهومه «انقلبت مادة الامكان الخاص» التي هي جهة القضية في قولنا : الانسان كاتب او ضاحك ، فان الجهة في امثال هذه القضايا هي الامكان الخاص ، ولذا تسمعهم يقولون : الانسان

٢٤٥

وقد أورد عليه في الفصول ، بأنه يمكن أن يختار الشق الاول ، ويدفع الاشكال : بأن كون الناطق ـ مثلا ـ فصلا ، مبني على عرف المنطقيين ، حيث اعتبروه مجردا عن مفهوم الذات ، وذلك لا يوجب وضعه لغة كذلك (١).

______________________________________________________

كاتب او ضاحك بالامكان الخاص ، لانه يمكن ان يكون كاتبا ، ويمكن ان لا يكون ويمكن ان يكون ضاحكا ، ويمكن ان لا يكون وهذا معنى كون جهة هذه القضايا ومادتها هي الامكان الخاص الذي هو سلب الضرورة من طرفي الوجود والعدم ، فليس وجود الضحك والكتابة ضروريا للانسان ، ولا عدمه ضروريا له.

واذا كان الكاتب مركبا مما صدق عليه الشيء والكتابة ، والضاحك مركبا مما صدق عليه الشيء والضحك تنقلب جهة هذه القضايا من الامكان الى الضرورة واللزوم «فان الشيء الذي له الضحك هو الانسان» لأن الماخوذ جزء من الضاحك هو مصداق الشيء وهو نفس الموضوع في هذه القضايا «وثبوت الشيء لنفسه ضروري» ، لوضوح ضرورة ثبوت الشيء لنفسه ، واستحالة انسلاخه عنها مع أيّ حالة وأيّ وصف.

(١) حاصل ما ذكره في الفصول ـ جوابا عما اورده المحقق الشريف من دعوى بساطة المشتق وعدم تركبه ، وانه ليس بمركب لا من مفهوم الشيء ولا من مصداقه ـ : انه يمكن ان نختار الشق الاول : وهو ان المشتق مركب من مفهوم الشيء والمبدأ ، فالناطق ينحل الى مفهوم شيء له النطق ، ولا يلزم دخول العرض العام وهو الشيء في الفصل ، لان الناطق هو فصل للحيوان الذي به يكون انسانا ونوعا من انواع الحيوان ، لان كون الناطق فصلا للحيوان ومكونا لنوعه انما هو في عرف المنطقيين في مقام تحديد الانسان ، وتحليل ماهيته الى جنس وفصل. ولا بد لهم في هذا المقام بعد ان اعتبروا الناطق فصلا للحيوان ، وانه الجزء الذي به تتم ماهية النوع ان يعتبروه

٢٤٦

وفيه : إنه من المقطوع أن مثل الناطق قد اعتبر فصلا بلا تصرف في معناه أصلا ، بل بما له من المعنى ، كما لا يخفى (١).

______________________________________________________

مجردا عن مفهوم الذات والشيء ، ولا يلزم اعتبار المنطقيين للناطق مجردا عن مفهوم الشيء ان يكون موضوعا في اللغة لما هو المجرد عن مفهوم الشيء.

فلنا ان نلتزم : بان الناطق في اللغة موضوع لما هو مركب : من مفهوم الشيء والنطق ، ولكنه في عرف المنطقيين حيث اعتبروه فصلا لا بد وان يكون مجردا عنه ، لانه لو دخل الشيء فيه لما كان فصلا مقوما لماهية الانسان. والمشتق الذي نبحث عن بساطة مفهومه او تركيبه هو الموضوع له المشتق في اللغة ، لا في عرف المنطقيين. ويجوز أن يكون الناطق في عرف المنطقيين غير ما هو الموضوع له عند اهل اللغة.

(١) حاصل ما اورده المصنف على دعوى صاحب الفصول ـ من امكان الفرق بين معنى الناطق عند المنطقيين ومعناه في اللغة ـ : ان هذه الدعوى غير صحيحة وليس للمنطقيين اصطلاح خاص في الناطق في مقام اعتباره فصلا ، بل قد اعتبروه فصلا بما له من المعنى الموضوع له في اللغة ، من غير تصرف من المنطقيين في معناه الموضوع له اصلا.

ويؤيد ما قاله المصنف ـ من كونه فصلا عند المنطقيين بما له من المعنى الموضوع له في اللغة ـ ان شارح المطالع صرح : بان التعريف بالمفردات انما هو بالمشتقات ، والمشتق معناه مركب من الشيء والمبدأ المشتق منه ، فصرح : بان المشتق المذكور في التعريف هو مركب ، ومثّل بالناطق والضاحك. ولو كان للمنطقيين في مقام التعريف بالناطق اصطلاح خاص لما خفى على شارح المطالع ، ولما صح له ان يجيب عن ايراد القوم على تعريف النظر بان التعريف بالمشتق تعريف باكثر من امر واحد ، لان المشتق ينحل الى شيء له المبدأ المشتق منه ، فاذا ثبت تركيبه عند المنطقيين فلا مناص من دخول العرض العام في الفصل اذا كان الناطق مركبا من مفهوم الشيء والنطق.

٢٤٧

والتحقيق أن يقال : إن مثل الناطق ليس بفصل حقيقي ، بل لازم ما هو الفصل وأظهر خواصه (١) ، وإنما يكون فصلا مشهوريا منطقيا يوضع مكانه إذا لم يعلم نفسه ، بل لا يكاد يعلم ، كما حقق في محله (٢) ، ولذا

______________________________________________________

(١) حاصل هذا التحقيق : هو ان اللازم من تركب الناطق باعتبار تركب المشتقات من الشيء ، والمبدأ اللاحق لها هو لزوم دخول العرض العام في الخاصة ، لا دخول العرض العام في الفصل ، لأن الناطق ليس بفصل حقيقي تتقوم به ماهية النوع ، لان النطق إما ان يراد به التكلم فهو من الكيف المسموع القائم بالفاعل قياما صدوريا. وإما ان يراد به الادراك للكليات المختص بالنوع الانساني ، دون إدراك الجزئيات الموجود في بعض انواع الحيوان الاخرى ولا يختص بالانسان. وحقيقة الادراك من ماهية العلم وهو عرض ايضا ، وان اختلف فيه انه هل هو من الكيف النفساني ، او من مقولة الاضافة ، او من الانفعال ، الّا انه لم يخرج عن كونه من المقولات العرضية.

ولا شبهة : ان الفصل المقوم لحقيقة الانسان من مقولة الجوهر ، اذ لا يعقل تقوم الجوهر الانساني من العرض. فعلى كل حال النطق باي معنى كان لا يعقل ان يكون هو الفصل الحقيقي في ماهية الانسان.

نعم ، النطق باي معنى اريد سواء اريد منه التكلم ، او ادراك الكليات هو من خواص الفصل في الانسان ، ومن عوارضه المختصة به ، دون الحيوان الذي هو الجنس فانه غير متكلم ولا مدرك للكليات.

(٢) بعد ان لم يكن الناطق فصلا حقيقيا ، وليس من الذاتي الذي تتقوم به الماهية النوعية ، فلا ينبغي ان يذكر في شرح ماهية الانسان ، وبيان ما تتركب منه حقيقته المركبة : من جنسه وفصله الواقعيين الحقيقيين ، وانما ذكره القوم في هذا المقام حيث لم يعرفوا الفصل الحقيقي ، بل لا يعقل ان تدرك حقيقة الفصل الحقيقي وكنهه بنحو العلم الحصولي ، لان ادراك الشيء بكنهه بنحو العلم الحصولي انما يكون بمعرفة حد

٢٤٨

ربما يجعل لا زمان مكانه إذا كانا متساويي النسبة إليه ، كالحساس والمتحرك بالارادة في الحيوان ، وعليه فلا بأس بأخذ مفهوم الشيء في مثل الناطق ، فإنه وإن كان عرضا عاما ، لا فصلا مقوما للانسان ، إلا أنه بعد تقييده بالنطق واتصافه به كان من أظهر خواصه (١).

وبالجملة : لا يلزم من أخذ مفهوم الشيء في معنى المشتق ، إلا دخول العرض في الخاصة التي هي من العرضي ، لا في الفصل الحقيقي الذي هو من الذاتي ، فتدبر جيدا (٢).

______________________________________________________

ذلك الشيء ، والحد ليس هو الّا بيان ما تركبت منه الحقيقة. ومن المعلوم ان الفصل لا تركب في ذاته بل هو بسيط ، اذ لو كان الفصل مركبا في حقيقة ذاته لا بسيطا لما كان محصلا لماهية النوع ، فان المفروض ان الماهية النوعية مركبة من جزءين لا غير ، وهما الفصل والجنس. فلو كان الفصل مركبا لكان مركبا من جنس وفصل ايضا ، وهلم جرا ، وهو خلف ، لان المفروض ان الماهية النوعية انتهت الى تركيبها من جنس وفصل لا غير ، ويلزم التسلسل ولا تحصل الماهية النوعية. وخلف ـ ايضا ـ اذ المفروض تركب الماهية من جنس وفصل لا غير.

فاذا لم يكن الفصل مركبا لا يمكن تحديده ، وحيث لم يمكن تحديده لا يعقل ان يعلم به بنحو العلم الحصولي.

فحيث لم يعرفوا الفصل الحقيقي اضطروا ان يضعوا بدله اظهر خواصه ، ليمتاز به.

فتبين مما ذكرنا : ان الناطق هو فصل مشهوري ، لا فصل حقيقي.

(١) لا يخفى ان مراده ان الحساس والتحرك بالارادة لازمان لفصل الحيوان الجامع لجميع انواعه ، وليسا لازمين حالين محل الفصل في ماهية الانسان كما هو واضح.

(٢) يطلق العرضي في مقامات :

فتارة : يطلق في قبال العرض فيراد من العرضي : هو المفهوم المنتزع باعتبار نفس العرض ، كالابيض فانه مفهوم ينتزع بملاحظة نفس البياض ، لأن الموجود في الخارج

٢٤٩

ثم قال : إنه يمكن أن يختار الوجه الثاني أيضا ، ويجاب بأن المحمول ليس مصداق الشيء والذات مطلقا ، بل مقيدا بالوصف ، وليس ثبوته

______________________________________________________

البياض الذي هو العرض ، وموضوعه كالجسم ، وليس الموجود في الخارج ثلاثة اشياء : الجسم ، والبياض ، والابيض.

ولذا قال الحكيم السبزواري قدس‌سره :

وعرضى الشيء غير العرض

ذا كالبياض ذاك مثل الابيض (١)

فالابيض ينتزع باعتبار البياض.

واخرى : يطلق العرضي في قبال اللازم الذاتي ، فيقال : الزوجية ـ مثلا ـ من الذاتي للاثنين ، ويراد منه عدم امكان انفكاك الاثنين عن هذا اللازم وهو الزوجية ، وهي لازم لا يعقل ان تنفك الاثنين عنه ، بخلاف التحرك ـ مثلا ـ فانه يمكن ان تنفك عنه الاثنين فقد يعرضها التحرك ، وقد لا يعرضها ، فيراد من العرضي : هو اللازم الذي يمكن ان ينفك في قبال اللازم الذي لا يمكن ان ينفك.

وثالثة : يطلق العرضي في قبال الأجزاء التي تركبت منها ذات الماهية ، فانهم يطلقون الذاتي على نفس الاجزاء التي منها تألفت الماهية ، ويسمونها بالذاتيات ، فيقولون : الماهية هي الذات والذاتيات ، فالذات هي المجموع والذاتيات اجزاؤها. والذاتي بهذا المعنى الاخير هو الذاتي في كتاب إيساغوجي ، كما ان الذاتي بالمعنى الثاني هو الذاتي في كتاب البرهان.

ومن الواضح مراده قدس‌سره من العرضي في المقام هو العرضى بالمعنى الثالث ، لتصريحه : بان المراد من العرضي الخاصة الواقعة في قبال الفصل ، وهي لا ريب من الذاتي بالمعنى الثاني ، لا من العرضي ، لوضوح عدم امكان انفكاكها عن ما اختصت به. واما العرضي بالمعنى الاول فهو في قبال العرض ، لا في قبال الذاتي.

__________________

(١) منظومة السبزواري ، قسم المنطق : ص ٢٩.

٢٥٠

للموضوع حينئذ بالضرورة ، لجواز أن لا يكون ثبوت القيد ضروريا انتهى (١).

ويمكن أن يقال : إن عدم كون ثبوت القيد ضروريا لا يضر بدعوى الانقلاب ، فإن المحمول إن كان ذات المقيد وكان القيد خارجا ، وإن كان التقيّد داخلا بما هو معنى حرفي ، فالقضية لا محالة تكون (٢)

______________________________________________________

(١) حاصل مراد صاحب الفصول : هو انه يمكن ان نختار الشق الثاني مما ردّده المحقق الشريف : وهو ان المشتق مركب من مصداق الشيء والكتابة مثلا ـ لا من مفهوم الشيء والكتابة.

ولا يرد علينا ما ذكره : من انقلاب القضية الممكنة الى قضية ضرورية.

بان نقول : الانسان كاتب ينحل الى قولنا : الانسان انسان له الكتابة فالموضوع هو الانسان المطلق ، والمحمول هو الانسان المقيد بالكتابة ، وليس ثبوت الانسان المقيد بقيد غير ضروري كالكتابة للانسان المطلق ضروريا ، لأن المقيد بغير الضروري ليس بضروري. نعم ، ثبوت الانسان المطلق للانسان المطلق ضروري ، لضرورية ثبوت الشيء لنفسه ، واما حمل الانسان المقيد بالكتابة ـ مثلا ـ التي هي غير ضرورية فليس بضروري الثبوت للانسان المطلق ، إذ ليس كل انسان انسانا له الكتابة.

(٢) هذا ايراد من المصنف على صاحب الفصول ، وملخصه : انه لا مناص من الانقلاب بناء على التركيب.

وتوضيحه : ان المشتق المركب من مصداق الشيء ، والمبدأ الذي هو المحمول في القضية ، كقولنا : زيد كاتب ، او الانسان كاتب ، ان كان الغرض من حمله على الموضوع في القضية كزيد ـ مثلا ـ هو حمل المقيد بالكتابة على زيد لكن لا بما هو مقيد : أي لم يرد من الكاتب الّا حمل ذات المقيد وجعل القيد وهو الكتابة كمعرف.

وبعبارة اخرى : ان الغرض من حمل المحمول كالكاتب على موضوعه يتصور على انحاء ثلاثة :

٢٥١

.................................................................................................

______________________________________________________

الاول : ان يكون المحمول هو المقيد بما هو مقيد ، فيراد حمل الكاتب على زيد بما للكاتب من المعنى ، وسيتعرض لهذا في قوله : «وان كان المقيد بما هو مقيد على ان يكون القيد داخلا».

الثاني : ان يكون القيد خارجا عن الغرض في الحمل ، ولكن التقيد داخلا لتعرف حال المقيد ، كالمقيدات التركيبية كغلام زيد وامثاله ، فان المحمول فيها وان كان مقيدا ، الّا ان الغرض من الحمل هو حمل الغلام وجعل اضافته الى زيد للتعرف ، فالاضافة قصدت كطريق الى معرفته ولم تقصد في الحمل ، فهي كمعنى حرفي لم يقصد بذاته ومستقلا ، بل اخذ آلة وطريقا ، فالتقيد بالكتابة ملحوظ ولكن لم يرد الاخبار عن نسبة الكتابة اليه.

الثالث : ان يكون القيد والتقيد كلاهما خارجين عن الغرض في الحمل ويكون المراد من قولك الجالس ثقة ـ مثلا ـ هو الاشارة الصرفة الى نفس الذات كقولك : هذا ثقة من دون غرض في اضافته الى الجلوس او الاخبار عن جلوسه.

ولا ريب ان مراد المصنف هو النحو الثاني دون هذا النحو الثالث ، لوضوح انه يلزم الانقلاب فيه ، ولو كان المشتق بسيطا فانه اذا كان الغرض من المشتق هو صرف الاشارة لا غير ، والمحمول في الحقيقة هو زيد وقد اخذ الكاتب لاجل الاشارة الصرفة اليه لا غير ، فحينئذ يكون زيد هو المحمول على زيد ، وهو من حمل الشيء على نفسه ولا دخل فيه لكون المشتق مركبا او بسيطا ، فلو قلنا ببساطة المشتق وكان الغرض منه هو الاشارة لا غير ، والمحمول في الحقيقة هو زيد فانه لا ريب في الانقلاب على البساطة ايضا ، فلا بد وان يكون الغرض من قول المصنف : «وكان القيد خارجا وان كان التقيد داخلا بما هو معنى حرفي» : أي آلي وطريقي هو النحو الثاني الذي كان القيد فيه ملحوظا ، ولكن كان الغرض من لحاظه التعريف ولم يكن لصرف الاشارة كقولك : هذا.

٢٥٢

ضرورية ، ضرورة ضرورية ثبوت الانسان الذي يكون مقيدا بالنطق للانسان (١) وان كان المقيد بما هو مقيد على أن يكون القيد داخلا ، فقضية الانسان ناطق تنحل في الحقيقة إلى قضيتين إحداهما قضية الانسان إنسان وهي ضرورية ، والاخرى قضية الانسان له النطق وهي ممكنة ، وذلك لأن الاوصاف قبل العلم بها أخبار كما أن الاخبار بعد العلم بها تكون أوصافا ، فعقد الحمل ينحل إلى القضية (٢) ، كما أن عقد

______________________________________________________

اذا عرفت هذا فنقول : انه اذا كان الغرض من الحمل هو هذا فالقضية لا محالة تكون ضرورية ، لأن المفروض ان المشتق مركب من مصداق الشيء وهو نفس الموضوع والقيد ، والمفروض ايضا ان لا غرض من القيد الّا التعرف والطريقية ، فالمحمول في الحقيقة هو مصداق الشيء وهو نفس الموضوع فيكون من حمل الشيء على نفسه ، وحمل الشيء على نفسه من أبده الضروريات.

(١) لا يخفى ان التمثيل للمشتق المقيد بقيد غير ضرورى بالناطق لا يخلو من مسامحة على مذاق المشهور ، فان المفروض الايراد على صاحب الفصول في ما ادعاه : من كون المقيد بقيد غير ضروري ليس بضروري ، والمفروض ان القيد في الناطق وهو النطق ضروري لانه فصل عند القوم.

نعم على ما ذكره : من كون النطق ليس بفصل يصح التمثيل ، ويمكن ان يكون نظره ان الكلام في المقام في الانقلاب وهو من ناحية حمل المصداق للشيء على الموضوع ، فالضرورة المبحوث عنها من هذه الناحية ، لا من ناحية اخرى.

(٢) انه اذا لم يكن القيد ملحوظا الّا للتعرف فالمراد من الحمل ليس الّا ذات المقيد ، فتكون الجملة قد سيقت لاجل خبر واحد وهو حمل ذات المقيد على الموضوع على ما عرفت ـ في ما تقدم ـ من لزوم الانقلاب في القضايا الممكنة الى كونها ضروريات. واما اذا كان القيد داخلا فيكون الغرض من المحمول هو حمله بما هو مقيد على

٢٥٣

.................................................................................................

______________________________________________________

الموضوع ، ففي الحقيقة يكون ذات المقيد محمولا على الموضوع والقيد ايضا محمولا ، فبناء على التركيب وكون الكاتب محمولا على زيد بما له من المعنى التركيبي وهو مصداق الشيء ونسبة الكتابة له ينحل هذا الى ثبوت خبرين لزيد وان لم يكن هذا بحسب الاصطلاح خبرين.

وتوضيح ذلك : ان هناك قضية هي خبران بحسب الاصطلاح لموضوع واحد ، كقولك : زيد عالم كاتب ، فالعالم والكاتب خبران اصطلاحا لزيد ، ولذا يقال : زيد مبتدأ ، عالم خبر ، وكاتب خبر بعد خبر. وهناك قضية هي بحسب الاصطلاح ذات خبر واحد ووصف للخبر ، كقولك : زيد كاتب مجيد في الكتابة ، فان مجيدا ليس خبرا بعد خبر ، بل هو وصف للكاتب الذي هو الخبر ، إلّا انه ينحل الى اخبار عن زيد ايضا ، لانك بعد ان وصفت زيدا بعد حمل الكاتب عليه : بانه مجيد فقد اخبرت عنه بذلك ، لأن الاوصاف بعد العلم بها اخبار : أي ان الغرض من الوصف اولا وبالذات هو التوصيف والتعريف ، إلّا ان السامع بعد ثبوت هذا الوصف قد تحصل له الاخبار عن زيد بهذا الوصف ، فانه بعد ان لم يكن عالما بتوصيف زيد بهذا الوصف صار عالما بان زيدا قد ثبت هذا الوصف له كما ان الامر في الخبر بالعكس ، فانك اذا قلت مخبرا عن زيد عالم أو كاتب يكون الغرض من هذه القضية هو الاخبار عنه وبعد ثبوت هذا الخبر عن زيد يكون زيد قد ثبت له وصف العالمية عند السامع ، فالاوصاف قبل العلم بها هي اخبار : أي ان الغرض منها اولا بالذات هو التوصيف ، ولكن حيث لم يكن السامع قد علم بثبوت هذا الوصف للموضوع وبعد التوصيف قد علم به فيكون خبرا ، والخبر الغرض منه اولا بالذات هو الخبرية ، ولكن بعد الاخبار عن ثبوت الخبر للموضوع يكون هذا الخبر وصفا من اوصاف الموضوع ، فالاوصاف قبل علم السامع بها تكون اخبارا ، والاخبار بعد الخبرية تكون اوصافا.

اذا عرفت هذا يتضح : انه اذا كان المشتق مركبا وكان محمولا بما هو مركب على موضوعه تنحل هذه القضية الواحدة الى خبرين وقضيتين ، فالكاتب بعد فرض

٢٥٤

الوضع ينحل إلى قضية مطلقة عامة عند الشيخ ، وقضية ممكنة عند الفارابي (١) ،

______________________________________________________

تركيبه يؤول الى اخبار عن زيد : بانه زيد ، والى اخبار عنه ايضا : بان له الكتابة ، فهنا قضيتان قد انحلت اليهما هذه القضية الواحدة وهو قولنا : زيد كاتب. ولا ريب ان احد القضيتين ضرورية ، لأن كون زيد الذي هو الموضوع هو مصداق الشيء الذي هو جزء من المشتق وهو زيد ايضا قضية ضرورية ، والثانية وهي كون الموضوع له الكتابة التي هي الجزء الثاني من المشتق المركب قضية ممكنة ، وان من المعلوم المسلم لديهم ان قضية زيد كاتب قضية لها جهة واحدة وهو الامكان ، وليست هي قضيتان لها جهتان : الضرورة لاحدها والامكان للاخرى ، فبناء على التركيب الانقلاب لازم في جزء هذه القضية حيث المراد من المحمول حمل المقيد بما هو مقيد ، ولذا قال قدس‌سره : «فقضية الانسان ناطق» كان الاولى ان يمثل بالانسان كاتب «تنحل الى قضيتين» لفرض كونه مركبا «احداهما» أحد جزئي المركب الذي هو مصداق الشيء وهو «قضية الانسان انسان وهي ضرورية» لبداهة ضرورة ثبوت الشيء لنفسه «والاخرى قضية الانسان له النطق وهي ممكنة» ولا مناص عن هذا الانقلاب على التركيب ، وهو لا يلتزم به القوم.

(١) ان سبب الخلاف بين الشيخ الرئيس ، والمعلم الثاني : هو ان المراد في قضية الانسان حيوان هو حمل الحيوان على ما هو انسان بالفعل ، او حمله على ما هو انسان بالامكان : أي ان الغرض ما هو انسان بالفعل فهو حيوان ، او ان الغرض ما امكن ان يكون انسانا فهو حيوان.

والاول رأي الشيخ ، والثاني رأي الفارابي ، فعقد الوضع : أي الموضوع الذي هو الانسان يراد منه ما هو انسان بالفعل عند الشيخ وهذه هي قضيته ، او ان الموضوع هو ما امكن ان يكون انسانا عند الفارابي وهي ايضا قضيته.

٢٥٥

فتأمل (١).

______________________________________________________

إلّا انه لا يخفى ان غرض المصنف هو تشبيه الانحلال في المقام على التركيب بانحلال عقد الوضع : أي انه في مقامنا على التركيب انحلال ، كما ان لعقد الوضع انحلالا ، والّا فالانحلال في عقد الوضع غير الانحلال في المقام ، لأن القضية المنحلة في عقد الوضع موضوعها ومحمولها وجهتها جميعا تؤخذ من نفس عقد الوضع ، فان الموضوع ما هو ، والخبر انسان ، والجهة هي الفعل عند الشيخ ، وعند الفارابي الخبر انسان ، والامكان الجهة. فالموضوع والمحمول والجهة ما هو انسان بالفعل ، أو ما هو انسان بالامكان الكل ماخذها نفس عقد الوضع ، والانحلال في مقامنا ليس انحلال عقد الحمل بنفسه الى قضيتين ، بل هو منحل الى قضيتين باعتبار كونه خبرين لموضوع القضية ، وهذا غير انحلال عقد الوضع الى قضية فعليه عند الشيخ وممكنة عند الفارابي.

(١) يمكن ان يكون اراد بالتامل الاشارة الى ما قلنا : من الفرق بين الانحلالين ، ويمكن ان يكون اشارة الى ان المشتق على التركيب وان انحل الى قضيتين في مثل الانسان كاتب الى الانسان انسان ، والانسان له الكتابة لا في مثل زيد كاتب ، إلّا ان القضية الاولى يمكن ان يقال : إنها ليست ضرورية لأن الموضوع فيها هو الكلي ، والمحمول وان كان هو الانسان الّا انه ليس هو كلي الانسان ، بل هو الحصة لأن الكلي بعد تقيّده يكون حصة إذ الفرق بين الكلي والحصة هي التقيّد وحده من دون القيد ، ولذا قال السبزواري :

والحصة الكلي مقيدا يجيء

تقيد جزء وقيد خارجي (١).

ومن الواضح ان حمل الكلي على الحصة ضروري ، ولكن حمل الحصة على الكلي ليس من الضروري ، لأن الانسان بلحاظ نفس تقيده ربما يكون له ثبوت في

__________________

(١) منظومة السبزواري ، قسم الالهيات : ٢٧.

٢٥٦

لكنه قدس‌سره تنظر فيما أفاده بقوله : وفيه نظر لأن الذات الماخوذة مقيّدة بالوصف قوة أو فعلا ، إن كانت مقيّدة به واقعا صدق الايجاب بالضرورة ، وإلّا صدق السلب بالضرورة ، مثلا : لا يصدق زيد كاتب بالضرورة لكن يصدق زيد الكاتب بالقوة أو بالفعل كاتب بالضرورة انتهى (١).

______________________________________________________

الواقع وربما لا يكون ، فلا يكون ثبوت الحصة ضروريا للإنسان الكلي ، لكنه لا يخفى ان هذا يتم في الانسان ، لا في مثل زيد كاتب ، فان المحمول على زيد نفس زيد لعدم كون زيد الذي هو الموضوع كليا فلا تغفل.

(١) توضيح مراد صاحب الفصول على مقتضى هذه العبارة التي نقلها المصنف عنه ان يقال : ان الموضوع في مثل قضية : زيد كاتب.

اما ان يكون ملحوظا مع الكتابة : أي بشرط الوجود ، او يكون ملحوظا لا مع الكتابة : أي بشرط العدم ، او يكون ملحوظا لا مع الكتابة ، ولا مع عدم الكتابة : أي لا بشرط.

فعلى الاول تكون جهة القضية هي ضرورة الوجود ، لأن زيدا الملحوظ بشرط الكتابة يصدق عليه الكاتب بالضرورة لا بالامكان ، وزيدا الملحوظ بشرط عدم الكتابة يكون عدم صدق الكاتب عليه ضروريا ، فلا يصدق الكاتب عليه بالامكان فضلا عن ان يصدق عليه بالضرورة ، نعم لو لحظ زيد لا بشرط يكون صدق الكاتب عليه بالامكان.

فحاصل مراد صاحب الفصول في هذا النظر على ما اورده على الشريف : هو ان الايراد الذي اوردناه على الشريف ـ من ان حمل المقيد بقيد غير ضروري لا يكون ضروريا ولا يلزم منه الانقلاب بناء على التركيب ـ لا يصح على اطلاقه ، فانه لو كان الموضوع ملحوظا مع الكتابة يلزم الانقلاب ، لوضوح صدق الكاتب بالضرورة على

٢٥٧

ولا يذهب عليك أن صدق الايجاب بالضرورة ، بشرط كونه مقيدا به واقعا لا يصحح دعوى الانقلاب إلى الضرورية ، ضرورة صدق الايجاب بالضرورة بشرط المحمول في كل قضية ولو كانت ممكنة ، كما لا يكاد يضر بها صدق السلب كذلك ، بشرط عدم كونه مقيدا به واقعا ، لضرورة السلب بهذا الشرط ، وذلك لوضوح أن المناط في الجهات ومواد القضايا ، إنما هو بملاحظة أن نسبة هذا المحمول إلى ذلك الموضوع موجّهة

______________________________________________________

زيد الملحوظ مع الكتابة ، ولذا قال : «لكن يصدق زيد الكاتب بالقوة أو بالفعل كاتب بالضرورة».

واما قوله : «لا يصدق زيد كاتب بالضرورة» هذا.

اما ان يكون مثالا لزيد الملحوظ لا بشرط فانه مع لحاظه لا بشرط يكون نسبة الكاتب اليه بالامكان ، لا بالضرورة فلا يصح فيما اذا لحظت زيدا لا بشرط ان تحمل عليه الكاتب موجها بجهة الضرورة فتقول : زيد كاتب بالضرورة ، وحينئذ يكون لحاظ زيد بشرط عدم الكتابة مسكوتا عنه في كلامه ولا مثال له.

واما ان يكون هذا مثالا لزيد الملحوظ بشرط عدم الكتابة ، فان زيدا الملحوظ كذلك يكون صدق عدم الكاتب عليه بالضرورة ، ولا يصدق عليه الكاتب بالامكان فضلا عن الضرورة ، فاذا لا يصدق زيد كاتب بالضرورة. وقوله : «بالضرورة» يمكن ان يريد منه بالبداهة : أي انه لا يصدق بالبداهة على زيد الملحوظ مع عدم الكتابة انه كاتب ، لأن عدم الكاتب ضروري له فلا يصدق عليه الكاتب بالامكان فضلا عن الضرورة ، ويمكن ايضا ان يكون قوله : «بالضرورة» هو جهة القضية : أي ان زيدا الملحوظ بشرط عدم الكتابة لا يصدق عليه انه كاتب بالضرورة ، لانه على هذا لا يصح ثبوت الكتابة له بالامكان ، فكيف يصح انه كاتب بالضرورة ، وحينئذ يكون زيد الملحوظ لا بشرط مسكوتا عنه في كلامه ولا مثال له.

٢٥٨

بأيّ جهة منها (١) ، ومع أية منها في نفسها صادقة ، لا بملاحظة ثبوتها له واقعا أو عدم ثبوتها له كذلك ، وإلّا كانت الجهة منحصرة بالضرورة ،

______________________________________________________

(١) حاصل ما افاده المصنف هو الايراد على صاحب الفصول في نظره الذي اورده على نفسه في ردّه على الشريف : من عدم لزوم الانقلاب وانه يلزم الانقلاب فيما اذا كان الموضوع ملحوظا بشرط الكتابة ومقيدا بها واقعا.

وملخص ما اورده عليه المصنف : هو ان الانقلاب في القضية التي لحظ الموضوع فيها بشرط المحمول غير الانقلاب الذي يدعيه الشريف بناء على تركيب المشتق ، فان الشريف يدعى الانقلاب في القضية التي كان الموضوع فيها ملحوظا فيها لا بشرط وان جهتها بحسب المتفاهم العرفي هو الامكان تنقلب جهتها إلى الضرورة اذا كان المشتق كالكاتب ـ مثلا ـ مركبا من مصداق الشيء والكتابة ، وهذا لا ربط له بما ذكره في هذا النظر : من ان زيدا اذا كان ملحوظا بشرط الكتابة تكون القضية ضرورية ، لأن كل قضية كان ثبوت محمولها لموضوعها موجها بجهة الامكان اذا اخذ الموضوع بشرط المحمول تكون ضرورية.

وبعبارة اخرى : ان القضايا انما تنقسم الى الضروريات والممكنات انما هو بلحاظ نسبة المحمول فيها الى الموضوع غير المقيد بثبوت المحمول له أو عدم ثبوته له ، وإلّا فالقضية منحصرة في الضرورية دائما ، فانه بلحاظ ثبوت المحمول له يكون الوجود ضروريا ، وبلحاظ عدم ثبوته له يكون العدم ضروريا ، فان المتقيد بقيد الكتابة كاتب لا محالة ، والمتقيد بعدم الكتابة ليس بكاتب لا محالة فلا تصح قسمة القضية الى الضرورية والممكنة ، وانما تصح قسمتها اليهما فيما اذ لحظ نسبة المحمول الى الموضوع غير المتقيد ، فان كانت نسبته له بالامكان كانت ممكنة ، وان كانت باللزوم كانت ضرورية ، ولم ينظر القوم الى القضية بما هي متقيدة بالثبوت واقعا ، او بعدم الثبوت واقعا.

٢٥٩

ضرورة صيرورة الايجاب أو السلب بلحاظ الثبوت وعدمه واقعا ضروريا ، ويكون من باب الضرورة بشرط المحمول (١).

وبالجملة : الدعوى : هو انقلاب مادة الامكان بالضرورة ، فيما ليست مادته واقعا في نفسه وبلا شرط غير الامكان (٢).

______________________________________________________

(١) الضمير من لفظة منها راجع الى الجهة ، والضمير من لفظة نفسها راجع الى النسبة : أي ان المناط في جهات القضايا وبيان كيفية نسبة محمولاتها الى موضوعاتها هو لحاظ نسبة المحمول الى موضوعه الملحوظ بنفسه من دون تقيده بالمحمول وانها موجهة بأيّ جهة.

(٢) أي ان دعوى الشريف الانقلاب انما هو في القضية الممكنة وهي ليست القضية بشرط المحمول ، لأنها ضرورية بالبداهة فكيف يصح دعوى الانقلاب فيها. هذا بحسب العبارة التي نقلها المصنف عن الفصول ، ولكنها مغلوطة والنسخ الصحيحة عبارتها غير ما نقله المصنف عنه ، ومراد الفصول منها معنى آخر غير المعنى المذكور ، ولا يريد القضية بشرط المحمول ، والّا يرد عليه ما اورده المصنف ، وهناك امارات تدل على ما يريده صاحب الفصول في هذا النظر ليس هو القضية بشرط المحمول.

والعبارة الثابتة في النسخ الصحيحة هكذا : «وفيه نظر لأن الذات الماخوذة مقيدة بالوصف قوة او فعلا ان كانت مقيدة به واقعا صدق الايجاب بالضرورة ، والّا صدق السلب بالضرورة ، مثلا لا يصدق زيد كاتب بالضرورة ولكن يصدق زيد زيد الكاتب بالفعل او بالقوة بالضرورة» انتهى كلامه.

وليس مراد الفصول في عبارته هذه القضية بشرط المحمول ، بل مراده من الذات في صدر عبارته هي الذات المنحل اليها المشتق بناء على التركيب ، وليس غرضه من الذات هو الموضوع ، لوضوح ان الكلام في تركب المشتق وبساطته ، والمتكرر بناء

٢٦٠