بداية الوصول - ج ١

آية الله الشيخ محمّد طاهر آل الشيخ راضي

بداية الوصول - ج ١

المؤلف:

آية الله الشيخ محمّد طاهر آل الشيخ راضي


المحقق: محمّد عبدالحكيم الموسوي البكّاء
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار الهدى
المطبعة: الظهور
الطبعة: ٢
ISBN: 964-497-057-8
ISBN الدورة:
964-497-056-X

الصفحات: ٥٠٥

فيما لا يصح استعماله فيه حقيقة ، كما لا يخفى (١) فافهم (٢).

______________________________________________________

للمحافظة على الحقيقة ، فيلحظ حال التلبس للفرار من المجاز وملاحظة العلاقات المجازية.

(١) أي انه فرق بين استعمال لفظ الاسد ـ مثلا ـ في الرجل الشجاع ، ومقامنا فانه اذا استعمل الاسد في الرجل الشجاع لا يعقل الّا ان يكون بنحو المجاز وملاحظة العلاقة ، بخلاف مقامنا فانه بناء على الوضع لخصوص المتلبس فاذا استعمل في حال انقضاء المبدأ فانه يمكن ان يكون الاستعمال مجازيا لعلاقة التلبس والجري بالفعل ، ويمكن ان يكون الاستعمال حقيقيا : بان يكون مستعملا في خصوص المتلبس والجري بلحاظ حال التلبس.

(٢) لعله اشارة الى انه لا يتوهم انه من التمسك باصالة الحقيقة في مقام الشك ، ودوران الامر بين المجاز والحقيقة ، فان التمسك بها انما هو في مقام الشك في المراد لا في الاستعمال ، والمشكوك في المقام هو الاستعمال ، واما المراد وهو اطلاق اللفظ على ما انقضى عنه المبدأ فلا شك فيه ، بل الفرض انه بعد اعتراف مدعي الوضع للاعم ان استعمال المشتق في خصوص المتلبس في حال انقضاء المبدأ عنه يقع كثيرا ، وانه هو الداعي في ارتكاز المضادة ذكرنا له السبب في الاستعمال في خصوص المتلبس في حال الانقضاء ، وان الداعي لهم الى ذلك هو انه لا داعي الى تحمل المجاز ولحاظ العلاقة بعد امكان الاستعمال الحقيقي ، فهذا هو المقتضي لهم لارادة خصوص المتلبس ، وهذا الامر انما يدعو الى ذلك للابتعاد عن تكلف المجازية.

اما لو كان الموضوع له هو الاعم لما كان استعمال المشتق في خصوص المتلبس كثيرا ، اذ لا داعي له بعد ان كان المنقضي عنه المبدأ من افراد المعنى الحقيقي.

٢٢١

ثم إنه ربما أورد على الاستدلال بصحة السلب ، بما حاصله : إنه إن أريد بصحة السلب صحته مطلقا ، فغير سديد ، وإن أريد مقيدا ، فغير مفيد ، لأن علامة المجاز هي صحة السلب المطلق (١).

وفيه : إنه إن أريد بالتقييد ، تقييد المسلوب الذي يكون سلبه أعم من سلب المطلق كما هو واضح فصحة سلبه وإن لم تكن علامة على كون المطلق مجازا فيه ، إلا أن تقييده ممنوع ، وإن أريد تقييد السلب ، فغير ضائر بكونها علامة ، ضرورة صدق المطلق على أفراده على كل حال ، مع إمكان منع تقييده أيضا ، بأن يلحظ حال الانقضاء في طرف الذات الجاري عليها المشتق ، فيصح سلبه مطلقا بلحاظ هذا الحال ، كما لا يصح سلبه بلحاظ حال التلبس ، فتدبر جدا (٢).

______________________________________________________

(١) حاصل الايراد على صحة السلب : ان مدعي الوضع للاعم يدعى : ان المشتق موضوع لمعنى مطلق له افراد ، ومن الواضح ان سلب الموضوع لمعنى عام ، مطلق عن شيء خاص لا يدل على انه ليس بموضوع لمعنى عام ، مثلا لو ادعى مدع : ان الاسد موضوع لما يعم الحيوان المفترس ، والرجل الشجاع فسلبه عن زيد لا يدل على انه لا يصدق على عمرو ، فلذلك ردد المورد في ايراده : ان الضارب مثلا ـ ان اريد سلبه مطلقا عن المتلبس والمنقضي عنه فالقضية كاذبة ، والذي هو علامة المجازية هو القضية الصادقة لا الكاذبة ، وهو المراد بقوله : «فغير سديد وان اريد» سلبه مقيدا بشيء فلا يكون علامة على المجازية ، لان سلب العام عن خاص لا يستلزم عدم وضعه للمعنى العام ، فلا يكون علامة للمجاز ، بل العلامة للمجاز هو السلب المطلق غير المقيد ـ مثلا ـ اذا صح سلب الاسد بما له من المعنى مطلقا وغير مقيد بقيد عن جميع افراد الانسان دل هذا السلب على ان استعمال الاسد في افراد الانسان مجاز لا حقيقة.

(٢) ينبغي ان يجاب عن هذا الاشكال بترديده بين امور ليتضح المطلب.

٢٢٢

.................................................................................................

______________________________________________________

فنقول : المراد من صحة السلب التي يراد بها في المقام نفي وضع المشتق للمعنى الاعم من المتلبس والمنقضى عنه : هي صحة السلب بالحمل الشائع ، لا بالحمل الاولى ، لأن الموضوع للمعنى العام يصح سلبه عن أي فرد من افراده بالحمل الاولى ، فانه يصح ان نقول : ان مفهوم الانسان ليس هو مفهوم زيد ، ولا عمرو ، وانما لا يصح سلبه عن ماهية الحيوان الناطق. فالغرض في المقام هو صحة السلب بالحمل الشائع ، فان المشتق لو كان موضوعا للاعم يكون له فردان المتلبس والمنقضى عنه ، ولا ريب انه لا بد من صحة حمله على فرديه ، لوضوح صحة حمل العام على الخاص بالحمل الشائع ، فاذا صح سلبه عن احد فرديه فلا بد وان لا يكون موضوعا لمعنى يشمل هذا الفرد. اذا عرفت هذا فنقول : ان حال الانقضاء اما ان يجعل قيدا للسلب بمعنى ان يتسلط السلب على حال الانقضاء لا على زيد ولا على الضارب : بان نقول هكذا : ليس في حال الانقضاء زيد بضارب. وعلى هذا فحال الانقضاء ليس قيدا لزيد الذي هو المسلوب عنه ، وليس بقيد الضارب الذي هو المسلوب. فاذا صح هذا السلب اتضح : ان الضارب لم يوضع لمعنى يعم زيد في حال انقضاء الضرب ، والّا لما صح ان نقول : ليس في حال الانقضاء زيد ضاربا.

واما ان يجعل حال الانقضاء قيدا للمسلوب عنه : بان نقول : زيد المنقضي عنه الضرب ليس بضارب حال الانقضاء ، وهذا ايضا علامة للمجازية وأنّ الضارب لم يوضع لمعنى يعم زيد المنقضى عنه الضرب والّا لما صح سلبه عنه بالحمل الشائع ، لوضوح عدم صحة سلب المعنى عن احد افراده.

واما ان يجعل حال الانقضاء قيدا للمسلوب : بان نقول : زيد ليس بضارب حال الانقضاء ، وهذا ايضا علامة للمجازية ، لان الضارب لو كان موضوعا للاعم ، لما صح سلب الضارب المقيد بحال الانقضاء عن زيد الذي تلبس بالضرب فيما مضى ، فان العام اذا قيد بما يوجب اختصاصه باحد افراده لا يصح سلبه عن ذلك الفرد الذي خصص به.

٢٢٣

.................................................................................................

______________________________________________________

فاتضح من هذا : ان حال الانقضاء باي نحو مما ذكرنا اذا جعل قيدا كان علامة المجازية.

نعم ، لو قيل هكذا : زيد ليس بضارب في حال الانقضاء بضرب اليوم لم يكن هذا علامة المجازية الّا ان هذا لا ينفع المدعي ، لان في المثال تسلطا على سلب مادة ضارب ، لا على هيئته ، لوضوح انه لو كان موضوعا للمعنى الاعم فانه لا بد وان يصدق على زيد المنقضى عنه الضرب انه ضارب ، وان لم يكن ضاربا بضرب اليوم ، بل بناء على الأعمّ يصح ان يقال : زيد المنقضى عنه الضرب ضارب ، وليس بضارب بضرب اليوم ، ولعل هذا مراد المصنف من قوله : «فصحة سلبه وان لم تكن علامة على كون المطلق مجازا فيه الّا ان تقييده ممنوع» أي تقييد المسلوب الذي هو مادة الضرب ، لا هيئة الضارب ، إلّا ان النزاع في هيئة الضارب ، لا في مادته وهو الضرب ، لانه من الواضح انه حال انقضاء الضرب لا ضرب ، وقد اشار الى تقييد السلب بقوله : «وان اريد تقييد السلب» أي ان حال الانقضاء يجعل قيدا للسلب ، لا للمسلوب ، ولا للمسلوب عنه ، كما تقدم بيانه ، واشار الى تقييد المسلوب عنه وانه مع تقييده بحال الانقضاء يكون علامة للمجازية بقوله : «مع امكان منع تقييده ايضا» أي منع تقييد المسلوب ويكون التقييد للمسلوب عنه «بان يلحظ حال الانقضاء في طرف الذات الجاري عليها المشتق» أي المسلوب عنه الى آخر ما قال قدس‌سره.

واما قول الخصم : بان سلب الخاص عن عام لا ينافي وضعه للعموم فهو صحيح في غير المقام ، واما في المقام فسلبه عن هذا الفرد علامة عدم وضعه للعموم.

بيان ذلك : انه اذا احتمل ان للعام افرادا وصح سلبه عن بعض الافراد المحتملة ، فان صحة هذا السلب لا يدل على انه ليس بموضوع للعموم ، مثلا اذا احتملنا ان لفظ الدابة موضوع لما يعم من يدب على وجه الارض ، فصحة سلبه عن الانسان ـ مثلا ـ لا ينافي ان يكون لفظ الدابة موضوعا لمعنى عام يشمل ساير افراد

٢٢٤

ثم لا يخفى أنه لا يتفاوت في صحة السلب عما انقضى عنه المبدأ ، بين كون المشتق لازما وكونه متعديا ، لصحة سلب الضارب عمن يكون فعلا غير متلبس بالضرب ، وكان متلبسا به سابقا ، وأما إطلاقه عليه في الحال ، فان كان بلحاظ حال التلبس ، فلا إشكال كما عرفت ، وإن كان بلحاظ الحال ، فهو وإن كان صحيحا إلا أنه لا دلالة على كونه بنحو الحقيقة ، لكون الاستعمال أعم منها كما لا يخفى ، كما لا يتفاوت في صحة السلب عنه ، بين تلبسه بضد المبدأ وعدم تلبسه ، لما عرفت من وضوح صحته مع عدم التلبس ـ أيضا ـ وإن كان معه أوضح.

ومما ذكرنا ظهر حال كثير من التفاصيل ، فلا نطيل بذكرها على التفصيل (١).

______________________________________________________

الحيوان عدا الانسان. واما في المقام فان المفروض انه ليس لنا الّا فردان : المتلبس ، والمنقضى عنه ، فمعنى دعوى الوضع للعموم انه يشمل الفردين ، ومعنى وضعه للخاص انه لا يشمل غير المتلبس ، فاذا صح سلبه عن المنقضى عنه دل هذا السلب على اختصاصه بخصوص المتلبس.

نعم ، لو كان للمنقضى عنه فردان فصحة سلبه عن فرد لا يدل على عدم وضعه للعموم ، إلّا انه ليس كذلك فانه ليس للمنقضى عنه الّا فرد واحد : وهو المنقضى عنه ، فصحة سلبه عنه دليل على انه لا يشمل المنقضى عنه.

(١) الاقوال في المشتق ثلاثة :

ـ وضعه لخصوص المتلبس مطلقا.

ـ ووضعه للاعم مطلقا.

ـ والتفصيل فيه واختلف القائلون بالتفصيل على انحاء ذكر المصنف تفصيلين منها :

٢٢٥

.................................................................................................

______________________________________________________

الاول : هو الفرق بين كون المشتق متعديا ولازما ، وان المتعدي موضوع للاعم ، واللازم موضوع لخصوص المتلبس. واظن ان سبب هذا التفصيل هو ما سيأتي الاشارة اليه في استدلال القول بالوضع للاعم : من صدق المقتول والمضروب على ما انقضى عنه المبدأ ، ولا فرق بين اسم المفعول واسم الفاعل. وهذان المثالان من المتعدي ، فلذا قال هذا القائل : بوضعه فيه للاعم ، وحيث انه يرى ان الذاهب والماشي ـ مثلا ـ اللذين هما من اللازم لا يصدقان على الراجع والواقف الذي كان ذاهبا وماشيا ، لذا قال بهذا التفصيل.

والجواب عنه : اما عن المقتول والمضروب فسيأتي بيانه ـ إن شاء الله ـ واما ساير المشتقات المتعدية فليس كذلك ، لصحة سلبها عن ما انقضى عنه حال التلبس ، فان الضارب في حال عدم تلبسه بالضرب يصح سلب الضارب عنه ، وان كان سابقا قد تلبس بالضرب ، فانه يصح ان يقال : زيد ليس بضارب فعلا ، وقد كان ضاربا بالامس. ولو كان موضوعا للاعم لما صح هذا السلب ، والى هذا اشار بقوله : «لصحة سلب الضارب عمن يكون فعلا غير متلبس بالضرب ... الى آخره».

نعم ، يصح اطلاق الضارب على من انقضى عنه الضرب بنحوين : تارة بنحو الحقيقة ، ولكنه لا بد وان يكون المراد اطلاقه عليه بلحاظ حال التلبس ، فيراد من اطلاق الضارب عليه انه كان ضاربا ، وقد عرفت ان الاطلاق في حال الانقضاء بلحاظ حال التلبس من الاستعمال الحقيقي ، إلّا انه لا يفيد الخصم.

واخرى يصح استعمال الضارب فيمن انقضى عنه الضرب لا بلحاظ حال التلبس وهذا الاستعمال من الاستعمال المجازي وهو صحيح وما اكثر المجاز ، فصحة الاستعمال ليست من علائم الحقيقة ، لأن الاستعمال اعم من الحقيقة والمجاز ، فلا ينفع الخصم ايضا ، فان النافع له هو صحة اطلاقه على المنقضى عنه بنحو الحقيقة ، وقد عرفت انه لا يصح اطلاقه عليه كذلك في حال الانقضاء ، بل يصح سلبه عنه ، وصحة السلب لا يعقل ان تجامع صحة الاطلاق بنحو الحقيقة والى هذا اشار بقوله :

٢٢٦

حجة القول بعدم الاشتراط وجوه :

الاول : التبادر ، وقد عرفت أن المتبادر هو خصوص حال التلبس (١).

الثاني : عدم صحة السلب في مضروب ومقتول ، عمن انقضى عنه المبدأ.

وفيه : إن عدم صحته في مثلهما ، إنما هو لاجل أنه أريد من المبدأ معنى يكون التلبس به باقيا في الحال ، ولو مجازا.

وقد انقدح من بعض المقدمات أنه لا يتفاوت الحال فيما هو المهم في محل البحث والكلام ومورد النقض والابرام ، اختلاف ما يراد من المبدأ

______________________________________________________

«واما اطلاقه عليه في الحال فان كان بلحاظ حال التلبس فلا اشكال ... الى آخره».

والتفصيل الثاني : هو بين كون المحمول عليه المشتق متلبسا فعلا بضد المبدأ الذي كان متلبسا به ، كالواقف الذي كان متحركا ، والاسود الذي كان أبيض ، فانه في امثال ذلك المشتق يختص بخصوص المتلبس ، واما فيما اذا لم يكن متلبسا بضد المبدأ الذي كان متلبسا به ، كالمعطي الذي اعطى في الماضي ولم يكن فعلا متلبسا بالمنع الذي هو ضد الاعطاء فانه موضوع للاعم.

والجواب عنه : ما عرفت من صحة السلب فعلا عمن كان معطيا ولم يكن متلبسا بالعطاء فعلا ، لصحة قولنا : انه كان معطيا ، واما بالفعل فليس بمعط. نعم في حال تلبسه بضد العطاء : وهو المنع يكون صحة السلب عنه اوضح ، والى هذا اشار بقوله : «كما لا يتفاوت في صحة السلب عنه بين تلبسه بضد المبدأ» الى آخر كلامه.

(١) استدل القائل بالاعم بالتبادر ، ولا يخفى ان دعوى التبادر في جميع المشتقات وانها موضوعة للاعم لا يخلو عن عجب ، لضرورة عدم صدق النائم والآكل فعلا على المستيقظ الذي كان نائما ، وعلى الصائم الذي كان آكلا ، وقد عرفت ان مطابق المشتق هو المتلبس بالمبدإ حتى في مثل القاتل والضارب والمعطي.

٢٢٧

في كونه حقيقة أو مجازا ، وأما لو أريد منه نفس ما وقع على الذات ، مما صدر عن الفاعل ، فإنما لا يصح السلب فيما لو كان بلحاظ حال التلبس والوقوع ـ كما عرفت ـ لا بلحاظ الحال أيضا ، لوضوح صحة أن يقال : إنه ليس بمضروب الآن بل كان (١)

______________________________________________________

(١) وحاصل هذا الدليل هو عدم صحة السلب عمن قتل ، فانه في حال انقضاء القتل لا يصح ان يقال : انه ليس بمقتول ، وكذلك من ضرب في الزمن السابق في حال عدم الضرب لا يصح ان يقال : انه ليس بمضروب ، وعدم صحة السلب عن المنقضى عنه المبدأ بالحمل الشائع دليل على انه من مصاديقه ، فلا بد وان يكون موضوعا للاعم من المتلبس حتى يكون المنقضى عنه احد المصداقين له ، فاذا لم يصح سلبه عنه فلا بد وان يصح حمله عليه.

فحاصل الدليل : ان المقتول والمضروب يصح حملهما على ما انقضى عنه المبدأ ، وصحة الحمل دليل على انه من افراده ، والّا لما صح الحمل ولصح السلب ، وقد عرفت انه لا يصح السلب ويصح الحمل.

ولا يخفى ان هذا انما يكون دليلا للمدعى بامور :

الاول : ان الحمل لا يكون بلحاظ حال التلبس فانه لو كان بلحاظه لما دل على ان المنقضى فرد له.

الثاني : ان يكون المراد ان المنقضى عنه مع الالتفات الى تقييده بحال الانقضاء هو مطابق ومصداق للمثالين.

الثالث : ان يكون المراد من القتل الذي هو المبدأ هو ازهاق الروح بتأثير مؤثر ، لا عدم الروح بتأثير مؤثر ، فانه لو كان المراد من القتل ـ مثلا ـ هو عدم الروح الحاصل بالتأثير في قبال الموت الذي يراد منه نفس عدم الروح لا ينفع المدعى لان عدم الروح ليس له انقضاء ، بل هو دائم التلبس ، فان المقتول بهذا المعنى متلبس بالمبدإ دائما ، وليس له حالة انقضاء ، وانما يكون له حالتان التلبس والانقضاء فيما

٢٢٨

.................................................................................................

______________________________________________________

اذا كان المراد من القتل هو ازهاق الروح بالتأثير ، فانه يكون له زمان الازهاق ، وزمان انقضاء الازهاق.

فاذا سلمت هذه المقدمات يكون هذا دليلا للمدعى الوضع للاعم.

وفيه : ان هذا لو تم لدل على كون المقتول يراد منه الاعم لا جميع المشتقات ، لوضوح عدم صدق المحموم والمعزول ـ مثلا ـ على من فارقته الحمى ، ومن رجع إلى منصبه ، فلا يمكن دعوى الوضع للعموم في ساير المشتقات التي لا ينكر صحة سلبها ، وعدم صحة حملها ، فان من فارقته الحمى لا يصح ان يقال : انه محموم ، ويصح ان يقال : انه ليس بمحموم ، وكذلك من رجع إلى منصبه بعد العزل لا يصح ان يقال : انه بالفعل معزول ، بل يصح ان يقال ـ فعلا ـ ليس بمعزول.

وعدول القوم عن التمثيل بالقاتل والضارب دليل على ان الصدق ليس بواضح عندهم في اسم الفاعل ، فاذا لم يكن واضحا في اسم الفاعل من هذه المادة فكيف يصح ان يدعى الوضع للعموم في ساير المشتقات من غير هذه المادة التي قد عرفت وضوح صحة سلبها عن المنقضى ، هذا اولا.

وثانيا : ان صحة الحمل وعدم صحة السلب في المثالين انما هو لاجل انه اريد من المبدأ هو عدم الروح عن تأثير لا ازهاق الروح ، ولذلك لو جعل بدل القتل ازهاق الروح فانه لا يصح حمله فعلا ، بل يصح سلبه ، لانه يصح ان يقال : هذا المقتول ليس بمتلبس بازهاق الروح بالفعل بل كان متلبسا بها ، وقد اشار الى هذا بقوله : «وفيه ان عدم صحته في مثلهما» أي في مثل المقتول والمضروب «انما هو لاجل انه اريد من المبدأ معنى يكون التلبس به باقيا في الحال» بان يراد من المقتول عدم الروح بالتأثير ، ومن الضرب من وقع عليه ضرب ، لا من هو متأثر بالضرب بالفعل «ولو مجازا» لأن القتل الذي هو المبدأ موضوع في الظاهر للازهاق وكذلك الضرب فانه موضوع لنفس الحث المتأثر به المضروب بالفعل «وقد انقدح من بعض المقدمات انه لا يتفاوت الحال فيما هو المهم في محل البحث والكلام ومورد النقض والابرام

٢٢٩

.................................................................................................

______________________________________________________

اختلاف ما يراد من المبدأ في كونه حقيقة أو مجازا» كما تقدم في المقدمة الرابعة : ان النزاع في المقام في هيئة المشتق ، وانها هل هي موضوعة لخصوص المتلبس ، او للاعم منه ومن المنقضى؟

واما المادة فمختلفة فتارة يراد منها الملكة ، واخرى يراد منها الحرفة والصناعة ، وثالثة يراد من المبدأ معنى مجازيا مثلا ـ لا معناه الحقيقي ، كما في المقام فانه اريد من القتل عدم الروح عن تأثير ، لا ازهاقها فلا يكون لها حالة انقضاء ، بخلاف الازهاق فان له حالة انقضاء ، ولذا لو اريد الازهاق يصح ان يقال : هذا ليس بمقتول بالفعل ، وليس بمضروب بالفعل ، بل كان مقتولا وكان مضروبا ، ولذا قال قدس‌سره : «واما لو اريد منه نفس ما وقع على الذات مما صدر عن الفاعل» وهو الازهاق ـ مثلا ـ الحاصل من القاتل ، ونفس الحدث الفعلي الحاصل من الضارب فانه على هذا يصح سلبه عن المنقضى عنه ، ولا يصح حمله عليه في حال الانقضاء.

نعم ، لو اريد من الحمل وعدم صحة السلب لحاظ حال التلبس : أي ان يراد من قولك : مقتول ومضروب انه كان مقتولا ومضروبا فيكون الحمل بلحاظ حال التلبس ، وكذا عدم صحة السلب فانه لا يصح ان يقال : انه لم يكن مقتولا ولا مضروبا في الزمن السابق ، وقد عرفت ان النزاع ليس بلحاظ حال التلبس ، وانما النزاع في حملها على المنقضى عنه بالفعل باعتبار كونها فردا له حقيقيا بالفعل في حال انقضاء التلبس ، فاذا اريد من القتل نفس الازهاق ، وان الحمل ليس بلحاظ حال التلبس فلا يصح الحمل ، بل يصح ان يقال : ليس هذا بمقتول بالفعل ، ولا بمضروب بالفعل ولذا قال قدس‌سره : «فانما لا يصح السلب فيما لو كان بلحاظ حال التلبس والوقوع كما عرفت لا بلحاظ الحال ايضا لوضوح صحة ان يقال انه ليس بمضروب الآن ، بل كان» أي لو اريد في مقام الحمل عدم لحاظ حال التلبس ، واريد من المبدأ في القتل نفس الازهاق ونفس الحدث الحاصل من الضارب فانه لا يصح

٢٣٠

الثالث : استدلال الامام عليه‌السلام تأسيا بالنبي صلوات الله عليه كما عن غير واحد من الاخبار بقوله : (لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) على عدم لياقة من عبد صنما أو وثنا لمنصب الامامة والخلافة ، تعريضا بمن تصدى لها ممن عبد الصنم مدة مديدة ، ومن الواضح توقف ذلك على كون المشتق موضوعا للاعم ، وإلا لما صح التعريض ، لانقضاء تلبسهم بالظلم وعبادتهم للصنم حين التصدي للخلافة (١).

______________________________________________________

الحمل ويصح السلب ، فيصح ان يقال : انه ليس بمقتول الآن بالفعل ، وليس بمضروب الآن بالفعل ، بل كان مقتولا وكان مضروبا.

(١) وتوضيح الاستدلال بهذه الآية على الاعم يتم باشياء :

الاول : هذه الآية ذكرها الأئمة مستدلين بها على الامامة ، ولا يخفى ان استدلال الأئمة بها لا بد وان يكون بما لها من الظهور ، اذ لو كان الاستدلال بغير ظهورها ، بل كان بنحو التأويل من باب ان للقرآن بطونا وتأويلات لما كان مقنعا في مقام الخصومة مع منكري الامامة اذ للخصم ان ينكر ما هو خلاف الظهور.

الثاني : ان الاستدلال من الائمة عليهم‌السلام لم يكن على الوجه الذي يرونه في مغتصبي منصب الخلافة ، وانهم بالفعل متلبسون بالظلم الذي هو الكفر ، بل الاستدلال كان مبنيا على ان المتولين لمنصب الخلافة كانوا مسلمين في ذلك الوقت ، وليسوا بكافرين.

الثالث : ان الاستدلال لا بد وان يكون بالفاظ الآية المستعملة في معانيها بنحو الحقيقة اذ المجاز يحتاج الى قرينة ، ولم يكن هناك قرينة تدل على ان الظالمين مستعمل فيمن انقضى عنه الظلم بنحو المجازية.

فاذا تمت هذه المقدمات اتضح : ان المشتق موضوع للاعم ممن انقضى عنه الظلم بنحو المجازية فاذا تمت هذه المقدمات اتضح ان المشتق موضوع للاعم ممن انقضى عنه المبدأ والمتلبس ، لان معنى الآية : ان الظالمين : أي الذين ظلموا سلطان الله وسجدوا

٢٣١

والجواب : منع التوقف على ذلك ، بل يتم الاستدلال ولو كان موضوعا لخصوص المتلبس.

وتوضيح ذلك : يتوقف على تمهيد مقدمة : وهي إن الاوصاف العنوانية التي تؤخذ في موضوعات الاحكام تكون على أقسام :

أحدها : أن يكون أخذ العنوان لمجرد الاشارة إلى ما هو في الحقيقة موضوعا للحكم ، لمعهوديته بهذا العنوان ، من دون دخل لاتصافه به في الحكم أصلا.

ثانيها : أن يكون لاجل الاشارة إلى علية المبدأ للحكم ، مع كفاية مجرد صحة جري المشتق عليه ، ولو فيما مضى.

______________________________________________________

للاوثان لا ينالهم عهد الله تبارك وتعالى ، لأنه كان هذا جوابا من الله لطلب ابراهيم منه ان يجعل ذريته أئمة وخلفاء وحججا منه على بريته ، فاجابه تعالى : ان من سجد للاصنام لا ينالهم هذا العهد.

وبعد تسليم المقدمة الثانية : وهو ان هؤلاء كانوا في وقت تولى الخلافة مسلمين.

والمقدمة الاولى : وهو كون الاستدلال ليس مبنيا على التاويل.

ووضوح المقدمة الثالثة : وهو انتفاء قرينة المجاز.

ـ يتضح : ان اطلاق الظالمين على هؤلاء في وقت توليهم لمنصب الخلافة بنحو الحقيقة ، وحيث كانوا مسلمين فمع كونهم مسلمين كانوا مصداقا حقيقيا للظالم ، وان انقضى عنهم التلبس بالظلم في ذلك الوقت ، فلازم ذلك ان يكون الظالم موضوعا للاعم ، والّا لما كانوا مصداقا للظالم حقيقة في وقت انقضاء التلبس بالظلم ولم يشر المصنف إلى تفصيل هذه المقدمات وادمجها في قوله : «والّا لما صح التعريض» أي لما صح تعريض الأئمة ، بهم بهذه الآية ، وقد عرفت ان التعريض بهؤلاء الذين تولوا منصب الامامة لا يتم الّا بالمقدمات المذكورة.

٢٣٢

ثالثها : أن يكون لذلك مع عدم الكفاية ، بل كان الحكم دائرا مدار صحة الجري عليه ، واتصافه به حدوثا وبقاء.

إذا عرفت هذا فنقول : إن الاستدلال بهذا الوجه إنما يتم ، لو كان أخذ العنوان في الآية الشريفة على النحو الاخير ، ضرورة أنه لو لم يكن المشتق للاعم ، لما تم بعد عدم التلبس بالمبدإ ظاهرا حين التصدي ، فلا بد أن يكون للاعم ، ليكون حين التصدي حقيقة من الظالمين ، ولو انقضى عنهم التلبس بالظلم. وأما إذا كان على النحو الثاني ، فلا ، كما لا يخفى (١) ، ولا قرينة على أنه على النحو الاول ، لو لم نقل بنهوضها

______________________________________________________

(١) قبل الشروع في جواب المصنف ينبغي تقديم امر :

وهو ان القول : بان المشتق موضوع لخصوص المتلبس معناه : ان مطابق هذا العنوان هو المتلبس ، لا الاعم منه ومن المنقضى عنه المبدأ.

واما كون هذا التلبس هل هو في زمان النطق ، او في زمان آخر فلا ينبغي ان يكون داخلا في النزاع.

نعم ، فيما اذا كان المتكلم في مقام بيان زمان التلبس ، ولم يعين زمانا خاصا متقدما أو متأخرا ، ولم يكن في مقام الاهمال : من ناحية زمان التلبس ، فالاطلاق ـ حينئذ ـ يعين كون زمان التلبس ، زمان النطق. واما اذا كان في مقام الاهمال : من ناحية زمان التلبس وكان الغرض لبيان نفس التلبس لا غير ، فلا يتعين زمان النطق للتلبس ، مثلا لو كان المتكلم في مقام الرد على من يزعم ان الحيوان لا ينام فقال له : الحيوان نائم ، فانه في هذا المقام لا يتعين كون مراد المتكلم ان الحيوان نائم في زمان النطق. وعلى كلّ فالمعين لزمان النطق هو الاطلاق ، كما ان المعين لكون التلبس في ما مضى ، او ما ياتي هو القرائن.

اذا عرفت هذا فنقول : ان المصنف قدم للجواب مقدمة.

وحاصلها : ان العناوين المأخوذة في الكلام وفي مقام ترتب الاحكام على انحاء ثلاثة :

٢٣٣

.................................................................................................

______________________________________________________

الاول : ان يكون العنوان اخذ لصرف الاشارة الى ما هو موضوع الحكم ، ولا يكون للعنوان دخالة في الحكم اصلا ، كقول الامام عليه‌السلام في مقام جواب من سأله : من أين آخذ معالم ديني ، قال له عليه‌السلام : عليك بهذا الجالس (١). فانه من المعلوم انه لا دخل للجلوس في وثاقة المشار اليه ، بل الموضوع للاخذ منه هو كونه بذاته ثقة.

وهذا هو الذي عناه المصنف بقوله : «احدها ان يكون العنوان لمجرد الاشارة ... الى آخر كلامه» وهو واضح.

الثاني : ان يكون مجرد تحقق المبدأ وبمحض تلبس الذات بها تتحقق علية الحكم ومناطه ، ولا يحتاج الحكم في ترتبه إلى دوام تلبس الذات بالمبدإ ، كالسرقة في آية حكم السارق ، فانه بمجرد تلبس الذات بالسرقة يتحقق الموضوع لحكم القطع ، لوضوح انه لا يكون الحكم بالقطع مشروطا باستمرار السرقة الى زمان تنفيذه وكقوله عليه‌السلام : (الساهي يسجد للسهو) (٢) فان السجود للسهو لا يتاتى الّا من الذاكر فيكون مجرد تلبسه بالنسيان علة لترتب حكم الاتيان بسجود السهو. ففي امثال هذه الاحكام يكفي صحة جري المشتق وحملها على الذات ، ولو فيما مضى لترتبها ، ولا يلزم استمرار تلبس الذات بالمبدإ لترتب الحكم ، وهذا هو ثانيها في كلام المصنف ، والعبارة واضحة.

الثالث : ان يكون تحقق المبدأ ايضا علة لترتب الحكم ، ولكن لا يكفي مجرد التلبس به في ترتبه ، بل ترتب الحكم يكون دائرا مدار استمرار تلبسه به. ولا بد في ترتب الحكم من صحة جري العنوان على الذات واتصافها بالمبدإ حدوثا وبقاء ، كعنوان الحاضر والمسافر في ترتب حكم التام والقصر ، والصوم والافطار. وهذا هو الذي عناه المصنف بقوله : «ثالثها ان يكون لذلك» أي ان يكون العنوان لاجل الاشارة إلى

__________________

(١) بحار الأنوار ج ٢ : ص ٢٤٦.

(٢) قد أورد الحديث بالمضمون راجع الوسائل ج ٥ : ٣١٧ / ١ باب ٧.

٢٣٤

على النحو الثاني ، فإن الآية الشريفة في مقام بيان جلالة قدر الامامة والخلافة وعظم خطرها ورفعة محلها ، وإن لها خصوصية من بين المناصب الالهية ، ومن المعلوم أن المناسب لذلك ، هو أن لا يكون المتقمص بها متلبسا بالظلم أصلا ، كما لا يخفى (١).

______________________________________________________

كون التلبس بالمبدإ علة لترتب الحكم ، فهو كالثاني ويزيد عليه «مع» ذلك «عدم الكفاية» بصرف التلبس ، «بل كان الحكم دائرا مدار صحة الجري» الى آخر عبارته قدس‌سره.

فاذا عرفت هذا نقول : ان الظلم والظالم الذي هو الموضوع في الآية ، لأن لا يناله عهد الله لو كان موضوعا للحكم على النحو الثالث : بان كان الظلم الذي هو الكفر علة لعدم تولي منصب الامامة حدوثا وبقاء ، مع فرض كونهم في زمان التولي مسلمين وليسوا بكافرين بالفعل. فحينئذ يكون اطلاق الظالم والكافر عليهم حقيقة في حال كونهم مسلمين يدل على ان المشتق موضوع للاعم ، وهذا هو مراد المصنف بقوله : «ليكون حين التصدي حقيقة من الظالمين» : أي اطلاق الظالمين عليهم يكون ـ حينئذ ـ حقيقة ، مع كونهم بالفعل مسلمين وليسوا بكافرين فيكون اطلاق الكافرين عليهم حقيقة ، مع كونهم في حال الاطلاق مسلمين دليلا على كون الظالمين موضوعا لما هو الاعم من المتلبس والمنقضى.

واما اذا كان الظلم علة على النحو الثاني فلا يتم الاستدلال بهذه الآية على الاعم ، لان مجرد تلبسهم بالظلم ولو فيما مضى كاف في العلية لعدم لياقتهم لمنصب الامامة.

(١) بعد ما عرفت : ان الاستدلال لا يتم الّا على النحو الثالث : بان يكون عنوان الظالم علة للحكم حدوثا وبقاء ، فلا بد من احراز هذا الامر فيحتاج الى محرز ، كما

٢٣٥

إن قلت : نعم ، ولكن الظاهر أن الامام عليه‌السلام إنما استدل بما هو قضية ظاهر العنوان وضعا ، لا بقرينة المقام مجازا ، فلا بد أن يكون للاعم ، وإلا لما تم (١).

______________________________________________________

ان كون العنوان ماخوذا على النحو الثاني يحتاج الى قرينة ايضا. فاذا كلا الامرين يحتاج الى ما يعيّنه.

ويكفي في عدم تمامية استدلالهم بالآية على الاعم الشك في كون العنوان اخذ على النحو الثالث ، اذا لم نقل : بان جلالة منصب الامامة واختلافها عن بقية المناصب يعين النحو الثاني ، فان منصب الامامة من المناصب الجليلة الرفيعة التي لا ينبغي ان يتولاها الّا من تقلب في الساجدين ، فمن سجد للصنم ولو في زمان ما لا ينبغي ان يكون محلا لها ، بخلاف بقية المناصب الالهية كولاية القاصرين ، والحكم بين المتخاصمين فانه لا مانع من ان يتولاها المجتهد العادل في حال التولي ، ولا مانع من ان يكون قبل زمان التولي ليس بعادل ولا مجتهد.

(١) حاصله : انه بناء على وضع المشتق لخصوص المتلبس فيكون اطلاق الظالمين على هؤلاء المفروض كونهم مسلمين في حال التولي اطلاقا مجازيا مستندا الى القرينة ، لفرض كونهم ليسوا بظالمين بالفعل ، والظهور المجازي ليس من الظهور الوضعي.

واما بناء على كون المشتق موضوعا للاعم فيكون اطلاق الظالمين عليهم بنحو الحقيقة ، والاطلاق وضعي ولو كانوا بالفعل مسلمين.

والظاهر من استدلال الامام ان اطلاق الظالمين عليهم كان اطلاقا وضعيا لم يعتمد فيه على القرائن ، وليس كذلك بناء على وضعه لخصوص المتلبس ، فان الاطلاق لا بد وان يكون مجازيا معتمدا فيه على قرائن ، واذا لم يكن الاطلاق مجازيا فلا بد وان يكون وضعيا حقيقيا ولازم ذلك وضع المشتق للاعم ، والّا لما تم الاستدلال اذ المفروض ان الاستدلال كان بالظهور الوضعي لا بالقرينة والمجاز. فاذا كان المشتق حقيقة في خصوص المتلبس لا يتم الاستدلال لانهم بالفعل ليسوا بظالمين.

٢٣٦

قلت : لو سلم ، لم يكن يستلزم جري المشتق على النحو الثاني كونه مجازا ، بل يكون حقيقة لو كان بلحاظ حال التلبس ـ كما عرفت ـ فيكون معنى الآية ، والله العالم : من كان ظالما ولو آنا في الزمان السابق لا ينال عهدي أبدا ، ومن الواضح أن إرادة هذا المعنى لا تستلزم الاستعمال ، لا بلحاظ حال التلبس (١).

______________________________________________________

(١) حاصله : انه اولا : لا نسلم كون الاستدلال مبنيا على الظهور الوضعي الحقيقي ، بل الاستدلال يبتني على الظهور اعم من كونه وضعيا حقيقيا او مجازيا بالقرينة.

وفيه ما لا يخفى ، فان الاستدلال من الامام كان بالآية فاما ان يكون للظالمين ظهور وضعي في كونهم في وقت التولي للامامة ظالمين فيتم الاستدلال ، ولكن هذا انما يصح ويتم على الوضع للاعم. واذا لم يكن الظهور وضعيا ، كما هو بناء على الوضع لخصوص المتلبس ، فلا بد من وجود قرينة في الآية تدل على ان الظالمين استعمل فيمن انقضى عنه الظلم ، والمفروض انه لا قرينة.

ويمكن ان يقال : ان هناك ثلاثة افراد : فردين محققين معلومين لا يحتاجان الى بيان في القرآن ، وفردا مشكوكا ، وهو الذي يحتاج الى البيان ـ فرد متلبس بالسجود للصنم بالفعل ، وفرد لم يسجد للصنم اصلا لا سابقا ولا لاحقا ، وفرد سجد للصنم فيما مضى ثم اسلم وترك عبادة الاوثان ـ.

ولا شبهة في انه من البديهي الضروري ان من كان متلبسا فعلا بالسجود للاصنام لا يعقل ان يكون في حال تلبسه بذلك اماما للخلق وهاديا لهم وواقعا في طريق ايصال الناس الى معرفة ربهم وموصلا لهم احكامه تبارك وتعالى.

والفرد الثاني لا اشكال في امكان جعله اماما فانه لو لم يكن الامام من هذا القسم للزم ان ينزل الله أئمته من السماء ، فان هذا القسم اعلى اقسام البشر الموجودين في زمان جعل الامامة.

٢٣٧

ومنه قد انقدح ما في الاستدلال على التفصيل بين المحكوم عليه والمحكوم به ، باختيار عدم الاشتراط في الاول ، بآية حد السارق

______________________________________________________

والاخير هو المشكوك الذي يحتمل ان يكون اماما وان لا يكون. فالبيان انما جاء لدفع هذا الاحتمال وان السجود للصنم ولو في زمان يمنع عن منصب الامامة لجلالتها وعلو مقامها فهذا القسم الاخير هو المحتاج الى البيان ، واما القسمان الاولان فغير محتاجين الى بيان في القرآن.

فموضوع الكلام هو النحو الثاني : وهو كون الظلم علة لأن لا ينال عهد الله من تلبس به ولو في زمان ما ، ولذا لما احتج الامام بها على الخصم افحمه ولم يسعه المناقشة.

وثانيا : انا نسلم ان الاستدلال كان مبنيا على الظهور الوضعي ، ولكن لا يستلزم اطلاق الظالمين على هؤلاء اطلاقا مجازيا ، لان اطلاق المشتق على من انقضى عنه المبدأ بلحاظ حال التلبس من الاستعمال الحقيقي ، وهو مراد المصنف بقوله : «لو سلم لم يكن يستلزم جري المشتق على النحو الثاني كونه مجازا» والمراد من النحو الثاني هو كون مجرد التلبس بالمبدإ ولو في زمان ما علة للحكم في قبال النحو الثالث الذي يدور الحكم مدار تحقق المبدأ حدوثا وبقاء ، فان اطلاق المشتق وجريه على المتلبس لا يكون من الاستعمال المجازي اذا كان الاطلاق بلحاظ حال التلبس ، ولذا قال : «بل يكون حقيقة لو كان بلحاظ حال التلبس».

ثم لا يخفى ان كون الموضوع على النحو الثاني يحتاج الى قرينة وان كان الاستعمال حقيقيا ايضا. والقرينة اما ما ذكره المصنف وغيره : من علو منصب الامامة ورفعة مقامها ، او ما ذكرناه : من انه هو مورد البيان في القرآن لانه القسم المشكوك دون القسمين الآخرين المعلومين ، فان المعلوم لا يحتاج الى بيان.

٢٣٨

والسارقة ، والزاني والزانية ، وذلك حيث ظهر أنه لا ينافي إرادة خصوص حال التلبس دلالتها على ثبوت القطع والجلد مطلقا ، ولو بعد انقضاء المبدأ (١) ، مضافا الى وضوح بطلان تعدد الوضع ، حسب وقوعه محكوما عليه أو به ، كما لا يخفى.

______________________________________________________

(١) حاصل هذا التفصيل انه فرق بين كون المشتق محكوما به كقولك : (زيد قائم) وبين كونه محكوما عليه ، كقوله تعالى في آية : (السَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما)(١) وقوله تعالى ايضا في آية (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما)(٢) الى آخر الآية.

فالمشتق في المثال الاول محكوم به لانه خبر لزيد وفي الآيتين المشتق محكوم عليه لان السارق والزاني في موضع الابتداء ، وجملة فاقطعوا وفاجلدوا في موقع الخبر والمبتدأ محكوم عليه ، بخلاف الخبر كما في المثال المتقدم فانه محكوم به. والمدعي لهذا التفصيل يرى ان السبب فيه هو ان المشتق في الآيتين وقع محكوما عليه ولا بد من القول بوضعه للاعم ، بخلاف المثال المذكور الذي كان المشتق فيه محكوما به فانه لا ملزم للقول بكونه موضوعا للاعم.

وكيفية الاستدلال على هذه الدعوى بنحوين :

الأول : انه لا اشكال في كون السارق والزاني في وقت اقامة الحد عليهما ليسا بمتلبسين بالمبدإ ، وظاهر الآيتين ان اطلاق السارق والزاني عليهما في مقام عدم تلبسهما بالمبدإ اطلاق حقيقي ، ولا يكون الاطلاق حقيقيا في مقام عدم التلبس بالمبدإ الّا بالالتزام بكون المشتق موضوعا للاعم.

وعلى هذا النحو من البيان يلتئم جواب المصنف ، فان حاصل جوابه : ان اطلاق المشتق عليهما في حال عدم تلبسهما بالمبدإ اطلاقا حقيقيا لا يلزم القول بالوضع للاعم ، لامكان ان يكون الاطلاق بلحاظ حال التلبس. فالقطع والجلد ثابت لهما في

__________________

(١) المائدة : الآية ٣٨.

(٢) النور : الآية ٢.

٢٣٩

.................................................................................................

______________________________________________________

حال عدم تلبسهما بالسرقة والزنا ، واطلاق السارق والزاني عليهما في هذا الحال اطلاق حقيقي ، لكنه بلحاظ حال التلبس ، وهذا هو مراده ظاهرا من قوله : «حيث ظهر انه لا ينافي ارادة خصوص حال التلبس» بان يكون الاطلاق بلحاظ حال التلبس «دلالتها» أي دلالة آية السارق او آية الزاني «على ثبوت القطع والجلد مطلقا» أي ولو في حال عدم التلبس. كما ذكر وجه الاطلاق بقوله : «ولو بعد انقضاء المبدأ».

النحو الثاني في كيفية الاستدلال : ان يكون مركبا من مقدمات بعضها غير مقدمات النحو الاول.

الاولى : ان حكم القطع والجلد ثابت للسارق وللزاني ووقوع هذا الحد خارجا عليهما يكون في وقت عدم تلبسهما بالسرقة والزنا.

الثانية : ان ظاهر الآيتين ان اطلاق السارق والزاني عليهما اطلاق حقيقي.

الثالثة : ان ظاهر الآيتين ان هذا الاطلاق الحقيقي عليهما ، في وقت اقامة الحد عليهما فهما في وقت اقامة الحد سارق وزان ، ولا يمكن ان يكون الاطلاق حقيقيا في وقت اقامة الحد ، وهو وقت عدم تلبسهما بالمبدإ ، إلّا بالالتزام بالوضع للاعم. والاستدلال بهذا الترتيب هو الذي ينقدح مما مر في الاستدلال بآية : (لا يَنالُ عَهْدِي)(١) والجواب عنه ينقدح ايضا من الجواب عنها.

واما الاستدلال بالنحو الاول فلم ينقدح مما مر لا هو ولا جوابه.

وجواب المصنف ان الاطلاق في حال عدم التلبس لا ينافي كونه اطلاقا حقيقيا لامكان الاطلاق بلحاظ حال التلبس لا يصلح ان يكون جوابا عن الاستدلال بالنحو الثاني ، وانما يكون جوابا عنه بالنحو الأول ، لوضوح ان من مقدماته كون الظاهر في الآيتين اتحاد زمان الاطلاق الحقيقي فيهما مع زمان اقامة الحد ، وان الظاهر منهما

__________________

(١) البقرة : الآية ١٢٤.

٢٤٠