بداية الوصول - ج ١

آية الله الشيخ محمّد طاهر آل الشيخ راضي

بداية الوصول - ج ١

المؤلف:

آية الله الشيخ محمّد طاهر آل الشيخ راضي


المحقق: محمّد عبدالحكيم الموسوي البكّاء
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار الهدى
المطبعة: الظهور
الطبعة: ٢
ISBN: 964-497-057-8
ISBN الدورة:
964-497-056-X

الصفحات: ٥٠٥

(وهم ودفع) : لعلك تتوهم : أن الأخبار الدالة على ان للقرآن بطونا سبعة او سبعين تدل على وقوع استعمال اللفظ في اكثر من معنى واحد ، فضلا عن جوازه ، ولكنك غفلت عن أنه لا دلالة لها اصلا على ان ارادتها كانت من باب ارادة المعنى من اللفظ ، فلعله كان بارادتها في انفسها حال الاستعمال في المعنى ، لا من اللفظ كما اذا استعمل فيها أو كان المراد من البطون لوازم معناه المستعمل فيه اللفظ ، وان كان افهامنا قاصرة عن ادراكها (١).

______________________________________________________

غيره ، كذلك التثنية موضوعة للاثنين بشرط أن لا يكون معهما غيرهما ، فاستعمالهما في الاكثر من الاثنين يكون الغاء لقيد الوحدة ، كما ان استعمال المفرد في اكثر من معنى فيه الغاء لقيد الوحدة ، فلا وجه لما ادعاه صاحب المعالم : من كونه في المفرد مجازا وفي التثنية حقيقة كما لا يخفى.

(١) حاصل الوهم يرجع الى ما ذكره : من البرهان على امتناع الاستعمال للفظ في اكثر من معنى.

وبيانه : انه قد تضاعفت الاخبار : بان للقرآن بطونا سبعة وفي بعضها سبعين : ولازم ذلك وقوع استعمال اللفظ في اكثر من معنى ، وهو أدل دليل على الإمكان فان كل ما تحقق عدا واجب الوجود لا بد وأن يكون ممكنا ، وزيادة لدلالة الوقوع على عدم الإباء بالذات عن التحقق الذي هو معنى الامتناع ، وزيادة على عدم الإباء بالذات هو انه قد وقع.

وأما دلالتها على وقوع استعمال اللفظ في اكثر من معنى ، فلان المراد من البطون : هو أن لالفاظ القرآن معاني أخر غير المعنى الظاهر منها ، وقد دل القرآن على تلك البطون ، غايته انه لا يفهم ذلك إلا أهل بيت الوحي عليهم‌السلام ، وهذا ينافي ما قام البرهان عليه : من امتناع استعمال اللفظ في اكثر من معنى والى هذا اشار بقوله : «لعلك تتوهم ان الاخبار الدالة ... الخ».

١٦١

.................................................................................................

______________________________________________________

وحاصل الدفع : ان الاخبار الدالة على ان للقرآن بطونا ليس فيها دلالة على ان تلك البطون معان قد وضع اللفظ لكل منها وقد اريدت جميعها باستعمال واحد ، بل هناك احتمالات ، لا ملازمة بينها وبين استعمال اللفظ في اكثر من معنى.

ـ منها : أن المراد من البطون : هو ان للمعنى الظاهر من القرآن لوازم متعددة قد دل اللفظ عليها بالدلالة الالتزامية ، ودلالة اللفظ التزاما على معان متعددة ليس من استعمال اللفظ في اكثر من معنى ، لوضوح انه ليس للفظ إلا استعمال واحد وهو المعنى المطابقي ، وبحضوره يحصل الانتقال الى لوازمه بحكم تبعيتها لملزومها ، وليس اللفظ مستعملا فيها ليكون من استعمال اللفظ في اكثر من معنى كما هو المفروض في محل الكلام.

ـ ومنها : أن المراد من البطون : هي مصاديق المعاني العامة التي وضعت الفاظ القرآن لها ، فان لفظ السبيل مثلا ـ الموجود في القرآن موضوع لمعنى عام وهو ما سلك فيه الى الغاية ، فكما ان الطريق الذي يسلك فيه سبيل ، كذلك أئمة الهدى عليهم‌السلام الذين بهم يسلك الى الله هم السبيل الاعظم اليه ، ومن الواضح ان هذا ليس من استعمال اللفظ في اكثر من معنى.

ـ ومنها : أن يكون القرآن قد نزل بعدد البطون وفي كل مرة قد استعمل اللفظ في معنى غير معانيه الأخر فتكون الفاظ واستعمالات بعدد المعاني.

ـ ومنها : أن تكون تلك البطون قد أريدت حال استعمال الفاظ القرآن في معانيها ولم تكن تلك البطون قد اريدت من الفاظ القرآن اصلا ، بل هو من باب تداعي المعاني.

ويوضح هذا ما يشاهد : من انه ربما يحضر مع المعنى المستعمل فيه اللفظ معنى آخر لم يستعمل اللفظ فيه ، لانه لم يكن من معانيه وليس من لوازمه ولا من مصاديقه ، والسبب في حضوره ان يكون الشخص اول مرة حين حضر المعنى في ذهنه أو رآه أو أحسه باحدى حواسه كان مع ذلك المعنى المعنى الآخر وقد جمعت الصدفة

١٦٢

الثالث عشر : إنه اختلفوا في أن المشتق حقيقة في خصوص ما تلبس بالمبدإ في الحال ، أو فيما يعمه وما انقضى عنه على أقوال ، بعد الاتفاق على كونه مجازا فيما يتلبس به في الاستقبال ، وقبل الخوض في المسألة ، وتفصيل الاقوال فيها ، وبيان الاستدلال عليها ، ينبغي تقديم أمور (١):

______________________________________________________

بينهما ، فيكون متى حضر المعنى باستعمال اللفظ فيه يحضر المعنى الآخر الذي جمعت الصدفة بينهما. وهذا ما يسمى تداعي المعاني. إلّا ان هذا المعنى الأخير خلاف ظاهر الاخبار فان ظاهرها ان البطون مرتبطة بالقرآن بالربط الدلالي لا من باب تداعي المعاني.

ـ ومنها : أن يكون اللفظ بالنسبة إلى المعنى قالبا وفانيا فيه وبالنسبة إلى البطون علامة. وقد عرفت ـ فيما تقدم ـ : ان الممتنع هو استعمال اللفظ في اكثر من معنى بنحو كونه وجها له وفانيا فيه ، لا بنحو كونه علامة عليه ، فإنه لا مانع من ان يكون الشيء الواحد علامة على عدة أمور.

والظاهر ان مراد المصنف هو الأخير بقوله : «فلعله كان بارادتها في انفسها حال الاستعمال في المعنى لا من اللفظ كما اذا استعمل فيها» : أي ان تلك البطون لم ترد من اللفظ بنحو الاستعمال وان اريدت منه بنحو كونه علامة عليها فهي قد اريدت بانفسها حال الاستعمال إلّا انها لم ترد بنحو ان يكون اللفظ مستعملا فيها ، بل كان علامة عليها : والممتنع هو أن تكون مرادة من اللفظ بنحو ان يكون مستعملا فيها.

ثم لا يخفى أنه من البعيد جدا حمل عبارة المصنف على الاحتمال الرابع ، وهو ما قبل الاحتمال الاخير الذي اوضحناه بتداعي المعاني. وقد اشار المصنف ايضا الى الاحتمال الاول بقوله : «او كان المراد من البطون لوازم معناه المستعمل فيه اللفظ» فتكون الدلالة التزامية.

(١) لا يخفى ان العلماء اتفقوا على ان حمل هذه المشتقات واطلاقها على المتلبس بها في حال تلبسه بها حقيقة.

١٦٣

أحدها : إن المراد بالمشتق هاهنا ليس مطلق المشتقات ، بل خصوص ما يجري منها على الذوات ، مما يكون مفهومه منتزعا عن الذات ، بملاحظة اتصافها بالمبدإ ، واتحادها معه بنحو من الاتحاد ، كان بنحو الحلول أو الانتزاع أو الصدور والايجاد ، كأسماء الفاعلين والمفعولين والصفات المشبهات ، بل وصيغ المبالغة ، وأسماء الازمنة والامكنة والآلات ، كما هو ظاهر العنوانات ، وصريح بعض المحققين (١) ، مع عدم

______________________________________________________

واتفقوا ـ ايضا ـ على ان حملها واطلاقها على من سيتلبس بها ولم يكن متلبسا بها بالفعل مجاز.

واختلفوا في حملها واستعمالها على من انقضى عنه التلبس بالفعل وكان متلبسا بها سابقا هل هو حقيقة أو مجاز؟

والسبب في هذا هو الخلاف في وضع هذه المشتقات ، فهل هي موضوعة لخصوص المتلبس ، أو أنها موضوعة لمفهوم عام يشمل المتلبس بالمبدإ والمنقضى عنه المبدأ ، فالضارب ـ مثلا ـ إن كان موضوعا لخصوص المتلبس بالمبدإ كان حمله واطلاقه على ما انقضى عنه الضرب مجازا. وان كان موضوعا لمن صدر عنه الضرب أعم من أن يكون متلبسا به فعلا أو كان منقضيا عنه كان اطلاقه على المنقضي عنه حقيقة. فالخلاف بينهم في نفس الموضوع له.

(١) لا يخفى ان لفظ المشتق يشمل الافعال ، بل والمصادر بناء على ان المصدر من المشتقات ، ولا اشكال في خروجهما عن النزاع في المقام ، لأن الكلام في المشتقات المحمولة على الذات ، والجارية عليها بحمل المواطاة ، لا في مطلق المشتق غير المحمول على الذات بحمل المواطاة ، فإن الفعل وان اسند الى الذات إلا انه ليس بمحمول عليها ـ كما سيأتي بيانه في الامر الثالث.

فالمشتق الذي مورد النزاع : هو ما يجري على الذات ، لاتصاف الذات بمبدإ ذلك المشتق ، اما لحلول ذلك المبدأ فيه كالبياض فانه حال في الجسم وهذا يوجب حمل

١٦٤

صلاحية ما يوجب اختصاص النزاع بالبعض إلا التمثيل به ، وهو غير صالح ، كما هو واضح. فلا وجه لما زعمه بعض الاجلة ، من الاختصاص باسم الفاعل وما بمعناه من الصفات المشبهة وما يلحق بها ، وخروج سائر الصفات ، ولعل منشأه توهم كون ما ذكره لكل منها من المعنى ، مما اتفق عليه الكل ، وهو كما ترى ، واختلاف انحاء التلبسات حسب تفاوت مبادئ المشتقات ، بحسب الفعلية والشأنية والصناعة والملكة ـ حسبما يشير إليه لا يوجب تفاوتا في المهم من محل النزاع هاهنا ، كما لا يخفى (١).

______________________________________________________

الابيض على الذات واتحاده معها ، أو لصدوره منه كالضرب فانه صادر عن الذات ، وهذا الصدور موجب لصحة حمل الضارب عليها واتحاده معها. أو لأن الذات منشأ لانتزاع ذلك الوصف كالمالك ، فان الذات التي اعتبرت لها الملكية ينتزع عنها عنوان المالك ، وليست الملكية مما لها ما بحذاء في الخارج ، لأنها من الاعتبارات ، فليست حالة فيه كالبياض ، ولا صادرة منه كالضرب ، بل قد اعتبرت الملكية لها منشأ لانتزاع المالك واتحاده معها وحمله عليها.

ولا يخفى ان المشتق بعد ان كان هو ما يجري على الذات يشمل اسم الفاعل ، واسم المفعول ، والصفة المشبهة ، وصيغة المبالغة ، واسم الزمان ، واسم المكان واسم الآلة ، كالمحب ، والمحبوب ، والكريم ، والهيّاب ، والمقتل ، والمذبح والمحترم ، كما صرح بهذا التعميم بعض المحققين ، وظاهر عناوينهم يقتضي ذلك.

(١) يشير الى خلاف صاحب الفصول ، فانه ادعى اختصاص النزاع : باسم الفاعل ، والصفة المشبهة ، والحق بهما المصادر ـ المراد بها اسم الفاعل ـ ، كرجل عدل : أي عادل ، والنسب كبغدادي ونجفي.

واخرج عن النزاع : اسم المفعول ، وصيغ المبالغة ، واسم الزمان ، واسم المكان ، واسم الآلة.

١٦٥

.................................................................................................

______________________________________________________

والمتحصل من مجموع كلامه امران ادعى دلالتهما على الاختصاص.

الاول : ان العلماء في مقام التمثيل ، أو في مقام دعوى كون المشتق موضوعا لخصوص المتلبس ، او لما يعم المنقضى عنه لم يذكروا إلا اسم الفاعل وما بمعناه : وهي الصفة المشبهة ، والملحق بهما.

ويرد عليه : ان التمثيل غير صالح لاثبات الاختصاص بعد ان كان العنوان شاملا لغير ما مثلوا به ، وتصريح بعضهم بالشمول ، والى هذا اشار في المتن بقوله : «مع عدم صلاحية ما يوجب اختصاص النزاع بالبعض» : أي باسم الفاعل وما بمعناه «إلا التمثيل به : وهو غير صالح» أي التمثيل لا يثبت الاختصاص.

الثاني : اتفاق الكل على ان اسم الزمان ، واسم المكان ، واسم الآلة حقيقة في الأعم ، كالمقتل فانه يصدق على كل يوم عاشر من المحرم ـ مثلا ـ انه يوم مقتل الحسين عليه‌السلام ، والمشرق والمغرب يصدق على محل الشروق والغروب في كل حال ، وان لم يكن في وقت الشروق والغروب ، وكذلك اسم الآلة فانه يصدق على الآلة المعدة لذلك ، كالمزمار ـ مثلا ـ فانه يصدق على الآلة المعدة للزمر وان لم يزمر بها بالفعل ، وكذلك صيغة المبالغة كالمقدام فانه يصدق على الشجاع المتهور وان لم يكن له إقدام بالفعل.

واما اسم المفعول فادعي : انه ليس له ضابطة كلية فإن منه ما يطلق على خصوص المتلبس كالمملوك ، ومنه ما يطلق على الأعم كالمصنوع والمكتوب ، فإنهما يطلقان على الشيء ولم يكن الكتابة بالفعل ، ولا الصياغة كذلك.

واذا كانت هذه الصيغ مما اتفق الكل على وضعها للأعم فلا معنى لدخولها في محل النزاع ، لأن ما به الخلاف لا يعقل ان يكون المتفق عليه.

والجواب عنه : ان السبب في الاتفاق على صدق هذه الصيغ على غير المتلبس بالفعل ليس لأجل ان الهيئة فيها عندهم موضوعة للأعم ، بل لأجل أن المبدأ قد أخذ فيها على نحو تكون الذات متلبسة به في كل وقت.

١٦٦

.................................................................................................

______________________________________________________

فان الكتابة ـ مثلا ـ التي هي المبدأ تارة تؤخذ ويراد منها خصوص حركة الاصابع الخاصة ، وأخرى تؤخذ ويراد منها حرفة الكتابة.

فان اخذت بالمعنى الاول فالمدعي الوضع لخصوص المتلبس يدعي : عدم صدق الكاتب على الشخص في غير وقت تحرك اصابعه بالحركة الخاصة ، والمدعي الوضع للأعم يقول : بصدق الكاتب على الشخص في وقت سكون اصابعه وعدم تحركها بالحركة الخاصة. وان اخذت بالمعنى الثاني فمحل النزاع : فيمن ترك حرفة الكتابة فمدعي الوضع للأعم يقول : بالصدق ، والقائل بخصوص المتلبس يقول : بعدم الصدق.

وبعبارة اخرى : ان النزاع بينهم انما هو في هيئة المشتقات ، لا في مبادئ المشتقات فان أنحاء التلبس تختلف حسب اختلاف مبادئ المشتقات ، فان مبادئ المشتقات مختلفة فانها :

تارة : تؤخذ بنحو الفعلية ، كالمالك والضارب وأمثالهما.

واخرى : تؤخذ بنحو الشأنية ، كقولك : هذا السم قاتل ، وهذا الدواء نافع فإن المبدأ قد أخذ في أمثال هذه المشتقات بنحو الشأنية ، لا بنحو الفعلية.

وثالثة : تؤخذ بنحو الحرفة والصنعة كالصائغ ، والبناء ، والكاتب بالمعنى الثاني كقولهم : هذا كاتب السلطان.

ورابعة : تؤخذ بنحو الملكة ، كالمجتهد فان المبدأ قد أخذ فيه بنحو الملكة فالمجتهد يصدق على من له ملكة الاستنباط وان لم يكن مستنبطا بالفعل.

واما الصيغ التي ادعى الاتفاق على وضعها للأعم ، فأما في صيغ المبالغة فقد أخذ المبدأ فيها بنحو الاقتضاء ، لا الفعلية كالعلامة والفهامة والمقدام.

وأما اسماء الأزمنة والامكنة ، كالمشرق والمغرب فقد اخذ المبدأ فيها بنحو قابلية الزمان الخاص للشروق ، والمحل الخاص له ، وأما مثل عاشوراء فإما موضوع لليوم العاشر من المحرم ، او يطلق عليه باعتبار مشابهته لليوم الذي قتل فيه الحسين عليه‌السلام ،

١٦٧

ثم إنه لا يبعد أن يراد بالمشتق في محل النزاع ، مطلق ما كان مفهومه ومعناه جاريا على الذات ومنتزعا عنها ، بملاحظة اتصافها (١) بعرض أو عرضي ولو كان جامدا ، كالزوج والزوجة والرق والحر (٢) ، وإن ابيت

______________________________________________________

فاطلاق مقتل الحسين عليه‌السلام عليه إما باعتبار وضعه ليوم العاشر من المحرم فهو يصدق على كل يوم عاشر منه ، وإما باعتبار المشابهة.

وأما اسم الآلة فانها موضوعة لما اعد لذلك المبدأ لا لمن تلبس بذلك المبدأ بالفعل كما اعترف هو به فإنه قال : إنها موضوعة لما اعد لذلك.

وأما اسم المفعول في الامثلة التي ذكرها فيظهر الجواب عنها مما ذكرنا : من ان انحاء التلبسات مختلفة ، فان المقتول إنما يصدق على غير المتلبس بزهاق الروح بالفعل ، لأن المراد فيه من ليس له روح بواسطة القتل ، لا المتلبس بزهاق الروح بواسطة القتل.

والى هذا الجواب اشار بقوله : «ولعل منشأه توهم كون ما ذكره الخ».

(١) بأن يراد بالمشتق معناه اللغوي : وهو كل مفهوم كان جاريا ومحمولا على الذات لاتصافها بمبدئه ، فان ذلك الاتصاف سبب لانتزاع ذلك المفهوم وحمله عليها سواء كان ذلك المبدأ عرضا من الأعراض ، أو عرضيا : أي أمرا اعتباريا ، كالزوجية والرقية ، فمثل زوج ورق هو من المشتق الداخل في محل النزاع ، ولا يختص النزاع بخصوص المشتق الاصطلاحي وهي الاوصاف المشتقة من المصدر كاسم الفاعل واسم المفعول وغيرهما.

(٢) حيث جعل المبدأ منقسما الى العرض والعرضي فلا يعقل أن يريد من العرضي هو المشتق من العرض كالابيض في اصطلاح المنطقيين. فانه يسمى عندهم بالعرضي ، ولذا قال السبزواري :

١٦٨

إلا عن اختصاص النزاع المعروف بالمشتق ، كما هو قضية الجمود على ظاهر لفظه (١) ، فهذا القسم من الجوامد أيضا محل النزاع. كما يشهد به

______________________________________________________

وعرضي الشيء غير العرض

ذا كالبياض ذاك مثل الأبيض (١).

نعم ، يطلق العرضي على معنيين آخرين وهما غير مرادين للمصنف في المقام ايضا.

فان العرضي يطلق في قبال الذاتي في باب الكليات : أي الجنس ، والفصل ، والنوع ، ومن الواضح ان المراد من العرضي في هذا الاطلاق ما يقابل الجوهر. وعليه فالعرض بجميع مقولاته من العرضي بهذا المعنى ، وهذا ليس بمراد لجعله في مقابل العرض في المقام.

ويطلق العرضي ايضا على ما يقابل الذاتي في باب البرهان : وهو ما ينتزع من نفس ذات الشيء من غير توسط شيء ، كالانقسام بمتساويين للأعداد الزوجية ، والامكان للممكن. ويقابله العرضي وهو ما لا يكفي في انتزاعه نفس الذات ، بل لا بد في انتزاعه من ضم شيء الى الذات ، كالضحك والبياض فانهما لا يكفي في انتزاعهما نفس الذات ، كالامكان والانقسام بمتساويين.

وليس هذا مرادا للمصنف ايضا ، لأنه مثل للعرضي بالرقية والزوجية وجعله في قبال البياض والضحك ، بل غرضه من العرضي هو ما قلناه : وهو المقابل للاعراض جميعها : من الاعراض النسبية كالفوقية : أي مقولة الاضافة والمقولات غير النسبية الاخرى كالبياض : أي كمقولة الكيف وساير المقولات الأخر غير النسبية ، وينحصر مراده على هذا بالامر الانتزاعي الذي يكون مبدؤه من الاعتباريات ، كالزوجية والرقية وامثالهما.

(١) أي اختصاص عنوان النزاع بالمشتق الظاهر منه هو المشتق الاصطلاحي : وهو

__________________

(١) منظومة السبزواري ، قسم المنطق : ص ٢٩ حجري.

١٦٩

ما عن الايضاح في باب الرضاع ، في مسألة من كانت له زوجتان كبيرتان ، أرضعتا زوجته الصغيرة ، ما هذا لفظه (١) : تحرم المرضعة

______________________________________________________

الاوصاف المشتقة من المصدر التي هي في قبال الجوامد ، كالحر والرق والزوج فانها في الاصطلاح ليست من الاوصاف المشتقة.

وبعبارة اخرى : الوصف المشتق في الاصطلاح ما كان له وضعان : وضع للمادة ، ووضع للهيئة ، بخلاف هذه الجوامد فان لها وضعا واحدا : وهو المجموع من المادة بما لها من الهيئة قد وضعت للذات التي اعتبرت لها الزوجية او الرقية.

(١) لتحقق ملاك النزاع في المشتقات في هذا القسم من الجوامد ، ولترتب الثمرة عليه.

أما تحقق ملاك النزاع في هذا القسم من الجوامد ، دون بقية الجوامد كالماء ـ مثلا ـ فلأن ملاك النزاع في المشتق : هو ان تكون ذات تتلبس بالمبدإ في زمان ثم ينعدم المبدأ وتبقى الذات. ففي حال بقاء الذات وانعدام المبدأ وقع الخلاف في ان المشتق في هذه الحال هل يصدق عليها حقيقة كما يدعيه القائل : بأن المشتق موضوع للأعم من المتلبس والمنقضى عنه المبدأ ، أو أن صدقه عليها مجاز كما يدعي ذلك القائل بوضع المشتق لخصوص المتلبس؟. وهذا الملاك في الرق : أي الذات التي تلبست بالرقية في زمان ثم صارت حرة موجودة ، فهل يصدق عليها الرق ام لا؟ او الذات التي تلبست بالزوجية ـ مثلا ـ ثم انتفت الزوجية عنها. فهل يصدق عليها انها زوج ام لا؟

نعم ، هذا الملاك غير موجود في القسم الآخر من الجوامد ، كالماء والتراب ، فان الذات ـ أي المادة ـ بانعدام المائية لا تكون فيها باقية بما أنها شيء من الاشياء موجود بخصوصه وحقيقته لأن شيئية الشيء بصورته ، لا بمادته فاذا انتفت الصورة المائية فقد انتفى الشيء الذي كان ، وتحقق شيء آخر إما حقيقة كالكلب المستحيل ملحا ، او عرفا كالبخار ـ مثلا ـ وليست المادة بنفسها شيئا له وجود منحاز عن وجود الصورة. وسيأتي التعرض لهذا القسم من الجوامد ولقسم من المشتق ايضا قريبا إن شاء الله.

١٧٠

الاولى والصغيرة مع الدخول بالكبيرتين ، وأما المرضعة الاخرى ، ففي تحريمها خلاف ، فاختار والدي المصنف رحمه‌الله وابن ادريس تحريمها لان هذه يصدق عليها أم زوجته ، لانه لا يشترط في المشتق بقاء المشتق منه هكذا هاهنا ، وما عن المسالك في هذه المسألة ، من ابتناء الحكم فيها على الخلاف في مسألة المشتق فعليه كلما كان مفهومه منتزعا من الذات ، بملاحظة اتصافها بالصفات الخارجة عن الذاتيات ـ كانت عرضا أو عرضيا ـ كالزوجية والرقية والحرية وغيرها من الاعتبارات والاضافات ، كان محل النزاع وإن كان جامدا (١) ، وهذا بخلاف ما كان مفهومه

______________________________________________________

واما ترتب الثمرة على هذا القسم من الجوامد فيشهد به ما عن الايضاح ، والمسالك في باب الرضاع ، فيما لو ارضعت زوجتان لشخص زوجة صغيرة له فانهم رتبوا الثمرة على كون المشتق موضوعا للأعم ، أو لخصوص المتلبس.

(١) ملخص الكلام في هذا الفرع : وهو ما اذا ارضعت زوجتاه الكبيرتان زوجته الصغيرة.

ولا يخفى أولا : ان فرض الكلام على ما يظهر منهم : هو فيما لو كان اللبن ليس له ، لأنهم قالوا : بتحريم الصغيرة المرتضعة ، لكونها بنت الزوجة ، ولو كان اللبن له لكان التعليل لتحريمها بكونها بنت الزوج أولى من تعليل التحريم بكونها ربيبته من الرضاعة.

اما الكلام في الفرع المزبور فهو ان نقول إن المرضعة الاولى إما ان تكون مدخولا بها ، أو لا.

فاذا كانت مدخولا بها ، فلا اشكال في حرمة بنتها على الزوج لأنها ربيبته ، والربيبة محرمة مطلقا سواء كانت نسبية او رضاعية. اما النسبية فلقوله تعالى :

١٧١

.................................................................................................

______________________________________________________

(وَرَبائِبُكُمُ)(١) ، واما الرضاعية فلانه : (يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب) (٢) ، ولا اشكال أيضا في أن الربيبة لا يشترط ان تكون موجودة في حال زوجية الأمّ ، بل لو بانت الزوجة ثم تزوجت بشخص آخر وصار لها بنت فانها ربيبة تحرم على زوج أمها الاول.

ومنه اتضح : انه لا اشكال في حرمة المرتضعة الصغيرة فانها بالرضاع تكون بنت الزوجة المدخول بها ، وعند صدق البنتية عليها ترتفع زوجيتها وتحرم على زوج امها.

واما المرضعة الكبيرة فالذي يظهر منهم : عدم الاشكال في حرمتها على الزوج ايضا ، لأنها يصدق عليها انها ام زوجته ، ولا يبتني على النزاع في المشتق.

إلا أن حرمتها بناء على ان المشتق حقيقة في خصوص المتلبس لا تخلو عن الاشكال ، لان امومة المرضعة الكبيرة وبنتية المرتضعة الصغيرة من المتضائفين المتكافئين بالقوة والفعلية ، وفي رتبة واحدة ، وزوجية المرتضعة الصغيرة وكونها بنت الزوجة من المتضادين ، فزمان كونها بنتا لهذه الأمّ زمان ارتفاع زوجيتها.

ومن الواضح ان السبب في حرمة المرضعة الكبيرة على زوجها هو صدق عنوان ام الزوجة عليها ، والمفروض ان زمان كونها اما لهذه المرتضعة هو زمان كون المرتضعة بنتا لها وفي هذا الزمان ترتفع زوجية المرتضعة الصغيرة ، فليس هناك زمان او حال يصدق على هذه المرضعة انها ام الزوجة ، وإن صدق عليها أنها ام هذه المرتضعة ، لما عرفت من ان الامومة والبنتية متضائفان ، والبنتية والزوجية في الصغيرة متضادتان فلا يصدق في حال على هذه الأمّ انها ام الزوجة.

نعم ، لو كان المشتق حقيقة في الاعم لصدق عليها انها أم الزوجة ، وإن ارتفعت زوجية المرتضعة الصغيرة ، أو نقول : إن عنوان ام الزوجة كعنوان الربيبة : أي بنت

__________________

(١) النساء : الآية ٢٣.

(٢) الوسائل ج ١٤ : ٢٨٠ / ١ باب ١ من أبواب ما يحرم بالرضاع.

١٧٢

.................................................................................................

______________________________________________________

الزوجة ، فان سبب تحريم الربيبة هو كون امها زوجة في زمان ما ، فكذلك ام الزوجة يكفي في حرمتها على الزوج ان تكون اما لمن كانت زوجة له ، ولو في زمان ما.

والفرق بين عنوان الربيبة ، وعنوان ام الزوجة : ان الربيبة غير الموجودة في زمان زوجية الأمّ وتوجد بعد ارتفاع زوجية الأمّ يمكن ان تكون نسبية ويمكن ان تكون رضاعية ، بخلاف عنوان ام الزوجة فان النسبية منها لا يعقل ان لا تكون موجودة حال زوجية البنت وتوجد بعد ذلك بان لا تكون ام الزوجة النسبية في حال زوجية البنت ثم تكون بعد زوجية البنت ام الزوجة نسبا او بعد ارتفاع زوجية البنت ، فمثل هذه الأمّ لا بد وان تكون رضاعية ، لا نسبية وهو واضح.

وأما اذا كانت الكبيرة غير مدخول بها فلا تكون المرتضعة الصغيرة ربيبة محرمة فلا تضاد بين بنتيتها وزوجيتها ، واذا لم يكن تضاد بين بنتية الصغيرة المرتضعة وزوجيتها فيصدق على المرضعة الكبيرة انها ام الزوجة ، ويكون التضاد بين امومة الكبيرة وزوجيتها ، فبمجرد كونها اما لهذه المرتضعة ترتفع زوجيتها : أي زوجية المرضعة ، لصدق عنوان ام الزوجة عليها.

واما المرتضعة فليست ربيبة محرمة فينبغي ان لا تحرم ، إلّا أن نقول : إن ارتفاع زوجية الأمّ لا ينافي صدق التقارن بين زوجية الأمّ وزوجية البنت ، ولا يعقل الجمع بين زوجية الأمّ وزوجية البنت في حال واحد ، فيكون الامر كما لو عقد بعقد واحد او بعقدين في زمان واحد على امرأتين فكانت احداهما اما والاخرى بنتا لها فيسقط العقدان معا ، لعدم إمكان الجمع بين هاتين الزوجتين ، فمتى اجتمع عنوان الزوجتين للام والبنت سقطت زوجية الطرفين ، فترتفع زوجية الزوجة المرتضعة الصغيرة لهذا.

واما الزوجة الكبيرة الثانية التي ارضعت هذه الصغيرة بعد ارتضاعها من الزوجة الكبيرة الاولى.

فان كانت هذه الثانية مدخولا بها ، وكانت الزوجة الكبيرة الاولى غير مدخول بها حتى لا تكون المرتضعة الصغيرة بالرضاع الاول ربيبة ، وإن قيل ببطلان زوجيتها

١٧٣

منتزعا عن مقام الذات والذاتيات ، فإنه لا نزاع في كونه حقيقة في خصوص ما إذا كانت الذات باقية بذاتياتها (١).

______________________________________________________

بالرضاع الاول لكنها لم تصر ربيبة محرمة ، لكون المرضعة الكبيرة الاولى غير مدخول بها فبالرضاع الثاني من الزوجة الكبيرة الثانية المدخول بها تكون ربيبة محرمة ، فالدخول بالثانية يجعل الصغيرة المرتضعة ربيبة وان بطلت زوجية المرتضعة بالرضاع الاول.

واما الدخول بالكبيرة الثانية بالنسبة الى حرمة نفسها فلا اثر له ، وكذلك لا اثر له بالنسبة الى حرمة المرضعة الكبيرة الاولى نعم حرمة هذه الزوجة الكبيرة التي هي المرضعة الثانية سواء كانت مدخولا بها أو غير مدخول بها يبتني على احد امرين :

اما وضع المشتق للاعم فيصدق على المرضعة الثانية ام الزوجة ، لصدق الزوجة فعلا على الصغيرة المرتضعة ، وان ارتفعت زوجيتها بالرضاع الاول وصارت محرمة على الزوج فان لازم وضع المشتق للاعم وصدقه على ما انقضى عنه المبدأ هو ذلك.

واما ان نقول انه يكفي في حرمتها ان تكون اما للزوجة ، ولو في زمان ما : أي ولو كانت الزوجية في زمان سابق كما تقدم بيانه في المرضعة الكبيرة الاولى فيكفي في حرمتها كونها اما لزوجة سابقة ، فحصول الزوجية ولو في زمان سابق يكفي في حرمة هذه المرضعة التي صارت اما لها بعد ذلك ، فيكون الامر نظير (لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ)(١) و (السَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما)(٢).

(١) يريد بهذا الكلام بيان : انه يخرج عن حريم النزاع في المقام الجوامد التي لا بقاء لها بعد ارتفاع المبدأ كالماء ، والتراب ، فانه لا بقاء لهما بعد ارتفاع الصورة المائية ، والترابية ، لما عرفت : من ان حقيقة الشيئية بصورتها ، لا بمادتها ، فالمادة وما يجري مجراها ، كالجنس لا تكون شيئا متحصلا الّا بالصورة ، وما يجري مجرى الصورة

__________________

(١) البقرة : الآية ١٢٤.

(٢) المائدة : الآية ٣٨.

١٧٤

ثانيها : قد عرفت أنه لا وجه لتخصيص النزاع ببعض المشتقات الجارية على الذوات ، إلا أنه ربما يشكل بعدم إمكان جريانه في اسم الزمان ، لان الذات فيه وهي الزمان بنفسه ينقضي وينصرم ، فكيف يمكن أن يقع النزاع في أن الوصف الجاري عليه حقيقة في خصوص المتلبس بالمبدإ في الحال أو فيما يعم المتلبس به في المضي.

______________________________________________________

كالفصل. فالحيوان ـ مثلا ـ بعد ذهاب الناطقية لا يكون شيئا متحصلا حتى يقال : انه يصدق عليه الناطق ، او لا يصدق.

ومن هنا يتبين : انه يخرج عن حريم النزاع قسم من المشتقات ايضا ، كالناطق فانه بعد ذهاب الناطقية من الانسان لا بقاء لذات الإنسان بعد ارتفاع الناطقية ، ومثله المنقسم بمتساويين فانه لا بقاء لذات الزوجية حيث لا تنقسم بمتساويين ولا بد من كونها فردا من الاعداد حينئذ ، وكلام المصنف يشمله ايضا لانه قال : «بخلاف ما كان مفهومه منتزعا عن مقام الذات والذاتيات» سواء كان ذلك المفهوم مأخوذا عن مبدأ مثل الترابية والناطقية أو مثل الانقسام بمتساويين.

إلّا انه فرق بين الجوامد كالماء والتراب ، وبين هذا القسم من المشتقات كالناطق والمنقسم ، فانه لا تعدد للوضع في الجوامد ، بخلاف المشتقات فان الوضع فيها متعدد والنزاع في وضع الهيئة ، فلا منافاة في دخول امثال هذه المشتقات في حريم النزاع : من ان هيئاتها هل هي موضوعة للاعم او لخصوص المتلبس؟ وان كان لا ثمرة للنزاع فيها لعدم بقاء الذات بعد ارتفاعها. إلّا انه على كل حال لا ينبغي النزاع فيما لا ثمرة فيه.

فتحصل مما ذكرنا : ان ثمرة النزاع في قسم من المشتقات ، وقسم من الجوامد : وهي التي يكون للذات بقاء بعد ارتفاع مبادئ المشتقات والجوامد عنها كالضارب والزوج. ويخرج عن الثمرة قسم من المشتقات ، كالناطق والمنقسم بمتساويين ، ومن الجوامد ما هو كالماء والتراب.

١٧٥

ويمكن حل الاشكال : بأن انحصار مفهوم عام بفرد ـ كما في المقام ـ لا يوجب أن يكون وضع اللفظ بإزاء الفرد دون العام ، وإلا لما وقع الخلاف فيما وضع له لفظ الجلالة ، مع أن الواجب موضوع للمفهوم العام ، مع انحصاره فيه تبارك وتعالى (١).

______________________________________________________

(١) قد ذكرنا فيما تقدم : ان النزاع في المقام جار في جميع المشتقات الجارية على الذات بعد انقضاء المبدأ ، وان النزاع غير مختص ببعضها ، كما ذكره صاحب الفصول ، بل يعم جميع المشتقات ، إلا انه قد ذكر اشكال في خصوص اسم الزمان يوجب خروجه عن حريم النزاع ، لا لما ذكره صاحب الفصول : من الاتفاق على وضعه للاعم ، بل لاجل عكس ذلك ، وان اسم الزمان لا بد من وضع المشتق فيه لخصوص المتلبس ، ولا معنى لوضعه للاعم ، لان الوضع للاعم انما يعقل حيث يكون للذات بقاء بعد ارتفاع المبدأ عنها ، ولا يتاتى هذا الأمر في الزمان ، لانه سيال متصرم بذاته ، لا بقاء لذاته بعد انقضاء المبدأ ، وتنعدم ذاته بانعدام مبدئه.

فالزمان الذي يحصل فيه القتل ـ مثلا ـ لا يعقل ان يكون له بقاء بعد انعدام القتل حتى يمكن وضع اللفظ فيه للاعم ، بل هو منقض ومنعدم بذاته بانعدام القتل الذي حل فيه ، فاللفظ فيه موضوع لخصوص المتلبس.

وقد اجاب عنه بما حاصله : ان النزاع في المشتق انما هو في وضع هيئته ، فلا مانع من القول : بان الهيئة في اسم الزمان كالهيئة في غيره من المشتقات موضوعة للاعم من المتلبس ، والمنقضى عنه.

نعم ، انحصر هذا اللفظ الموضوع للمفهوم العام بمصداق واحد وهو خصوص المتلبس. واي مانع من الوضع لمعنى عام لكن مصداقه يكون منحصرا في الفرد. ولو كان انحصار العام في فرد مانعا عن وضع اللفظ للمفهوم العام وموجبا للوضع لخصوص الفرد لما كان ينبغي ان يقع النزاع في : ان لفظ الجلالة : وهو الله ، هل هو

١٧٦

.................................................................................................

______________________________________________________

موضوع لخصوص ذاته تبارك وتعالى ، أو أنه موضوع لمفهوم عام : وهو المعبود بالحق ، ولكن مصداقه منحصر في الفرد.

بل كان ينبغي ان يقع الاتفاق على وضعه لخصوص الذات المقدسة ، لعدم صحة وضع اللفظ العام مع انحصاره بالفرد. والى هذا الجواب اشار بقوله : «والّا لما وقع الخلاف فيما وضع له لفظ الجلالة».

واشار الى نقض آخر على هذا الاشكال بقوله : «مع ان الواجب موضوع للمفهوم العام الى آخره».

وحاصله : ان الوضع للمفهوم العام مع انحصاره في الفرد الخاص متحقق ، وهو مفهوم الواجب فانه موضوع للمفهوم العام وهو مفهوم واجب الوجود ، وهذا المفهوم العام منحصر في الفرد ، ولا اشكال ان لفظ الواجب موضوع لمعنى عام وينحصر بالفرد ، فالانحصار بالفرد لا يمنع الوضع للمفهوم العام فلا مانع من ان يكون اسم الزمان موضوعا للمفهوم العام لكنه منحصر في الفرد.

ولا يخفى انه اولا : لا ينبغي افراد هذا الاشكال في اسم الزمان بأمر يخصه ، بل ينبغي الحاقه بالامر الاول ، لأنه من توابعه.

وثانيا : ان النزاع في المسائل الاصولية ينبغي ان يكون فيما تترتب عليه الثمرة ، ولا اشكال في عدم ترتب الثمرة على اسم الزمان بعد ان كان لا بقاء لذاته ، فهو وان شمله العنوان وكان الموضوع له فيه المفهوم العام ، إلا انه حيث لا ثمرة فيه فلا ينبغي التعرض له لدخوله ، او خروجه فانه لا يترتب عليه الّا امر علمي فقط.

وثالثا : ان قوله : ان الواجب موضوع للمفهوم العام المنحصر بالفرد غير مسلم ، فإن لفظ الواجب موضوع لمفهوم واجب الوجود وهذا المفهوم غير منحصر بالفرد ، بل يصدق على الممكن الموجود ، لأن الممكن ما لم يجب وجوده لم يوجد والذي يختص به تبارك وتعالى هو مفهوم واجب الوجود بالذات ، وهو مركب لا بسيط ، والكلام في الالفاظ الموضوعة للمفاهيم البسيطة.

١٧٧

ثالثها : إن من الواضح خروج الافعال والمصادر المزيد فيها عن حريم النزاع ، لكونها غير جارية على الذوات ، ضرورة أن المصادر المزيد فيها كالمجردة في الدلالة على ما يتصف به الذوات ويقوم بها كما لا يخفى ـ وإن الافعال إنما تدل على قيام المبادي بها قيام صدور أو حلول أو طلب فعلها أو تركها منها ، على اختلافها (١).

______________________________________________________

(١) قد تقدم ان محل النزاع : هو المشتقات الجارية على الذات المحمولة عليها بحمل المواطاة وبهذا القيد قد خرجت الافعال عن حريم النزاع ، إلا ان خروجها كان بالمفهوم العام. وفي هذا الامر تعرض لخروجها بمفاهيمها الخاصة وإنما نص على المصادر المزيد فيها دون المجردة ، لعدم توهم دخولها في المشتق ، فان المصادر المجردة عندهم مبدأ للمشتقات واصل ، فهي ليست من المشتقات ، بخلاف المصادر المزيد فيها ، فانها من المشتقات عندهم.

والحق ان المصادر المجردة ايضا من المشتقات ، فإن الفرق بين المشتق والمصدر هو كون المشتق مشتملا على مادة ونسبة ، بخلاف المصدر فإنه يشتمل على المادة فقط من دون أي نسبة ، لوضوح ان النسب ترد على ما لا نسبة فيه ، ولا يعقل ورود نسبة على نسبة ، فان الهيئة الواردة على المادة للدلالة على تشخصها بالنسبة هي كالصورة الواردة على المادة لاجل تحققها وكونها شيئا من الاشياء ، ولا يعقل ان ترد صورة على صورة ، فلا يعقل ان ترد نسبة على المادة المنتسبة.

وحيث انهم فرقوا بين المصدر والمبدأ : بان المصدر مشتمل على نسبة ناقصة بخلاف المبدأ فانه موضوع لنفس المادة التي لا نسبة لها اصلا ، وان الفرق بين المبدأ والمصدر كالفرق بين ملاحظة نفس العرض ، وبين ملاحظته بما هو عرض ، والاول هو المبدأ والثاني هو المصدر ، فالمصدر ـ حينئذ ـ يشتمل على نسبة ناقصة ، وكلما اشتمل على نسبة فهو مشتق من المشتقات.

١٧٨

إزاحة شبهة : قد اشتهر في ألسنة النحاة دلالة الفعل على الزمان ، حتى أخذوا الاقتران بها في تعريفه (١). وهو اشتباه ، ضرورة عدم دلالة

______________________________________________________

والاولى ان يجعلوا اسم المصدر هو المبدأ المشتق منه ، بل الاولى ان يكون نفس الضاد والراء والباء هو المبدأ من دون تهيئها باي هيئة ، ولو بان لا تكون الهيئة دالة على نسبة ، بل جاءت لان يتشخص بها مادة الحروف ، كالهيئة في اسم المصدر فانها قد جاءت لاجل ان تتشخص بها مادة الحروف ، لوضوح انها لا توجد بنفسها من دون هيئة ، لا لأن تدل على نسبة فاذا ثبت ان المصادر المجردة من المشتقات كالمصادر المزيد فيها يكون السبب في خروجها عن حريم النزاع هو كونها غير جارية على الذات ، ولا تحمل عليها حمل المواطاة ، وانها كالافعال تستند الى الذات ولا تحمل عليها ، وليس كلما يسند الى الذات يحمل عليها حمل المواطاة ، فان الفعل الماضي والمضارع يدلان على قيام مباديهما بالذات قيام صدور ، او قيام حلول ، كضرب ، وقام ، ويضرب ، ويقوم. وفعل الامر يدل على طلب فعل مبدئه او تركه ، وان القائم بالذات هو طلب المبدأ. والسبب في خروجها ما ذكرنا : من عدم جريها على الذات.

(١) أي رفع اشتباه جرى على السنة النحاة ، فانهم فرقوا بين الاسم ، والفعل : بان الفعل يدل على الزمان ، بخلاف الاسم فانه لا دلالة له على الزمان.

وفرقوا بين الماضي والمضارع : بان الماضي ما دل على الحدث المقترن بزمان انقضى ، والمضارع ما دل على الحدث المقترن بزمان الحال او الاستقبال ، والامر ما دل على طلب الفعل المقترن بزمان الحال فقط. فضرب ـ مثلا ـ تدل عندهم على صدور هذا المبدأ من الفاعل في زمان مضى وانقضى ، ويضرب تدل على حصول الضرب منه في الحال ، او في ما يأتي من الزمان ، واضرب تدل على طلب الضرب في زمان الحال : وهذا من الاشتباه ، وان الفعل لا دلالة له على الزمان اصلا لا ماضيه ، ولا مضارعه ، ولا امره ولا يصح اخذ الاقتران بالزمان في تعريفه.

١٧٩

الامر ولا النهي عليه ، بل على إنشاء طلب الفعل أو الترك ، غاية الامر نفس الانشاء بهما في الحال ، كما هو الحال في الاخبار بالماضي أو

______________________________________________________

ولا يخفى ان مراد النحاة من الزمان المقترن بالحدث الذي يدل عليه الفعل هو دلالة الفعل عليه بنحو التضمن ، وكون الزمان جزء مدلوله المطابقي ، فغرضهم من الدلالة على الزمان : هي الدلالة التضمنية ، لا الدلالة الالتزامية فان المصنف لا ينكر دلالة الافعال على الزمان بالالتزام في بعض المقامات ، وهو ما اذا كان هناك اطلاق وكان الاسناد في الافعال الى الزمانيات كما سيأتي توضيحه.

واتضح مما ذكرنا ايضا : ان الزمان المقترن بالفعل عند النحاة ما هو زمان بالحمل الشائع ، لا مفهوم الزمان. ولا يخفى ايضا : ان مرادهم من نسبة المضي والاستقبال والحال هو نسبتها الى زمان التكلم ، فضرب يدل على الزمان الماضي بالنسبة الى زمان التكلم ، وكذلك المضارع والامر.

وما يمكن ان يستدل به لهم امران :

الاول : تنصيص اهل اللغة.

والثاني : دعوى التبادر.

ويرد على الدعوى الاولى : انه لو قلنا بحجية قول اللغوي لا نقول به في المقام ، لأنه من المستبعد جدا ، بل من المقطوع بعدمه ان تنصيص اهل اللغة مستند الى اطلاعهم على قصد الواضع لهذه الالفاظ في حال وضعها ، وانما حالهم بالنسبة الى معاني الافعال في خصوص دخول الزمان ، وعدمه. وحالنا بل وحال العرب الجارين على سنن الواضع العربي الاول على حد سواء ، وان السبب في تنصيصهم توهم تبادر الزمان من معاني هذه الافعال. فالعمدة : هي دعوى التبادر.

ويرد عليها ما سيتضح : انه لا يتبادر الزمان منها على وجه دخوله في معانيها بنحو التضمن ، بل المتبادر منها امر يلزمه الدلالة على الزمان التزاما ، لا تضمنا في بعض المقامات.

١٨٠