البيان في تفسير القرآن

آية الله السيّد أبو القاسم الموسوي الخوئي

البيان في تفسير القرآن

المؤلف:

آية الله السيّد أبو القاسم الموسوي الخوئي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة إحياء آثار الإمام الخوئي قدّس سرّه
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٧٦

أضواء على القرّاء

١٢١

ـ حال القراء السبعة وهم : عبد الله بن عامر. ابن كثير المكي. عاصم بن بهدلة الكوفي. أبو عمرو البصري. حمزة الكوفي. نافع المدني. الكسائي الكوفي.

ـ ثلاثة قراء آخرون هم : خلف بن هشام البزار. يعقوب بن إسحاق. يزيد بن القعقاع.

١٢٢

تمهيد :

لقد اختلفت الآراء حول القراءات السبع المشهورة بين الناس ، فذهب جمع من علماء أهل السنة إلى تواترها عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وربما ينسب هذا القول الى المشهور بينهم. ونقل عن السبكي القول بتواتر القراءات العشر (١) وأفرط بعضهم فزعم أن من قال إن القراءات السبع لا يلزم فيها التواتر فقوله كفر. ونسب هذا الرأي إلى مفتي البلاد الاندلسية أبي سعيد فرج ابن لب (٢).

والمعروف عند الشيعة أنها غير متواترة ، بل القراءات بين ما هو اجتهاد من القارئ وبين ما هو منقول بخبر الواحد. واختار هذا القول جماعة من المحققين من علماء أهل السنة. وغير بعيد أن يكون هذا هو المشهور بينهم ـ كما ستعرف ذلك ـ وهذا القول هو الصحيح. ولتحقيق هذه النتيجة لا بد لنا من ذكر أمرين :

الأول : قد أطبق المسلمون بجميع نحلهم ومذاهبهم على أن ثبوت القرآن ينحصر طريقة بالتواتر. واستدل كثير من علماء السنة والشيعة على ذلك : بأن القرآن تتوافر الدواعي لنقله ، لأنه الأساس للدين الإسلامي ، والمعجز الإلهي لدعوة نبي المسلمين. وكل شيء تتوفر الدواعي لنقله لا بد وأن يكون متواترا. وعلى ذلك فما كان نقله بطريق الآحاد لا يكون من القرآن قطعا.

نعم ذكر السيوطي : «أن القاضي أبا بكر قال في الانتصار : ذهب قوم من الفقهاء

__________________

(١) مناهل العرفان للزرقاني : ص ٤٣٣.

(٢) نفس المصدر : ص ٤٢٨.

١٢٣

والمتكلمين الى إثبات قرآن حكما لا علما بخبر الواحد دون الاستفاضة وكره ذلك أهل الحق ، وامتنعوا منه» (١).

وهذا القول الذي نقله القاضي واضح الفساد ـ لنفس الدليل المتقدم ـ وهو أن توفر الدواعي للنقل دليل قطعي على كذب الخبر إذا اختص نقله بواحد أو اثنين. فإذا أخبرنا شخص أو شخصان بدخول ملك عظيم الى بلد ، وكان دخول ذلك الملك الى ذلك البلد مما يمتنع في العادة أن يخفى على الناس ، فإنا لا نشك في كذب هذا الخبر إذا لم ينقله غير ذلك الشخص أو الشخصين ، ومع العلم بكذبه كيف يكون موجبا لاثبات الآثار التي تترتب على دخول الملك ذلك البلد. وعلى ذلك ، فإذا نقل القرآن بخبر الواحد ، كان ذلك دليلا قطعيا على عدم كون هذا المنقول كلاما إلهيا ، وإذا علم بكذبه ، فكيف يمكن التعبد بالحكم الذي يشتمل عليه.

وعلى كل حال فلم يختلف المسلمون في أن القرآن ينحصر طريق ثبوته والحكم بأنه كلام إلهي بالخبر المتواتر.

وبهذا يتضح أنه ليست بين تواتر القرآن ، وبين عدم تواتر القراءات أية ملازمة ، لأن أدلة تواتر القرآن وضرورته لا تثبت ـ بحال من الأحوال ـ تواتر قراءاته ، كما ان أدلة نفي تواتر القراءات لا تتسرب إلى تواتر القرآن بأي وجه وسيأتي بيان ذلك ـ في بحث «نظرة في القراءات» ـ على وجه التفصيل.

الثاني : ان الطريق الأفضل إلى إثبات عدم تواتر القراءات هو معرفة القرّاء أنفسهم ، وطرق رواتهم ، وهم سبعة قراء. وهناك ثلاثة آخرون تتمّ بهم العشرة ، نذكرهم عقيب هؤلاء. وإليك تراجمهم ، واستقراء أحوالهم واحدا بعد واحد :

__________________

(١) الإتقان : ١ / ٢٤٣ ، في النوع ٢٢ ـ ٢٧ الطبعة الثالثة.

١٢٤

١

عبد الله بن عامر الدمشقي

هو أبو عمران اليحصبي. قرأ القرآن على المغيرة بن أبي شهاب. قال الهيثم بن عمران : «كان عبد الله بن عامر رئيس أهل المسجد زمان الوليد بن عبد الملك ، وكان يزعم أنه من حمير ، وكان يغمز في نسبه». وقال العجلي والنسائي : «ثقة».

وقال أبو عمرو الداني : «ولي قضاء دمشق بعد بلال بن أبي الدرداء ... اتخذه أهل الشام إماما في قراءته واختياره» (١). وقال ابن الجزري : «وقد ورد في اسناده تسعة أقوال أصحها أنه قرأ على المغيرة». ونقل عن بعض أنه قال : «لا يدري على من قرأ». ولد سنة ثمان من الهجرة. وتوفي سنة ١١٨ (٢).

ولعبد الله راويان رويا قراءته ـ بوسائط ـ وهما : هشام ، وابن ذكوان.

أما هشام : فهو ابن عمار بن نصير بن ميسرة ، أخذ القراءة عرضا عن أيوب بن تميم. قال يحيى بن معين : «ثقة». وقال النسائي : «لا بأس به». وقال الدار قطني : «صدوق كبير المحل». ولد سنة ١٥٣ وتوفي سنة ٢٤٥ (٣).

__________________

(١) تهذيب التهذيب : ٥ / ٢٧٤.

(٢) طبقات القراء : ٤٠٤.

(٣) طبقات القراء : ٢ / ٣٥٤ ـ ٣٥٦.

١٢٥

وقال الآجري عن أبي داود : «إن أبا أيوب ـ يعني سليمان بن عبد الرحمن ـ خير منه ، حدّث هشام بأربعمائة حديث مسند ليس لها أصل».

وقال ابن وارة : «عزمت زمانا أن امسك عن حديث هشام ، لأنه كان يبيع الحديث».

وقال صالح بن محمد : «كان يأخذ عليّ الحديث ، ولا يحدث ما لم يأخذ ... قال المروزي : ذكر أحمد هشاما فقال : «طياش خفيف» وذكر له قصة في اللفظ بالقرآن أنكر عليه أحمد حتى أنه قال : «إن صلوا خلفه ، فليعيدوا الصلاة» (١).

أقول فيمن روى القراءة عنه خلاف ، فليراجع كتاب الطبقات وغيره.

وأما ابن ذكوان : فهو عبد الله بن أحمد بن بشير ، ويقال : بشير بن ذكوان. أخذ القراءة عرضا عن أيوب بن تميم. قال أبو عمرو الحافظ : «وقرأ على الكسائي حين قدم الشام». ولد يوم عاشوراء سنة ١٧٣ ، وتوفي سنة ٢٤٢ (٢).

أقول : والحال في من روى القراءة عنه كما تقدم.

__________________

(١) تهذيب التهذيب ج ١١ ص ٥٢ ـ ٥٤.

(٢) طبقات القراء : ١ / ٤٠٣.

١٢٦

٢

ابن كثير المكي

هو عبد الله بن كثير بن عمرو بن عبد الله بن زاذان بن فيروزان بن هرمز المكي الداري ، فارسي الأصل. أخذ القراءة عرضا ـ على ما في كتاب التيسير ـ عن عبد الله بن السائب فيما قطع به الحافظ أبو عمرو الداني وغيره ، وضعف الحافظ ـ أبو العلاء الهمداني ـ هذا القول ، وقال : «إنه ليس بمشهور عندنا» وعرض أيضا على مجاهد بن جبر ، ودرباس مولى عبد الله بن عباس. ولد بمكة سنة ٤٥ وتوفي سنة ١٢٠ (١). قال علي بن المديني : «كان ثقة». وقال ابن سعد : «ثقة». وذكر أبو عمرو الداني أنه : «أخذ القراءة عن عبد الله بن السائب المخزومي». والمعروف انه إنما أخذها عن مجاهد (٢).

ولعبد الله بن كثير راويان ـ بوسائط ـ هما : البزي ، وقنبل.

أما البزي : فهو أحمد بن محمد بن عبد الله بن القاسم بن نافع بن أبي بزة ، اسمه بشار ، فارسي من أهل همدان ، أسلم على يد السائب بن أبي السائب المخزومي.

__________________

(١) نفس المصدر : ١ / ٤٤٣ ـ ٤٤٥.

(٢) تهذيب التهذيب : ٥ / ٣٧.

١٢٧

قال ابن الجزري : «أستاذ محقق ضابط متقن». ولد سنة ١٧٠ وتوفي ٢٥٠ (١).

قرأ البزي على أبي الحسن أحمد بن محمد بن علقمة المعروف بالقواس ، وعلى أبي الإخريط وهب بن واضح المكي ، وعلى عبد الله بن زياد بن عبد الله بن يسار المكي (٢). قال العقيلي : «منكر الحديث» ، وقال أبو حاتم : «ضعيف الحديث لا أحدث عنه» (٣).

أقول : الكلام في من أخذ القراءة عنه كما تقدم.

وأما قنبل : فهو محمد بن عبد الرحمن بن خالد بن محمد أبو عمرو المخزومي مولاهم المكي. أخذ القراءة عرضا عن أحمد بن محمد بن عون النبّال ، وهو الذي خلّفه بالقيام بها بمكة ، وروى القراءة عن البزي. انتهت إلى قنبل رئاسة الأقراء بالحجاز ... وكان على الشرطة بمكة. ولد سنة ١٩٥ وتوفي ٢٩١ (٤). ولي الشرطة فخربت سيرته ، وكبر سنه وهرم ، وتغير تغيرا شديدا ، فقطع الأقراء قبل موته بسبع سنين (٥).

أقول : الكلام في رواة قراءته كما تقدم.

__________________

(١) طبقات القراء : ١ / ١١٩.

(٢) النشر في القراءات العشر : ١ / ١٢٠.

(٣) لسان الميزان : ١ / ٢٨٣.

(٤) طبقات القراء : ٢ / ٢٠٥.

(٥) لسان الميزان : ٥ / ٢٤٩.

١٢٨

٣

عاصم بن بهدلة الكوفي

هو ابن أبي النجود أبو بكر الأسدي مولاهم الكوفي. أخذ القراءة عرضا عن زر ابن حبيش ، وأبي عبد الرحمن السلمي ، وأبي عمرو الشيباني. قال أبو بكر بن عياش : «قال لي عاصم : ما أقرأني أحد حرفا إلا أبو عبد الرحمن السلمي ، وكنت أرجع من عنده فأعرض على زر». وقال حفص : «قال لي عاصم : ما كان من القراءة التي أقرأتك بها في القراءة التي قرأت بها على أبي عبد الرحمن السلمي عن علي ، وما كان من القراءة التي أقرأتها أبا بكر بن عياش فهي القراءة التي كنت أعرضها على زر بن حبيش عن ابن مسعود» (١).

قال ابن سعد : «كان ثقة إلا أنه كان كثير الخطأ في حديثه». وقال عبد الله بن أحمد ، عن أبيه : «كان خيّرا ثقة ، والأعمش أحفظ منه». وقال العجلي : «كان صاحب سنة وقراءة ، وكان ثقة رأسا في القراءة ... وكان عثمانيا». وقال يعقوب بن سفيان : «في حديثه اضطراب وهو ثقة». وقد تكلم فيه ابن علية ، فقال : «كان كل من اسمه عاصم سيّئ الحفظ». وقال النسائي : «ليس به بأس». وقال ابن خراش :

__________________

(١) طبقات القراء : / ٣٤٨١.

١٢٩

«في حديثه نكرة». وقال العقيلي : «لم يكن فيه إلا سوء الحفظ». وقال الدارقطني : «في حفظه شىء». وقال حماد بن سلمة : «خلط عاصم في آخر عمره». مات سنة ١٢٧ أو سنة ١٢٨ (١).

ولعاصم بن بهدلة راويان بغير واسطة هما : حفص ، وأبو بكر :

أما حفص : فهو ابن سليمان الأسدي ، كان ربيب عاصم. قال الذهبي : «أما القراءة فثقة ثبت ضابط لها. بخلاف حاله في الحديث» أو ذكر حفص : «أنه لم يخالف عاصما في شىء من قراءته إلى في حرف ... «الروم سورة ٣ آية ٥٤» (اللهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ...) قرأه بالضم وقرأ عاصم بالفتح» ولد سنة ٩٠ وتوفي سنة ١٨٠ (٢). وقال ابن أبي حاتم عن عبد الله عن أبيه : «متروك الحديث». وقال عثمان الدارمي وغيره عن ابن معين : «ليس بثقة». وقال ابن المديني : «ضعيف الحديث ، وتركته على عمد». وقال البخاري : «تركوه». وقال مسلم : «متروك». وقال النسائي : «ليس بثقة ، ولا يكتب حديثه». وقال صالح بن محمد : «لا يكتب حديثه وأحاديثه كلها مناكير». وقال ابن خراش : «كذاب متروك يضع الحديث». وقال ابن حيان : «كان يقلب الأسانيد ، ويرفع المراسيل». وحكى ابن الجوزي في الموضوعات عن عبد الرحمن بن مهدي قال : «والله ما تحل الرواية عنه». وقال الدار قطني : «ضعيف» وقال الساجي : «حفص ممن ذهب حديثه ، عنده مناكير» (٣).

أقول : الحال فيمن روى القراءة عنه كما تقدم.

وأما أبو بكر : فهو شعبة بن عياش بن سالم الحناط الأسدي الكوفي قال ابن

__________________

(١) تهذيب التهذيب : ٥ / ٣٩.

(٢) طبقات القراء : ١ / ٢٥٤.

(٣) تهذيب التهذيب : ٢ / ٤٠١.

١٣٠

الجزري : «عرض القرآن على عاصم ثلاث مرات ، وعلى عطاء بن السائب ، وأسلم المنقري وعمّر دهرا إلا أنه قطع الأقراء قبل موته بسبع سنين ، وقيل بأكثر ، وكان إماما كبيرا عالما عاملا ، وكان يقول : «أنا نصف الإسلام». وكان من أئمة السنة. ولما حضرته الوفاة بكت أخته فقال لها : ما «يبكيك ، انظري الى تلك الزاوية فقد ختمت فيها ثمان عشرة ألف ختمة». ولد سنة ٩٥ وتوفي سنة ١٩٣ ، وقيل ١٩٤ (١). قال عبد الله بن أحمد عن أبيه : «ثقة وربما غلط». وقال عثمان الدارمي : «وليس بذاك في الحديث». وقال ابن أبي حاتم : «سألت أبي عن أبي بكر بن عياش ، وأبي الأحوص فقال : ما أقربهما». وقال ابن سعد : «كان ثقة صدوقا عارفا بالحديث والعلم ، إلا أنه كثير الغلط». وقال يعقوب بن شيبة : «في حديثه اضطراب». وقال أبو نعيم : «لم يكن في شيوخنا أحد أكثر غلطا منه». وقال البزار : «لم يكن بالحافظ» (٢).

__________________

(١) طبقات القراء : ١ / ٣٢٥ ـ ٣٢٧.

(٢) تهذيب التهذيب : ١٢ / ٣٥ ـ ٣٧.

١٣١

٤

أبو عمرو البصيري

هو زبان بن العلاء بن عمار المازني البصري. قيل إنه من فارس. توجه مع أبيه لما هرب من الحجاج ، فقرأ بمكة والمدينة ، وقرأ أيضا بالكوفة والبصرة على جماعة كثيرة ، فليس في القراء السبعة أكثر شيوخا منه. ولقد كانت الشام تقرأ بحرف ابن عامر إلى حدود الخمسمائة فتركوا ذلك ، لأن شخصا قدم من أهل العراق ، وكان يلقن الناس بالجامع الاموي على قراءة أبي عمرو ، فاجتمع عليه خلق ، واشتهرت هذه القراءة عنه.

قال الأصمعي : سمعت أبا عمرو يقول : «ما رأيت أحدا قبلي أعلم مني». ولد سنة ٦٨. قال غير واحد : مات سنة ١٥٤ (١).

قال الدوري عن ابن معين : «ثقة». وقال أبو خيثمة : «كان أبو عمرو بن العلاء رجلا لا بأس به ولكنه لم يحفظ». وقال نصر بن علي الجهضمي عن أبيه : قال لي شعبة : «انظر ما يقرأ به أبو عمرو ، فما يختاره لنفسه فاكتبه ، فإنه سيصير للناس استاذا». وقال أبو معاوية الأزهري في التهذيب : «كان من أعلم الناس بوجوه

__________________

(١) طبقات القراء : ١ / ٢٨٨ ـ ٢٩٢.

١٣٢

القراءات ، وألفاظ العرب ، ونوادر كلامهم ، وفصيح أشعارهم» (١).

ولقراءة أبي عمرو راويان بواسطة يحيى بن المبارك اليزيدي ، هما : الدوري ، والسوسي.

أما يحيى بن المبارك : فقال ابن الجزري : «نحوي مقرئ ، ثقة عمّة كبير». نزل بغداد وعرف باليزيدي لصحبته يزيد بن منصور الحميري خال المهدي ، فكان يؤدب ولده. أخذ القراءة عرضا عن أبي عمرو ، وهو الذي خلّفه بالقيام بها ، وأخذ أيضا عن حمزة.

روى القراءة عنه أبو عمرو الدوري ، وأبو شعيب السوسي ، وله اختيار خالف فيه أبا عمرو في حروف يسيرة. قال ابن مجاهد : «وإنما عولنا على اليزيدي ـ وإن كان سائر أصحاب أبي عمرو أجلّ منه ـ لأجل أنه انتصب للرواية عنه ، وتجرّد لها ، ولم يشتغل بغيرها ، وهو أضبطهم». توفي سنة ٢٠٢ بمرو. وله أربع وسبعون سنة. وقيل : بل جاوز التسعين ، وقارب المائة (٢).

وأما الدوري : فهو حفص بن عمرو بن عبد العزيز الدوري الازدي البغدادي. قال ابن الجزري : «ثقة ثبت كبير ضابط أول من جمع القراءات». توفي في شوال سنة ٢٤٦ (٣).

قال الدار قطني : «ضعيف». وقال العقيلي : «ثقة» (٤).

أقول : الكلام فيمن أخذ القراءة عنه كما تقدم.

__________________

(١) تهذيب التهذيب : ١٢ / ١٧٨ ـ ١٨٠.

(٢) طبقات القراء : ٢ / ٣٧٥ ـ ٣٧٧.

(٣) نفس المصدر : ١ / ٢٥٥.

(٤) تهذيب التهذيب : ٢ / ٤٠٨.

١٣٣

وأما السوسي : فهو أبو شعيب صالح بن زياد بن عبد الله. قال ابن الجزري : «ضابط محرر ثقة». أخذ القراءة عرضا وسماعا عن أبي محمد اليزيدي ، وهو من أجلّ أصحابه. مات أول سنة ٢٦١ ، وقد قارب السبعين (١). قال أبو حاتم : «صدوق». وقال النسائي : «ثقة». وذكره ابن حيان في الثقات. وذكر أبو عمرو الداني : «أن النسائي روى عنه القراءات ، وضعفه مسلم بن قاسم الأندلسي بلا مستند» (٢).

أقول : الكلام فيمن أخذ القراءة عنه كما تقدم.

__________________

(١) طبقات القراء : ١ / ٣٣٢.

(٢) تهذيب التهذيب : ٤ / ٣٩٢.

١٣٤

٥

حمزة الكوفي

هو ابن حبيب بن عمارة بن إسماعيل أبو عمارة الكوفي التميمي ، أدرك الصحابة بالسن. أخذ القراءة عرضا عن سليمان الأعمش ، وحمران بن أعين. وفي كتاب «الكفاية الكبرى والتيسير» عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، وطلحة بن مصرف ، وفي كتاب «التيسير» عن مغيرة بن مقسم ومنصور وليث ابن أبي سليم ، وفي كتاب «التيسير والمستنير» عن جعفر بن محمد الصادق عليه‌السلام قالوا : «استفتح حمزة القرآن من حمران ، وعرض على الأعمش وأبي إسحاق وابن أبي ليلى ، وإليه صارت الإمامة في القراءة بعد عاصم والأعمش وكان إماما حجة ثقة ثبتا عديم النظير».

قال عبد الله العجلي : قال أبو حنيفة لحمزة : «شيئان غلبتنا عليهما لسنا ننازعك فيهما : القرآن والفرائض».

وقال سفيان الثوري : «غلب حمزة الناس على القرآن والفرائض».

وقال عبد الله بن موسى : «وكان شيخه الأعمش إذا رآه قد أقبل يقول : هذا حبر

١٣٥

القرآن». ولد سنة ٨٠ وتوفي سنة ١٥٦ (١).

قال ابن معين : «ثقة). وقال النسائي : «ليس به بأس». وقال العجلي : «ثقة رجل صالح». وقال ابن سعد : «كان رجلا صالحا عنده أحاديث وكان صدوقا صاحب سنة». وقال الساجي : «صدوق سيئ الحفظ ليس بمتقن في الحديث». وقد ذمّه جماعة من أهل الحديث في القراءة. وأبطل بعضهم الصلاة باختياره من القراءة. وقال الساجي أيضا والازدي : «يتكلمون في قراءته وينسبونه إلى حالة مذمومة فيه».

وقال الساجي أيضا : «سمعت سلمة بن شبيب يقول : كان أحمد يكره أن يصلي خلف من يصلي بقراءة حمزة». وقال الآجري عن أحمد بن سنان : «كان يزيد ـ يعني ابن هارون ـ يكره قراءة حمزة كراهية شديدة». قال أحمد بن سنان : سمعت ابن مهدي يقول : «لو كان لي سلطان على من يقرأ قراءة حمزة لأوجعت ظهره وبطنه». وقال أبو بكر بن عياش : «قراءة حمزة عندنا بدعة». وقال ابن دريد : «إني لأشتهي أن يخرج من الكوفة قراءة حمزة» (٢).

ولقراءة حمزة راويان بواسطة ، هما : خلف بن هشام ، وخلاد بن خالد :

أما خلف : فهو أبو محمد الأسدي بن هشام بن ثعلب البزار البغدادي.

قال ابن الجزري : «أحد القراء العشرة ، وأحد الرواة عن سليم عن حمزة ، حفظ القرآن وهو ابن عشر سنين ، وابتدأ في الطلب وهو ابن ثلاث عشر ، وكان ثقة كبيرا زاهدا عابدا عالما». قال ابن اشته : «كان خلف يأخذ بمذهب حمزة إلا أنه خالفه في مائة وعشرين حرفا». ولد سنة ١٥٠ ، ومات سنة ٢٢٩ (٣).

__________________

(١) طبقات القراء : ١ / ٢٦١.

(٢) تهذيب التهذيب : ٣ / ٢٧.

(٣) طبقات القراء : ١ / ٢٧٢.

١٣٦

قال اللالكائي : «سئل عباس الدوري عن حكاية عن أحمد بن حنبل في خلف بن هشام. فقال : لم أسمعها ولكن حدثني أصحابنا أنهم ذكروه عند أحمد ، فقيل انه يشرب. فقال : انتهى إلينا علم هذا ، ولكنه ـ والله ـ عندنا الثقة الأمين». وقال النسائي : «بغدادي ثقة». وقال الدار قطني : «كان عابدا فاضلا». قال : «أعدت صلاة أربعين سنة كنت أتناول فيها الشراب على مذهب الكوفيين». وحكى الخطيب في تاريخه عن محمد بن حاتم الكندي قال : «سألت يحيى بن معين عن خلف البزار فقال : لم يكن يدري ايش الحديث» (١).

أقول : وسيجيء الكلام فيمن روى قراءته.

وأما خلّاد بن خالد : فهو أبو عيسى الشيباني الكوفي. قال ابن الجزري : «إمام في القراءة ثقة عارف محقق أستاذ». أخذ القراءة عرضا عن سليم ، وهو من أضبط أصحابه وأجلّهم. توفي سنة ٢٢٠ (٢).

أقول : والكلام في رواة قراءته كما تقدم.

__________________

(١) تهذيب التهذيب : ٣ / ١٥٦.

(٢) طبقات القراء : ١ / ٢٧٤.

١٣٧

٦

نافع المدني

هو نافع بن عبد الرحمن بن أبي نعيم. قال ابن الجزري : «أحد القراء السبعة والأعلام ثقة صالح ، أصله من أصبهان». أخذ القراءة عرضا عن جماعة من تابعي أهل المدينة. قال سعيد بن منصور : سمعت مالك بن أنس يقول : «قراءة أهل المدينة سنّة ، قيل له قراءة نافع؟ قال : نعم». وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل : «سألت أبي أيّ القراءة أحب إليك؟ قال : قراءة أهل المدينة. قلت : فإن لم يكن قال : عاصم». مات سنة ١٦٩. (١)

قال أبو طالب عن أحمد : «كان يؤخذ عنه القرآن ، وليس في الحديث بشيء». وقال الدوري عن ابن معين : «ثقة». وقال النسائي : «ليس به بأس». وذكر ابن حيان في الثقات ، وقال الساجي : «صدوق ... اختلف فيه أحمد ويحيى. فقال أحمد : منكر الحديث. وقال يحيى : ثقة» (٢).

ولقراءة نافع راويان بلا واسطة. هما قالون ، وورش :

__________________

(١) طبقات القراء : ٢ / ٣٣٠.

(٢) تهذيب التهذيب : ١٠ / ٤٠٧.

١٣٨

أما قالون : فهو عيسى بن ميناء بن وردان أبو موسى. مولى بني زهرة يقال إنه ربيب نافع ، وهو الذي سماه قالون لجودة قراءته. فإن قالون باللغة الرومية جيد. قال عبد الله بن علي : «إنما يكلمه بذلك لأن قالون أصله من الروم كان جد جده عبد الله من سبي الروم» ، أخذ القراءة عرضا عن نافع. قال ابن. أبي حاتم : «كان أصم ، يقرئ القرآن ويفهم خطأهم ولحنهم بالشفة». ولد سنة ١٢٠ ، وتوفي سنة ٢٢٠ (١).

قال ابن حجر : «أما في القراءة فثبت ، وأما في الحديث فيكتب حديثه في الجملة». سئل أحمد بن صالح المصري عن حديثه فضحك وقال : «تكتبون عن كل أحد» (٢).

أقول : والكلام فيمن روى القراءة عنه كما تقدم.

وأما ورش : فهو عثمان بن سعيد. قال ابن الجزري : «انتهت اليه رئاسة الأقراء في الديار المصرية في زمانه ، وله اختيار خالف فيه نافعا ، وكان ثقة حجة في القراءة». ولد سنة ١١٠ بمصر ، وتوفي فيها سنة ١٩٧ (٣).

أقول : الكلام في رواة قراءته كما تقدم.

__________________

(١) طبقات القراء : ١ / ٦١٥.

(٢) لسان الميزان : ٤ / ٤٠٨.

(٣) طبقات القراء : ١ / ٥٠٢.

١٣٩

٧

الكسائي الكوفي

هو على بن حمزة بن عبد الله بن بهمن بن فيروز الأسدي ، مولاهم من أولاد الفرس.

قال ابن الجزري : «الإمام الذي انتهت اليه رئاسة الأقراء بالكوفة بعد حمزة الزيات. أخذ القراءة عرضا عن حمزة أربع مرات وعليه اعتماده». وقال أبو عبيد في كتاب القراءات : «كان الكسائي : يتخير القراءات فأخذ من قراءة حمزة ببعض وترك بعضا» واختلف في تاريخ موته ، فالصحيح الذي أرّخه غير واحد من العلماء والحفاظ سنة ١٨٩ (١). أخذ القراءة عن حمزة الزيات مذاكرة ، وعن محمد بن عبد الرحمن ابن أبي ليلى ، وعيسى بن عمرو الأعمش ، وأبي بكر بن عياش ، وسمع منهم الحديث ، ومن سليمان بن أرقم ، وجعفر الصادق عليه‌السلام ، والعزرمي ، وابن عيينة ... وعلم الرشيد ، ثم علم ولده الأمين (٢).

وحدث المرزباني فيما رفعه الى ابن الاعرابي ، قال : «كان الكسائي أعلم الناس على رهق فيه ، كان يديم شرب النبيذ ، ويجاهر به إلا أنه كان ضابطا قارئا عالما

__________________

(١) طبقات القراء : ١ / ٥٣٥.

(٢) تهذيب التهذيب : ٧ / ٣١٣.

١٤٠