أسئلة وأجوبة عقائديّة

محمّد أمين نجف

أسئلة وأجوبة عقائديّة

المؤلف:

محمّد أمين نجف


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: ماهر
الطبعة: ١
ISBN: 978-600-5995-26-1
الصفحات: ٢٨٧

السجود على التربة

* أدلّة السجود من السنّة

* أدلّة وضع الجبهة على الأرض

* استحبابية السجود على التربة

أدلّة السجود من السنّة

س : ما الأدلّة التي تقول بوجوب السجود على التربة؟ في السنّة النبوية الشريفة ، في كتب الشيعة والسنّة؟

ج : إنّ الشيعة لا يوجبون السجود على التربة بما أنّها تربة ، بل يوجبون السجود على الأرض ـ التي منها التربة ـ أو ما أنبتته الأرض ، إلّا ما أُكل أو لبس ، فلا يجوز السجود عليه ، ويستدلّون على ذلك بـ :

١ ـ قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «جُعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً» (١) هذا وقد ذُكر الحديث بألفاظ مختلفة ، ولكنّ المعنى واحد.

كما لا يخفى أنّ المقصود من كلمة «مسجداً» مكان السجود ، والسجود هو وضع الجبهة على الأرض تعظيماً لله تعالى ، ومن كلمة «الأرض» التراب والرمل والحجر و... وممّا لا شكّ فيه ، أنّ التربة جزء من أجزاء الأرض ، فيصحّ السجود عليها.

__________________

١ ـ الخصال : ٢٠١ و ٢٩٢ ، الأمالي للصدوق : ٢٨٥ ، سنن الدارمي ٢ / ٢٢٤ ، صحيح البخاري ١ / ٨٦ و ١١٣ ، سنن ابن ماجة ١ / ١٨٨ ، الجامع الكبير ٣ / ٥٦ ، سنن النسائي ١ / ٢١٠ و ٢ / ٥٦.

٢٠١

٢ ـ قال خالد الحذّاء : رأي النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله [صهيبا] يسجد كأنّه يتّقي التراب ، فقال له النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : «ترّب وجهك يا صهيب» (١).

وصيغة الأمر «ترّب» هنا تدلّ على استحباب السجود على التربة دون غيرها من أجزاء الأرض.

٣ ـ قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لأبي ذرّ : «حيثما أدركت الصلاة فصلّ ، والأرض لك مسجد» (٢).

٤ ـ قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «إذا سجدت فمكّن جبهتك وانفك من الأرض» (٣).

٥ ـ عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال : «كنت أُصلّي مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الظهر ، فآخذ قبضة من حصى في كفّي لتبرد حتّى أسجد عليها من شدّة الحرّ» (٤).

وهذا الحديث ظاهر على عدم جواز السجود على غير الأرض.

٦ ـ قال الإمام الصادق عليه‌السلام : «لا تسجد إلّا على الأرض ، أو ما أنبتت الأرض ، إلّا القطن والكتّان» (٥).

٧ ـ قال الإمام الصادق عليه‌السلام : «السجود على الأرض فريضة ، وعلى الخمرة سنّة» (٦).

وظاهره : أنّ السجود على الأرض فرض من الله عزّ وجلّ ، والسجود على الخمرة ـ التي هي من النباتات ؛ حصيرة مصنوعة من سعف النخل ـ ممّا سنّه الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله.

__________________

١ ـ المصنّف للصنعاني ١ / ٣٩١.

٢ ـ صحيح البخاري ٤ / ١٣٦ ، صحيح مسلم ٢ / ٦٣ ، سنن النسائي ٢ / ٣٢ ، السنن الكبرى للنسائي ٦ / ٣٧٧.

٣ ـ أحكام القرآن للجصّاص ٣ / ٢٧٢ ، كنز العمّال ٨ / ١٦٤.

٤ ـ مسند أحمد ٣ / ٣٢٧ ، سنن النسائي ٢ / ٢٠٤ ، السنن الكبرى للنسائي ١ / ٢٢٧.

٥ ـ الكافي ٣ / ٣٣٠ ، الاستبصار ١ / ٣٣١ ، تهذيب الأحكام ٢ / ٣٠٣.

٦ ـ الكافي ٣ / ٣٣١.

٢٠٢

٨ ـ قال الإمام الصادق عليه‌السلام : «السجود لا يجوز إلّا على الأرض ، أو ما أنبتت الأرض ، إلّا ما أُكل أو لبس» (١).

والنتيجة : أنّ جميع الأحاديث تدلّ على وجوب السجود على الأرض ، أو ما أنبتت من دون عذر ، وممّا لا شكّ فيه أنّ التربة هي جزء من الأرض ، فيصحّ السجود عليها ، بل تستحبّ إذا كانت من أرض كربلاء ؛ لوجود روايات كثيرة في هذا المجال عن أئمّة أهل البيت عليهم‌السلام.

أدلّة وضع الجبهة على الأرض

س : أتمنّى منكم لو ترسلوا بعض الأدلّة من القرآن أو السنّة ، بما يفيد وجوب وضع الجبهة على ما يصحّ السجود عليه ، واستحباب باقي الأعضاء ، مع دعائي لكم بالتوفيق والتسديد.

ج : إنّ الأحكام الشرعية تعبّدية ، لا يمكن أخذها إلّا من الكتاب والسنّة الصحيحة ، والروايات صريحة ودالّة على وجوب وضع الجبهة على الأرض ، أو ما يصحّ السجود عليه ، وأمّا باقي الأعضاء ، فمستحبّ.

والروايات الدالّة على ذلك كثيرة ، فقد ذكر الشيخ الحرّ العاملي قدس‌سره في كتابه «وسائل الشيعة» تحت عنوان : «أنّه لا يجوز السجود بالجبهة إلّا على الأرض ، أو ما أنبتت غير مأكول ولا ملبوس» (٢) ، فذكر أحد عشر حديثاً ، منها :

١ ـ عن هشام بن الحكم ، أنّه قال لأبي عبد الله عليه‌السلام : «أخبرني عمّا يجوز السجود عليه وعمّا لا يجوز؟

__________________

١ ـ علل الشرائع ٢ / ٣٤١ ، تهذيب الأحكام ٢ / ٢٣٤.

٢ ـ وسائل الشيعة ٥ / ٣٤٣.

٢٠٣

قال : «السجود لا يجوز إلّا على الأرض ، أو على ما أنبتت الأرض ، إلّا ما أُكل أو لُبس ، فقال له : جُعلت فداك ما العلّة في ذلك؟

قال : لأنّ السجود خضوع لله عزّ وجلّ ، فلا ينبغي أن يكون على ما يُؤكل ويلبس ، لأنّ أبناء الدنيا عبيد ما يأكلون ويلبسون ، والساجد في سجوده في عبادة الله عزّ وجل ، فلا ينبغي أن يضع جبهته في سجوده على معبود أبناء الدنيا ، الذين اغترّوا بغرورها ...».

٢ ـ عن أبي العباس الفضل بن عبد الملك قال : «قال أبو عبد الله عليه‌السلام : لا يسجد إلّا على الأرض ، أو ما أنبتت الأرض ، إلّا القطن والكتّان».

٣ ـ عن الإمام الصادق عليه‌السلام قال : «وكلّ شيء يكون غذاء الإنسان في مطعمه أو مشربه أو ملبسه ، فلا تجوز الصلاة عليه ولا السجود ، إلّا ما كان من نبات الأرض من غير ثمر ، قبل أن يصير مغزولاً ، فإذا صار غزلاً فلا تجوز الصلاة عليه ، إلّا في حال ضرورة»

كما وذكر تحت عنوان : عدم جواز السجود اختياراً على القطن والكتّان والشعر والصوف ، وكلّ ما يُلبس أو يُؤكل ، سبعة أحاديث (١).

وذكر تحت عنوان : جواز السجود بغير الجبهة على ما شاء ، ثلاثة أحاديث (٢).

وذكر تحت عنوان : أنّ مَن أصابت جبهته مكاناً غير مستو ، أو لا يجوز السجود عليه ، ستّة أحاديث (٣).

كما وذكر صاحب كتاب «جامع أحاديث الشيعة» مئتين وتسعين حديثاً تتعلّق بالسجود ، فأشارت بعض أحاديثه إلى ذلك (٤).

__________________

١ ـ المصدر السابق ٥ / ٣٤٦.

٢ ـ المصدر السابق ٥ / ٣٥٢.

٣ ـ وسائل الشيعة ٦ / ٣٥٣.

٤ ـ جامع أحاديث الشيعة ٥ / ٤٦٣.

٢٠٤

استحبابية السجود على التربة

س : أُريد منك شرحاً مفصّلاً عن السجود على التربة الحسينية ؛ هذا لكثرة سؤال زوجتي التي هي على المذهب السنّي المالكي ، وفّقكم الله إلى ما فيه الخير.

ج : إنّ الشيعة لا تجوّز السجود إلّا على الأرض ، أو ما أنبتته الأرض من غير المأكول والملبوس ، وتستدلّ بما روي عن أئمّة أهل البيت عليهم‌السلام في ذلك ، وكذلك تستدلّ بما روي في مصادر أهل السنّة ، منها :

قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «جُعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً» ، ومعلوم : أنّ لفظ الفرش ليس من الأرض ، ولا يصدق عليه اسم الأرض ، كما أنّ الحديث المروي عن أبي سعيد الخدري قال : «فبصرت عيناي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله على جبهته أثر الماء والطين» (١).

كما وردت أحاديث كثيرة تُبيّن أنّ السجود كان على الأرض ، منها : أنّ الصحابة كانوا يأخذون قبضةً من حصى في كفّهم لتبرد حتّى يسجدون عليها (٢) ، وأنّ النبيّ والصحابة كانوا يسجدون على حصير ، ويتّخذون منه خمرة للصلاة عليها ، ولا نطيل عليكم بذكر بقيّة الأحاديث ، التي عمل بها الشيعة وحدهم.

وأمّا التربة ، فإنّها من التراب ، وكما يعلم الجميع فإنّ من شرط السجود أن يكون على شيء طاهر ، فاتّخاذ التربة أمر يتيقّن المصلّي منه بطهارة موضع سجوده.

وأمّا بخصوص كون هذه اللبنة والتربة من كربلاء ، فإنّه ليس بواجب ـ بل كما قلنا فإنّه يجب السجود على الأرض أو ما أنبتته ـ ولكن هو أمر مستحبّ ؛ لورود روايات

__________________

١ ـ صحيح البخاري ٢ / ٢٥٦ ، سنن أبي داود ١ / ٣١١ ، سنن النسائي ٢ / ٢٠٨ ، مسند أحمد ٣ / ٧ ، صحيح ابن حبّان ٨ / ٤٣١.

٢ ـ السنن الكبرى للبيهقي ٢ / ١٠٥ ، سنن أبي داود ١ / ١٠٠ ، المستدرك ١ / ١٩٥ ، المصنّف لابن أبي شيبة ١ / ٣٥٨ ، صحيح ابن حبّان ٦ / ٥٣.

٢٠٥

عن أئمّة أهل البيت عليهم‌السلام بذلك ، وكذلك ورود روايات عن أهل السنّة تروي عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّ جبرئيل أخبره بمقتل الحسين عليه‌السلام ، وأتى له بتربة كربلاء ، وكذلك كانت تربة كربلاء عند أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وأُمّ سلمة ، وهي التربة التي كان الزوّار يعرفون بشمّ رائحتها قبر الحسين عليه‌السلام ، لمّا أخفاه خلفاء الجور عنهم (١).

__________________

١ ـ مجمع الزوائد ٩ / ١٨٧ و١٩١ ، مسند أحمد ١ / ٨٥ ، ذخائر العقبى : ١٤٨ ، الآحاد والمثاني ١ / ٣٠٩ ، مسند أبي يعلى ١ / ٢٩٨ ، كنز العمّال ١٢ / ١٢٧ و١٣ / ٦٥٥ ، تاريخ مدينة دمشق ١٤ / ١٨٨ ، تهذيب الكمال ٦ / ٤٠٧ ، تهذيب التهذيب ٢ / ٣٠٠ ، جواهر المطالب ٢ / ٢٩٠ ، سبل الهدى والنجاة ١١ / ٧٤.

٢٠٦

الشفاعة

* روايات الشفاعة في كتب العامّة

* كون الشفاعة للأنبياء والأئمّة والشهداء و...

* الشفاعة لن تنال الظالم لأهل البيت عليهم‌السلام

روايات الشفاعة في كتب العامّة

س : ما هي حقيقة الشفاعة؟ وما هي البراهين عليها من كتب السنّة؟

ج : إنّ الشفاعة التي وقع الخلاف فيها هي نوع من الوساطة إلى الله تعالى ، من وليّ مقرّب عنده ، ليغفر لمذنب ويسامحه ، وقد أثبتها المسلمون قاطبة لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إلّا مَن شذّ منهم.

والأدلّة على ثبوتها كثيرة جدّاً ، ومتضافرة على حصول الشفاعة في يوم القيامة من قبل الصالحين والأولياء إلى المذنبين والعاصين ، واستجابة لطلبك سوف نقتصر على بعض الروايات المثبتة للشفاعة عند أهل السنّة :

١ ـ قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «مَن صلّى على محمّد وقال : اللّهمّ أنزله المقعد المقرّب عندك يوم القيامة ، وجبت له شفاعتي» (١).

٢ ـ عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «مَن قضى لأخيه حاجة ، كنت واقفاً عند ميزانه ، فإن رجح وإلّا شفعت له» (٢).

__________________

١ ـ مسند أحمد ٤ / ١٠٨ ، كتاب السنّة : ٣٨١ ، المعجم الكبير ٥ / ٢٦.

٢ ـ الدرّ المنثور ٣ / ٧١.

٢٠٧

٣ ـ قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «مَن قال حين يسمع النداء : اللّهمّ ربّ هذه الدعوة التامّة والصلاة القائمة ، آت محمّداً الوسيلة والفضيلة ، وأبعثه مقاماً محموداً الذي وعدته ، حلّت له شفاعتي يوم القيامة» (١).

٤ ـ عن أبي أُمامة عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : «صنفان من أُمّتي لن تنالهما شفاعتي ، ولن أشفع لهما ، ولن يدخلا شفاعتي : سلطان ظلوم غشوم عسوف ، وغال مارق عن الدين» (٢).

وهذا الحديث يدلّ بالمفهوم على ثبوت الشفاعة ، وإمكانها لطوائف آخرين في أُمّة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله.

ولنكتفي بهذا المقدار من الروايات.

كون الشفاعة للأنبياء والأئمة والشهداء

س : من هم الذين يسمح الله لهم بالشفاعة يوم القيامة؟ هل هم الأنبياء فقط؟ أم هناك غيرهم أيضا؟ وهل هناك أدلة تؤيد ذلك؟

ج : الظاهر من روايات كثيرة واردة في كتب الفريقين : إن الشفاعة يوم القيامة تكون للأنبياء وللأئمة عليهم‌السلام والعلماء والشهداء وغيرهم ، ومن تلك الروايات :

١. عن ابن عباس قال : أول من يشفع يوم القيامة في أمته رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأول من يشفع في أهل بيته وولده أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وأول من يشفع في الروم المسلمين صهيب ، وأول من يشفع في مؤمني الحبشة بلال (٣).

__________________

١ ـ صحيح البخاري ١ / ١٥٢ و٥ / ٢٢٨ ، سنن النسائي ٢ / ٢٧ ، السنن الكبرى للبيهقي ١ / ٤١٠ ، المعجم الصغير ١ / ٢٤٠.

٢ ـ المعجم الكبير ٨ / ٢٨١ و٢٠ / ٢١٤ ، كنز العمال ٦ / ٢١ و٣٠ ، مجمع الزوائد ٥ / ٢٣٥ ، كتاب السنّة : ١٨٤.

٣ ـ مناقب آل أبي طالب ٢ / ١٤.

٢٠٨

٢ ـ عن عثمان بن عفّان عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : «أوّل من يشفع يوم القيامة الأنبياء ، ثمّ الشهداء ، ثمّ المؤذّنون» (١).

٣ ـ عن عثمان بن عفّان قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «أوّل من يشفع يوم القيامة الأنبياء ، ثمّ العلماء ، ثمّ الشهداء» (٢).

الشفاعة لن تنال الظالم لأهل البيت عليهم‌السلام

س : ما حكم مَن يعتقد بأنّ شفاعة المعصومين عليهم‌السلام ربّما قد تشمل ظالميهم ، ومَن أغتصب حقّهم ، وظلم شيعتهم ، أو أنّ رحمة الله فوق كلّ هذا ، أم يستحيل أصلاً ورود الرحمة والشفاعة في مثل هذا المورد بالخصوص؟ مثل قتل الإمام الحسين عليه‌السلام ، وكسر ضلع الزهراء عليها‌السلام ، وغصب الخلافة؟

ج : وردت نصوص تُفيد بأنّ الظالمين لآل محمّد عليهم‌السلام آيسون من رحمة الله تعالى ، ومن هذا يظهر عدم شمول الشفاعة لمن ظلمهم.

وأمّا مَن ظلم شيعتهم ، فتارةً ظلم شيعتهم لأنّهم شيعة لأهل البيت عليهم‌السلام ، فهذا بحكم الناصبي ، والناصبي لا شفاعة له ولا نجاة.

وتارةً أُخرى ظلم شيعتهم بعنوان شخصي ، فهذا يدخل ضمن مظالم العباد ، ومظالم العباد فيما بينهم ـ حسب ما في الروايات ـ معلّق على أداء الحقّ إلى أصحابه ، فإذا أدّى هذا الإنسان الظالم الحقّ إلى أصحابه ، أو ابرأ ذمّتهم ، فحينئذٍ يمكن أن تعمّه الشفاعة.

وأمّا إذا لم يعد الحقّ إلى صاحبه ولم يستبرئ ذمّته ، فمقتضى الروايات الواردة : أنّ الشفاعة موقوفة على رضا صاحب الحقّ ، ولكن قد يُستفاد من بعض الروايات بأنّه من

__________________

١ ـ مجمع الزوائد ١٠ / ٣٨١.

٢ ـ الجامع الصغير ١ / ٤٣٤ ، تاريخ بغداد ١١ / ١٧٨.

٢٠٩

الممكن أنّ الله تعالى لبعض الأعمال الصالحة لهذا الإنسان الظالم يُرضي عنه خصومه يوم القيامة ، ثمّ ينجّيه ، ويظهر من هذا توقّف النجاة على الرضا ، فهنا يمكن أن تتناول الشفاعة هذا القسم.

فالخلاصة : مَن ظلمهم عليهم‌السلام لا تشمله الشفاعة ، وأمّا من ظلم شيعتهم لتشيّعهم فهو ناصبي فلا تشمله أيضاً ، وإن لم يكن لتشيّعهم فيدخل في مظالم العباد ، فإن أدّى الحقّ أو ابرأ الذمّة فتشمله الشفاعة ، وإلّا فلا تشمله الشفاعة إلّا أن يُرضي الله خصومه.

أمّا كيف يُرضي الله خصومه؟ فيمكن أن يكون بسبب الأعمال الصالحة ـ من قبيل الاستغفار والصدقة على الطرف المعتدى عليه ـ وهذه مسألة متروكة إلى الله تعالى.

ثمّ إنّ المتبادر من ظالميهم مَن ظلم مقامهم وولايتهم ، وأنكر مودّتهم أو ما شاكل ذلك ، فمَن اعتقد أنّ الشفاعة تشمل هكذا ظالم ، فهو منحرف الاعتقاد.

وأمّا لو أنّ شخصاً يحبّ الإمام الحسين عليه‌السلام مثلاً ، ويعتقد بإمامته ، ولكن دخل معه في معاملة فظلمه بدينار مثلاً ، فهنا يمكن للإمام عليه‌السلام أن يعفو عنه ويصفح عنه ، لأنّها مظلمة شخصية مادّية ، فتناله الشفاعة ؛ لأنّ ظلمه هذا لم يكن ناتج عن بغض لهم عليهم‌السلام وإنكار لمقامهم.

٢١٠

الشيعة :

* الشيعة وفضلهم في كتب السنّة

* الفرق بين الشيعة والسنّة

* علامات الشيعة (التختّم باليمين)

* تأسيس الشيعة للعلوم المختلفة

* شبهة قتلهم الإمام الحسين عليه‌السلام بعد ما بايعوه

* انقسامهم إلى الأخبارية والشيخية والأُصولية

* تكفير ابن باز للشيعة

الشيعة وفضلهم في كتب السنّة

س : ما هو معنى الشيعة؟ ولماذا أُطلق هذا الاسم؟ وشكراً.

ج : إنّ الاختلاف في الأُمّة الإسلامية نشأ بعد وفاة النبيّ محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فالشيعة قالت : بأنّ الإمامة والخلافة بعد رسول الله بالنصّ ـ يعني أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله نصّ على شخص بعينه ليكون الخليفة والإمام بعده ـ وهذا الشخص المنصوص عليه هو الإمام عليّ عليه‌السلام للآيات والأحاديث الدالّة على ذلك.

فمن تابع عليّاً عليه‌السلام وقال بإمامته بعد الرسول بلا فصل فهم الشيعة ، يعني شايعوا عليّاً عليه‌السلام.

هذا ، وسنذكر لك بعض الأحاديث الواردة عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حول فضل الشيعة ، ومن مصادر أهل السنّة :

٢١١

فقد روى الكثير من مفسّري أهل السنّة وعلماء الحديث في تفسير قوله تعالى : إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ (١).

١ ـ قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لعليّ عليه‌السلام : «هو أنت وشيعتك» (٢) ، «أنت يا عليّ وشيعتك» (٣) ، «هم أنت وشيعتك» (٤).

٢ ـ قال صلى‌الله‌عليه‌وآله لعليّ عليه‌السلام : «أنت وشيعتك في الجنّة» (٥).

٣ ـ قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : «إذا كان يوم القيامة دُعي الناس بأسمائهم وأسماء أُمّهاتهم ستراً من الله عليهم ، إلّا هذا ـ يعني عليّاً ـ وشيعته ، فإنّهم يدعون بأسمائهم وأسماء آبائهم لصحّة ولادتهم» (٦).

٤ ـ قال صلى‌الله‌عليه‌وآله لعليّ عليه‌السلام : «يا علي ، إنّك ستقدم على الله أنت وشيعتك راضين مرضيين» (٧).

٥ ـ قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله لعليّ عليه‌السلام : «يا علي ، إنّ الله قد غفر لك ولولدك ولأهلك ولذرّيتك ولشيعتك ولمحبّي شيعتك» (٨).

٦ ـ قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : «يا علي ، إنّ أوّل أربعة يدخلون الجنّة : أنا وأنت والحسن والحسين ،

__________________

١ ـ البينة : ٧.

٢ ـ نظم درر السمطين : ٩٢ ، الدرّ المنثور ٦ / ٣٧٩ ، فتح القدير ٥ / ٤٧٧.

٣ ـ جامع البيان ٣٠ / ٣٣٥.

٤ ـ شواهد التنزيل ٢ / ٤٥٩.

٥ ـ المعجم الأوسط ٦ / ٣٥٤ و٧ / ٣٤٣ ، كنز العمّال ١١ / ٣٢٣ ، تاريخ بغداد ١٢ / ٢٨٤ و٣٥٣ ، تاريخ مدينة دمشق ٤٢ / ٣٣٢.

٦ ـ مروج الذهب ٣ / ٤٢٨.

٧ ـ المعجم الأوسط ٤ / ١٨٧ ، نظم درر السمطين : ٩٢ ، شواهد التنزيل ٢ / ٤٦٥ ، ينابيع المودّة ٢ / ٣٥٧ و٤٤٥ و٤٥٢ ، الصحاح ١ / ٣٩٧ ، لسان العرب ٢ / ٥٦٦.

٨ ـ ينابيع المودّة ٢ / ٣٥٧ و٤٥٢ ، الصواعق المحرقة ٢ / ٤٦٧ و٦٧٢.

٢١٢

وذرارينا خلف ظهورنا ، وأزواجنا خلف ذرارينا ، وشيعتنا عن أيماننا وعن شمائلنا» (١). هذا ، وإنّ الإنسان لا يصدق عليه أنّه من شيعة عليّ إلّا إذا اتّبعه وأخذ معالم دينه منه.

الفرق بين الشيعة والسنّة

س : ما الفرق بين الشيعة والسنّة؟

ج : الفرق بين الشيعة والسنّة باختصار هو : أنّ الشيعة تعتقد بإمامة أمير المؤمنين عليّ عليه‌السلام بعد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله بلا فصل ؛ بحسب الأدلّة العقلية والنقلية المذكورة في مظانّها ـ ثمّ ترى الإمامة في المعصومين الأحد عشر المنصوص عليهم من قبل النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله من أولاد عليّ عليه‌السلام ، وهذا هو الفارق الأساسي بينهما.

ثمّ إنّ هناك فروقاً أُخرى في فهم الشريعة ، وأُصول الدين وفروعه ، كلّها تبتني على الأخذ من معارف وعلوم أهل البيت عليهم‌السلام ، فالشيعة. بما ترى العصمة في أئمّتها عليهم‌السلام ـ تلتزم بالسير في هداهم والتمسّك بسيرتهم.

ولكنّ أهل السنّة بما أنّهم حُرموا من اتّباع خطّ الإمامة ، أصبحوا صفر اليد من هذه المعارف الإلهية ، وعلى العكس ، أخذوا علومهم من أشخاص معيّنين ـ كأئمّة المذاهب الأربعة وغيرهم ـ ممّن لا ضمان لعلومهم وأقوالهم من الخطأ والزلل ، ثمّ أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الحقّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لاَّ يَهِدِّيَ إلّا أَن يُهْدَى (٢).

علامات الشيعة (التختّم باليمين)

س : ما هي الدلائل التي نأخذها ـ نحن الشيعة ـ عند ارتداء الخاتم باليد ، حيث إنّنا

__________________

١ ـ المعجم الكبير ١ / ٣١٩ و٣ / ٤١ ، كنز العمّال ١٢ / ١٠٤ ، تاريخ مدينة دمشق ١٤ / ١٦٩ ، الصواعق المحرقة ٢ / ٤٦٦ و٦٧١.

٢ ـ يونس : ٣٥.

٢١٣

نرتدي الخواتم ـ سواء عقيق أو غيره ـ في كلتا اليدين.

فأرجو أن توضّحوا لنا الدلائل من كتب السنّة والشيعة ، حيث إنّ السنّة يقولون : إنّ التختّم ـ عموماً باليمين أو باليسار ـ هو بدعة ، فكيف أردّ على مثل هؤلاء؟

ج : لا خلاف في استحباب التختّم ـ وخصوصاً باليمين عند الشيعة ـ وهذا ممّا تكاثرت عليه الروايات والأقوال عند علماء الشيعة ، وقد أخذوه قطعاً من السنّة النبوية الشريفة.

فعلى سبيل المثال : «عن عائشة : إنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يتختّم في يمينه ، وقُبض صلى‌الله‌عليه‌وآله والخاتم في يمينه» (١).

وذكر السلامي : «أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يتختّم في يمينه والخلفاء الأربعة بعده ، فنقله معاوية إلى اليسار ، فأخذ المروانية بذلك» (٢).

وأيضاً صرّح بعضهم كالإمام البروسوي في تفسيره : «كالتختّم باليمين فإنّه في الأصل سنّة ، لكنّه لمّا كان شعار أهل البدعة والظلمة صارت السنّة أن يُجعل الخاتم في خنصر اليد اليسرى في زماننا» (٣).

وأمّا ما روي من طريق أهل البيت عليهم‌السلام في استحباب التختّم في اليمين فكثير جدّاً» (٤).

نعم ، إذا تختّم الإنسان باليمين فقد أصاب السنّة ، فإذا أراد أن يتختّم بخاتم آخر ، فيمكنه أن يتختّم باليسار ، بشرط أن يبقى الخاتم الأوّل في يده اليمنى.

__________________

١ ـ مجمع الزوائد ٥ / ١٥٣.

٢ ـ ربيع الأبرار ٤ / ٢٤.

٣ ـ روح البيان ٤ / ١٤٢.

٤ ـ جامع أحاديث الشيعة ٢١ / ٤٥٩.

٢١٤

تأسيس الشيعة للعلوم المختلفة

س : ماذا قدّم المذهب الشيعي على مدى التاريخ للإسلام من ثقافات العلم والأدب والطبّ والشعر والفلسفة والفيزياء والكيمياء والرياضيات وغيرها من العلوم الأُخرى مع ذكر أسماء العلماء ، وشكراً على المساعدة.

ج : لا يخفى أنّ لعلماء الشيعة السبق على غيرهم من الطوائف الإسلامية في تأسيس كثير من فنون العلوم الإسلامية ، نذكر في هذا المجال بعض مشاهير الشيعة في كلّ علم ، مع مراعاة الأقدم منهم فالأقدم.

١ ـ علم النحو : أوّل مَن أسّس هذا العلم هو أبو الأسود الدؤلي ، وهو من كبار التابعين الشيعة.

ومن مشاهيره : الخليل بن أحمد إمام البصريين ، محمّد بن الحسن الرواسي إمام الكوفيين ، حمران بن أعين أخو زرارة بن أعين ، الفرّاء يحيى بن زياد ، أبو العباس المبرّد ، الشيخ أبو علي الفارسي ، أبو بكر الخوارزمي ، أبو العلاء المعرّي.

٢ ـ علم الصرف : أوّل مَن أسّس هذا العلم هو معاذ بن مسلم الهراء ، وهو من كبار الشيعة.

ومن مشاهيره : الشيخ أبو علي الفارسي ، أبو الفتح عثمان بن جنّي ، أبو جعفر الطبري ، الشيخ أحمد بن علي الماه آبادي ، محمّد بن الحسن الاسترآبادي الغروي.

٣ ـ علم اللغة : أوّل مَن أسّس هذا العلم هو الخليل بن أحمد ، وهو من علماء الشيعة.

ومن مشاهيره : أبان بن تغلب ، ابن السكّيت ، أبو بكر بن دريد الأزدي ، الصاحب بن عبّاد ، محمّد بن سلمة اليشكري ، أبو الفضل الصابوني ، محمّد بن يحيى بن محمّد الأرزني.

٤ ـ علم المعاني والبيان والبديع : أوّل مَن أسّس هذا العلم الإمام المرزباني أبو عبد الله محمّد بن عمران ، وهو من علماء الشيعة.

٢١٥

ومن مشاهيره : الشيخ ميثم بن عليّ بن ميثم البحراني ، الشيخ حسام الدين المؤذني ، الشيخ يحيى بن أحمد الكاشي ، صفي الدين الحلّي ، الشيخ إبراهيم بن عليّ العاملي.

٥ ـ علم العروض : أوّل مَن أسّس هذا العلم هو الخليل بن أحمد ، وهو من علماء الشيعة.

ومن مشاهيره : أبو عثمان المازني ، السيّد أبو الرضا فضل الله ضياء الدين الراوندي ، الشيخ أبو المحاسن شهاب الدين يوسف ، الشيخ عبد عليّ بن رحمة الحويزي.

٦ ـ فنون الشعر وطرائقه :

ومن مشاهيره : النابغة الجعدي حبّان بن قيس المضري ، لبيد بن أبي ربيعة العامري ، الفرزدق ، الكميت الأسدي ، السيّد الحميري ، سفيان بن مصعب العبدي ، دعبل الخزاعي ، المفجّع ، ابن الرومي ، السيّد الشريف الرضي ، السيّد المرتضى ، أبو الحسين المهيار ، أبو الطيّب المتنبّي.

٧ ـ التاريخ والسير : أوّل مَن أسّس علم السير والآثار ، هو عبيد الله بن أبي رافع مولى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وكان من خيار الشيعة.

وأوّل مَن أسّس علم المغازي ـ مغازي النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وسيرته ـ هو محمّد بن إسحاق المطلبي.

وأوّل مَن أسّس علم الرجال ، هو أبو محمّد عبد الله بن جبلة الكناني.

وأوّل مَن صنّف في علم الفرق في الإسلام ، هو الحسن بن موسى النوبختي.

٨ ـ علم الحديث : أوّل مَن جمع الحديث النبوي في الإسلام ودوّنه ، هو أبو رافع مولى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله.

أوّل مَن صنّف في الآثار ، هو سلمان الفارسي ، أبو ذر الغفّاري ، الأصبغ بن نباتة ، سليم بن قيس الهلالي.

٩ ـ علم الدراية :

٢١٦

ومن مشاهيره : أبو عبد الله الحاكم النيسابوري ، السيّد ابن طاووس ، الشيخ البهائي.

١٠ ـ علم الفقه : أوّل مَن دوّن في علم الفقه عليّ بن أبي رافع مولى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله.

ومن مشاهيره : سعيد بن المسيّب ، عليّ بن حمزة البطائني ، إبراهيم بن محمّد الثقفي ، صفوان بن يحيى البجلي ، عليّ بن أحمد الكوفي ، ابن الجنّيد ، ابن أبي عقيل ، السيّد المرتضى ، الشيخ الطوسي.

١١ ـ علم أُصول الفقه : أوّل مَن صنّف في مسائل علم أُصول الفقه ، هو هشام بن الحكم.

ومن مشاهيره : أبو سهل النوبختي ، ابن الجنّيد ، ابن داود ، الشيخ المفيد ، السيّد المرتضى ، الشيخ الطوسي ، العلاّمة الحلّي ، المحقّق الحلّي.

١٢ ـ علوم القرآن : أوّل مَن وضع نقط المصحف ، هو أبو الأسود الدؤلي.

وأوّل مَن صنّف في القراءة ودوّن علمها ، هو أبان بن تغلب.

وأوّل مَن صنّف في فضائل القرآن ، هو أُبي بن كعب.

وأوّل مَن صنّف في مجاز القرآن ، هو الفرّاء يحيى بن زياد.

وأوّل مَن صنّف في أحكام القرآن ، هو محمّد بن السائب.

وأوّل مَن صنّف في علم تفسير القرآن ، هو سعيد بن جبير.

١٣ ـ علم الكلام : أوّل مَن ناظر في التشيّع ، هو الكميت بن زياد.

وأوّل مَن صنّف في علم أُصول العقائد ، هو عليّ بن إسماعيل بن ميثم التمّار.

١٤ ـ علم الأخلاق : أوّل مَن صنّف في علم الأخلاق ، هو إسماعيل بن مهران السكوني.

نكتفي بهذا المقدار ، وللمزيد راجع كتاب تأسيس الشيعة لعلوم الإسلام للسيّد حسن الصدر.

٢١٧

شبهة قتلهم الإمام الحسين عليه‌السلام بعد ما بايعوه

س : هل صحيح أنّ جيش عمر بن سعد ـ الذي حارب الحسين عليه‌السلام في الطفّ ـ كان يتكوّن من أهل الكوفة؟ أي من شيعة أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وممّن بايعوا الحسين في بادئ الأمر؟ وكم كانت نسبتهم في الجيش؟

ج : إنّ الشيعة على قسمين :

١ ـ شيعة بالمعنى الأخصّ ، يعني يعتقدون بالتولّي والتبرّي ، وهؤلاء لم يكونوا في جيش عمر بن سعد ـ الذي حارب الإمام الحسين عليه‌السلام ـ بل إمّا استشهدوا مع الحسين عليه‌السلام ، أو كانوا في السجون ، أو وصلوا إلى كربلاء بعد شهادة الحسين عليه‌السلام.

٢ ـ شيعة بالمعنى الأعمّ ، يعني يحبّون أهل البيت عليهم‌السلام ، ويعتقدون بالتولّي ولا يعتقدون بالتبرّي ، ولا يرون أنّ الإمامة إلهية وبالنصّ ، وهؤلاء كان منهم مَن بايع الإمام الحسين عليه‌السلام في أوّل الأمر وصار إلى جيش عمر بن سعد.

وكلّ ما ورد من روايات ونصوص تاريخية فيها توبيخ لأهل الكوفة فإنّما تُحمل على الشيعة بالمعنى الأعمّ ، أي الذين كانوا يتشيّعون بلا رفض وبلا اعتقاد بالإمامة الإلهية ، وما إلى ذلك من أُصول التشيّع.

انقسامهم إلى الأخبارية والشيخية والأُصولية

س : أُريد الإجابة بكلّ صراحة ، هل الشيعة ينقسمون إلى أخبارية وشيخية وأُصولية؟ وإذا كان صحيحاً أرجو التوضيح ، وإذا كان خاطئاً أرجو معرفة الصواب ، مع خالص الشكر لكم.

ج : إنّ الشيعة ينقسمون الآن إلى ثلاث فرق : الشيعة الزيدية ، والشيعة الإسماعيلية ، والشيعة الإمامية الاثني عشرية.

والزيدية والإسماعيلية قليلون ، والنسبة الأكثر تعود إلى الشيعة الإمامية الاثني

٢١٨

عشرية ، حتّى إنّه إذا أُطلق لفظ التشيّع يتبادر إلى الأذهان الإمامية.

وأمّا ما ذكرت من الأخبارية والشيخية والأُصولية فإنّها ليست فرق ، بل هم شيعة إمامية اثنا عشرية ، وإن اختلفوا في بعض المباني العلمية فيما بينهم ، إلّا أنّ اختلافهم لا يخرجهم عن التشيّع ، شأنهم شأن اختلاف مراجع مذهب واحد في بعض النظريات.

تكفير ابن باز للشيعة

س : ما هو الدليل على أنّ ابن باز كان يحلّل دماء الشيعة وتكفيرهم في كُلّ شيء؟ ودمتم سالمين.

ج : قد سُئلت اللجنة الدائمة للإفتاء بالمملكة العربية السعودية ـ المؤلّفة كلاً من عبد العزيز بن باز ، وعبد الرزاق عفيفي ، وعبد الله بن غديان ، وعبد الله بن قعود ـ عدّة أسئلة حول الشيعة الإمامية الاثني عشرية ، منها :

وجّه إلى اللجنة الدائمة سؤال عن حكم أكل ذبائح جماعة من الجعفرية الإمامية الاثني عشرية ، فأجابت اللجنة بقولها ما نصّه : «إذا كان الأمر كما ذكر السائل من أنّ الجماعة الذين لديه من الجعفرية يدّعون عليّاً والحسن والحسين وسادتهم فهم مشركون مرتدّون عن الإسلام والعياذ بالله ، لا يحلّ الأكل من ذبائحهم ، لأنّها ميتة ولو ذكروا عليها اسم الله» (١).

وقالت اللجنة في جواب آخر ما نصّه : «إذا كان الواقع كما ذكرت من دعائهم عليّاً والحسن والحسين ونحوهم فهم مشركون شركاً أكبر يخرج من ملّة الإسلام ، فلا يحلّ أن نزوّجهم المسلمات ، ولا يحلّ لنا أن نتزوّج من نسائهم ، ولا يحلّ لنا أن نأكل من ذبائحهم» (٢).

__________________

١ ـ فتاوى اللجنة الدائمة ٢ / ٣٧٢.

٢ ـ المصدر السابق ٢ / ٣٧٣.

٢١٩

كما قالت اللجنة في جواب آخر عن حكم مَن يعتقد أنّ القرآن قد وقع فيه التحريف ـ يقصدون بهم الشيعة الإمامية ـ بقولها ما نصّه : «ومَن قال : إنّه غير محفوظ ، أو دخله شيء من التحريف أو النقص فهو ضالّ مضلّ ، يستتاب فإن تاب وإلّا وجب على ولي الأمر قتله مرتداً ...» (١).

وقال ابن باز حول الشيعة ما نصّه : «وأُفيدكم بأنّ الشيعة فرق كثيرة وكُلّ فرقة لديها أنواع من البدع ، وأخطرها فرقة الرافضة الخمينية الاثنا عشرية ؛ لكثرة الدعاة إليها ، ولما فيها من الشرك الأكبر كالاستغاثة بأهل البيت ، واعتقاد أنّهم يعلمون الغيب ، ولا سيّما الأئمّة الاثني عشر حسب زعمهم ، ولكونهم يكفّرون ويسبّون غالب الصحابة كأبي بكر وعمر رضي الله عنهما ، نسأَلُ الله السلامة ممّا هم عليه من الباطل» (٢).

وسُئلت اللجنة أيضاً : ما حكم عوامّ الروافض الإمامية الاثنى عشرية؟ وهل هناك فرق بين علماء أيّ فرقة من الفرق الخارجة عن الملّة وبين أتباعها من حيث التكفير أو التفسيق؟

فأجابت : «مَن شايع من العوامّ إماماً من أئمّة الكفر والضلال ، وانتصر لسادتهم وكبرائهم بغياً وعدواً ، حكم له بحكمهم كفراً وفسقاً ، قال الله تعالى : قَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلاَ رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا (٣) ... وغير ذلك في الكتاب والسنّة كثير ؛ ولأنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله قاتل رؤساء المشركين وأتباعهم ، وكذلك فعل أصحابه ، ولم يفرّقوا بين السادة والأتباع.

__________________

١ ـ المصدر السابق ٤ / ٩.

٢ ـ مجموع فتاوى ابن باز ٣ / ١١٠٨.

٣ ـ الأحزاب : ٦٧ ـ ٦٨.

٢٢٠