أسئلة وأجوبة عقائديّة

محمّد أمين نجف

أسئلة وأجوبة عقائديّة

المؤلف:

محمّد أمين نجف


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: ماهر
الطبعة: ١
ISBN: 978-600-5995-26-1
الصفحات: ٢٨٧

به» (١).

ولا شكّ أنّ الاحتجاج بهذا القول ، يعني جواز إظهار خلاف الواقع في القول عند الإكراه ، ولو تمّ بسوطين.

٢ ـ ابن عبد البرّ المالكي (٢) حيث أفتى بعدم وقوع عتق المكره وطلاقه ، ولو كانت التقية لا تجوز في العتق والطلاق عند الإكراه من ظالم عليهما لقال بوقوعهما.

وغيرهما كثير (٣).

لا تقية في النبيذ والمسح على الخفّين

س : قال الإمام جعفر الصادق عليه‌السلام : «والتقيّة في كلّ شيء إلّا في النبيذ ، والمسح على الخفّين» (٤).

أرجو منكم شرح العبارة السابقة ، وما الحكمة من ذلك؟ وشكراً لكم على جهودكم.

ج : قد أشار الإمام الصادق عليه‌السلام بقوله : «والتقية في كلّ شيء» إلى أنّ التقية غير مختصّة بالأحكام والأعمال الدينية ، بل تكون في الأفعال العرفية أيضاً ، مثل الخلطة بهم ، وعيادة مرضاهم ، ونحوها.

وأمّا عدم التقية في شرب النبيذ ، ومسح الخفّين ، هو لعدم وقوع الإنكار فيهما من العامّة غالباً ؛ لأنّ أكثرهم يحرّمون المسكر ، ولا ينكرون خلع الخفّ ، وغسل الرجلين ،

__________________

١ ـ المدونة الكبرى ٣ / ٢٩.

٢ ـ اُنظر : الكافي في فقه أهل المدينة : ٥٠٣.

٣ ـ اُنظر : تفسير ابن جزي : ٣٦٦ ، الجامع لأحكام القرآن ١٠ / ١٨٢ ، المبسوط للسرخي ٢٤ / ٤٨ و ٥١ و ٧٧ و ١٥٢ ، فتح الباري ١٢ / ٢٧٨ ، المجموع ١٨ / ٣ ، المغني لابن قدامة ٨ / ٢٦٢.

٤ ـ الكافي ٢ / ٢١٧.

١٨١

بل الغسل أولى منه ، نعم ، إذا قدّر خوف ضرر نادراً جازت التقية.

وجاء في شرح أُصول الكافي : «وقال الشيخ الطوسي : لا تقية فيهما لأجل مشقّة يسيرة لا تبلغ إلى الخوف على النفس أو المال ، وإن بلغت أحدهما جازت.

ويقرب منه قول مَن قال : لا ينبغي الاتّقاء فيهما ، وإن حصل ضرر عظيم ، ما لم يؤدّ إلى الهلاك.

وقيل : عدم الاتّقاء مختصّ بالمعصوم عليه‌السلام ، باعتبار أنّ الاتّقاء لا ينفعه ، لكون لا حكم فيها معروفاً من مذهبه» (١).

__________________

١ ـ شرح أُصول الكافي ٩ / ١١٩.

١٨٢

التوسّل والاستغاثة بأهل البيت عليهم‌السلام

* الأدلّة على جواز التوسّل والاستغاثة

* كيفية التوسّل بأهل البيت عليهم‌السلام

* التوسّل والاستغاثة بقولنا : يا علي

الأدلّة على جواز التوسّل والاستغاثة

س : أنا تصفّحت كتب الشيعة فلم أجد الإجابة الوافية بشأن التوسّل بالأموات ، خصوصاً من السنّة ، وشكراً لكم.

ج : إنّ التوسّل يتصوّر على قسمين :

١ ـ تارة نطلب من الله تعالى بحقّ نبيّ أو إمام ، أو عبدٍ صالح ، أن يقضي حوائجنا.

٢ ـ وتارة نطلب من النبيّ والوصي والعبد الصالح أن يطلب من الله تعالى قضاء الحوائج.

قال تعالى : وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا (١).

وقال تعالى حكاية عن أولاد يعقوب : قَالُواْ يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّيَ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (٢).

__________________

١ ـ النساء : ٦٤.

٢ ـ يوسف : ٩٧ ـ ٩٨.

١٨٣

وربما يقول قائل : إنّ هذا جائز في حال الحياة ، أمّا بعد الممات فلا ؛ لكونه شركاً بالله تعالى.

فيقال : إنّ الشيء لا ينقلب عمّا هو عليه ، وإذا كان جائزاً فلا فرق ، سواء كان في حياته أو بعد مماته ، إذ إنّ النبيّ آتاه الله الدرجة الرفيعة ، وهو الوسيلة إلى الله في الدنيا والآخرة ، فلا بدع لو توسّل به المؤمن في كلّ يوم ، وقال : يا وجيهاً عند الله اشفع لنا عند الله.

وروي عن عثمان بن حنيف أنّه قال : «إنّ رجلاً ضرير البصر أتى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال : أدعُ الله أن يعافيني ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : «إن شئتَ أخّرت لك وهو خير ، وإن شئتَ دعوت» ، قال : فادعه.

فأمره صلى‌الله‌عليه‌وآله أن يتوضّأ فيحسن وضوءه ، ويصلّي ركعتين ، ويدعو بهذا الدعاء : اللّهمّ إنّي أسألك وأتوجّه إليك بمحمّد نبيّ الرحمة ، يا محمّد إنّي توجّهت بك إلى ربّي في حاجة هذه لتقضى ، اللّهمّ شفّعه فيّ.

قال ابن حنيف : فو الله ما تفرّقنا ، وطال بنا الحديث ، حتّى دخل علينا كأن لم يكن به ضرّ» (١).

قال الرفاعي الوهّابي المعاصر : «لا شكّ أنّ هذا الحديث صحيح ومشهور ، وقد ثبت فيه بلا شكّ ولا ريب ارتداد بصر الأعمى بدعاء رسول الله».

وروي عن عمر بن الخطّاب ، عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : «لمّا اقترف آدم الخطيئة قال : يا ربّ أسألك بحقّ محمّد لما غفرت لي» (٢).

__________________

١ ـ سنن ابن ماجة ١ / ٤٤١ ، مسند أحمد ٤ / ١٣٨ ، مستدرك الحاكم ١ / ٣١٣ ، الجامع الصغير ١ / ١٨٣ ، المعجم الكبير ٩ / ٣١.

٢ ـ المستدرك على الصحيحين ٢ / ٦١٥ ، سبل الهدى والرشاد ١ / ٨٥ ، الدرّ المنثور ١ / ٥٨.

١٨٤

هذا ، وقد جرت سيرة المسلمين في حياة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وبعد وفاته على التوسّل به صلى‌الله‌عليه‌وآله ، والأولياء الصالحين ، والاستشفاع بمنزلتهم وجاههم عند الله تعالى.

كيفية التوسّل بأهل البيت عليهم‌السلام

س : شكراً على هذه المعلومات المفيدة التي تقدّموها لنشر الفكر الإسلامي الأصيل ، وجزاكم الله كلّ خير.

أُودّ أن استفسر منكم عن قدرة أهل البيت عليهم‌السلام في قضاء الحوائج حين التوسّل بهم.

والأمر الثاني هو : في قوله تعالى : وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ (١) هل من الممكن أن تكون الوسيلة هي الدعاء وطلب الحاجة من الله؟ وكيف نوازن أُمور الدعاء مع قول الله تعالى : فَلاَ تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَدًا (٢).

ج : إنّ التوسّل بأهل البيت عليهم‌السلام يتصوّر على قسمين :

١ ـ تارة نطلب من الله تعالى بحقّهم عليهم‌السلام ، ومنزلتهم عنده تعالى ، أن يقضي حوائجنا ، وهذا القسم لا علاقة له بقدرتهم عليهم‌السلام على قضاء الحوائج.

٢ ـ وتارة نطلب منهم عليهم‌السلام أن يطلبوا من الله تعالى قضاء حوائجنا ، وهذا

القسم من التوسّل مقدور عندهم عليهم‌السلام ، فهو مجرد طلب من الله تعالى في قضاء الحاجات ، فالله تعالى هو القاضي لا هم عليهم‌السلام.

كما في قضية طلب أولاد يعقوب عليه‌السلام من أبيهم أن يستغفر لهم ، قال تعالى : قَالُواْ يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّيَ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (٣).

__________________

١ ـ المائدة : ٣٥.

٢ ـ الجنّ : ١٨.

٣ ـ يوسف : ٩٧ ـ ٩٨.

١٨٥

وأمّا بالنسبة إلى الأمر الثاني نقول :

الوسيلة لا تنافي الدعاء ؛ لأنّ الدعاء هو الطلب من الله تعالى في قضاء الحوائج ، والوسيلة كما قلنا هو الطلب من الله تعالى بحقّ أهل البيت عليهم‌السلام أن يقضي الحوائج ، أو الطلب منهم عليهم‌السلام أن يطلبوا من الله تعالى في قضاء الحوائج ؛ لقربهم منه تعالى ، ولأمرنا بابتغاء الوسيلة إليه ، والوسيلة هم عليهم‌السلام كما في الروايات.

قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «الأئمّة من ولد الحسين ، مَن أطاعهم فقد أطاع الله ، ومَن عصاهم فقد عصى الله ، هم العروة الوثقى ، وهم الوسيلة إلى الله تعالى» (١).

ثمّ إنّ التوسّل بهم عليهم‌السلام لا يعني دعاءهم ، حتّى ينافي قوله تعالى : فَلاَ تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَدًا ، فنحن لا نقول إنّهم عليهم‌السلام هم يقضون الحاجات ، وإنّما هم واسطة إلى الله تعالى في قضاء الحوائج.

فنحن متوكّلون على الله تعالى ، ونقرّ بربوبيّته وقدرته ، ونعتقد أنّه تعالى هو القاضي للحاجات لا هم.

التوسّل والاستغاثة بقولنا : يا علي

س : يسأل البعض عن كلمة «يا علي» عندما يقولها الشيعة ، فهل هي تعني الله عزّ وجلّ أم الإمام عليّ عليه‌السلام؟

ج : الاستغاثة بالنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وبإخوانه النبيّين والمرسلين وبالأوصياء والصالحين ، هي عبارة عن سؤال الشفاعة منهم لقضاء الحوائج ، ودفع النوائب ، وتفريج الكروب ، ولا ريب أنّ كلّ مَن يناديهم من المؤمنين ، فهو عالم أنّه لا يعبد إلّا الله ، ولا يفعل ما يريد ، ولا يمنح ما يطلب إلّا الله ، وليس هؤلاء إلّا شفعاء فقط.

__________________

١ ـ عيون أخبار الرضا ١ / ٦٣ ، ينابيع المودّة ٢ / ٣١٨ و ٣ / ٢٩٢.

١٨٦

وقد أرشدنا الله ورسوله للاستغاثة بعباد الله الصالحين من الأنبياء والأوصياء ، بقوله : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللهَ وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ (١).

وقد ورد في بعض الأخبار : أنّ المقصود من الوسيلة هو أمير المؤمنين عليّ عليه‌السلام (٢) ، فعندما تُنادي الشيعة بكلمة : «يا علي» في الواقع تتوسّل به عليه‌السلام إلى الله تعالى ، لما يحمله من المنزلة والمقام الرفيع ، والقرب من المولى تعالى.

__________________

١ ـ المائدة : ٣٥.

٢ ـ مناقب آل أبي طالب ٢ / ٢٧٣.

١٨٧

الجفر

* مضمون الجفر

* علم الجفر من مختصّات الأئمّة عليهم‌السلام

مضمون الجفر

س : بارك الله في جهودكم ، كثيراً ما اسمع عن الجفر ، فهل يمكنكم أن تذكروا لي بعض مضامينه؟

ج : في مضمون الجفر أقوال كثيرة ، نذكر منها :

١ ـ إنّ في الجفر تفسير القرآن الكريم ، وما في باطنه من غرائب المعاني ، وكلّ ما يحتاج إلى علمه أتباع آل البيت عليهم‌السلام ، وكلّ ما يكون إلى يوم القيامة.

٢ ـ إنّ في الجفر ما جرى للأوّلين ، وما جرى للآخرين ، وفيه اسم الله الأعظم ، وتاج آدم ، وخاتم سليمان ، وحجاب آصف.

٣ ـ إنّ الإمام عليّ عليه‌السلام قد ذكر فيه على طريقة علم الحروف الحوادث التي تحدث إلى انقراض العالم.

٤ ـ إنّ في الجفر علم ما سيقع لأهل البيت عليهم‌السلام على العموم ، ولبعض الأشخاص منهم على الخصوص.

٥ ـ إنّ في الجفر مجموعة نبوءات وحكم ، ورموز وعبر.

قال الإمام الباقر عليه‌السلام : «وعندنا الجفر ؛ وهو أديم عكاظيّ ، قد كُتب فيه حتّى مُلئت

١٨٨

أكارعه ، فيه ما كان وما هو كائن إلى يوم القيامة» (١).

علم الجفر من مختصّات الأئمّة عليهم‌السلام

س : أُودّ لو أعلم هل عندكم علم الجفر للإمام الصادق عليه‌السلام؟ وشكراً.

ج : الجفر الذي أنتم بصدده ليس موجوداً عندنا ، ولا عند أيّ شخص ، بل هو من مختصّات الأئمّة عليهم‌السلام يتوارثونه ، وهو الآن عند الإمام الحجّة المنتظر عليه‌السلام ، يُظهره عند ظهوره عليه‌السلام.

__________________

١ ـ بصائر الدرجات : ١٨٠.

١٨٩

الذبح عند القبور

* المحذور المتصوّر من الذبائح

* حكم الذبائح في مجالس العزاء

المحذور المتصوّر من الذبائح

س : هل يجوز الذبح للقبور؟

ج : لا يجوز عندنا الذبح للقبور ، كما لا يجوّزه أحد من المسلمين.

وأمّا الذبح لله تعالى عند القبور ـ لوفاء نذر وشبهه ـ فهذا جائز ، وليس فيه محذور ؛ لأنّ الذبح حصل لله تعالى ، فلا يحصل الخلط بين المسألتين.

وكذلك يأتي الفرق بين مَن تقرّب للقبر ونحوه ، وبين مَن تقرّب لله عزّ وجلّ في مسجد ، أو عند قبر نبيّ من الأنبياء عليهم‌السلام ، أو وليّ من الأولياء ، فهو تقرّب لله عزّ وجلّ في أماكن يحبّ الله أن يتقرّب له فيها.

حكم الذبائح في مجالس العزاء

س : يُقال : لا يجوز أكل طعام الحسين الذي يُصنع ويوزّع في المساجد والحسينيات عندنا ، فكيف ذلك والناس تأكل منه؟

ج : إنّ الذي يقول بعدم جواز أكله حصل له تصوّر خاطئ ، إن لم نقل جهل بالحكم الشرعي ، فتصوّر أنّ الطعام الذي يُعطى باسم الحسين عليه‌السلام مصنوع من لحم مذبوح لغير الله تعالى ، لأنّه مذبوح للحسين عليه‌السلام ، وكلّ مذبوح لغير الله تعالى لا يجوز أكله ، بل

١٩٠

أكله محرّم.

والواقع والحقيقة أنّ المذبوح ذُبح لله تعالى وبالطريقة الشرعيّة الجائزة ، من التسمية عليه واستقبال القبلة ، ولكن ذُبحت لأجل الحسين عليه‌السلام ، كما نذبح الذبيحة لقدوم الحاج ، فهو ذبح لله ، وهكذا ذبح الذبيحة لشراء بيت ، أو لمولود جديد كما في العقيقة ، فهذا كلّه لله تعالى جائز أكله ، ولا نقصد منه التقرّب به لغير الله.

١٩١

الرجعة

* مفهوم الرجعة ووقوعها

* إمكانية الرجعة والأدلّة على ذلك من الكتاب والسنّة

مفهوم الرجعة ووقوعها

س : ما هو مفهوم الرجعة؟ وفي أيّ زمن تحصل؟

ج : إنّ مفهوم الرجعة هو : رجوع جماعة من الأموات إلى الحياة الدنيوية قبل يوم القيامة في صورتهم التي كانوا عليها ، وذلك عند قيام الإمام المهدي عليه‌السلام وبعده.

ولا يرجع إلّا مَن علت درجته في الإيمان ، أو مَن بلغ الغاية في الفساد ، ثمّ يصيرون بعد ذلك إلى النشور ، وما يستحقّونه من الثواب والعقاب.

ثمّ لا يخفى عليك ، أنّ القول بالرجعة ليس من مختصّات الشيعة ، فإنّ الجميع يؤمنون برجعة السيّد المسيح عليه‌السلام في آخر الزمان.

إمكانية الرجعة والأدلّة على ذلك من الكتاب والسنّة

س : لقد أوضحتم جزاكم الله مفهوم الرجعة من خلال بعض الإجابات ، لكن السؤال : كيف أثبت الرجعة من خلال آيات القرآن الكريم والسنّة؟ شاكراً لكم.

ج : قال السيّد المرتضى قدس‌سره : «اعلم إنّ الذي يقوله الإمامية في الرجعة لا خلاف بين المسلمين ـ بل بين الموحّدين ـ في جوازه ، وأنّه مقدور لله تعالى.

وإنّما الخلاف بينهم : في أنّه يوجد لا محالة ، أو ليس كذلك ، ولا يخالف في صحّة

١٩٢

رجعة الأموات إلّا ملحد وخارج عن أقوال أهل التوحيد ؛ لأنّ الله تعالى قادر على إيجاد الجواهر بعد إعدامها ، وإذا كان عليها قادراً جاز أن يوجدها متى شاء» (١).

وقال الآلوسي : «وكون الإحياء بعد الإماتة ، والإرجاع إلى الدنيا من الأُمور المقدورة له عزّ وجلّ ، ممّا لا ينتطح فيه كبشان ، إلّا أنّ الكلام في وقوعه» (٢).

فإذا كان إمكان الرجعة أمراً مسلّماً به عند جميع المسلمين ، فلماذا الشكّ والاستغراب لوقوع الرجعة؟! ولماذا التشنيع والنبز بمَن يعتقد بها ؛ لورود الأخبار الصحيحة المتواترة عن أئمّة الهدى عليهم‌السلام بوقوعها؟

قال تعالى : أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللهُ مُوتُواْ ثُمَّ أَحْيَاهُمْ ... (٣).

فجميع الروايات الواردة في تفسير هذه الآية المباركة ، تدلّ على أنّ هؤلاء ماتوا مدّة طويلة ، ثمّ أحياهم الله تعالى ، فرجعوا إلى الدنيا ، وعاشوا مدّة طويلة.

فإذا كانت الرجعة قد حدثت في الأزمنة الغابرة ، فلم لا يجوز حدوثها في آخر الزمان : سُنَّةَ اللهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلاً ... (٤).

وقال تعالى : أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّىَ يُحْيِي هَذِهِ اللهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللهُ مِئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَل لَّبِثْتَ مِئَةَ عَامٍ ... (٥).

__________________

١ ـ رسائل المرتضى ٣ / ١٣٥.

٢ ـ روح المعاني ١٠ / ٢٣٧.

٣ ـ البقرة : ٢٤٣.

٤ ـ الأحزاب : ٦٢.

٥ ـ البقرة : ٢٥٩.

١٩٣

لقد اختلفت الروايات والتفاسير في تحديد هذا الذي مرّ على قرية ، لكنّها متّفقة على أنّه مات مئة عام ، ورجع إلى الدنيا وبقي فيها ، ثمّ مات بأجله ، فهذه رجعة إلى الحياة الدنيا.

وقد قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «لتركبنّ سنن مَن كان قبلكم شبراً بشبر ، وذراعاً بذراع ، حتّى لو أنّ أحدهم دخل حجر ضب لدخلتم» (١).

هذا ، وروي عن أبي بصير أنّه قال : قال لي أبو جعفر عليه‌السلام : «ينكر أهل العراق الرجعة؟ قلت : نعم ، قال : أمّا يقرؤون القرآن وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا»؟ (٢).

وروي عن حمّاد ، عن الإمام الصادق عليه‌السلام قال : «ما يقول الناس في هذه الآية : وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا؟ قلت : يقولون : إنّها في القيامة.

قال عليه‌السلام : ليس كما يقولون ، إنّ ذلك الرجعة ، أيحشر الله في القيامة من كلّ أُمّة فوجاً ويدع الباقين؟! إنّما آية القيامة قوله : وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا» (٣).

ويمكن أن يتجلّى لنا الهدف من هذا الأمر الخارق الذي أخبر به أئمّة الهدى عليهم‌السلام ، إذا عرفنا أنّ العدل الإلهي واسع سعة الرحمة الإلهيّة ، ومطلق لا يحدّه زمان ولا مكان ، وأنّه أصيل على أحداث الماضي والحاضر والمستقبل ، والرجعة نموذج رائع لتطبيق العدالة الإلهيّة ؛ ذلك لأنّها تعني أنّ الله تعالى يعيد قوماً من الأموات ممّن محّض الإيمان محضاً ، أو محّض الكفر محضاً ، فيديل المحقّين من المبطلين عند قيام المهدي عليه‌السلام.

وفي الختام : نشير إلى أنّ الشيخ الحرّ العاملي قدس‌سره أورد في الباب الثاني من كتابه

__________________

١ ـ مسند أحمد ٢ / ٥١١ ، صحيح البخاري ٨ / ١٥١ ، المستدرك ٤ / ٤٥٥ ، مجمع الزوائد ٧ / ٢٦١ ، مسند أبي داود : ٢٨٩.

٢ ـ النمل : ٨٣ ، مختصر بصائر الدرجات : ٢٥.

٣ ـ الكهف : ٤٧ ، مختصر بصائر الدرجات : ٤١.

١٩٤

«الإيقاظ من الهجعة بالبرهان على الرجعة» اثني عشر دليلاً على صحّة الاعتقاد بالرجعة ، وأهمّ ما استدلّ به الإمامية على ذلك : هو الأحاديث الكثيرة المتواترة عن النبيّ والأئمّة عليهم‌السلام ـ المروية في الكتب المعتمدة ـ وإجماع الطائفة المحقّة على ثبوت الرجعة ، حتّى أصبحت من ضروريات مذهب الإمامية.

١٩٥

زيارة القبور

* الأدلّة على جواز الزيارة

* زيارة المسلمين للقبور

* كيفية قياس الزيارة بالحجّ والعمرة

الأدلّة على جواز الزيارة

س : ما الدليل على جواز زيارة القبور؟

ج : الأدلّة على جواز زيارة القبور هي :

أوّلاً : مفهوم قوله تعالى : وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَدًا وَلاَ تَقُمْ عَلَىَ قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُواْ وَهُمْ فَاسِقُونَ (١).

نهت الآية عن الصلاة والقيام على قبر المنافق ، ومفهومها مطلوبية هذين الأمرين بالنسبة لغيره ـ أي للمؤمن ـ.

ثانياً : السنّة النبويّة ، فالنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله جسّد بعمله مشروعية زيارة القبور ـ مضافاً إلى أنّه أمر بها ـ وعلّم كيفيّتها ، وكيف يتكلّم الإنسان مع الموتى ، فقد ورد أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله زار البقيع ، واليك بعض النصوص :

١ ـ روى مسلم عن عائشة أنّها قالت : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كلّما كان ليلتها منه ، يخرج من آخر الليل إلى البقيع ، فيقول : «السلام عليكم دار قوم مؤمنين ، وأتاكم ما توعدون

__________________

١ ـ التوبة : ٨٤.

١٩٦

غداً مؤجّلون ، وإنّا إن شاء الله بكم لاحقون ، اللّهمّ اغفر لأهل بقيع الغرقد» (١).

٢ ـ قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «نهيتكم عن ثلاث ، وأنا آمركم بهنّ : نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها ، فإنّ في زيارتها تذكرة» (٢).

ثالثاً : سيرة المسلمين ، فإنّها جرت على زيارة قبر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله منذ وفاته ، وإلى يومنا هذا.

رابعاً : الفطرة ، فالنفوس السليمة تشتاق إلى زيارة مَن له بها صلة روحية أو مادّية ، والإسلام دين الفطرة.

خامساً : تصريح أكابر الأُمّة الإسلامية على استحباب زيارة قبر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقد خصّ الإمام السبكي الشافعي في كتابه «شفاء السقام في زيارة خير الأنام» باباً لنقل نصوص العلماء على استحباب زيارة قبر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقد بيّن أنّ الاستحباب أمر مجمع عليه بين المسلمين.

كما نقل العلاّمة الأميني قدس‌سره في «الغدير» كلمات أعلام المذاهب الأربعة بما يتجاوز الأربعين كلمة حول الزيارة (٣).

هذا ، وقد تضافرت الأحاديث عن أهل البيت عليهم‌السلام حول زيارة قبر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، منها مثلاً :

١ ـ قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «مَن زارني في حياتي وبعد موتي ، فقد زار الله تعالى ...» (٤).

٢ ـ قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «مَن أتاني زائراً كنت شفيعه يوم القيامة» (٥).

__________________

١ ـ صحيح مسلم ٣ / ٦٣.

٢ ـ سنن أبي داود ٢ / ١٨٩ ، السنن الكبرى للبيهقي ٩ / ٢٩٢ ، كنز العمال ١٥ / ٦٤٨.

٣ ـ الغدير ٥ / ١٠٩.

٤ ـ عيون أخبار الرضا ٢ / ١٠٦.

٥ ـ كامل الزيارات : ٤١.

١٩٧

ثمّ بالإضافة إلى هذه الأدلّة ، هناك آثار تربوية وأخلاقية واجتماعية تنطوي عند زيارة القبور ، ومَن يُشكّك في استحباب زيارة قبر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، في الواقع يُشكّك في الأُمور المسلّمة والمتّفق عليها عند المسلمين.

زيارة المسلمين للقبور

س : عندي استفسار : هناك بعض الشيعة ممّن يدخلون المشاهد التي يدخلها الملايين من البشر ، ومع ذلك فهناك بعض كأنّه يعبد القبر عبادة عمياء ، لا يدري أنّه بشر مثلنا ، وهو يقول مثلاً : اشفع لنا يوم القيامة ، ألا تعتبر أنّ هذا شرك بالله ، والله هو الوحيد الذي يغفر ذنوب الأنس والجنّ ، ولكن أنا أدعو الناس إلى زيارة القبور ، لأنّها توعّي الإنسان ، ولكن لا أن توصل إلى عبادة القبر ، أرجو التوضيح.

ج : لا يوجد ولا شيعي واحد يعبد القبور ، وإنّما هو زيارة وتبرّك وعبادة لله تعالى في أماكن يستجاب فيها الدعاء ، لأنّها أماكن تضمّ قبور الأنبياء والأئمّة والصالحين ، وإن كان مرادك أنّ مطلق التبرّك هو عبادة للقبر فنجيبك بما يلي :

أنّه لم نجد قولاً بالحرمة لأحد من أعلام المذاهب الأربعة ، ممّن لهم ولآرائهم قيمة في المجتمع ، وإنّما القائل بالنهي عنه من أُولئك يراه تنزيهاً لا تحريماً ، ويقول بالكراهة ، مستنداً إلى زعم أنّ الدنوّ من القبر الشريف يخالف حسن الأدب ، ويحسب أنّ البعد منه أليق به ، وليس من شأن الفقيه أن يفتي في دين الله بمثل هذه الاعتبارات التي لا تُبنى على أساس ، وتختلف باختلاف الأنظار والآراء.

نعم ، هناك أُناس شذّت عن شرعة الحقّ وحكموا بالحرمة ، قولاً بلا دليل ، وتحكّماً بلا برهان ، ورأياً بلا بيّنة ، وهم معروفون في الملأ بالشذوذ ، لا يُعبأ بهم وبآرائهم.

وأمّا بالنسبة إلى طلب الحوائج منهم عليهم‌السلام ، فإنّما هي في الحقيقة أنّ الشيعة تطلب الحوائج من الله تعالى ليقضيها لهم بحقّ صاحب القبر ومنزلته من الله ، أو طلب الحاجة

١٩٨

من صاحب القبر ليطلبها هو من الله تعالى ، فإنّ عقيدتنا أنّ النبيّ والأئمّة عليهم‌السلام كما كانوا يدعون لشيعتهم في حياتهم ويحيطون بهم علماً ، فكذلك بعد وفاتهم.

كيفية قياس الزيارة بالحجّ والعمرة

س : ورد في كتاب مفاتيح الجنان وضياء الصالحين ـ على سبيل المثال ـ : أنّ الزيارة تعادل ستّين حجّة ، أو مَن قرأ الدعاء المذكور ، غفر الله ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر ، ما المقصود بذلك؟

ج : إنّ ما ورد في كتاب مفاتيح الجنان من الأجر العظيم لبعض الزيارات فهو شيء معقول ؛ لأنّ قضية الأجر والثواب قضية شرعية ـ أي بيد الشارع تحديد الأجر والثواب ـ وهذا لا يعني أنّ الزيارة أفضل أو مساوية للحجّ والعمرة أبداً ، ولكن المقصود هو : أنّ الزيارة حيث كانت لغرض مقدّس ـ الذي هو إحياء أمر الحسين عليه‌السلام ، وبالتالي إحياء لأمر الإسلام ، وتعظيم لشعائر الله تعالى ـ فحينئذٍ يدخل في باب الشعائر التي أهتمّ بها الشارع المقدّس ، وتعبيراً منه لهذا الاهتمام ، يقرّر مثلاً أنّ الزيارة الفلانية تعادل كذا حجّة وعمرة في الثواب والأجر ، وهذا ناظر إلى الحجّ والعمرة المستحبّتين دون الواجبتين.

ونظير هذا ورد حتّى في كتب إخواننا السنّة : حيث ورد في بعض المستحبّات أنّها تعادل حجّة أو مئة حجّة ، مثلاً : الترمذيّ يروي حديث الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله : «من سبّح الله مئة بالغداة ومئة بالعشي ، كان كمَن حجّ مئة حجّة ...» (١) ، فهذا ليس معناه أنّ التسبيح هو أفضل من الحجّ مطلقاً ، وإنّما لبيان عظمة التسبيح وأهمّيته ، وأنّ له ثواب كذا حجّة ، والمقصود هو الحجّات المستحبّة ، مضافاً إلى أنّ التسبيح لا يغني عن الحجّ.

__________________

١ ـ الجامع الكبير ٥ / ١٧٦.

١٩٩

وكذا ما رواه أحمد بن حنبل من حديث الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله : «مَن مشى إلى صلاة مكتوبة ، وهو متطهّر ، كان له كأجر الحاج المحرم ...» (١).

فزيارة الإمام الحسين عليه‌السلام باعتبارها من المستحبّات الأكيدة ، تدخل ضمن شعائر الله ، ولهذا تُعادَل بأجر الحجّة أو العمرة المستحبّتان.

__________________

١ ـ مسند أحمد ٥ / ٢٦٨.

٢٠٠