أسئلة وأجوبة عقائديّة

محمّد أمين نجف

أسئلة وأجوبة عقائديّة

المؤلف:

محمّد أمين نجف


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: ماهر
الطبعة: ١
ISBN: 978-600-5995-26-1
الصفحات: ٢٨٧

بحرق داره.

قال الإمام الصادق عليه‌السلام : «والله ما بايع عليّ عليه‌السلام حتّى رأى الدخّان قد دخل عليه بيته» (١).

وأنّه عليه‌السلام كان يقول في ذلك اليوم لمّا أُكره على البيعة : ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُواْ يَقْتُلُونَنِي فَلاَ تُشْمِتْ بِيَ الأعْدَاء وَلاَ تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٢) ويردّد ذلك ويكرّره.

نفهم من كلّ هذا أنّ الإمام عليه‌السلام لم يبايع عن رضاً واختيار ، وأنّه كان مكرهاً على ذلك ، والبيعة بالإكراه لا تعطي أيّ شرعيّة لخلافة أبي بكر.

بيعة الناس لأمير المؤمنين عليه‌السلام

س : سؤالي هو عن خطبة وجدتها في كتاب نهج البلاغة ، يقول الإمام عليّ عليه‌السلام بالشورى ، هي :

«ومن كتاب له عليه‌السلام إلى معاوية : إِنَّهُ بَايَعَنِي الْقَوْمُ الَّذِينَ بَايَعُوا أَبَا بَكْر وَعُمَرَ وَعُثْمانَ عَلَى مَا بَايَعُوهُمْ عَلَيْهِ ، فَلَمْ يَكُنْ لِلشَّاهِدِ أَنْ يَخْتَارَ ، وَلاَ لِلغَائِبِ أَنْ يَرُدَّ ، وَإنَّمَا الشُّورَى لِلْمُهَاجِرِينَ وَالأنصار ، فَإِنِ اجْتَمَعُوا عَلَى رَجُل وَسَمَّوْهُ إِمَاماً كَانَ ذلِكَ لله رِضىً ، فَإِنْ خَرَجَ عَنْ أَمْرِهِمْ خَارِجٌ بِطَعْن أَوْ بِدْعَة رَدُّوهُ إِلَى مَا خَرَجَ منه ، فَإِنْ أَبَى قَاتَلُوهُ عَلَى اتِّبَاعِهِ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ ، وَوَلاَّهُ اللهُ مَا تَوَلَّى.

وَلَعَمْرِي ، يَا مُعَاوِيَةُ ، لَئِنْ نَظَرْتَ بِعَقْلِكَ دُونَ هَوَاكَ لَتَجِدَنِّي أَبْرَأَ النَّاسِ مِنْ دَمِ عُثْمانَ ، وَلَتَعْلَمَنَّ أَنِّي كُنْتُ فِي عُزْلَة عَنْهُ ، إلّا أَنْ تَتَجَنَّى ; فَتَجَنَّ مَا بَدَا لَكَ! وَالسَّلاَمُ» (٣).

__________________

١ ـ الكنى والألقاب ١ / ٣٨٧ ، الشافي في الإمامة ٣ / ٢٤١.

٢ ـ الأعراف : ١٥٠.

٣ ـ شرح نهج البلاغة ١٥ / ٧٨.

١٦١

فما هو ردّكم عليها؟ لكم منّي كلّ شكر وامتنان على ما تقدّموه.

ج : نقل لنا التاريخ أنّ الإمام عليّاً عليه‌السلام لم يمدّ يده إلى البيعة ، إلّا بعد إلحاح الجماعة ـ من المهاجرين والأنصار وغيرهم ـ والصحابة في الطليعة ، وفيهم طلحة والزبير.

وبعد أن تمّت البيعة للإمام عليه‌السلام كتب لمعاوية رسالة مع جرير بن عبد الله البجلي ، جاء فيها : «إِنَّهُ بَايَعَنِي الْقَوْمُ الَّذِينَ بَايَعُوا أَبَا بَكْر وَعُمَرَ وَعُثْمانَ عَلَى مَا بَايَعُوهُمْ عَلَيْهِ» ، فكأنّما يريد عليه‌السلام أن يقول له : يا معاوية أنت تعترف بخلافة أبي بكر وعمر وعثمان ، لأنّها تمّت ببيعة المهاجرين والأنصار ، وعلى ما تعترف به وتذهب إليه ، فقد بايعني القوم ، فلزمتك بيعتي وأنت بالشام ، فبايع كما بايع القوم.

«فَلَمْ يَكُنْ لِلشَّاهِدِ أَنْ يَخْتَارَ» ويرفض ويعترض إذا تمّت البيعة من أكثرية الصحابة وغيرهم.

«وَلاَ لِلغَائِبِ أَنْ يَرُدّ» بيعة الإمام الذي بايعه القوم.

«وَإنَّمَا الشُّورَى لِلْمُهَاجِرِينَ وَالأنصار» ، فكأنّما يريد عليه‌السلام أن يقول له : يا معاوية ألست تعتقد بالشورى وتحتجّ بها؟ ألست تعتقد بالإجماع وتحتجّ به؟ فقد بُويعت بمشورة المهاجرين والأنصار ، وقد تمّت البيعة لي بإجماع المسلمين.

«فَإِنِ اجْتَمَعُوا عَلَى رَجُل وَسَمَّوْهُ إِمَاماً كَانَ ذلِكَ لله رِضىً» هذا ما تعتقده ، فلماذا لا تبايع؟ وكما يقول المثل : ما عدا ممّا بدا؟

إذاً ، قال عليه‌السلام هذا الكلام على مقتضى عقيدة القوم ، ومن باب «ألزموهم بما ألزموا به أنفسهم» ، وإلّا فإمامته كانت ثابتة بعد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله بلا فصل ، بالنصّ الصادر منه على ما أفاضت إليه الأدلّة اليقينية المستفيضة في مظانّها.

١٦٢

تحريف القرآن

* أدلّتنا على عدم التحريف

* روايات التحريف في كتب أهل السنّة

* نصيحتنا عدم اتّهام الشيعة بالتحريف

أدلّتنا على عدم التحريف

س : هل هناك قول عن إمام ينصّ بعدم تحريف القرآن الكريم؟

ج : استدلّ العلماء بطوائف من الأحاديث لنفي التحريف :

الطائفة الأُولى : حديث الثقلين ، الدالّ على التمسّك بالكتاب والسنّة ، فلو كان الكتاب محرّفاً كيف نُأمر بالتمسّك به.

الطائفة الثانية : خطبة الغدير ، حيث أمر فيها صلى‌الله‌عليه‌وآله بتدبّر القرآن وفهم آياته والأخذ بمحكماته دون متشابهاته ، والأمر بذلك يستلزم عدم تحريفه.

الطائفة الثالثة : أحاديث العرض على الكتاب مطلقاً ، وترك العمل بما لم يوافقه أو لم يشبهه.

الطائفة الرابعة : الأحاديث الواردة في ثواب قراءة السور في الصلوات وغيرها ، وثواب ختم القرآن وتلاوته ، فلولا أنّ سور القرآن وآياته معلومة لدى المسلمين ، لما تمّ أمرهم بذلك.

الطائفة الخامسة : الأحاديث الواردة بالرجوع إلى القرآن واستنطاقه.

الطائفة السادسة : الأحاديث التي تتضمّن تمسّك الأئمّة من أهل البيت عليهم‌السلام بمختلف الآيات القرآنيّة المباركة.

١٦٣

الطائفة السابعة : الأحاديث الواردة في صدر بيان علّو القرآن ومقامه ومعرفة شأنه.

وعليه ، فلو كان القرآن الموجود محرّفاً ـ نعوذ بالله ـ لما بقي أثر لهذه الطوائف من الأحاديث وما شابهها.

فمجموع هذه الأحاديث على اختلاف طوائفها ، تدلّ دلالة قاطعة على أنّ القرآن الموجود هو القرآن النازل على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله من دون أيّ تغيير أو تحريف.

رواياته في كتب أهل السنّة

س : هل من الممكن أن تزوّدونا بروايات تحريف القرآن في كتب أهل السنّة؟ جزاكم الله خير الجزاء.

ج : نذكر لكم نماذج من روايات التي ذكرت سوراً أو آيات زُعِم أنّها كانت من القرآن وحُذِفت منه ، أو زعم البعض نخ تلاوتها ، أو أكلها الداجن ، في كتب أهل السنّة :

الأُولى : أنّ سورة الأحزاب تعدل سورة البقرة :

١. روي عن عائشة : «كانت سورة الأحزاب تعدل على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله مئتي آية ، فلمّا كُتِب المصحف لم يقدَر منها إلّا على ما هي الآن» (١).

٢ ـ روي عن عمر وأُبي بن كعب وعكرمة مولى ابن عباس : «كانت سورة الأحزاب مثل سورة البقرة أو أطول ، وكان فيها آية الرجم» (٢).

٣ ـ عن حذيفة : «قرأت سورة الأحزاب على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فنسيتُ منها سبعين آية ما

__________________

١ ـ الجامع لأحكام القرآن ١٤ / ١١٣ ، الدرّ المنثور ٥ / ١٨٠ ، فتح القدير ٤ / ٢٥٩.

٢ ـ الدرّ المنثور ٥ / ١٨٠ ، نيل الأوطار ٧ / ٢٥٤ ، المستدرك على الصحيحين ٢ / ٤١٥ ، صحيح ابن حبّان ١٠ / ٢٧٣ ، الجامع لأحكام القرآن ١٤ / ١١٣ ، مسند أحمد ٥ / ١٣٢ ، السنن الكبرى للبيهقي ٨ / ٢١١.

١٦٤

وجدتها» (١).

الثانية : لو كان لابن آدم واديان ... :

روي عن أبي موسى الأشعري أنّه قال لقرّاء البصرة : «وإنّا كنّا نقرأ سورة كنّا نشبّهها في الطول والشدّة ببراءة فأنسيتها ، غير أنّي حفظت منها : لو كان لابن آدم واديان من مال لابتغى وادياً ثالثاً ، ولا يملأ جوف ابن آدم إلّا التراب» (٢).

الثالثة : سورتا الخلع والحفد :

روي أنّ سورتي الخلع والحفد كانتا في مصحف ابن عباس وأُبي بن كعب وابن مسعود ، وأنّ عمر بن الخطّاب قنت بهما في الصلاة ، وأنّ أبا موسى الأشعري كان يقرأهما ، وهما :

١ ـ اللّهمّ إنا نستعينك ونستغفرك ، ونثني عليك ولا نكفرك ، ونخلع ونترك من يفجرك.

٢ ـ اللّهمّ إيّاك نعبد ، ولك نصلّي ونسجد ، وإليك نسعى ونحفد ، نرجو رحمتك ، ونخشى عذابك ، إنّ عذابك بالكافرين ملحق (٣).

الرابعة : آية الرجم :

روي بطرق متعدّدة أنّ عمر بن الخطّاب قال : «إيّاكم أن تهلكوا عن آية الرجم ، والذي نفسي بيده لولا أن يقول الناس زاد عمر في كتاب الله لكتبتها : الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتّة ، نكالاً من الله ، والله عزيز حكيم ، فإنّا قد قرأناها» (٤).

__________________

١ ـ الدرّ المنثور ٥ / ١٨٠ ، فتح القدير ٤ / ٢٥٩ ، التاريخ الكبير ٤ / ٢٤١.

٢ ـ صحيح مسلم ٣ / ١٠٠ ، تهذيب الكمال ٣٣ / ٢٣٤.

٣ ـ المصنّف للصنعاني ٣ / ١١١ ، كنز العمّال ٨ / ٨٠ ، الدرّ المنثور ٦ / ٤٢٠.

٤ ـ السنن الكبرى للبيهقي ٨ / ٢١٣ ، المصنّف لابن أبي شيبة ٦ / ٥٥٣ ، أحكام القرآن للجصّاص ٣ / ٣٣٦ ، الدرّ المنثور ٥ / ١٨٠ ، الطبقات الكبرى ٣ / ٣٣٤.

١٦٥

الخامسة : آية الجهاد :

روي أنّ عمر قال لعبد الرحمن بن عوف : «ألم تجد فيما أُنزل علينا : أن جاهدوا كما جاهدتم أوّل مرّة ، فإنّا لم نجدها؟ قال : أُسقط فيما أسقط من القرآن» (١).

السادسة : آية الرضاع :

روي عن عائشة أنّها قالت : «كان فيما أُنزل من القرآن : عشر رضعات معلومات يحرمن ، ثمّ نسخن بخمس معلومات ، فتُوفّي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وهنّ ممّا يقرأ من القرآن» (٢).

السابعة : آية رضاع الكبير عشراً :

روي عن عائشة أنَّها قالت : «نزلت آية الرجم ، ورضاع الكبير عشراً ، ولقد كانت في صحيفة تحت سريري ، فلمّا مات رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وتشاغلنا بموته ، دخل داجن فأكلها» (٣).

الثامنة : آية الصلاة على الذين يصلّون في الصفوف الأُول :

عن حميدة بنت أبي يونس قالت : «قرأ عليَّ أبي ـ وهو ابن ثمانين سنة ـ في مصحف عائشة : إنّ الله وملائكته يصلّون على النبيّ يا أيّها الذين آمنوا صلّوا عليه وسلّموا تسليماً ، وعلى الذين يصلّون في الصفوف الأُول!

قالت : قبل أن يغيّر عثمان المصاحف» (٤).

__________________

١ ـ كنز العمّال ٢ / ٥٦٧ ، الدرّ المنثور ١ / ١٠٦ ، تاريخ مدينة دمشق ٧ / ٢٦٦.

٢ ـ سنن الدارمي ٢ / ١٥٧ ، صحيح مسلم ٤ / ١٦٧ ، سنن النسائي ٦ / ١٠٠ ، السنن الكبرى للبيهقي ٧ / ٤٥٤ السنن الكبرى للنسائي ٣ / ٢٩٨ ، صحيح ابن حبّان ، ١٠ / ٣٦.

٣ ـ مسند أبي يعلى ٨ / ٦٤ ، سنن الدارقطني ٤ / ١٠٥ ، المعجم الأوسط ٨ / ١٢.

٤ ـ الإتقان في علوم القرآن ٢ / ٦٧.

١٦٦

التاسعة : عدد حروف القرآن :

أخرج الطبراني عن عمر بن الخطّاب قال : «القرآن ألف ألف ، وسبعة وعشرون ألف حرف» (١) ، بينما القرآن الذي بين أيدينا لا يبلغ ثلث هذا المقدار.

وفي الختام : نوجّه لكم نصيحة ، وذلك تقديساً للقرآن الكريم ، بأنّ البحث عن هذا الموضوع لا يخدم الشيعة ولا السنّة ، بل يخدم أعداء الإسلام ، فعليكم أوّلاً أن تنصحوا مَن يفتح باب البحث حول هذا الموضوع ، وتذكِّروه بهذه المسألة ، فإن ارتدع فهو المقصود ، وإلّا فاذكروا له هذه الروايات عندهم ليلقم حجراً.

نصيحتنا عدم اتّهام الشيعة بالتحرييف

س : ما مدى ذكر الاختلاف في القرآن بمصادر الشيعة ، مع العلم أنّه غير مختلف ، إلّا أنّي لاحظت تكرار المدّعين والمفترين الناصبين لهذا ، ويذكرونه عن أعلام كبار كالمجلسي والكاشاني.

ج : قد ورد في مصادر أهل السنّة والشيعة قديماً روايات تدلّ على التحريف ، بل ما ورد في مصادر أهل السنّة من روايات أكثر بكثير ممّا ورد في مصادر الشيعة ، ولكن علماء الفرق الإسلاميّة ناقشوا في هذه الروايات سنداً ودلالة ، والتزموا بالقول بعدم تحريف القرآن الكريم.

إن قيل : إنّ بعض علماء الشيعة ألّف كتاباً في التحريف.

قلنا : إنّ بعض أعلام الأزهر بل غيره ألّف في التحريف ، أمثال كتاب «المصاحف» للسجستاني ، وكتاب «الفرقان» لابن الخطيب.

__________________

١ ـ المعجم الأوسط ٦ / ٣٦١ ، الجامع الصغير ٢ / ٢٦٤ ، كنز العمّال ١ / ٥١٧ و ٥٤١ ، فيض القدير ٤ / ٧٠٠ ، الدرّ المنثور ٦ / ٤٢٢.

١٦٧

وفي صحاح أهل السنّة توجد روايات كثيرة صريحة بالتحريف ، وبعض هذه الصحاح التزم مؤلّفوها بأن لا يرووا إلّا الصحيح ، أو لا يرووا إلّا بما يعتقدون به.

وعلى كلّ حال ، فنصيحتنا لأهل السنّة أن لا يبحثوا في هذا المسألة ، ولا يتّهموا الشيعة ؛ لأنّ ما ورد في مصادرهم في التحريف كثير جدّاً.

فإنّ البحث في مسألة التحريف اتّخذه بعض الجهلة المغرضين من أهل السنّة ذريعة للطعن بالشيعة.

ولكنّ الشيعة تقديساً منهم للقرآن العظيم لم يجيبوا بالمثل ، وإلّا فبإمكانهم استخراج كلّ ما ورد في مصادر أهل السنّة وتنظيمه في كتاب تحت عنوان «أهل السنّة وتحريف القرآن» ، ولكن لم يقدم الشيعة على تأليف مثل هكذا كتاب ، وتحمّلوا أنواع الطعن من قبل أهل السنّة ، كلّ ذلك تقديساً للقرآن ؛ لأنّ البحث في هذا الموضوع ـ كما قلنا ـ لا يستفيد منه إلّا أعداء الإسلام للطعن في القرآن.

ومع كلّ هذا ، بادر أعلام الشيعة إلى تأليف عدّة كتب لنفي التحريف عند الشيعة والسنّة ، فتناولوا كلّ ما دلّ على التحريف في مصادر الشيعة والسنّة ، وناقشوه وردّوه بالأدلّة العلمية.

١٦٨

تزويج أُمّ كلثوم من عمر

* زواج أُم كلثوم وقبرها وسيرتها

* لو ثبت التزويج لثبت عدم عدالة عمر

زواج أُم كلثوم ، قبرها ، سيرتها

س : قرأت بعض الكتب حول نساءٍ لأهل البيت ، وبعضهم يشكّك في مصداقية وجود السيّدة أُمّ كلثوم ، والبعض يقول : إنّ اسمها زينب الصغرى ، وآخر يقول : إنّ السيّدة زينب كانت تُكنّى بأُمّ كلثوم ، ولا توجد سيّدة أُخرى بهذا الاسم ، وإن وجدت فما هي سيرتها؟ ومَن تزوّجت؟ ومَن هم أبناؤها؟ وأين قبرها الآن؟

ج : هناك رأيان في السيّدة أُمّ كلثوم بنت الإمام عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام :

١ ـ إنّ لفاطمة الزهراء عليها‌السلام بنتاً واحدة لا أكثر ، تُسمّى بالسيّدة زينب عليها‌السلام وتُكنّى بأُمّ كلثوم.

٢ ـ إنّ لفاطمة الزهراء عليها‌السلام بنتان لا بنتاً واحدة.

أحدهما : تُسمّى بزينب عليها‌السلام أو زينب الكبرى.

وثانيهما : تُسمّى بأُمّ كلثوم ، أو زينب الصغرى ، وتُكنّى بأُمّ كلثوم ، والرأي الثاني هو المشهور عند علمائنا.

وعلى هذا الرأي الثاني فهل تزوّجها عمر بن الخطّاب أم لا؟ الرأي المشهور عند علمائنا ، أنّه قد تمّ زواجها من عمر على سبيل الجبر والقهر ، ثمّ هل أنّ عمر مات قبل أن يدخل بها ، وعليه فليس لها ولد منه ، أو مات بعد أن دخل بها؟ قولان في المسألة.

وأمّا بالنسبة إلى قبرها ، فقيل : إنّها تُوفّيت في المدينة بعد رجوعها من السبي بمدّة

١٦٩

يسيرة ، ودُفنت في المدينة ، وقيل : إنّها دُفنت في الشام.

وأمّا بالنسبة إلى سيرتها ، فقد شهدت مأساة كربلاء مع أُختها السيّدة زينب عليها‌السلام ، ورافقتها من البداية وحتّى النهاية ، واسمها يلمع دائماً في الحديث عن كربلاء ، وما تلاها من المشاهد.

جاء في خبر وداع الإمام الحسين للعائلة : أنّه عليه‌السلام أقبل على أُمّ كلثوم وقال لها : «أُوصيك يا أُخية بنفسي خيراً ، وإنّي بارز إلى هؤلاء».

واستغاث الإمام الحسين عليه‌السلام يوم عاشوراء ، فخرج الإمام زين العابدين عليه‌السلام من الخيام وبيده عصا يتوكّأ عليها ، وسيفاً يجرّه في الأرض ، فخرجت أُمّ كلثوم خلفه تنادي : يا بني أرجع ، وهو يقول : «يا عمّتاه ذريني أُقاتل بين يدي ابن رسول الله» ، فقال الحسين عليه‌السلام : «يا أُمّ كلثوم خذيه ؛ لئلاّ تبقى الأرض خالية من نسل آل محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله» (١).

دخلت أُمّ كلثوم الكوفة في عهد أبيها أمير المؤمنين عليه‌السلام بعد أن جعلها عاصمة دولته ، فكانت في نظر أهلها ابنة قائد المسلمين وأميرهم.

ودخلتها بعد واقعة كربلاء أسيرة ، ليس معها مَن يحميها ، اشتدّ على أُمّ كلثوم الحزن ، وأقض بها المصاب ، وهي تشاهد الموكب الحزين ـ موكب أسرى آل محمّد ـ وزاد في ألمها أن تجد أهل الكوفة يناولون الأطفال بعض التمر والخبز والجوز ، فصاحت بهم : «يا أهل الكوفة! إنّ الصدقة علينا حرام» ؛ وصارت تأخذ ذلك من أيدي الأطفال وأفواههم وترمي به إلى الأرض (٢).

ثمّ انفجرت بخطبتها رافعة صوتها بالبكاء فقالت : «يا أهل الكوفة سوأة لكم! ما لكم خذلتم حسيناً وقتلتموه ، وانتهبتم أمواله وورثتموه ، وسبيتم نساءه ونكبتموه ، فتبّاً

__________________

١ ـ بحار الأنوار ٤٥ / ٤٦.

٢ ـ ينابيع المودّة ٣ / ٨٦.

١٧٠

لكم وسحقا ... قتلتم خير رجالات بعد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ونُزعت الرحمة من قلوبكم ، ألا إنّ حزب الله هم الفائزون ، وحزب الشيطان هم الخاسرون» (١).

لو ثبت التزويج لثبت عدم عدالة عمر

س : أنا حديث العهد بمذهب آل البيت عليهم‌السلام ، وأُريد أن أسألكم في قضية تزويج أمير المؤمنين عليه‌السلام ابنته لعمر بن الخطّاب ، ففي كتب السنّة قد تزوّجها برضاه ، أمّا في كتب الشيعة أنّه عليه‌السلام تعرّض للتهديد ، فكيف يعقل أن تأخذ منه ابنته ولا يفعل شيئاً؟

ج : إنّ النصوص الواردة في هذه المسألة في غاية الاضطراب ، ممّا تجعلنا نشكّ في أصل القضية ، بالأخصّ ما ورد في مصادر أهل السنّة ، حيث لو قبلوا برواياتهم والتزموا بها في هذا الزواج ، عليهم أن يلتزموا بسائر التفاصيل الواردة في نفس الواقعة ، التي تكون نتيجتها : أنّ عمر رجل غير عادل ، وذلك لما روي من تفاصيل في هذا الزواج :

ففي بعض رواياتهم : «أنّ عمر هدّد عليّاً»! (٢).

وفي بعضها : «أنّ عمر لمّا بلغه منع عقيل عن ذلك قال : ويح عقيل سفيه أحمق»! (٣).

وفي بعضها : «التهديد بالدرّة»! (٤).

وفي بعضها : «أنّ أُمّ كلثوم لمّا ذهبت إلى المسجد ليراها عمر! قام إليها فأخذ بساقها! وقبّلها»! (٥).

__________________

١ ـ بحار الأنوار ٤٥ / ١١٢.

٢ ـ ذخائر العقبى : ١٦٨.

٣ ـ المعجم الكبير ٣ / ٤٥ ، مجمع الزوائد ٤ / ٢٧٢.

٤ ـ الذرّية الطاهرة : ١١٥.

٥ ـ تاريخ بغداد ٦ : ١٨٠.

١٧١

أو : «وضع يده على ساقها فكشفها ، فقالت : أتفعل هذا؟ لولا أنّك أمير المؤمنين لكسرت أنفك ، أو : لطمت عينيك»! (١).

أو : أخذ بذراعها! أو : ضمّها إليه!.

__________________

١ ـ ذخائر العقبى : ١٦٨ ، تاريخ مدينة دمشق ١٩ / ٤٨٣ ، سير أعلام النبلاء ٣ / ٥٠١ ، أُسد الغابة ٥ / ٦١٤.

١٧٢

التسمية بأبي بكر وعمر وعثمان

* وجود التسمية في أولاد الأمّة وأصحابهم

* عدم دلالة التسمية على حقّانية الخلفاء

وجود التسمية في أولاد الأئمّة وأصحابهم

س لقد قيل لي : بأنّ للأئمّة عليهم‌السلام أبناء ، كانت أسماؤهم على أسماء الخلفاء أبو بكر وعمر وعثمان ، كيف يُسمّي الأئمّة المعصومون أبناءهم بهذه الأسماء؟ مع أنّنا الآن كشيعة لا نُسمّي بهذه الأسماء ، وشكراً جزيلاً.

ج : أوّلاً : إنّ مفهوم التسمية الآن غير مفهوم التسمية آنذاك ، فإذا سمّى أحد الأئمّة عليهم‌السلام بعض أبنائه باسم بعض الخلفاء ، لم يلحظ فيه التسمية باسم الخليفة الفلاني ، بل أنّ أصل التسمية لم يكن في عصر الأئمّة ملحوظ فيه أنّه سمّاه باسم فلان ، حتّى أنّ بعض أصحاب الأئمّة كان اسمه يزيد ، أو كان يُسمّي ابنه باسم يزيد ، ولم يلحظ فيه أنّه سمّاه باسم يزيد الملعون.

وثانياً : دفعاً للشبهة ـ التي ربّما تخطر بالبال ـ صرّح أمير المؤمنين عليه‌السلام ـ عندما سمّى ابنه عثمان ـ : بأنّه إنّما سمّاه باسم عثمان بن مظعون (١) ، لا عثمان ابن عفّان ، وعليه يمكن حمل سائر الأسماء.

وأخيراً : فإنّ للعرف في مسألة التسمية دخل كبير ، فإذا لم يكن في عصر الأئمّة عليهم‌السلام

__________________

١ ـ مقاتل الطالبيين : ٥٥.

١٧٣

في التسمية لحاظ الأشخاص ، ولم يتبادر الأشخاص إلى الأذهان في التسمية ، فلم يكن حينئذٍ بأس بالتسمية ، وهذا بخلاف زماننا ، حيث العرف عندنا صار لحاظ الأشخاص.

فالمسألة تحتاج إلى بحث تاريخي مفصّل ، لنحصل على هذه النتيجة.

عدم دلالة التسمية على حقّانية الخلفاء

س : هل أنّ الإمام عليّ عليه‌السلام سمّى أولاده بأسماء الخلفاء؟

ج : إنّ التسمية بمجرّدها لا توجد فيها أيّ دلالة على حقّانية أبي بكر وعمر وعثمان بالخلافة ، ولا يمكن أن تقف قبال الأدلّة العلمية ، من قبيل حديث الغدير ، وحديث المنزلة ، وحديث : «وهو ولي كلّ مؤمن من بعدي» ، الذي أنكره ابن تيمية بشدّة ؛ لعلمه بمدلوله ، وصحّحه الألباني بسهولة ومرونة.

وفي الواقع ، لو رجعنا إلى العرف الاجتماعي والإنساني لرأينا أنّ العداوة بين الأفراد لا تمنع من أن يُسمّي الإنسان أحد أولاده باسم عدوّه ، مادام هذا الاسم من الأسماء ليس حكراً لأحد في المجتمع ، وكمثال على ذلك : لو عاداني شخص في وقتنا المعاصر ، وكان اسمه محمّد ، أو أحمد ، فإنّ هذا لا يمنع أن اسمّي أحد أولادي بهذا الاسم ، بعد أن فرضنا إنّه منتشر في المجتمع.

وهنا ، هل كانت هذه الأسماء (أبو بكر وعمر وعثمان) منتشرة أم أنّها كانت نادرة؟

فلنراجع كتب التاريخ ، ومعاجم الصحابة وتراجمهم ، ولنرى هل كانت هذه الأسماء حكراً على الخلفاء؟ أم أنّها مشهورة معروفة؟ ولنذكر أسماء الصحابة ، ونغضّ النظر عن أسماء الكفّار والمشركين ، وغيرهم.

كنية أبي بكر :

١ ـ أبو بكر بن شعوب الليثي ، واسمه شدّاد.

١٧٤

٢ ـ أبو بكر ، عبد الله بن الزبير.

أسماء الصحابة ممّن كان اسمهم عمر :

١ ـ عمر اليماني.

٢ ـ عمر بن الحكم السلمي.

٣ ـ عمر بن سراقة ، ممّن شهد بدراً.

٤ ـ عمر بن سعد ، أبو كبشة الأنماري.

٥ ـ عمر بن سفيان بن عبد الأسد ، ممّن هاجر إلى الحبشة.

٦ ـ عمر بن عمير بن عدي الأنصاري.

٧ ـ عمر بن عوف النخعي.

٨ ـ عمر بن يزيد الكعبي.

٩ ـ عمر بن عمرو الليثي.

١٠ ـ عمر بن منسوب.

١١ ـ عمر بن لاحق.

١٢ ـ عمر بن مالك.

١٣ ـ عمر بن مالك القرشي الزهري ، ابن عمّ والد سعد بن أبي وقّاص.

١٤ ـ عمر بن معاوية الغاضري.

١٥ ـ عمر الأسلمي.

١٦ ـ عمر بن أبي سلمة ، ربيب النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأُمّه أُمّ سلمة.

١٧ ـ عمر الخثعمي.

أسماء الصحابة ممّن كان اسمهم عثمان :

١ ـ عثمان بن أبي الجهم الأسلمي.

٢ ـ عثمان بن حكيم.

١٧٥

٣ ـ عثمان بن حميد.

٤ ـ عثمان بن حنيف.

٥ ـ عثمان بن ربيعة بن اهبان ، ممّن هاجر إلى الحبشة.

٦ ـ عثمان بن ربيعة الثقفي.

٧ ـ عثمان بن سعيد بن أحمر الأنصاري.

٨ ـ عثمان بن شماس المخزومي.

٩ ـ عثمان بن طلحة بن أبي طلحة.

١٠ ـ عثمان بن أبي العاص.

١١ ـ عثمان بن عمّار ، والد أبي بكر.

١٢ ـ عثمان بن عبد غنم الفهريّ ، ممّن هاجر إلى الحبشة.

١٣ ـ عثمان بن عبيد الله التميمي.

١٤ ـ عثمان بن عثمان الثقفي.

١٥ ـ عثمان بن عمرو ، ممّن شهد بدراً.

١٦ ـ عثمان بن مظعون ، الصحابي الجليل ، الذي قبّله النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو ميّت.

إذن نرى : أنّ هذه الأسماء منتشرة ومشهورة ، وليست موقوفة على بعض الناس ، وليست ملكاً لبعض الأفراد ، ومجرّد تسمية الإمام عليّ عليه‌السلام لبعض أولاده بهذه الأسماء ـ بعد أن ثبت انتشارها ـ لا يدلّ على المحبّة المدّعاة ، والمودّة المزعومة ، وحتّى لو شككنا إنّها يمكن أن تدلّ على المحبّة بين الإمام عليه‌السلام وبين الخلفاء ، فاعتقد أنّ القوم لا يشكّون بالعداوة والبغضاء القائمة بين الإمام الكاظم عليه‌السلام وبين هارون الرشيد ، وهذه العداوة لم تمنع من أن يُسمّي الإمام عليه‌السلام أحد أولاده باسم هارون.

فهذه الأسماء ليست ملكاً لأحد ، ولا حكراً على شخص ، وإطلالة بسيطة على أسماء أصحاب الأئمّة عليهم‌السلام ، لوجدنا هناك الكثير من أصحابهم ممّن كان اسمهم معاوية ،

١٧٦

ويزيد ، ومروان ، و... مع شدّة وعظمة العداوة بين أصحاب هذه الأسماء ، وبين آل محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله.

١٧٧

التقية

* معنى التقية وأدلّة جوازها

* لا تقية في النبيذ والمسح على الخفّين

معنى التقية وأدلّة جوازها

س : ما معنى كلمة التقيّة؟ هل تعني الكذب؟ فقد جاء في كتاب أُصول الكافي للكليني : عن أبي عمر الأعجمي قال : قال لي أبو عبد الله عليه‌السلام : «يا أبا عمر ، إن تسعة أعشار الدين في التقية ، ولا دين لمن لا تقية له» ، فما المقصود بالتقية؟

ج : إنّ التقية رخصة شرعية في كتاب الله وسنّة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ، تُعمل في موارد الخوف والخطر والضرر.

وقد جرت سيرة الأنبياء والأولياء والمؤمنين على العمل بها ، وقد استدلّ لجوازها بالأدلّة الأربعة :

الدليل الأوّل : القرآن

قال تعالى : وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ (١).

فنجد مؤمن آل فرعون يكتم إيمانه خوفاً من الضرر.

وقال تعالى : مَن كَفَرَ بِاللهِ مِن بَعْدِ إيمَانِهِ إلّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (٢).

__________________

١ ـ غافر : ٢٨.

٢ ـ النحل : ١٠٦.

١٧٨

فنجد الصحابي الجليل عمّار بن ياسر يعمل بالتقية ، والنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله يمضي عمله ، ويجوّز له العمل بها.

وقد اشتهر في كتب التفسير أنّ هذه الآية نزلت في عمّار بن ياسر الذي عُذّب في الله ، حتّى ذكر آلهة المشركين ، فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «إن عادوا فعد» (١).

وهناك آيات أُخرى دالّة بالصراحة ، أو بالضمن على التقية :

١ ـ لاَّ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُوْنِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللهِ فِي شَيْءٍ إلّا أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللهِ الْمَصِيرُ (٢).

٢ ـ وانظر : الكهف : ١٩ ، ٣ ـ الأنعام : ١١٩ ، ٤ ـ البقرة : ١٩٥ ، ٥ ـ الحجّ : ٧٨ ، ٦ ـ فصّلت : ٣٤.

الدليل الثاني : السنّة

إنّ الروايات الدالّة على جواز التقية كثيرة ، منها :

١ ـ سُئل الإمام الصادق عليه‌السلام عن التقية؟ فقال : «التقيّة من دين الله» ، قلت : من دين الله؟

قال : «إي والله من دين الله ، ولقد قال يوسف : أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ ، والله ما كانوا سرقوا شيئاً ، ولقد قال إبراهيم : إِنِّي سَقِيمٌ ، والله ما كان سقيماً» (٣).

وهناك أحاديث كثيرة بهذا المضمون.

٢ ـ أخرج البخاري من طريق قتيبة بن سعيد ، عن عروة بن الزبير ، أنّ عائشة أخبرته ،

__________________

١ ـ المستدرك ٢ / ٣٥٧ ، السنن الكبرى للبيهقي ٨ / ٢٠٨ ، فتح الباري ١٢ / ٢٧٨ ، شرح نهج البلاغة ١٠ / ١٠٢ ، جامع البيان ١٤ / ٢٣٧ ، أحكام القرآن للجصّاص ٢ / ١٣ و ٣ / ٢٤٩ ، الجامع لأحكام القرآن ١٠ / ١٨٠ ، تفسير القرآن العظيم ٢ / ٦٠٩ ، الدرّ المنثور ٤ / ١٣٢.

٢ ـ آل عمران : ٢٨.

٣ ـ الكافي ٢ / ٢١٧ ، المحاسن ١ / ٢٥٨.

١٧٩

أنّه استأذن على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله رجل قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : «ائذنوا له فبئس ابن العشيرة» ـ أو بئس أخو العشيرة ـ فلمّا دخل ألان له الكلام.

فقلت له : يا رسول الله! قلت ما قلت ، ثمّ ألِنت له في القول؟

فقال : «أي عائشة ، إنّ شرّ الناس منزلة عند الله مَن تركه أو ودّعه الناس اتّقاء فحشه» (١).

الدليل الثالث : الإجماع

اتّفق جميع المسلمين وبلا استثناء على أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يدعو الناس سرّاً إلى الإسلام ، مدّة ثلاث سنين من نزول الوحي ، فلو كانت التقيّة غير مشروعة لكونها نفاقاً ، لما مرّت الدعوة إلى الدين الحنيف بهذا العمر من التستّر والكتمان.

وقد نقل الإجماع ـ على أنّ التقية مشروعة وجائزة ـ جمهرة من علماء السنّة ، منهم : القرطبي المالكي (٢) ، ابن كثير الشافعي (٣).

الدليل الرابع : العقل

إنّ التقية موافقة لمقتضاه ، فإنّ جميع الناس يستعملونها في حالات الخطر والضرر ، من دون أن يُسمّوها تقية.

الفتاوى والأقوال :

وأمّا فقهاء المذاهب الإسلامية فقد ذهبوا إلى جوازها ، فتجد :

١ ـ الإمام مالك يقول بعدم وقوع طلاق المكره على نحو التقية ، محتجّاً بذلك بقول الصحابي ابن مسعود : «ما من كلام يدرأ عنّي سوطين من سلطان ، إلّا كنت متكلّماً

__________________

١ ـ صحيح البخاري ٧ / ١٠٢.

٢ ـ الجامع لأحكام القرآن ١٠ / ١٨٢.

٣ ـ تفسير القرآن العظيم ٢ / ٦٠٩.

١٨٠