تذكرة الفقهاء - ج ١٤

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

تذكرة الفقهاء - ج ١٤

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-435-3
الصفحات: ٥٣٤

بثمن المثل وبدونه.

والأصل فيه أنّ ذلك يشتمل على معاوضة مطلوبة عند العقلاء ، فجاز للوليّ فعلها مع الطفل للمصلحة ، ولا فرق بينها (١) وبين البيع بثمنٍ مؤجَّل ، ولا عبرة بنفع العبد ، ولا يضرّه كونه معلّقاً ، فإنّه إذا حصل الحظّ للطفل لم يتضرّر بنفع غيره.

وما ذكروه إنّما امتنع الحكم فيه لانتفاء المقتضي ؛ إذ المقتضي لتسويغ التصرّف حصول المصلحة ، ولا مصلحة في تعليق العتق بدخول الدار ولا في الإعتاق بغير عوضٍ.

ولو فرض أنّ المصلحة في العتق مجّاناً ، فالأقرب : جوازه ، كما لو كان له عبد كبير لا ينتفع به في الاستخدام وغيره ولا يرغب في شرائه راغبٌ فيعتقه ليخلص من مئونته ونفقته.

وكذا لو كان له جارية وأُمّها وهُما تساويان مجتمعتين مائةً ، ولو انفردت البنت ساوت مائتين ، ولا يمكن إفرادهما بالبيع فأُعتقت الأُمّ ليكثر ثمن البنت ، كان جائزاً.

مسألة ٤٥٩ : وللوليّ أن يهب مال الطفل بشرط الثواب مع المصلحة‌ إمّا مع زيادة الثواب على العين أو مع تحصيل أمر من المتّهب ينتفع به الطفل نفعاً يزيد على بقاء العين له.

وقال الشافعي : لا تجوز الهبة لا مطلقاً ولا بشرط الثواب ؛ إذ لا يقصد بالهبة العوض (٢).

__________________

(١) في « ج ، ر » : « بينهما ».

(٢) المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٣٣٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٨١ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٢٤.

٢٦١

وهو ممنوع ؛ إذ التقدير أنّه قصد الثواب.

وكذا للوليّ بذل مال الطفل في مصالحه ، كاستكفاف الظالم بالرشوة وتخليص ماله من تعويقه وإطلاق زرعه وماء شربه وأشباه ذلك.

ولو طمع السلطان في مال اليتيم فأعطاه الوصيّ شيئاً منه ، فإن كان يقدر على دفعه بدون المدفوع ، ضمن ، وإلاّ فلا.

مسألة ٤٦٠ : ليس للوليّ أن يطلّق زوجة الصبي لا مجّاناً ولا بعوضٍ ؛ لأنّ المصلحة بقاء الزوجيّة ، لأنّه لا نفقة لها عليه قبل الدخول.

ولو باع شريكه شقصاً مشفوعاً ، كان له الأخذ أو الترك بحسب المصلحة ، فإن ترك بحكم المصلحة ثمّ بلغ الصبي وأراد الأخذ ، لم يُمكَّن منه ؛ لأنّ ترك وليّه مع اقتضاء المصلحة كان ماضياً ، والشفعة على الفور ، فكما لا تثبت له لو كان بالغاً وترك ، كذا لا تثبت مع ترك الوليّ ـ وهذا أصحّ وجهي الشافعيّة ـ كما لو أخذ بحكم المصلحة ثمّ بلغ وأراد ردّه ، لم يكن له ذلك.

والثاني : يجاب إلى ذلك ؛ لأنّه لو كان بالغاً لكان له الأخذُ ، سواء وافق المصلحة أو خالفها ، والأخذ المخالف للمصلحة لم يدخل تحت ولاية الوليّ ، فلا يفوت عليه بتصرّف الوليّ (١).

مسألة ٤٦١ : لا يجوز أن يشتري الوصيّ أُضحية ويضحّي بها عن اليتيم‌ ، وكذا الأب لا يضحّي عن ولده الصغير من مال الصغير ، وإن ضحّى من مال نفسه ، كان متبرّعاً ـ وبه قال أبو حنيفة (٢) ـ إذ لا مصلحة لليتيم فيه.

__________________

(١) المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٣٣٦ ، حلية العلماء ٤ : ٥٢٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٨١ ـ ٨٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٢٤.

(٢) نسب عكسه إليه ابنا قدامة في المغني ١١ : ١٠٩ ، والشرح الكبير ٤ : ٥٦٧.

٢٦٢

وقال أحمد : يجوز للوليّ أن يشتري للصبي أُضحيةً إن كان من أهل ذلك وكان له مالٌ وافر لا يتضرّر بشراء الأُضحية ، ويكون ذلك على وجه التوسعة في النفقة في هذا [ اليوم الذي هو ] (١) يوم الفرح والسرور ، الذي هو عيد ، وفيه جبر قلب الطفل وأهله وتطييبه وإلحاقه بمن له أب ، فينزّل منزلة شراء اللحم خصوصاً مع استحباب التوسعة في هذا اليوم وجري العادة عليه ، قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « إنّها أيّام أكل وشرب وبعال » (٢) (٣).

ولا بأس به.

ويجوز للوليّ أن يجعل الصبي في المكتب وعند معلّم القرآن العزيز والأدب والفقه وغيرها من العلوم إن كان من أهل ذلك وله ذكاء وفطنة ، كما يفعل الإنسان بولده ذلك ؛ لأنّ ذلك كلّه من مصالحه ، فجرى مجرى نفقته كمأكوله ومشروبه وملبوسه ، وبه قال أحمد (٤).

وقال سفيان : ليس للوصيّ أن يسلّم الصبي إلى معلّم الكتابة إلاّ بقول الحاكم (٥).

وأنكر أحمد ذلك غاية الإنكار (٦).

وكذا يجوز للوصيّ تسليم الصبي إلى معلّم الصناعة إذا كانت مصلحته في ذلك.

__________________

(١) ما بين المعقوفين من المصدر.

(٢) صحيح مسلم ٢ : ٨٠٠ / ١١٤٢ بتفاوت.

(٣) المغني ٤ : ٣١٨ ـ ٣١٩ ، الشرح الكبير ٤ : ٥٦٧.

(٤ ـ ٦) المغني ٤ : ٣١٩ ، الشرح الكبير ٤ : ٥٦٨.

٢٦٣

والأقرب عندي : أنّه لا يسلّمه (١) إلاّ في صناعة تليق به ولا تثلم من مجده إن كان (٢) من أرباب البيوت.

وليس له أن يسلّمه إلى معلّم السباحة ؛ لما فيه من التغرير ، إلاّ أن يكون تعليمه في ماء لا يغمره ولا يخاف عليه الغرق فيه.

مسألة ٤٦٢ : ويجب على الوليّ أن يخرج من ماله الحقوق الواجبة في ماله‌ ، كأُروش الجنايات والديون التي ركبته بسبب استدانة الوليّ عنه أو بسبب ديون مورّثه. وكذا يخرج عنه الزكاة المستحبّة مع ثبوت استحبابها وإن لم تُطلب ، ونفقة الأقارب إن طُلبت.

وإذا دعت الضرورة في حريق أو نهب إلى المسافرة بماله ، سافرَ به وإن لم يكن هناك ضرورة ، فإن كان الطريق مخوفاً ، لم يجز له السفر به ، فإن سافر ، ضمن.

وإن كان أميناً ، فالأقرب أنّه لا يجوز إلاّ مع تيقّن الأمن.

وللشافعيّة وجهان :

المنع مطلقاً ، كالمسافرة بالوديعة.

والجواز مطلقاً ؛ لأنّ المصلحة قد تقتضي ذلك ، والوليّ مأمور بالمصلحة ، بخلاف المودع (٣).

وإذا كان له أن يسافر به ، كان له أن يبعثه على يد أمينٍ.

مسألة ٤٦٣ : لا يجوز لغير الوليّ والحاكم إقراض مال الصغير‌ ؛ لانتفاء ولايته عليه ، فإن أقرض ، ضمن ، إلاّ أن تحصل ضرورة إلى الإقراض ،

__________________

(١) فيما عدا « ث » من النسخ : « لا يسلّم ».

(٢) في الطبعة الحجريّة : « وكان » بدل « إن كان ».

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٨٢ ـ ٨٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٢٥ ـ ٤٢٦.

٢٦٤

فيجوز للعَدْل إقراضه من ثقة ملي ، كما إذا حصل نهب أو حريق ، ولا ضمان حينئذٍ ؛ لأنّه بفعله محسن ، فلا يستعقب فعله الضمان ، لأنّه سبيل وقد قال تعالى : ( ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ ) (١).

وكذا لا يجوز للوليّ إقراض مال اليتيم لغير ضرورة من نهب أو غرق أو حرق أو إذا سافر.

أمّا الحاكم فإنّه يجوز له الإقراض وإن لم تحصل هذه الموانع ، لكثرة أشغاله ، قاله بعض الشافعية (٢).

وسوّى آخَرون بين الحاكم وغيره في جواز الإقراض مع الضرورة ، وعدمه مع عدمها (٣) ، وهو الوجه عندي.

مسألة ٤٦٤ : قال الله تعالى : ( وَابْتَلُوا الْيَتامى )‌ أي اختبروهم ( ... فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً ) (٤) أي أبصرتم ، كما قال الله تعالى حكايةً عن موسى عليه‌السلام : ( إِنِّي آنَسْتُ ناراً ) (٥) أي أبصرت.

وقوله تعالى : ( وَلا تَأْكُلُوها إِسْرافاً وَبِداراً أَنْ يَكْبَرُوا ) معناه لا تأكلوا أموال اليتامى مبادرة لئلاّ يكبروا فيأخذوها ( وَمَنْ كانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ ) (٦).

إذا عرفت هذا ، فالوليّ إمّا أن يكون غنيّاً أو فقيراً.

فإن كان غنيّاً ، استحبّ له أن يستعفف عنه ، فلا يأكل منه شيئاً ، عملاً بالآية (٧).

__________________

(١) التوبة : ٩١.

(٢ و ٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٨٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٢٦.

(٤) النساء : (٦).

(٥) القصص : ٢٩.

(٦ و ٧) النساء : (٦).

٢٦٥

وهل يسوغ له مع الاستغناء أخذ شي‌ء من ماله؟ الأقرب ذلك على سبيل أُجرة المثل ، ولا يأخذ زيادةً عليه ؛ لما رواه عبد الله بن سنان ـ في الصحيح ـ عن الصادق عليه‌السلام في قول الله عزّ وجلّ : ( فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ ) قال : « المعروف هو القوت ، وإنّما عنى الوصيّ والقيّم في أموالهم ما يصلحهم » (١).

وعن حنان بن سدير عن الصادق عليه‌السلام ، قال : قال الصادق : « سألني عيسى بن موسى عن القيّم للأيتام في الإبل ما يحلّ له منها ، فقلت : إذا لاط حوضها (٢) وطلب ضالّتها وهَنَأ (٣) جرباها فله أن يصيب من لبنها من غير نهك (٤) بضرع ولا فساد نسل » (٥).

وعن هشام بن الحكم عن الصادق عليه‌السلام ، قال : سألته في مَنْ تولّى مال اليتيم ما لَه أن يأكل منه؟ قال : « ينظر إلى ما كان غيره يقوم به من الأجر فليأكل بقدر ذلك » (٦).

فهذا يدلّ على الرجوع إلى أُجرة المثل.

قال الشيخ في النهاية : [ فمَنْ ] (٧) كان وليّاً يقوم بأمرهم وبجمع أموالهم وسدّ خلاّتهم وجمع غلاّتهم ومراعاة مواشيهم جاز له أن يأخذ من أموالهم قدر كفايته وحاجته من غير إسراف ولا تفريط.

__________________

(١) الكافي ٥ : ١٣٠ / ٣ ، التهذيب ٦ : ٣٤٠ / ٩٥٠.

(٢) لاط حوضها : طيّنه وأصلحه. النهاية ـ لابن الأثير ـ ٤ : ٢٧٧ « لوط ».

(٣) هنأ الإبل : طلاها بالهِناء ، وهو ضرب من القطران. لسان العرب ١ : ١٨٦ « هنأ ».

(٤) النهك : المبالغة في الحلب. لسان العرب ١٠ : ٥٠٠ « نهك ».

(٥) الكافي ٥ : ١٣٠ / ٤ ، التهذيب ٦ : ٣٤٠ / ٩٥١.

(٦) التهذيب ٦ : ٣٤٣ / ٩٦٠.

(٧) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « فمتى ». وما أثبتناه من المصدر.

٢٦٦

ثمّ قال : والمتولّي لأموال اليتامى والقيّم بأُمورهم يستحقّ أُجرة مثله فيما يقوم به من مالهم من غير زيادة ولا نقصان ، فإن نقص نفسَه ، كان له في ذلك فضل وثواب ، وإن لم يفعل ، كان له المطالبة باستيفاء حقّه من أُجرة المثل ، فأمّا الزيادة فلا يجوز له أخذها على حال (١).

ولأنّه عمل يستحقّ عليه الأُجرة ، فكان لعامله المطالبة بالأُجرة ، كغيرها من الأعمال.

وقال الشافعي : إذا كان غنيّاً ، لم يجز له أخذ شي‌ء من مال اليتيم ـ وبه قال أحمد ـ للآية (٢) (٣).

وقال أحمد : إن كان أباً ، كان له أن يأخذ الأُجرة (٤)

والآية محمولة على الاستحباب ؛ لقوله : ( فَلْيَسْتَعْفِفْ ) (٥) فإنّ المفهوم منه الاستحباب.

وقد روى سماعة عن الصادق عليه‌السلام في قول الله عزّ وجلّ : ( وَمَنْ كانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ ) (٦) قال : « مَنْ كان يلي شيئاً لليتامى وهو محتاج ليس له ما يقيمه فهو يتقاضى أموالهم ويقوم في ضيعتهم فليأكل بقدر ولا يسرف ، وإن كانت ضيعتهم لا تشغله عمّا يعالج لنفسه فلا يرزأ من أموالهم شيئاً » (٧).

__________________

(١) النهاية : ٣٦١ ـ ٣٦٣.

(٢) النساء : (٦).

(٣) الحاوي الكبير ٦ : ٣٥٢ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٣٣٧ ، حلية العلماء ٤ : ٥٣١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٨٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٢٤ ، المغني ٤ : ٣١٩ ، الشرح الكبير ٤ : ٥٧٦.

(٤) المغني ٤ : ٣١٩ ، الشرح الكبير ٤ : ٥٧٦.

(٥ و ٦) النساء : (٦).

(٧) الكافي ٥ : ١٢٩ / ١ ، التهذيب ٦ : ٣٤٠ / ٩٤٨.

٢٦٧

وإن كان فقيراً ، جاز أن يأخذ إجماعاً.

وفي قدره خلاف ، الأقرب : أن نقول : يستحقّ أُجرة المثل ؛ لما تقدّم ، لكن يستحبّ له أن يأخذ أقلّ الأمرين من أُجرة المثل وقدر الكفاية ؛ لقوله تعالى : ( وَمَنْ كانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ ) (١) وبحصول الكفاية يحصل الاستغناء.

وقال الشافعي : إن كان فقيراً وانقطع بسببه من الاكتساب ، فله أخذ قدر النفقة (٢).

وقال بعض أصحابنا (٣) : يأخذ أقلّ الأمرين من قدر النفقة وأُجرة المثل ـ وبه قال أحمد (٤) ـ لأنّه يستحقّه بالعمل والحاجة جميعاً ، فلم يجز له أن يأخذ إلاّ إذا وجدا فيه.

فإذا أكل منه ذلك القدر ثمّ أيسر ، فإن كان أباً ، لم يلزمه عوضه عنده روايةً واحدة ؛ لأنّ للأب أن يأخذ من مال ولده ما شاء مع الحاجة وعدمها (٥).

وإن كان غير الأب ، فهل يلزمه عوض ذلك؟ له روايتان :

إحداهما : لا يلزمه ـ وبه قال الحسن البصري والنخعي والشافعي في أحد القولين ـ لأنّ الله تعالى أمر بالأكل من غير ذكر عوض ، فأشبه سائر ما أمر بأكله. ولأنّه عوض عن عملٍ فلم يلزمه بدله ، كالأجير والمضارب.

__________________

(١) النساء : (٦).

(٢) المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٣٣٧ ، حلية العلماء ٤ : ٥٣٠ ـ ٥٣١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٨٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٢٥.

(٣) الشيخ الطوسي في الخلاف ٣ : ١٧٩ ، المسألة ٢٩٥ ، والمبسوط ٢ : ١٦٣.

(٤ و ٥) المغني ٤ : ٣١٩ ، الشرح الكبير ٤ : ٥٧٦.

٢٦٨

والثانية : يلزمه عوضه ـ وهو قول عبيدة السلماني وعطاء ومجاهد وسعيد بن جبير وأبي العالية والشافعي في أحد القولين ـ لأنّه استباحه للحاجة من مال غيره ، فلزمه قضاؤه ، كالمضطرّ إلى طعام غيره (١).

وبه رواية عندنا عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر عن أبي الحسن عليه‌السلام ، قال : سألته عن رجل يكون في يده مال لأيتام فيحتاج إليه فيمدّ يده فيأخذه وينوي أن يردّه ، قال : « لا ينبغي له أن يأكل إلاّ القصد ولا يسرف ، فإن كان من نيّته أن لا يردّه إليهم فهو بالمنزل الذي قال الله عزّ وجلّ : ( إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً ) (٢) » (٣).

والمعتمد : الأوّل ؛ لما قلناه. وهذه الرواية في طريقها قول. ولأنّه لو وجب أداؤه مع اليسار لكان واجباً في الذمّة قبل اليسار ، فإنّ اليسار ليس بسببٍ للوجوب ، فإذا لم يجب بالسبب الذي هو الأكل لم يجب بعده ، بخلاف المضطرّ ، فإنّ العوض واجب عليه في ذمّته ؛ لأنّه لم يأكله عوضاً عن شي‌ء ، وهنا بخلافه.

مسألة ٤٦٥ : للوصي الاستنابة فيما لا يقدر على مباشرته إجماعاً‌ ، دفعاً للضرر ، وكذا ما يقدر عليه لكن لا يصلح مثله لمباشرته ، قضاءً للعادة ، وتنزيلاً للإطلاق على المتعارف من المباشرة والمعهود بينهم.

وأمّا ما يصلح لمثله أن يليه : الأولى المنع ؛ لأنّه يتصرّف في مال غيره بالإذن ، فلم يكن له الاستنابة ، كالوكيل. ولأنّه غير مأذون له فيه ، وهو إحدى الروايتين عن أحمد. وفي الأُخرى : يجوز للوصي ذلك (٤).

__________________

(١) المغني ٤ : ٣١٩ ، الشرح الكبير ٤ : ٥٧٦ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٣٣٧ ، حلية العلماء ٤ : ٥٣٠ ـ ٥٣١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٨٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٢٥.

(٢) النساء : ١٠.

(٣) الكافي ٥ : ١٢٨ / ٣ ، التهذيب ٦ : ٣٣٩ / ٩٤٦.

(٤) المغني ٥ : ٢١٦ ـ ٢١٧ ، الشرح الكبير ٥ : ٢١٠.

٢٦٩

وفي الوكيل روايتان أيضاً عنده (١).

وعندنا ليس للوكيل أن يوكّل غيره.

هذا كلّه مع الإطلاق ، أمّا مع التنصيص على الاستنابة فإنّه جائز إجماعاً في الوكيل والوصي ، ومع التنصيص على المنع لا يجوز إجماعاً.

مسألة ٤٦٦ : يجوز لأمين الحاكم أن يبيع على الحاكم مال اليتيم في موضع جواز البيع‌ ، وكذا للوصي وإن كان الحاكم هو الذي جعله أميناً أو وصيّاً.

وهل للقاضي أن يبيع ماله من اليتيم؟ أو يشتري لنفسه منه؟ مَنَع منه أبو حنيفة ؛ لأنّ ذلك قضاء منه ، وقضاؤه لنفسه باطل (٢). ولا بأس به.

ولو وكلّ رجلٌ الوصيَّ بأن يشتري له شيئاً من مال اليتيم ، فاشترى الوصي لموكّله ، فالأقرب : الجواز عندنا ، خلافاً لأبي حنيفة ، مع أنّه جوّز أن يشتري الوصي مال اليتيم لنفسه إذا كان خيراً لليتيم (٣).

واعتبر أصحابه الخيريّة في غير العقار بأن يبيع مال نفسه من اليتيم ما يساوي خمسة عشر بعشرة ، وأن يشتري لنفسه ما يساوي عشرة بخمسة عشر ، وفي العقار يعتبر الخيريّة عند بعضهم بأن يشتري لنفسه بضِعْف القيمة ، وأن يبيع من اليتيم بنصف القيمة (٤).

مسألة ٤٦٧ : إذا اتّجر الولي بمال الطفل نظراً له وشفقةً عليه فربح ، كان الربح للطفل والخسران على الطفل أيضاً‌ ؛ لأنّه تصرّفٌ سائغ ، فلا يستعقب ضمان التصرّف فيه.

ويستحبّ للولي أن يخرج زكاة التجارة حينئذٍ.

وإن اتّجر لنفسه وكان مليّاً في الحال ، جاز له ذلك ، وكان المال قرضاً‌

__________________

(١) المغني ٥ : ٢١٦ ، الشرح الكبير ٥ : ٢١٠.

(٢) فتاوى قاضيخان بهامش الفتاوى الهنديّة ٢ : ٢٨٨.

(٣ و ٤) فتاوى قاضيخان بهامش الفتاوى الهنديّة ٢ : ٢٨٦.

٢٧٠

عليه ، فإن ربح كان له ، [ وإن ] (١) خسر كان عليه ، وكان عليه الزكاة في ماله استحباباً.

وإن اتّجر لنفسه من غير ولاية أو من غير ملاءة بمال الطفل ، كان ضامناً للمال ، والربح للطفل ؛ لأنّه تصرّفٌ فاسد ، والربح نماء ملك الطفل ، فيكون له ، وإن خسر كان ضامناً ؛ لما رواه ربعي بن عبد الله ـ في الصحيح ـ عن الصادق عليه‌السلام في رجل عنده مالٌ لليتيم ، فقال : « إن كان محتاجاً ليس له مال فلا يمسّ ماله ، وإن هو اتّجر به فالربح لليتيم ، وهو ضامن » (٢).

وفي الحسن عن محمّد بن مسلم عن الصادق عليه‌السلام في مال اليتيم قال : « العامل به ضامن ، ولليتيم الربح إذا لم يكن للعامل به مال » وقال : « إن عطب أدّاه » (٣).

وبالجملة ، التنزّه عن الدخول في أموال اليتامى أحوط.

وقد روى عبد الله بن يحيى الكاهلي عن الصادق عليه‌السلام ، قال : قيل له : إنّا ندخل على أخ لنا في بيت أيتام ومعهم خادم لهم فنقعد على بساطهم ونشرب من مائهم ويخدمنا خادمهم وربما طعمنا فيه الطعام من عند صاحبنا (٤) وفيه من طعامهم ، فما ترى في ذلك؟ قال : « إن كان دخولكم عليهم منفعةً لهم فلا بأس ، وإن كان فيه ضرر فلا » وقال : « ( بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ ) وأنتم لا يخفى عليكم وقد قال الله عزّ وجلّ : ( وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ ) (٥) » (٦).

__________________

(١) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « فإن ». والظاهر ما أثبتناه.

(٢) الكافي ٥ : ١٣١ / ٣ ، التهذيب ٦ : ٣٤١ ـ ٣٤٢ / ٩٥٥.

(٣) الكافي ٥ : ١٣١ / ٢ ، التهذيب ٦ : ٣٤٢ / ٩٥٦.

(٤) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « صاحبها » بدل « صاحبنا ». والمثبت من المصدر.

(٥) البقرة : ٢٢٠.

(٦) الكافي ٥ : ١٢٩ / ٤ ، التهذيب ٦ : ٣٣٩ ـ ٣٤٠ / ٩٤٧.

٢٧١

مسألة ٤٦٨ : لو كانت مصلحة اليتيم في بيع عقاره ، جاز للوصي بيعه‌ على ما تقدّم ، فإن باعه على أنّه ينفق على نفسه ، صحّ البيع ، وضمن الثمن لليتيم إذا أنفقه على نفسه.

ولو كان الورثة كباراً لا حجر عليهم وللميّت وصي ولا دَيْن عليه ولا وصيّة ، لم يكن للوصيّ التصرّف في شي‌ء من التركة.

وإن كان عليه دَيْنٌ مستغرق للتركة أو أوصى بوصيّة مرسلة ، كأن يؤخذ من التركة ألف مثلاً ، كان للوصي أن يبيع من التركة ما يقضي به الدَّيْن ، أو ينفذه في الوصيّة من الثلث ، ويقدّم بيع العروض ويؤخّر العقار ، فإن دعت الحاجة إلى بيعه ، بِيع.

ولو طلب الوارث قضاء الدَّيْن أو إنفاذ الوصيّة من ماله وإبقاء عين التركة له ، أُجيب إلى ذلك ، ولم يكن للوصيّ الاعتراض ؛ لأنّ الحقّ عندنا أنّ التركة تنتقل إلى الوارث بالموت ، ويكون الدَّيْن متعلّقاً بالتركة تعلّقَ الدَّيْن بالرهن ، أو أرشَ الجناية بالمال ، وقد بيّنّا أنّ الورثة إذا كانوا كباراً ، لم يكن للوصي عليهم ولاية ، سواء كانوا حضوراً أو غُيّاباً.

وليس للوصيّ أن يبيع أيضاً شيئاً من مالهم.

وقال أبو حنيفة : يبيع ما ليس بعقار ؛ استحساناً ، لأنّه يخشى تلفه ، فكان البيع حفظاً لماله وتحصّناً (١).

ولا يملك الوصي إجارة شي‌ء من مال الكبار.

وقال أبو حنيفة : يملك إذا كانوا غُيّاباً إجارة الجميع (٢).

ولو كان بعض الورثة حاضراً وبعضهم غائباً أو واحد منهم غائباً ، لم يملك الوصي بيع نصيب الغائب.

وقال أبو حنيفة : يملك بيعه إذا كان عروضاً ورقيقاً ومنقولاً لأجل‌

__________________

(١ و ٢) فتاوى قاضيخان بهامش الفتاوى الهنديّة ٢ : ٢٨٧.

٢٧٢

الحفظ. ثمّ قال : وإذا ملك بيع نصيب الغائب ملك بيع نصيب الحاضر أيضاً (١).

وقال أبو يوسف ومحمّد : لا يملك (٢).

وهذه إحدى المسائل الأربع.

والثانية : لو كان على الميّت دَيْنٌ لا يحيط بالتركة ، فإنّ الوصي يملك البيع بقدر الدَّيْن عندنا وعند الحنفيّة (٣).

وهل يملك بيع الباقي؟

أمّا عندنا وعند أبي يوسف ومحمّد ٤ فإنّه لا يملك.

وقال أبو حنيفة : يملك بيع الباقي (٥).

[ و ] الثالثة : لو كان في التركة وصيّة بمال مرسل ، فإنّ الوصي يملك البيع بقدر ما تنفذ به الوصيّة عندنا وعندهم (٦).

وهل يملك بيع ما زاد عليه؟

أمّا عندنا وعند أبي يوسف ومحمّد (٧) لا يملك.

وقال أبو حنيفة : يملك (٨).

[ و ] الرابعة : إذا كان الورثة كباراً وفيهم صغير ، فإنّ الوصيّ يملك بيع نصيب الصغير عند الكلّ (٩).

وهل يملك بيع نصيب الكبار؟

أمّا عندنا وعند أبي يوسف ومحمّد (١٠) فلا.

وأمّا عند أبي حنيفة فنعم (١١).

مسألة ٤٦٩ : حكم وصيّ وصيّ الأب حكم وصيّ الأب‌ ، وكذا حكم وصيّ الجدّ للأب ووصيّ وصيّه ووصيّ القاضي ووصيّ وصيّه عندنا.

وقال أبو حنيفة : إنّ وصيّ القاضي بمنزلة وصيّ الأب إلاّ في شي‌ء‌

__________________

(١ ـ ١١) فتاوى قاضيخان بهامش الفتاوى الهنديّة ٢ : ٢٨٧.

٢٧٣

واحد ، وهو أنّ القاضي إذا جعل [ أحداً ] (١) وصيّاً في نوعٍ كان وصيّاً في ذلك النوع خاصّةً ، والأب إذا جعل [ أحداً ] (٢) وصيّاً في نوعٍ كان وصيّاً في الأنواع كلّها (٣).

وإذا مات الرجل ولم يوص إلى أحدٍ ، كان لأبيه ـ وهو الجدّ ـ بيع العروض والشراء ، إلاّ أنّ وصي الأب لو باع العروض أو العقار لقضاء الدَّيْن أو تنفيذ الوصيّة ، جاز.

والجدّ إذا باع التركة لقضاء الدَّيْن وتنفيذ الوصيّة ، لم يجز عنده (٤).

وعندنا يجوز إذا لم يكن للميّت وصيٌّ.

وإذا كان الوصيّ ثقةً كافياً ، لم يجز للقاضي عزله. ولو عزله ، لم ينعزل ، وبه قال بعض الحنفيّة (٥).

وقال بعضهم : لو عزله ، انعزل (٦).

وليس بجيّد ؛ لأنّه مخالف لقوله تعالى : ( فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ ) (٧).

أمّا لو فسق فإنّه يعزله الحاكم ، ويستبدل به قطعاً.

ولو كان عَدْلاً عاجزاً ، لم يكن للحاكم الاستبدال به ، وكان عليه أن يضمّ إليه ثقة يعينه على التصرّف.

وقال بعض الحنفيّة : إنّ للقاضي عزله ؛ لعجزه (٨). وليس بجيّد.

مسألة ٤٧٠ : للوصي أن يستقرض مال اليتيم مع ملاءته ، كالأب‌ ؛ لأنّه وُلّي عليه ، وله أن يقضي دَيْن نفسه من مال اليتيم.

__________________

(١ و ٢) ما بين المعقوفين من المصدر.

(٣ ـ ٦) فتاوى قاضيخان بهامش الفتاوى الهنديّة ٢ : ٢٨٧.

(٧) البقرة : ١٨١.

(٨) فتاوى قاضيخان بهامش الفتاوى الهنديّة ٢ : ٢٨٧.

٢٧٤

ومَنَع منه الحنفيّة ، وجوّزوه في الأب ؛ لأنّ الأب لو باع مال اليتيم من نفسه بثمن المثل ، جاز (١).

والوصي لا يملك البيع من نفسه إلاّ أن يكون خيراً لليتيم.

وقال بعضهم : لا فرق بين الأب والوصي في أنّه ليس له أن يقضي دَيْنه (٢).

وروي عن محمّد أنّه ليس للوصي أن يستقرض مال اليتيم في قول أبي حنيفة (٣).

وللأب والوصي أن يرهن مال اليتيم بدَيْن نفسه مع ملاءة الوصي.

ومن قياس مذهب أبي حنيفة أنّه لا يجوز ، وبه قال أبو يوسف (٤).

وقال بعضهم : يجوز للأب أن يرهن مال ولده بدَيْنٍ عن نفسه استحساناً (٥).

ولو رهن الأب أو الوصي مال اليتيم بدَيْنهما وقيمته أكثر من الدَّيْن فهلك الرهن عند المرتهن ، ضمناه بقيمته عندنا.

وفرّق الحنفيّة ممّا وراء النهر بين الأب والوصي ، فقالوا : يضمن الأب مقدار الدَّيْن خاصّةً ، والوصيّ يضمن جميع القيمة (٦).

وقال بعض الحنفيّة (٧) بما قلناه أوّلاً.

وهل لأحد الوصيّين أن يبيع على الآخَر مال اليتيم؟ الأقوى عندنا ذلك ؛ لأنّ الولاية لهما.

وقال أبو حنيفة : لا يجوز ؛ لأنّ أحد الوصيّين إذا باع من الأجنبيّ لم يجز عنده فكذا إذا باع من الوصيّ الآخَر (٨).

مسألة ٤٧١ : إذا كانت التركة في يد الوارث وظهر دَيْنٌ ، طُولب الوارث‌.

__________________

(١ ـ ٨) فتاوى قاضيخان بهامش الفتاوى الهنديّة ٢ : ٢٨٨.

٢٧٥

ولو قضى الوارث الدَّيْن من مال نفسه بنيّة الرجوع إذا كان هناك وارثٌ آخَر ، كان له الرجوعُ في التركة ، فتصير التركة مشغولةً بدَيْنه.

وإن لم يقل وقت القضاء : إنّي أقضي لأرجع في التركة ، وكان متبرّعاً ، لم يكن له الرجوع.

وقال أبو حنيفة : له الرجوع (١).

ويجوز للوصي أن يبيع مال الطفل نسيئةً مع خوف التلف ، وبدونه مع الغبطة.

ولو باع بتأجيل فاحش بأن لا يباع هذا المال بهذا الأجل ، لم يجز.

وكذا إن خاف جحود المشتري عند حلول الأجل أو هلاك الثمن عليه ، لم يجز ؛ لانتفاء مصلحة اليتيم في ذلك.

ولو طلب المليّ والأملى البيع ودفع الأملى أقلّ ممّا دفع المليّ وكان بثمن المثل ، استحبّ له أن يبيع الأملى.

وكذا المتواجران لو تفاوتا في الأُجرة وصاحب الأقلّ أملى من الآخَر.

مسألة ٤٧٢ : قال الشيخ : إن كان لليتيم على إنسان مالٌ ، جاز لوليّه أن يصالحه على شي‌ء يراه صلاحاً في الحال‌ ، ويأخذ الباقي ، وتبرأ بذلك ذمّة مَنْ كان عليه المال (٢).

والوجه : أن نقول : إن كان ما في ذمّة الغريم أكثر وعلم بذلك ، لم تبرأ ذمّته ؛ إذ لا مصلحة لليتيم في إسقاط ما لَه ، ولا تبرأ ذمّة الوصيّ أيضاً. أمّا إذا كان المدّعى عليه منكراً للمال ولا بيّنة عليه فصالح الوصيّ ، برئت ذمّته دون ذمّة مَنْ عليه المال.

__________________

(١) فتاوى قاضيخان بهامش الفتاوى الهنديّة ٢ : ٢٨٨.

(٢) النهاية : ٣٦٢.

٢٧٦

ولو كان مَنْ عليه المال لا يعلم قدره فصالح على قدرٍ لا يعلم ثبوته في ذمّته أو ثبوت ما هو أزيد أو أقلّ ، صحّ الصلح ، وبرئت ذمّته. وينبغي له الاحتياط وتغليب الأكثر في ظنّه.

وللوصيّ أن يصالح مَنْ يدّعي على الميّت إن كان للمدّعي بيّنة أو علم القاضي بدعواه ، وإلاّ لم يجز.

ولو احتال الوصي بمال اليتيم ، فإن كان المحال عليه أملى من الأوّل أو مساوياً له في المال والعدالة ، جاز.

وقال أبو حنيفة : إذا كان مثله ، لم يجز (١). وليس بجيّد.

ولو كان أدون منه مالاً وعدالةً ، لم يجز قطعاً.

تمّ الجزء التاسع (٢) من كتاب تذكرة الفقهاء بحمد الله تعالى وحسن توفيقه ، وصلّى الله على محمّدٍ وآله أجمعين.

__________________

(١) فتاوى قاضيخان بهامش الفتاوى الهنديّة ٢ : ٢٨٩.

(٢) حسب تجزئة المصنّف قدس‌سره.

٢٧٧
٢٧٨

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

وبه ثقتي‌

المقصد الخامس : في الضمان‌

وفصوله ثلاثة :

الأوّل : في ضمان المال‌

وفيه مباحث :

الأوّل : في ماهيّة الضمان ومشروعيّته وأركانه.

الضمان عقد شُرّع للتعهّد بمال أو نفس. ويُسمّى الأوّل ضماناً بقولٍ مطلق ، ويُخصّ (١) الثاني باسم الكفالة.

وقد تُطلق الكفالة على ضمان المال لكن بقيدٍ ، فيقال : كفالة بالمال.

والضمان عندنا مشتقّ من التضمّن ؛ لأنّ ذمّة الضامن تتضمّن الحقّ.

وقال بعضهم : إنّه مشتقّ من الضمّ ، فإنّ الضامن قد ضمّ ذمّته إلى ذمّة المضمون عنه في التزام الحقّ ، فيثبت في ذمّتهما جميعاً ، فلصاحب الحقّ مطالبة مَنْ شاء منهما (٢).

ونحن نخالف في ذلك على ما سيأتي إن شاء الله تعالى.

ويقال : ضامن وضمين وكفيل وزعيم وحميل وصبير وقبيل بمعنى‌

__________________

(١) في « ر » : « يختصّ ».

(٢) المغني والشرح الكبير ٥ : ٧٠.

٢٧٩

واحد.

مسألة ٤٧٣ : والضمان ثابت بالكتاب والسنّة والإجماع.

قال الله تعالى : ( وَلِمَنْ جاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ ) (١) قال ابن عباس : الزعيم الكفيل (٢).

لا يقال : هذه الآية لا يصحّ لكم الاستدلال بها ؛ لأنّ حمل البعير مجهول. ولأنّها جعالة. ولأنّه حكاية عن منادي يوسف عليه‌السلام ، ولا يلزمنا شرعه.

لأنّا نقول : حمل البعير معروف عندهم ، ولهذا سمّوه وسقاً ، وعلّق عليه النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نصاب الغلاّت ، فقال : « ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة » (٣).

وأمّا الجعالة فنمنع بطلان الكفالة بها ؛ لأنّها تؤول إلى اللزوم.

سلّمنا عدم جواز الضمان فيها ، لكن اللفظ اقتضى جواز الكفالة وجوازها بالجعالة ثمّ قام دليل على أنّ الجعالة لا يتكفّل بها ، وهذا الدليل لا ينفي مقتضى اللفظ عن ظاهره.

وأمّا شرع مَنْ قبلنا فقد قيل (٤) : إنّه يلزمنا إذا لم يدلّ دليلٌ على إنكاره ، وليس هنا ما يدلّ على إنكار الكفالة ، فيكون ثابتاً في حقّنا.

__________________

(١) يوسف : ٧٢.

(٢) صحيفة علي بن أبي طلحة : ٢٩٤ / ٦٦١ ، جامع البيان ( تفسير الطبري ) ١٣ : ١٤ ، المغني والشرح الكبير ٥ : ٧٠.

(٣) صحيح البخاري ٢ : ١٤٤ ، سنن أبي داوُد ٢ : ٩٤ / ١٥٥٨ ، سنن النسائي ٥ : ١٧ ، سنن البيهقي ٤ : ١٢١ ، المصنّف ـ لابن أبي شيبة ـ ٣ : ١٣٧ ، مسند أحمد ٣ : ١١٨ / ٨٩٦٨ ، و ٤٦٥ / ١١١٨١.

(٤) لم نتحقّق القائل.

٢٨٠