تذكرة الفقهاء - ج ١٤

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

تذكرة الفقهاء - ج ١٤

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-435-3
الصفحات: ٥٣٤

الفصل الرابع : في المتولّي لمال الطفل والمجنون والسفيه‌

مسألة ٤٣٩ : قد بيّنّا أنّه ليس للصغير التصرّف في شي‌ء ما من الأشياء قبل بلوغه خمس عشرة سنة في الذكر وتسع سنين في الأُنثى‌ ، سواء كان مميّزاً أو لا ، مُدركاً لما يضرّه وينفعه أو لا ، حافظاً لماله أو لا.

وقد روي أنّه « إذا بلغ الطفل عشر سنين بصيراً جازت وصيّته بالمعروف وصدقته وأُقيمت عليه الحدود التامّة » (١) وفي روايةٍ أُخرى : « إذا بلغ خمسة أشبار » (٢).

والمعتمد ما تقدّم.

ولو أذن له الوليّ ، لم يصح ، إلاّ في صورة الاختبار إن قلنا بأنّه قبل البلوغ على ما تقدّم (٣).

ولو قلنا بالرواية ، نفذ تصرّفه في الوصيّة بالمعروف والصدقة ، وقُبِل إقراره بهما ؛ لأنّ مَنْ ملك شيئاً ملك الإقرار به.

وهل يصحّ بيع المميّز وشراؤه بإذن الوليّ؟ الوجه عندي : أنّه لا يصحّ ولا ينفذ ـ وهو إحدى الروايتين عن أحمد ، وبه قال الشافعي (٤) ـ لقوله تعالى : ( وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ ) (٥) وإنّما يُعرف زوال السفه بالبلوغ‌

__________________

(١) الكافي ٧ : ٢٨ ( باب وصيّة الغلام والجارية ... ) ح ١ ، الفقيه ٤ : ١٤٥ / ٥٠٢ ، التهذيب ٨ : ٢٤٨ / ٨٩٨.

(٢) التهذيب ١٠ : ٢٣٣ / ٩٢٢ ، الاستبصار ٤ : ٢٨٧ / ١٠٨٥.

(٣) في ص ٢٢٥ ، المسألة ٤٢١.

(٤) المغني ٤ ٣٢١ ، الشرح الكبير ٤ : ٥٧٨ ، الوجيز ١ : ١٣٣ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٩ ، المجموع ٩ : ١٥٥ ـ ١٥٦ و ١٥٨.

(٥) النساء : (٥).

٢٤١

والرشد. ولأنّه غير مكلّف فأشبه غير المميّز. ولأنّ العقل لا يمكن الوقوف عليه على الحدّ الذي يصلح به التصرّف والذي لا يصلح ؛ لخفائه وتزايده إلى وقت البلوغ على التدريج ، والمراتب خفيّة في الغاية ، فجَعَل الشارع له ضابطاً ، وهو البلوغ ، فلا تثبت له أحكام العقلاء قبل وجود المظنّة.

وقال أبو حنيفة وأحمد في الرواية الأُخرى : يجوز بيع المميّز وشراؤه وتصرّفه بإذن الوليّ ؛ لقوله تعالى : ( وَابْتَلُوا الْيَتامى ) (١) أي اختبروهم ليُعلم رشدهم ، وإنّما يتحقّق اختبارهم بتفويض التصرّف إليهم من البيع والشراء وغيرهما ليُعلم هل بلغ حدّ الرشد أم لا؟ ولأنّه عاقل مميّز محجور عليه ، فصحّ تصرّفه بإذن الوليّ ، بخلاف غير المميّز ، فإنّه لا يصلح تحصيل المصلحة بتصرّفه ؛ لعدم تميزه وعدم معرفته ، ولا حاجة إلى اختباره ؛ لأنّه قد عُلم حاله (٢).

وقد بيّنّا الخلاف في أنّ الاختبار هل هو قبل البلوغ أو بعده؟ فإن قلنا : إنّه بعد البلوغ ، فلا بحث. وإن قلنا : إنّه قبله ، قلنا : المراد المساومة والمماكسة ، فإذا وقف الحال على شي‌ء ، باع الوليّ وباشر العقد بيعاً وشراءً دون الصبي ، وبهذا يحصل الاختبار ، والعقل غير معلوم السمة له ، وإنّما يُعلم بما ضبطه الشارع علامةً عليه ، وهو البلوغ ، كالمشقّة المنوطة بالمسافة.

تذنيب : قال أبو حنيفة : لو تصرّف الصبي المميّز بالبيع والشراء وشبههما ، صحّ تصرّفه‌ ، ويكون موقوفاً على إجازة الوليّ ، وأمّا غير المميّز فلا يصحّ تصرّفه ، سواء أذن الوليّ أو لا ؛ لسلب أهليّته عن مباشرة‌

__________________

(١) النساء : (٦).

(٢) بدائع الصنائع ٥ : ١٣٥ ، المغني ٤ : ٣٢١ ، الشرح الكبير ٤ : ٥٧٨ ، حلية العلماء ٤ : ١٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٥ ، المجموع ٩ : ١٥٨.

٢٤٢

التصرّفات (١).

ولا فرق بين الشي‌ء اليسير والكثير في المنع من تصرّف غير المميّز.

وقال أحمد : يصحّ تصرّف غير المميّز في الشي‌ء اليسير ؛ لأنّ أبا الدرداء اشترى عصفوراً من صبي وأرسله (٢).

وفعله ليس حجّةً ، وجاز أن يكون قد عرف أنّه ليس ملكاً للصبي فاستنقذه منه.

مسألة ٤٤٠ : يثبت الرشد عند الحاكم بشهادة رجلين عَدْلين في الرجال ، وفي النساء أيضاً‌ ؛ لأنّ شهادة الاثنين مناط الأحكام.

ويثبت في النساء بشهادة أربع أيضاً ؛ لأنّه ممّا تطّلع عليه النساء ولا يطّلع عليه الرجال غالباً ، فلو اقتصرنا في ثبوت رشدهنّ على شهادة الرجال ، لزم الحرج والضيق ، وهو منفيّ بالإجماع.

وكذا يثبت بشهادة رجل وامرأتين وبشهادة أربع خناثى ؛ لجواز أن يكون نساءً.

ولا يثبت بتصديق الغريم ، سواء كان ممّن يؤخذ منه الحقّ أو يدفع إليه ؛ لما فيه من التهمة.

مسألة ٤٤١ : الولاية في مال المجنون والطفل للأب والجدّ له وإن علا ، ولا ولاية للأُمّ إجماعاً ، إلاّ من بعض الشافعيّة (٣) ، بل إذا فُقد الأب والجدّ وإن علا ، كانت الولاية لوصيّ أحدهما إن وُجد ، فإن لم يوجد ، كانت الولاية للحاكم يتولاّها بنفسه أو يولّيها أميناً.

__________________

(١) بدائع الصنائع ٥ : ١٣٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٥ ، المجموع ٩ : ١٥٨.

(٢) المغني ٤ : ٣٢١ ، الشرح الكبير ٤ : ٨ ، المجموع ٩ : ١٥٨.

(٣) المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٣٣٥ ، حلية العلماء ٤ : ٥٢٥ ، الوجيز ١ : ١٧٧ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٨٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٢٢.

٢٤٣

ولا ولاية لجدّ الأُمّ ، كما لا ولاية للأُمّ ، ولا لغير الأب والجدّ له من الأعمام والأخوال و (١) غيرهما من الأنساب ، قربوا أم بعدوا.

وقد روي أنّ للأُمّ ولايةَ الإحرام بالصبي (٢).

والمعتمد ما قلناه.

وقال أبو سعيد الاصطخري من الشافعيّة : إنّ للأُمّ ولايةَ المال بعد الأب والجدّ ، وتُقدّم على وصيّهما ؛ لزيادة شفقتها (٣).

وهو خارق للإجماع.

مسألة ٤٤٢ : الولاية في مال السفيه للحاكم‌ ، سواء تجدّد السفه عليه بعد بلوغه أو بلغ سفيهاً ؛ لأنّ الحجر يفتقر إلى حكم الحاكم ، وزواله أيضاً يفتقر إليه ، فكان النظر في ماله إليه ، ولا ولاية للأب ولا للجدّ ولا لوصيّهما على السفيه.

وقال أحمد : إن بلغ الصبي سفيهاً ، كانت الولاية للأب أو الجدّ له أو الوصيّ لهما مع عدمهما ، وإلاّ فالحاكم (٤).

ولا بأس به.

إذا عرفت هذا ، فإن كان الأبُ للصبي والجدُّ موجودين ، اشتركا في الولاية ، وكان حكم الجدّ أولى لو عارضه حكم الأب.

__________________

(١) في الطبعة الحجريّة : « أو » بدل « و».

(٢) راجع التهذيب ٥ : ٦ ـ ٧ / ١٦ ، والاستبصار ٢ : ١٤٦ ـ ١٤٧ / ٤٧٨ ، وصحيح مسلم ٢ : ٩٧٤ / ١٣٣٦ ، وسنن أبي داوُد ٢ : ١٤٢ ـ ١٤٣ / ١٧٣٦ ، وسنن النسائي ٥ : ١٢٠ ، وسنن البيهقي ٥ : ١٥٥.

(٣) راجع المصادر في الهامش (٣) من ص ٢٤٣.

(٤) المغني ٤ : ٥٧٠ ـ ٥٧١ ، الشرح الكبير ٤ : ٥٦٢ ـ ٥٦٣.

٢٤٤

الفصل الخامس : في كيفيّة التصرّف‌

مسألة ٤٤٣ : الضابط في تصرّف المتولّي لأموال اليتامى والمجانين اعتبار الغبطة‌ ، وكون التصرّف على وجه النظر والمصلحة ، فللوليّ أن يتّجر بمال اليتيم ، ويضارب به ويدفعه إلى مَنْ يضارب له به ، ويجعل له نصيباً من الربح ، ويستحبّ له ذلك ، سواء كان الوليّ أباً أو جدّاً له أو وصيّاً أو حاكماً أو أمينَ حاكمٍ ، وبه قال عليّ عليه‌السلام وعمر وعائشة والضحّاك (١).

ولا نعلم فيه خلافاً إلاّ ما روي عن الحسن البصري كراهة ذلك ؛ لأنّ خزنه أحفظ وأبعد له من التلف (٢).

والأصحّ ما ذكرناه ؛ لما رواه العامّة عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : « مَنْ ولي يتيماً له مالٌ فليتّجر له ، ولا يتركه حتى تأكله الصدقة » (٣).

ومن طريق الخاصّة : ما رواه أسباط بن سالم أنّه قال للصادق عليه‌السلام : كان لي أخ هلك فأوصى إلى أخ أكبر منّي وأدخلني معه في الوصيّة وترك ابناً صغيراً وله مال أفيضرب به للابن فما كان من فضل سلّمه لليتيم وضمن له ماله؟ فقال : « إن كان لأخيك مال يحيط بمال اليتيم إن تلف فلا بأس به ، وإن لم يكن له مال فلا يعرّض لمال اليتيم » (٤).

__________________

(١ و ٢) المغني ٤ : ٣١٧ ، الشرح الكبير ٤ : ٥٦٤.

(٣) سنن الدارقطني ٢ : ١٠٩ ـ ١١٠ / ١ ، المغني ٤ : ٣١٧ ، الشرح الكبير ٤ : ٥٦٤ ـ ٥٦٥.

(٤) التهذيب ٦ : ٣٤٢ / ٩٥٧.

٢٤٥

ولأنّ ذلك أنفع لليتيم وأكثر حظّاً له ، لأنّه ينفق من ربحه ، ويستدرك من فائدته ما [ يقلّه ] (١) الإنفاق ، كما يفعله البالغون في أموالهم وأموال مَنْ يعزّ عليهم من أولادهم.

مسألة ٤٤٤ : وإذا اتّجر لهم ينبغي أن يتّجر في المواضع الآمنة ، ولا يدفعه إلاّ لأمين ، ولا يغرّر بماله.

وقد روي أنّ عائشة أبضعت مال محمّد بن أبي بكر في البحر (٢).

ويُحتمل أن يكون في موضعٍ مأمون قريب من الساحل ، أو أنّها ضمنته إن هلك غرمته هي ، أو أنّها أخطأت في ذلك فليس فعلها حجّةً.

إذا عرفت هذا ، فإنّ للوصيّ أن يتّجر بنفسه ، ويجعل الربح بينه وبين اليتيم على جاري العادة ؛ لأنّه جاز أن يدفعه كذلك إلى غيره فجاز أن يأخذ ذلك لنفسه.

وقال بعض العامّة : لا يجوز أن يعمل به بنفسه ؛ لأنّ الربح نماء مال اليتيم ، فلا يستحقّه غيره إلاّ بعقدٍ ، فلا يجوز أن يعقد الوليّ المضاربة مع نفسه (٣).

وهو ممنوع ؛ لجواز أن يتولّى طرفي العقد.

وإذا دفعه إلى غيره ، كان للعامل ما جَعَله له الوليّ ووافقه عليه ؛ لأنّ الوصي نائب عن اليتيم فيما فيه مصلحته ، وهذا فيه مصلحته ، فصار تصرّفه فيه كتصرّف المالك في ماله.

مسألة ٤٤٥ : ويشترط في التاجر بمال اليتيم أن يكون وليّاً‌ وأن يكون‌

__________________

(١) بدل ما بين المعقوفين في « ج ، ر » والطبعة الحجريّة : « يعلمه » وفي « ث » : « يعد ». والصحيح ما أثبتناه.

(٢ و ٣) المغني ٤ : ٣١٧ ، الشرح الكبير ٤ : ٥٦٥.

٢٤٦

مليّاً ، فإن انتفى أحد الوصفين ، لم يجز له التجارة في ماله ، فإن اتّجر ، كان الضمان عليه ، والربح لليتيم ؛ لما رواه ربعي بن عبد الله عن الصادق عليه‌السلام في رجل عنده مال اليتيم ، فقال : « إن كان محتاجاً ليس له مال ، فلا يمسّ ماله ، وإن هو اتّجر به فالربح لليتيم وهو ضامن » (١).

وفي الحسن عن محمّد بن مسلم عن الصادق عليه‌السلام في مال اليتيم قال : « العامل به ضامن ، ولليتيم الربح إذا لم يكن للعامل به مال » وقال : « إن أعطب أدّاه » (٢).

مسألة ٤٤٦ : ويجوز لوليّ اليتيم إبضاع ماله ، وهو دفعه إلى مَنْ يتّجر به ، والربح كلّه لليتيم‌ ؛ لأنّ ذلك أنفع من المضاربة ، لأنّه إذا جاز دفعه بجزء من ربحه فدفعه إلى مَنْ يدفع جميع ربحه إلى اليتيم أولى.

ويستحبّ أن يشتري له العقار ؛ لأنّه مصلحة له ، لأنّه يحصل منه الفضل ، ولا يفتقر إلى كثير مئونة ، وسلامته متيقّنة ، والأصل باقٍ مع الاستنماء ، والغرر فيه أقلّ من التجارة ، بل هو أولى منها ؛ لما في التجارة من الأخطار وانحطاط الأسعار ، فإن لم يكن في شرائه مصلحة إمّا لفضل الخراج وجور السلطان أو إشراف الموضع على البوار ، لم يجز.

ويجوز أن يبني عقاره ويستجدّه إذا استهدم من الدور والمساكن ؛ لأنّه في معنى الشراء ، إلاّ أن يكون الشراء أنفع ، فيصرف المال إليه ، ويقدّمه على البناء ، فإن فضل شي‌ء ، صرفه في البناء.

وإذا أراد البناء ، بنى بما فيه الحظّ لليتيم ، ويبنيه بالآجر والطين ، وإن اقتضت المصلحة البناء باللِّبن ، فَعَل ، وإلاّ فلا ؛ لأنّه إذا هدم لا مرجوع له.

__________________

(١) الكافي ٥ : ١٣١ / ٣ ، التهذيب ٦ : ٣٤١ ـ ٣٤٢ / ٩٥٥.

(٢) الكافي ٥ : ١٣١ / ٢ ، التهذيب ٦ : ٣٤٢ / ٩٥٦.

٢٤٧

وبالجملة ، يفعل الأصلح.

وقال الشافعي : يبني بالآجر والطين لا غير ؛ لأنّه إذا بنى باللِّبن خاصّةً ، لم يكن له مرجوع ، وإذا بناه بالآجر والجصّ ، لم يتخلّص منه إلاّ بكسره (١).

وما قلناه أولى ؛ لأنّه إذا كان الحظّ في البناء بغير الآجر ، فتركه تضييع حظّه وماله ، ولا يجوز تضييع الحظّ العاجل وتحمّل الضرر المتيقّن لتوهّم مصلحة بقاء الآجر عند هدم البناء ، وربما لا يقع ذلك في حياته ولا يحتاج إليه ، مع أنّ كثيراً من البلاد لا يوجد فيها الآجر ، وكثيراً من البلدان لم تجر عادتهم بالبناء بالآجر ، فلو كُلّفوا البناء به لاحتاجوا إلى غرامة كثيرة لا يحصل منها طائل ، فالأولى البناء في كلّ بلدٍ على عادته.

مسألة ٤٤٧ : لا يجوز بيع عقار الصبي لغير حاجة‌ ؛ لأنّا نأمر الوليّ بالشراء له لما فيه من الحظّ والمصلحة ، فيكون بيعه تفويتاً للحظّ ، فإن احتيج إلى بيعه ، جاز ، وبه قال الثوري والشافعي وأصحاب الرأي وإسحاق وأحمد (٢).

وقال بعض العامّة : لا يجوز إلاّ في موضعين :

أ : أن يكون به ضرورة إلى كسوة أو نفقة أو قضاء دَيْن أو ما لا بدّ له منه ، ولا تندفع حاجته إلاّ بالبيع ، أو قصرت غلّته عن الوفاء بنفقته وما يحتاج إليه.

ب : أن يكون في بيعه غبطة بأن يدفع فيه زيادة كثيرة على ثمن مثله‌

__________________

(١) المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٣٣٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٨٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٢٢ ، المغني ٤ : ٣١٧ ، الشرح الكبير ٤ : ٥٦٧.

(٢) المهذب ـ للشيرازي ـ ١ : ٣٣٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٨٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٢٢ ، المغني ٤ : ٣١٨ ، الشرح الكبير ٤ : ٥٦٩.

٢٤٨

ويرغب إليه شريك أو جار بأكثر من ثمن مثله وهو يجد مثله ببعض ذلك الثمن ، أو يخاف عليه الخراب والهلاك بغرقٍ أو حرقٍ أو نحوه ، أو يكون ثقيل الخراج ومنزل الوُلاة ونحوه ، وبه قال الشافعي (١).

وقال أحمد : كلّ موضعٍ يكون البيع أنفع ويكون نظراً لهم ، جاز ، ولا يختصّ بما تقدّم ، وكذا لو كانت الدار سيّئة الجيران ويتضرّر الصبي بالمقام فيها ، جاز بيعها وشراء عوضها ، والجزئيّات غير محصورة ، فالضابط اعتبار الغبطة ، وقد يكون الغبطة له في ترك البيع وإن أعطاه الباذل ضِعْفَي ثمنه إذا لم يكن به حاجة إلى الثمن أو لا يمكن صَرف ثمنه في مثله ويخاف ضياعه ، فقد روي عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال : « مَنْ باع داراً أو عقاراً ولم يصرف ثمنه في مثله لم يبارك له فيه » (٢) (٣).

مسألة ٤٤٨ : يجوز للوليّ عن الطفل أو (٤) المجنون بيع عقاره وغيره في موضع الجواز بالنقد والنسيئة‌ وبالعرض بحسب ما تقتضيه المصلحة.

وإذا باع نسيئةً زاد على ثمنه نقداً ، وأشهد عليه ، وارتهن به رهناً وافياً ، فإن لم يفعل ، ضمن ، وهو قول أكثر الشافعيّة (٥).

ونقل الجويني وجهين في صحّة البيع إذا لم يرتهن وكان المشتري مليّاً ، وقال : الأصحّ : الصحّة ، ولا يكون ضامناً ؛ اعتماداً على ذمّة المليّ (٦).

وليس بمعتمد ؛ لأنّه في معرض الإتلاف ، بخلاف الإقراض ؛ لأنّه‌

__________________

(١) المغني ٤ : ٣١٨ ، الشرح الكبير ٤ : ٥٦٩ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٣٣٦ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٨٠ ـ ٨١ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٢٢ ـ ٤٢٣.

(٢) سنن ابن ماجة ٢ : ٨٣٢ / ٢٤٩٠ ، سنن البيهقي ٦ : ٣٤ ، مسند أحمد ٥ : ٣٩٧ / ١٨٢٦٤ بتفاوت يسير.

(٣) المغني ٤ : ٣١٨ ، الشرح الكبير ٤ : ٥٦٩.

(٤) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « و» بدل « أو ». والظاهر ما أثبتناه.

(٥ و ٦) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٨١ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٢٣.

٢٤٩

يجوز عند خوف الإتلاف.

ولا يحتاج الأب إذا باع مال ولده من نفسه نسيئةً أن يرتهن له من نفسه ، بل يؤتمن في حقّ ولده.

وكذا البحث لو اشترى له سَلَماً مع الغبطة بذلك.

مسألة ٤٤٩ : إذا باع الأب أو الجدّ عقار الصبي أو المجنون وذكر أنّه للحاجة ، ورفع الأمر إلى الحاكم ، جاز له أن يسجّل على البيع ، ولم يكلّفهما إثبات الحاجة أو الغبطة ؛ لأنّهما غير متّهمين في حقّ ولدهما.

ولو باع الوصيّ أو أمين الحاكم ، لم يسجّل الحاكم ، إلاّ إذا قامت البيّنة على الحاجة أو الغبطة ، فإذا بلغ الصبي وادّعى على الأب أو الجدّ بيع ماله من غير مصلحةٍ ، كان القولُ قولَ الأب أو الجدّ مع اليمين ، وعليه البيّنة ؛ لأنّه يدّعي عليهما خلافَ الظاهر ؛ إذ الظاهر من حالهما الشفقة وعدم البيع إلاّ للحاجة.

ولو ادّعاه على الوصيّ أو الأمين ، فالقول قوله في العقار ، وعليهما البيّنة ؛ لأنّهما مدّعيان ، فكان عليهما البيّنة.

وفي غير العقار الأولى ذلك أيضاً ؛ لهذا الدليل ، وهو أحد وجهي الشافعيّة.

وفي الآخَر : أنّه يُقبل قولهما مع اليمين ، والفرق عسر الإشهاد في كلّ قليل وكثير يبيعه (١).

ومن الشافعيّة مَنْ أطلق وجهين من غير فرقٍ بين الأولياء ، سواء كانوا آباءً أو أجداداً أو غرباء ، ولا بين العقار وغيره (٢).

ودعوى الصبي والمجنون على المشتري من الوليّ كدعواهما على‌

__________________

(١ و ٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٨١ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٢٣.

٢٥٠

الوليّ.

مسألة ٤٥٠ : وهل للوصيّ والأمين بيع مال الطفل والمجنون من نفسه وبيع مال نفسه منه؟ مَنَع منه جماعة من علمائنا (١) والشافعي (٢) أيضاً ؛ لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « لا يشتري الوصيّ من مال اليتيم » (٣).

والأقرب عندي : الجواز ، والتهمة منتفية مع الوثوق بالعدالة. ولأنّ التقدير أنّه بالغ في النصيحة ، ولا استبعاد في كونه موجباً قابلاً ، كما في الأب والجدّ.

إذا عرفت هذا ، فهل للأب والجدّ للأب ذلك؟ الأولى ذلك ـ وبه قال الشافعي (٤) ـ لأنّ شفقتهما عليه توجب المناصحة له.

وكذا يبيع الأب أو الجدّ عن أحد الصغيرين ويشتري للآخَر.

وهل يشترط العقد ، فيقول : « بعت كذا عن فلان ، اشتريت كذا من فلان »؟ الأقرب : ذلك ، كما لو باع من غيره ، وهو أحد وجهي الشافعيّة.

والثاني : أنّه يكتفي بأحدهما ، ويقام مقامهما ، كما أُقيم الشخص الواحد مقام اثنين ، سواء كان بائعاً عن أحد الصغيرين ومشترياً عن الآخَر ، أو كان مشترياً لنفسه وبائعاً عن الصغير ، أو بالعكس (٥).

وإذا اشترى الوليّ للطفل فليشتر من ثقة أمين يؤمن من جحوده في الثاني وحيلته في إفساد البيع بأن يكون قد أقرّ لغيره قبل البيع وما أشبه‌

__________________

(١) منهم : الشيخ الطوسي في الخلاف ٣ : ٣٤٦ ، المسألة ٩ ، والمبسوط ٢ : ٣٨١.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٨١ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٢٤.

(٣) أورده الرافعي في العزيز شرح الوجيز ٥ : ٨١.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٨١ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٢٤ ، المغني ٥ : ٢٤٢ ، الشرح الكبير ٤ : ٥٦٣.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٨١ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٢٤.

٢٥١

ذلك ، وحذراً من خروج الملك مستحقّاً.

ولا يجوز لوليّ الطفل أن يبيع إلاّ بثمن المثل. وقد تفرض المصلحة في البيع بدون ثمن المثل في بعض جزئيّات الصور ، فليجز حينئذٍ.

مسألة ٤٥١ : وأمّا قرض مال الطفل والمجنون فإنّه غير جائز‌ إلاّ مع الضرورة ؛ لما فيه من التغرير والتعريض للإتلاف ، بل إن أمكن الوليّ التجارة به أو شراء عقارٍ له فيه الحظّ ، لم يقرضه ؛ لما فيه من تفويت الحظّ على اليتيم.

وإن لم يمكن ذلك ـ بأن خاف من إبقائه في يده [ من تلفٍ ] (١) أو نهب أو سرقةٍ أو حرقٍ أو غير ذلك من الأسباب المتلفة أو المُنقصة للماليّة ، وكذا إذا أراد الوليّ السفر وخاف من استصحابه معه أو إبقائه في البلد ـ جاز له إقراضه من ثقة ملي‌ء. وإن تمكّن من الارتهان عليه ، وجب ، فإن لم يتّفق الرهن ووجد كفيلاً ، طالَب بالكفيل.

ولو تمكّن من الارتهان عليه فطلب الكفيل وترك الارتهان ، فقد فرّط.

ولو استقرض الوليّ مع الولاية والملاءة ، جاز ؛ نظراً لمصلحة الطفل ، فقد روى العامّة أنّ عمر استقرض مال اليتيم (٢).

ومن طريق الخاصّة : ما رواه أبو الربيع عن الصادق عليه‌السلام أنّه سئل عن رجل ولي [ مال ] يتيم فاستقرض منه شيئاً ، فقال : « إنّ عليّ بن الحسين عليهما‌السلام قد كان يستقرض من مال أيتام كانوا في حجره ، فلا بأس بذلك » (٣).

__________________

(١) زيادة يقتضيها السياق.

(٢) المغني ٤ : ٣١٩.

(٣) التهذيب ٦ : ٣٤١ / ٩٥٣ ، وما بين المعقوفين من المصدر.

٢٥٢

ولأنّه وليّ له التصرّف في ماله بما يتعلّق به مصلحة اليتيم ، فجاز له إقراضه للمصلحة.

وإذا كان للصبي مالٌ في بلدٍ فأراد الوليّ نَقْلَه عن ذلك البلد إلى آخَر ، كان له إقراضه من ثقة ملي‌ء ، ويقصد بذلك حفظه من السارق وقاطع الطريق ، أو الغرق ، أو غير ذلك.

وكذا لو خاف على مال اليتيم التلف ، كما إذا كان له غلّة من حنطة وشبهها وخاف عليها تطرّق الفساد إليها ، أقرضها من الثقة الملي‌ء خوفاً من تسويسها وتغيّرها ؛ لأنّه يشتمل على نفع اليتيم ، فجاز ، كالتجارة.

ولو لم يكن لليتيم فيه حظّ ، وإنّما قصد إرفاق المقترض وقضاء حاجته ، لم يجز إقراضه ، كما لم يجز هبته.

ولو أراد الوليّ السفر ، لم يسافر به ، وأقرضه من ملي‌ء مأمون ، وهو أولى من الإيداع ؛ لأنّ الوديعة لا تُضمن.

ولو لم يوجد المقترض بهذه الصفة ، أودعه من ثقة أمين ، فهو أولى من السفر به ؛ لأنّه موضع الحاجة والضرورة.

ولو أودعه من الثقة مع وجود المقترض الملي‌ء المأمون ، لم يكن مفرّطاً ، ولا ضمان عليه ، فإنّه قد يكون الإيداع أنفع له من القرض ، وهو أضعف وجهي الشافعيّة.

وأصحّهما عندهم : أنّه لا يجوز إيداعه مع إمكان الإقراض ، فإن فَعَل ضمن (١).

وكلّ موضعٍ جاز له أن يقرضه فيه فإنّه يشترط أن يكون المقترض‌

__________________

(١) المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٣٣٦ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٨٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٢٦.

٢٥٣

مليّاً أميناً ، ليأمن جحوده وتعذّر الإيفاء.

فإن تمكّن من الارتهان ، ارتهن ، وإن تعذّر ، جاز من غير رهن ؛ لأنّ الظاهر ممّن يستقرض من أجل حظّ اليتيم أنّه لا يبذل رهناً ، فاشتراط الرهن تفويت لهذا الحظّ.

ويشترط فيمن يُودع عنده الأمانة وفي المقترض الأمانةُ واليسار معاً ، فإن أودع أو أقرض من غير الثقة ، ضمن.

مسألة ٤٥٢ : لو أخذ إنسان من وليّ اليتيم مالاً وتصرّف في بعضه بغير إذنه ثمّ أيسر بعد ذلك ، كان عليه ردّ المال إلى الوليّ‌ أو إلى الطفل إن كان قد بلغ رشيداً.

ويجوز إذا دفعه إلى الطفل أن لا يشعر بالحال وأن يدفعه إليه موهماً له أنّه على وجه الصلة ؛ لأنّ الغرض والمقصود بالذات إيصال الحقّ إلى مستحقّه ؛ لما رواه عبد الرحمن بن الحجّاج ـ في الصحيح ـ عن الكاظم عليه‌السلام في الرجل يكون عند بعض أهل بيته المال لأيتامٍ فيدفعه إليه فيأخذ منه دراهم يحتاج إليها ولا يُعلم الذي كان عنده المال للأيتام أنّه أخذ من أموالهم شيئاً ثمّ تيسّر بعد ذلك ، أيّ ذلك خير له؟ أيعطيه الذي كان في يده ، أم يدفعه إلى اليتيم وقد بلغ؟ وهل يجزئه أن يدفعه إلى صاحبه على وجه الصلة ولا يُعلمه أنّه أخذ له مالاً؟ فقال : « يجزئه أيّ ذلك فَعَل إذا أوصله إلى صاحبه ، فإنّ هذا من السرائر إذا كان من نيّته إن شاء ردّه إلى اليتيم إن كان قد بلغ على أيّ وجه شاء وإن لم يُعلمه أنّه كان قبض له شيئاً ، وإن شاء ردّه إلى الذي كان في يده » وقال : « إذا كان صاحب المال غائباً‌

٢٥٤

فليدفعه إلى الذي كان المال في يده » (١).

مسألة ٤٥٣ : ومَنْ كان عنده مالٌ لأيتامٍ فهلك الأيتام قبل دفع المال إليهم فيصالحه وارثهم على البعض ، حلّ له ذلك‌ ، وبرئت ذمّته من جميع المال مع إعلام الوارث ؛ لما رواه عبد الرحمن بن الحجّاج وداوُد بن فرقد جميعاً عن الصادق عليه‌السلام ، قالا : سألناه عن الرجل يكون عنده المال لأيتامٍ فلا يعطيهم حتى يهلكوا فيأتيه وارثهم ووكيلهم فيصالحه على أن يأخذ بعضاً ويدع بعضاً ويبرئه ممّا كان له أيبرأ منه؟ قال : « نعم » (٢).

مسألة ٤٥٤ : يجب على الوليّ الإنفاقُ على مَنْ يليه بالمعروف ، ولا يجوز له التقتير عليه في الغاية ولا الإسراف في النفقة ، بل يكون في ذلك مقتصداً.

ويجرى الطفل على عادته وقواعد أمثاله من نظرائه ، فإن كان من أهل الاحتشام ، أطعمه وكساه ما يليق بأمثاله من المطعوم والملبوس ، وكذا إن كان من أهل الفاقة والضرورة ، أنفق عليه نفقة أمثاله.

فإذا ادّعى الوليّ الإنفاقَ بالمعروف على الصبي أو على عقاره أو ماله أو دوابّه إن كان ذا دوابّ ، فإن كان أباً أو جدّاً ، كان القول قولَهما فيه ، إلاّ أن يقيم الصبي البيّنةَ بخلافه.

فإنّ ادّعى الصبي بعد بلوغه خلافَ ذلك ، كان القول قولَ الأب أو الجدّ للأب مع يمينه ، إلاّ أن يكون مع الابن بيّنةٌ.

وإن كان وصيّاً أو أميناً ، قُبل قوله فيه مع اليمين ، ولا يُكلَّفان البيّنة‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ١٣٢ / ٧ ، التهذيب ٦ : ٣٤٢ / ٩٥٨.

(٢) التهذيب ٦ : ٣٤٣ / ٩٥٩.

٢٥٥

أيضاً ـ وهو أصحّ قولي الشافعيّة (١) ـ لتعذّر إقامة البيّنة على ذلك.

وفي الآخَر : لا يُقبل إلاّ بالبيّنة ، كالبيع ، لا يُقبل قولهما إلاّ ببيّنة (٢).

والفرق : عدم تعذّر إقامة البيّنة على البيع ؛ لأنّ الظاهر من حال العَدْل الصدقُ ، وهو أمين عليه ، فكان القول قولَه مع اليمين.

ولو ادّعى خلاف ما تقتضيه العادة ، فهو زيادة على المعروف ، ويكون ضامناً.

وكذا لو ادّعى تلف شي‌ء من ماله في يده بغير تفريطٍ ، أو أنّ ظالماً قهره عليه وأخذه منه ، قُدّم قوله باليمين ؛ لأنّه أمين.

أمّا لو ادّعى الإنفاق عليه منذ ثلاث سنين ، فقال الصبي : ما مات أبي إلاّ منذ سنتين ، قُدّم قول الصبي مع اليمين ؛ لأنّ الأصل حياة أبيه ، واختلافهما في أمرٍ ليس الوصيّ أميناً فيه ، فكان القولُ قولَ مَنْ يوافق قوله الأصل مع اليمين.

مسألة ٤٥٥ : لمّا نزل قوله تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً )(٣) تجنّب أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أموالَ اليتامى وأفردوها عنهم ، فنزل قوله تعالى : ( وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شاءَ اللهُ لَأَعْنَتَكُمْ ) (٤) أي : ضيّق عليكم وشدّد ، فخالطوهم في مأكولهم ومشروبهم (٥).

__________________

(١) المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٣٣٧ ، حلية العلماء ٤ : ٥٢٧ ـ ٥٢٨.

(٢) المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٣٣٧ ، حلية العلماء ٤ : ٥٢٧.

(٣) النساء : ١٠.

(٤) البقرة : ٢٢٠.

(٥) تفسير الطبري ( جامع البيان ) ٢ : ٢١٧ ، تفسير السمرقندي ( بحر العلوم ) ١ : ٢٠٤ ، زاد المسير : ١ :

٢٥٦

وينبغي للوليّ النظرُ في حال اليتيم ، فإن كانت الخلطة له أصلح ـ مثل أن يكون إذا خلط دقيقه بدقيقه وخَبَزه دفعة واحدة ، كان أرفق باليتيم في المئونة (١) وألين في الخبز وما أشبه ذلك ـ جاز له ، بل كان أولى نظراً لليتيم ، كما قال تعالى : ( يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتامى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ ) (٢) الآية. وإن كان الإفراد أرفق له وأصلح ، أفرده.

وسأل [ سماعة ] (٣) الصادقَ عليه‌السلام عن قول الله عزّ وجلّ : ( وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ ) قال : « يعني اليتامى إذا كان الرجل يلي الأيتام في حجره فليخرج من ماله قدر ما يخرج لكلّ إنسان منهم فيخالطهم ويأكلون جميعاً ، ولا يرزأ من أموالهم شيئاً ، إنّما هي النار » (٤).

إذا عرفت هذا ، فينبغي أن يتغابن مع الأيتام ، فيحسب لكلّ واحدٍ من عياله وأتباعه أكثر من أكل اليتيم وإن ساوى الواحد منهم ؛ تحفّظاً لمال اليتيم ، وتحرّزاً من تلف بعضه.

ولو تعدّد اليتامى واختلفوا كِبَراً وصِغَراً ، حسب على الكبير بقسطه وعلى الصغير بقسطه لئلاّ يضيع مال الصغير بقسطه على نفقة الكبير ؛ لما رواه أبو الصباح الكناني عن الصادق عليه‌السلام في قوله عزّ وجلّ : ( وَمَنْ كانَ

__________________

٢٤٣ ـ ٢٤٤ ، سنن أبي داوُد ٣ : ١١٤ ـ ١١٥ / ٢٨٧١ ، سنن النسائي ٦ : ٢٥٦ ، سنن البيهقي ٦ : ٥ ، المستدرك ـ للحاكم ـ ٢ : ٢٧٨ ـ ٢٧٩.

(١) في الطبعة الحجريّة : « المؤن ».

(٢) البقرة : ٢٢٠.

(٣) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « عثمان بن عيسى ». وهو ـ في المصدر ـ مذكور قبل « سماعة ».

(٤) الكافي ٥ : ١٢٩ ـ ١٣٠ / ٢ ، التهذيب ٦ : ٣٤٠ / ٩٤٩ بتفاوت.

٢٥٧

فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ ) (١) قال : « ذلك رجل يحبس نفسه عن المعيشة ، فلا بأس أن يأكل بالمعروف إذا كان يصلح لهم أموالهم ، فإن كان المال قليلاً فلا يأكل منه شيئاً » قال : قلت : أرأيت قول الله عزّ وجلّ : ( وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ ) (٢)؟ قال : « تخرج من أموالهم قدر ما يكفيهم ، وتخرج من مالك قدر ما يكفيك ثمّ تنفقه » قلت : أرأيت إن كانوا يتامى صغاراً وكباراً وبعضهم أعلى [ كسوةً ] (٣) من بعض وبعضهم آكل من بعض ومالهم جميعاً؟ فقال : « أمّا الكسوة فعلى كلّ إنسان ثمن كسوته ، وأمّا الطعام فاجعله (٤) جميعاً ، فإنّ الصغير يوشك أن يأكل مثل الكبير » (٥).

مسألة ٤٥٦ : إذا بلغ الصبي رشيداً ، زالت ولاية الوصيّ وغيره عنه ، سواء كان حاضراً أو غائباً ، فلا يجوز له بيع مال الغائب بعد بلوغه ورشده ، فإن باع كان باطلاً ، وبه قال الشافعي (٦).

ولا فرق بين أن يكون مال الغائب مشتركاً مع صبيٍّ آخَر له عليه ولاية أو لا ، ولا بين أن يكون الصغار محتاجين (٧) إلى بيع المشترك مع الغائب أو لا ، ولا بين أن يكون المتاع ممّا يقبل القسمة أو لا ؛ لأنّ البلوغ والرشد أزالا عنه الولاية ، فلا ينفذ تصرّف غيره في ماله إلاّ بإذنه ، وبيع الوصي مال‌

__________________

(١) النساء : (٦).

(٢) البقرة : ٢٢٠.

(٣) ما بين المعقوفين من المصدر.

(٤) في المصدر : « فاجعلوه ».

(٥) الكافي ٥ : ١٣٠ / ٥ ، التهذيب ٦ : ٣٤١ / ٩٥٢.

(٦) المغني ٤ : ٣٢١.

(٧) في « ث ، ر » : « يحتاجون ». وفي « ج » والطبعة الحجريّة : « محتاجون ». والصحيح ما أثبتناه.

٢٥٨

الغائب الرشيد تصرّفٌ في مال غيره بغير وكالة ولا ولاية ، فلم يصح ، كبيع ماله المنفرد أو ما لا تضرّ قسمته.

وقال أحمد : يجوز للوصي البيع على الغائب البالغ إذا كان من طريق النظر (١).

وقال أصحابه : يجوز للوصي البيع على الصغار والكبار إذا كانت حقوقهم مشتركةً في عقار في قسمته إضرار وبالصغار حاجة إلى البيع إمّا لقضاء دَيْنٍ أو لمئونةٍ لهم (٢).

وقال أبو حنيفة وابن أبي ليلى : يجوز البيع على الصغار والكبار فيما لا بدّ منه (٣).

وكأنّهما أرادا هذه الصورة ؛ لأنّ في ترك القسمة نظراً للصغار واحتياطاً للميّت في قضاء دَيْنه.

والحقّ ما قلناه ؛ فإنّ ما ذكروه لا أصل له يقاس عليه ، ولا له شهادة شرعٍ بالاعتبار. ولأنّ مصلحة الصغار يعارضها أنّ فيه ضرراً على الكبار ببيع مالهم بغير إذنهم. ولأنّه لا يجوز بيع غير العقار فلم يجز له بيع العقار ، كالأجنبيّ.

مسألة ٤٥٧ : قال بعض (٤) علمائنا : ليس لوليّ الصبي استيفاء القصاص المستحقّ له‌ ؛ لأنّه ربما يرغب في العفو ، وليس له العفو ؛ لأنّه ربما يختار الاستيفاء تشفّياً.

والوجه عندي : أنّ له الاستيفاء مع المصلحة ؛ لأنّ ولايته عامّة ،

__________________

(١ و ٢) المغني ٤ : ٣٢٠.

(٣) المغني ٤ : ٣٢٠ ، الشرح الكبير ٦ : ٦٣٤.

(٤) الشيخ الطوسي في المبسوط ٧ : ٥٤.

٢٥٩

فمهما فرض له مصلحة كان للوليّ السعيُ فيها تحصيلاً وإيفاءً ، ولدلالة العفو على مال إن كان ذلك أصلح لليتيم.

وإن عفا مطلقاً ، فالأقرب اعتبار المصلحة أيضاً ، فإن كانت المصلحة في العفو مجّاناً ، اعتمدها ، كما أنّ له الصلح ببعض ماله مع المصلحة.

مسألة ٤٥٨ : ليس للوليّ أن يعتق عبد الطفل والمجنون مجّاناً‌ ؛ لأنّ فيه إتلافَ ماله.

وهل له إعتاقه على مالٍ إذا اقتضت المصلحة ذلك وكان الحظّ للطفل فيه ، أو كتابته كذلك؟ الأقرب عندي : الجواز ، وذلك مثل أن تكون قيمة العبد ألفاً فيكاتبه على ألفين أو يعتقه على ألفين. وإن لم يكن للطفل فيه حظٌّ ، لم يصح قطعاً ، وبه قال أحمد (١).

وقال أبو حنيفة ومالك : لا يجوز إعتاقه بمالٍ ؛ لأنّ الإعتاق بمالٍ تعليق له على شرطٍ فلم يملكه وليّ اليتيم ، كالتعليق على دخول الدار (٢).

وقال الشافعي : لا تجوز كتابته ولا إعتاقه على مالٍ ؛ لأنّ المقصود منهما العتق دون المعاوضة ، فلم يجز ، كالإعتاق بغير عوضٍ (٣).

وهو غلط ؛ للفرق بين التعليق على أداء المال ودخول الدار ؛ فإنّ في الأوّل نفعاً لليتيم ، بخلاف الثاني ، فجاز الأوّل دون الثاني ، كالبيع مع زيادة على ثمن المثل وبدونه.

وكذا الفرق واقع بين الإعتاق على عوضٍ وبدونه ، كالفرق بين البيع‌

__________________

(١) المغني ٤ : ٣١٨ ، الشرح الكبير ٤ : ٥٦٣.

(٢) الهداية ـ للمرغيناني ـ ٣ : ٢٥٨ ، بدائع الصنائع ٥ : ١٥٣ ، المغني ٤ : ٣١٨ ، الشرح الكبير ٤ : ٥٦٣ ـ ٥٦٤.

(٣) المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٣٣٥ و ٣٣٦ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٨١ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٢٤ ، المغني ٤ : ٣١٨ ، الشرح الكبير ٤ : ٥٦٤.

٢٦٠