الله خالق الكون

الشيخ جعفر الهادي

الله خالق الكون

المؤلف:

الشيخ جعفر الهادي


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: منشورات مؤسسة سيّد الشهداء العلميّة
المطبعة: مطبعة سيد الشهداء عليه السلام
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٤٠

وحكمة لا تزال متردداً بين عزوها إلى الصدفة والاتفاق وبين اسنادها للحكمة والعلم؟.

قال اريستوديم : لا والاله ، فان أقل نظر في هذه الكائنات يدلنا على ان هنالك ذات عالم رحیم خلقها وأبدعها.

قال سقراط : زد على هذا الميل المودع في الطبائع للتكاثر والرحمة المودعة في قلوب الامهات لتغذية صغارها واعالتهم وما غرس في نفوس تلك الصغار من عواطف حب الحياة والهرب من الموت.

قال ار يستوديوم : لاشك ان كل هذا يدل على انه اختراع موجود حكیم أعد الأرض وهيأها لسكنى الحيوانات (١).

وهذا الاستدلال العميق الذي اقتطفنا منه ما يهمنا في هذا البحث يكشف من ان الالهين كانوا ـ منذ أقدم العصور ـ يعتمدون الاستدلال والبرهنة لاثبات الخالق ، ويكشف عن ان النظام البديع السائد في الكون هو الذي قادهم الى الاعتقاد بوجود ذلك الفاعل العالم الحكيم. وان اعتقاد جماهير المؤمنين بالله كان ولم يزل يرتكز على البرهان والدليل لا أن جهلها بالعدل الطبيعية هو الذي دفعها الى افتراض علة واحدة باسم الاله لتسند اليه كل الحوادث والطوارئ المسبية من الأسباب المادية.

هذا وقد سبق بعض الكلام في هذا الخصوص عند الحديث عن أسباب ظهور العقيدة في الحياة البشرية.

وخلاصة القول ان هذا الحوار الذي دار بين ذلك الفيلسوف الالهي الكبير الذي كان يعيش في ما قبل الميلاد يكشف عن مدى توجه الالهي إلى نفس النظام المادي للعلل والمعاليل.

__________________

(١) راجع الاسلام في السر العام لمحمد فريد وجدي ص ١٦٢ ـ ١٦٤.

٦٠١

ولأجل ذلك نجد أن الحكماء العظام يشنعون على كل من يريد اثبات وجود الخالق سبحانه أو شيء من صفاته بالحوادث الاستثنائية التي تجري على خلاف ما تقتضيه العلل المادية.

يقول الحكيم الالهي صدر الدين الشيرازي في تخطئة من يريد اثبات مذهب التأله بالحوادث الاستثنائية :

«واعجب الأمور ان هؤلاء القوم متى حاولوا اثبات أصل من أصول الدين كاثبات قدرة الصانع أو اثبات النبوة والمعاد اضطروا إلى ابطال خاصية الطبائع التي أودعها الله فيها ، ونفي الرابطة العقلية بين الأشياء والترتيب الذاتي الوجودي والنظام اللائق الضروري بين الموجودات التي جرت سنة الله عليها ولاتبدیل لها ، وهذه عادتهم في اثبات أكثر الأصول الاعتقادية.» (١).

ونعود لنقول ان «كونت» تصور ان هذه المراحل من التفسير للظواهر الكونية غير قابلة للجمع في الاعتقاد ، فالمرء اما ان يكون الهية ، أو عقلية ، أو علمية تجريبية ، في حين يمكن أن يكون الانسان المعتنق للفلسفة الالهية الهية وعقلية وتجريبيا في آن واحد أي ان يعتقد بجميع تلك التفاسير والعلل ، دون أن ينطوي ذلك على أي تناقض في الاعتقاد ما دامت العلل المجردة والمادية امتدادا للعلة الالهية العليا كما عرفت ، ومادام الانسان في ظل الفلسفة الالهية يعتقد با لاله الخالق للعلل المجردة وما قد ينشا منها من الظواهر الطبيعية أو ما يحصل منها من تدبير كما يصرح القرآن الكريم بذلك في شأن الملائكة (٢) هذا اولا.

__________________

(١) الأسفار الأربعة ج ٩ ص ١٥٨ ويقصد بالرابطة العقلية رابطة العلية التي يحكم بها العقل ، وبالترتيب الذاتي الوجودي الارتباط بين الاسباب ومسبباتها.

(٢) حيث نرى ان الله سبحانه ينسب التدبير الى نفسه ان يقول «ثم استوى على العرش يدبر الأمر ـ يونس ٣ والرعد : ٢» ويصرح في نفس الوقت بمدبرات أخرى وهم الملائكة اذ يقول : «فالمدبرات أمراً ـ النازعات : ٥» وما ذلك إلا تصریح واعتراف

٦٠٢

وثانياً : ان كونت أخطأ حيث جعل ملاك التقسيم التصورات والأفكار العامية السائدة في أوساط الرعاع الدارجة بين الدهماء ، وقال بأنهم كانوا ـ في العصور البدائية ـ يسندون كل الظواهر والحوادث الجزئية الطبيعية إلى الله جهلا بمبادئها واسبابها الحقيقية ، ثم لما ازداد ومعرفة بالطبيعة اعتقدوا بالعلل المجردة (كالارواح) الى جانب العلة الأولى ولما جاء عصر العلم وكشفت الأبحاث العلمية عن الأسباب المادية والعلل الواقعية للظواهر الطبيعية انتقل الى المرحلة الثالثة ولم يعد يعتقد بوجود الله وتأثيره مطلقة.

ولقد كان يتوجب علی باحث مثله أن يجعل ما يدور في أوساط المفكرين والعلماء والفلاسفة والحكماء ملاكا لدراسة تاريخ الفكر البشري لا ما يدور في أوساط الدهماءوالجهلة ، بالاضافة إلى أنه ليس في الأوساط العلمية أي أثر لهذه المراحل الثلاثة.

* * *

الشاهد الرابع

ان الشاهد الاخر على مدى تأثير غياب منهج فلسفي قويم ، ومدرسة اعتقادية صحيحة في الاقبال على المادية ورواجها في الغرب هوما تمسك به بعضهم لانكار الخالق وهو عدم رؤية الله سبحانه في المختبرات ومشاهدته بالعين ، وهو يكشف عن جهلهم بمنطق الالهيين والمؤمنين بالله ، وتصورهم عن الذات الإلهية المقدسة وهو انها ليست من مقولة الأشياء المادية حتى يمكن رؤيتها كما ترى الأشياء المادية.

__________________

بوجود وتأثير القوى الروحية كالملائكة وغيرهم ممن يسميهم الوحي العزيز بجنوده سبحانه اذ يقول : (وما يعلم جنود ربك الا هو ـ المدثر : ٣١).

٦٠٣

هذا مضافاً الى ان مثل هذا الاشكال يعود الى حصر ادوات المعرفة في الحس والتجربة خطأ وجهلا ولهذا بادروا الى انكار كل ما لا يدرك بالحس ولا يخضع للتجربة في حين أن هناك وسيلة أخرى للادراك هو العقل.

هذه هي بعض الشواهد الدالة على ما كان يعاني منه بعض العلماء والمفكرين في الغرب من ابهامات وانحرافات في جراء عدم وجود فلسفة الاعتقاد والتصور من الهية صحيحة جامعة تعالج المشكلات ، وتجيب على التساؤلات وتعرض المفاهيم الاعتقادية الدينية والمعارف الالهية في صورتها الصحيحة المعقولة التي ترضي العقول ، ويرتاح اليها العقلاء والمفكرون.

على ان فقدان مثل هذه الفلسفة الصحيحة الجامعة لم يترك أثره على الملحدين في الغرب بل كان له تأثير في تصورات واعتقادات المؤمنين هناك أيضاً ، ويتضح ذلك من بعض الاستدلالات الواهية التي كانوا يستدلون بها على وجود الله سبحانه.

فها هو دیكارت مثلا يقول : «لما كانت فكرة الاله التي تساورني أكبر من عقلي ومخي فلا يمكن ان تكون مخلوقة لفكري وعقلي فلابد أنها قد أودعها في نفسي جوهر لامتناهي له مطلق الكمال وذلك هو الله».

وقد غاب عنه أن ما لا يتسع له مخه هو حقيقة وجوده سبحانه لا مفهوم ذلك الوجود واسمه ، وما يكون العقل والمخ محلا له انما هو المفهوم لاحقيقة الوجود غير المتناهي ، ولهذا لا يصح هذا المبنى ، اذ ما أكثر الأشياء التي يتصورها الانسان وهي أكبر من مخه وعقله ، وأخيراً هناك بعض الشواهد الأخرى على فقدان منهج فلسفي صحيح يقوم بهداية الافكار وحل المعضلات والمشاكل الفكرية ، وقد مر بعضها عند الاجابة على الأسئلة التي طرحها الفيلسوف الانجليزي «ديفيد هيوم ، فراجع فصل الاسئلة والأجوبة المتقدم.

٦٠٤

٣ ـ انهيار بعض النظريات العلمية القديمة

لقد كان سقوط وانهيار بعض الآراء والنظريات الطبيعية والفلكية القديمة ابان التحول العلمي الذي حدث في الغرب احد العوامل الجوهرية التي دفعت ببعض العلماء والمفكرين الى الشك في كل ما يتصل بالقديم من آراء وافكار ونظریات ، شأن كل ثورة علمية او اجتماعية ، فانها لا تكتفي باجتياح ما هو باطل فقط ، بل تجتاح تحت تأثير العامل النفسي السلبي كل شيء يتصل بما قبل الثورة حقا كان او باطلا ، صحيحاً كان او خطأ ، ولم تسلم الأفكار والمعتقدات الدينية من هذا القانون ، فلقد كان لانهيار بعض الاراء والنظريات الفلكية مثلا تأثير كبير على المعتقدات الدينية ايضا حيث تعرضت هذه الأخيرة بسبب ذلك ـ لموجات من التشكيك ، والنقد والاعراض.

وللمثل ظلت نظرية بطلميوس الفلكية التي كانت تعتبر الأرض مركزة للكواكب بما فيها الشمس التي سميت فيما بعد بالمنظومة الشمسية ، وتعتبر الافلاك اجساماً وطبقات رتبت بعضها فوق بعض مثل قشور البصل ، وثبتت فيها الكواكب والنجوم كما تثبت المسامير في الجدران او المصابيح في السقوف ، وانها (اي الافلاك) هي التي تدور حول (الأرض) في صورة دائرية وتدور معها الكواكب المثبتة فيها تبعة لها ، وان هذه الأفلاك تنحصر في تسع ، والكواكب تنحصر في عدد معين لا اكثر.

لقد ظلت هذه النظرية التي صاغها بطلميوس في منتصف القرن الثاني قبل الميلاد مسيطرة على الأوساط العلمية قرابة خمسة عشر قرنا من الزمان حتی اذا جاء التحول العلمي في الغرب انهارت هذه الفرضية بانهيار اركانها ، بعد أن توصل اربعة من العلماء الكبار إلى حقائق جديدة في عالم الفلك والفضاء تخالف ما ذهب اليه بطلميوس واتبعه فيه الكثيرون طوال كل هذه القرون الحديدة.

٦٠٥

هؤلاء العلماء الأربعة هم :

١ ـ كوپر نيك البولندي الأصل الذي فند مركزية الأرض ، واثبت في المقابل مركزية الشمس ووصف الكواكب بانها اجسام معلقة في الفضاء لا مثبتة في جدار الفلك ، واعتبر الارض من السيارات التي تدور حول الشمس كبقية الكواكب وبذلك طوي قصة الأفلاك التسعة ومركزية الأرض.

٢ ـ كپلر الفلكي والرياضي الالماني الذي اثبت ان السيارات تدور حول الشمس بشكل بیضوي وليس بشكل دائري ، وان السيارات الاقرب الى الشمس اكثر سرعة واشد دوراناً.

٣ ـ جاليلو الذي اكتشف ـ بعد اختراع التلسكوبات القوية ـ وجود نجوم لا تحصى في درب التبانة عدا الكواكب التي جاء ذكرها في نظرية بطلميوس الفلكية.

٤ ـ نیوتن : الذي اكتشف قانون الجاذبية العام ، وبذلك اثبت ان الكواكب والانجم معلقة في السماء بفعل الجذب والدفع بينها وليست مثبتة في جسم الفلك كما ذهبت اليه هيئة بطلميوس.

وبذلك انهارت نظرية بطلميوس الفلكية وكان سقوطها ، رغم سيادتها قرونة عديدة ، سببا للشك والارتياب في صحة جميع المعارف الاخرى لما ذكرناه في مطلع البحث.

فان العالم والباحث الغربي بعد ان رأی تهافت وسقوط هذه النظرية وبحض القضايا الأخرى امام الكشوف والمعلومات الجديدة احذ يتساءل : اذا كان القدماء يخطأون مثل هذا الخطأ الكبير في امور حسية كهذه فكيف بالامور الغيبية والمرتبطة بالعوالم الروحية التي لا تدرك بالحس ، ومن هنا نشاشته وموقفه السلبي حتى من المفاهيم الدينية والمعارف الاعتقادية فنبذها واعرض عنها ظنا ببطلانها

٦٠٦

جميعاً ، شأنها شأن بعض النظريات القديمة التي تهاوت تحت مطارق العلم الحديث ، والكشوف الجديدة.

الغرور العلمي الكاذب :

وقد ذكرنا أن هذا هو طبيعة كل ثورة في أية أمة من الأمم ، فانها تثور على كل شيء يتصل بالعهد المباد وكل ما يرتبط بالقديم من دون أن تفرق بين. الحق والباطل ، والصحيح والخطأ.

ويشتد هذا الامر اذا رافقه شيء من الغرور الحاصل بسبب النجاحات المحرزة في بعض الحقول.

والحق أن الغرب قد أحرز ـ في تلك الفترة ـ بعض النجاحات الباهرة في ميادين العلوم ، فقد استطاع بفضل جهود المحققين والعلماء الدوبة أن يكتشف بعض النواميس والقوانين الحاكمة في الطبيعة وجملة من اسرارها ، ولكنهم تصوروا انهم اكتشفوا كل شيء ، ووقفوا على جميع الحقائق ، وفتحوا جميع الاغلاق ، وجابوا جميع الأفاق ، وان ما اكتشفوه ـ رغم ضئالته بالنسبة الى عظمة الكون وكثرة اسراره ـ يكفي لابطال كل ما يتصل بالقديم او التشكيك فيه ، والاعراض عنه.

وقد صرح بعضهم بذلك وها نحن نذكر نموذجين من كلماتهم : قال «بطرس بیل» (١٦٧٤ م) ان الالحاد أفضل من التمسك بالأضاليل.

وقرر البارون هولباخ الألماني في كتابه نظام الطبيعة أن كل شيء محصور في الطبيعة وان كل ما يتخيل وراءها وهم في وهم (١)

غير ان هذه التصورات لم تكن الا غرورا بالغا جدا بالنسبة الى عظمة الكون

__________________

(١) على اطلال المذهب المادي ج ١ ص ٣.

٦٠٧

وزخارة اسراره وكثرة قوانينه ونوامیسه ، ولهذا سرعان ما اعترف الغرب بالعجز والجهل والقصور في العلم البشري رغم ضخامة ما توصل اليه من معلومات واليك بعض ما قاله العلماء في هذا الصدد :

العلماء الطبيعيون والاعتراف بالعجز العلمي :

١ ـ يكتب الاستاذ «جوستاف لوبون» وهو من الشهر الحشائين بالعلوم الطبيعية في كتابه (تحول المادة) :

وادرك الناس على عجل انهم كانوا مخدوعين ، واسرعوا يتسا تاون ها دكت الاصول المكونة للمقررات اليقينية المعارفنا الطبيعية لم تكن الا فروض والحية تحجب تحت غشائها جهلا لا يسير له غور»(١)

٢ ـ كتب المسيو د اوسیان بوانكاري» يقول : «انه لا توجد لدينا نظریات كبری الان يمكن قبولها قبولا تاما ويجمع عليها المجريون الجماعة عاما بل يسود اليوم على عالم الطبيعة نوع من الفوضى»(٢)

٣ ـ قال الأستاذ «كامیل قالاماريون :

«لقد عجز الاساتذة عن حل مسألة استمرار الوجود ودوامه والملك فهم مقرون بضرورة وجود الخالق وتأثيره الدائم المستمر الیكهم تفسير تحب الكائنات وادراك سر وصول الاشياء» (٣).

* * *

__________________

(١) على اطلال المذهب المادي ج ١ ص ٣.

(٢) على اطلال المذهب المادي ج ١ ص ٤٠.

(٣) الايمان والعلم الحديث ص ٢٣.

٦٠٨

٤ ـ ضجة الداروينية

لقد كان لظهور نظرية التطور التي ترى أن الحيوانات والنباتات الحية تكونت من أشكال سبقتها نتيجة تحول تدريجي مستمر ، بعكس مبدأ الخلق المستقل القائل بأن كل كائن حي خلق خلقاً خاصاً وانه لم يتحول من نوع آخر.

لقد كان لهذه النظرية أثر كبير في اعراض بعض العلماء الغربيين عن المفاهيم الدينية والاقبال على المادية والالحاد.

وقد يدعي ان الانسان بدأ يطرح مسألة التطور منذ زمن الاغريق القدماء الا ان بدايات نظرية التطور أخذت في الظهور بعد منتصف القرن السادس عشر باختراع المجهر ودراسات التصنيف ، وعلم الاجنة.

وكان لامارك العالم الفرنسي المعروف (١٧٤٤ ـ ١٨٢) صاحب أول نظرية تطورية واضحة واعتمد تفسير لامارك على توريث الصفات المكتسبة.

ثم جاء تشارلز داروین (١٨ ـ ١٨٨٢) فقضی أعواماً عديدة جمع فيها الأدلة ثم صاغ نظرية التطور التي عرفت فيما بعد بالداروينية ، وتقدم داروین بنظرية عام ١٨ عندما ظهرت الطبعة الأولى من كتابه (أصل الأنواع) وشهد منتصف القرن (١) ظهور الداروينية (١).

ثم انه رغم آن اسس نظرية التطور التي طلع بها داروين كانت موجودة في ثنايا ما عرضه لامارك ولكنه لقي من الاستقبال مالم تلقه نظرية لامارك لان الوقت الذي عرض فيه داروين نظريته كان مناسبة ، فقد طرحها على المجتمع الغربي يوم كانت اوربا في صراع شديد مع الكنيسة وحرب على مبادئها ومفاهيمها فكانت هذه النظرية التي استفاد منها البعض أنها تعارض مبادئ الكنيسة

__________________

(١) الموسوعة العربية الميسرة ـ راجع التطور ـ الداروينية.

٦٠٩

خیر سلاح شهره أعداء الكنيسة ضدها.

وقبل أن نرى كيف تمسك الماديون بهذه النظرية لتبرير الحادهم ومروقهم عن الدين ينبغي أن نستعرض الأصول الأربعة التي ترتكز عليها نظرية التطور كما قررها داروین.

* * *

الأركان الأربعة لنظرية التطور

ان مذهب داروين في (النشوء والارتقاء) يتلخص في أن الاحياء خاضعة الاربعة نوامیس :

١ ـ ناموس تنازع البقاء :

ويعني أن هناك كفاحاً من أجل البقاء بين أفراد الأحياء أي أن الحيوانات في تنازع دائم مع بعضها.

٢ ـ ناموس الانتخاب الطبيعي وبقاء الأصلح :

ويعني ان الافراد ذات التغيير الأكثر ملائمة يكون لها حظ أوفر من البقاء فمن امتلك صفات تؤهله للغلبة والبقاء كتب له البقاء ، ومن لم يمتلك ، ما يؤهله للبقاء انقرض ، وفني ، وبهذا يؤدي الانتخاب الطبيعي الذي يحركه الصراع على البقاء الى بقاء الأصلح.

٣ ـ ناموس الوراثة :

ويعني أن كل ما تحصل عليه الاحياء من صفات ، تنتقل بالوراثة إلى الاعلاف وتكون في أول الأمر جزئية وعرضية ثم تصبح بعد مرور الأزمنة الطويلة جوهرية وتظهر بصورة الانواع.

٦١٠

٤ ـ ناموس الملائمة مع البيئة :

ويعني أن التغيرات الحاصلة في الكائن الحي انما تكون بالضرورات والحاجات التي تفرضها البيئة التي تعيش فيها فعلى ذلك تتكون في الحيوانات الاعضاء والحواس حسب احتياجات البيئة.

وعلى هذا فقد كان الانسان وغيره من الأنواع كائنات حية جملة ثم تطورت حسب الأصول والنواميس المذكورة إلى أن بلغت هذه التطورات جدا جعلته نوعا ممتازة على سائر الانواع.

ثم أن دار وين أشار ـ حسب حدسه ـ الى الحلقات التي مر بها الكائن الانساني منذ كان كائنا حية بسيطة الى أن بلغ الصورة التي هو عليها الان وتعرف عند علماء الطبيعة بشجرة الانسان أو سلالة الانسان.

وعلى هذا الأساس لم يكن الانسان يوم وجد على أديم الأرض على هيئة الانسان الذي نراه اليوم بل كان كائنة عضوية بسيطة صيرته التطورات الكثيرة في القرون المديدة انسانة في صورته الفعلية ، والانسان في النتيجة هو أرقی الكائنات العضوية الحية.

ولتوضيح النواميس الأربعة في نظرية التطور ناني بمثال :

اذا افترضنا وجود سرب من الأبقار الوحشية في غابة تسير منددة كمادتها في البحث عن غذائها فان لاح لها مرعی تزاحمت عليه وتنازعته وفازت بأطايبه أقواها وأصبرها فالذي يحدث من ادمانها على هذا العمل أن أقواها تزداد قوة على قوتها ، وأضعفها يزداد ضعفا على ضعفه وهذا معنی ناموس تنازع البقاء.

فان ازعج هذا السرب من موطنه ، واضطر للانتقال الى مدى بعيد مارا ابوعور ومجاهل لا يقوى على اختراقها الا الممتازون بالقوة والجلد لم يبق من هذا السرب بعد أن يصل الى ما منه الا أفراد من اجتازوا بهذه الصفات ، وهذا

٦١١

هو مؤدی ناموس الانتخاب الطبيعي وبقاء الأصلح.

وهذه الطائفة الباقية لا يتولد منها الا افراد حاصلون على أرقی صفات سر بهم الممتاز ، فان اتفق وجودها في بيئة جديدة منها أحوال معيشية لم تعتدها وأدمنت المعيشة في هذه البيئة الجديدة اضطرت بحكم تغير الاحوال الى اكتساب صفات الجديدة : جسدية ونفسية تناسب هذه الأحوال ، وهذا هو فحوی ناموس الملائمة مع البيئة والتغير على حسبها.

ثم أن النسل الذي يأتي منها يواد حاصلا على تلك الصفات الجديدة المكتسبة ويورثها هو أيضا نسله وهلم جراً فتصبح ثابتة في النوع وهذا هو مغزی ناموس الوراثة.

فالخلية الأولى التي تكونت منها هذه الأحياء كلها تكاثرت أولا بحكم طبيعتها فصارت نباتات دنيئة أو حيوانات دنيئة فتولتها النواميس الاربعة التي ذكرناها قرونة تعد بعشرات الألوف فلبثت تتنازع البقاء فلم يبق منها الا الأصلح ، ثم تتغير عليها البيئة فنكتسب صفات جديدة تورثها ذرياتها فيحدث فيها تنوع تباین به غيرها مما هي في بيئات اخرى وهلم جرا حتى تكون من هذه الجرثومة الأولى كل ما تراه ماثلا أمامك من سكان هذه الأرض (١).

هذه هي خلاصة نظرية داروين في النشوء والارتقاء بركائزها الاربعة. وقد كانت هذه النظرية أحد الدوافع لمعارضة الدين والاقبال على المادية والالحاد وشيوعهما في بعض الأوساط الغربية.

فلقد استفاد الماديون من هذه النظرية ما يبرر مسلكهم واستدلوا بها على مذهبهم الالحادي بوجهين :

__________________

(١) على اطلال المذهب المادي ج ١ ص ٨.

٦١٢

أولا : معارضة نظرية التطور للكتب المقدسة

فان نظرية التطور ـ سواء أكان تطوراً تدريجياً أم دفعياً ـ تعارض ما جاء في الكتب المقدسة التي تنص على خلق الانسان من الطين دون الاشارة الى تطور أو مراحل تكاملية في خلقه.

وهذا يدفع الى الشك في صحة الكتب المقدسة بل وفي سائر المفاهيم والمعارف الدينية!!

والجواب على ذلك هو كالتالي :

١ ـ ان نظرية تطور الأنواع وارتقائها لم تستقر بعد ، بل هي كبقية الفرضيات الاخرى عرضة للنقد والاصلاح ، والتغيير والتحوير.

ويشهد بذلك ان ما ادعاه داروين في هذه النظرية يخالف بعض ما ادعاه سلفه لامارك فيها ، والنظرية الداروينية نفسها لم تلبث ان قضي على بعض أصولها وتعرضت لشيء كثير من التعديل الذي ادى الى ظهور الداروينية الجديدة ، ولم يمر على هذه المذاهب التطورية التدريجية الاربع : (اللاماركية ـ اللاماركية الجديدة ـ الداروينية ـ الداروينية الجديدة) حتى قضي عليها بنظرية جديدة تقول بالتطور الفجائي التي واجهت هي أيضاً مشكلات وتعرضت لاعتراضات من زاوية العلم الطبيعي ، وبالتالي فان البحث العلمي الحديث أثبت خطأ الكثير من مبادئ هذه النظريات.

وصفوة القول هي : ان ما طرحه داروين ومن سبقوه أو لحقوه لا يتعدى كونه فرضية من الفرضيات فليست حقيقة من الحقائق العلمية الثابتة المستقرة حتّى تصلح معياراً لتقييم ما تحتويه الكتب المقدسة في هذا المجال.

وكم من نقود وجهت الى تلك النظرية بحيث أسقطتها عن كونها نظريّة

٦١٣

علمية قطعية وسيوافيك بعضها قريباً.

أفهل يمكن رفض الكتب المقدسة الثابتة بالأدلة القطعية بهذه الفروض العلمية المتزلزلة التي تتشكل في كل يوم بثوب جدید وبیان حديث؟

* * *

٢ ـ على فرض ثبوت واستقرار نظرية التطور ـ تدريجياً كان أو فجائياً ـ فان نصوص الكتب المقدسة بشأن خلقة الانسان ليست بنحو لا يقبل التأويل ، فلو فرض ثبوت الأصول الداروينية في المستقبل لامكن تأويل نصوص هذه الكتب ، أو أن يقال بأن هذه الكتب اكتفت ببيان خلقة الانسان من الطين والتراب ولم تبين التطورات التي مرت على هذا الكائن حتى صار انسان كاملا ، ولكن عدم بيانها لم يكن لاجل عدم الاعتقاد بهذه التطورات بل كان لعدم قدرة العقول التي عاصرت نزول تلك الكتب على هضم مسألة التطور والارتقاء من حالة إلى حالة.

هذا فيما اذا ثبتت صحة نظرية التطور ثبوت قاطعة كالشمس في رائعة النهار ، ولم تبلغ هذه المرحلة قط الى الان. فلقد تبين أن معظم أصول هذه النظرية بل كلها سقطت تحت مطارق الاعتراضات العلمية القوية ، وكيف انها كانت ولاتزال هدفا لسهام النقد ، حتى لم يبق منها الا الاسم ، والمظهر الخاوي.

* * *

٣ ـ ان التطور ـ سواء أكان تدريجياً ام دفعياً لا يكون قط دليلا على عدم وجود خالق مدبر لهذا الكون بل هذا التطور خير دليل على وجود نظام ومنظم لهذه الكائنات اذ نجد كيف ترتقي الكائنات الحية من الاضعف الى الأقوى ، ومن الناقص الى الكامل ليتوفر لها حظ أكثر في البقاء والاستمرار ، وتبقى الكائنات الحية محافظة على وجودها مع صعودها في سلم التكامل ، والارتقاء المناسب.

٦١٤

إن الاعتقاد بوجود خالق مدير وراء وجود هذه الكائنات يبقى هو التفسير الصحيح للكون بما فيه من كائنات حية وغير حية ، وما يسوده من نظام واتقان ونوامیس وقوانین ، سواء انتصرت نظرية ثبات الأنواع ، أو نظرية تطور الانواع اذ ليس ما يتمسك به الالهي هو ثبات الانواع كما يتصور البعض بل هو النظام والتنسيق والمحاسبة والتقدير وهي موجودة في كلا الصورتين الخلق المستقل الخاص والتطور.

كما وليس القول بثبات الانواع (أي الخلق المستقل للانواع) دليلا على وجود الاله ، وهكذا لا يكون القول بتطورها دليلا على نفي وجوده ، فالثبات والتطور عند الالهي سواسية ، لان مايتمسك به الالهي انما هو النظام البديع السائد على المادة ، ولا يمكن ان يكون نابعة منها ، سواء كانت الأنواع مخلوقة بهذه الصورة منذ وجدت ، ام انها خلقت ـ في الابتداء ـ بصورة بسيطة ثم تطورت وتكاملت وارتقت حسب الاسس والأصول والنواميس المذكورة.

وهذا هو ما فطن له جماعة من علماء الطبيعة والمشتغلين بالعلوم الطبيعية : قال الدكتور ادوارد لوثر كيسيل الأخصائي في علم الحيوان والحشرات :

برغم ان صيحات الماديين والطبيعيين قد حجبت كثيرة من الباحثين الأمناء عن الحقيقة فان فكرة التطور الخلقي لايمكن أن تكون منافية للعقيدة الدينية بل على النقيض من ذلك نجد الحماقة والتناقض في الرأي ان يسلم الانسان بفكرة التطور ويرفض أن يسلم بحقيقة وجود الخالق الذي أوجد هذا التطور.

وقال : وكلما استرسلت في دراستي للطبيعة والكون ازداد اقتناعي وقوي ایماني بهذه الأدلة فالعمليات والظواهر التي تهتم العلوم بدراستها ليست الأمظاهر آيات بينات على وجود الخالق المبدع لهذا الكون ، وليس التطور الا مرحلة

٦١٥

من مراحل عملية الخلق (١).

وقال عالم الطبيعة والأخصائي في الاشعاع الشمسي والبصريات الهندسية والطبيعية :

أن التطور الذي تكشف عنه العلوم في هذا الكون هو ذاته شاهد على وجود الله فمن جزئیات بسيطة ليس لها صورة معينة وليس بينها فراغ نشأت ملايين من الكواكب والنجوم والعوالم المختلفة لها صور معينة وأعمار محددة تخضع القوانين ثابتة يعجز العقل البشري عن الاحاطة بمدى أبداعها (٢).

وعلى كل فان التطور المذكور ـ تدريجياً كان أو دفعياً ـ يكشف عن أن لهذا الكون منظمة ، وان لهذا البيت ربة مدبرة ، لان اختيار هذه الصورة المفيدة للحياة والبقاء دون غيرها يستحيل أن يصدر من دون ارادة حكيمة ، ومنظم خبير.

هذا هو الوجه الأول لكيفية استفادة الماديين من نظرية التطور ما يبرر الحادهم ، وهذه هي اجوبتها.

* * *

ثانياً : التطور التدريجي في عموم الكون

ان التطورات الجزئية العارضة للكائن الحي كان هو الضامن لبقائه ، والموجب الفناء فاقدها فكلما انضمت إلى هذا التكامل تكاملات اخرى صار الحي انجح في ميدان التناز ع ، كما كان الاخر أقرب الى الفشل والفناء ، وعلى هذا الاساس تكاملت الانواع الحية الى ان بلغت الذروة.

__________________

(١) الله يتجلى في عصر العلم ص ٣.

(٢) الله يتجلى في عصر العلم ص ٤١.

٦١٦

فلو كان هذا اساساً لتكامل الانواع الحية فلماذا لم تقل به في مجموع العالم فالتطورات الجزئية في المادة صارت سیبا وعاملا لعروض تطورات اخرى حتى بلغت التطورات الى مرحلة صارت سببة لظهور هذه النشأة العظيمة.

هذا هو النتيجة الثانية الذي استنتجها الماديون من نظرية التطور ، واستدلوا به على نفي وجود الخالق المبدع لهذا الكون ، ولكن الدليل غير صحيح في المقيس عليه فكيف بالمقيس واليك الإجابة عليه.

١ ـ إن الدار وينية زعمت أن التطورات العارضة للكائن الحي كلها من قبیل طروء الغشاء بين أصابع جلد البط ، فادعت آن بروز غشاء ولو بصورة جزئية في هذا النوع صار سببا لنجاح واجده وفناء فاقده ، فكلما ازداد التطور في هذا النوع صار انجح في البقاء.

غير انه عزب عنها أن التطورات ليست كلها من قبيل الغشاء حتى يكون جزئيه مفيدا ، بل من التطورات ما لا يكون مفيدة الا اذا حصلت في الكائن الحي جملة واحدة ، ودفعة واحدة.

فالتطور الجزئي غير البالغ الى مرحلة الكمال سواء وجوداً وعدماً في هذا الصنف من الكائن الحي ، فلا يكون موجبا لنجاحه ، وفناء فاقده.

ولنمثل لذلك بمثالين :

أ) العين فان العين لا يمكن أن تؤهل الحيوان على الابصار بمجرد ظهور شيء قليل من الجفن مثلا بل لابد من وجود العين بكامل أجزائه الدقيقة الكثيرة في آن واحد ولكي نتعرف على اجزاء العين يكفي أن تعرف أن عدسات عينك تلقي صورة على الشبكية ، فتنظم العضلات العدسات بطريقة آلية الى بؤرة محكمة ، وتتكون الشبكية من تسع طبقات منفصلة هي في مجموعها

٦١٧

لیست اسمك من ورقة رفيعة ، والطبقة التي في اقصى الداخل تتكون من أعواد ومخروطات ، ويقال إن عدد الأولى ثلاثون مليون عود ، وعدد الثانية ثلاثة ملیون مخروط ، وقد نظمت هذه كلها في تناسب محكم ، بعضها إلى بعض وبالنسبة الى العدسات ، ولكن العجب أنها تدير ظهورها للعدسات وتنظر نحو الداخل لانحوالخارج ، واذا استطعت أن تنظر في خلال العدسات فانك تری عدوك مقلوب الوضع ، والجانب الأيمن منه هو الايسر ، وهذا امر يربكك اذا حاولت أن تدافع عن نفسك.

ولذا فان الطبيعة قد عرفت بطريقة ماذا سيحدث ، ولذا أجرت ذلك التصميم قبل أن تقدر العين على الابصار ، ورتبت اعادة تنظيم كاملة عن طريق ملايين من خويطات الأعصاب المؤدية إلى المخ ، ثم رفعت مدي ادراكنا الحسيمن الحرارة الى الضوء ، وبذا جعلت العين حساسة بالنسبة للضوء وهكذا نرى صورة ملونة للعالم من الجانب الايمن الى فوق ، وهو احتیاط بصري سليم.

وعدسة عينك تختلف في الكثافة ولذا تجمع كل الأشعة في بؤرة ، ولا يحصل الانسان على مثل ذلك في أية مادة من جنس واحد كالزجاج مثلا وكل هذه التنظيمات العجيبة للعدسات والعيدان والمخروطات والأعصاب وغيرها ، لابد انها حدثت في وقت واحد لانه قبل أن تكمل كل واحدة منها كان الابصار مستحيلا فكيف استطاع كل عامل أن يعرف احتياجات العوامل الأخرى ويوائم بين نفسه وبينها؟ (١).

* * *

ب) الارض فان حجمها وبعدها عن الشمس ودرجة حرارة الشمس وأشعتها الباعثة للحياة وسمك قشرة الارض وكمية الماء ، ومقدار ثاني اوكسيد الكربون

__________________

(١) العالم يدعو للايمان ص ١١٥.

٦١٨

وحجم النتروجين ، وظهور الانسان وبقاء على قيد الحياة كل اولاء تدل على خروج النظام من الفوضى ، وعلى التصميم والقصد ، فان هذه الامور اذا لم تكن مجتمعة على الأرض في وقت واحد لاستحال توفر الحياة على هذه البسيطة فكيف يمكن القول بأنها توفرت شيئا فشيئا عبر ملايين بل بلايين الأعوام ومع ذلك كانت الحياة موجودة في حين أن كل واحد منها شرط أساسي بفقدانسه تستحيل الحياة.

وخلاصة القول ان التكامل التدريجي قد يدفع حياة الحيوانات في الاعضاء البسيطة لوكان مثل الغشاء الموجود بين أصابع أرجل البط ، ولكنه غير مفيد مطلقة في الأجهزة المعقدة كجهاز السمع والبصر والهضم وأمثالها فانها مالم تتوفر بكامل أجزائها في وقت ومكان واحد لم يكن للكائن الحي أي حظ في البقاء.

أن المسألة ـ على حد تعبير امیل گوینو الاستاذ بجامعة جنيف ـ لیست على غرار سباق الخيول بحيث يكون طول اذن أحد الخيول ولو بمقدار سنتيمتر واحد سببة لتقدمه وسبقه على الخيول الأخرى في حلبة السباق بل المسألة هي ان البقاء قد يحتاج الى أجهزة معقدة جدا كالعين التي لابد من توفر جميع أجزائها حتى تقدر على الابصار لتو فر حظاً في البقاء. فاذا بان الخطأ في المقيس عليه علمنا منه حال المقيس أي مجموع العالم غير ان في القول بالتكامل التدريجي في مجموع العالم عرضة أخرى فاليك بيانها.

* * *

٢ ـ ان التكامل التدريجي ، وتطور الانواع الفعلية من صورو كائنات بسيطة جدا الذي يدعيه أصحاب وأنصار نظرية التطور ويسحبه الماديون إلى الكون باسره يحتاج إلى أزمنة نجومية أي بلايين البلايين من السنوات بل القرون ،

٦١٩

في حين أن عمر الأرض والسماء المحدود ـ كما يقدره الخبراء ـ لا يسمح بذلك ولا يكون كافية لذلك التكامل البطيء.

* * *

٣ ـ لو صح ما يقوله أصحاب هذه النظرية بأن التصادفات الكثيرة سبيست نشوء موجودات متكاملة نسبياً وغير متكامل كذلك فبقى الأصلح الأكمل وقتی غيره الى أن أدى توالي التعاملات بهذا الشكل الى هذه الأنواع الكاملة ، لوجب أن يقف الفاحصون في طبقات الأرض على أنواع ناقصة نقصاً هائلا من الحيوانات والحال أنهم لا يجدون الا أنواعاً متفاوتة بعض التفاوت بالنسبة الى الموجودات في الزمن الحاضر ، ولا بعد التفاوت نقصاً فاحشاً غير مؤهل للبقاء.

وعلى الجملة التفاوت بين الحاضر والماضي ليس بالشكل الذي لا يستطيع العاقد على العيش والبقاء.

وقد مر موجز البحث عن هذا المطلب في السؤال الخامس من الأسئلة الموجهة على برهان النظم فلاحظ (١).

الى هنا عرفت بطلان احتجاج الماديين الذاهبين مذهب الالحاد بهذه النظرية (أي نظرية التطور) لانكار وجود خالق مبدع للكون بمادته وصورته ، ونواميسه وأنظمته.

بقي أن نعرف قيمة نظرية التطور نفسها في نظر العلماء والمشتغلين في العلوم الطبيعية لتعرف هل تصلح ـ أساسا ـ للتمسك بها والاحتجاج بنتائجها أم لا.

واليك في ما يلي بعض نصوصهم في هذا المجال :

آراء العلماء حول نظرية دارون :

١ ـ كتب فون بایر العلامة الألماني الكبير ومؤسس علم الامبريولوجيا

٦٢٠