الله خالق الكون

الشيخ جعفر الهادي

الله خالق الكون

المؤلف:

الشيخ جعفر الهادي


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: منشورات مؤسسة سيّد الشهداء العلميّة
المطبعة: مطبعة سيد الشهداء عليه السلام
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٤٠

الأصل عند بحثهم لاصل «صراع المتناقضات» بالتبدلات الكمية إلى «كيفية» (١).

عبروا عند بيان أصل «قفزات التطور» بقانون الانتقال من التبدلات الكمية الى التبدلات «النوعية» (٢).

مناقشة النتائج الثلاث :

وها نحن نناقش النتائج الثلاث التي رتبها الماركسيون على الأصل الحاضر.

أما النتيجة الاولى وهي : كون جميع الحركات صاعدة لا دائرية فنمنع شمولیتها لكل التطورات والتبدلات الحاصلة في شتى مجالات الطبيعة ، وذلك لما قلناه في مبحث الحركة ، من ان الحركة لا ننجر دائماً الى التكامل وحدوث أنواع جديدة ، بل هناك حركات تؤول الى النقص والنزول في الشيء المتحرك ، فلا يصل الدور الى الاصل المذكور (أعني انتهاء التبدلات التدريجية الجزئية الى تكامل كلي ، وحصول نوع أكمل ، فاننا نرى في الطبيعة كثيراً من الحركات الدائرية (الفرجالية) لا يوجد فيها أي تكامل تصاعدي ، وذلك مثل تبدل البيضة الى فرخ والفرخ الى طائر ثم الى بيضة وهكذا ، ومثل تبدل البذرة الى نبتة ، والنبتة الى بذرة وهكذا.

وهذه الأمثلة تنقض النتيجة الاولى التي بناها الماركسيون على الأصل المذكور ، وان حاولوا توجیه وتفسير هذه الحركات الدائرية أيضاً بما يوافق ما ادعوه!

ولعل من أوضح الأدلة على أن بعض الحركات دائرية وليست تكاملية صاعدة مياه البحار فانها تتبخر اثر اشراق الشمس عليها ثم تتحول الى أبخرة

__________________

(١) المادية الديالكتيكية لجماعة من كبار المفكرين الروس ص ٢٥٧.

(٢) نفس المصدر ص ٢٧٧.

٥٦١

ثم الى قطرات المطر ، ثم تنزل وتتحول الى سيول تنحدر الى البحار لتتحول ثانية إلى البخار وهكذا.

فهل يمكن أن تسمى هذه الحركة وأشباهها الكثيرة في الطبيعة بحركة تكاملية صاعدة؟ (١)

نعم يمكن أن يقال ان البذرة الواحدة عندما تتحول الى نبتة أو شجرة تتبدل الى بذور كثيرة ، بدل بذرة واحدة فتصبح التفاحة الواحدة تفاحات كثيرة ، والحنطة الواحدة حبات عديدة من الحنطة ، ولكن هذا التبدل والتطور اليس تطوراً وتبدلاً نوعياً ولا كيفياً ، بل هو تطور وتحول كمي ، كما هو واضح.

فان تبدل بذرة واحدة الى آلاف البذور تحول عددي لا تكامل كيفي ، ولا تحول نوعي ، اذ ليست هناك لا كيفية جديدة ولا نوع جديد.

وهذا يرشدنا الى ان النتيجة الأولى ، وهي ان جميع الحركات الحاصلة في الطبيعة حركات تكاملية صاعدة غير صحيحة لكونها منقوضة بما يخالفها.

يبقى أن نشير هنا إلى ضابطة لمعرفة وتمييز التغيير الكمي عن الكيفي فنقول : ان الظاهرة الطبيعية اذا بقيت بعد تحولها أو خلال هذا التحول محتفظة بآثارها وخواصها ، ولم يوجب التحول فيها الى فقدان آثارها السابقة وبروز آثار جديدة كان تبدلها وتحولها من قبيل التحولات والتبدلات الكمية.

وأما اذا وصلت التحولات والتغييرات الجزئية في ظاهرة ما الى حد فقدت فيه تلك الظاهرة الطبيعية الاثار السابقة وظهرت آثار جديدة ، فعندئذ تكون تلك الظاهرة قد تبدلت الى نوع جديد ، وكيف حادث.

* * *

__________________

(١) والغريب ان الديالكتيكيين عندما يريدون التمثيل لاجتماع المتناقضات يستخدمون مثال البيضة والفرخ ، ولكنهم يتجاهلون هذا المثال هنا لانه لا يتفق مع هذا الأصل!!!

٥٦٢

وأما النتيجة الثانية وهي : ان التبدلات الجزئية التدريجية تتبدل بصورة «فجائية وقافرة» الى تكامل نوعي أو كيفي في جميع الموارد ، فهي أيضاً ليست أصلا عاماً لاننا نشاهد في الطبيعة تبدلات نوعية كثيرة حصلت تدریجاً ، وشيئاً فشيئاً ، لا دفعة وفجأة وبالقفزة ، واليك فيما يأتي بعض الأمثلة :

أ) النطفة البشرية تتدرج في التكامل في الرحم فهي ترتقي من مرحلة دنيا الى مرحلة عليا تدریجاً لا فجأة ، فليس فيه سير التكامل البشري أي تغير أو تحول فجائي الا في موردين هما : ظاهرة ولادة الانسان ، وظاهرة بلوغه.

ولو اننا أغمضنا العين عن هذين الموردين لم نجد في التكاملات الحاصلة في الكائن البشري أية تكاملات تدريجية لا فجائية ودفعية.

وبكلمة أوضح : ان الحالة الجديدة ليست الا عبارة أخرى عن تراكم مجموع التبدلات الجزئية التدريجية وانضمام بعضها إلى بعض ، لا شيئا آخر يغایر مجموع تلك التغيرات.

ب) الأرض وان انفصلت عن الشمس فجاة ـ كما تقول بعض النظريات الفلكية ـ ولكن التكاملات الواردة عليها حصلت خلال ملايين السنين شيئاً فشيئاً ، وفي نفس الوقت حصلت تبدلات في الأرض ادت الى تحقق انواع جديدة ، ولكنها برمتها حصلت تدريجاً ، فان المعادن عبارة عن العناصر الموجودة تحت الجبال ، او تحت طبقات الأرض والتي تحولت ـ عبر الاف السنين بل وملايين السنين ـ الى تلك الانواع ، وهكذا حصل كل شيء في الأرض بصورة تدريجية ، وجزئية لا دفعية ولا فجائية وبصورة قافزة.

ج) هناك فلزات ومعادن لا يوجب حدوث التغيرات الجزئية فيها الى ظهور نوع جديد ، وكيفية جديدة ، بل ربما یوجب صلابتها اكثر ، أو ليونتها ، وذلك كالذهب والفضة مهما بلغت التغييرات فيهما.

٥٦٣

د) الطائر يتبدل الى بيضة ، والبيضة الى فر خ طائر ، وهذه التبدلات المنجرة الى هذا الأنواع تحصل شيئاً فشيئاً أي يكون النوع الحاصل نتيجة تراكم أو انضمام التبدلات الجزئية بعضها الى بعض.

هـ) اللغة وهي من الظواهر الاجتماعية تتحول وتتطور ، ولكنها لا تخضع لقانون الديالكتيك ، فان التاريخ لا يخبرنا عن تحولات كيفية دفعية في اللغة ، بل تتحول اللغة تدريجاً ، ولهذا لا توجد نقاط فاصلة في حياة اللغة تتحول فيها من شكل الى شكل آخر ، نتيجة للتغيرات الكمية البطيئة.

و) ان المشاهدات العينية في مجال انتقال المجتمعات من النمط الزراعي الى النمط الصناعي تثبت أن كل ذلك كان يحدث شيئاً فشيئاً عبر مدة طويلة لا بالفجأة والقفزة.

ز) ان تغییر نظام الرق ، وتحرير الانسان بعدما عانى من العبودية والاستعباد في بعض المجتمعات القديمة لم يتم بصورة دفعية فجائية في جميع المناطق بل كان يتحقق في اكثر المناطق بصورة تدريجية ، وحدوث ذلك بصورة دفعية وقافزة في بعض المناطق نادر وقليل.

حـ) ان ذوبان الزجاج وشمع العسل يتم تدريجاً كما ان الموت والحياة يحدثان بعد حصول تغيرات تدريجية.

أن جميع هذه الأمثلة وغيرها مما لم نذكرها رعاية للاختصار ، تشهد بان حصول الأنواع ، او الكيفيات الجديدة ، لا يتحقق دائما بصورة قافزة ، وان صدقت هذه المقولة في بعض الموارد ، فلا يصح مارتيه الديالكتيكيون على الأصل الذي ذكروه في مطلع هذا البحث.

* * *

واما النتيجة الثالثة وهي : شمول هذا الأصل (وهو انتهاء التغيرات

٥٦٤

الجزئية الى انقلاب آني دفعي) للمجتمع ، فيردها أن الانقلابات والتغييرات القافزة ليست امراً حتمياً في جميع المجتمعات البشرية ، بل ربما تؤدي التغيرات الجزئية الى حصول نظام جديد من دون ان تتوسط بين النظامين قفزة ، فيكون النظام الجديد حصيلة اجتماع نفس التغيرات الجزئية التدريجية ، من دون أن يحدث من تلك التغييرات شيء دفعي.

ومن هنا ينطرح السؤال التالي وهو : هل الاصلاح الاجتماعي يتم دائماً عن طريق الانقلاب والثورة الدموية أو انه يتم عن طريق الاصلاحات التدريجية أم أن هناك نظرية أخرى ثالثة.

الحق هو أن هناك نظرية ثالثة ، هي الصحيحة وهي الحق ، ويتضح ذلك بالبيان التالي :

ان المجتمعات ـ من حيث درجة انحطاطها وشدة فسادها ـ على نوعين :

نوع استشرى فيه الفساد وضرب باطنابه على جميع أرجائه ، ونفذ الى أعماقه ففي هذه الصورة لم يكن بد من سلوك طريق الثورة الكاسحة والانقلاب الفجائي ، لا صلاح مثل هذا الوضع ، لان الاصلاحات الجزئية والتدريجية لا تحقق أي نجاح ما دام هناك قوی وعناصر مضادة تبطل مفعول هذه الاصلاحات التدريجية وتقضي عليها ، وتعيدها من بعد الغزل انكاثاً ، ومن بعد البناء خراباً ، فان مثل هذه العناصر مثل الجراثيم القوية التي تتقوى وتشتد ضد أي استعمال تدريجي للدواء فلابد في مثل هذه الصورة من بتر العضو الفاسد أو احراقه الاستئصال تلك الجراثيم معها ، والتخلص عن شرّها تخلصاً كاملا ، والقضاء على جذور الفساد ومنابعه ومصادره قضاءاً تاماً.

وأما النوع الاخر من المجتمعات فهو ما كان الفساد فيه سطحياً غير مستشر ولا نافذ الى اعماقه ، وكان لا يزال هناك رجال طيبون ، وقلوب تستجيب ، وعقول

٥٦٥

يكفيها بعض الاثارة ونفوس يجديها بعض الاصلاح ، فلا داعي لنسف كل شيء ولا داعي لسلوك طريق الانقلاب الدموي المهدم الذي يأكل الاخضر واليابس.

من هنا لا يصح ما رتبته الماركسية على الاصل المذكور في مطلع هذا البحث من حتمية سلوك طريق الانقلاب الاجتماعي بنحو مطلق ، بل لابد من تقييم الأوضاع والحالات في المجتمع ، وملاحظة نوع المجتمعات ومعرفة مدى استشراء الفساد في سطوحها ونفوذها في أعماقها.

وتتجلسی صحة هذا الموقف اذا لاحظنا أمراً مهماً وهو ان المجتمعات الانسانية مجتمعات حرّة ذات عقل وارادة وعند ذلك يمكن أن نحاسب ونری ما هو الأصلح للوصول الى الضالة المنشودة.

وأمّا بناء على ما ذهب اليه ماركس وأتباعه من تصوير المجتمعات البشرية وكأنها الة صماء تجري في مضمار التكامل وتتحول من نظام الى آخر من دون اختيار وحرية ، فليس أمام المرء الّا أن يسلك طريقاً خاصاً واحداً ، وهو استخدام اسلوب الثورة العارمة والانقلاب الدموي من دون أن يكون أمامه أية خيارات أخرى.

وسنفصل هذا فيما يأتي من الأبحاث.

ثم ان هناك أسئلة أخرى تطرح نفسها على الديالكتيكيين ونظريتهم لم يجدوا لها اجابات صحيحة مقنعة نذكر بعضها هنا.

ان الماركسية تريد اجراء أصل الانقلاب في المجتمع وتعتقد أنه أصل كلي وحتمي الوقوع في جميع المجتمعات مع انا نرى بعض المجتمعات تقع فيها الانقلابات الاجتماعية في مدة عشر سنين حيث تنجر التناقضات والصراعات الداخلية فيها إلى الثورة والانقلاب ، ونرى الى جانب تلك

٥٦٦

المجتمعات ، مجتمعات أخرى يمر عليها أكثر من مأتي عام دون أن تقع فيها انقلابات مماثلة ، فرغم فسادها وتراكم ذلك لا نرى فيها أثراً لتبدل الكميات الكثيرة الى كيفية جديدة ، ولا تنجر التناقضات الداخلية فيها الى حركة وانقلاب على غرار ما يصوّره أو يتصوره الماركسيون في هذه النظرية ، ونمثّل لذلك بما يلي :

ان الماركسية تعتقد بأن الثورة الفرنسية الكبرى ثورة رأسمالية ، وقد تحققت هذه الثورة عام ١٧٨ ، أي انه يمر على تلك الثورة قرابة مأتي عام ، ومع ذلك لم تنجز التناقضات الداخلية فيها الى الانقلاب الاشتراكي!

والأفضح من هذا هو الانقلاب الواقع في المجتمع البريطاني عام ١٦٨ ـ ١٦٨٨ ، وهو الانقلاب الذي جرّ بذلك المجتمع إلى الرأسمالية وأنهی عهد الإقطاع ، فانه رغم مرور ثلاثة قرون على هذه الثورة ، وتكامل وسائل الانتاج فيها ، لم يتغيّر نظام ذلك المجتمع إلى النظام الاشتراكي ، ولم تحصل أو تقع أية ثورة على العلاقات الاقتصادية الظالمة الحاكمة هناك ، (ونقصد بالعلاقات الاقتصادية كيفية مالكية الانسان لوسائل الانتاج).

في حين أن المجتمع الروسي انقلب الى النظام الرأسمالي عام ١٥ ولم يمر سوى اثني عشر عاماً الا وانقلب الى الاشتراكية.

فلو كانت التبدلات الجزئية التدريجية والتناقض الداخلي تنتهي دائماً الى حدوث كيفية جديدة ، فلماذا لم تحدث تلك الكيفية في انجلترا وفرنسا؟!

أو ليس هذا خير دليل على أن جریان هذا الأصل في المجتمع لا يخضع الضابطة مطردة ، وانه لو صحّ جریانه فانما يجري في الطبيعه خاصة.

اذا كان الماركسيون يعتقدون ان الانقلاب في المجتمع يحدث بعد تكامل

٥٦٧

ادوات الانتاج ، ذلك التكامل الذي ينجر الى تغيّر العلاقات ، الملازم لتغيّر النظام سألناهم : الا يبلغ حجم التطور في وسائل الانتاج في فرنسا خلال مأتي عام حجم التطور في هذه الأدوات في روسيا في ظرف ١٢ سنة ، فلماذا مع ذلك تغيّرت العلاقات الاقتصادية في روسيا وحدث الانقلاب فيها ، ولم تتغير هذه العلاقات في فرنسا بل هي باقية على حالها رغم تطور الالة فيها؟

وما هذا الّا لان المجتمع الانساني ليس آلة صمّاء محكومة القوانين خاصة قهرية ، بل له بما جبل عليه من الاختيار والحرية ، ان يقوم بعمليات خاصة تؤخّر أو تعجّل في وقوع الانقلاب أو تقضي على جذوره قضاءاً تاماً ، كما ستعرف.

لقد اعتمدت الماركسية هذا الأصل وتمسكت به لانه يخدم نظريتها الاجتماعية ويبررها ، ولو عجز هذا الأصل عن تبرير نظريتها ولم تجدها في هذا المجال لاعرضت عن الأخذ به ، ويدل على ذلك أن الماركسيين أخذوا من الأصول التي جاء بها هيجل وغيره من الفلاسفة ، خصوص ما يخدم ويبرر نظريتهم وتركوا ما لا ينفعهم في هذا الواقع ، وان كانت تلك الأصول المتروكة تعكس الواقع.

ان الماركسيين حاولوا اثبات نظرية اجتماعية في الحياة البشرية بواسطة قانون جار في الطبيعة ، أي أنهم أرادوا العبور الى النظام الحياتي للانسان من خلال القوانين الطبيعية الحاكمة في عالم المادة ، وادعوا بأن كل ما يجري في الطبيعة الصماء يجري في المجتمع البشري حرفاً بحرف وهذا مما لا يرتضيه أي فيلسوف واقعي النظرة ، لما بين عالم الطبيعة الصماء ، وعالم الانسان ، من الفارق الكبير ، فالموجودات الطبيعية كائنات عمياء صماء لا ارادة لها ولا حرية والانسان كائن عاقل حر ، مختار يفعل ما يريد ، ويترك ما لا يريد.

٥٦٨

ان تجاهل هذا الفارق الشاسع بين الانسان العاقل الحر والمادة العمياء الصماء هو الذي أوقع الديالكتيكيين في هذا الخطأ الفضيع ، ودفعهم الى تعميم أحكام الطبيعة الصارمة الجارية فيها قهراً وقسراً ومن دون علمها وارادتها على الحياة البشرية التي يمكن الانسان صياغتها بنفسه ، وكيفما يريد ، ويدل على ذلك أن السلطات التي تواجه الانقلاب ربما منعت من وقوع الانقلاب (الذي يبدو حتمي الوقوع) أو تأخير وقوعه باعطاء بعض الحريات أو الحقوق.

ولأجل الفرق الواضح بين عالم الطبيعة العمياء والأنسان العاقل الحر نری تأخر وقوع الانقلابات في بعض المناطق والمجتمعات الى مدة (٢) ستة كما عرفت بينما وقعت مثل هذه الانقلابات في بعض المناطق والبلاد في مدة لا تزيد علی اثنتي عشرة سنة!!.

وما هذا الا لان المجتمع الانساني كائن حر ومفكر له كمال الحرية في التصرف ، وله كمال القدرة على التسبب بالأسباب ، فله ان يوقد لهيب الثورة ويعجل في وقوع الانقلاب ، وله أن يؤخر ذلك أو يطفيء دائرة الثورة ويقلعها من الأساس.

* * *

أجل ان المشكلة الاساسية هي ان الماركسيين ارادوا تطبيق نظرية اجتماعية معينة فاستعاروا لها أصلا فلسفياً من عالم الطبيعة ، متجاهلين الفارق الكبير بين العالمين : عالم الطبيعة وعالم الانسان.

وقد كان هذا هو الخطأ التي وقعت فيه الحكومات الفاشية التي كانت تعاني من نزعات عنصرية ، فان هذه الحكومات لما رأت تفوق بعض الاجناس على البعض الآخر في الطبيعة حيت الى ان هذا التقوق يجب ان يكون في مجال الحقوق الانسانية أيضاً ، وان الأجناس المتميزة في الواقع يجب ان

٥٦٩

تحظى بالامتيازات السياسية والحقوقية على الأجناس الأخرى أيضاً ، حسب ما هو جار في عالم الطبيعة.

ان تعيين الوظائف والواجبات الاجتماعية والقوانين التي يجب ان تسود الحياة البشرية في ضوء القوانين السائدة على الطبيعة المقهورة والمادة غير الشاعرة خطأ كبير وتجاهل لارادة الإنسان ، واعتقاد بجبريته وهل هناك اهانة توجة الى الانسان العاقل الحر اكبر من هذه الاهانة بأن نعتبر التغيرات الاجتماعية الحاصلة في حياته نتيجة عوامل حتمية وقهرية خارجة عن اطار ارادته كما هو الحال في الطبيعة العمياء الصماء المقهورة.

ثم ان تعميم حكم الطبيعة الصماء على المجتمع الانساني الحر العاقل وتصوير المجتمع الانساني كالطبيعة والادعاء بان القوانين الجارية على الطبيعة جارية على المجتمع البشري على نحو الحتم والجبر سواء اراد الإنسان أم لا ، من الافكار الواهية التي يكذبها تاريخ الانقلابات ، والثورات ، والتحولات الاجتماعية.

فان حاصل النظرية الماركسية هو أن المجتمع مكتوف الأيدي في مقابل حتمية الانقلاب ومحكوم بها بحجة أن التبدلات الكمية في مجال وسائل الانتاج ستنجر الى التبدلات الكيفية في العلاقات الاقتصادية ومن ثم في الأنظمة السياسية والفلسفية والاداب والفنون ، تماماً مثلما يتبدل الماء إلى البخار اثر التبدلات والتغيرات الكمية الحاصلة في الماء ، من دون أن يكون للمجتمع الانساني ولا لقادته أي تأثير في حصول التغيرات السياسية ، ووقوع الانقلابات.

وعلى هذا يكون الانسان متفرجا على التاريخ لا صانعاً له ، ناظراً لا لاعباً مداراً لا مديراً.

ولاشك في ان هذا مما أجمع علماء الاجتماع والتاريخ على خطأه وبطلانه

٥٧٠

فان كثيراً من الانقلابات العظمى في التاريخ البشري قد تحققت أثر قيام شخص أو أشخاص معينين من المصلحين بتوعية الناس وايقافهم على ما يحيط بهم من الفساد والانحطاط الأخلاقي والمعنوي وما يؤول اليه أمرهم من السقوط في حضیض الحيوانية اذا استمروا على هذه الوتيرة ، فنهض الناس على أثر توعية هؤلاء المصلحين المخلصين ، وأطاحوا بالأوضاع السائدة والأنظمة القائمة بمحض ارادتهم ، رغم أنهم كانوا يعيشون في الأغلب حياة الرفاهية من الجانب المادي ولم تكن ثمة اية تناقضات اجتماعية داخلية.

وربما طالت المدة حتى استيقظ الناس وأثرت فيهم دعوة المصلحين ، فعرفوا الحقائق بعد زمن وأدركوا بعد لاي ما كشف عنه المصلحون ، وعلموا بخطورة الموقف ثم نهضوا نهضة رجل واحد في وجه الأنظمة السائدة حتى استأصلوها من جذورها ، وتخلصوا منها وأقاموا مكانها أنظمة صالحة تضمن كرامة الناس وتوفر حياة الطهر والحق والصلاح لهم.

وفي هذه الحالة لم تكن التبدلات الكمية عللا لحدوث التبدلات الكيفية في المجتمع البشري ، بل لم تكن من التبدلات والتغيرات في مجال وسائل الانتاج أي أثر في تلك المجتمعات ، وانما نهضت تلك المجتمعات في وجه أنظمتها السائدة لفساد القيمين عليها وانحرافهم وخيانتهم وابتعادهم عن جادة الدين الصحيح ، وتنكبهم عن طريق العقيدة الالهية ، ولخيانتهم لتعاليم الانبياء المقدسة.

فهذه هي الثورة الحسينية لم تخضع للقانون المذكور ، بل نهض الامام الشهيد «الحسين» عليه السلام في وجه الطاغية «يزيد» لطغيان يزيد وفساده ، وانحرافه عن جادة الدين ، بل ومعاداته لتعاليم النبي ، وهي حقيقة يلخصها الامام «الحسين» عليه السلام حيث يقول :

«اللهم انك تعلم انه لم يكن ما كان منا تنافساً في سلطان ،

٥٧١

ولا التماساً لفضول الحطام ولكن لنري المعالم من دينك ونظهر الإصلاح في بلدك ويأمن المظلومون من عبادك وتقام العطلة من حدودك ويعمل بفرائضك وسننك وأحكامك»

وقد أو سدت دوره الثورة العظيمة ثورات أخرى كان لها الأثر الكبير في الاطاحة والنظام الأموي الفاسد ، مثل ثورة المختار ثم ثورة زيد بن علي ، ثم ثورة یحیی بن زید ، فقد توالت الانتفاضات والتورات وت حت الواحدة تلو الأخرى حتى سقط النظام الاموي من أساسه.

وهذا هو نموذج واحد من مراحل في التاريخ البشري من دون أن يكمن عامل الانقلاب والانتفاضة والثورة ، فی تطور وسائل الانتاج أو التضاء الداخلي على النحو الذي يصوره الديالكتيكيون.

الثورات الشيوعية وعامل التدخل الخارجي

يصر الماركسيون ـ بالاعتماد على الاصل أو القانون الجاري على الطبيعة ـ على ان الانقلاب في المجتمع البشري وانتقاله من الكم الى الكيف في النظام يجب أن يتم بصورة طبيعية ذاتية ، من دون تدخل أية عوامل خارجية ، أي على غرار التبدلات والتغيرات الطبيعية الكيفية الحاصلة على نحو ذاتي تلقائي.

غير ان كيفية حصول الثورات الشيوعية في روسيا مهد الماركسية أبطلت هذه النظرية ، فان لينين وستالين هما اللذان هيئا وخططا للثورة ، وهما اللذان أيقظا شعور طائفة من العمال ودفعا بهم الى الثورة والنهضة.

فالحتمية الماركسية ترى ان حركة المجتمع حركة طبيعية تقع وتتحقق من دون حاجة الى تدخل العمال أو الفلاحين أو أي شخص آخر ، والقيام بازالة النظام السائد وبدون حاجة أو أثر للدعاية الماركسية ، ولكن الواقع في الاتحاد

٥٧٢

السوفياتي كان على العكس من هذا ، فاذا بالانقلاب الاختياري يحل مكان الانقلاب الجبري الحتمي.

ثم أن هذا المذهب الذي كان يقوم على الاقتصاد حتى انّ فلسفته بنیست على هذا الأساس اتخذ لنفسه منهجاً سياسياً يخالف هذه الفلسفة ، فان أصحابها يتدخلون في البلاد المختلفة ، ويدبرون فيها الثورات ، ويصنعون فيها الانقلابات وبعد أن يهيئون لها بالدعاية والاعلام ، واستئجار العملاء ، وهكذا نجد كل الثورات والانقلابات الاشتراكية والشيوعية الواقعة في المنظومة الاشتراكية لم تقع ولم تتحقق الا تحت تأثیر عوامل خارجية وتدخل خارجي علني أحياناً وسری تارة أخرى ونمثل لذلك بالمجر ، ويوغسلافيا ، وبلغاريا ، وچیكسولوفاكيا وألبانيا ، ورومانيا ، وبولونيا (وافغانستان).

فان الانقلابات الاشتراكية والشيوعية فيها حصلت ووقعت بتدخل عسكري مباشر.

وهكذا لم يبق من النظرية الديالكتيكية في هذا المجال وهو «تبدل الكم الى الكيف نتيجة التضاد الداخلي الذاتي» سوى القشور الميتة ، والالفاظ الخاوية.

٥٧٣

اسس المادية الديالكتيكية

الأصل الرابع

الارتباط العام

وهذا هو الأصل الأخير الذي استندت اليه الماركسية في تفسير الظاهرة الكونية والتنوعات والتحولات في عالم الطبيعة والحياة البشرية ، وقد فسره ستالين بقوله :

«ان الديالكتيك خلافا للميتافيزية ، لا يعتبر الطبيعة تراكما عرضيا للاشياء ، او حوادث بعضها منفصل عن بعض ، أو أحدها منعزل مستقل عن الاخر بل يعتبر الطبيعة كلا واحداً متماسكاً ، ترتبط فيه الأشياء والحوادث فيما بينها ارتباطا عضوياً ، ويتعلق احدها بالاخر ويكون بعضها شرطاً لبعض بصورة متقابلة» (١).

وقال انیجلز قبل ذلك :

«ان الطبيعة التي تضمنا تؤلف بمجموعها منظومة ماتؤلف مجموعة ما في العلاقات بين الاجسام ، ونقصد هنا بكلمة «جسم» كل واقع مادي بدء من النجوم وانتهاء بالذرة» (٢).

__________________

(١) المادية الديالكتيكية والمادية التاريخية ص ٦.

(٢) انجلز ديالكتيك الطبيعة ص ١٨٤.

٥٧٤

ويقول مؤلفوا كتاب «المادية الديالكتيكية» في شرح هذا الاصل تحت عنوان : «العلاقة المتبادلة بين الظواهر» :

«اثبت العلم ان العالم عبارة عن كل واحد ترتبط اجزاؤه المختلفة وظواهره وعملياته ارتباطاً وثيقاً فيما بينها» (١).

ولم يكن لهذا القانون او الاصل اي اثر في افكار ماركس واصوله الديالكتيكية وانما اضافه اليه رفيقه انجلز ، واستدل عليه وهو يصف كيفية توصله الى هذا الاصل الفلسفي بامور ثلاث ـ او بالاحرى باكتشافات ثلاثة تحققت في عصره وهو القرن التاسع عشر الميلادي وانتقل على اثرها الى هذا الاصل والقانون الطبيعي وهي :

اولا : اكتشاف الخلية بوصفها الوحدة التي تنمو منها العضوية النباتية والحيوانية كلها بطريق التكاثر والتمايز ، بمعنى ان جميع العضويات النباتية والحيوانية ترجع الى الخلية مما يدل على وحدة كل التنوعات.

الثانياً : اكتشاف تحول الطاقة ، الذي يبين لنا أن سائر القوى المؤثرة اولا في الطبيعة غير العضوية ظواهر مختلفة للحركة الكلية ، تمر كل منها الى الاخرى بنسب كمية معينة.

ثالثاً : ما جاء به دارون من تطور الانواع الذي ينص على ان جملة ما يحيط بنا في الوقت الحاضر من منتجات الطبيعة ـ بما في ذلك البشر ـ ما هي الا نتائج عملية طويلة من التطور» (٢).

هذا هو الأصل الرابع للديالكتيك وها نحن نلفت نظر القارئ الى ما يرد على الماركسيين في هذا المجال :

__________________

(١) المادية الديالكتيكية ص ١٨٥.

(٢) لودفيج فيورباخ ص ٨٨.

٥٧٥

اولا) : الماركسيون وتهمة التجزيئية

ان الماركسية تتهم الالهيين بانهم ينكرون الارتباط العام وينفون العلاقة المتبادلة بين ظواهر الطبيعة بحجة انهم يدرسون كل ظاهرة من الظواهر الكونية وكل نوع من الانواع على حدة ، وبصورة مستقلة عن الظواهر الأخرى ، ويصفون كل نوع يتعریف خاص ، فيعرفون الانسان ـ مثلا ـ بانه «حيوان مفكر» والحيوان بانه «جسم متحرك بالارادة» وبهذا يعزلون الانسانية والحيوانية من ظروفها وملابساتها ، وينظرون الى كل واحدة من هذين النوعين بصورة مستقلة معزولة عن مجموع الطبيعة.

ولكن الحقيقة هي غير ذلك فان تعريف الميتافيزيين لشيء ومطالعته ودراسته مستقلا ليس بمعنى نفي ارتباطه بالأشياء الأخرى ، لأن التعريف للشيء انما هو في مقام التعليم والتعلم وهما لا يتمان الا بشرح الموضوع وتحديده بمقدار الحاجة الى لاجلها دون العلم. فان المتعلم الذي يريد مثلا التعرف على الخلية او التعرف على عنصر معين او میكروب خاص فانه لا يهمه أن يعرف مدى ارتباطه وكيفية علاقته بالأشياء الأخرى ، وكذا بالعلوم والقوانين العامة السائدة في الكون بل يهمه فقط ان يتعرف على ذلك الشيء بمقدار ما يلزم على المتعلم تعلمه ، واما كون هذه الخلية ، او ذلك الشيء مرتبط بسائر الأشياء في عالم الطبيعة مثل ارتباطه حتی باشعة الشمس ، او دوران القمر ، او ما شاكل ذلك فليس مطروح بالنسبة إلى هذا المتعلم الجالس وراء المجهر.

ولئن كان تعریف شيء على حده دليلا على انكار الارتباط العام والعلاقة المتبادلة بين الظواهر فليكن فعل الماركسيين حين تعريفهم لأصولهم ـ من هذا القبيل وانهم حينما يعمدون إلى تعريف «المادة» أو «الحركة» أو «العلة»

٥٧٦

أو «التكامل» أو غير ذلك من الأصول ينظرون اليه مجرداً عن أي شيء آخر فهل يعني فعلهم هذا انهم ينكرون الارتباط العام؟؟

وخلاصة القول أن ثمة فرقاً كبيراً وبونا شاسعاً بين عدم كون شيء موضع الحاجة ، وبين انكاره.

* * *

ثانياً ـ هذا الأصل ليس بجديد :

ان هذا الأصل ليس أصلا جديداً ، بل هو أصل قدیم سبق ان تعرضت لذكره الفلسفة الإغريقية.

فهذا هو معلم المشائيين «ارسطو» قد أخذ هذا الأمر أصلا موضوعياً واعتبره أمراً مفروغاً عنه ، عند الاستدلال علی كون خالق الكون واحداً ، حيث استدل بوحدة العالم على وحدة الاله (١).

يقول الحكيم السبزواري في تعريف هذا البرهان :

«نريد أن نبرهن على انه لا شريك له في الالهية والفاعلية فمهدنا أولا وحدة العالم ثم أثبتنا وحدة الاله».

بل ذهب قدماء الفلاسفة في اعتبار العالم كلا واحداً ، والى القول بارتباط أجزائه المتنوعة أبعد حد حتى انهم شبهوه بانسان واحد ، فأعطوا لكل جزء من أجزائه اسم من أسماء الأعضاء في الجسم الانساني وهذا هو ما سبكه الحكيم السبزواري في قالب الشعر اذ قال :

ان السماء كله أحياء

والشمس قلب غيره أعضاء

وقال في شرحه :

__________________

(١) الأسفار ج ٦ ص ٩٤.

٥٧٧

كما ان القلب الصنوبري في الانسان الصغير اشرف الاعضاء وله الرئاسة كذلك الشمس في الانسان الكبير سيد الكواكب والافلاك وله الرئاسة على الاجسام وغيرها الأعضاء الاخر للانسان الكبير من الرئيسة والمرؤوسة.

الى أن يقول :

فبالنظام الجملي العالم

شخص من الحيوان لا بل آدم

لكنّ لا رأس له ولا ذنب

كما له ليس نشه وغضب (١)

هذا عن الفلاسفة الاغريق.

وأمّا الفلاسفة الاسلاميون فقد أشاروا الى ذلك الارتباط العام والاتصال بین ظواهر الطبيعة وأجزائها بل صرّحوا به في دراساتهم ومصنفاتهم.

قال العلامة الطباطبائي عند تفسير قوله تعالی مَّا تَرَىٰ فِي خَلْقِ الرَّحْمَـٰنِ مِن تَفَاوُتٍ :

«المراد بنفي التفاوت اتصال التدبير ، وارتباط الاشياء بعضها ببعض من حيث الغابات والمنافع المترتبة على تفاعل بعضها في بعض فاصطكاك الاسباب المختلفة في الخلقة وتنازعها كتشاجر كفتي الميزان وتصارعها بالنقل والخفة والارتقاء والانخفاض ، فانهما في عين آنهما تختلفان تتفقان في اعانة من بيده الميزان فيما يريده من تشخيص وزن السلعة الموزونة ، فقد رتب الله تعالی أجزاء الخلقة بحيث تؤدي الى مقاصدها من غير أن يفوّت بعضها غرض بعض ، أو يفوّت من بعضها الوصف اللازم فيه لحصول الغاية المطلوبة» (٢).

بل وصرّحت النصوص الاسلامية بذلك من قبل حيث جاء في الكتاب العزيز قوله تعالى : لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّـهُ لَفَسَدَتَا ۚ فَسُبْحَانَ اللَّـهِ رَبِّ الْعَرْشِ

__________________

(١) المنظومة للسبزواري قسم الفلسفة ص ١٥٠ ـ ١٥٣.

(٢) الميزان ج ١٩ ص ٣٥٠ تفسير سورة الملك الآية ٣.

٥٧٨

عَمَّا يَصِفُونَ (الانبياء ـ ٢٢).

وقوله سبحانه : وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَـٰهٍ ۚ إِذًا لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَـٰهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ ۚ سُبْحَانَ اللَّـهِ عَمَّا يَصِفُونَ (المؤمنون ـ ١).

وذلك يعني أن كل واحد من الالهة المدبّرة لو أراد أن يتفرد بتدبير مجموع العالم باستقلاله للزم تعدّد التدبير والنظام السائد ، لتعدّد المدبّر وهذا يستلزم طروء الفساد على العالم وذهاب الانسجام المشهود فيه وهذا ما يعنيه قوله تعالى : «لو كان فيهما آلهة الّا الله (أي الله الواحد) لفسدتا).

وأما اذا دبّر كل واحد منهما قسماً من الكون لزم أن يكون لكل جانب من الكون نظام خاص مغاير لنظام الجانب الاخر وغير مرتبط به أصلا وهو أيضاً خلاف ما يشاهد في الكون من الارتباط والانسجام ووحدة العالم ووحدة نظامه ، والى هذا أشار قوله سبحانه إِذًا لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَـٰهٍ بِمَا خَلَقَ.

كما وقد صرّح بهذه الوحدة والارتباط والانسجام في الكون والطبيعة في الحديث الشريف حيث يقول الامام الصادق عليه السلام «فلما رأیت الخلق منتظما والفلك جارياً ، واختلاف الليل والنهار والشمس والقمر (أي تعاقبهما بانتظام) دلّ صحة الأمر والتدبير ، وائتلاف الأمر على ان المدبّر واحد» (١).

وقال عليه السلام أيضاً في جواب من سأله عن دليل وحدانية الرب :

«اتصال التدبير ، وتمام الصنع كما قال الله عز وجل (لو كان فيهما آلهة الّا الله لفسدتا» (٢).

* * *

__________________

(١) توحيد المصدوق ص ٢٤٤.

(٢) توحيد الصدوق ص ٢٥.

٥٧٩

ثالثاً ـ الماركسية ونظرية التطور الداروينية

ان ما اعتمده «انجلز» لاثبات أصل الارتباط العام من نظرية تطور الانواع الداروينية وهي مما لا يمكن أن تتخذ سنداً علمياً للطريقة الديالكتيكية في تفسير الاحداث لان «داروین» وبعض المساهمين معه في بناء النظرية المذكورة وتعديلها ، يفسرون تطور نوع الي نوع آخر على أساس ما يظفر به بعض أفراد النوع القديم على ميزات وخصائص عن طريقي صدفة ميكانيكية ، أو أسباب خارجية محدودة البيئة والمحيط ، وكل ميزة يحصل عليها الفرد تظل ثابتة فيه وتنتقل بالوراثة الى أبنائه .. ونحن نستطيع أن ندرك بوضوح مدى التناقض والاختلاف نظرية «داروین» وبين الطريقة الديالكتيكية العامة ففي النظرية الداروينية هناء المصادفة أو الاسباب الخارجية من البيئة والمحيط وحصول النوع على مميّزات وخصائص من هذا الطريق لا بسبب تناقض وصراع داخلي.

كما أن هناك في نظرية «داروین» تبقى المميزات ، وتنتقل الى الأجيال القادمة دون تطور بل تضاف الى الجيل الجديد ميزة أخرى بسبب الظروف الخارجية الجديدة ، وهي تخالف نظرية ولادة «سنتز» جدید كما في النظرية الديالكتيكية.

* * *

رابعاً ـ النتائج المترتبة على نظرية الارتباط العام

لاشك أن الماركسية لا تريد من تحليل العالم التوصل الى التعرف على الطبيعة شأن كل حكیم متحر للحقيقة.

بل تسعى من خلال هذا التحليل الى تبرير افكارها المسبقة ، وتصحيح

٥٨٠