الله خالق الكون

الشيخ جعفر الهادي

الله خالق الكون

المؤلف:

الشيخ جعفر الهادي


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: منشورات مؤسسة سيّد الشهداء العلميّة
المطبعة: مطبعة سيد الشهداء عليه السلام
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٤٠

وهذا بخلاف الكائنات المادية فان نسبتها إلى الزمان ليست على نحو واحد فيها المتقدمات وفيها المتأخرات على وجه الحقيقة لا المجاز.

ولأجل ذلك يجب أن نقول ان «ملاك» الاتصاف بالتقدم والتأخر ، موجود في نفس هويات الكائنات وطبائعها ، وان لها هوية سيالة متقدمة ومتأخرة.

وبعبارة أخرى : ان مثل الكائنات المادية ونسبتها إلى الزمان مثل نسبتها الى المكان ، فكما أن البعد المكاني داخل في هوية الكائنات المادية ، بمعنى ان الجسم يمتد بذاته طولا وعرضاً وعمقاً ، فكذلك يتصف الجسم بالسيلان والجريان (وان شئت قلت : بالزمان) بالذات.

فكما أن الشيء اذا لم يكن بذاته قابلا للتحيز استحال استعارة المكان له من الخارج ، كذلك اذا لم يكن قابلا للزمان بذاته استحال أن نستعير له الزمان من الخارج أيضاً.

فهذا الاتصاف أدل دليل على أن العامل لهذا هو نفس طبيعة الجسم غير القارة ، وان سيلان الجسم وتدرجه ولاقراره هو منبع تولد الزمان واتصافه به.

وبعبارة أوضح : ان اتصاف الجسم بالمكان كما أنه دليل على كونه ذا أبعاد ثلاثة هي : (الطول والعرض والعمق) بالذات ، كذلك اتصافه بالزمان علامة على ان الاجسام والكائنات المادية هذه بعداً رابعاً هو «الزمان»؟.

فلو أن الفلاسفة أدخلوا الأبعاد الثلاثة في حقيقة الجسم معرفين له بأنه ما يكون له أبعاد ثلاثة فان نظرية الفيلسوف «الشيرازي» في الحركة الجوهرية تضيف إلى الجسم بعداً آخر هو البعد الزماني فلابد من تعريفه بأن الجسم ما يكون ذا أبعاد أربعة : الطول والعرض والعمق والزمان بمعنى السيلان والجريان الذي هو عين التقدم والتأخر.

وبما ان حقيقة الجسم ذات تصرم وسیلان انتزع منه الزمان ، ووصف بالتقدم

٥٤١

والتأخر ، وكان الزمان على هذا عجيناً بالجسم وجزءاً من جوهره وبعداً رابعاً له الى جانب الابعاد الثلاثة الأخرى.

فعلى هذا يجب أن يكون وجود الطبائع والكائنات كوجود نفس الزمان في السيلان والجريان ، ولا يكون لوجودها قرار وثبات ، بل يكون قرارها وثباتها موتها وفناؤها ، كما أن قرار الزمان وثباته عين فنائه وموته.

واليك نص عبارة هذا الفيلسوف القدير في هذا الصدد : «لا شبهة في آن كون الشيء واقعاً في الزمان وفي مقولة متي سواء كان بالذات أو بالعرض هو نحو وجوده ، كما ان كون الشيء واقعة في المكان وفي مقولة أين سواء كان ذلك الوقوع بالذات أو بالعرض هو نحو وجوده.

فان العقل المستقيم يحكم بأن شيئاً من الاشياء الزمانية أو المكانية يمتنع بحسب بوجوده العيني وهويته الشخصية أن ينسلخ عن الاقتران بهما ويصير ثابت الوجود ، بحيث لا يختلف عليه الأوقات ، ولا يتفاوت بالنسبة اليه الامكنة والاحياز ، ومن جوّز ذلك فقد كابر مقتضی عقله ، وعاند ظاهره باطنه ، ولسانه ضميره.

فاذن كون الجسم بحيث يتغير وتتبدل عليه الأوقات ويتجدد له المضی والحال والاستقبال مما يجب أن يكون لامر داخل في قوام وجوده وذاته ، حتى يكون في مرتبة قابليته لهذه التجددات ، غیر متحصلة الوجود في نفس الامر الا بصورة التغير والتجدد» (١).

ويقول أيضاً :

«ان الزمان عند القوم ذا هوية متفاوتة في التقدم والتأخر ، والسبق واللحوق والمضي والاستقبال ، ولكن الطبيعة عندنا الزمان عندهم من غير تفاوت الّا

__________________

(١) الأسفار ج ٧ ص ٢ ـ ٢١.

٥٤٢

أن هذه هوية جوهرية والزمان عرض.

والحق ان الهوية الجوهرية الصورية هي المنعوتة بما ذكرناه ، بالذات ، لا الزمان ، لان الزمان عرض عندهم ، ووجوده تابع لوجود ما یتقدر به ، فالزمان عبارة عن مقدار الطبيعة المتجددة بذاتها من جهة تقدمها وتأخرها الذاتيين كما أن الجسم التعليمي مقدار الطبيعة من جهة قبولها للابعاد الثلاثة فللطبيعة امتدادان ولها مقداران أحدهما : تدريجي زماني يقبل الانقسام الوهمي الى متقدم ومتأخر زمانيين ، والاخر : دفعي مكائي يقبل الانقسام إلى متقدم ومتأخر مكانيين» (١).

انظر أيها القارئ الكريم الى هذه الفكرة التي توصل اليها الحكيم والفيلسوف الكبير الشيرازي قبل أربعة قرون حيث صرح بأن الاجسام (أو ما سماه بالطبائع الجرمية) ذات أربعة أبعاد : والطول والعرض والعمق والزمان ، قبل أن يقف عليه أقطاب علماء الطبيعة في هذا العصر.

وعلى ذلك تصير النتيجة ـ بناء على هذا البرهان ـ ان وجود الأجسام ـ كالزمان الذي له وجود سیال غير قارّ الذات حتى لحظة واحدة ، بل ويكون قراره : فناؤه ، وسكونه : انعدامه ، وعلى هذا تكون الكائنات المادية سيالة غير قارة يجري وجودها ، ويتدرج ـ على غرار جریان الزمان وسیلانه ـ وما ذلك الا لاجل كون الطبيعة عجينة بالزمان ، ولكون الزمان داخلا في هويتها ، فلا يمكن أن يختلفا في الحكم (٢).

__________________

(١) الأسفار ج ٣ ص ١٣ ـ ١٤.

قال العلامة الطباطبائي في تعليقه على هذا الكلام : «هذا صريح في انه يرى للطبائع الجرمية أربعة أبعاد الطول والعرض والعمق والزمان» راجع ص ١٤ من هذا الجزء.

(٢) وما نراه من السكون في عالم الطبيعة فهو من خطأ الحواس وليس اثبات الحقيقة الا كثبات الصورة للانسان الناظر في الماء الجاري ، حيث يرى صورة مستقرة

٥٤٣

ثم ان الحكيم والفيلسوف الشيرازي صاحب هذه النظرية والفكرة رتب عليها ابحاثاً وأفكاراً عالية نشير اليها اجمالا.

* * *

١١ ـ النتائج المترتبة على الحركة الجوهرية

قد وقفت على حقيقة «الحركة الجوهرية» وأبرز براهينها ، ونصوص مكتشفها ، والذي ينبغي أن نختم به هذا البحث هو الاشارة الى النتائج المترتبة على هذه النظرية استكمالا لهذا البحث. واليك فيما يلي بيان هذه النتائج :

الف) : الزمان وليد حركة المادة وسيلانها

ان للحكماء والمتكلمين ـ قديماً وحديثاً ـ مذاهب وأقوالا شتی في حقيقة الزمان ، يطول المقام بذكرها.

فمن ذاهب الى نفي وجود الزمان مطلقاً قائلا بأن الزمان ليس الا الماضي والحاضر والمستقبل ، والماضي عدم ، والمستقبل لم يوجد بعد ، والحال اما جزء من الماضي ، أو جزء من المستقبل.

إلى قائل بأن الزمان وجوداً وهمياً وهو مذهب المتكلمين ، والفرق بين

__________________

في الماء مع أنها تتجدد صورة بعد صورة بسبب جریان الماء.

ثم ان الحكيم الكاشف لهذه الحركة برهاناً ثالثاً يبتني على الدقة في كيفية وجود العرض ، وانه عنده من مراتب الجوهر وتجلياته ، ولأجل ذلك لا يمكن أن تعرض الحركة لها الا من طريق الجوهر ، وقد أوضحه في اسفاره ج ٣ ص ١٤ ، وشرحه الحكيم الالهي العلامة الطباطبائي في كتابه «نهاية الحكمة» تحت عنوان «حجة أخری ص ٢٨ ـ ٢١ الطبعة الجديدة.

وبما ان في ما ذكرناه غنی لطااب الحق اكتفينا بالبرهانين المذكورين.

٥٤٤

القولين هو : أن الثاني وان قال بوهمية الزمان إلا إنه يعتقد أن له منشأ انتزاع وهو وجود الواجب تعالی قبل خلق العالم ، والعالم نفسه بعد خلقه (١).

فالعقل بالنظر الى وجود الواجب وثباته وعدم فنائه ، ينتزع منه الزمان ، كما انه بالنظر الى وجود العالم وبقائه ينتزع منه ذلك أيضاً.

الى ثالث (وهو المعروف عن افلاطون) يقول بأن الزمان جوهر مستقل منفصل الذات عن المادة ، فاذا اعتبرت نسبته الى الماديات المتغيرة المقترنة سمي بالزمان.

فليس الزمان الا البعد الممتد المقترن بالمتغيرات (٢).

وهذا القول يصور الزمان بأنه بنفسه بعد سیال مستمر موصوف بالتقدّم والتأخر ، وانه لا أول له ولا آخر ، وأن الأشياء انما تتصف بهذا الوصف بمقایستها ومقارنتها للزمان.

وبتعبير آخر : ان الزمان سيلان أزلي أبدي يشبه النهر الجاري الذي لا بداية له ولا نهاية ، وهو مستقل عن المادة ، والمادة واقعة فيه وقوع الشيء في ظرفه.

وبعبارة ثالثة : أن الزمان موجود مستقل سواء أكان هناك موجود آخر أم لا ، وسواء ادارت الشمس والقمر أم لا وسواء أكان هناك انسان أم لا ، بحيث انه

__________________

(١) الاولى تسمية الزمان على هذا المذهب بالامر الانتزاعي لا الوهمي للفرق الواضح بينهما فان «انیاب الغول» من الأمور الوهمية ، وليست من الأمور الانتزاعية بخلاف الفوقية والتحتية ، فانهما من الامور الانتزاعية.

وبالتالي فان الفرق بين النوعين هو أن الأمور الانتزاعية وان لم تكن موجودة في الخارج ، الا ان الخارج يشتمل على حيثية تصحح انتزاع تلك المفاهيم منها بخلاف الأمور الوهمية.

(٢) لاحظ للوقوف على سائر الأقوال : الشفاء لابن سینا قسم الطبيعيات ص ٣٤٧. والاسفار ج ٣ ص ١٤٥ ـ ١٤٧.

٥٤٥

يوجد حتى اذا لم يخلق الله سبحانه سواه من الاشياء ، وبحيث لما خلق الله المادة صارت جليسة للزمان ، فالمادة في سكونها وثباتها ، والزمان في سيلانه وتصرمه كالجالس في نهر جار.

غير ان نظرية الحركة الجوهرية قد فندت هذا الرأي وأبطلت هذا الاتجاه ، وأثبتت ـ في المقابل ـ انه ليس هناك وراء المادة شيء آخر ، وان الزمان وليد حركة المادة وسيلانها وتجددها الذاتي تجدداً مثل تجدّد الزمان ، وان كان الزمان تقدم وتأخر ، فانما هو في ظل تقدم المادة وتأخرها ، وسيلانها وتدرجها المستمر.

فاذا كان الزمان لا يمكن ان يتقدم جزء منه على الاخر لان القبلية والبعدية ذاتية لاجزائه ، فهذا الحكم جار في نفس المادة ، فالحوادث بما ان الزمان منبعث من صميمها ، والتقدم والتأخر ذاتیان لها لا يمكن أن تزول عن اماكنها ومواضعها ، حتى أن عدم امكان التقدم والتأخر للزمان انما هو لكونه ناشئاً من سیلان المادة ، وتقدمها وتأخرها ، وفي ضوء ذلك فالكائنات كل واحد منها واقع في محله نظير وقوع كل عدد في موضعه ، فكل كائن لا يمكن ان يتقدم على كائن آخر ، او يتأخر عنه على غرار ما يتصور في الزمان حيث انهم كانوا يتصورون بانه لا يمكن ان يتقدم الجزء المتأخر ، او يتأخر الجزء المتقدم.

فالحال في الحوادث والكائنات المترتبة المتدرجة في وجودها االحال في الاعداد المتسلسلة ، فكما انه لا يمكن ان يتقدم العدد تسعة على موضعه الخاص به ، ولا ان يتأخر عنه بحيث يصبح بعد العشرة او قبل الثمانية ، هكذا الكائنات المادية ، بل التغير والتبدل فيها يساوي فناءها وعدمها.

وعلى ذلك فلكل حادث موضع معين ومرتبة خاصة به يساوق الخروج منه الخروج عن وجوده بالتالي يساوق عدمه وبالنتيجة فالزمان في التقدم والتأخر

٥٤٦

تابع للكائنات المادية لا العكس.

وهذه هي النتيجة الأولى التي تترتب على القول بالنظرية الحركة الجوهرية.

* * *

باء) : الزمان مقدار حركة المادة

ان الزمان ليس شيئاً سوی مقدار الحركة فللحركة حیثیتان :

حبشية الوجود الذي تشاركه فيه سائر الأشياء.

وحيثية السيلان والجريان والتدرج والتصرم ، وليس الزمان الا حيثية سيلان الوجود وجریانه وتدرجه.

والحركة بوجودها ترسم شيئين :

أ ـ وجوداً وتحققا في عالم الوجود.

ب ـ زماناً ومقداراً لسيلان ذلك الوجود وجريانه.

وعلى ذلك فالزمان ـ في الحقيقة ـ تعبير آخرعن سيلان الوجود وجریانه.

اذا كانت الحركة مبدأ للزمان ، ومولدة له ، وكان الزمان صورة أخرى السيلان الوجود والحركة ، كانت كل حركة منشا للزمان وكان لكل حركة زمان خاص ، وعلى ذلك فليس في العالم زمان واحد بل ازمنة متعددة ، حسب تمدد الحركة ، لان كل حركة تولد او ترسم زماناً خاصاً.

نعم اذا لوحظت المادة وعالم الطبيعة كشيء واحد كانت حركة المادة بأجمعها مبدأ لزمان واحد.

وأما اذا لوحظ كل جزء من الطبيعة والمادة منفكة عن الاجزاء الاخيرة تعدد الزمان حسب تعدد مناشئه (اي حسب تعدد الحركة).

وفي هذا الصدد يقول «صدر المتألهین الشیرازي» :

٥٤٧

«ان اتصال الزمان ليس بزائد على الاتصال التدريجي الذي للمتجدد بنفسه (الى أن يقول :) ومن تأمل قليلا في ماهية الزمان يعلم انه ليس كالعوارض الخارجية للاشياء كالسواد والحرارة بل من العوارض التحليلية (اي تظهر لدى التحليل العقلي الذهني) لما هو معروضه بالذات (اي المادة المتجددة) ومثل هذا العارض لا وجود له في الأعيان الا بنفس وجود معروضه ، والعجب من القوم كيف قرروا للزمان هوية متجددة اللهم الا اذا عنوا بان ماهية الحركة ماهية التجدد والانقضاء لشیء ، والزمان كمیتها.

والحاصل ان الحركة من حيث تقدرها عين الزمان وان غایرته من حيث هي حركة ، فهو لا يزيد عليها في الأعيان» (١).

وبهذا التقرير تعرف ان التعبير بان الزمان مقدار الحركة ليس تعبيراً دقيقاً مبيناً لواقع الزمان بالنسبة إلى الحركة فانه يوهم بان الزمان شيء ، والحركة شيء آخر يقدر مقدارها بالزمان ، مع انك قد عرفت ـ ایها القارئ العزيز ـ ان نسبة الزمان الى الحركة ليست الا كنسية الشيء الى احد وجهيه ، وبالتالي فان الحركة والزمان وجهان لعملة واحدة.

* * *

جيم) ـ العالم حادث زماني

أوجدت مسألة حدوث العالم حدوثاً زمانياً ضجة كبرى بين المتكلمين وغيرهم من الالهيين.

فالمتكلمون تبعاً لما ورد في الشرائع السماوية التي نصت على كون العالم حادثاً زمانياً ، وان الله سبحانه كان ولم يكن معه شيء ، ذهبوا الى القول بحدوث العالم حدوثاً زمانياً ، أي انه كان زمان لم يكن فيه للعالم أي أثر.

__________________

(١) الاسفار ج ٣ ص ١٤١.

٥٤٨

خالق الكون غير انهم عجزوا عن البرهنة والاستدلال على معتقدهم هذا ، اذ ان الحدوث الزماني عبارة عن «سبق عدم العالم في زمان خاص وانه كان زمان لم يكن للعالم فيه خبر ولا أثر».

وهذا الرأي أوقعهم في مشكلة لانه ينقل الكلام إلى نفس «الزمان» فهل لهذا الزمان حدوث زماني أو لا؟

فان اختاروا الاول لزم أن يكون للزمان زمان أي أن يكون ثمت زمان لم يكن فيه من الزمان اللاحق أثر ولا خبر ، وهذا باطل جداً لانه ينقل الكلام الى الزمان السابق وهكذا يتسلسل.

وان اختاروا الثاني استلزم ذلك قدم الزمان وهم يفترون من كل قديم زماني.

هذا وقد طال البحث والجدل حول هذه المسألة التي هي خارجة عن اطار هذا البحث.

غير ان نظرية «الحركة الجوهرية» قد حلّت العقدة وأثبتت الحدوث الزماني للمادة بأوضح الوجوه لانه اذا كان الزمان منبعثاً من تجدّد المادة وتدرجها فكل قطعة من المادة السيالة ترسم عدم القطعة اللاحقة ، فتصير كل قطعة من المادة موصوفة بأنها لم تكن مع القطعة السابقة ، وبالنتيجة لم تكن في الزمان السابق على القطعة اللاحقة.

وبتعبير آخر : اذا كان كل قطعة من المادة السيالة وكل درجة منها متعانقاً مع الزمان ، ولم يكن من القطعة اللاحقة أثر ولا عين فيها ، مع توصيف القطعة اللاحقة بالحدوث الزماني ، وهو انه لم تكن القطعة اللاحقة في ظرف القطعة السابقة ، وهكذا الحال اذا وضعنا البنان على كل جزء جزء من تلك المادة السيالة.

وبهذا يثبت الحدوث الزماني بالطبيعة من دون أي اشكال.

٥٤٩

وفي هذا الصدد يقول الحكيم صدر الدين الشيرازي :

«لقد تبين ان الاجسام كلها متجددة الوجود في ذاتها ، وان صورتها صورة التغير ، وكل منها حادث الوجود مسبوق بالعدم الزماني كائن فاسد لا استمرار لهوياتها الوجودية ، ولا لطبائعها المرسلة ، والطبيعة المرسلة وجودها عين شخصياتها وهي متكثرة ، وكل منها حادث ولا جمعية لها في الخارج حتی يوصف بأنها حادث أو قدیم» (١).

وقال : «ان الطبائع المادية كلها متحركة في ذاتها وجوهرها مسبوقة بالعدم الزماني فلها بحسب كل وجود معين مسبوقية بعدم زماني غير منقطع في الأزل» (٢).

* * *

دال) ـ الحركة بحاجة الى محرك

ان الحركة ـ بتمام أبعادها في عالم المادة ـ تكشف عن وجود محرّك مقوم للعالم ، أي أنها تكشف عن موجود ينبت الحركة من داخل المادة ويدفعها الى الامام ، فاذا كانت المادة متجددة في كل آن مندفعة إلى الأمام ، زائلة من جانب ، وحادثة من جانب آخر ، فلابد أن يكون هناك فاعل للمادة ، وخالق لها ، ومنبت لها من الداخل والأصل ، ودافع لها الى الامام.

فاذا كان القدماء يتصورون أن المادة متوقفة والزمان هو السيال ، وانّ سیلان المادة ليس الا ثوباً استعارته المادة من الزمان (أي من مقایستها به) فقد كشفت نظرية الحركة الجوهرية عن أن ذات المادة بحمقها وبجوهرها في

__________________

(١ و ٢) الأسفار ج ٧ ص ٢٧ و ٢٨٥ وأيضاً راجع المصدر نفسه ص ٢٢ ـ ٢٩٣.

٥٥٠

حال السيلان والتدرج وان الحركة ليست مختصة بظواهر المادة وسطوحها (أي باعراضها) بل السيلان والتدرج والزوال والحدوث ، يعم جوهرها وصلبها ووجودها وهويتها أيضاً.

فالشيء بوصف كونه زائلا حادثاً لا يمكن أن يكون مستقلا وغنيا عن الفاعل ومستغنياً عن المتكأ والمعتمد.

ان الحركة تشكل كيفية وجود المقولة فلا سنخية له الّا سنخية نفس وجود المقولة.

وبعبارة أخرى : ان الحركة ليست الا تعبيراً آخر عن كيفية وجود الشيء أي ان لوجود كل شيء صورتين أو كيفيتين :

١ ـ وجود قار ثابت.

٢ ـ وجود متحرك متدرج.

فاذا كانت المادة وكان الكون متحركاً في جوهره وذاته فان معنى ذلك ان لها وجوداً سیالا متدرجاً ينقضي بعضه بوجود البعض الآخر ، فاذا كان هذا هو حال العالم ، فهو اذن «موجود حادث لم يكن من ذي قبل» فيحتاج الى المحدث ، لاحتياج كل حادث الى ذلك.

وصفوة القول أن البراهين السابقة الدالة على الحركة الجوهرية أثبتت ان العالم بذاته وجوهره في حال تغیر وتبدل مستمرین ، وان الكون بمادته وجوهره يشبه نبعاً دائماً التدفق ينبع من جانب وينعدم في جانب آخر ، وان الطبيعة بظاهرها وباطنها ، بشكلها وجوهرها ، في حال التبدّل والتغيّر المستمرین.

وعندئذ يصير العالم نفس الحركة ، ونفس التغيّر وذلك بالبيان التالي :

ان الحركة بالنسبة الى وجود المقولة ليست أمراً عارضاً لها ـ كما

٥٥١

عرفت ـ بل هي مبنية لكيفية وجود المقولة.

فمقولة الكيف والكم اذا عرضت عليها الحركة كان معنى ذلك ان وجود تلك المقولة وجود تدريجي غير قار الذات ، وفي ضوء هذا اذا كانت مقولة الجوهر متحركة صار معناه ان وجود تلك المقولة وجود تدريجي سيال ، غير قار الذات ، فاذا كان العالم بجواهره واعراضه متحركاً سيالا ، كان وجوده وجوداً سيالا متدرجاً متقضياً.

فاذا لم تكن الحركة سوى نحو جود للمقولة يصير وجود المقولات على غرار وجود الحركة سيالا زائدا ، وعندئذ يصير عالم المادة بجوهره واعراضه نفس الحركة ، وبذلك يعلم صحة قول الحكيم الالهي صدر الدين الشيرازي بأن «الحركة في كل مقولة عين تلك المقولة لا شيئا زائداً عليه (١)».

فلفظة المادة عبارة اخرى عن الحركة ولفظة الحركة عبارة اخرى عن المادة ، فيصير الكون كله وسيلاناً ، وزوالا وتقضياً كله ، والكون الذي هذا هو حاله كيف يمكن ان يوجد بنفسه ، اليس هذا يعني ان توجد الحركة من دون محرك؟

ان لنا ان نتساءل هنا : اذا كانت حقيقة العالم هي نفس الحركة ونفس الصيرورة التي سنخها سنخ الانفعال والتأثر فلابد ان يكون هناك محرك خارج عن الطبيعة

__________________

(١) والضابطة الكلية ـ في المقام ـ هي ان كل ما يوجد أزيد من مقولة فهو لا يدخل تحت مقولة خاصة بل يكون في كل مقولة نفسها ، وهذا كالحركة والعلم والوحدة التي يوجد في كثير من المقولات ، ولاجل ذلك لا يمكن تحديد كل واحد منها بمقولة خاصة ، فلا يمكن ان يقال : ان العلم من مقولة الكيف او الجوهر بل يجب ان يقال : ان العلم في الكيف كيف ، وفي الكم كم.

وهكذا الحركة في الكيف كيف وفي الكم كم ، ومثلهما الوحدة. والتفصيل متروك لموضعه.

٥٥٢

حتی يوجد الحركة فيها ، اي يوجد الوجود المتغير السيال ، والا يلزم ان تكون جهة الانفعال نفس جهة الفعل اي ان يكون التحرك عين المحركية ، والمحرك عين المتحرك.

قال الفيلسوف الاسلامي الكبير «صدر الدين الشيرازي» : «ان الحركة لكونها صفة وجودية امكانية لا بد لها من «قابل» ولكونها حادثة ، بل حدوثاً ، لابد لها من «فاعل» ولابد من ان يكونا متغایرین لاستحالة كون الشيء قابلا ، وفاعلا ، فعلا وقبولا ، تجددیین واقعين تحت مقولتين متخالفتين ، وهما مقولة ان يفعل وان ينفعل ، والمقولات اجناس عالية متباينة ، ولاستحالة كون المفيض مستفيضة بعينه فالمحرك لا يحرك نفسه ، بل الشيء لا يكون في نفسه متحركا ، والمتحرك لا يتحرك عن نفسه ، فتكون حركته بالفعل من جهة ما هو بالقوة ، وهذا محال ، والمسخن لا يسخن نفسه بل لامر تكون سخونته بالقوة فلابد ان يكون قابل الحركة متحركا بالقوة لا بالفعل ، وفاعلها لابد وان يكون بالفعل فيما يحرك الشيء اليه اعني الكمال الوجودي الذي يقع فيه الحركة ، وان لم يكن بالفعل في نفس الحركة ولا بالقوة ، اذ ليست الحركة كمالا لما هو موجود بالفعل من جهة ما هو موجود بالفعل (١)».

فتبين من هذا البحث الضافي امور :

أ ـ ان عالم المادة بما أن وجوده متدرج وسیال فلم يزل من حدوث الى حدوث ، لا ينفك عن محدث له.

ب ـ اذا كان العالم في كل لحظة متجدداً في جوهره واعراضه تبين معنی قول الله سبحانه في القران الكريم : «كل يوم هو في شأن».

ج ـ اذا كانت واقعية المادة هي نفس الحركة ولم يكن في المكان الحركة ان

__________________

(١) الأسفار ج ٣ ص ٣٨.

٥٥٣

تقوم بنفسها فواقعیتها نفس التعلق والتدلي عرفنا صحة قول الحكيم السبزواري من «ان الموجودات الامكانية متدليات بنفسها متعلقات بغيرها».

وهكذا أدت فكرة «حركة المادة» التي تمسك بها الديالكتيكيون لنفي وجود الخالق المحرك ، الى ابطال دعواهم هذا ، واثبات عكس مقصودهم وهو وجود ذلك الخالق الفاعل المحرك.

* * *

هاء) ـ الحركة تلازم الغاية

أن الحركة لما كانت تعني خروج الشيء من القوة الى الفعلية لم تخلو من غاية حتماً.

فان الحركة ليس الا توجهاً من نقطة إلى نقطة أخرى ، ومثل هذا الشيء لا يمكن أن يكون بلا غاية ولاغرض يناسب سنخ الحركة ، فان الشجرة عندما تتحرك ابتداءاً من البذرة فانها تهدف غاية وهي أن تصل الى مرحلة الثمرة المعينة المطلوبة.

وهكذا حركة الحيوان.

وعلى هذا الأساس أي اذا كان عالم الطبيعة متحركاً بالذات ، متبدلا في الجوهر صح توصیفه بأنّه متجه من نقطة إلى أخرى ، ومن جهة الى جهة ، وليست تلك الجهة الا ما یعبر عنها في ألسنة الشرائع السماوية بالمعاد ، وكل هذا إنما هو لاجل ان الحركة لا يمكن أن تكون بدون غاية.

والیهذا يشير قول الله سبحانه في القرآن الكريم : إِذَا السَّمَاءُ انفَطَرَتْ * وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انتَثَرَتْ * وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ * وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ * عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ (الانفطار ١ ـ ٥).

* * *

٥٥٤

واو) الحركة الجوهرية والتحولات الكيمياوية

ان علماء الطبيعة أثبتوا حركة دائرية لأجزاء الذرة ، وتحولات الانجم ، أو تحولات كيمياوية تؤول إلی تغیرات وتبدلات.

ولكن هذه الحركات والتحولات ـ مع صحتها في حد ذاتها ـ لا تمت الی الحركة الجوهرية بصلة لان الحركة الجوهرية هي الحركة التابعة من بواطن الأشياء ، وصميمها ، فما لم تكن هناك حركة تابعة من جوهر الشيء وذاته لا يمكن أن تكون هناك حركات في سطوحه وظواهره.

فحركة الذرة حركة في الأين ، والتبدلات الحاصلة في الانجم من قبيل الحركة في الكيف ، نعم كل ذلك انما هو يفضل «الحركة الجوهرية».

وان شئت التعبير عن هذه الحركات والتحولات وتسميتها باسم قسمها بـ : «الحركة في الحركة».

وبعبارة أخرى : ان هذه الحركة (أي حركة الأعراض في ضمن حركة الجوهر والتي هي من قبيل الحركة في الحركة) هي احدى النتائج العاشرة النظرية «الحركة الجوهرية» حيث ان الحكماء ـ قبل اكتشاف هذه الحركة ـ كانوا يعدون الحركة في الحركة أمراً محالا ، ويستدلون لذلك بأنها من قبيل التدريج في التدريج المحال ، ولذلك كانوا يعدون تحقق الحركة في مقولتي الفعل والانفعال أمراً محالا ، لان الحل هو التأثير التدريجي والانفعال هو التأثر كذلك ، وحيث اعتبر التدرج في نفس ماهيتهما امتنع أن تعرض عليهما الحركة لانه يستلزم وقوع التدريج في التدريج.

لان الأمر التدريجي وان كان تدريجياً من حيث الوجود ، والتحقق ، لكنه في تحقق وصف التدريج يجب أن يكون فعلياً لا تدريجياً حتى في هذه الناحية.

٥٥٥

غير أن مكتشف هذه الحركة (أعني صدر المتألهين) أبطل ذلك الدليل وأثبت جواز الحركة في الحركة وجعل حركة الاجسام والأنواع في اعراضها في ظل حركاتها في صميم ذواتها وجواهرها من قبيل الحركة في الحركة.

نتائج اخری

تلك هي بعض ما يترتب على نظرية الحركة الجوهرية من النتائج التي لا تنحصر في ما ذكرناه ، فقد رتب الفيلسوف الاسلامي صدر الدين الشيرازي على نظريته في الحركة الجوهرية ، نتائج وفوائد اخرى :

منها : تبين الصلة والعلاقة الوثيقة بين البدن والروح ، وان البدن ليس من قبيل القفص والروح من قبيل الطائر المحبوس ، بل الطبيعة في ضوء الحركة الجوهرية تصل الى مقام تتعلق بها الروح ، أو توجد الروح في أحضانها فالروح جسمانية الحدوث ، وان كانت روحانية البقاء.

ومنها : ربط الحادث بالقديم الذي يعد من المشكلات والمعضلات الفلسفية ، ومعناه ان العلة ، وهو الله تعالی اذا كانت قديمة ، وكان المعلول ، وهو العالم حادثة فكيف يمكن الانفكاك بينهما ، وكيف تأخر المعلول عن العلة؟

وقد قام رحمه الله بحل هذه المشكلة وغيرها وغيرها في ضوء نظريته.

وبما أن البحث حول هاتين النتيجتين وغيرهما يوجب الاطالة طوينا الحديث هنا آملين أن نعود اليه عند الكلام حول صفات الله سبحانه.

٥٥٦

اسس المادية الديالكتيكية

الأصل الثالث

قانون انتقال التبدلات الكمية الى

التبدلات الكيفية

يذهب الديالكتيكيون الى ان التبدلات الجزئية التدريجية المستمرة الطارئة على الطبيعة ربما تصل الى حد يفتقد فيه الجسم قدرته على تحمل هذه التغيرات بشكلها الخاص ، والتدريجي ، فيقع في الجسم تحول فجائي آني تحصل على أثره كيفية جديدة للمادة.

وبعبارة أخرى : ان التطور الديالكتيكي للمادة لونان : أحدهما تغير كمي تدريجي يحصل ببطء ، والاخر تغير كيفي فجائي يحصل بصورة دفعية نتيجة للتغيرات الكمية المتدرجة بمعنى ان التغيرات الكمية حين تبلغ مرحلة الانتقال تتحول من كمية الى كيفية جديدة.

قال ستالين :

«ان الديالكتيك ـ خلافاً للميتافيزيقية ـ لا يعتبر حركة التطور حركة نمو بسيطة لا تؤدي التغيرات الكمية فيها الى تغيرات كيفية بل يعتبرها تطوراً ينتقل

٥٥٧

من تغيرات كمية ضئيلة وخفية الى تغيرات ظاهرة وأساسية أي الى تغيرات كيفية ، وهذه التغيرات لیست تدريجية بل هي سريعة فجائية ، وتحدث بقفزات من حالة الى اخرى.

ان من الواجب فهم حركة التطور لا من حيث هي حركة دائرية ، أو تكرار بسيط الطريق ذاته ، بل من حيث هي حركة تقدمية صاعدة» (١).

وقال انجلز :

«بالامكان تسمية الكيمياء بعلم التبدلات النوعية في الأجسام تلك التبدلات الحادثة عن تأثير تبدلات الكيان الكمي» (٢).

وهذا الأصل موروث من الفيلسوف الالماني «هيجل» الذي مثل له بالمثال التالي الذي يستشهد به الماركسيول في كتاباتهم أيضاً :

ان الماء عند التسخين ترتفع درجة حرارته بالتدريج وتحدث بسبب هذا. الارتفاع التدريجي تغيرات كمية بطيئة ولكن اذا زيدت حرارته إلى درجة (١) فسوف ينقلب في تلك اللحظة من حالة السيلان إلى الغازية وتتحول من الكمية الى كيفية.

كذلك البرودة الواردة على الماء قد تصل إلى حد لا تقبل طبيعته تلك البريودات التدريجية الجزئية بشكلها الخاص فتتحول فجأة وفي آن واحد الى جلید.

وقد استخدم ماركس وأتباعه هذا الاصل الاثبات نظريتهم الاجتماعية وهي ان التغيرات والتحولات الحاصلة في المجتمع ربما تصل الى درجة لا يقدر فيها

__________________

(١) المادية الديالكتيكية والمادية التاريخيةي ص ٨ ـ ٩.

(٢) ديالكتيك الطبيعة ص ٤١ والمادية الديالكتيكية تأليف جماعة من المؤلفين السوفييت ص ٢٢٩.

٥٥٨

المجتمع على قبول هذه التغيرات التدريجية الجزئية بشكلها الخاص ولذلك يحدث فيها انقلاب دفعي وتغيير فجائي حتماً فيتبدل الی نظام من نوع آخر وكيفية اخرى.

ولهذا يتبدل الاقطاع الی الرأسمالية ، والرأسمالية إلى الاشتراكية وهكذا.

وقد تشبت الماركسيون لاثبات هذا الأصل الفلسفي الذي استخدموه لاثبات نظريتهم الاجتماعية في الانقلاب بأمثلة جزئية ، مثل تبخر الماء عند ارتفاع درجة حرارته الى مأة ، وأمثلة من الحوامض العضوية الكيمياوية التي تختص كل واحدة منها بدرجة معينة لانصهارها وغليانها حيث بمجرد بلوغ السائل تلك الدرجة يقفز الى حالة كيفية جديدة.

فحامض النمليك ـ مثلا ـ درجة غليانه (١) ودرجة انصهاره (١٥).

وحامض الخليك نقطة غليانه (١١٨) ونقطة انصهاره (١٧).

فالمركبات الهيدور كاربونية تجري طبقاً لقانون القفزات والتحولات الدفعية في غليانها وانصهارها (١).

كما أن ما يذهب اليه مندلييف من أن خصائص العناصر الكيمياوية متعلقة بمقادير وزنها الذري ، فكل عنصر كیمیاوي يتحدد بمقدار شحنة نواته ، ويؤدي التبدل الكمي في هذا المقدار الى تحولات نوعية للعناصر (٢).

ويقصد أصحاب الديالكتيك من هذا الأصل اثبات ثلاثة امور :

١ ـ ان الحركات الواردة في الطبيعة ليست حركات دائرية بل هي حركات تكاملية صاعدة.

٢ ـ ان التغيرات الفجائية الدفعية التي يسمونها بتغير الكمية الى الكيفية أصل عام ومطلق في الطبيعة.

__________________

(١) ضد دوهرنغ ص ٢١٤.

(٢) المادية الديالكتيكية ص ٣٣٦.

٥٥٩

٣ ـ ان هذا الأصل يعم المجتمع أيضاً ويجري في مجاله كما يجري في مجال الطبيعة.

وقبل أن نتحدث حول هذه النتائج ونناقشها لابد أن نشير الى أمر مهم في المقام وهو :

ان التعبير المنقول عن الفيلسوف الألماني «هيجل» في هذا المقام هو : الانتقال من التبدلات الكمية الى كيفية وقد مثل لذلك بالماء المتبدل الی بخار أثر ارتفاع درجة الحرارة.

فنقول : إن التبدلات الواردة على الماء عند تصاعد السخونة انما هو من قبيل التبدلات الكيفية لا الكمية ، لان التبدلات الكمية الحاصلة في الماء عبارة عن : تزايد الماء وتناقصه ، وأما تصاعد السخونة فليس من تزايد الماء وتناقصه في شيء ، ولهذا لا يكون من قبيل التبدلات الكمية بل هو من التبدلات الكيفية فكيف سمي «هيجل» تصاعد السخونة بالتبدلات الكمية.

ثم ان تبدل الماء الحار الى بخار ليس تبدلا كيفياً حاصلا في الماء ، بل البخار نوع جديد يناير الماء بدلیل تغایر آثارهما ، فالأولى أن يعبر «هيجل» عن مقصوده بأن التغيرات الكيفية التدريجية ربما تبلغ درجة تنقلب فيها الطبيعة إلى نوع آخر ، فينبغي أن يقال في مثال الماء : أن التبدلات الكيفية التدريجية في الماء تتحول إلى التبدلات النوعية (١).

ولهذا السبب نجد بعض المؤلفين الديالكتيكيين مع انهم عبروا عن هذا

__________________

(١) ان الكيف من المقولات المرضية كالكم ، والنوع أحد أقام الجوهر ، وهذا واضح لمن له المام بالفلسفة الاسلامية وقد خلط الماركسيون بين الكيف والنوع وهو بدوره خلط بين العرض والجوهر.

٥٦٠