الله خالق الكون

الشيخ جعفر الهادي

الله خالق الكون

المؤلف:

الشيخ جعفر الهادي


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: منشورات مؤسسة سيّد الشهداء العلميّة
المطبعة: مطبعة سيد الشهداء عليه السلام
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٤٠

فبريئون من هذا المساك ولأجل ذلك ترفض دعواتهم في ذلك الحزب.

هذا مضافاً إلى أن أكثر المنتهين مجبورون على التظاهر بالالحاد أي انهم يتظاهرون بالالحاد تزلفاً إلى الرثاء والقادة ، أو توصلا إلى كسب المناصب والمكاسب.

ولا نقلّ الصين الشيوعية من الاتحاد السوفيتي في ذلك.

وصفوة الأول : أن ما يدل على أن جماهير الشعب فيما يسمى الان بالمعسكر الشرقي على غير منهج الحكام والاحزاب الحاكمة المسيطرة عليهم من الالحاد ورفض ما وراء المادة هو أن الناس في تلك البلاد كلما وجدوا متنفساً واتيحت لهم بعض الحرية كشفوا عن معتقداتهم الدينية ـ على اختلاف اشكالها ـ واقبلوا يتهافتون على مراكز العبادة ، وشيّدوا المؤسسات الدينية كالمساجد والمعابد والكنائس وهو أمر يثبت أن فطرتهم متى وجدت فرصة سانحة برزت الى السطح مرة أخرى ، بعد سنوات الكبت والخنق ، لتقودهم الى الدين ، والتوجه الى الله تعالی.

الماركسيون وتقديسهم للمبادئ الماركسية :

أضف الى ذلك أن الماركسيين أنفسهم لم يستطيعوا أن يتخلصوا من الاعتقاد ، ويتحرروا من ظاهرة المقيدة ، فهم وان خلعوا ربقة الدين عن أعناقهم الا انهم خضعوا لربقة اخرى عندما دانوا بالماركسية ، واعتنقوا مبادءها ، واعتقدوا بفلسفتها في الكون والحياة والتاريخ.

بل انهم التزموا بهذه المبادئ التزاماً لا يقل ـ في القوة والصرامة ـ عن التزام المتدينين معتقداتهم عندما وصفوا كل من يشك أو يشكك في المبادئ الماركسية أو ينقدها ، بالارتداد ، وهذا يعني أنهم قدّسوا هذه المبادئ كتقدیس

٢١

المتدينين لمعتقداتهم ، وانهم نزّلوا مفكريهم ومنظّريهم منزلة الالهة التي تتمتع بكل حصانة وقداسة وجلال وعصمة ، الأمر الذي لا يجوز معه نقد آرائهم واعادة النظر في افكارهم ، بل لابد من الخضوع لهم خضوعاً مطلقاً ، وطاعتهم فيما قالوا ـ حتى لو ثبت بطلانه ـ طاعة عمياء لا مجال للجدال والنقاش فيها ابداً (١).

ان هذا التعامل التي يعامل بها الشيوعيون والماركسیون الملحدون معتقداتهم ، والتي تشبه تعامل المتدينين مع عقائدهم تكشف ـ في الحقيقة ـ عن ميل الانسان الفطري نحو الاعتقاد ورغبته الباطنية في تقديس شيء ، والخضوع له فان وجد حقاً والّا نحت من لدن نفسه أموراً يتعامل معها تعاملا دينياً.

ضابطة في تفسير الظواهر الاجتماعية

لقد تصور الماديون لنشأة العقيدة والتدين في الحياة البشرية عللا ودوافع لا تخرج عن اطار العوامل النفسية والاجتماعية والاقتصادية.

وقبل ان تعرض لهذه الفرضيات ، ونتصدى لشرحها وتقييمها ونقدها نذكّر القارئ بنقطة هامة وهي أنه لابد من وجود ضابطة نعرف بها أي مورد يصح الباحث الاجتماعي ان يعلّله باحدى العوامل المذكورة وأي مورد لا يصح تعليله بتلك العوامل وأي مورد يسمح له بأعمال الخيال فيه واطلاق العنان له لابداء الفرضيات التي تعلل بها الظاهرة المعينة وأي مورد لا يسمح له بذلك أبداً.

فنقول :

__________________

(١) لاحظ مجرة الأفكار ترجمة شقيق اسعد ص ٣٩.

٢٢

إنّ العادات والتقاليد والأمور السائدة في المجتمعات البشرية على نوعین :

١ ـ ما يكون لها جذور في أعماق الفطرة ويكون التعامل معها من باب الاستجابة لنداء طبيعي والتلبية الحاجة طبيعية واقعية ، ومن هذا القبيل : الزواج والسعي الى تحصيل المال والجاه والشهرة ، وعناية الأمهات بأولادهن وما شاكل ذلك.

فان لجميع هذه الامور جذوراً عميقة في الروح والنفس الانسانية ولهذا يكون الأخذ بها والانسياق وراءها عملا طبيعياً.

فالزواج تلبية لميل فطري وغريزي لدى الجنسين ، والسعي لتحصيل المال والثروة انجذاب فطري ينبع من حرص الانسان على حياته ، وحبه لبقائها.

وكذلك سعي الانسان الى الجاه ، وحنو الامهات وعنايتهن بأولادهن ، كل ذلك أمور فطرية طبيعية في ذات الانسان ولهذا لا يصح السؤال عن علتها ونحت اسباب لها غير العامل الفطري الروحي.

فلا مجال هنا لان نسأل مثلا : منذ متى ظهرت عادة الزواج ، وماهي أسباب ظهورها اجتماعياً أو اقتصادياً ، لان الميل إلى الزواج ميل فطري يولد مع الانسان وليس لهذه الظاهرة أي علة أو عامل سوی غریزة الانسان ومیله الذاتي.

٢ ـ ما ليس له جذور في فطرة الانسان وعمقه الروحي ، بل هو أمر عارض على حياته لاسباب طارئة ، وذلك مثل الاعتقاد بنحوسة الرقم ١٣ ، والتشاؤم عند رؤية الغراب أو سماع نعيبه وما شاكل ذلك. فانها لا ترجع الى «الفطرة» لوجودها في بعض الأقوام دون بعض ، وفي بعض الأدوار دون بعض ، كما هي لا ترجع الى العقل والمنطق السليم أيضاً.

وحيث انها لا توافق العقل ، ولا ترتبط بالفطرة صح للباحث الاجتماعي

٢٣

أن ينحت لنشوئها في حياة الناس عللا نفسية أو اجتماعية أو اقتصادية لكونها ظواهر غير طبيعية ولا واقعية ، ولكونها طارئة على حياة البشر.

فللباحث النفسي أو الاجتماعي أن يتساءل : لاي سبب ظهر الاعتقاد بنحوسة الرقم ١٣ ، وما هي العوامل النفسية أو الاجتماعية الاقتصادية وراء نشأة هذه العقيدة غير الطبيعية.

كما أن للمرء أن يتساءل : منذ متى ولاي سبب صارت رؤية الغراب أو سماع نعیبه سبباً للتشاؤم والحال أنه ليست هناك اية رابطة طبيعية أو عقلية بين الغراب وصوته ، وبين التشاؤم.

اذا تبين هذا فلندرس معاً ظاهرة الاعتقاد بالله في حياة البشر طيلة القرون المتمادية. فنقول : إن الاعتقاد بالله واسناد الكون الى «قوة عليا» قامت بخلقه واسباغ النظام عليه ، لو كان من قبيل الأمر الثاني لصح للعالم الاجتماعي أو المحلل التنفسي اطلاق عنان الخيال لفكره ليبدي الفروض ويطرح المحتملات حتی يقنع نفسه بهذه الفروض ويثبت سبباً أو مبدءاً لنشأة هذه الظاهرة في المجتمع البشري.

واما اذا لم يكن كذلك ، بأن كان الظهور هذه العقيدة علة منطقية ، أو علة روحية فطرية ، فلا يصح هنا اطلاق عنان الخيال ، والذهاب الى التفسيرات الخيالية التي لا يدعمها أي دليل عقلي أو نقلي ، فالخلط بين الأمرين وعدم التعرف على الخطوط التي يجب أن يمشي عليها الباحث الاجتماعي أوجد هذا التخبط.

يبقى أن نعرف أن الاعتقاد بالله ووجود ظاهرة التدين في الحياة البشرية هو من النوع الأول فان هناك بين الانسان وبين الاعتقاد رابطتين احداهما : طبيعية ، والأخرى عقلية وها نحن نتناول كلا الرابطتين بالبحث والشرح :

٢٤

أ ـ الرابطة الطبيعية بين الانسان والعقيدة

أن التدين ، والاعتقاد بقول عليا وراء العالم المادي قضية فطرية ، تنبع من عمق الفطرة الانسانية كما تعرف ذلك في بحث دلالة الفطرة على وجود الله ، في فصل «الأدلة على وجود الخالق».

فستعرف هناك أن الأدلة القديمة والحديثة تؤكد ان التدين والانجذاب نحو قوة عليا والخضوع لها هو أحد الأبعاد الأربعة في النفس البشرية والتي هي عبارة عن «غريزة حب الجمال ، وحب الخير ، وحب الصدق ، وغريزة التدين» ، وان هذه امور متأصلة في الطبيعة الإنسانية ، كالميل إلى الزواج والمال والجاه ، بمعنى انها تولد معه ولا تنشأ بتأثير عامل خارجي طارئ ، وتنمو شيئاً فشيئاً ، ولا تنعدم بفعل العوامل المضادة ، وان تنوعت مظاهرها وتجلياتها.

فكما لا يصح السؤال عن علة وجود ظاهرة الزواج ، أو سعي الناس الى تحصيل المناصب ، والثروات وما شاكل ذلك لكونها جميعاً اموراً طبيعية واقعية لا طارئة غير حقيقية ، كذلك لا يصح السؤال عن مبدأ نشوء التدين وظهور العقيدة في الحياة البشرية وعلة ذلك وغايته ، وأهدافه لان للمقيدة جذوراً فطرية في أعماق الانسان ، والانسياق وراء الدين تلبية طبيعية لنداء باطني نابع من أعماق الوجود البشري. وستقف على اثبات هذه الرابطة الطبيعية بين الانسان والاعتقاد بالقوة العليا في الفصول القادمة.

فلا يصح للباحث الاجتماعي أن ينحت لهذه الظاهرة عللا من لدن نفسه ، ويبحث عن عواملها في الاقتصاد وم شابه ذلك. لكون «التدين والاعتقاد بالله» أمراً واقعياً لا يقبل تفسيراً ولا تعليلاً ، بخلاف التشاؤم لرؤية الغراب أو نعيبه أو

٢٥

الرقم ١٣ فانه ليس هناك أية رابطة طبيعية بين التشاؤم ورؤية الغراب وأمثالها.

* * *

ب ـ الرابطة العقلية بين النظام الكوني والاعتقاد بالخالق

ان الانسان مهما كان بدائياً بسيط التفكير فانه يدرك النظام الهائل كما يدركه الانسان المعاصر المتقدم سواء بسواء.

فهو يدرك ما يسود في جسمه ، وفي ما حوله من أشياء الكون ، من أنظمة عجيبة وتنسيق رائع. كما يدرك الانسان المتقدم علمياً ذلك ، وان كان ادراك الأول لهذه المسألة ادراكاً سطحياً ، وادراك الثاني عميقاً.

وملاحظة هذا القدر من النظام هي التي تقوده إلى الاعتقاد بأن هناك عقلا كبيراً وجبارة وراء هذا النظام.

ان الانسان البدائي ـ كغيره ـ لا يسعه وهو يرى نظام الشروق والغروب والطلوع والافول الحاكم على الشمس والقمر والنجوم ، ويرى الفصول الأربعة وآثارها الكبرى في عالم الطبيعة وما ينشأ على أثرها من تحولات عظيمة ، وتطورات هائلة بل وما يسود في جسمه من أنظمة وقوانين ، إلا أن يعتقد بوجود خالق ومدبر وراء ذلك كله بعد أن يدفعه دافع الاعتقاد الطبيعي بالعلية إلى البحث والتفتيش عنه.

اذن فهناك رابطة عقلية بين النظام الكوني والاعتقاد بالله ، تدفع الانسان الی الايمان به في جميع أدوار التاريخ ، ومع وجود هذه الرابطة المنطقية والعقلية كيف يصح لباحث منصف أن يعدل عن اعتبارها إلى غيرها من العلل المنحوتة وافتراض الفرضيات الموهومة لتعليل نشأة العقيدة في حياة الأمم والشعوب على الاطلاق.

٢٦

ان تجاهل هاتين الرابطتين (الفطرية والعقلية) بين الانسان والاعتقاد بالله تجاف عن الحقيقة وخروج عن المنطق السليم ، وهو الذي دفع بالمحلل الاجتماعي إلى أن يلجأ إلى هذه الفرضيات الموهومة التي لا دليل على صحتها أبداً.

اذا وقفت على ذلك فهلم معي ندرس تلك الفرضيات واحدة واحدة ونعرضها على محك الواقع والبحث.

ولقد سبق أن ذكرنا أن هذه الفرضيات التي تعلل نشأة العقيدة بعضها نفسية وبعضها الآخر اجتماعية وبعضها الثالث اقتصادية ، وها نحن نقدم الأبرز منها ثم الأبرز تباعاً.

٢٧

أبرز النظريات حول نشأة التدين

١ ـ الخوف من الحوادث الطبيعية المرعبة

لقد حاول بعض الماديين ـ تبعاً لطائفة من علماء الاجتماع ـ تفسير نشأة التدين وتعلیل ظهور الاعتقاد بوجود الله بين البشر بعامل نفسي ، وكانت لهم في هذا المجال تصريحات مختلفة نقتطف منها ما يلي :

قال ویل دیورانت : «الخوف ـ كما قال لو كریشس ـ أول امهات الالهة وخصوصاً الخوف من الموت ، فقد كانت الحياة البدائية محاطة بمئات الاخطار وقلما جاءتها المنية عن طريق الشيخوخة الطبيعية ، فقبل أن تدب الشيخوخة في الاجسام بزمن طويل كانت كثرة الناس تقضي بعامل من عوامل الاعتداء العنيف أو بمرض غريب يفتك بها فتكاً ، ومن هنا لم يصدق الانسان البدائي ان الموت ظاهرة طبيعية وعزاه الى فعل الكائنات الخارقة للطبيعة.

وتعاونت عدة عوامل على خلق العقيدة الدينية فمنها الخوف من الموت ومنها كذلك الدهشة لما يسبب الحوادث التي تأتي مصادفة أو الأحداث التي ليس في مقدور الانسان فهمها ، ومنها الامل في معونة الالية والشكر على ما

٢٨

يصيب الانسان من حظ سعيد (١)».

ثم جاء راسل ـ وهو فيلسوف انجليزي ـ وتوسع في هذه النظرية ورد نشوء العقيدة الى ثلاثة أسباب هي :

أ ـ الخوف من القوى الطبيعية القاهرة ، الرعد والبرق والزلازل والسيول التي تهدد حياة الانسان بل وتقضي عليها أحياناً.

ب ـ الاضرار التي تلحق به من أبناء جنسه في ميادين القتال ، أو حالات الهجوم والغزو.

ج ـ الخوف الحاصل له بعد الإقدام على بعض الاعمال الجنسية عند فورة الشهوة وهيجان الغريزة الجنسية وما يتبع ذلك من الاستيحاش مما فعل والندم مما ارتكب.

فان هذه الامور ـ في نظر راسل ـ هي التي جعلته يلوذ الى «قوة عليا» اخترعها ليسكن الى حمايتها ، ويرتاح في كنفها.

إلى غير ذلك من الكلمات التي صرح بها أصحاب هذه النظرية مما تجدها في بعض كتب التاريخ ، وعلم الاجتماع والتنفس ، والفلسفة المادية.

وها نحن نبحث في هذه النظرية لنرى مدى صحتها من وجهة نظر العلم والواقع.

ان النظر الفاحص الى ما قيل في هذه النظرية حول منشأ الاعتقاد بالله ، وارجاع هذه الظاهرة الى عامل الخوف والرهبة من الحوادث الطبيعية المرعبة يوقفنا على ثلاثة اشكالات أساسية في هذه النظرية وما قيل في تقريرها وتبريرها :

__________________

(١) قصة الحضارة ج ١ ص ـ ١ ولا يخفى أن القائل أشار في كلامه هذا الي عاملين لنشوء الاعتقاد ، أحدهما : الخوف من الحوادث المرعبة ، والآخر : الجهل بعلتها والبحث هنا انما هو عن الاول.

٢٩

الاشكال الأول :

إن أول ما یؤخذ على أصحاب هذه النظرية هو انه يبدو وكأنهم قد اتفقوا على تغافل أن هناك لنشوء الاعتقاد بالله في حياة الانسان عللا «طبيعية روحية» كالفطرة أو «منطقية وعقلية» كدلالة العقل الانساني على وجود قوة عليا عندما يواجه هذا النظام البديع ، هذه العلل التي تكشف عن أن للاعتقاد جذوراً واقعية في النفس والعقل الانسانيين غير عامل الخوف من الحوادث الطبيعية المرعبة.

وقد مر ـ في ما سبق ـ ان مجال نحت الفرضيات والتحليلات الفرضية يختص بالعادات والحالات التي لا يوجد لها جذور واقعية في النفس أو العقل الانسانيين ، كالتشاؤم لرؤية الغراب أو سماع نعيبه ، أو الاعتقاد بنحوسة الرقم ١٣ ، وغير ذلك من التقاليد والعادات الخرافية السائدة في بعض الأمم والشعوب على اختلاف مسالكها وعقائدها.

وأما ما كان له جذور واقعية في النفس الإنسانية ، بأن كان له علة طبيعية ، أو سبب منطقي في فطرة الإنسان وعقله فلا يكون موضعاً للفرضيات المنحوتة والتعليلات الاحتمالية ، بل ويكون تجاهل تلك العلة الواقعية الطبيعية والسبب المنطقي ظلماً فضيعاً بحق العلم والفلسفة ، وهو ما ارتكبه أصحاب هذه النظرية ومؤيدوها وذلك عندما رفضوا أو تجاهلوا «فطرية التدين» أو «الرابطة العقلية بين مشاهدة النظام والاعتقاد بوجود منظم للكون» ، وعمدوا إلى اختراع هذه النظرية وتفسير نشوء العقيدة بها.

الاشكال الثاني :

ان هذه التعليلات فرضیات ذهنية لا يدعمها أي دليل يفيد يقيناً ، ويوجب

٣٠

اطمئناناً ، وهي تبقى كذلك فرضيات ليس لها أية قيمة علمية مهما ألبسوا عليها من حلل الالفاظ ، وأفاضوا عليها من الأصباغ والألوان الزاهية.

فهل يمكن للعقل أن يقتنع بشيء لا يدعمه دليل ، ولا يؤيده برهان كهذه النظرية التي ليست الا ضرباً من الخيال؟ وليست سوى مزاعم جوفاء ، وفرضیات مبنية على التخمین.

ولأجل ذلك لا يتفق أمثال هؤلاء المحللين في تحليلهم على أساس واحد ، ولا ينطلقون من منطلق واحد بل يحلل كل واحد منهم هذه الظاهرة حسب مزاجه ومتأثراً بما يتعاطاه من العلوم ويتبناه من أفكار ، فالعالم النفسي يسنده الى عامل نفسي ، والعالم الاجتماعي بسنده إلى عوامل اجتماعية ، وثالث يسنده الى أسباب اقتصادية ، ورابع ينحت له فروضاً جنسية تشمئز منها الطباع السليمة إلى غير ذلك.

الاشكال الثالث :

ان من الظلم الفاحش أن ينسب اعتقاد الشخصيات العظيمة من كبار العباقرة وأساطين العلم والفكر الذين برعوا في الجام الطبيعة ، وتسخير بعض قواها ، وكبح جماحها ودرء أخطارها عن البشر ، الى عامل الخوف من الحوادث الطبيعية المرعبة.

أفيصح أن ننسب اعتقاد سقراط وافلاطون وارسطو ، وغيرهم من كبار الفلاسفة الاغريق والفارابي وابن سينا والرازي وابن الهيثم ونصیر الدین الطوسي وجابر بن حبان وغيرهم من عمالقة الشرق ، وغاليلو ودكارت ونیوتن وباستور وغيرهم من رجالات الغرب ، إلى عامل الخوف من الحوادث الطبيعية ، وهم أهل عقل وفهم ، ورجال علم واستدلال؟.

٣١

فلم لا يكون اعتقاد الانسان البدائي ـ على غرار اعتقاد هؤلاء العلماء ـ مبنياً على الاستدلال العقلي المتناسب مع مداركه ، وناشئاً من فطرته النقية.

ثم ان الماديين يتذرعون ـ أحياناً ـ لتبرير هذه النظرية بما تبعثه العقائد الدينية في النفس من السكون والطمأنينة ، وبما يكون لها من أثر في طرد الوحشة والقلق والاضطراب عن الانسان.

والجواب هو :

أن العقائد الدينية والايمان بالله القادر الحكيم العادل الرحیم ، تخفف ـ ولاريب ـ من القلق ، وتبعث على الطمأنينة والسكون وهو أمر يصرح به الكتاب العزيز اذ يقول : (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُولَـٰئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ) (الانعام ـ ٨٣)

ويقول :

(أَلَا بِذِكْرِ اللَّـهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) (الرعد ـ ٢٨)

كما لا شك أن الذين يتزودون بسلاح الايمان من المقاتلين في جبهات القتال هم أقوى عزيمة ، وأكثر ثباتاً وأشد طمأنينة وهم يعتبرون الشهادة في سبيل الله اختصاراً للطريق الى السعادة ، ولهذا لا يهابون الاعداء ولا يخشون أحداً الا الله ، فيقاتلون ببسالة ، ويضربون أروع الأمثلة في الثبات والصمود ويسطرون أعظم الصفحات في البطولة والاقدام.

الا أن هذا لا يعني انهم اخترعوا فكرة وجود الله لتحقق لهم مثل هذه الحالة ، فهناك فرق بين «دوافع» نشأة العقيدة وبين «آثارها» الطبيعية وقد خلط أصحاب هذه النظرية بين الدوافع والاثار حيث تصوروا أن طلب

٣٢

الطمأنينة والأمن هو الذي دفع بالبشر الى اختراع وافتعال فكرة «القوة العليا» ليكتسبوا في ظلها هذه الحالة في حين أن حصول الطمأنينة وما شاكلها انما هو من الاثار المترتبة على العقيدة لا من دوافع ايجادها ، فمن آمن بالله قویت عزيمته وسكنت نفسه لانه ربطها بقدرته المطلقة. وحصول هذه الامور انما يكون بعد الاعتقاد بوجود ذلك الفاعل القادر لا باعثاً على تصوره واختراعه.

القرآن ونظرية الخوف

آن ادعاء الماديين بأن الاعتقاد بالله وعبادته والخضوع له جاء نتيجة خوف الانسان من الحوادث الطبيعية الرهيبة ـ حسبما جاء في نظرية الخوف ـ ليس مبنياً على أي أساس صحيح كما عرفت ، اذ أية ملازمة عقلية أو عادية بين «الخوف» «واختراع فكرة الاله» في الذهن ، فانه لابد من وجود ملازمة عقلية أو عرفية بين «المقدمة» و «النتيجة» حتى يكون تصور المقدمة موجباً للانتقال إلى النتيجة وليس هاهنا أية ملازمة من هذا النمط بين الخوف من الحوادث الطبيعية المرعبة ، وبين تصور خالق للكون قادر على دفع البلایا.

فان فكرة «الخالق الاله» ليست هي نفس الخوف من الحوادث المرعبة ولا تلازم بين وجود الخوف في الذهن الإنساني من تلك الحوادث وهذه الفكرة ، فكيف ـ والحال هذه ـ يمكن أن تستنتج فكرة الاله الخالق من حالة الخوف.

والحاصل أن التداعي بين الأمرين النفسيين لا يتحقق الا أن يكون بينهما نوع ملازمة عقلية أو عرفية والحال أنه لا وجود لمثل هذه الملازمة لدى الانسان العائش في العصور الأولى ، الذي يسند الماديون اعتقاده بالاله الخالق الى خوفه من الحوادث الطبيعية الرهيبة.

٣٣

فلو لم تكن فكرة الخالق الاله أمراً قد فطر عليه الانسان وحقيقة يميل اليها في أعماق قلبه وضميره ، أو لم يكن برهان وجوده مركوزاً في عقله وادراكه لاستحال أن ينتقل في «حالة الخوف من الحوادث الطبيعية المخيفة» إلى فكرة الخالق الاله ، وهذا بخلاف ما اذا كانت فكرة الخالق الاله أمراً ارتكازياً للانسان أو ثابتاً بالبرهان في ذهنه ، فإن هذا يكون وسيلة للانتقال ـ عند مواجهة الحوادث المخيفة ـ الى وجود الخالق الاله القادر على دفع الشر عنه.

وأما القرآن الكريم فانه يرى أن الاعتقاد بوجود الخالق الاله سبحانه أمر قد جبل عليه الانسان ، وان برهان وجوده موجود في عقله ، ولذلك يجعل تصور الخوف سبباً للانتباه الى وجود الاله الخالق عبر ذلك الإذعان الفطري وذلك البرهان العقلي لا سبباً موجداً له في الذهن.

وكم فرق بين كون الشيء (داعياً) إلى أمر لاجل ملازمة عقلية أو عرفية بينهما ، وبين كون شيء موجداً لذلك الأمر في رحاب الذهن ، ومبدعاً له والصحيح في المقام هو الأول دون الثاني.

فبما ان الانسان مجبول على فكرة الخالق كمجبوليته على سائر الأمور الفطرية الأخرى وكان برهان وجود الخالق موجوداً بشكله البسيط في ذهنه صار ذانك الامران وسيلة ـ عند مواجهة المصائب والنوازل ـ للانتقال والانتباه الى الخالق القادر على دفع الشر والبلية عنه ، وهذا يعني انه بفضل تلك الفطرة وذلك البرهان وقف على أن للعالم ـ والانسان بالاخص ـ خالقاً قادراً على دفع النوازل والبلايا عنه.

ولذلك يقول سبحانه ـ كما في غير آية من آيات الكتاب العزيز.

(فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّـهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ) (العنكبوت ـ ٦٥)

٣٤

وقال :

(وَإِذَا غَشِيَهُم مَّوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّـهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ ۚ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ) (لقمان ـ ٣٢)

فالمتحصل من هذه الايات أمران :

الأول : أن الأمواج الهائلة ، وما تثيره من المخاوف والاخطار ليست سبباً لخلق وایجاد فكرة الاله الخالق في النفوس والاذهان بل هي سبب للانتباه الی أمر موجود في ضميره اما من ناحية الفطرة أو من جانب العقل وهو الله القادر والالتجاء الى حمايته ، والاحتماء بقدرته.

فلو لم تكن هذه الواسطة (أي كون الاعتقاد بوجود الله أمراً فطرياً أو كون برهانه امراً موجوداً في العقل) لما كان هذا الانتقال إلى الله عند مواجهة المخاوف ممكناً وحاصلا.

الثاني : انه سبحانه يندد بالبشرية على توجههم اليه وتذكرهم اياه في ظرف دون ظرف ، وحال دون حال مع انه كان يجب عليهم أن يتوجهوا اليه سبحانه بحكم فطرتهم ، وقضاء عقولهم في كل الاحايين ، وفي جميع الحالات لا في بعضها.

فان التوجه في حال العسر والشدة اليه سبحانه وان كان دليلا على كون الاعتقاد به أمراً فطرياً لكنه دلیل بارز على كفران الانسان له وغفلته عنه سبحانه في بعض الحالات والاحايين.

* * *

٣٥

٢ ـ «نظرية الجهل بالعمل الطبيعية»

لقد عمد بعض الماديين في تعليل نشوء الاعتقاد بوجود الله الى فرضية اخرى وهي : ان الانسان البدائي عندما واجه الحوادث الطبيعية كالزلازل والسيول والكسوف والخسوف ، التي تحيط به ولم يعرف عللها الطبيعية الواقعية لجأ لجهله الى اختراع فاعل لها واعتبره العلة الوحيدة لكل شيء مباشرة ، وكلما تكامل فكرياً ، واستطاع من خلال اكتشافاته وتحليلاته ان يقف على السبب الطبيعي المادي لكل حادثة ، اسند كل ظاهرة الى عاملها الطبيعي الحقيقي وتخلى عن اسنادها الى تلك «القوة الوحيدة» وهكذا كان الاعتقاد بوجود الله وليد الجهل باسباب الحوادث الكونية الطبيعية.

وفي هذا قال ويل ديورانت : «تعاونت عدة عوامل على خلق العقيدة الدينية منها الدهشة لما يسبب الحوادث التي تأتي مصادفة أو الأحداث التي ليس في مقدور الانسان فهمها» (١).

وقال بعض علماء الاجتماع : أن العلم وان وقف على جملة من علل الحوادث الا انه لازالت هناك حوادث لم تقع في اطار هذا العلم ، ولازالت تعاني من الابهام والغموض وهذا هو الذي سبب نشوء العقيدة الدينية.

ولو أردنا أن نشرح هذه الفرضية ـ كما شرحها بعض الماركسيين ـ لقلنا بأن الانسان المادي عندما كان يرى نزول المطر ، وقطع الثلج بأشكالها الهندسية المسدسة ، وكان يسمع الرعد ويرى البرق ويتعرض للملاريا التي كانت تهاجمه بين الفينة والأخرى ، ولم يعرف أسبابها الطبيعية ـ التي كشف عنها العلم فيما بعد ـ عمد الى افتعال علة لها من لدن نفسه ، وأسند اليها جميع تلك الطوارىء

__________________

(١) قصة الحضارة لویل دورانت ج ١ ص ١.

٣٦

المجهولة العلل.

ومن هنا نجد بعض الماديين ينادي بتنافي العلم والدين بعد أن ذهبوا الی التحليل المذكور لان «العلم» عندهم يسند الأمور الى عللها الطبيعية ، ويكشف عن العلاقات المادية بين الظواهر الطبيعية ومناشئها ، بينما يسند «الدین» كل تلك الظواهر والحوادث الى علة واحدة يقيمها مكان جميع العلل الواقعية.

ولهذا أيضاً ذهبوا الى أن تقدم العلوم ونجاحها في كشف الموضوعات الطبيعية ، والسن المحاكمة في الكون يزعزع مكانة الدين ، ويوجب انحسار الاعتقاد بالخالق ، وتراجعه الى زاوية النسيان.

قيمة هذا التحليل

ان هذا التحليل يواجه ثلاثة مؤاخذات هي :

اولا) : أن ما یؤخذ على هذه الفرضية هو عين ما أخذ على سابقتها وهو ان افتعال مثل هذه الفروض والاحتمالات وارتكاب مثل هذه التعليلات والتفسيرات انما يصح في الأمور والعادات التي لم يكن لها علة واقعية ـ روحية او منطقية ـ عند ابناء البشر.

واما عندما يكون للعادة أو الحالة سبب واضح ـ كما هو الحال في مسألة الاعتقاد بالله ـ فلا مجال لمثل هذه التعليلات ، بل هي حينئذ تكون ضرباً من الخيال الذي تأباه العقول السليمة ، ويرفضه المنطق السوي.

* * *

ثانياً) : ان هذا التحليل ينم عن جهل صاحبه باعتقاد الالهيین ومنطقهم على اختلاف مسالكهم ومشاربهم.

فان الاعتقاد بخالق للكون باعتباره العلّة العليا ـ عند الالهيين ـ لا يعني

٣٧

تجاهل العلل الطبيعية ، وانكار الروابط المادية بينها وبين معالیلها ليكون انكشاف العلل والروابط في ضوء العلم سبباً لتزعزع الاعتقاد بوجود الله وانحساره.

ونسبة هذا الامر الى الالهيين محض كذب وافتراء ، وعين الظلم والجفاء ، وأي اظلم اشد من أن ننسب الى طائفة كبرى من البشر ما لا يقولون به ، بل وما هم بريئون منه ، فان الاعتقاد بالله ليس ـ عندهم ـ بمعنى انكار العلل ، بل هو بمعنی انهم يعتقدون بأن النظام العلّي السببي السائد في الكون ، يرجع في مآله الی قوة عليا ، وينتهي الى مبدأ اعلى هو علة العلل ، وهو مسبب الاسباب وهو موجد ذلك النظام العلّي ، فالانسان اذا أطل على هذا الكون ، وشاهد ما فيه من انظمة بسيطة وأخرى معقدة تنتظم ظواهر الطبيعة ، وتسير على وفقها جميع الحوادث بانتظام ، ودون فوضى أو عبثية جرته هذا النظرة الفاحصة ، الى الاعتقاد بقوة مدبرة منظمة خالقة وراء هذا الكون العظيم ، ونظامه البديع ، هو الذي أوجد الكون ، وأرسى فیه السنن.

الاعتقاد بذلك الخالق القادر المدبر وليد الاعتقاد بالنظام السببي العلّي ، والايمان بالعلل الطبيعية لا انكارها وتجاهلها كما زعم أو توهم اصحاب هذه الفرضية من الماديين ، واتهموا به الالهيين.

وبعبارة أخرى ان الالهي لا يثبت وجود الله عند عدم العلم بعلل الحوادث وعند المبهمات والغوامض بل يعتقد به عندما يقف على النظم الكونية السائدة ، والامور الواضحة السياق ، البينة النظام ، فطريقه الى الاذعان والايمان بوجوده هو ما يشاهده من التنسيق والانسجام ، والترابط والنظام ، لا ما قد يصادفه من الفوضى والشوائية.

نعم أن المشتغل بدراسة الطبيعة المهتم بعالم الأحياء كلما ازداد علماً بأسرار الكون ، ووعياً وادراكاً لقوانينه ازداد ایماناً ویقیناً بوجود الخالق ، الموجد لتلك

٣٨

القوانين ، الخالق لتلك السنن ، فتقدم العلم والادراك والاكتشاف يخدم هذا الاعتقاد لا انه يهدده أو يزعزعه لانه كان ولا يزال الطريق المنطقى الى هذا الايمان.

ولهذا فليس الالهي هو من يبحث عن وجود الاله في ما يجهل علله وأسبابه ، وهو الذي لم يزل ـ منذ اول الهي والى الان ـ يستدل على وجود الخالق المدبر بالانظمة السائدة في الكون من دقيقها الى جليلها ، فكيف يعزى اليه انه يثبت وجود الله ويعتقد به بما يجهل فيه الاسباب والعلل الطبيعية من الظواهر الكونية.

ويكفي لمعرفة هذه الحقيقة والتأكد منها الرجوع الى منطق الالهيين واستدلالهم منذ أقدم العصور الى الان فهذا سقراط يستدل في محاورته مع اريستودیم بالنظام على وجود الخالق :

سقراط : الا تری (یا اریستودیم) ان من دلائل التدبير والحكمة أن تمتّع العين ـ وهي ضعيفة ـ بجفون تنفتح وتنغلق عند الحاجة وتنطبق عند النّوم طول الليل ، وأن توهب تلك العين غربالا من اهداب لتقيها فعل الرياح الثائرة ، وأن تمنح لها تلك الحواجب كمیزاب يمنع عنها غوائل العرق المتساقط من الرأس ، وأن تصنع الاذن على صورة لا تكل عن سماع الأصوات ولا يعتاض الحس بها ، وان تعطى جميع الحيوانات اسناناً امامية لقطع الأغذية ، واضراساً جانبية لسحقها ، وأن يكون الفم الذي تدخل منه الحيوانات الأغذية الصالحة لها الى اجوافها موضوعاً قريباً من العينين والمناخير.

أترى نفسك بازاء كل هذه الاعمال التي تدل على تدبير وحكمة ، لا تزال متردداً بين عزوها إلى الصدفة والاتفاق ، وبين اسنادها للحكمة والعلم.؟

قال اريستودیم : لا والاله فان اقل نظر في الكائنات الحية يدلنا على ان هنالك ذات عالم رحیم خلقها وعدّ لها (١).

__________________

(١) الاسلام وعصر العلم الفريد وجدي ص ١٦٣ ـ ١٦٤.

٣٩

بل ونجد الكتاب العزيز يستدل على وجوده سبحانه بالنظم السائدة في شتى مجالات الطبيعة اذ يقول :

أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ ۚ بَل لَّا يُوقِنُونَ (الطور / ٣٥ ـ ٣٦)

ويقول :

وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنتُم بَشَرٌ تَنتَشِرُونَ

وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ

وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ

وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُم مِّن فَضْلِهِ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ

وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ

وَمِنْ آيَاتِهِ أَن تَقُومَ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ ۚ ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِّنَ الْأَرْضِ إِذَا أَنتُمْ تَخْرُجُونَ) (الروم ٢ ـ ٢٥)

وأنت ترى كيف أن هذه الايات جعلت النظام السائد في الكون ـ الذي يوقف الانسان على الانسجام والترابط والنظام ـ دليلا على وجود منظم لهذا الكون ، وليست «الاية» في هذه الايات الا بمعنى «العلامة» فهي علامات على دخالة الشعور والعقل في ابتداع هذا النظام.

ولو أنك لاحظت كل ما ألفه الالهيون منذ أقدم القرون ، ودبجته أقلامهم

٤٠