الله خالق الكون

الشيخ جعفر الهادي

الله خالق الكون

المؤلف:

الشيخ جعفر الهادي


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: منشورات مؤسسة سيّد الشهداء العلميّة
المطبعة: مطبعة سيد الشهداء عليه السلام
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٤٠

علة اخرى) فيجب وجود علة واجبة لذاتها هي طرف (أي طرف السلسلة) (١).

ثم ذكر وجوهاً اخر أيضاً لابطال التسلسل.

٢ ـ الفيلسوف الاسلامي والحكيم الالهي «صدر الدين الشيرازي» (المولود عام ٩٧٩ هـ والمتوفى عام ١٥ هـ) في الجزء الثاني من أسفاره ص ٤٤ فما بعد ، وقد ذكر عشرة براهين على بطلان التسلسل.

٣ ـ الفيلسوف والحكيم المحقق السبزواري (المولود عام ١٢١٤ هـ والمتوفی عام ١٢٨ هـ) في ص ١٣٣ من كتابه المنظومة.

* * *

لفتة الى أنواع العلل :

بقي أن نعرف أن الفلاسفة الالهيين من لدن «أرسطو» ذهبوا إلى أن العمل في الأجسام الطبيعية أربع ، وهي في مثل المنضدة الخشبية ـ مثلا ـ عبارة عن :

١ ـ العلة الفاعلية ، وهو النجار صانع المنضدة.

٢ ـ العلة الغائية ، وهي الغاية التي دفعت بالنجار الى صنع المنضدة ، وهي الكتابة أو الأكل عليها.

٣ ـ العلة المادية ، وهو الخشب الذي تصنع منه المنضدة ، والتي تعتري مادة الخشب ، وتصيرها منضدة (٢).

__________________

(١) تجرید الاعتقاد ص ١٥ ، وهذه العبارة اجمال لما فصلناه في وجه بطلان التسلسل.

(٢) قال الفيلسوف الاسلامي الكبير الخاجه نصیر الدين الطوسي في «تجرید الاعتقاد» :

٣٠١

وقد اعترف الماديون بالعلتين الأخيرتين فقط ، أي العلة المادية والصورية ونفوا العلة الفاعلية والغائية في الكون (أي نفوا وجود معطي الوجود للعالم وان تكون هناك غاية من ايجاده) وذلك لانهم اذا اعترفوا بالعلة الفاعلية لزم من ذلك وجوب اعترافهم بالخالق ، فبطلان مذهبهم.

كما أنهم لا يمكنهم الاعتراف بالعلة الغائية لان ذلك فرع وجود الخالق الحكيم الذي خلق الكون لغاية معينة ، في حين ينكر الماديون وجود هذا الخالق ، ويشبهون الكون بالكتاب المندرس البالي الذي فقدت أوراقه الاولى والاخيرة ، فلا يعرف لها أول ، ولا آخر ، ولا مؤلف ولا هدف.

* * *

«أزلية الخالق» لیست تخصيصاً للقاعدة العقلية

من خلال البحث السابق ، وما تقدم من أبحاث وبراهین عرفنا بأن وجود المادة ونظامها البديع بحاجة الى علة قادرة عالمة هي التي خلقت الكون ـ مادة وصورة ـ تبعاً لقانون العلية المسلم ، والمتفق عليه بين جميع العقلاء ، وعندئذ ينطرح هذا السؤال وهو :

اذا افترضنا أن لهذا الكون خالقاً بحكم «قانون العلية» لزم اجراء هذا القانون بلا استثناء لكون هذا القانون قاعدة عقلية والقاعدة العقلية لا تقبل التخصيص بل هي صادقة في جميع الامكنة والازمنة على الاطلاق.

قام الدليل القطعي على أن ٧×٧ = ٤٩ فان هذه المعادلة جارية في كل مكان وزمان ، ولا يمكن تخصيصها بزمان دون زمان ، وكذا لو قيل أن

__________________

«كل شيء يصدر عنه أمر أما بالاستقلال أو بالانضمام فانه علة لذلك الأمر ، والأمر مطول وهي : فاعلية ، ومادية ،. وصورية ، وغائية».

٣٠٢

المربع هو ما كان له أربعة أضلاع متساوية ، وأيده الدليل العقلي كان ذلك صادقاً وجارياً في كل زمان ومكان ، ولا يمكن تخصيصه بحال من الاحوال.

وعلى هذا الأساس لابد من القول بأن الخالق هذا الكون «خالقاً آخر» والا لزم التخصيص في القاعدة العقلية (أي قانون العملية العام).

وبعبارة أخرى : لو أن العقل أثبت بأن العالم ـ بمادته وصورته ـ يحتاج الى علة توجده ، فان هذا العقل نفسه يحكم بأن يكون لهذا الموجد موجداً والا لزم التخصيص في القاعدة العقلية فما هو الجواب؟

ان الجواب على هذا السؤال واضح جداً بعد ابطال التسلسل ، فان الالهي اختار «أزلية الخالق» وذهب الى العلة العليا معتقداً بأنه لا علة فوقه لاجل امتناع الشق الآخر وهو عدم تناهي العلل ، فانه لو لم يكن هناك ما نسميه بالعلة العليا الزم التسلسل الذي ابطلناه.

وبعبارة أخرى لو أننا طلبنا لموجد هذا الكون موجداً آخر ، فاما ان تقف «سلسلة العلل والمعالیل» عند نقطة معينة ، ونصل الى علة غنية بالذات فذلك هو ما يبتغيه الالهي وهو الموجد الحقيقي الأزلي ، وما توسط بينه وبين المعالیل علل واسباب خاضعة لارادته.

وأما أن تستمر وتمضي سلسلة العلل والمعاليل ولا تتوقف عند مثل هذه النقطة ، فهذا هو «التسلسل» الذي ابطلته الأدلة ، وفندته البراهين.

غير أننا نضيف الى هذا الجواب عدة نقاط اخرى من شأنها أن تلقي مزيداً من الضوء على هذا المطلب وهي :

١ ـ ان هذا السؤال ليس جديداً بل هو سؤال قدیم لا منشأ له سوی تفكر الانسان في نفسه ، وتحریه عمن أبدعها وأوجدها.

وقد أجاب عنه الفلاسفة الالهيون وعلماء الكلام باجابات عديدة أهمها

٣٠٣

هو ما ذكرناه.

٢ ـ أن هذا السؤال ليس موجهاً الى الالهيين خاصة بل هو متوجه الى الماديين أيضاً فهم مطالبون بالاجابة عليه ذلك لانهم مع اعترافهم بقانون العلية والسببية دونما تخصيص أو استثناء ، يقولون بازلية المادة الأولى ، فحينئذ ينطرح عليهم السؤال :

اذا كانت الظواهر المادية ناشئة بسبب عللها المادية فكيف وجدت المادة الاولى للكون وصارت مستعدة لقبول التنوعات المختلفة؟

فان قالوا بعدم حاجة «المادة الأولى» الى موجد وانها بقدمها ، وأزليتها مستغنية عن العلة ، اجابهم الالهيون القائلون بازلية الخالق سبحانه بمثل هذا الجواب.

والحاصل هو : أن الإلهي والمادي تجاه هذا السؤال سواء ، لأن كليهما يقولان بمبدأ ازلي مستغن عن العلة ، فالالهى يقول بأزلية الله سبحانه وقدمه وغناه ، والمادي أيضاً يقول بازلية المادة الأولى وقدمها ، فلماذا يوجه هذا السؤال الى الالهي دون المادي مع أن مبرر السؤال واحد في الجانبين ، والجواب واحد أيضاً.

غير أن جواب المادي في جانب المادة والقول بازلیتها غير صحيح لما مر في برهان حدوث المادة الأولى.

٣ ـ ان للفيلسوف الانجليزي «راسل» كلاماً ينم عن سذاجة كبيرة ، فهو يزعم في احدى كلماته بانه تحول إلى المادية والكفر بالله الخالق ـ بعد ان كان مؤمناً به في شبابه ـ لانه وجد أن الاعتقاد بالخالق الازلي يستلزم الاعتقاد بوجود «موجود بلا علة» وهو تخصيص في القاعدة العقلية (اي قاعدة العلية).

قد غاب عن «راسل» ان هذا الاشكال بعينه يتوجه الى الماديين الذين

٣٠٤

يقولون بازلية المادة الأولى أيضاً.

فان القول بازلية المادة هو عين القول بعدم احتياج المحلول الى علة ، فما يتوسل به هناك للتخلص من الاشكال ، يتوسل به هنا في مسألة ازلية الله سبحانه أيضاً.

٤ ـ ان هاهنا نقطة في غاية الخفاء بحيث لا يفطن لها الا الخبير الملم بالمعارف الالهية ، وهي أن القاعدة العقلية المتفق عليها في مجال العلمية ليس هو احتیاج «كل شيء» الى علة ليتوجه السؤال المذكور الى ازلية وجود الله ، بل هي احتياج «كل حادث» الى علة توجده بعد العدم.

فلو كان وجود «شيء» قديماً ازلياً غير مسبوق بالعدم لم تشمله هذه القاعدة فهو خارج عنها خروجاً موضوعياً وتخصصياً لا تخصيصياً ، فالقديم الأزلي غير المنفك عن الوجود لكونه قديماً أزلياً ، خارج عن موضوع القاعدة المذكورة (اي ارتباط كل حادث بعلة).

وقد نشأ هذا الخطأ (بل المغالطة) من عدم الوقوف على ضيق نطاق القاعدة العقلية المذكورة ، وموردها.

اذن فالقول بأزلية الخالق ليس تخصيصاً للقاعدة العقلية ، ولا ارتباط بین الامرین ، بل هو امر موافق لقاعدة عقلية أخرى هي «كل ما كان ذاتياً فلا يعلل» ولا معنى لاحتياجه الى علة.

ويمكن تقرير هذا المطلب بوجه آخر ربما يكون ملموساً لكل أحد وهو ان هناك قاعدة واضحة تقول : «آن كل ما بالعرض لابد أن ينتهي الى ما بالذات» وهذه هي قاعدة مسلمة يلمسه الحكيم وغير الحكيم ، وملموسة حتى في الحياة اليومية.

واليك أمثلة لهذه القاعدة البديهية من المجالات الاجتماعية والكونية :

٣٠٥

اولا : لا شك ان الحاكم في بلد ما يكتسب القدرة من حاكم فوقه في الرتبة وهكذا الى ان ينتهي الى حاكم أعلى وهو يكتسب قدرته من الشعب ولكن الشعب لم يكتسب تلك القدرة من غيره ، بل هي ذاتية له ، فتكون النتيجة ان قدرة الحاكم الأعلى ومن لحقه بالمرض ، وقدرة الشعب بالذات.

ثانياً : أن الشموع والمصابيح الكهربية المضيئة في بيوتنا تستمد الطاقة والضياء من الأجهزة المولدة للكهرباء المليئة بالمواد القادرة على ايجاد النور والطاقة الكهربية وهذه المواد تمتلك الطاقة بنفسها.

ثالثاً : الغرف مضاءة بالنور ، والنور مضيء بنفسه لان النور يعني الاضاءة وحلاوة الأغذية الحلوة بسبب ما يلقى فيها من السكر ، ولكن السكر حلو بنفسه وبذاته ، لان السكرية تعني الحلاوة ، كما ان الاطعمة المالحة انما هي كذلك لما يلقى فيها من الملح ، ولكن الملح مالح بنفسه.

كل هذه الأمثلة تفيد أن كل ما لا يملك هو بنفسه شيئاً فانه يكتسبه من شيء آخر لابد ان يمتلك ما يعطيه بنفسه وذاته ، ويكون ذلك الشيء (المعطى للغير) نابعة من طبيعته وذاته غير مأخوذ من غيره.

وهذا جار في المقام فان كل ما نلاحظه في الكون لا يمتلك الوجود من نفسه وذاته فلابد ان يعتمد على غيره ولا بد ان ينتهی مسلسل هذه الموجودات المعطية والاخذة الي موجود بالذات ظاهر بنفسه موجود بذاته ، يمتلك الوجود والظهور بذاته.

النصوص الاسلامية وحدوث الكون

وقد اشارت الايات القرآنية والأحاديث الشريفة إلى حدوث الكون ، مادة وصورة ، وصرحت بانه وجد من عدم ، بقدرة الله سبحانه ، فهو (ای الكون)

٣٠٦

حادث غير قديم ولا أزلي كما يدعي الماديون ، واليك فيما يلي لمحة من هذه النصوص تأييداً لما أثبتناه عقلياً وطبيعياً :

القرآن الكريم وحدوث الكون

لقد صرح القرآن الكريم بحدوث الكون في كل مورد صرح فيه بالخلق. فمرة صرح بأنه سبحانه خلق الكون برمته ، ارضاً وسماءاً وما بينهما ، وما فيهما ، والايات في هذا الشأن كثيرة جداً منها قوله :

أَوَلَمْ يَنظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّـهُ مِن شَيْءٍ (الاعراف ـ ١٨٥).

وقوله سبحانه :

أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُن لَّهُ صَاحِبَةٌ ۖ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ (الانعام ـ ١١) (١).

وتارة صرح بخلق السماء والأرض أو السماوات خاصة اذ قال :

اللَّـهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ (الطلاق ـ ١٢)

وقال سبحانه :

الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا (الملك ـ ٣).

وقال سبحانه :

أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّـهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا (نوح ـ ١٥).

__________________

(١) راجع الايات : ٧٣ ـ الأنعام ، ٣ ـ يونس ، ٧ ـ هود ، ـ الاسراء ، ٢ ـ الفرقان ، ٤٤ ـ العنكبوت.

٣٠٧

وثالثة صرح بخلق كل دابة بل كل ما في الأرض اذ قال تعالى :

وَاللَّـهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ (النور ـ ٤٥).

وقال سبحانه :

هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا (البقرة ـ ٢).

ورابعة صرح بخلق الانسان من عدم اذ قال سبحانه لزكریا عندما استغربت ولادة يحيى عليه السلام وامرأته عاقر :

قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِن قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا (مريم ـ ٩).

وقال سبحانه :

هَلْ أَتَىٰ عَلَى الْإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئًا مَّذْكُورًا (الدهر ـ ٢).

وربما عبر القرآن عن هذه الحقيقة بلفظة «البديع» و «بدأ» وذلك مثل قوله سبحانه :

اللَّـهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ (یونس ـ ٣٤).

وقوله سبحانه :

قُلْ هَلْ مِن شُرَكَائِكُم مَّن يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ۚ قُلِ اللَّـهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ۖ فَأَنَّىٰ تُؤْفَكُونَ (یونس ـ ٣٤).

وقوله سبحانه :

وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ (الروم ـ ٢٧).

٣٠٨

وقوله تعالى :

أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّـهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ

(العنكبوت ـ ).

وقوله تعالی :

بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ

(البقرة ـ ١١٧ والانعام ١١).

قال الراغب في مفرداته : «بدع : الابداع انشاء صنعة بلا احتذاء واقتداء واذا استعمل في الله تعالى فهو ايجاد الشيء بغير آلة ولا مادة ولا زمان ولا مكان وليس ذلك الا لله ، والبديع يقال للمبدع نحو قوله : بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ.

حدوث الكون في نظر الاحادیث

كما وصرحت نصوص حديثية كثيرة بحدوث الكون ، بمادته ، وصورته نشير هنا إلى بعضها :

١ ـ قال رسول الله ـ ص ـ في نقاش له مع الدهرية (وهم الماديون في ذلك العصر) : أقلتم أن العالم قدیم غیر محدث وهذا الذي تشاهدونه من الأشياء بعضها إلى بعض مفتقر لانه لا قوام للبعض الا بما يتصل به ، كما نرى البناء محتاجاً بعض أجزائه الى بعض والا لم يتسق ولم يستحكم وكذلك سائر ما نری.

اذا كان هذا المحتاج بعضه إلى بعض لقوته وتمامه هو القديم فأخبروني أن لو كان محدثاً كيف كان يكون وماذا كانت صفته؟

فبهتوا (يعني الدهریین) وعلموا أنهم لا يجدون للمحدث صفة يصفون بها

٣٠٩

الا وهي موجودة في هذا الذي زعموا انه قديم (١).

وقد استدل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لحدوث العالم في هذا الحديث باحتياج الأشياء بعضها إلى بعض الذي ينافي الأزلية.

٢ ـ قال الإمام أمير المؤمنين علي عليه‌السلام : في خطبة له :

«الحمد لله الدال على وجوده بخلقه ، وبمحدث خلقه على أزليته» (٢).

وقال عليه‌السلام :

«الدال على قدمه بحدوث خلقه وبحدوث خلقه على وجوده. مستشهد بحدوث الاشياء على ازلیته» (٣).

وقال عليه السلام ايضاً :

«الحمد لله الواحد الأحد الصمد المتفرد الذي لا من شيء كان ، ولا من شيء خلق ما كان» (٤).

وعن أزلية الخالق سبحانه قال :

«فكل ما في الخلق لا يوجد في خالقه وكل ما يمكن فيه يمتنع من صانعه .. كيف يستحق الازل من لا يمتنع من الحدث ، وكيف ينشيء الأشياء من لا يمتنع من الانشاء اذن لقامت فيه آية المصنوع» (٥).

وقال الامام علي بن الحسين السجاد عليه‌السلام في دعائه يوم عرفة :

«الحمد لله رب العالمين ، اللهم لك الحمد بديع السماوات والأرض انت

__________________

(١) الاحتجاج للطبرسي ص ٢٥ ـ ٢٦.

(٢) نهج البلاغة الخطبة ١٥٢.

(٣) نهج البلاغة الخطبة ١٨٥.

(٤) التوحيد للصدوق ص ٤١.

(٥) التوحيد للصدوق ص ٤٠.

٣١٠

الله لا اله الا انت الذي انشأت الأشياء من غير سنخ ، وصورت ما صورت من غير مثال وابتدعت المبتدعات بلا احتذاء ، انت الذي ابتدأ واخترع واستحدث وابتدع واحسن صنع ما صنع سبحانك ، ما اجل شأنك واسنى في الأماكن مكانك» (١).

وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في بعض خطبه :

«الحمد الله الذي كان في اوليته وحدانياً وفي ازليته متعظماً بالالهية ، ابتدأ ما ابتدع وانشأ ما خلق على غير مثال كان سبق بشيء مما خلق» (٢).

وقال الامام الحسن بن علي عليه‌السلام :

«خلق الخلق فكان بديئاً بديعاً ابتدأ ما ابتدع وابتدع ما ابتدأ» (٣).

وقال الامام علي بن موسی الرضا «عليه السلام» في كلام له حول الله سبحانه :

«ان كل صانع شيء فمن شيء صنع ، والله الخالق اللطيف الجلیل خلق وصنع لا من شيء» (٤).

إلى غير ذلك من النصوص التي تشير الى حدوث المادة من جانب والی ازلیة الخالق سبحانه من جانب آخر مستدلة لذاك بالأدلة العقلية والشواهد الوجدانية الدقيقة. ولم نذكر هنا سوى نماذج قليلة منها نظراً لحجم هذه الدراسة.

__________________

(١) الصحيفة السجادية الدعاء ٤٧.

(٢) التوحيد للصدوق ص ٤٤.

(٣) التوحيد للصدوق ص ٤٦.

(٤) التوحيد للصدوق ص ٦٧.

٣١١

ابرز الأدلة على وجود الله الخالق

البرهان الثالث

برهان الصديقين

لقد مرّ عليك أيها القارئ الكريم فى الابحاث السابقة حديث مسهب عن دليلي النظام (بصوره الأربعة) وحدوث المادة.

غير أن الملفت للنظر هو أن اكثر هذه البراهين والأدلة التي سبق توضیح بعضها بصوره المتنوعة تثبت وجود الخالق المبدع عبر توسيط شيء تنطلق منه الى اثبات الخالق ، وتعتمد عليه في البرهنة على وجوده يسمی بمبدأ البرهان.

فبرهان الفطرة ـ مثلا ـ يعتمد في اثبات الخالق على ما يحس به كل انسان في فطرته وقرارة نفسه من انجذاب ذاتي الى «قوة عليا» فيجعله دليلا على وجود الخالق ، وذلك بتقرير : أن فطرة الانسان مجبولة على الانجذاب الى الله ، ولهذا فهو يحس احساساً تلقائياً وذاتياً بالميل إلى الله من دون أن يكون قد تلقى هذا الاحساس والميل من تعليم معلم ، أو تلقين ملقن ، أو تأثیر عامل خارجي ، فهو میل ذاتي فطري كبقية الميول الغريزية والمشاعر الذاتية.

وقد انطلق هذا البرهان كما ترى من مبدأ الانجذاب الفطري للاستدلال

٣١٢

على وجود الله سبحانه ، وقاعدة للانطلاق الى اثباته.

ويعتمد «برهان النظام» في اثباته لوجود الخالق على ظاهرة النظام الكوني وما لها من دلالة على وجود المنظم ، فهو يجعل من هذا النظام البديع السائد على كل ارجاء الكون من ذرته إلى مجرته دليلا على وجود الخالق الصانع ، الواهب للمادة نظامها وتناسقها ، اذ يمتنع ـ في العقل ـ صدور مثل ذلك النظام فاعل غير شاعر ولا حكيم.

وأما برهان «حساب الاحتمالات» فيعتمد على ما يقول به العقل والمنطق السليم من «استحالة اجتماع بلايين الشرائط المؤدية الى استقرار الحياة بشكلها الفعلي عن طريق الصدفة» على أساس أن اجتماعها بمحض الصدفة والاتفاق احتمال ضعيف جداً يكاد يقرب من اللاشيء بالنظر إلى كثرة الشروط اللازمة وامكان وقوع صور اخرى غير هذه الصورة.

فبرهان ما اسميناه بمحاسبة الاحتمالات يجعل من هذه الاستحالة الرياضية سلماً لاثبات الخالق العارف لاحتياج انتخاب اجتماع هذه الظروف والشرائط اللازمة بهذه الصورة لا بغيرها من ملايين الصور الأخرى غير المناسبة للحياة الى فاعل عاقل خبیر حكیم اختار هذه الصورة دون غيرها بقصد وارادة ، وعلم ودراية.

وبرهان التوازن يتخذ من التوازن القائم بين اشياء الطبيعة ، والضبط الحاكم عليها دليلا على وجود الخالق الفاعل المقدر الذي أرسى هذا التوازن واحاط الأشياء بذلك الضبط.

وبرهان الهداية في عالم الحيوان يجعل من هذه الظاهرة في عالم الحيوانات وكيفية اختيارها وانتخابها لما يصلحها الكاشف عن هداية ربانية لها دليلا على وجود القوة الهادية وراء هذا العالم وهو الله سبحانه.

٣١٣

«وبرهان الحدوث» يتذرع بحدوث العالم بضميمة القاعدة العقلية التي تقول لابد لكل حادث من محدث ، ويتخذ من ذلك سبيلا الى اثبات الخالق المحدث الموجد.

اذن فكل برهان من هذه البراهين يتخذ قاعدة للانطلاق ، ومبدأ خاصاً لاثبات الخالق وواسطة معينة للوصول اليه ، وهذا يعني أن جميعها تشترك في توسيط «الخلق» بين الانسان ومعرفة الله سبحانه من قبيل الفطرة البشرية ، أو النظام الكوني أو التوازن ، أو الحدوث أو عالم الحيوانات أو غيرها من المخلوقات والكائنات ، وهو بمعنى أن الإنسان لا يقدر على معرفته سبحانه الا بتوسيط هذه الممكنات ومطالعتها ، واستخدام هذه المبادئ والوسائط في حين يرى العرفاء الشامخون آن وجوده سبحانه أجلى وأظهر من أن نستدل بشيء من هذه الممكنات والمخلوقات عليه ، فلا حاجة الى شيء من هذه الوسائط ، وذلك التوسيط والی هذا يشير قول الامام علي أمير المؤمنين عليه‌السلام في دعاء الصباح :

«یا من دل على ذاته بذاته».

وقول الإمام أبي عبدالله الحسين بن علي سيد الشهداء عليه‌السلام في دعائه يوم عرفة ومناجاته لربه :

«كيف يستدل عليك بما هو في وجوده مفتقر اليك؟!

أیكون لغيرك من الظهور ما ليس لك حتى يكون هو المظهر لك؟!

متی غبت حتى تحتاج إلى دليل يدل عليك؟!

ومتی عمیت حتى تكون الاثار هي التي توصل اليك؟

ثم يقول ـ عليه‌السلام ـ في آخر هذه المناجاة الشريفة العظيمة المعاني :

«یا من تجلی بكمال بهائه ، كيف تخفى وانت الظاهر؟!

٣١٤

أم كيف تغيب وأنت الرقيب الحاضر؟!» (١).

ولذلك عمد الفلاسفة العارفون الى برهان آخر لا يتوسط فيه شيء من المخلوقات والمصنوعات بين الانسان وبين معرفة الخالق سبحانه ، اسموه برهان «الصديقين».

* * *

توضیح مختصر لبرهان الصديقين

وخلاصة هذا البرهان هي : أن الاعتقاد والاعتراف بوجود الواجب سبحانه الغني عن أية علة ، أمر يحصل للانسان ، بمجرد ملاحظة أصل الوجود الذي يسلم ويذعن به الجميع وان ما نسميه (موجوداً) لا يخرج عن أحد حالين :

١ ـ أما أن يكون الوجود ضرورياً له غير نابع من شيء آخر سواه ، ولا مفاض من موجود آخر عليه ، فذلك هو الواجب سبحانه اذ لا يراد من الواجب تعالى الا ذلك.

٢ ـ اما ان يكون وجوده مأخوذاً من موجود آخر ، فذلك الاخر اما نظيره في الحاجة إلى آخر فيلزم أن يكون وجوده مأخوذاً من ثالث ، والثالث من رابع. أو يكون موجوداً غنيا اذ يجب ان تنتهي السلسلة الی موجود غني بالذات الامتناع التسلسل.

وهكذا لا يتطلب هذا البرهان سوى النظر الى نفس الوجود فان الوجود نفسه اذا نظرنا اليه من دون تقييده بلون أو ماهية خاصة اما ان يكون هو الواجب او انه يستلزم وجود الواجب.

فالاعتقاد باصل الوجود لا ينفك عن الاعتقاد بالواجب لان الشي لا يخلو

__________________

(١) هذا الدعاء موجود في كتب الأدعية.

٣١٥

عن أحد أمرين : إما أن يكون وجوده نابعاً من ذاته فهو الواجب ، واما ان يكون وجوده مفاضاً عليه من غيره فيجب أن يستند الى الواجب.

وهكذا لا يتوسط أي شيء في هذا البرهان بين الانسان وبين معرفة الله سبحانه كما توسط بينهما المخلوقات والمصنوعات في البراهين السابقة.

برهان الصديقين في نصوص الفلاسفة

ولقد اشار الفلاسفة الاسلاميون العظام الى هذا البرهان ولكن اول من اشار اليه هو الشيخ الرئيس «ابن سينا» اذ قال :

«كل موجود ـ اذا التفت اليه من حيث ذاته من غير التفات إلى غيره ـ فاما أن يكون بحيث يجب له الوجود في نفسه او لا يكون.

فان وجب فهو الحق بذاته ، والواجب وجوده من ذاته وهو القيوم.

وان لم يجب لم يجز أن يقال انه ممتنع بذاته بعد ما فرض موجوداً فكل موجود اما واجب الوجود بذاته أو ممكن الوجود بحسب ذاته» (١).

فلو كان ممكناً فهو يستلزم الواجب لان الوجود الممكن هوما تتساوی نسبته إلى الوجود والعدم ، ولا يخرج من حالة التساوی الا بعلة موجبة ، أي مفيضة وصف الوجود او وصف العدم عليه.

فبما انه افيض عليه لباس الوجود فهو يستلزم «علة عليا» تكون غنية بالذات ، موجودة بنفسها من غير أن تكون مخلوقة لعلة أخرى لما قد حققناه ـ سابقاً ـ من امتناع التسلسل.

وممن أشار إلى هذا البرهان الحكيم المحقق «نصیر الدين الطوسي» واليك عبارة العلامة في شرح كلامه :

__________________

(١) الاشارات. الطبعة الحديثة ج ٣ ص ١٨ وص ٦٦.

٣١٦

«ان هنا موجوداً بالضرورة فان كان واجباً فهو المطلوب.

وان كان ممكناً افتقر الى مؤثر موجود بالضرورة ، فذلك المؤثر ان كان واجباً فهو المطلوب ، وان كان ممكناً افتقر الى مؤثر موجود بالضرورة فان كان واجباً فهو المطلوب وان كان ممكناً تسلسل وقد تقدم بطلانه» (١).

هذا هو تقرير اجمالي لبرهان الصديقين ، وان شئت مزيداً من التوضيح والبيان فنقول :

برهان الصديقين بتقرير اوسع :

ان الاحتجاج بهذا البرهان لاثبات وجود الله يتوقف على مقدمات اربع ، لكل واحد منها دخالة في الاستنتاج :

الاولی) : أن الوجود الخارجي مما لا ينكره احد ، فالواقع الخارجي ـ رغم ما يقوله المثاليون ـ الخياليون حقيقة مملوسة ، وليس أمراً ذهنياً ، أو خيالياً.

وبعبارة أخرى : ان في خارج الذهن عالماً واقعياً حقيقياً ، وهو ما يثبته الواقعيون على خلاف ما يذهب اليه المثاليون السوفسطائيون ، الخياليون.

فليس ذلك العالم أمراً خيالياً ذهنياً من خلق الادراك ـ كما زعم هؤلاء ـ بل له وراء الذهن حقيقة لا تنكر ، وواقع لا يناقش.

الثانية) : ان الوجود في عالم الذهن والتصور لا يخلو عن احدى حالتين :

__________________

(١) كشف المراد في شرح تجرید الاعتقاد ص ١٧٢ ، وتجرید الاعتقاد هو لمحمد بن محمد بن الحسن الطوسي المعروف بالخاجه نصیر الدين الطوسي المولود بطوس في عام ٥٩٧ هجرية المتوفى في بغداد عام ٦٧٣ وقد شرحه تلميذه العلامة الحلى جمال الدین ابو منصور الحسن بن يوسف بن مطهر الحلي ولد سنة ٦٤٨ هـ وتوفى سنة ٧٢٦ هـ في الحلة وسمي هذا الشرح بكشف المراد.

٣١٧

اما ان يكون وجوداً قائماً بنفسه غير متخذ من غيره.

واما ان يكون مكتسباً ومتخذاً من غيره.

وبعبارة اخرى : ان ما يتصوره الذهن من كل شي ، اما أن يكون الوجود نابعاً من ذاته ، فهو الغني في وجوده عن علة توجده.

واما ان لا يكون الوجود نابعاً من ذاته بل يحتاج في تلبسه بلباس الوجود إلى شيء آخر.

وهذا التقسيم ـ كما ترى ـ دائر بين النفي والاثبات ولا يتصور له شق ثالث ، وأما أن أي وجود داخل في القسم الاول او القسم الثاني فهو يحتاج الى دليل آخر.

الثالثة) : ان الشق الثاني من التقسيم المذكور (اعني ما لا يكون نابعاً من نفسه) لابد له من علة ، لتوقف وجوده وتحققه على شيء ، ولان احتیاج ممكن الوجود الى العلة من الامور البديهية ، فان معنی الممكن هو ما تستوى نسبة الوجود والعدم اليه فيحتاج خروجه من حد الاستواء الى احد الجانبين (الوجود او العدم) الى مرجح.

الرابعة) : ان حاجة الممكن الى العلة لابد أن تتوقف في نقطة خاصة تكون هي الواجب وجوده بالذات ، لان تسلسل الملل والمعاليل الى ما لا نهاية يستلزم التسلسل الذي ابطلناه ، فلابد من ان يكون فوق جميع هذه العلل والمعالیل «علة عليا» اليه تنتهي السلسلة ، ويكون هو الغني بالذات ، غير المحتاج الى شيء مطلقاً.

تلك هي المقدمات الأربعة التي اقام الشيخ الرئيس ابن سینا برهانه عليها ونقول في توضيحها والبرهنة عليها :

اما المقدمة الأولى التي تشير إلى وجود الواقع الخارجي حقيقة ، فهو

٣١٨

مما لا يمكن لأحد أن يشك فيه ، ان الانسان مهما شك في شيء فانه لا يمكنه الشك في وجود نفسه وفي وجود الأرض والأشياء التي يتعامل معها وفي وجود السماء وما فيها من شمس ، وأمر وكواكب فلا شك في وجود نفسه الا اذا كان مريضاً يجب أن يداوي بما يناسبه من العلاج.

وهل يشك أحد بالحاجة إلى الاكل عندما يجوع او الحاجة الى الثياب عندما يهاجمه البرد ، او الحاجة الى المأوى عندما تهطل عليه الأمطار ، أو الفرار عندما يهاجمه حيوان مفترس ، أو الابتعاد عن البئر خوفاً من السقوط؟؟!

ألا يدل كل ذلك على أن هناك وراء تصوراته حقائق ثابتة ، وان في صفحة الوجود موجودات غيره؟؟

أجل ان الانسان يعلم كل ذلك بعلم ضروري بسيط منذ أن يطل على العالم ويعاين الأشياء ، ولذلك يتخذ منها مواقف معينة ، ويظهر من نفسه تجاهها ردود فعل خاصة.

ولقد اشار الحكيم المحقق «صدر الدين الشيرازي» الى مقالة السوفسطائيين المنكرین للواقع وطريقة علاجهم اذ قال :

«ما ذكره الشيخ (أي ابن سينا) في الشفاء في معرض الرد على مقالة السوفسطائيين أن يسأل عنهم : انكم هل تعلمون أن انكار كم حق أو باطل أو تشكون؟ فان حكموا بعلمهم بشيء من هذه الامور (أي قالوا نعلم بانكار نا) فقد اعترفوا بحقية اعتقاد ما ، سواء كان ذلك الاعتقاد اعتقاد الدقية في قولهم بانكار القول الحق ، أو اعتقاد البطلان أو الشك فيه ، فسقط آنكار هم للحق مطلقاً (١).

__________________

(١) ای اذا قالوا نعلم بصة انكارنا للواقع او بطلان انكارنا للواقع او بالشك في انكارا للواقع فانهم بذلك قد اعترفوا وجود واقع ما ، ولو بشكل الموجبة الجزئية والموجبة الجزئية تكفي لنقض السالبة الكلية والنفي الكلي.

٣١٩

وإن قالوا : انا شككنا ، فيقال لهم : هل تعلمون انكم شككتم أو انكم انكرتم وهل تعلمون من الاقاویل شيئاً معيناً؟ فان اعترفوا بأنهم شاكون أو منكرون ، وأنهم يعلمون شيئاً معيناً من الأشياء فقد اعترفوا بعلم ما وحق ما ، وان قالوا : انا لا نفهم شيئاً أبداً ، ولا نفهم أنا نفهم ، ونشك في جميع الأشياء حتی وجودنا وعدمنا ونشك في شكنا أيضاً وننكر الاشياء جميعها حتی انكارنا لها أيضاً ، ولعل هذا مما يتلفظ به لسانهم معاندین فسقط الاحتجاج معهم ، ولا يرجى منهم الاسترشاد فليس علاجهم الا أن يكلفوا بدخول النار اذ النار واللانار واحد ويضربوا فان الالم واللاألم واحد» (١).

وأما المقدمة الثانية فهو مقتضى الحصر العقلي اذ لا واسطة بين النفي والاثبات.

واما المقدمة الثالثة التي تنص على احتياج كل ممكن الى علة فهي كذلك من البديهيات العقلية التي لا يحتاج التصديق بها الى دليل.

وقد أشار الحكيم السبزواري الى بداهة هذه المسألة بقوله :

قد لزم الامكان للمهية

وحاجة الممكن أولية

أي حاجة الممكن الى المؤثر بديهية ، فان الانسان اذا نظر الى الماهية ونسب الوجود والعدم اليهاعرف بالبداهة ولاول وهلة أنها في وجودها تحتاج الى المؤثر اذ ليس لها بذاتها وجود ولا عدم.

وأما المقدمة الرابعة ، فلان أصل الوجود الخارجي اذا كان أمراً واقعاً غير قابل للانكار ، فان ما نسميه وجوداً وتحققاً ـ من دون تقييده بشيء ـ اما ان يكون واجب الوجود غنياً في تحققه عن اي شيء وهو ما يبتغيه الالهي

__________________

(١) الأسفار الأربعة. لصدر الدین الشیرازی ج ١ ص والشفاء لابن سینا ، قسم الالهيات ص ٤٢.

٣٢٠