الله خالق الكون

الشيخ جعفر الهادي

الله خالق الكون

المؤلف:

الشيخ جعفر الهادي


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: منشورات مؤسسة سيّد الشهداء العلميّة
المطبعة: مطبعة سيد الشهداء عليه السلام
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٤٠

الالهي يسند هذا النظام (اي نظام الأسباب والمسبّبات المادية الطبيعية) في نشوئه بقائه إلى خالق ، حكیم ، قدير ، أوجد هذه السنن والقوانين بقدرته المطلقة وبعلمه الواسع الذي نعبر عنه بالمحاسبة الدقيقة ، بينما يسندها المادي الى الصدفة. أو يدعي بان انفجارات المادة غير المتناهية هي التي أدت إلى ظهور وتكون هذه النظم ، وكان هذا هو ما عليه الماديون في سالف الزمان.

بيد أنهم ـ لتهافت هذه الفرضية أمام الأدلة القاطعة ـ انتقلوا إلى فرضية أخرى هي فرضية «خاصية المادة» وتعني ان هذه الأنظمة والقوانين هي من خصائص المادة أي أن المادة بطبعها تقتضي هذا النظام ، وان هذا النظام هو خاصية هذا العالم المادي ، وهي نظرية مرفوضة وستعرف بطلانها في البحوث القادمة.

هذا كله عن الأمر الأول وهو بيان نقاط الاشتراك والتمايز والالتقاء والافتراق بين الالهي والمادي.

الثاني : بماذا ميز فعل الصدفة عن فعل الفاعل الحكيم :

ما هو الميزان الثالث والمعقول للتمييز بين الحوادث المستندة إلى الصدفة ، والمستندة الى التدبير؟

وبعبارة أخری كیف نميز بين نتيجة الصدفة وحاصلها وفعل التدبير وصنعه؟

ان علينا أن نقف أولا على الميزان الذي تميز به بين هذين النوعين من الحوادث والظواهر حتى نعرف ـ بعد ذلك ـ هل تكون هذه الأنظمة البديعة وليدة تدبیر حكیم. او انها وليدة التصادف والاتفاق؟

الحق أن آلاف التجارب اثبتت ان كل فعل يتسم بالنظام بالمعنى الذي مر (١) ويخضع لمقاييس وحسابات دقيقة بحيث يقع كل شيء في مكانه المناسب ،

__________________

(١) في صفحة ١٥٧ من هذا الكتاب ومجمله كون مجموعة من الأجزاء على نحو من

١٦١

وليد التدبير ، ومن صنع الفاعل الحكيم ونتيجة المحاسبة الدقيقة ، ولا يمكن ابدا ان ينسب إلى التصادف ، لان الصدفة اعجز من أن تكون منشأ للنظام الصغير السائد في غرفة صغيرة متواضعة فضلا عن النظام السائد في معمل كبير ، او السائد في مدينة كبيرة ، دع عنك الكون الرحيب.

في حين اثبتت هذه التجارب ـ في المقابل ـ بان كل حدث مشوش ، وكل واقعة يسودها الهرج والمرج والعشوائية والفوضى ، بحيث لم توضع الأشياء في محلها ، فهو وليد العوامل غير الشاعرة ، والأسباب غير العاقلة مثل الزلازل ، والسيول والانفجارات ، او مثل عبث الاطفال بالالات التي يحتاج استخدامها إلى الدراية والعقل ، اذ يستحيل لمثل هذا الصنف العشوائي من الحوادث ان تستند إلى فاعل عاقل وصانع مرید.

واثباتاً لهذه الحقيقة والضابطة (اي استناد كل فعل منظم الى التدبير والعقل ، واستناد كل فعل عشوائي غير منظم الى امر فاقد للشعور والقصد) نورد امثلة متعددة على ذلك.

اوضح مثال في هذا المجال :

ولكن قبل أن نذكر هذه الامثلة نأتي بأوضح مثال في هذا المجال.

لنفترض اننا هیأنا ألفي طن من المواد الانشائية للبناء (الجص والأجر والصخر والرخام والحديد والخشب والاسلاك والزجاج والانابيب والأقفال والمفاتيح وما شابه ذلك) ، وجعلناها تحت تصرف مهندس او بناء فبنى من نصف هذه المواد في ارض مسطحة ، عمارة شامخة وجميلة ذات طوابق متعددة ، ثم

__________________

الترابط ، والتناسق ، والانسجام ، والتعاون الذي يحقق هدفاً معيناً بدونه لا يتحقق ذلك الهدف وبحيث يكون كل جزء فيها مكملا للمجموعة بحيث لا يتحقق بدونها الهدف المنشود.

١٦٢

اكتسح سيل عارم بقية تلك المواد وكومها في نقطة اخرى من الأرض في شكل تل من المواد المتراكمة في غير نظام.

ان مما لاشك فيه هو أن العقلاء ـ من اية أمة او قطر كانوا ـ لو زاروا ذلك القصر البديع ولمسوا ما فيه من آيات الجمال ومظاهر المحاسبة الدقيقة حكموا ـ من فورهم ـ بأنه من صنع مهندس قدیر ومعمار ماهر يتمتع بالذوق الرفيع والفن والابتكار ، لانهم يجدون كل شيء في ذلك البناء قد وضع في محله المناسب ، ولانهم لا يجدون في تلك العمارة الشامخة سوى الترابط والتناسق والانسجام والتناسب.

ولكنهم اذا مروا على التل المكوّم من المواد الانشائية المتراكمة في فوضى وعشوائية سارعوا الى الحكم بان هذا التل غير المنظم من المواد المختلفة وليد أمر غير عاقل لخلوه عن المحاسبة والتنسيق ، ولانهم لا يجدون فيه اي علامة تدل على منظم مدبر.

فالرخام الذي يجب أن يغطي الجدران ملقى تحت الاسلاك ، والانابيب مكومة في جانب ومعوجة ، والاقفال والمفاتيح مطروحة بين الصخور ، والحديد مكدس في زاوية ، وهكذا فوضى في كل شيء ، وتداخل عشوائي ، ووضع عجيب يخلو من النظام ، والترتيب ، ويكشف بجلاء عن فقدان التدبير والتخطيط ، بل وينبئ عن أن فاعل هذا التل ليس سوى الصدفة العمياء ، العديمة الوعي ، الفاقدة للشعور ، والقصد.

اجل هذا هو ابرز مثال يضرب لنموذجين من الظواهر والمصنوعات.

١ ـ ما يكون وليد عقل خبير ذي تخطيط حكيم ، وتدبیر دقیق.

٢ ـ ما یكون ناشئاً عن التصادف الأهوج الفاقد لاي نوع من انواع العقل والتدبير.

١٦٣

ففي الاول نجد المعادلات الدقيقة والمحاسبات المتقنة ، ونجد آثار النظم والتنسيق ، ووضع كل شيء في موضعه المناسب بلا زيادة ونقصان ، وفي الثاني لا نجد سوى الفوضى والعشوائية وسوى الهرج والمرج.

وبهذا نعرف ان «النظام» سمة الامر الناشئ عن تدبير وان «الفوضى» سمة الامر الناشئ عن التصادف.

فاذا عرفت هذا المثال ، وهذه النتيجة فلنستعرض معاً عشر امثلة توضح الفرق بين فعل التدبير وفعل الصدفة.

عشر امثلة على الفرق بين الصدفة والتدبير :

١ ـ لنفترض شخصين جلس كل واحد منهما وراء آلة كاتبة وأراد أن يطبع على الورق البيت الشعري التالي :

وعاجز الرأي مضياع لفرصته

حتى اذا فات أمر عاتب القدرا

وكان احد الشخصين المذكورين «مثقفا» عارفاً بالحروف ، ومفاتيحها «والاخر امياً» لا يعرف الحروف ، ومفاتيحها ثم شرّعا معاً في الضرب على الالة الكاتبة لطبع البيت المذكور ، فان النتيجة ستكون هكذا :

سيضرب الاول ـ بحكم معرفته ـ حرف (و) ثم (ع) ثم (١) ثم (ج) ثم (ز) وهكذا الى آخر البيت ، وسوف لن تمض دقائق معدودة الا وقد طبع البيت المذكور بصورة دقيقة وصحيحة.

بينما لن يتحصل من فعل «الامي» وضرباته العشوائية الجاهلة الا على صفحة طبعت عليها عشرات الحروف المختلفة المصفوفة الى جانب بعضها في غير نظام ، ولا معنى ، بل ولعلنا نجد بينها كلمات تدعو الى السخرية وتثير الضحك لكونها غاية في السخافة واللغوية.

١٦٤

ان الذي لاشك فيه عند مشاهدة الورقتين ـ أبداً ـ هو ان الورقة الاولى التي تحمل البيت الشعري مطبوعاً طبعاً صحيحاً ومنظماً ، تكشف عن انها من صنع «كاتب مثقف» عارف بما كتب ، عالم بالحروف والكلمات ، والجمل والتعابير حتى وان كنا لا نعرف هويته واسمه وشخصه.

بينما تكشف الورقة الثانية عن انها من فعل امي لا يعرف شيئاً من القراءة والكتابة ، وأن ما سطره من الحروف والكلمات الغريبة كان وليد الضربات العشوائية على مفاتیح الحروف في الآلة الكاتبة فهي التي جمعت هذه الحروف المتنافرة على سبيل الصدفة بعضها الى جانب بعض ، وخلقت منها كلمات غريبة لم تطرق سمع انسان قط ولم تخطر على قلب بشر أبداً.

وهكذا يكون النظام السائد في ما طبعه المثقف العارف علامة القصد والتدبير ، وتكون الفوضى في ما طبعه الأمي الجاهل علامة الصدفة وعدم التدبير.

٢ ـ لو أننا وقفنا على لوحة فنية زاهية الألوان ، متناسقة الاصباغ ، رائعة الجمال ، جميلة المعالم ، تصور شاطئ بحر ازرق وسباحين ، وسفناً تمخر عباب البحر ، وأمواجاً صغيرة تداعب المحارات المتناثرة على الساحل ، وجزيرة تتوسط الماء تعج باشجار باسقة ، وتتناثر فيها جنائن خضراء وحدائق غناء.

فان هذه اللوحة سوف تهدينا ـ فوراً ـ الى ان ثمت رساماً ماهراً هو الذي رسمها ، وهو يتمتع بذوق رفيع ، ومهارة عالية ، وتحملنا على الاعجاب بموهبته وفنه ، وابداعه.

كما تحملنا في نفس الوقت على الاعتقاد بأن مثل هذه اللوحة الرائعة لا يمكن ان تصدر الا من هذه الموهبة الفنية القوية التي تقدر على اختصار ذلك المشهد العظيم العريض في منظر جميل مصغر على قطعة صغيرة المساحة من الورقة فلا علاقة اذن للصدفة بذلك ، ولا مجال لتصور ان تلك اللوحة ظهرت اتفاقاً ، ودون قصد.

١٦٥

٣ ـ اذا وقفنا امام تمثال صخري دقيق لشخصية معينة من الشخصيات العالمية يحمل جميع ملامحه وسماته فاننا لا نستطيع أبداً أن نصدق بأن هذا التمثال قد نشأ نتيجة حركات غير منتظمة وضربات غير مقصودة ولا محسوبة أو أن نتصور أن قطعة من الصخر قد انفصلت من الجبل وهوت الى القاع ثم تحولت تلقائيا وبفعل الصدفة إلى تمثال رائع لهذه الشخصية.

ان من المستحيل أن يحدث ذلك بصورة عفوية وان ينشأ تمثال انسان ما فضلا عن تمثال الشخصية معينة دون سواها.

أن العقل يذعن ـ دون تأخير ـ بأن هذا من صنع نحات ماهر ، وفنان قدير تحلى بذوق رفيع ، ومهارة فائقة ، وأن ما تم من حركات ادت الى ظهور هذا التمثال لم تكن سوى حركات منتظمة ، ومتناسقة ومدروسة بعناية بالغة.

٤ ـ اذا نظرنا إلى السيارة التي تقلنا وتنقلنا من هذه المنطقة إلى تلك المنطقة وبسرعة ويسر ، فهل يشك أحد بانها ليست سوى حصيلة جهود كبيرة بذلها الاف المهندسين الصناعيين والميكانيكيين العالميين الذين توصلوا إلى ايجاد هذه الالية في ظل الفكر والجهود المنتظمة ، اذ من المستحيل أن تستطيع الصدفة صنع مثل هذه السيارة ، فلو أننا ألقينا كميات من الصلب والزجاج والمطاط في برميل كبير ، وادرناها الاف المرات استحال أن نحصل على سيارة مثل هذه السيارة لان الصدفة لا يمكنها أن توجد شيئاً منسقاً منظماً مترابط الأجزاء يحقق هدف معينة ، وغاية خاصة.

٥ ـ اذا رأينا مؤلفاً قيماً مطبوعاً طباعة جميلة تتداوله الايدي نقضي من فورنا بأن هذا العمل ما هو الا نتيجة مقدمات فكرية وعملية عديدة قام بها مؤلفه ومخرجه ونذعن بأن ذلك لا يحصل الا بتفكير دقیق وجهود متواصلة ، اذ يتعين على مؤلفه أولا أن يفكر فيما يريد أن يطرحه من افكار في هذا الكتاب ، ثم ينقل هذه

١٦٦

الافكار المنسقة الى الورقة ثم يقدمها الى المطبعة للطباعة والاخراج ، ولابد حينئذ أن تمر مسودة الكتاب في المطبعة بمراحل عديدة من صف الاحرف والتصحيح ثم الطباعة ثم التجليد حتى تتحول الى كتاب كامل صالح للنشر جاهز للقراءة.

فهل يمكن لنا اذا صادفنا كتاباً كهذا الا ان نذعن فوراً بأنه حصيلة جهود منتظمة أسفرت عن هذا العمل المفيد ، بينما لا يمكننا أبداً القول بأن الاحرف والاوراق المنتظمة الهادفة جائت نتيجة حادث اتفاقي ، أو نتيجة انفجار عفوي وقع في المطبعة؟!

٦ ـ عندما ندخل في صف من صفوف المدرسة ونجد على اللوحة السوداء معادلة رياضية صعبة أو قانوناً فيزياوياً معقداً فهل يمكن لنا أن نحتمل أن هذه المعادلة قد ارتسمت على تلك اللوحة السوداء بفعل الصدفة أي أن قطعة من الجص خرجت من لدن نفسها من مكانها وانتقلت الى السبورة فانتقشت بسببها تلك المعادلة الصعبة على اللوحة السوداء أم اننا سنحكم فوراً بأن استاذاً رياضياً أو فيزياوياً قديراً هو الذي كتبها ، على تلك اللوحة.

٧ ـ أن العلم والتجربة اثبتا أن من المستحيل أن نجد ولو حالة صغيرة من حالات النظام والتناسق الا وقد تم في ضوء فكر ثاقب ، وعقل سلیم ، ولهذا فاننا بمجرد أن نقف ـ مثلا ـ على نموذج من الخط المسماري فانتا نسارع الى نسبته ـ فوراً ـ الى كاتب كتبه بمهارة وقصد ، ولا نعزيه إلى التصادق أبداً.

٨ ـ ان العلم والتجربة اثبتا بان تركيب الشيء وتأليفه كلما ازداد تعقيداً كلما ازداد دلالة على عمق المهارة والمعرفة التي يتمتع بهما صانعه.

فهل لاحد مثلا ان يدعي بأن القمر الصناعي أو المركبة الفضائية التي تدور في مدار معین ومحدود حول الأرض قد نشأت صدفة ، أي أن ذرات الصلب اتحدت

١٦٧

من لدن نفسها وكونت الواحاً من الصلب وانواعاً مختلفة من الأدوات ثم التحمت هذه الاشياء ببعضها بصورة تلقائية ، وتكونت الكبسولة الفضائية ثم حدث ـ اتفاقاً ـ أن نشأ صاروخ لاطلاق الكبسولة في الفضاء ، ثم حدث صدفة ان زودت الكبسولة بمقادير كبيرة من الوقود ، ثم انطلقت في الفضاء صدفة ، ثم اتخذت مدارها المناسب صدفة دون ان يكون وراء كل هذه الامور عشرات المئات من العلماء والمفكرين والصناعيين والاخصائيين في شوؤن الفضاء والبرامج الفضائية؟

٩ ـ الالات الحاسبة الدقيقة الصنع التي تقوم بالكثير من المحاسبات الثقيلة في المؤسسات الكبرى موفرة على هذه الشركات والمؤسسات مئات العمال المحاسبين اذ تؤدي في لحظات معدودة عمليات حسابية معقدة ومطولة يقوم بها اربعمائة من المحاسبين طوال ساعات بل وأيام عديدة ، هل يمكن أن نعزي وجود هذه الالات العجيبة وظهورها الى التصادف ، ونتصور أن أجهزتها الدقيقة جدة واسلاكها ومفاتيحها وجدت في اماكنها المناسبة ، في هذه الالات بصورة عفوية ، وبدون تدخل خبراء فنيين في منتهى المهارة والحذق والمعرفة؟

قال «كلودم هاثاوای» مصمم العقل الالكتروني للجمعية العلمية لدراسة الملاحة الجوية بمدينة «لانجلي فيلد» ـ في كتاب الله يتجلى في عصر العلم ـ :

لقد اشتغلت منذ سنوات بتصميم مخ الكتروني يستطيع ان يحل بسرعة بعض المعادلات المعقدة المتعلّقة بنظرية الشدّ في اتجاهين ، ولقد حققنا هدفنا باستخدام مئات من الأنابيب المفرّغة والأدوات الكهربية والميكانيكية والدوائر المعقدة ، ووضعها داخل صندوق .. وبعد اشتغالي باختراع هذا الجهاز سنة أو سنتين ، وبعد أن واجهت كثيراً من المشكلات التي تطلّبها تصميمه ووصلت إلى حلها ، صار من المستحيلات بالنسبة اليّ ان يتصور عقلي أنّ مثل هذا الجهاز يمكن عمله بأية طريقة اخرى غير استخدام العقل والذكاء والتصميم.

١٦٨

١ ـ لو اننا التفتنا الى ما حولنا في الغرفة التي نعيش فيها ولاحظنا السجاد والمدفأة ، والكرسي ، والمروحة وغيرها فهل يمكن ان نعتبرها ناشئة بفعل الصدفة ، أو لابد ان نذعن بان لكل واحد منها صانعاً مختصاً بصنعه.

اجل ان العقل يقضي في جميع هذه الحالات والموارد بوجود صانع حكیم ، فاعل ، عاقل ، ويرفض رفضاً قاطعاً نسبة وجود هذه الاشياء الى الصدفة والاتفاق.

فاذا تبين ذلك واعترفنا به فلنرى مع أي واحد من الصنفين تتناسب ظاهرة هذا الكون؟؟ هل يناسب أن نعتبره من فعل الصدفة؟

وبعبارة أخرى هل هو أشبه بالحوادث والظواهر التي تنشأ في ظروف الصدفة ، أي دونماروية وتدبیر ودخالة العقل والقصد ، أم أنه من قبيل الحوادث والوقائع التي تنشأ نتيجة العقل والتفكير والروية والتدبير ، ويكون للحكمة والقصد دخالة وتأثير في وجودها وظهورها؟

أن الوقوف على الإجابة الصحيحة على هذا السؤال يستدعي منا النظر الفاحص في العالم المحيط بنا ، والوقوف على نماذج من النظام السائد في مختلف ارجاء هذا الكون ابتداءاً من الفلك والنجوم ومروراً بالأرض والجماد والنبات والحيوان والانسان ، وانتهاءاً بالذرة وهذا هو ما سنفعله فيما يلي ونترك القارئ حراً في تطبيق أحد هذين الوصفين على الكون ، والاخبار بان هذا الكون هل هو من فعل الصدفة أم من صنع فاعل حكیم؟

وبعبارة ثانية : اننا قد بينا الميزان الثابت والمعقول والمنطقي لتشخيص ما هو نتيجة الصدفة وما هو من صنع العقل المدبّر ، وعرفنا أن كل شيء ساد فيه النظام بمعنى الترابط أو التلاؤم والهدفية فهو مصنوع فاعل عاقل ، وما ساد فيه الهرج والمرج وعدم الترابط والتلاؤم والهدفية فهو نتيجة الصدفة العمياء ،

١٦٩

وهذه القاعدة قد اثبتتها مئات بل آلاف التجارب والملاحظات التي لم تدع مجالا للشك في هذا الصعيد.

وها نحن نضع امام القارئ نماذج من مظاهر النظام الكوني ليحكم هو بنفسه ما اذا كان هذا النظام من فعل الصدفة أم من صنع خالق عالم قدير.

من مظاهر النظام السائد في الكون

من خلال البحث السابق عرفت الفارق بين ما هو وليد الصدفة ، وما هو من فعل الفاعل المدبّر الهادف ، فقد توصلنا هناك الى تقرير النتيجة التالية وهي ان وليد التدبير يتميز عن وليد الصدفة بالنظام ، فالنظام آية التدبير والفوضى علامة الصدفة.

ولكي نرى ما اذا كان نظام الكون الذي نعيش فيه من ولائد الصدفة أم من ولائد التدبير وصنع المدبر الحكيم يتعين علينا أن ندرسه ونستعرضه لنرى ما اذا كان يتسم بالنظام والتناسق ، أم تسوده الفوضى العشوائية؟

الحقيقة أن نظرة فاحصة في شتى أرجاء الكون ومجالاته وأنحائه تكشف لنا عن مظاهر للنظام المتقن ، والتصميم الدقيق ، والمحاسبة والدقة ، وهذا ما سنعرفه من خلال ما قدمته لنا العلوم في مختلف مجالات الفلك وعالم الانجم والكواكب ، وعالم النبات ، وعالم الانسان ، وعالم الحيوان ، وعالم الحشرات وعالم الجنين وغير ذلك من العوالم ، والدنياوات ، واليك نماذج من هذه الحقائق فيما يلي :

مظاهر النظام في عالم الفضاء

عالم الفضاء عالم عجيب ، فعلم الفلك الحديث يقول بأن مجرتنا تتألف

١٧٠

من عدد هائل من الانجم والكواكب التي يبلغ حجم متوسطها حجم الشمس ويقدّر عدد نجومها بمأة ألف مليون نجم تقريباً.

وان النجوم أنفسها تشبه الشمس شبهاً كبيراً ، وبعدها الشاسع وحده هو الذي يجعلها تبدو خافية ، وخافتة النور.

وان لعدد كبير من هذه النجوم كواكب تدور حولها ، وعدد كبير من هذه الكواكب يجب أن يكون على البعد الصحيح من نجمه بحيث تنشأ عليه أحوال كتلك التي تعرفها على الأرض.

وتقع ضمن هذه المجرة منظومتنا الشمسية التي تتكون من الشمس كمركز ، ومن كواكب تسع تدور حولها ويدور حول كل واحد منها كوكب أو كوكبان أو أكثر الى (١) كواكب ، وقد لا يدور حول بعضها شيء مطلقاً.

والكواكب التي تدور حول الشمس هي بالترتيب من الاقرب الى الابعد (عطارد ، الزهرة ، الأرض ، المريخ ، المشتري ، زحل ، اورانوس ، نبتون ، پلوتو).

وما يلفت النظر في هذه المنظومة أمور :

أ ـ عظمة هذه الكواكب والانجم ، وعظمة الشمس نفسها :

فالشمس تعتبر كرة من الغازات الملتهبة والنار المستعرة ، وتصل الحرارة في داخل الشمس الى أكثر من (٢ مليون درجة فهرنهایت) ، وأكثر من (٦ درجات سانتیگراد) على السطح الخارجي ، والطاقة التي تصل منها الى الارض كل ساعة تعادل احتراق (٢١ بليون طن) من الفحم.

وبالضبط تنطلق كل ثانية من الشمس أربعة ملايين ، وفي كل دقيقة (٢٤

١٧١

مليون طن) من الطاقة ، نوراً وحرارة ، وينتج هذا المعمل العجيب كل يوم (٠٠٠/٣٥٠ مليون طن) من الطاقة التي تتناثر في الفضاء. ويبلغ قطر الشمس (٨١٤ ألف میل) بينما لا يصل قطر الأرض التي نعيش عليها جميعاً الّا إلى (٨ آلاف میل) ، وبذلك فان قطر الشمس يبلغ (١٨ مرة) قدر قطر الأرض ، وحجمها (٣/١ مليون مرة) مثل حجم الأرض.

ب ـ الفواصل الدقيقة والحركات المنتظمة :

أن من أهم ما يلفت النظر في المنظومة الشمسية هو المسافات الدقيقة التي تفصل الشمس عن الكواكب التابعة لها ، والحركات المنتظمة لهذه الشمس والكواكب ، وما يتولد عن ذلك ، أو يترتب عليه من الاحوال اللازمة كالفصول والليل والنهار وما شابه ذلك.

فالبعد بين الشمس والأرض يبلغ حوالي (٣ ملیون میل).

وتبعد عطارد من الشمس مثلا بـ(٣٦ مليون ميل) والزهرة بـ(٦٧ مليون ميلا) والمريخ بـ(١٤٢ مليون ميلا) ، وتبعد بلوتو عن الشمس بـ(٣٦٧١ مليون ميلا).

وهذه المسافات البعيدة بين الكواكب والشمس تكشف أيضاً عن مدى سعة الفضاء في حين تشكل منظومتنا الشمسية بأقمارها ، وكواكبها ، هذه جزءا من مجرتنا (١).

والعجيب أن هذه المنظومة مع توابعها من الكواكب ، وتوابع توابعها

__________________

(١) يقول الفلكيون والمختصون بشؤون الفضاء آن موقع منظومتنا الشمسية يبعد عن مركز المجرة بـ ٠٠٠/ ٣ سنة ضوئية والسنة الضوئية هي (٠٠٠/٠٠٠/٠٠٠/٤٦٠/٩ كیلومتر) راجع كتاب بدائع السماء ، والكون الأحدب.

١٧٢

من الانجم ، مع مسافاتها الشاسعة تدور في نظام دقیق ضمن المجرة دون أن تضل أو تخرج عن مدارها.

ويجدر بنا هنا أن نذكر ان لارضنا هذه خمس دورات :

١ / دورة واحدة حول نفسها في كل أربع وعشرين ساعة ، يتولد منها الليل والنهار.

٢ / دورة حول الشمس في كل سنة دورة واحدة أيضاً وتتولد منها الفصول الأربعة.

٣ / حركة تبعاً الشمس التي تسير مع توابعها بالنسبة الى النجوم المجاورة لها.

٤ / حركة ضمن مجرة التبانة أي أن المجرة هي التي تدور وتتحرك مع الشمس وتوابعها حول نفسها.

٥ / حركة ضمن مجرة التبانة متباعده عن أخواتها ، كما تتباعد أخواتها عنها.

هذا والملفت للنظر هو حدوث كل هذه الدورات منذ آلاف السنين دون أن يحدث أي اصطدام ، أو انحراف أو خلل ومن دون أن تكون هذه المنظومة والكواكب والمجرة معلقة بشيء أو مستندة إلى شيء.

بل والأعجب من ذلك ما يراه علماء الفلك من ان مجرات النجوم يتداخل بعضها في بعض فتدخل مجرة تشتمل على ملايين من السيارات المتحركة في مجرة أخرى (تتحرك سياراتها هي أيضاً) ثم تخرج منها بسياراتها جميعاً دون أن يحدث أي تصادم بين سيارات هاتين المجرتین.

هذا إلى جانب :

جـ ـ قانون الجاذبية العامة التي تنشا بسبب دورات هذه الكواكب ، وتشد

١٧٣

هذه الكواكب الهائلة الكثيرة بعضها الى بعض وتحفظها في مداراتها ومساراتها.

د ـ مقدار النور المنبعث من الشمس بحيث يتناسب مع متطلبات الحياة على الأرض.

هـ ـ مقاییس الزمن المضبوطة التي تنشأ من هذه الدورات بشكل يناسب مستلزمات الحياة وغير ذلك من الأمور.

ألا يدل كل هذا على وجود نظام دقيق يسود هذا الكون الرحب الفسيح ، ذلك النظام الذي تتوقف عليه استمرارية الكون وسلامته ، اذ لو اختل هذا النظام قید شعرة تحطم كل شيء.

وهل يمكن أن نعزي هذا النظام الى نفس المادة الصماء العمياء أو الی الصدفة والاتفاق في حين يدل على القصد والتصميم والتدبير الذي تفتقر اليه الصدفة ، كما أسلفنا.

لماذا لا نأخذ هذا النظام الدقيق العجيب دليلا على وجود خالق مدبر ، وحكيم هو الذي أوجد هذا النظام وأرساه في هذا الكون.

مظاهر النظام في عالم النبات :

أن النظر الى النباتات يهدينا الى أن عالم هذا النوع من الكائنات هو الاخر عالم عجيب تحكمه المعادلات الدقيقة ، ويزخر بالعمليات والفعاليات المدهشة ، هذا إلى جانب ما نجده من عجيب التركيب في خلقة النباتات ، بأنواعها المختلفة. وقد سببت هذه الامور والأسرار العجيبة في عالم النباتات إلى ظهور علوم مختلفة مثل علوم تركيب النبات وشكله ، وعملية التخليق الضوئي ، وعلم تقسیم النبات ، وعلم وظائف أعضاء النبات ، وعلم البيئة ، وعلم أمراض النباتات ، وعلم وراثة النباتات.

١٧٤

ان شكل النبات وتركيبه وما يدور في أوراق الأشجار من عملية (التمثيل الكلوروفيلي) وهي عملية حيوية مهمة تقوم بها النبات ، ووجود المعامل المتنوعة والعديدة التي تمثلها النباتات والتي تزود الانسان ، والحيوانات بما يناسب من الغذاء الضروري للحياة أمور تدل على مدى النظام والمحاسبة السائدة في عالم النبات.

ونحن هنا نشير الى نقطتين مهمتين من بين عشرات النقاط الهامة في عالم النبات :

١ / قانون الوراثة في عالم النبات الذي يبقي على سلالة النباتات على مر الدهور والعصور دون أن تخطيء وأن تعطي بذرة ثمرة معينة ، نوعاً آخر من الثمر ، وذلك عن طريق الجينات (أي وحدات الوراثة).

ان الجينات هذه تحفظ التصميم وسجل السلف والخواص التي لكل شيء حي ، وهي تتحكم تفصيلا في الجذور والجذع والورق والزهر والشمر لكل نبات تماماً كما تقرر الشكل ، والقشر والشعر والأجنحة لكلّ حيوان بما فيه الانسان.

ان جوزة البلوط تسقط على الأرض فتحفظها قشرتها السمراء الجامدة ، وتتدحرج في حفرة ما في من الأرض ، وفي الربيع تستيقظ الجرثومة فتنفجر القشرة ، ويزود بالطعام من اللب الشبيه بالبيضة الذي اختفت فيه (الجينات) وهي تمد الجذور في الأرض ، واذا بك ترى فرخاً أو شتلة (شجيرة). وبعد سنوات شجرة ، وان الجرثومة بما فيها من (جينات) قد تضاعفت ملايين الملايين ، فصنعت الجذع والقشرة وكل ورقة وكل ثمرة مماثلة لتلك التي لشجرة البلوط التي تولدت عنها ، وفي خلال مئات السنين قد بقى في ثمار البلوط التي لا تحصى نفس ترتيب الذرات تماماً الذي انتج أول شجرة بلوط منذ ملايين السنين (١).

__________________

(١) العلم يدعو للايمان ص ١٤٩.

١٧٥

ألا يدل وجود هذا القانون الذي لا يخطئ منذ آلاف السنين والذي بوساطته يمكن الابقاء على انواع النبات على وجود خالق مبدع حكیم.

٢ / قانون صعود الماء الى المعامل الموجودة في الأوراق ، فان المحركات الالية الضخمة ذات قوة مأة حصان تعجز عن تصعيد الماء الى مسافة (٢ متر) ، أما الأوراق الرقيقة في الشجرة فهي قادرة على أكثر من ذلك بفعل قوتي «الضغط الجذري والشد الورقي».

ترى كيف نظمت الانابيب في الشجرة بحيث تحمل العصارات والمياه من أعماق الأرض إلى أعالي الشجر ، وكيف يتعاون الجذر مع الأوراق في هذه العملية العجيبة.

هل لنا أن ننسب وجود مثل هذه العملية المعقدة الدالة على نظام دقيق الی نفس المادة الفاقدة للشعور أم أنه من فعل خالق عاقل خبير عليم بما تحتاج اليه هذه العمليات من قوة وأجهزة وأدوات؟.

وعلى الجملة فان الناظر إلى هذه العمليات وهذه الأجهزة في عالم النبات يقضي قضاء باتاً بأن ذلك كله من فعل التدبير لا من فعل الصدفة اذ يرى فيه النظام والمحاسبة الذين هما علامة التدبير.

مظاهر النظام في خلقة الانسان :

لو قلنا بأن الانسان من أعجب الكائنات وأكثرها اثارة للدهشة لم نكن في ذلك مبالغين ، وذلك لاننا نجد في هذا الكائن كل ما تفرق في المخلوقات مضافة الى أجهزة معقدة أخرى.

ومن الأجهزة التي تثير الدهشة لكثرة ما فيها من عجائب وأسرار ، وأنظمة وقوانين :

١٧٦

١) عالم الخلايا التي تشكل جسم الانسان.

٢) جهاز الهضم الذي يهيئ الغذاء المناسب لمختلف أعضاء الجسم.

٣) جهاز الدورة الدموية الذي يتكفل ايصال الدم الى جميع أجزاء الجسم ليضمن لها البقاء والحياة.

٤) جهاز التنفس.

٥) جهاز المخ والأعصاب الذي يمثل جهاز القيادة والادارة المملكة الجسم.

٦) العين والأذن والأنف وغيرها من الحواس التي تكون بمثابة أجهزة الرصد في الجسم البشري.

وها نحن نشير الى احد هذه الأجهزة :

المخ والأعصاب :

لعل أكثر أقسام الجسم البشري تعقيداً ونظاماً هو «المخ» باعتباره مركز القيادة و «الاعصاب» باعتبارها وسيلة اتصال المخ بالجسم وبالعكس.

ففي المخ يوجد (ألف مليون خلية عصبية) ومن كل هذه الخلايا تخرج اسلاك تنتشر في سائر الجسم وتسمى هذه الأسلاك بـ «الأنسجة العصبية» ، وفي هذه الأنسجة يجري نظام استقبال وارسال الاخبار بسرعة (سبعين ميلا) في الساعة وبواسطة هذه الانسجة نتذوق ونسمع ونری ونباشر أعمالنا. بل أن هناك (ثلاثة آلاف من الشعيرات المتذوقة) ، ولكل منها سلك عصبي خاص متصل بالمخ ، وبواسطة هذه الشعيرات نحس بالمذاقات المختلفة وتوجد في الأذن (عشرة آلاف خلية سمعية) ومن خلال نظام معقد يسري من هذه الخلايا يسمع مخنا وفي كل عين (مأة وثلاثون مليوناً من الخلايا الملتقطة للضوء) وتقوم بمهمة ارسال المجموعة التصويرية إلى المخ وهناك شبكة من الأنسجة الحسية على

١٧٧

امتداد جلدنا ، فاذا قربنا إلى الجلد شيئاً بارداً فان (ربع مليون من الخلايا) التي تلتقط الاشياء ، تحس به وعندئذ يمتلئ المخ بأثرها ، ويرتعد الجسم ، وتتسع الشرايين الجلدية فيسرع مزيد من الدم اليها ، ويزودها بالحرارة ، واذا أحست هذه الخلايا بحرارة شديدة فان مخابرات الحرارة توصلها إلى الدماغ وحينئذ تفرز (ثلاثة ملايين من الغدد) العرقية ـ تلقائياً ـ عرقا بارداً الى خارج الجسم (١).

ألا يبرهن هذا النظام الدقيق المبني على المحاسبات الدقيقة على وجود خالق له هو الذي عرف حاجة الجسم إلى مثل هذا النظام المعقد وأوجده فيه؟

هل لعاقل أن يسمح لنفسه بأن يعتقد بأن المادة العمياء المجردة من العقل والحكمة هي التي أوجدت لنفسها هذا النظام المتقن أوان هذا النظام جاء بفعل الصدفة؟

اذا كان العقل لا يسمح لنفسه بأن يعزي عقلا اليكترونيا يقوم ببعض العمليات الحسابية المحدودة ، ولا يمكنه أن يتجاوز حدود ما رسم له ، وأعطي من معلومات الى الصدفة فكيف يجوز له أن ينسب ما هو أكثر تعقيدا من العقل الاليكتروني (أعني المخ) هذا الجهاز الذي يدبر الجسم ويحفظه أمام الأخطار ويفكر ، ويتذكر ويحفظ المعلومات ، ويختزن العلوم ، والالوان والاصوات والاشكال والذكريات بل ويختار عند اللزوم ودون تهيؤ سابق الى الصدفة؟

* * *

النصوص الاسلامية تشير الى النظام الكوني :

ان ما ذكرناه من مظاهر النظام العجيبة في الكون بشكل جزء صغيراً واشارة خاطفة ونماذج قليلة جداً في هذا المجال اقتصرنا عليها رعاية الاختصار.

__________________

(١) للمزيد راجع الإسلام يتحدى.

١٧٨

وقد أشارت النصوص الاسلامية في القرآن والحديث الى هذه النظم والقوانين في الكون ، نذكر بعضها هنا لكونها تقودنا إلى مزيد من الحقائق في هذا المجال لا من باب الاستدلال بها والاستناد اليها ، لعدم صحة الاستدلال بالرسالة قبل ثبوت المرسل ، فذكر هذه النصوص وأمثالها هنا في مبحث اثبات الخالق انما هو لكونها تفتح أذهاننا وأبصارنا على أمور لا نعرفها ولا نلتفت اليها لولا هذه النصوص.

واليك فيما يلي بعض هذه النصوص من الآيات والأحاديث التي تشير الى مظاهر النظام الكوني وتلفت أنظارنا اليها.

ففي الكتاب العزيز قال الله سبحانه :

إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللَّـهُ مِنَ السَّمَاءِ مِن مَّاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (البقرة ـ ١٦٤) ـ.

فالاية تدعونا إلى البحث والفحص في علل هذه الظواهر الطبيعية والتأمل في كيفية نشأتها ، وما يسودها من نظم وقوانین طبيعية.

ويقول سبحانه أيضاً :

الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا ۖ مَّا تَرَىٰ فِي خَلْقِ الرَّحْمَـٰنِ مِن تَفَاوُتٍ ۖ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَىٰ مِن فُطُورٍ * ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ (الملك ٣ ـ ٤)

ويقول سبحانه :

اللَّـهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَىٰ

١٧٩

عَلَى الْعَرْشِ ۖ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ ۖ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُّسَمًّى ۚ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُم بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ * وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا ۖ وَمِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ * وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُّتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِّنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَىٰ بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَىٰ بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (الرعد ٢ ـ ٤)

إلى غير ذلك من الايات التي ترشد إلى مواطن التأمل والتفكر في هذا الكون العظيم ، وهذا الوجود المليء بالاسرار والعجائب.

ان هذه الآيات تدل وجود خالق لهذا النظام أولا كما تدل ثانياً على توحيده ثم على قدرته ثم على علمه ثم على رحمته (١).

وأما الحديث فنجد فيه اشارات كثيرة وعديدة إلى مظاهر النظام في الكون جدير بأن نستعرض شيئا منها هنا :

١ ـ قال الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام.

«ولو فكروا في عظيم القدرة وجسيم النعمة لرجعوا إلى الطريق وخافوا عذاب الحريق ... افلا ينظرون الى صغير ما خلق؟ كيف أحكم خلقه وأتقن تركيبه

__________________

(١) راجع سورة يونس الاية ٦ و ١١ وسورة ابراهيم الاية ٣٢ ـ ٣٤ وسورة الحجر ١٦ ـ ٢٣ وسورة النحل ٤ ـ ٨ و ١ ـ ١٧ و ٦٥ و ٧ و ٧٨ ـ ٨١ والاسرى الآية ١٢ و ٦٦ و ٦٧ والأنبياء ٣ ـ ٣٣ وسورة المؤمنون الآية ١٨ ـ ٢٢ وسورة النور الآية ٤٦ ـ ٥٤ وسورة الفرقان الآية ٤٥ ـ ٤٩ و ٥٣ ـ ٥٤ وسورة الروم ٢ ـ ٢٦ وغيرها.

١٨٠