الله خالق الكون

الشيخ جعفر الهادي

الله خالق الكون

المؤلف:

الشيخ جعفر الهادي


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: منشورات مؤسسة سيّد الشهداء العلميّة
المطبعة: مطبعة سيد الشهداء عليه السلام
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٤٠

الفَصْل الثالث

التدين والاعتقاد بالله

قضية فطرية

١٢١

في هذا الفصل

* التدين والاعتقاد بالله قضية فطرية.

* أهم الفروق بين الامر الفطري والأمر غير الفطري (العادي).

* علائم الأمر الفطري.

* هل تنطبق علائم الأمر الفطري على ظاهر التدين؟

* ١ ـ التدين ظاهرة تاريخية عريقة.

* ٢ ـ التدين لا يوجد بسبب التعليم.

* ٣ ـ التدين ليس وليد العوامل المحيطية.

* ٤ ـ التدين لا یزول بفعل الدعاية المضادة.

* التدين ونظرية البعد الرابع.

* النصوص الاسلامية الدالة على فطرية التدين.

* القرآن الكريم وفطرية التدين والاعتقاد بالله.

* الاحاديث الشريفة وفطرية التدين والاعتقاد بالله.

* نقاط هامة ثلاث على هامش بحث الفطرة.

* مخلص ما سبق.

١٢٢

الفطرة تهدي الى الله

تعتبر الفطرة البشرية من اقوى ما يقود الانسان ـ كل انسان ـ الى الاذعان بوجود قوة عليا وراء هذا الكون ، ونظامه.

فالانسان قد جبل على الانجذاب الى الله وعلى الميل الى الايمان به بنحو فطري وذاتي قبل أن يقوده الى ذلك أي شيء آخر كالعقل وما شاكله.

وهذا يعني أن معرفة الله والايمان به امر فطري قبل ان يكون امراً عقلياً.

ولكي يتضح كل هذا لابد من البحث في مسائل ثلاث أولا ، وهذه المسائل هي :

(أولا) ما هو معنى الامر الفطري ، وبماذا يفترق عن غيره من الأمور غير الفطرية «العادية»؟

(ثانياً) هل تنطبق مواصفات الامر الفطري على التدين والاعتقاد بوجود الله؟

(ثالثاً) ما هي النصوص القرآنية والحديثية التي تصدق هذا المدعي وتدعمه؟

هذه هي الأمور التي يجب أن نبحث فيها هنا لتتضح لنا فطرية الايمان بالله واليك تفصيل القول فيها :

* * *

١٢٣

الأمور الفطرية والأمور العادية :

أن النظرة الفاحصة تقودنا إلى أن القضايا والأشياء التي تسود في حياة الانسان أو يأخذ بها تتنوع الى نوعين :

(النوع الاول) ما يكون أخذ الانسان بها ، وتعامله معها وانسياقه اليها بدافع الطبيعة البشرية المحضة ، وبدعوة الجبلة والخلقة من دون تأثير العوامل الخارجية من اقتصادية أو جغرافية أو سياسية أو غيرها ، وتسببها في ذلك.

وبعبارة أخرى : أن هذا النوع هو تلك الأمور التي يندفع اليها الأنسان في كل زمان ومكان ، وفي كل عصر ومصر ، لا تحت الظروف الطارئة المختلفة والمتغيرة بل بطلب من طبيعته وخلقته ، بحيث ان طبيعته تقتضي ذلك ، وتتطلبه وتلازمه ملازمة الزوجية للاربعة بغض النظر عن اختلاف الزمان والمكان.

فكما أن الاربعة تقتضي بطبيعتها ولذاتها الزوجية دون دخالة الظروف والأحوال ، وبغض النظر عن العاد والمعدود ، كذلك تقتضي خلقة الانسان هذه الامور وتطلبها بذاتها لا لخصوصية الزمان والمكان أو غيرها من العوامل الخارجية الاخرى.

وهذا القسم هو ما يطلق عليه وصف «الامر الفطري».

(النوع الثاني) ما يكون أخذ الانسان بها ، وجريه وراءها تحت ضغط الظروف والاحوال الخارجة عن خلقة الانسان وجبلته ، بحيث لو تغيرت هذه الظروف ، أو انتفت عدل الانسان عنها ولم يجر وراءها ، فهي مفروضة عليه من خارج لا من داخل الذات ، وهي تتغير بتغير العوامل الخارجية وتتبدل بتبدلها على العكس من الامور الفطرية التي تنبع من داخل النفس ، وتقتضيه الطبيعة البشرية بما هي وتلازمه وهذا النوع يسمى بالأمور العادية.

١٢٤

وتوضيحاً لهذين النوعين من الامور تمثل بالامثلة التالية لا على سبيل الحصر.

١) : ان الحنان الذي تبديه الام تجاه ولدها هو أحد الأمور الفطرية لدى الام بدليل ان هذه الخصيصة تلازم جميع الأمهات في جميع الأمصار والاعصار ، وهذا يكشف عن ان هذه الحالة مغروسة في ذات الانثى وان هذا الانجاب الامومي نحو الطفل والوليد نابع من طبيعتها ومعجون بجبلتها لا انه شيء مفروض عليها من الخارج بفعل الظروف ، والمؤثرات الخارجية.

ولهذا تعمد كل انثى ـ في صغرها ـ الى اتخاذ تماثيل الأطفال ، وتمثل كل ما تقوم به الامهات من حضانة ورعاية وارضاع وما شابه من مظاهر الحنان الأمومي وهذه الحالة تظهر في أجلى مظاهرها حينما تغدو أماً حقيقية وذات طفل حقيقي.

وتقابل هذا الأمر مسألة اختيار الناس لكيفية الملبس والزينة ، وهندسة البيوت والمنازل ، ونوعية الأشربة والأطعمة ، فان اشكالها وكيفياتها تتبع الظروف والاحوال المحيطية والخارجية ، وليست هذه الأشكال والكيفيات بخصوصها مما تحتمه الطبيعة الانسانية أو تفرضها جبلة البشر بحيث لا يمكنه أن يحيد عنها.

ولهذا لا يتفق فيها الناس بل تتعدد مسالكهم واختياراتهم فيها ، تبعا للتقاليد ، والظروف الجغرافية أو الثقافية أو السياسية أو غيرها ، وان كان أصل الميل الى المأكل والمسكن ، والحاجة اليهما حاجة فطرية ، وأصل الرغبة في الزينة والتجميل أمرا طبيعيا مغروسافي ذات البشر ، وانجذاباً جبلياً لا يسع الانسان التخلي عنه ، أو تجاهله وتغافله.

٢) الناس جميعا يميلون بطبعهم الى العدل والقسط ، ويكرهون الحيف والظلم وينفرون منهما اذا تجردوا عن سائر العوامل التي تقهرهم على تجاهل

١٢٥

ما تقتضيه الفطرة.

وتلك رغبة شاملة ودائمة يتساوى فيها جميع أبناء الانسان ولا تنحصر بزمن دون زمان ، أو مكان دون مكان ، ويشهد بذلك سعي البشرية في جميع أدوار التاريخ الى اقامة العدل ، واجراء القسط.

كما ويدل على ذلك أيضا اتفاق الناس جميعا في ذلك حتى اننا نجد قطاع الطرق يتواصون بالتزام العدل ، والقسمة العادلة اذا سرقوا متاعا أو ابتزوا مالا!!

وما هذا الالان الرغبة في اجراء القسط ، والميل الى العدل أمور مغروسة في جبلة البشر وفطرتهم ، بلا استثناء.

ويقابل ذلك ما نجده من التنوع والاختلاف في انماط الحكم فان سيادة انظمة حكم مختلفة في حياة الناس نمطا بعد نمط ولونا بعد لون دون البقاء على نمط واحد يكشف عن ان هذه الاشكال بخصوصها لم تكن بحكم الطبيعة البشرية ، ولا أنها مقتضى جبلة الانسان والالما تغيرت من نمط الى نمط ، ولما تبدلت من لون الى لون ، بل هي وليدة الظروف والعوامل الخارجية وان كان أصل الرغبة في اقامة النظام ، واجراء العدل على يد حاكم أمرا فطريا.

وبهذا يتضح ان الامور التي يندفع اليها الانسان لا تخرج عن نوعين :

اما ان تكون أموراً فطرية تدفع اليها طبيعة البشر وجبلتهم ، واما ان تكون أموراً عادية يندفع اليها تحت تأثير العوامل الخارجة عن طبيعته وخلفته.

علائم الامر الفطري :

وتتلخص علائم الامر الفطري في أربعة :

١ ـ حيث ان الامور الفطرية ذات جذور غريزية في باطن الانسان وطبيعته

١٢٦

البشرية لذلك فهي تتصف بالشمولية والعمومية ، فليس هناك أحد من أبناء البشر من يفقدها ويخلو منها.

٢ ـ الامور الفطريه تتحقق وتنوجد في كيان الانسان بوحي الفطرة وندائها ولا تحتاج الى تعليم معلم وان كان نموها ورشدها يحتاج الى ذلك.

٣ ـ كل فكرة أو عمل تكون ذات جذور فطرية لا تخضع لتأثير العوامل السياسية والجغرافية والاقتصادية بل هي تعمل وتتحقق بعيدة عن نطاق وضغط هذه العوامل.

٤ ـ الدعايات المكثفة والمستمرة ضد الأمور الفطرية يمكن أن تضعفها وتحد من نموها ، ولكنها لا تتمكن من استئصالها والقضاء عليها بالمرة.

هذه هي علائم فطرية شيء وأما الأمور العادية غير الفطرية فهي :

أ ـ محلية ، خاصة بمكان دون مكان.

ب ـ تختفي تحت تأثير للعوامل المحيطية.

ج ـ تنشأ وتخضع لتعليم معلم.

د ـ تزول نهائيا بسبب الدعايات المضادة.

* * *

هل تنطبق صفات الأمر الفطري على التدين؟

بعد أن عرفنا علائم الأمر الفطري يتعين علينا الان أن نرى هل تنطبق هذه العلائم والمواصفات على التدين ، لنعرف ما اذا كان الايمان بالله والاعتقاد بوجوده أمر فطرياً أم لا؟

أن النظر الدقيق يقودنا إلى أن جميع هذه العلائم تنطبق على مسألة التدين والايمان بوجود الله وتجري عليه ، واليك اثبات ذلك فيما يلي :

١٢٧

١ ـ التدين ظاهرة تاريخية عريقة :

من خلال النظر في حياة الشعوب وسلوكهم تجد أن التدين حالة عامة ، وان الانجذاب الى ما وراء الطبيعة ، والايمان باله قضية عالمية لا تختص بقوم دون قوم ولا تقتصر على عصر دون عصر.

فلو تعمقنا في التاريخ البشري ، وجدنا لدى البشر على اختلاف ألوانهم وأجناسهم ما يدل على أنهم كانوا يعتقدون بوجود اله لهذا الكون يرتبط بحياتهم وسائر شؤونهم ، ويظهرون هذا الاعتقاد في صور مختلفة ، وممارسات متنوعة تجلت في آدابهم وفنونهم وتقاليدهم ، كما تشهد بذلك آثارهم وبقايا حضاراتهم وما عثر عليه في الحفريات من مخلفاتهم.

وهم وان كانوا يختلفون في تصوير الاله الذي يجمعون على الاعتقاد به الا أن نفس اتفاقهم على أصل هذا الأمر واجماعهم في هذا الاعتقاد ينبئ عن ان هذا الميل الى الاعتقاد ، بل وهذا الاعتقاد بوجود الله كان متفقاً عليه بين أبناء البشر ، وموجوداً بينهم منذ أن شعروا بأنفسهم ، وقدروا على ضبط تفكيراتهم وهو بدوره يدل على أصالة الاعتقاد بالله وفطرية الايمان به ، وان كان هذا الاعتقاد ممزوجاً في بعض الأحيان بعض الأوهام والخرافات والتصورات الباطلة.

وقد أيد العلماء والمهتمون بدراسة الحضارات وأحوال الشعوب هذه الحقيقة الساطعة ، وأعلنوا عن تجذر التدين ، وفطرية الايمان الديني لدى الانسان بكلمات وعبارات مختلفة ، واضحة ، صريحة ، وها نحن نكتفي هنا بذكر بعض النماذج منها على سبيل المثال لا الحصر :

يقول جان ـ رـ ایورث (الاستاذ في جامعة كلمبیا) : «لا يمكن (أو يستحيل)

١٢٨

العثور على ثقافة أو حضارة لدى قوم من الأقوام الا وهو مصبوغ باحدى الصور الدينية ... آن جذور الدين والتدين ضاربة في اعماق التاريخ ... هناك في الاعماق البعيدة جداً وغير المعروفة من التاريخ» (١).

ويقول أيضاً : «اذا كان التاريخ أحد الادلة لنا ، أمكن أن نقول مستنبطين من الماضي ومن تاريخ البشرية : بأن البشر كان يحس في نفسه ـ دائماً ـ بضرورة ولزوم التواضع والخضوع أمام قوة عليا ، يعني تلك القوة التي هي منشأ كل الحقائق» (٢).

ويقول شوبنهاور : «الانسان حیوان ميتافيزيقي» (٣).

ويقول الكسیس كاریل : «الحقيقة انه يبدو أن الاحساس العرفاني حركة نابعة من أعماق فطرتنا وهي غريزة أصلية» (٤).

ويقول العالم النفساني زيجموند فروید : «الدين قوة عظمى تمتلك أقوى المشاعر البشرية» (٥).

ويقول يونج : «الرجال والنساء في وقتنا الحاضر متدينون فطريا بقدر ما كانوا في السابق» (٦).

ويقول ویل دورانت : «الايمان أمر طبيعي ، وهي وليدة حاجاتنا الغريزية ومشاعرنا» (٧).

__________________

(١) و (٢) الدين في تجارب الحياة البشرية وحوادثها.

(٣) الميتافيزيقيا لفليسين شاله.

(٤) كتاب : الدعاء لا الكسیس كاریل.

(٥) فرويد والقرويدية لفليسين شاله.

(٦) علم النفس لدى يونج لفريد افورد هام.

(٧) لذات الفلسفة.

١٢٩

ويقول باسكال الفيلسوف والرياضي الفرنسي : «القلب هو الذي يشهد وجود الله لا العقل ، والايمان يحصل من هذا الطريق» (١).

ويقول الفيلسوف والاقتصادي الفرنسي پردون : «قبل أن تكتشف عقولنا وجود الله تشهد قلوبنا بوجوده» (٢).

ويقول اشبلنجر : «ان الجذور الإلهية قوة غريزية خلاقة في وجودنا» (٢).

ويقول ارنست رنان الكاتب والمؤرخ الفرنسي المعروف : «يمكن أن يذهب ويمنحي كل ما نحبه من اللذائذ والنعم الحياتية ولكن من المستحيل ان يذهب الدين ويمنحي من بين البشر» (٤).

ولا بد من التنبيه الى أن هذه الكلمات التي نقلناها لك عن علماء وفلاسفة أجانب تشير الى حقيقتين :

الأولى : أن ظاهرة التدين ظاهرة عالمية.

الثانية : ان لمعرفة الله جذوراً فطرية في طبيعة الانسان وكيانه.

والثانية مستفادة من الأولى لان وجود مسألة التدين في جميع أدوار التاريخ وفي جميع نقاط العالم دليل على كونها أمرا جبلياً فطرياً.

ان هذا الاجماع يدل على أن الإيمان بالله متفق عليه ، وهو بدوره آية قوية على انه موجود ، اذ لا يمكن ان يكون هذا الاتفاق والتوجه مسألة اعتباطية ، وبلا معنی ، وبلا مبرر واقعي ومنطقي ، وبدون أن تكون هناك حقيقة واقعة هي التي تجذب كل هذه النفوس نحو نفسها.

__________________

(١) سير حكمت در اروپا لفروغى بالفارسية.

(٧) قصص القرآن للبلاغي.

(٣) فلسفة التاريخ لامرى أنف.

(٤) سير حكمت در اروپا.

١٣٠

٢ ـ التدين لا يوجد بسبب التعليم :

ان دراسة الانسان وحالاته تفيد بأن التدين يظهر لديه ظهوراً تلقائياً من دون تعليم معلم أو تلقين أحد ، وتبرز هذه الحالة في أقوى مظاهرها في فترة البلوغ خاصة ، فالشاب في هذه الفترة يفكر في خالق الكون ، ويفتش عنه ، ويكثر من الأسئلة حول ما وراء الطبيعة بوحي من فطرته وذاته لا بدافع من تعليم معلم أو تلقين ملقن.

وهذه الحقيقة توصل الى اكتشافها علماء النفس والاجماع مؤخراً ، ونذكر على سبيل المثال ما كتبه «استانلي هال» بناء على ما جاء في كتاب البلوغ لـ : «موریس دبس» اذ يقول : كأن جميع علماء النفس اتفقوا على هذه النقطة وهي ان بين ظاهرة البلوغ ، والقفزة الفجائية في المشاعر الدينية ارتباطاً وصلة».

ففي هذا الحين بالذات يظهر لدى الانسان نوع من النهضة الدينية حتى عند اولئك الذين كانوا قبل ذلك من غير المكترثين بقضايا الدين والايمان ويعودون ـ بعد فترة الكمال والنضج هذه ـ الى نفس الحالة السابقة من اللامبالاة بالنسبة الى قضايا الدين أيضاً.

وحسب نظرية «استانلي هال» فان أكبر قدر من هذه المشاعر الدينيّة تظهر في حدود السنة السادسة عشرة ، وهذا التحول يمكن اعتباره صورة مختصرة عن اتساع الشخصية لدى الشباب ، وتكاملها.

ثم يقول : «وأما الذين مروا في طفولتهم بتربية دينية فلا تظهر عندهم هذه النهضة والوثبة الدينية بصورة فجائية ، بل تشتد محبة الله لديهم في هذه الفترة ـ وحسبما يقول «پ بووه» ـ تختلف هذه الرابطة والعلاقة عن العلاقة التي كانوا يحسون بها في دنيا الابوة والبنوة عندما كانوا صغاراً.

١٣١

وهذا العشق والحب يتخذ صورة نوع من أنواع التعاون ، وخصوصاً بين الفتيات مقروناً بالقفزات العرفانية ، وبالتالي فان في هذه الفترة بالضبط تظهر التوجهات والاحساسيس الدينية في صورة دقيقة (١).

نعم إن هذه الظاهرة وان كانت لا تحتاج في نشوئها الى تعليم أو تلقين ، ولكنها تفتقر في نموها وتكاملها إلى المعلم ، فتتكامل اذا توفر التعليم الصحيح ، والتوجيه الصالح ، حتى تتخذ صورة الايمان الواضح والعقيدة اليقينية.

٣ ـ التدين ليس وليد العوامل المحيطية :

ان وجود التديّن في جميع البلاد والمناطق ، على اختلاف مناخاتها ، وطقوسها الجوية ، واختلاف أحوالها الطبيعية خير دليل على فطرية هذه الظاهرة ، والا لزم أن يكون التدين موجوداً في بلد دون آخر تبعاً للجو والطقس وغيره من العوامل المحيطية والبيئية كما هو الحال بالنسبة الى أشكال الألبسة ، وكيفيات المطاعم والمآكل ، وهندسة البيوت والأبنية التي تختلف من قطر الى قطر ومنطقة إلى منطقة تبعاً للظروف المحيطية المتنوعة.

فأنى ضربت في ارجاء هذه المعمورة وجدت المساجد والمعابد ، والكنائس والأديرة ، والهياكل والاماكن المخصصة للعبادة ، وسمعت أصوات الأذان ، ودقات النواقيس تخترق الفضاء وصيحات الذكر والدعاء ، والضراعة والابتهال تتعالى في الأجواء ، ورأيت قرابين تقدم ، ووجدت بخوراً ونشيداً وطقوساً والتماسات من غير فرق بین قارة وأخرى ، ومنطقة وثانية ، وشعب وآخر.

فالتدين ظاهرة عالمية شاملة وليست تابعة للعوامل المحيطية أو الجغرافية.

__________________

(١) ـ كتاب «البلوغ» لموريس دبس ـ الاستاذ في جامعة استراسبورغ ـ مترجما.

١٣٢

٤ ـ التدين لا یزول بفعل الدعاية المضادة :

آن بقاء ظاهرة التدين في البلاد التي تكثر فيها الدعاية المركزة ضد العقيدة الدينية والايمان بالله كالاتحاد السوفياتي وغيرها من البلاد الاشتراكية والشيوعية رغم تقادم الزمن ، وتوالي سنين طويلة وعديدة على مبدأ هذه الدعاية ، خير شاهد على أنّ هذه الظاهرة نابعة من فطرة الناس ومن أعماق جبلتهم وطبيعتهم التي لا يمكن أن تنالها أيدي الازالة والمحو ، ولا تجدى في استئصالها محاولات القمع والابادة.

واليك فيما يلي نماذج من الاعترافات المنشورة في صحف روسية تشهد بهذه الحقيقة أي بقاء واستمرار التدين والاعتقاد بالله في أعماق الناس رغم شدة الدعايات المضادة.

١ ـ تجتذب البقاع والمزارات المقدسة باستمرار اعداد كبيرة من المسلمين ومن جملة هذه الأماكن المقدسة جبل سليمان في «قرقيزيا» ورغم أن حرس «كمسمل» المنتشرين حول هذا الجبل يمنعون الناس من ارتياده فان الناس لا يكترثون بهذا المنع ، وقد قررت اللجنة المركزية للحزب في هذه المنطقة هدم المزار الموجود في هذا الجبل ولكن العمال المسلمين الذين كلفوا بهدمه امتنعوا عن ذلك. (١)

٢ ـ شكت جريدة قرقيزية من انه لا تزال هناك الى الان بقایا ورواسب دينية مستمرة بقوة لدى جماعات من الشباب. (٢)

٣ ـ يجتمع في مسجد لینینگراد الأن في أيام العطل الدينية ما يقرب من

__________________ـ

(١) ـ كمسمل قيرقیزي ـ اول مارس ١٩٦٤ م.

(٢) ـ كمسمل قيرقيزي ابريل ١٦٥ م.

١٣٣

(١٢) ألف شخص (١) وفي الاعياد الاسلامية الكبرى تمتلئ الأزقة المجاورة لمسجد موسكو ودهاليزه وساحاته بجموع المصلين الذين يفيضون ایمانا. (٢)

* * *

التدين ونظرية البعد الرابع :

وربما عبر عن هذه الفطرة الدينية ، أو التدين الفطري بالبعد الرابع للروح الانسانية وذلك عندما استطاع (في حدود عام ١٢ م) أحد الفلاسفة الالمان باسم «رودلف ات» أن يثبت بأن هناك إلى جانب العناصر العقلية والأخلاقية في كيان الانسان عناصر فطرية وراء العقل هي منشأ الحس الديني.

ففي مقال تحت عنوان «البعد الرابع للروح الانسانية» نشر في مجلة باريسية في اكتوبر ١٥٨ م جاء :

«يتميز هذا العصر بأنه اكتشف فيه مقولة رابعة الى جانب المفاهيم الثلاثة : الجمال والخير والحق وهي مقولة قدسية أو الهية وتشكل في الحقيقة البعد الرابع للروح الانسانية».

وهذا يعني انه كما يوجد في الانسان انجذاب طبيعي وفطري نحو الحق والخير والجمال ، فان لديه ايضا انجذاباً طبيعياً أو فطرياً ، نحو «قوة عليا» وراء الكون ونظامه : وهذا هو معنی قولنا التدين قضية فطرية.

* * *

النصوص الاسلامية الدالة على فطرية التدين

بعد أن وقفنا على بعض الأدلة التاريخية والنفسية على فطرية الايمان بالله

__________________

(١) ـ برافدا لينينغراد ١٦٥.

(٢) ـ كمسمل مسكو ٢٩ / اكتوبر / ١٦٤ م.

١٣٤

حان لنا ان نقف على النصوص الاسلامية التي تدل على هذه الحقيقة ايضا ، وهي كثيرة نكتفي بذكر نماذج منها هنا :

القران الكريم وفطرية التدين :

هناك آيات كثيرة في القران الكريم تدل على فطرية الايمان بالله وتجذر الاعتقاد بوجود الله في اعماق النفس البشرية ولكن اكثر هذه الايات صراحة في هذا المجال هو قوله تعالی :

فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا ۚ فِطْرَتَ اللَّـهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ۚ لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّـهِ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (سورة الروم ـ الاية ٣)

فهذه الاية ظاهرة ظهورا قویا في فطرية الاعتقاد بالله واليك توضيحها اجمالا :

«فاقم وجهك للدين حنيفا» الحنف هو الاستقامة والحنيف هو المستقيم ولفظة حنيفا» اما حال لضمير «أقم» فيكون معناه اقم في حال كونك مستقيما ، أو حال «للدين» فيكون معناه للدين في حال كونه مستقيما ، وعلى كل تقدير فمعنى قوله «اقم وجهك للدين حنيفا» اي اتجه صوب الدين اتجاها مستقیما لا مائلا الى اليمين ولا الى الشمال ، او اتجه الى الدين المستقيم الذي ليس فيه ميل الى احد الجانبين.

ثم انه سبحانه يفسر «الدين» الذي يجب التوجه اليه بقوله : «فطرت الله التي فطر الناس عليها» والفطرة بمعنى الخلقة (١) بقرينة قوله ـ سبحانه «لا تبديل لخلق الله» وتشير الجملة إلى أن ذلك الذي يجب التوجه اليه هو مما جبل الانسان عليه

__________________

(١) ـ في قاموس اللغة في مادة الفطرة : «الفطرة تعني الحلقة التي خلق عليها المولود في رحم أمه». وفي أقرب الموارد نقلا عن كتاب الكليات : «الفطرة هي الصفة التي يتصف بها كل مولود في اول زمان خلقته».

١٣٥

فاصغاؤه لدعوة الدين انما هو في الحقيقة اصغاء لنداء الفطرة غيرناه عنه ولا منكر له ، ومن انحرف عن ذلك فانما هو بالاغواء.

ومنه قوله (ص) : «كل عبادي خلقت حنفاء فاجتالتهم الشياطين عن دينهم وامروهم أن يشركوا بي غیري».

واما قوله : «لا تبديل لخلق الله» فيعني لا تتبدل تلك الفطرة ولا تتغير ، «ذلك الدين القيم» أي الدين المستقيم الذي لا اعوجاج فيه «ولكن اكثر الناس لا يعلمون». (١)

فالاية اذن بظاهرها تفيد بان قضايا الدين وفي رأسها الاعتقاد بالله وتنزيهه عن الشريك مما فطر الانسان عليه ، وان جبلته مزيجة بمثل هذا الاعتقاد ومثل هذا الايمان.

ويؤيد ذلك ما ورد في كتب الفريقين من احاديث في تفسير هذه الآية وما ورد فيها من كلمة الفطرة ، واليك بعض هذه الأحاديث :

١ ـ عن زرارة عن الامام محمد بن علي الباقر عليه السلام حينما سأله عن معنی قول الله عز وجل في كتابه «فطرت الله التي فطر الناس عليها» قال مجيبا : «فطرهم على التوحيد ...» (٢).

٢ ـ عن عبد الله بن سنان عن الامام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام ـ لما سأله عن قول الله عز وجل «فطرة الله التي فطر الناس عليها» ما تلك الفطرة فقال : «هي الاسلام ، فطرهم الله حين اخذ ميثاقهم على التوحيد» (٣).

٣ ـ لما سأل هشام بن سالم الامام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام عن معنی الفطرة في هذه الاية قال : «فطرهم على التوحيد» (٤).

__________________

(١) راجع الكشاف تفسير سورة الروم.

(٢ و ٣ و ٤) ـ تفسير البرهان ج ٣ صفحة ٢٦١ ـ ٢٦٣ والتوحيد للصدوق.

١٣٦

٤ ـ في صحيح البخاري في تفسير هذه الآية : عن النبي (ص) ـ «ما من مولود الا يولد على الفطرة ثم ابواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه» ثم قال (ص) «فطرة الله التي فطر الناس عليها» (١) وهو حديث مروي عند الفريقين.

وقد كشف حديث آخر ـ وبصراحة عن ان الميل الى الله والاعتقاد بوجوده والانجذاب نحوه شيء طبيعي في كل انسان ، وليس للانسان نفسه او غيره اي اثر في تكوينه ، وايجاده ، وذلك عندما سئل الامام جعفر بن محمد الصادق عن المعرفة (ای معرفة الله) صنع من هي؟

قال ـ عليه السلام ـ : «من صنع الله عز وجل ليس للعباد فيها صنع» (٢).

وعن الامام الصادق عليه السلام ـ أيضاً قال :

«ستة أشياء ليس للعباد فيها صنع (أي اختیار) : المعرفة ...» (٣).

وعن أبي بصير أنه سئل الامام الصادق عن المعرفة أهي مكتسبة؟ فقال : لا. فقيل له : فمن صنع الله عز وجل ومن عطائه هي؟ قال نعم ، وليس للعباد فيها صنع. (٢).

وبعض هذه الأحاديث وان كانت تدل بالدلالة المطابقية على ان توحید الله وتنزيهه عن الشريك أمر فطري ، ولكنها تدل بالدلالة الضمنية على ان الاعتقاد بوجوده فطري كذلك أيضاً اذ لا يمكن وصفه بالوحدانية الا بعد الاذعان فطرياً بوجوده ، فالاعتراف بتوحيده انما هو في الحقيقة بعد الفراغ من الاذعان باصل وجوده.

٢ ـ قوله تعالی : وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُم مُّنِيبِينَ

__________________

(١) ـ التاج الجامع للاصول ج ٤ ص ١٨ وكذا في المصدر السابق.

(٢ و ٣ و ٤) التوحيد للصدوق ص ٤١ و ٤١٢ و ٤١٦.

١٣٧

إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا أَذَاقَهُم مِّنْهُ رَحْمَةً إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُم بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ (الروم ـ ٣٣)

ان هذه الآية التي جاءت بعد آية الفطرة ـ التي سبق أن ذكرناها ـ ونظائرها تشير بوضوح إلى أن الاعتقاد بوجود الله مغروس في فطرة الناس ، فهم ينبیون اليه عند الشدائد ويستغيثون به ويطلبون منه العون والنجاة (١).

ولا يتوهم أن الشدائد والنوائب هي التي تدفع بالانسان الى أن يتصور آلها منقذاً فيلجأ اليه ويلوذ به وكأن الاعتقاد بوجود الله وليد المصائب ، كلا بل لأن الشدائد توقظ الفطرة وتعيد الانسان اليها وتزيح ماران عليها من غبار الغفلة والنسيان فيسمع الانسان نداءها ، ويصدق بوحيها ..

أجل انها العودة الى الفطرة التي عبر عنها القرآن الكريم بقوله : «منيبین اليه» فمثل الانسان الغارق في اللذائذ والشهوات التي ربما تغطي على الفطرة وتوجب خفاءها ، والغفلة عنها ، مثل الصبي المتعلق بأمه فطرياً ولكنه قد ينساها أحياناً اذا غرق في اللعب ، فاذا أصابته جراحة اندفع الى امه وأناب اليها واستغاث بها بوحي فطرته.

الأحاديث وفطرية الايمان بالله :

من تتبع الاحادیث وسبرها وجد احاديث كثيرة تدل على فطرية التدين ،

__________________

(١) ومثلها الاية ٦٥ من سورة العنكبوت ومطلعها : فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ ... والاية ٥٣ من سورة النحل ومطلعها : وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللَّـهِ ۖ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ ... والاية ٢٣ سورة يونس ومطلعها : هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ۖ حَتَّىٰ إِذَا كُنتُمْ فِي الْفُلْكِ ... والاية ١٢ من سورة يونس ومطلعها : وَإِذَا مَسَّ الْإِنسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا ... ومثلها الاية ٨ و ٤٩ من سورة الزمر والاية ٣٢ من سورة لقمان ومطلعها : وَإِذَا غَشِيَهُم مَّوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّـهَ وغيرها.

١٣٨

ووجود الايمان بالله في اعماق النفس البشرية منذ ان يوجد الانسان ويولد ، واليك بعضها :

١ ـ قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم «كل مولود يولد على الفطرة يعني المعرفة بأن عز وجل خالقه» (١).

وقد جاء المقطع الأول من هذا الحديث في النهاية لابن الأثير واوضحه بقوله : المعنى انه يولد على الجبلة والطبع المتهيء لقبول الدين ، فلو ترك عليها لاستمر على لزومها ولم يفارقها الى غيرها وانما يعدل عنه من يعدل لانه من آفات البشر والتقليد ، وقيل معناه كل مولود يولد على معرفة الله والاقرار به فلا تجد أحداً الا وهو يقر بأن له صانعاً ، وان سمّاه بغير اسمه أو عبد معه غيره (٢).

٢ ـ عن الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام ـ في نهج البلاغة : «فبعث الله فيهم رسله وواتر اليهم أنبياءه لیستأدوهم ميثاق فطرته ، ويذكروهم منسي نعمة» (٣).

فقوله ـ عليه‌السلام ـ : «واتر اليهم رسله» أي ارسلهم واحداً بعد واحد ، وان كان بين نبي وآخر فترة.

وقوله ـ عليه‌السلام ـ : «ليستأدوهم میثاق فطرته» أي ليطالبوهم بما تقتضيه فطرتهم وما تسوقهم اليه غرائزهم وجبلتهم.

وقوله ـ عليه‌السلام ـ : «ويذكروهم منسي نعمته» اشارة الى ان الدين هي النعمة

__________________

(١) بحار الانوار ج ٣ ص ٢٧ ومثله قوله (ص) : «ما من (لیست) نسمة تولد الا ولدت على الفطرة» كما في مسند أحمد وقوله (ص) : «كل انسان تلده أمه على الفطرة» كما في صحيح مسلم.

(٢) النهاية لابن الأثير مادة «فطر».

(٣) نهج البلاغة الخطبة رقم ١.

١٣٩

العظمى وهي أمر يعرفه الانسان بفطرته النقية ، ولكنه ربما ينساها ويغفل عنها بسبب سيطرة الشهوات والوساوس ، فيبعث الله الانبياء ليذكروا الانسان بما نسبه وما أودع في فطرته.

ان في هذه الكلمات دلالة واضحة على أن الاعتقاد بالله ، والايمان بوجوده مما أودع في جبلة الإنسان ، ولأجل ذلك أخذ منه الميثاق بالعمل على طبق فطرته ، وبعث الأنبياء ليذكروه بهذه الحقيقة كلما طرأ عليه النسيان.

٣ ـ ما دار بين الامام جعفر الصادق ـ عليه‌السلام ـ ورجل : قال الرجل : يا ابن رسول الله دلني على الله ما هو؟ فقد أكثر علي المجادلون وحيروني.

قال الامام : یا عبد الله هل ركبت سفينة قط؟ قال : نعم.

قال ـ عليه‌السلام ـ هل كسرت بك حيث لا سفينة تنجيك ولا سباحة تغنيك؟ قال نعم.

قال ـ عليه‌السلام ـ فهل تعلق قلبك هناك أن شيئاً من الاشياء قادر على ان يخلصك من ورطتك؟ قال : نعم.

فقال الامام ـ عليه‌السلام ـ فذلك الشيء هو الله القادر على الانجاء حيث لا منجي وعلى الاغاثة حيث لا مغيث (١).

٤ ـ قال الامام الحسن العسكري «الله هو الذي يتأله اليه عند الحوائج والشدائد كل مخلوق عند انقطاع الرجاء من كل من دونه» (٢).

٥ ـ قال الامام محمد الباقر في معنى قوله تعالى : حُنَفَاءَ لِلَّـهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ : «هي الفطرة التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ... فطرهم على معرفته» (٣).

__________________

(١) بحار الانوار للعلامة المجلسي ج ٣ ص ٤١ عن معاني الأخبار للصدوق ص ٤.

(٢) بحار الانوار ج ٣ ص ٤١ عن كتاب معاني الاخبار ص ٤.

(٣) تفسیر البرهان ج ٣ ص ٢٦١ ـ ٢٦٣.

١٤٠