الله خالق الكون

الشيخ جعفر الهادي

الله خالق الكون

المؤلف:

الشيخ جعفر الهادي


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: منشورات مؤسسة سيّد الشهداء العلميّة
المطبعة: مطبعة سيد الشهداء عليه السلام
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٤٠

بأي قلق ، ولا يتعرض لأية أزمة روحية.

تلك هي بعض الاثار البناءة والثمار الروحية الطيبة التي تترتب على الاعتقاد بالله سبحانه.

ولنستمع الى القرآن الكريم وهو يعلن بصراحة بان ما يدعو اليه من ایمان بالله واليوم الآخر هو وحده القادر على توفير ما ينشده الانسان من السكينة والطمأنينة والأمن والدعة اذ يقول سبحانه :

ا ـ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُولَـٰئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ

(الانعام ـ ٨٢)

٢ ـ أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّـهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ

(يونس ـ ٦٢)

٣ ـ أَلَا بِذِكْرِ اللَّـهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (الرعد ـ ٢٨)

٤ ـ هُوَ الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا

(الفتح ـ ٣)

فاذا كان للعقيدة الدينية مثل هذا الأثر العظيم في صميم حياتنا من تخفيف الالام النفسية ، وطرد الهواجس ، فهل من الصحيح أن نعرض عن البحث فيها ودراستها ، أم أن العقل يحتم علينا أن نولي العقيدة ودراستها اهتماماً جدياً لما ينطوي عليه ذلك من هذا الأثر النفسي والروحي الخطير؟؟

* * *

٤) الاعتقاد بالله دعامة الأخلاق :

الانسان كتلة هائلة من الغرائز التي لا تعرف الحدود ، ومجموعة من الشهوات والمطامع والطموحات التي لا تعرف نهاية ، فاذا ترك وشأنه لينال ما تدفعه اليه

١٠١

شهواته وغرائزه جر على نفسه وعلى مجتمعه الفساد والفناء ، لتضارب المصالح والمطامع والطموحات ، وعجز الانسان عن الوصول إلى كل ما يريده الا على حساب صحته وسلامته ، وانسانيته ، وقيمه ، ومنع الاخرين من الوصول إلى مطامحهم وأهدافهم.

ان ما يعانيه العالم المعاصر من ويلات ومصائب ليس الا من اطلاق العنان لهذه الغرائز مثل حب الذات والمال والجاه ، وغريزة الغضب والجنس ، والافراط في استخدامها ، والانسياق وراءها.

من هنا طرح المصلحون الاجتماعيون مسألة «الأخلاق» التي تهتم بتعديل هذه الغرائز وقولبتها ووضعها في المسار الصحيح ، والحد من جموحها وغليانها.

الا ان التقيد بالأخلاق لما كان يلازم التنازل عن بعض الطموحات والحرمان عن بعض المكاسب غالباً ، لم تستطع التوصيات الأخلاقية وحدها من السيطرة على الغرائز وتعديلها فكان لابد من شيء يعزز مكانة الأخلاق ، وأفضل شيء في هذا المجال هو أن يشعر الأفراد بأن هناك ثواباً وعقاباً : الثواب لمن التزم طریق العدالة والاعتدال واحترم حقوق الاخرين وحدودهم ، والعقاب لمن خالف ذلك ، وهذا لا يأتي الا عن طريق العقيدة الدينية ، والايمان بالله واليوم الاخر وما يلازم ذلك من رقابة وحساب دقيق.

اذا عرف الفرد أن السعادة الاخروية منوطة بحسن استخدامه للغرائز وأن تجاوز الحدود المعقولة المرسومة لها لا يخلو عن عقاب وحرمان في الاخرة ، فان مثل هذا الاعتقاد كاف لدفعه ، وحمله علی مراعات الحدود والبقاء ضمن الاطار الاخلاقي في جميع الحالات.

على أن تأثير الاعتقاد بالله واليوم الآخر لا ينحصر في تعديل الغرائز بل يتعداه الى تنمية الفضائل والسجايا في الانسان ، فالانسان لم يزود بالغرائز فقط

١٠٢

بل زود بخمائر الفضيلة وبذور السجايا الكريمة.

وبعبارة أخرى أن الفضائل والسجايا الكريمة جزء من فطرة كل انسان ، وان الميل إلى الخير وكراهة الشر أمران مغروسان في جبلة البشر فهم يحبون الخير وأهله ويكرهون الشر وأهله ولكن هذه البذور والخمائر لا تستطيع مقاومة الغرائز ومزاحمة الشهوات الا اذا قویت ونمت ، وهي لا تنمو الا في ظل الدين الذي ينطوي على الاعتقاد بالله واليوم الآخر وما وعد فيه من مثوبات عظيمة على الخيرات ، أو عقوبات شديدة على ارتكاب الشرور والاثام وبهذا تكون العقيدة خير وسيلة لتنمية السجايا النبيلة في الكيان الانساني وخير سبيل الي تقويتها ودعمها.

ولنستمع الى القرآن وهو يقرر هذه الحقيقة اذ يقول :

١ ـ أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىٰ تَقْوَىٰ مِنَ اللَّـهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَم مَّنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىٰ شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّـهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (التوبه ١)

٢ ـ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّـهِ وَلَوْ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ (النساء ١٣٥)

٣ ـ أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ * فَذَٰلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ * وَلَا يَحُضُّ عَلَىٰ طَعَامِ الْمِسْكِينِ (الماعون ١ ـ ٣)

فالآية الأولى تفيد ان أي بناء اخلاقي لا يقوم على أساس الايمان بالله ، واليوم الآخر فهو بناء منهار لا محالة.

والآية الثانية تفيد أن القيام بالعدل والقسط رهن بالايمان بالله واليوم الاخر ولذلك وجه الخطاب فيها الى (الَّذِينَ آمَنُوا.

١٠٣

وتفيد الايات الأخيرة بل تصرح بأن ردع اليتيم والامتناع عن اطعامه نتيجة التكذيب بالاخرة.

هذا هو الأثر الأخلاقي للاعتقاد بالله واليوم الآخر وهو جدير بأن يجعل دراسة العقيدة والتحقيق فيها في غاية الأهمية لمعالجة ما حل ويحل بالبشرية من أزمات أخلاقية خطيرة وما ينشأ على أثر ذلك من الويلات والمآسي الاجتماعية.

أن الأثر الأخلاقي للعقيدة حدا بعلماء الاجتماع الى أن يعتبروا «الدين» أفضل دعامة للاخلاق وان يعتبروا الأخلاق منزوعة عن العنصر الاعتقادي فاشلة في تأدية رسالتها ومهمتها.

* * *

٥ ـ الاعتقاد بالله ضمان لتنفيذ القوانين :

لقد تميز البشر عن غيره من الاحياء بكونه مدنيا بالطبع ميالا الى الحياة الاجتماعية ، ولتعدد حاجاته وعجزه عن القيام بها دون معونة الأخرين. وهذه حقيقة أكدها الواقع بعد أن أشار اليها علماء الاجتماع بعد سلسلة من الدراسات التاريخية في حياة الأفراد والشعوب.

بيد أن هذا النمط الاجتماعي للحياة لم يخل من التراحم والتنازع لسيبين :

١) وجود الأقوياء والضعفاء في المجتمعات.

٢) تعارض المصالح وتصادمها.

فكان لابد من وجود قانون ينظم العلاقات ، ويرسم الحدود ، ويحدد الحقوق والواجبات ، ليعيش الجميع في سلام ، ويصل الجميع الى حقوقهم الطبيعية في الحياة دون صراع.

غير أن وجود القانون وحده لم يكن كافياً وان كانت مزوداً بالبوليس والغرامة

١٠٤

والسجن ، بل لابد من وجود رادع نفساني.

وبعبارة أخرى : لا يكون وجود القانون مفيداً بمفرده إذا لم تكن معه قوة منفذة ، بيد ان القوة المنفذة الظاهرية وحدها لم تكن كافية ايضا لضمان تنفيذ القانون اذ ان مثل هذه القوة يمكنها أن تضبط الجرائم والتخلفات المكشوفة اما التخلفات الخفية والاثام التي ترتكب في الخفاء فهي بحاجة الى رقابة باطنية وبوليس داخلي ليردع الأفراد عن الجريمة حتى بعيدا عن أعين الدولة وفي غياب من البوليس.

وليس هناك بوليس داخلي أفضل من العقيدة الدينية التي تتمثل في الايمان بالله واليوم الاخر ومخافة الحساب والعقاب ، وخشية المؤاخذة والمجازاة

فقد أثبتت العقيدة انها قادرة على ردع الأفراد في جميع الحالات وحفظهم من المعصية حتى في مواجهة أشد المغريات.

فهذا هو النبي العظيم يوسف الصديق (عليه‌السلام) يتجنب المعصية وهو يواجه اغراء ليس فوقه اغراء في قصته مع زلیخا زوجة العزيز التي راودته ، ولا يفعل ذلك الا خشية الله ومخافة منه اذ قال سبحانه واصفاً ما جرى ليوسف ـ عليه‌السلام ـ :

وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ ۚ قَالَ مَعَاذَ اللَّـهِ. (یوسف ـ ٢٣)

ثم أن مثل هذا الايمان يفيض على القانون قداسة تحمل الناس على مراعاته اذا عرفوا بانه صادر عن الله الخالق العالم الحكيم والرب الكريم وبمثل هذا الاحساس وبالشعور بانهم يعيشون في حضرة ذي الجلال الذي يراهم ويراقبهم وبالخشية من حسابه وعقابه آن عصوه والطمع في ثوابه أن أطاعوه يحظى القانون بضمانات قوية لتنفيذه بحذافيره.

تلك أهم الاثار الروحية والاخلاقية والاجتماعية للعقيدة ، وما هي الا قليل من كثير.

١٠٥

ثم ان هناك جهات أخرى نذكرها بايجاز لنعرف كيف أن العقيدة تتصل بصميم الحياة البشرية.

* * *

٦ ـ التكامل في جميع الحقول رهن الاعتقاد بالله

لم يزل الانسان منذ أن جاء الى هذه الحياة ينشد الكمال ويسعى اليه بخطى حثيثة ، ويبحث عنه في كل زمان ومكان.

ان میل الانسان نحو الكمال یكاد یكون امراً مسلماً به ومتفقاً عليه عند الجميع بل ذهب البعض الى تعميمه على بقية الأحياء انما الاختلاف هو في تعيين الطريق الموصل إلى الكمال المطلوب ، فلابد من معرفة هذا الطريق.

اننا اليوم أمام نهجين يجب أن نرى أيهما يبعث على الكمال ويهدي اليه بغض النظر عن صحته وعدمها. والمذهبان هما :

١ / المنهج المادي (الالحادي) الذي يرجع الكون الى الصدفة ، وينكر وجود عالم آخر ينتظر الإنسان ، وينكر أية هدفية لهذه الحياة.

٢ / المنهج الديني الذي يرى ـ بأن للعالم خالقاً حكيماً ابدعه لحكمة وانشأه لهدف وأن هناك حياة أخرى عليه أن يهيئ نفسه لها عن طريق التربية ، وانه لم يخلق سدی ، وان حياته مستمرة بعد الموت ، فلا صدفة ولا عبثية ولا فوضى ولا ضياع ، بل رقابة وحساب ، وثواب او عقاب ، وجنة او نار ، سعادة ابدية أو شقاء دائم في العالم الاخر.

ترى أيهما يدعو الى التحرك ويسوق الانسان نحو الكمال اللائق به الأول أم الثاني؟ الا يستحق هذا الأمر أن يدفعنا إلى البحث في هذين المذهبين لمعرفة الحقيقة؟

١٠٦

انه لاشك أن الرؤية الدينية هي التي تقود نحو الكمال ، وحينئذ ألا يجدر بنا أن نبحث عنها ، ونتدارسها ، لنصل الى الكمال خلقيا كان أم فكريا أم اجتماعيا؟

وفي الختام نذكر القارئ بأن هناك جهة سابعة توجب البحث في قضايا العقيدة وهي أن المعرفة التي يدعيها المادي عن هذا الكون معرفة ناقصة لانه يرى الكون وكأنه مصنف قدیم سقطت أوراقه الاولى والاخيرة ، فهو لا يدري من خلق الكون كما لا يعرف شيئاً عن مصيره ، ولكن صاحب العقيدة الدينية يعرف مبدأ الكون ومنتهاه بفضل ما اتاحت له العقيدة من معلومات مبرهنة ولذلك فهو يمتلك معرفة كاملة ، أو انها أكمل من معرفة المادي على الاقل وهذه الجهة جديرة بأن تجعل دراسة العقيدة الدينية ذات أهمية بالغة اذ بسبها يحصل الانسان على معرفة اكمل ، واشمل.

هل الاعتقاد بالله يلازم نسيان الشخصية

التدين يساوق الانخلاع عن الشخصية الإنسانية ، ويستلزم تناسيها!

هذه المقالة التي نجدها في كتب الماديين تعني أن الاعتقاد بالله والخضوع له ، والارتباط به سبب لانخلاع الانسان عن شخصيته ، وعن ذاته الانسانية ، ونسيانها بينما نجد القران الكريم يری عكس هذا ، اذ يعتبر غفلة الانسان ونسيانه له سبحانه سبباً لغفلته عن نفسه وذاته وشخصيته اذ يقول :

وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّـهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ (الحشر ـ ١)

من هنا يتعين علينا أن نقف قليلا عند هذه المقالة الخطيرة ، وتتناولها بشيء من الدراسة والبحث ، لتتجلى الحقيقة باجلی مظاهرها بعد أن تتبدد السحب والغيوم. فنقول : ان ظهور الموقف الحق ـ في المقام ـ اعني هل ان الاعتقاد

١٠٧

بالله الكامل المطلق يوجب التوجه الى الشخصية والنفس الإنسانية أم أن مثل هذا الاعتقاد ومثل هذا التوجه الى الله انخلاع عن الشخصية وغفلة من الانسان عن واقعه ، يتوقف على بيان امور :

أ ـ الارتباط بالكامل موجب للتكامل

لاشك ان ارتباط الموجود الناقص بالكامل وتوجهه اليه موجب للتكامل.

والتدين ليس في حقيقته سوی ارتباط الكائن الناقص بالموجود الكامل ، المطلق في كماله ، ارتباط الناقص بما هو جمال محض ، وخير محض ، وكمال محض ، ذلك المنزه من كل عيب ، المبرأ من كل نقص.

وبالتالي أن التدين هو الارتباط بالموجود العالم القادر الذي أوجد العالم وارسى دعائمه وخلق الانسان واعطاه مقومات حياته.

فتعقل هذا الموجود العظيم الكامل ، والتوجه اليه يوجب تكامل الانسان ، ورقيه الى قمة الكامل المعنوي والروحي.

كما يوجب أيضاً علم الانسان بالعالم المحيط به ، وما وراءه ، مضافاً إلى انه يخفف من غروره ونخوته ، ويقلل من تكبره وتعنته.

آن توجه الإنسان إلى الله سبحانه وتعالى يشبه الى حد كبير توجهه نحو العلم وما شاكله ، فهل يصح لاحد أن يقول ان علاقة الإنسان بالعلم والمعرفة والفن والقيم المعنوية والمثل الأخلاقية توجب انفصامه عن شخصيته ، وغيبته عن ذاته ، أم ان مثله في ذلك مثل علاقة التلميذ باستاذه الرؤوف حيث لا يطلب من وراء هذه العلاقة سوى اكمال نفسه ، وتكمیل عقله ، واغناء فكره ، وتنمية مواهبه.

أن مسألة اصالة الانسان التي طرحها «فورباخ» استاد ماركس لا تعني ان نقطع

١٠٨

علاقات الانسان بالعلم والفن والقيم الأخلاقية بحجة ان توجه الانسان الى هذه الأمور يوجب الغفلة عن ذاته وشخصيته فلو كان المادي عارفاً بالاثار البنائة للتدين لما تصور أن التدين يوجب غياب الشخصية الانسانية.

أن المادي يتصور أن الله ـ كأي حاكم جائر مستبد ـ يلتذ من خضوع العباد له وتذللهم امامه ، كما ويلتذ من انسحاق شخصيتهم وانهيار كرامتهم وانسلاب ارادتهم ، مع أن للعبادة معنى آخر غير هذا وهو ان الانسان عند ادراكه الكمال المطلق يرى نفسه ـ بالوجدان والذات ـ ضعيفاً وصغيراً ازاءه.

كما انه بالوقوف على نعمه واحسانه وتفضله في حقه يندفع بنفسه الی تقديره بعبادته ، وشكره بالخضوع أمامه.

وعلى هذا الأساس لا يكون التدين والخضوع لله وعبادته هدماً للشخصية الانسانية ، ونسياناً أو تناسياً لها ، انما هو خضو ع بعد ادراك الكمال ، أو تقدیر بعد الوقوف على ماله من الانعام والافضال.

ب ـ جذور التدين في الشخصية الانسانية

لقد اثبت الالهيون بأن التدين امر فطري في ذات الانسان وجوهره ، وجبلته وان التوجه اليه سبحانه تلبية طبيعية لنداء صادر من اعماق ذاته ، وان ذاته قد فطرت على هذا الأمر ، وعجنت به عجناً فلا يمكن حذف التدين من قاموس حياته ولا يمكنه تر كه مطلقاً.

وعلى هذا الأساس لا يكون التدين والتوجه الى الخالق المتعال غفلة عن الذات بل هي استجابة لنداء الذات ، وتلبية لطلبها ، تماماً مثل التوجه الى سائر الأمور الغريزية ، والفطرية ، فهما في هذا الناحية شرع سواء.

فحب الاستطلاع ، وحب القيم الأخلاقية ، والرغبة في الفن ، والجمال

١٠٩

وغيرها مما فطر عليه الانسان والانسياق وراء هذه الأمور لا يكون ـ مطلقاً ـ انقطاعاً عن الشخصية ، وابتعاداً عنها ، ونسيانا لها ، بل هو عين التوجه الى الشخصية ، وعين الانتباه اليها.

وبذلك يتجلی معنی قول الله سبحانه في القرآن الكريم :

وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّـهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ (الحشر ـ ١)

فنسیان الله والغفلة عنه غفلة عن الشخصية الانسانية.

وقد قال الامام علي عليه السلام : «من نسي الله أنساه نفسه وأعمى قلبه» (١).

وسنتحدث عن هذه الحقيقة في الصفحات القادمة بشكل مفصل.

ج ـ مكانة المعلول بالنسبة الى العلة

ان البراهين الفلسفية أثبتت أن المعلول مرتبط بعلته وقائم بها ، وانه لا يمكن قطع هذه الرابطة اذ ان قطعها مساوق لعدم المعلول.

وموقف الانسان بالنسبة الى الله سبحانه هو موقف المرتبط الى المرتبط به ، والعالق الى المعلّق به ، فالغفلة عن هذه العلقة وهذا الارتباط ، غفلة عن شخصية الانسان ، اذ ليست الشخصية الانسانية ـ بحسب الواقع ـ الا الشخصية العالقة القائمة بالغير.

فنسیان تلك العلاقة وذلك الارتباط جهل أو تجاهل بالواقعية التي عليها الانسان ولاجل ذلك لا يصح لانسان مرتاد للحقيقة أن يجهل واقعيته وشخصيته بحجة أن التدين يوجب غربة الانسان عن ذاته ، اذ الغربة انما هي بجهله بواقعیته لا بعلمه بها.

ثم ان ماركس عمم هذه المقالة التي أبطلناها (وهي أن التدين يوجب

__________________

(١) غرر الحكم.

١١٠

غربة الانسان عن ذاته وشخصيته) على مجالات أخرى ، وسراها ـ بالتحديد ـ الى أمرين هما :

١ ـ مسألة ملكية الانسان للاشياء.

٢ ـ ومسألة وجود الدولة في المجتمع.

فزعم أن مالكية الانسان لشيء ما توجب تعلق الانسان بذلك المملوك!!

وهذا غفلة عن الأصل الذي ذكرناه ، فان هذا القائل لم يفرق بین كون الملكية أداة للحياة وكونها هدفاً ومقصداً ، والمالكية التي تؤدي الى سحق الشخصية الانسانية وتناسيها عبارة عن تلك المالكية التي يستحوذ فيها المملوك على شخصية الانسان ، لا ما اذا استحوذ الانسان عليه.

وقد فرز الامام علي عليه السلام في كلمة له بين هذين النوعين اذ قال عن الدنيا وحطامها :

«ومن أبصر بها بصّرته ومن أبصر اليها أعمته» (١).

العقيدة الدينية والمشاكل الفلسفية

ان نظرية «التدبير والتقدير والخلق» (٢) التي يتبناها الالهيون والتي ترى أن الكون ـ بمادته وصورته ـ من خلق قوة عالمة قادرة ، كما لها آثار ايجابية وبناءة في مجالات النفس والاخلاق والاجتماع والقانون ، كذلك لها آثار ايجابية هامة في مجال الفكر والفلسفة.

__________________

(١) نهج البلاغة الخطبة ٧٩ و «بها» في هذه الجملة تفيد الوسیلية ، و «اليها» تفيد الهدفية. اي اذ اتخذها الانسان وسيلة بصرته ، واذا نظر اليها كهدف أعمته.

(٢) سيأتي مفصل الكلام في هذه النظرية في الفصول القادمة ، وقد اسميناها بالنظرية الالهية ، اختصاراً ، لكونها تعترف باله الكون وخالقه.

١١١

فان هناك أسئلة مطروحة في الفلسفة تطالب كل انسان بالجواب المقنع والشافي ، غير ان الاجابة عنها في ضوء تلك النظرية ، واضحة ، وهي بالتالي قادرة على حلها حلا فلسفياً جامعاً.

وأما النظريات الاخرى فكلها عاجزة عن اعطاء إجابات معقولة عنها بل هي فاشلة في هذا المجال فشلا ذريعاً.

وللتأكد من صحة ما ذكرناه لاحظ الاسئلة التالية ثم اطلب جوابها في تلك النظريات.

وها نحن الآن نستعرض اجابات النظرية الالهية عليها ، في اختصار تقتضيه هذه الدراسة العاجلة :

أ) : ان النظرية الالهية تجيب على الأسئلة الثلاثة التي تطرح نفسها على أبناء البشر في عامة القرون والعصور باجابات رصينة ومقنعة لا تبقي لاحد أي تردد أو شك ، وتلك الأسئلة هي :

من أين جاه الكون ، ومن أين جاء الانسان بالذات؟

ولماذا جاء؟

والى ماذا سيؤول أمره ، وكيف تكون نهايته؟

فان النظرية الالهية هذه تقوم بالاجابة المعقولة على جميع هذه الأسئلة فترى بأن العالم برمته جاء من قبل الله ، أي أنه من فعله وصنعه.

وأن الإنسان خلق لغاية أسمى ، وانه ينتقل الى عالم آخر.

وأما السؤال عن نفس الخالق ، وأنه من أين جاء فتجيب عنه «النظرية الالهية» بأنه سبحانه قديم ، أزلي ، لم يسبق وجوده عدم حتى يحتاج الى علة توجده.

وهذا الجواب يشترك فيه الالهي والمادي معاً ، اذ جميع المفكرين لابد

١١٢

أن ينهوا العالم الى «موجود واجب الوجود» قائم بذاته ، وهو عند الالهيين القوة العاقلة المدبرة القادرة المعبر عنها في مصطلح المتدينين بـ «الله» سبحانه وعند الماديين بـ «المادة».

وأما النظريات والمناهج الأخرى فجميعها عاجزة عن الاجابة على هذه الاسئلة ، وقد تبين هذا العجز عند البحث عن الاثار الروحية للعقيدة الدينية.

ب) : أن النظام السائد في الكون والترابط العام في المادة يفسر بوضوح وبشكل معقول ومنطقي في ضوء «النظرية الالهية» وذلك بأن موجوداً عالماً قادراً حكيماً مطلقاً في ذاته وصفاته هو الذي خلق المادة وصورها ، وأرسى فيها الأنظمة والقوانين ، وأوجد بين أجزائها المتفرقة الترابط والانسجام والتعاون الوثيق.

وأما النظريات الاخرى فكلها عاجزة وفاشلة في تفسير حدوث النظام الى درجة ان البعض ذهب الى انكار وجود العالم الخارجي بالمرة ، وذهب آخرون الى كونه وليد الصدفة ، وطائفة ثالثة ذهبت الى كونه نتيجة خاصية المادة ، الى رابع قال بنظرية «المادية الديالتيكية» بتفصيل مذكور في محله.

ج) : أن النظرية الالهية قادرة على تفسير تلك الحركة الهائلة والعظيمة الموجودة بين أبناء البشر ، فهم منذ أن وجدوا على هذا الكوكب راحوا يعبدون الله ، ويقدسونه ويتضرعون إليه في الكنائس ، والبيع ، والمعابد ، والمساجد ويضحون بأموالهم وأنفسهم وأولادهم في سبيل هذه العقيدة ، وقد ظلوا يواصلون هذا السلوك وبقيت جذوة هذا العشق لذلك الموجود المقدس متقدة في كيانهم حتى عصرنا هذا ، دون أن يطرأ على هذه الظاهرة الخالدة أي تغيير هام ، بل وغير هام أيضاً.

وهذه الحركة الإيمانية والقيادية العظيمة في العالم البشري لا يمكن أن

١١٣

تعلل وتفسر الا بما انتهينا اليه من فطرية التدين وجبلیته ، وولادته مع الانسان مدعوماً بتأييد العقل السليم ، والمنطق المستقيم.

وأما النظريات الأخرى التي يتبناها الماديون الرافضون للنظرية الالهية فلا يمكنها تفسير تلك الظاهرة العظيمة.

فهي بين ما ترى ان هذه الظاهرة وليدة الجهل أو وليدة الخوف!!

وبين ما ترى انها وليدة استمرار الحالة الطفولية أو الجنسية!!

وبين ما تسنده الى العامل الاقتصادي الاستعماري الاستغلالي.

إلى غير ذلك من وجهات النظر التي يتجلی من ناصيتها ان اصحابها أشبه بالغريق الذي يتشبث بكل حشيش.

د) : لا شك أن الظواهر الطبيعية في عالم الانسان تتكامل حيناً بعد حين ، ومرحلة بعد مرحلة ، ابتداءاً من الجمادية وانتهاءاً بالصورة الانسانية ، والی أن يبلغ مرتبة الانسان العالم القادر الحر الرشيد في أعماله وحركاته.

وهذه الحركة التكاملية الصاعدة مما لا يشك في وقوعها أحد ، الا ان الانسان الباحث المفكر حينما يقف على هذه الحركة التكاملية التصاعدية المنتظمة تنطرح أمامه عدة أسئلة هي :

كيف بلغت المادة الناقصة التافهة هذه المرتبة العالية من التكامل؟

ومن هو قائدها وموجهها ، ومن الذي وضع برنامجها وسن سننها وقوانينها؟

هذه الاسئلة وأمثالها يجاب عنها في نظرية الالهيين «نظرية التقدير والتدبير والخلق» بشكل معقول ومقبول ، وذلك بأن الخالق العالم الحكيم القادر المريد هو الذي وضع هذا البرنامج المتقن التكامل الاشياء المادية من أخس المراتب الى أعلى الدرجات ، وانه هو الذي ينهي الموجود الناقص ويبلعه إلى قمة التكامل ، وأن الجميع مستند اليه بالأسباب التي هيأها سبحانه أيضاً.

١١٤

وأما سائر النظريات فقاصرة برمتها عن الاجابة على هذه الأسئلة باجابات فلسفية مقنعة ، وردود شافية كافية.

هـ) : لا شك أن الكون ـ رغم تعدد أجزائه وكثرتها ـ مترابط الأجزاء ، متناسق الاعضاء ، متصل الحلقات حتى كأنه وحدة واحدة.

ان الناظر الى هذا الامر البديع قد يتساءل عن علة هذا التناسق والترابط والانسجام والتعاون.

والاجابة على هذا السؤال في ضوء الاعتقاد بوجود الخالق سبحانه واضحة فان الخالق المتعال ـ حسب هذه العقيدة والرؤية ـ هو الذي أوجد المادة ، وأرسى بين أجزائها ذلك التناسق الدقيق والترابط الوثيق والتعاون العميق.

وهذا بخلاف النظريات الاخر فانها غير قادرة على بيان علة التناسق والترابط بين أجزاء المادة ، اذ أن أقصى ما يمكن للمادي هو أن يعترف بوجود الترابط والتناسق دون أن يتمكن من بيان علة ذلك وتحديدها.

و) : أن صدور المعاجز والكرامات وخوارق العادة على أيدي الأنبياء والاولياء ، بل وحتى بعض مرتاضي الهنود ، أمر لا يقبل الانكار.

فصحائف التاريخ تخبرنا بأن الأنبياء كانوا يأتون بين حين وآخر ، بامور لا يمكن تعليلها بالقوانين الطبيعية والسنن العادية المألوفة.

وفي هذه الصورة ينطرح السؤال التالي : ما هي علة هذه المعاجز وخوارق العادة؟ ولماذا وكيف تخرق القوانين والسنن الطبيعية العادية في تلك الموارد المعينة؟

ان الاجابة على هذه الأسئلة ـ حسب نظرية الالهيين ـ واضحة تمام الوضوح.

فانهم يقولون : ان الله العالم الموجد للمادة ، المعطي لها قوانينها ، المسبب

١١٥

الأسباب ، قد يعطل مفعول هذه الأسباب أحياناً ، ويمكن رسله من خرق العادة عندما تقتضي المصلحة ، وحينئذ تتحقق الظاهرة الخارقة كشفاء المريض من دون الاسباب الظاهرية العادية.

وهكذا لا يمكن تعليل أمثال هذه الظواهر الخارجة عن نطاق القوانين الطبيعية المألوفة الا حسب نظرية الالهيين دون سائر النظريات التي تعجز عجزاً ذريعاً عن تحليل ذلك وتعليله بموازينها ومقاييسها.

ز) : لقد كان الدين ـ ولا شك ـ من أرسخ الأمور في حياة البشرية ، منذ أن وجدت على هذا الكوكب.

بيد اننا لا نشك ـ في نفس الوقت ـ في أن الدين رغم حمايته للضعفاء ودفاعه عن المستضعفين ، والمحرومين ، كان يتخذ ـ أحياناً ـ وسيلة للظلم ، وأداة طيعة للضغط والابتزاز والاستغلال.

فكم من حقوق اهدرت تحت ستار الدین؟

وكم من أموال غصبت باسمه؟

وكم من حريات معقولة طبيعية صودرت تحت لوائه؟

وكل ذلك امور لا يشك أحد في وقوعها في حياة الشعوب (١).

غير أن السؤال المحير الذي يطرح نفسه في هذا المورد هو :

كيف بقي المظلومون ، المغصوبة حقوقهم ، المصادرة حرياتهم ، متمسكين بأهداب الدين أشد التمسك ، ومتقيدين بتعاليمه أشد التقيد ، بل ومتعلقین به في ضمائرهم أشد التعلق ، وهم يعلمون أن أكثر ما ارتكب في حقهم كان باسم الدين ، وتحت قناعه وستاره؟!

__________________

(١) وتتجلى هذه الحقيقة بمراجعة تاريخ الكنائس والبابوات اثناء سيطرتهم وسلطانهم العريض في الغرب.

١١٦

أن نظرية فطرية التدين تعطي الجواب الشافي على هذا السؤال.

فقد قلنا ـ هناك ـ ان الخداع والغش لا يتحقق في مورد من الموارد الا اذا كان الشيء الذي يقع فيه الغش والخداع امراً مقبولا لدى الناس ، ومطلوباً عندهم بالاصالة.

ففي هذه الصورة فقط يتسنى لمن يخشون أن يغشوا ويخدعوا مستفيدين من تلك الرغبة الذاتية لدى الناس في ذلك الشيء الذي يوقعون فيه الغش ، ويلبسونه لباساً خادعاً ، ويقدمونه كسلعة ممتازة تلبي الحاجة ، وتحقق المطلوب وترضي الطموح.

فنفس هذا الأمر جار في مسألة التدين ، فان سوء استغلاله من قبل بعض المستغلين خير دليل على أن للتدين جذوراً في أعماق الفطرة الانسانية ، وان هناك رغبة ذاتية ومیلا باطنياً لدى البشر في هذا الأمر ، هو الذي مهد للبعض أن يستغله في سبيل تحقيق مطامعهم الفاسدة ، ومآربهم الشريرة.

ح) : ان القول بأن الكون نشأ بالصدفة أو القول بأنه لم يكن وراء هذا العالم أي تخطيط وتقدير وتدبير ، وأي دخالة للعقل والشعور العاليين فيه ، بل وجد هذا النظام والتناسق بفضل الصدفة العمياء أو انه من خاصية المادة أو ما شابه ذلك.

إن القول بكل هذا يستعقب طرح السؤال التالي :

اذا لم يكن هناك أية دخالة للشعور والتقدير في نشأة الكون وظهور نظامه البديع ولم يكن هناك أي تخطيط وتدبير وراء الكون فكيف وجد في بطن هذه المادة الفارغة عن التدبير والتخطيط كائن يفعل بتقدير ، وينشئ بتخطيط ويتنبأ بمحاسبة وفي ضوء تقييم المستقبل ألا وهو «العقل الإنساني».

ترى ما هي العلاقة بين ذلك النظام الناشئ ، صدفة ، وهذا الكائن المخطط

١١٧

المدبر المقدر؟!

اليس من القواعد المسلمة عقلا أن فاقد الشيء لا يعطيه؟

ان هذا السؤال يجب عليه الالهي بأن المادة بكل ما فيها من نظام ، وبما فيه من الخصوصيات ومنها العقل ، قد خلقت على وجه التخطيط والتدبير السابقين وبعلم وتقدير.

ولأجل ذلك لا وجه للاستغراب اذ يكون ذلك الوجود المدبر المقدر (أي العقل) من نتائج ذلك التدبير ومعطياته.

وأما سائر الطربان فلست قادرة على الإجابة على هذا السؤال.

١١٨

ملخص ما سبق

تلخص من الفصل السابق أمور :

١ ـ ان للعقيدة الدينية صلة عميقة بالحياة البشرية واثر مباشر في اسعاد الانسان في الدنيا قبل الاخرة ، وانكار ذلك ناشئ من عدم الوقوف على مبادئ الدين وتعاليمه.

٢ ـ آثار العقيدة الدينية تترواح بين الاثار النفسية ، والعقلية والأخلاقية والاجتماعية والقانونية وغيرها.

٣ ـ البحث في العقيدة الدينية يساعد الانسان على معرفة مبدأه ومعاده ومسيره ومصيره ، ويخلصه من الحيرة والشك.

٤ ـ البحث في العقيدة الدينية يضع نهاية للقلق الحاصل من احتمال صدق الدعاة إلى الله ، واحتمال وجود الاخرة والحساب ، والثواب والعقاب.

٥ ـ الاعتقاد بوجود الله وصفاته سبحانه يوجب اطمئنان النفس لانه يقضي على كل عوامل الاسى والاضطراب كهاجس الفناء ، والمصائب والنكبات ، والمادية المفرطة ، اذ يفسر الموت بانه بوابة الى حياة خالدة في ظل الرحمة

١١٩

الالهية ، ويرى لاكثر المصائب اعواضاً مناسبة أو أسباباً ونتائج معقولة ، ويحد من سورة المادية بتوجيه الانسان الى الحياة الاخرى.

٦ ـ يصرّح القرآن الكريم بهذه الحقيقة في أكثر من آية ، مثل قوله سبحانه : أَلَا بِذِكْرِ اللَّـهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ.

٧ ـ الاعتقاد بالله خير دعامة للاخلاق ، فان التعاليم والتوصيات الأخلاقية بوحدها لا تقدر على تعديل غرائز الأنسان ، اذا لم يكن هناك وعد ووعيد ، وثواب ، وعقاب ، وترهيب وترغيب مقدس.

كما انه خير وسيلة لتنمية السجايا والفضائل النبيلة لنفس الاسباب.

ولقد أشار القرآن الكريم الى هذه الحقيقة ان قال سبحانه : أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ * فَذَٰلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ * وَلَا يَحُضُّ عَلَىٰ طَعَامِ الْمِسْكِينِ.

٨ ـ الاعتقاد بالله خیر ضمان لتنفيذ القوانين ، فان الناس لا يحترمون القانون الا اذا كان مقد ساً ، والا اذا أحسوا برقابة دقيقة عليهم لا تعرف الموانع والحدود والاعتقاد بالله العليم الخبير أفضل بوليس باطني يردع عن مخالفة القوانين.

٩ ـ العقيدة الدينية وسيلة التكامل الشامل ، فان العقيدة المادية الملحدة المنكرة لوجود الخالق ، والنظام والهدفية في الحياة ولليوم الآخر وما فيه من ثواب وأجر ودرجات رفيعة للعالمين ، تقضي على كل دوافع التحرك ، والتقدم بعكس العقيدة الدينية التي تقر كل تلك الحقائق.

١٠ ـ معرفة الالهي المؤمن أكمل وأفضل من معرفة المادي الملحد فالكون في رؤية هذا الأخير ككتاب عتیق ضاعت أوراقه الاولى والأخيرة فلا أول له ولا آخر ، بخلاف من يحمل العقيدة الدينية التي تعطي تفسيرات وجيهة لكل شيء في هذه المجالات.

١٢٠