تذكرة الفقهاء - ج ١٣

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

تذكرة الفقهاء - ج ١٣

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-389-6
الصفحات: ٤٢١

والثاني : لا ، كسائر أموال السيّد (١).

وعلى الأوّل هل يتعلّق بما كسبه بعد الحجر؟ وجهان للشافعيّة ، أصحّهما عندهم : أنّها (٢) لا تتعلّق برقبته ، كما لو استقرض بغير إذن السيّد.

وخالف فيه أبو حنيفة.

وأمّا أنّها لا تتعلّق بذمّة السيّد : فلأنّ ما لزم بمعاوضة معقودة (٣) بإذنه وجب أن تكون متعلّقةً بكسب العبد ، كالنفقة في النكاح (٤).

مسألة ٨٣ : لو أذن المولى لجاريته في التجارة فَعَلاها ديونٌ ، لم تتعلّق الديون بأولادها ، سواء وُلدوا قبل الإذن في التجارة أو بعدها ، وبه قال الشافعي (٥).

وقال أبو حنيفة : إن وُلدوا بعد الإذن في التجارة ، تعلّق الدَّيْن بهم ، وإلاّ فلا (٦).

ولو أتلف السيّد ما في يد المأذون من أموال التجارة ، فعليه ما أتلف بقدر الدَّيْن.

ولو أنّه قتل المأذون وليس في يده مال ، لم يلزمه قضاء الديون ، إلاّ‌ أن تكون في مصلحة التجارة.

ولو تصرّف فيما في يد المأذون ببيعٍ أو هبة أو إعتاق ولا دَيْن على

__________________

(١) التهذيب للبغوي ٣ : ٥٥٧ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٧١ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٢٨.

(٢) أي الديون.

(٣) في العزيز شرح الوجيز : « مقصودة » بدل « معقودة ».

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٧١ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٢٨.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٧١ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٢٨.

(٦) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٧١.

٨١

العبد ، كان تصرّفه ماضياً.

وفي وجهٍ للشافعيّة : يشترط أن يتقدّم عليه حَجْراً (١).

وإن كان عليه دَيْنٌ (٢).

مسألة ٨٤ : إذا باع المأذونَ أو أعتقه ، صار محجوراً عليه ، وهو أصحّ وجهي الشافعيّة (٣).

وفي قضاء ديونه ممّا يكسبه في يد المشتري الخلافُ المذكور فيما يكسبه بعد الحجر عليه.

وأكثر المسائل الخلافيّة في المأذون يبنى على أنّه يتصرّف لنفسه أو لسيّده؟ فعند أبي حنيفة أنّه يتصرّف لنفسه (٤). وعندنا وعند الشافعي (٥) لسيّده ، فلذلك نقول : ليس له أن يبيع نسيئةً ولا بدون ثمن المثل ، ولا يسافر بمال التجارة إلاّ بإذن السيّد ، ولا يتمكّن من عزل نفسه ، بخلاف الوكيل.

ولو أذن لعبده في التجارة مطلقاً ولم يعيّن مالاً ، قال بعض الشافعيّة‌ لا يصحّ هذا الإذن (٦).

وقال بعضهم : يصحّ ، وله التصرّف في أنواع الأموال (٧).

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٧٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٢٨.

(٢) كذا في النسخ الخطّيّة والحجريّة ؛ حيث إنّ الشرط بلا جزاء ، وقد ورد الجزاء في العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٧٢ ، وروضة الطالبين ٣ : ٢٢٨ هكذا : « فقد سبق حكم تصرّفه » وقد تقدّم حكم تصرّفه في هذا الكتاب ص ٣٩ ، المسألة ٧٠ ، فراجع.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٧٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٢٨.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٧٢.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٧٢.

(٦) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٧٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٢٨.

(٧) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٧٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٢٨.

٨٢

مسألة ٨٥ : لو أذن السيّد لعبده في أنّه يضمن عن إنسان مالاً ، فضمنه ، تعلّق المال بذمّة العبد ؛ لأنّه ثبت برضا مَنْ له الحقّ ، وهو أحد وجهي الشافعيّة. والثاني : يتعلّق بكسبه ، ويكون بمنزلة المهر والنفقة ؛ لأنّه أذن في سببه (١).

مسألة ٨٦ : قد بيّنّا أنّه لا يُقبل إقرار العبد سواء كان مأذوناً له أو لا ـ بقصاصٍ ولا حدٍّ ولا في مالٍ في حقّ سيّده.

وقال الشافعي : يُقبل في الجناية والحدّ (٢).

وعندنا أخ صدّقه السيّد الأقرب : القبول.

فإذا ثبت القبول مطلقاً أو بتصديق السيّد ، فوليّ الجناية مخيّر بين القصاص والعفو مطلقاً.

وعند الشافعي على مال (٣).

ونحن إنّما نثبت له العفو على المال مع رضا الجاني.

قال بعض الشافعيّة : على القول بأنّ الجناية توجب أحد الأمرين إذا‌ اختار الملك ، كان فيه وجهان بناءً على القولين في المسروق.

لا يقال : لا يثبت العفو على مال ؛ لأنّه يوجب التهمة ، لإمكان أن يواطئ العبد مَنْ يقرّ له بالعمد ليعفو عنه.

لأنّا نقول : إنّه أقرّ بالعمد الموجب للقصاص ، وذلك لا تهمة فيه ؛

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٤٧ ١٤٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٧٦.

(٢) الام ٦ : ٢١٧ ، المهذّب للشيرازي ٢ : ٣٤٤ ، التهذيب للبغوي ٣ : ٥٦٠ ، الحاوي الكبير ٥ : ٣٧٢ ، حلية العلماء ٥ : ٣٦١ ، و ٨ : ٣٢٦ ، و ٨ : ٣٢٦ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٧٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٦.

(٣) التهذيب للبغوي ٣ : ٥٦٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٧٨ ، روضة الطالبين ٤ : ٦.

٨٣

لأنّه لا يأمن استيفاءه منه ، والعاقل لا يغرّر بنفسه (١).

وليس بجيّد ؛ لأنّ المواطاة تنفي ذلك.

إذا ثبت هذا ، فإنّ قيمته إذا كانت أقلّ من أرش الجناية ، لم يكن للوليّ إلاّ ذلك ؛ لأنّ الجاني هو العبد ، فلا يجب على غيره شي‌ء. وإن كانت قيمة العبد أكثر ، كان الفضل للسيّد ؛ إذ ليس لصاحب الجناية أكثر من حقّه.

وإن أراد السيّد أن يفديه ، ففيه قولان لعلمائنا ، وللشافعي (٢) أيضاً كالقولين :

أحدهما : بأقلّ الأمرين من قيمته أو أرش جنايته ؛ لأنّ أرش الجناية إن كان أكثر ، فلا يتعلّق بغير العبد الجاني ، وإنّما تجب قيمته ؛ إذ لا شي‌ء له أزيد منها. وإن كان الأرش أقلّ لم يجب بالجناية إلاّ هو.

والثاني : أنّه يفديه بأرش الجناية بالغاً ما بلغ ؛ لأنّه يجوز أن يشتري بأكثر من قيمته بأن يرغب فيه راغب أو يزيد فيه زائد.

مسألة ٨٧ : قد عرفت أنّه إذا أقرّ العبد سواء كان مأذوناً له في التجارة أو لا بدَيْن ، لم يُقبل ؛ لأنّه في الحقيقة إقرار في حقّ السيّد ، سواء كان قد تلف المال في يده أو لا.

وللشافعي (٣) فيما إذا تلف في يده وجهان (٤).

وقال ابن سريج : إذا كان المال في يده ، فقولان (٥).

__________________

(١) التهذيب ٣ : ٥٦٠ و ٥٦١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٧٨ ، روضة الطالبين ٤ : ٦.

(٢) المهذّب للشيرازي ٢ : ٢١٥ ، التهذيب للبغوي ٧ : ١٧٤ ، حلية العلماء ٧ : ٦٠١ ، الوسيط ٦ : ٣٧٨ ، العزيز شرح الوجيز ١٠ : ٤٩٨ ، روضة الطالبين ٧ : ٢١٢.

(٣) كذا ، والظاهر : « للشافعيّة ».

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٧٧ ٢٧٨ ، روضة الطالبين ٤ : ٦.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٧٨.

٨٤

ومنهم مَنْ قال : يُقبل قولاً واحداً (١).

والحقّ قلنا.

نعم ، يُقبل إقراره بكلّ ذلك في ذمّته يتبع به بعد العتق.

تمّ الجزء الثامن (٢) من كتاب تذكرة الفقهاء بعون الله تعالى ويتلوه في الجزء التاسع (٣) بتوفيق الله تعالى : المقصد الثاني في الرهن ، وفيه فصول على يد مصنّفه العبد الفقير إلى الله تعالى حسن بن يوسف بن علي بن المطهّر الحلّي ، غفر الله تعالى له ولوالديه ولكافّة المؤمنين ، ببلدة السلطانيّة في سادس جمادى الأُولى سنة أربع عشرة وسبعمائة.

والحمد لله وحده ، وصلّى الله على سيّد المرسلين محمّد النبيّ وآله الطاهرين (٤).

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٧٨ ، روضة الطالبين ٤ : ٦.

(٢) حسب تجزئة المصنّف قدس‌سره.

(٣) حسب تجزئة المصنّف قدس‌سره.

(٤) ورد في آخر نسخة « س » : وكان الفراغ منه على يد كاتبه العبد الفقير إلى الله الغني زين العابدين بن محي الدّين بن علي بن كرامة ، حامداً مصلّياً مسلّماً ، نهار الجمعة ثاني عشر شهر رمضان المعظّم خُتم بالخير والكرام ، سنة اثنين وسبعين وتسعمائة ، والحمد لله وحده ، وصلّى الله على محمّد وآله الطاهرين ، والحمد لله ربّ العالمين.

٨٥
٨٦

بسم الله الرحمن الرحيم‌

المقصد الثاني : في الرهن‌

وفيه مقدّمة وفصول‌

أما المقدّمة : ففيها بحثان :

الأوّل : في ماهيّته :

الرهن عقد شُرّع للاستيثاق على الدّيْن.

وفي اللغة : وُضع للثبوت والدوام. يقال : رهن الشي‌ء : إذا ثبت. والنعمة الراهنة هي الثابتة الدائمة.

وقيل : جَعْل الشي‌ء محبوساً (١) ، أي شي‌ء كان بأيّ سبب كان.

قال الله تعالى ( كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ ) (٢) أي : محبوسة بوبال ما كسبت من المعاصي.

ويقال : رهنت الشي‌ء فهو مرهون. ولا يقال « أرهنت » إلاّ في الشواذ من اللغة. يقال : رهن فهو مرهون وارتهنته فهو مرهن. ويقال : أرهن في الشي‌ء : إذا عدل فيه. وأرهن ابنه : إذا جعله رهينةً وخاطر به.

__________________

(١) الصحاح ٥ : ٢١٢٨ « رهن » ، لسان العرب ٣ : ١٨٩ « رهن » ، المغني والشرح الكبير ٤ : ٣٩٧.

(٢) المدّثّر : ٣٨.

٨٧

وجمع الرهن رهون ورهان.

وأمّا الرُّهن فقال الفرّاء : إنّه جمع الجمع (١).

قال الزجّاج : يحتمل أن يكون جمع رهن ، كما يقال : سَقف وسُقُف (٢).

الثاني : الرهن سائغ بالنصّ والإجماع.

قال الله تعالى ( فَرِهانٌ مَقْبُوضَةٌ ) (٣).

وروى العامّة عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : « لا يغلق المرتهن الرهن من صاحبه الذي رهنه ، له غُنْمه وعليه غُرمه » (٤).

وعن الصادق عليه‌السلام عن أبيه الباقر عليه‌السلام : « أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رهن درعه عند أبي الشحم اليهودي » (٥).

وعن عائشة : أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رهن درعه عند يهوديّ وأخذ منه شعيراً لأهله (٦).

ويقال : إنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عدل عن الرهن عند المسلمين إلى اليهوديّ خوفاً من أن يحابوه أو يُبرؤه من القرض.

__________________

(١) حكاه عنه الزجّاج في معاني القرآن ١ : ٣٦٧ ، وابن قدامة في المغني ٤ : ٣٩٧ ، وانظر معاني القرآن للفرّاء ١ : ١٨٨.

(٢) حكاه عنه ابن قدامة في المغني ٤ : ٣٩٧ ، وانظر : معاني القرآن للزجّاج ١ : ٣٦٧.

(٣) البقرة : ٢٨٣.

(٤) سنن البيهقي ٦ : ٣٩ ، الحاوي الكبير ٦ : ٣.

(٥) سنن البيهقي ٦ : ٣٧ ، الحاوي الكبير ٦ : ٤.

(٦) سنن البيهقي ٦ : ٣٦.

٨٨

ومن طريق الخاصّة : ما رواه أبو حمزة قال : سألته عن الرهن والكفيل‌ في بيع النسيئة ، قال : « لا بأس به » (١).

وعن معاوية بن عمّار قال : سألتُ الصادقَ عليه‌السلام : عن الرجل يسلم في الحيوان والطعام ويرتهن الرجل ، قال : « لا بأس ، تستوثق من مالك » (٢).

والأخبار في ذلك كثيرة لا تُحصى.

وقد أجمعت الأُمّة كافّةً على جواز الرهن في الجملة ، وليس واجباً إجماعاً.

وقوله تعالى ( وَإِنْ كُنْتُمْ عَلى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كاتِباً فَرِهانٌ مَقْبُوضَةٌ ) (٣) المراد منه الإرشاد دون الأمر الموجب.

وهو عقدٌ لازمٌ من طرف الراهن ، جائزٌ من جهة المرتهن إجماعاً ، فليس للراهن فسخ الرهن ، ويجوز للمرتهن فسخه.

__________________

(١) الكافي ٥ : ٢٣٣ ( باب الرهن ) ح ١ ، التهذيب ٧ : ١٦٨ / ٧٤٤ ، والحديث عن الإمام الباقر عليه‌السلام.

(٢) الكافي ٥ : ٢٣٣ / ٣ ، التهذيب ٧ : ١٦٨ / ٧٤٦.

(٣) البقرة ٢٨٣.

٨٩
٩٠

الفصل الأوّل : في الأركان‌

وهي أربعة تشتمل عليها أربعة مباحث :

البحث الأوّل : في الصيغة.

الرهن كالبيع في افتقاره إلى صيغة تدلّ عليه.

والأصل فيه أنّ المعاملات لا بدّ فيها من التراضي بين المتعاملين ، والرضا من الأُمور الباطنة الخفيّة عنّا ، ولا يمكن التوصّل إلى معرفته إلاّ بالصِّيغ الدالّة عليه.

والخلاف في الاكتفاء فيه بالمعاطاة والاستيجاب والإيجاب عليه المذكورة في البيع بجملته آتٍ هاهنا.

واعلم أنّ الرهن إمّا أن يكون مبتدأً متبرّعاً به ، وهو الذي لا يقع شرطاً في عقدٍ ، بل يقول الراهن : رهنت هذا الشي‌ء عندك على الدّين الذي عليّ ، فيقول المرتهن : قبلت. وإمّا أن يقع شرطاً في عقدٍ ، كبيع أو إجارة أو نكاح أو غير ذلك ، فيقول : بعتك هذا الشي‌ء بشرط أن ترهنني عبدك ، فيقول : اشتريت ورهنت ، أو زوّجتك نفسي على مهرٍ قدره كذا بشرط أن ترهنني دابّتك (١) على المهر ، فيقول الزوج. قبلت ورهنت.

فالقسم الأوّل لا بدّ فيه من الإيجاب والقبول عند من اشترطهما ، ولم يكتف بالمعاطاة.

__________________

(١) في « ج » : « دارك » بدل « دابّتك ».

٩١

وأمّا القسم الثاني : فقد اختلفوا فيه.

فقال بعض الشافعيّة : إذ قال البائع : بعتك كذا بشرط أن ترهنني كذا ، فقال المشتري : اشتريت ورهنت ، لا بدّ وأن يقول البائع بعد ذلك : قبلت الرهن. وكذا إذا قالت المرأة : زوّجتك نفسي بكذا بشرط أن ترهنني كذا ، فقال الزوج : قبلت النكاح ورهنتك كذا ، فلا بدّ وأن يقول المرأة بعد ذلك : قبلت الرهن ؛ لأنّه لم يوجد في الرهن سوى مجرّد الإيجاب ، وهو بمفرده غير كافٍ في إتمام العقد (١).

وقال آخرون : إنّ وجود الشرط من البائع والزوجة يقوم مقام القبول ؛ لدلالته عليه. وكذا الاستيجاب يقوم مقام القبول (٢).

مسألة ٨٨ : قد بيّنّا أنّه لا بدّ في الرهن من إيجاب وقبول ، فالإيجاب كقوله : رهنتك ، أو : هذا وثيقة عندك على كذا ، أو : هو رهن عنك ، وما أدّى هذا المعنى من الألفاظ. والقبول كقوله : قبلت ، أو : رضيت ، وما أدّى معناه.

ولا بدّ من الإتيان فيهما بلفظ الماضي ، فلو قال : أرهنك كذا ، أو : أنا أقبل ، لم يعتدّ به.

وكذا لا يقوم الاستيجاب مقام القبول ؛ لعدم دلالته على الجزم بالرضا.

وهل يشترط في الصيغة اللفظ العربي؟ الأقرب العدم.

ولا تكفي الإشارة ولا الكتابة إلاّ مع العجز عن النطق ، فتكفي الإشارة الدالّة عليه. وكذا الكتابة مع الإشارة ، ولا تكفي الكتابة المجرّدة عن الإشارة الدالّة على الرضا.

مسألة ٨٩ : الرهن عقد قابل للشروط الصحيحة التي لا تقضي إلى

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٦٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٠٠.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٦٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٠٠.

٩٢

جهالة في بيان إن شُرط فيه ، عند علمائنا أجمع ؛ لقوله عليه‌السلام : « المؤمنون (١) عند شروطهم » (٢).

ولقوله تعالى ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) (٣) ومعنى الإيفاء (٤) العمل بمقتضاه ، فإذا كان مشروطاً ، دخل تحت هذا الأمر.

وقالت الشافعيّة : إن شرط في الرهن شرطاً ، فإمّا أن يكون من مقتضى عقد الرهن ، أو لا يكون من مقتضاه.

فإن كان الأوّل مثل أن يشرط كون الرهن في يد المرتهن أو عَدْلٍ ، أو يبيعه عند محلّ الدّيْن ، أو يشرط منافعه للراهن ، أو على يباع الرهن في ديْنك عند الحاجة ، أو يتقدّم به عند تزاحم الغرماء ، أو لا أبيعه إلاّ بإذنك ، فإنّ مثل هذه الشروط كلّها لا يضر التعرّض بها لا في رهن التبرع ولا في رهن المشروط في العقد ، وإنّما هو تصريح بمقتضى العقد وتأكيد لمقتضاه.

وإن كان الثاني فإمّا أن يتعلّق بمصلحة العقد ، كالإشهاد ، أو لا يتعلّق به غرض ، كقوله : بشرط أن لا يأكل إلاّ اللحم ، أو ما عداهما (٥).

والأوّلان ، فيهما قولان ، كما لو شرطا في البيع ، وقد سبق (٦) فيه

__________________

(١) في « ج » : « المسلمون » بدل « المؤمنون » وكذا في صحيح البخاري ٣ : ١٢٠ ، وسنن الدارقطني ٣ : ٢٧ / ٩٨ و ٩٩ ، وسنن البيهقي ٧ : ٢٤٩ ، والمستدرك للحاكم ٢ : ٤٩ و ٥٠ ، والمصنّف لأبي أبي شيبة ٦ : ٥٦٨ / ٢٠٦٤ ، والمعجم الكبير للطبراني ٤ : ٢٧٥ / ٤٤٠٤.

(٢) التهذيب ٧ : ٣٧١ / ١٥٠٣ ، الاستبصار ٣ : ٢٣٢ / ٨٣٥ ، الجامع لأحكام القرآن ٦ : ٣٣.

(٣) المائدة : ١.

(٤) الضمير راجع إلى العقد. وكلمة « به » لم ترد في الطبعة الحجريّة.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٦٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٠١.

(٦) في ج ١٠ ص ٢٤٦ ضمن « القسم الرابع : النهي عن بيع وشرط » ومن ٢٧٤ ، الفرع « كد » من المسألة ١٢٤.

٩٣

حكمهما.

والثالث وهو أن يشترط ما عداهما فإمّا أن ينفع المرتهن ويضرّ الراهن ، أو بالعكس.

فالنوع الأوّل كما إذا رهن داره بشرط أن يرهن غيرها ، أو بشرط أن لا ينفكّ الرهن بعد أداء الدّيْن شهراً ، أو أن تكون منافع المرهون أو زوائده للمرتهن ، أو أن لا يسلّمه إليه ، أو أن لا يبيعه عند محلّ الحقّ ، أو أن لا يبيعه إلاّ بما يرضى به ، فهنا يبطل الشرط عند الشافعي (١).

ثمّ إن كان الرهن رهن تبرّع ، فللشافعي قولان :

أصحّهما عنده : أنّ الرهن فاسد أيضاً ؛ لما فيه من تغيير قضيّة العقد.

والثاني : وبه قال أبو حنيفة ـ : أنّ الرهن لا يفسد بفساد الشرط ؛ لأنّ الرهن تبرّع من الراهن ، وهذا الشرط فيه تبرّع آخر ، واحد التبرّعين لا يبطل ببطلان الثاني ، كما لو أقرضه الصحاح وشرط ردّ المكسور ، يلغو الشرط ويصحّ القرض (٢).

وإن كان الرهن مشروطاً في بيع نُظر ، فإن لم يجرّ الشرط جهالة الثمن كما إذا شرط في البيع رهناً على أن يبقى محبوساً عنده بعد أداء الثمن شهراً ففي فساد الرهن القولان السابقان (٣) في رهن التبرّع.

فإن فسد ، ففي فساد البيع قولان في أنّ الرهن وسائر العقود المستقلّة‌ إذا شُرطت في البيع على نعت الفساد هل تُفسد البيع؟ قولان تقدّما (٤). فإن قلنا بصحّة البيع ، فللبائع الخيار ، صحّ الرهن أو فسد ؛ لأنّه إن صحّ ،

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٦٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٠١.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٦٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٠١.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٦٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٠١.

(٤) آنفاً.

٩٤

لم يسلم له الشرط. وإن لم يصح ، لم يسلم له أصل الرهن.

وإن (١) جرّ الشرط جهالة الثمن كما إذا شرط في البيع رهناً وشرط أن تكون منافعه وزوائده للمرتهن فالبيع باطل ؛ لأنّ المشروط استحقاقه يصير جزءاً من الثمن ، وهو مجهول ، وإذا بطل البيع ، بطل الرهن والشرط لا محالة.

هذا ما اتّفق عليه جماهيرهم (٢) ، ووراءه كلامان آخران :

أحدهما : نقل المزني في المسألة أنّ للبائع الخيار في فسخ البيع وإثباته ، وتوهّم أنّه ذهب إلى تصحيح العقد إذا حذف منه الشرط الفاسد. واعترض عليه بأنّه خلاف أصله في أنّ الفاسد لا خيار فيه. وأصحابه خطّاؤه في قيله وتوهّمه (٣).

والثاني : أنّ القاضي ابن كج حكى طريقةً اخرى أنّ في فساد الرهن قولين. وإن فسد ، ففي فساد البيع قولان ، كما سبق (٤).

وكلامٌ ثالث استحسنه بعضهم ، وهو : أنّ الحكم بالبطلان فيما إذا أطلق فقال : بعتك هذا العبد بألف لترهن به دارك وتكون منفعتها لي ، فأمّا إذا قيّد وقال : تكون منفعتها لي سنةً أو شهراً ، فهذا جمع بين البيع والإجارة‌ في صفقة واحدة (٥) ، وقد سبق حكمه في البيع (٦).

والنوع الثاني ، وهو أن يكون الشرط ممّا ينفع الراهن ويضرّ

__________________

(١) في ج ١٠ ص ٢٤٩ ، ضمن المسألة ١١٧.

(٢) في النسخة الخطّية « ج » والطبعة الحجريّة : « فإن ». والظاهر ما أثبتناه.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٦٤.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٦٤.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٦٤ ، وقد سبق آنفاً.

(٦) راجع : ج ١٠ ، ص ٢٥٢ ، الفرع « د » من المسالة ١١٨ ، و ص ٢٩٠ ، الفرع « يج » من المسالة ١٢٦.

٩٥

المرتهن ، كما لو قال : رهنتك بشرط أن لا تبيعه عند المحلّ أو : لا تبيعه بعد المحلّ إلاّ إذا مضى شهر ، أو : إلاّ بما أرضى ، أو : بأكثر من ثمن المثل ، فهو فاسد عندهم ، مفسد للرهن (١).

وقال بعضهم : يجي‌ء في إفساده الرهنَ القولان المذكوران في النوع الأوّل (٢).

واستغربه بعضهم (٣).

والفرق على ظاهر مذهبهم أنّ ما ينفع المرتهن (٤) يزيد في الوثيقة ، ويؤكّد ما وضع العقد له ، وما يضرّ يخلّ به.

فإن كان الرهن مشروطاً في بيع ، عاد القولان في فساده بفساد الرهن المشروط ، فإن لم يفسد ، فللبائع الخيار (٥).

واعلم أنّ بعض الشافعيّة قسّم فقال : إن شرط ما هو من مقتضى عقد الرهن مثل كون الرهن في يد المرتهن أو في يد عَدْلٍ ، صحّ الشرط.

وإن شرط ما ينافي مقتضى العقد مثل أن يشرط أن لا يسلّمه إليه ، أو : أن لا يبيعه عند محلّ الدَّيْن ، أو كون المنافع للمرتهن فسد الشرط ، لمنافاته مقتضى عقد الرهن.

وهل يفسد الرهن؟ يُنظر فإن كان (٦) نقصاناً من حقّ المرتهن ، بطل عقد الرهن قولاً واحداً. وإن كان زيادةً في حقّ المرتهن ، فقولان :

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٦٤ ، روضة الطلابين ٣ : ٣٠١ ٣٠٢.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٦٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٠٢.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٦٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٠٢.

(٤) في « ج » والطبعة الحجريّة : « الراهن » بدل « المرتهن ». والصحيح ما أثبتناه كما في المصدر.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٦٤.

(٦) أي الشرط.

٩٦

أحدهما : يفسد ؛ لأنّ هذا شرط فاسد فأفسده ، كما لو كان نقصاناً من حقّ المرتهن.

والثاني : لا يفسد ؛ لأنّ الرهن قد تمّ ، وإنّما شرط له زيادة لا يقتضيها ، فسقطت الزيادة ، وبقي عقد الرهن. ويفارق إذا كان نقصاناً من حقّ المرتهن ؛ لأنّ الرهن لم يتمّ.

فإن قلنا : العقد فاسد ، ففي فساد البيع إذا شرط فيه قولان :

أحدهما : يفسد وبه قال أبو حنيفة لأنّ الشرط الفاسد إذا اقترن بالعقد أفسده ؛ لأنّ سقوطه يقتضي ردّ جزء من الثمن تُرك لأجله ، وذلك مجهول.

والثاني : لا يفسد البيع ؛ لأنّ الرهن ينعقد منفرداً عن البيع ، فلم يفسد بفساده ، كالصداق مع النكاح (١).

إذا ثبت هذا ، فإنّ أبا حنيفة قال : لا يفسد الرهن بالشروط الفاسدة ؛ لأنّه عقد يفتقر إلى القبض ، فلا يبطل بالشرط الفاسد ، كالهبة ، فإنّ العمري يشترط فيها رجوع الموهوب إليه ولا تفسد (٢).

واحتجّت الشافعيّة على الفساد بأنّ هذا شرط فاسد قارن عقد الرهن ، فوجب أن يفسده ، كما لو قال : رهنتك على أن يكون يوماً في يدك ويوماً‌ في يدي. ومنعوا الهبة. والعمري تُقبل إذا قال : أعمرتك حياة فلان ، فأمّا إذا قال : حياتك ، ففيه قولان. وإن سُلّم فالفرق أنّه لم يشرط زوال ملكه ، وإنّما شرط عودها إليه بعد موته ، وذلك شرط على ورثته ، فلم يؤثّر ،

__________________

(١) المهذّب للشيرازي ١ : ٣١٧ ، وكما في المجموع التكملة الثانية ١٣ : ٢١٦ ٢١٧.

(٢) لم نعثر عليه في مظانّه من المصادر المتوفّرة لدينا ، وانظر : المغني ٤ : ٤٦٥ ، والشرح الكبير ٤ : ٤٥٧.

٩٧

بخلاف مسألتنا فإنّه شرط على العاقد معه ما ينافي العقد ففسد (١).

والأقرب عندي : جواز اشتراط كلّ مباح في عقد الرهن إذا لم يناف مقتضاه ، فأمّا إذا نافاه ، لم يصح ، مثل أن يشترط في الرهن عدم بيع الرهن مطلقاً ، فإنّه ينافي التوثيق على الدَّيْن.

ولو شرط الانتفاع بالرهن أو عود منافعه إليه أو أن لا يبيعه المرتهن إلاّ بحضور الراهن أو إلاّ بعد شهر من حلول الدَّيْن ، أو شرط أن يرهن غير الرهن ، أو أن يشترط أن لا يسلّمه إلى المرتهن ، أو أن لا يبيعه إلاّ بما يرضى الراهن ، أو حتى يبلغ كذا ، أو بعد محلّ الحقّ بشهر ، ونحو ذلك ، فإنّ ذلك كلّه جائز ؛ لأنّها شروط سائغة ، فيجب الوقوف عندها ؛ لقوله عليه‌السلام : « المؤمنون عند شروطهم » (٢).

ولا فرق في الرهن بين أن يكون تبرّعاً أو شرطاً في بيع وشبهه.

ولو شرط على المرتهن أن يرقنه عند غيره ، بطل ؛ لأنّه منافٍ لمقتضى الرهن. وإذا بطل الشرط بطل المشروط ؛ لأنّ الرضا بالعقد إنّما وقع على ذلك الشرط ، فإذا [ قلنا] (٣) : لم يصح ، لم يصحّ العقد ؛ لأنّه بدون الشرط غير مرضيّ به.

مسألة ٩٠ : زوائد المرهون المتجدّدة بعد الرهن المتّصلة تدخل في الرهن ، كالسمن وتعلّم الصنعة وغيرها ، إجماعاً.

وأمّا المنفصلة فإنّها لا تدخل على ما يأتي عند الإطلاق ، لكن لو شرط دخولها مثل أن يرهن الشجرة بشرط أن تحدث الثمرة مرهونةً ، أو الشاة بشرط أن يحدث النتاج مرهوناً ، فإنّه يصحّ الشرط ، ويصير النماء

__________________

(١) لم نعثر عليه فيما بين أيدينا من المصادر.

(٢) التهذيب ٧ : ٣٧١ / ١٥٠٣ ، الاستبصار ٣ : ٢٣٢ / ٨٣٥ ، الجامع لأحكام القرآن ٦ : ٣٣.

(٣) ما بين المعقوفين نسخة بدل هامش الطبعة الحجريّة.

٩٨

المتجدّد مرهوناً ، كالأصل ؛ عملاً بالشرط ، وهو قول الشافعي في القديم والرهن اللطيف ، فإنّه قال : يصحّ الشرط ، ويتعدّى الرهن إلى الزوائد ؛ لأنّ الرهن عند الإطلاق إنّما لا يسري إلى الزوائد ؛ لضعفه ، فإذا قوي بالشرط سرى. ولأنّه بتملّك الثمرة ولا النتاج ، وإنّما هو وثيقة ، فيكون رهناً ، كالأصل ؛ لأنّه منه ، فأشبه السمن.

وقال في الأُمّ : لا يصحّ وهو الأصحّ عندهم لأنّ الزوائد حال العقد معدومة غير مملوكة ، فيكون قد رهنه قبل ملكه. ولأنّها مجهولة ، فلا يصحّ أيضاً رهنه (١).

فعلى القول بالصحّة وهو مذهبنا يصحّ الرهن والبيع. وإن قلنا : لا يصحّ ، فهل يصحّ الرهن؟ قولان مبنيّان على أصلين :

أحدهما : أنّ الزيادة في حقّ المرتهن إذا فسدت هل تُفسد الرهن؟ قولان.

والثاني : أنّ الرهن إذا فسد في بعضه ، هل يفسد في الباقي؟ قولان على أحد الطريقين في تفريق الصفقة.

فإن قلنا : لا يصحّ الرهن ، فهل يفسد البيع؟ قولان.

فحصل في ذلك أربعة أقاويل ، أحدها : يصحّ الرهن والشرط والبيع. والثاني : يفسد الشرط والرهن والبيع. والثالث : يفسد الشرط والرهن والبيع. والثالث : يفسد الشرط والرهن ، ويصحّ البيع. والرابع : يفسد الشرط ، ويصحّ الرهن والبيع وهو الذي اختاره الشافعي ويثبت له الخيار في البيع ؛ لأنّه لم يسلم له ما شُرط (٢).

__________________

(١) الامّ ٣ : ١٩٤ ١٩٥ ، الحاوي الكبير ٦ : ٢٥٠ ٢٥١ ، الوسيط ٣ : ٤٨٠ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٦٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٠٢.

(٢) الحاوي الكبير ٦ : ٢٥١ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٦٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٠٢.

٩٩

قال المزني : يجب أن لا يبطل البيع لبطلان الرهن ؛ لأنّ الشافعي قال : ولو تبايعا على أن يرهنه هذا العصير فرهنه إيّاه فإذا هو من ساعته خمر ، فله الخيار ؛ لأنّه لم يتمّ له الرهن (١).

وخطّأه أصحابه ؛ لأنّ الرهن صحيح ، وإنّما فسد بعد ذلك ، وهنا فاسد من أصله ، فإذا قارن العقد أوجب الفساد (٢).

تذنيب : هل يصحّ اشتراط كون اكتسابات العبد مرهونةً؟ نظر ، أقربه : المنع ؛ لأنّها ليست من أجزاء الأصل ، فهي معدومة على الإطلاق ، وهو أحد وجهي الشافعيّة (٣).

وعلى القول بالفساد هل يفسد الرهن؟ قولان مخرَّجان للشافعي :

أحدهما : القولان في فساد الرهن بفساد الشرط الذي ينفع المرتهن.

وثانيهما : أنّه جمع في هذا الرهن بين معلومٍ ومجهولٍ ، فيجي‌ء فيه خلاف تفريق الصفقة (٤).

ولو رهن وشرط كون المنافع مرهونةً ، فالشرط باطل ، ولا يجري فيه‌ القولان للشافعي ، المذكوران في الزوائد.

تذنيبٌ آخر : لو افترض بشرط أن يرهن به شيئاً وتكون منافعه مملوكةً للمقرض ، فالقرض فاسد ؛ لأنّه جرّ منفعة ، وإذا بطل بطل الرهن.

وإن شرط كون المنافع مرهونةً أيضاً ، فإن سوّغنا مثل هذا الشرط في الرهن ، صحّ الشرط والرهن ؛ لأنّه لم يجرّ القرض نفعاً.

وعند الشافعيّة يفسد الشرط ، ويصحّ القرض ، وفي الرهن القولان (٥).

__________________

(١) مختصر المزني : ١٠٠.

(٢) الحاوي الكبير ٦ : ٢٥٢.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٦٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٠٢.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٦٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٠٢.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٦٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٠٢.

١٠٠