تذكرة الفقهاء - ج ١٣

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

تذكرة الفقهاء - ج ١٣

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-389-6
الصفحات: ٤٢١

قدمت الأرض ، قال : « لا بأس بهذا » (١).

ومَنَع أكثر الشافعيّة منه ، لما فيه من دفع خطر الطريق ، ولو شرط ، كان القرض فاسداً (٢).

ولو ردّه أزيد أو في بلدٍ آخَر أو أجود من غير شرط ، جاز إجماعاً ؛ لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « خياركم أحسنكم قضاءً » (٣) رواه العامّة.

ومن طريق الخاصّة : ما رواه ابن بابويه عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « ليس من غريم ينطلق من عنده (٤) غريمة راضياً إلاّ صلّت عليه دوابّ الأرض ونون البحور ، وليس من غريم ينطلق صاحبه غضبان وهو مليٌّ إلاّ كتب الله عزّ وجلّ بكلّ يوم يحبسه أو ليلة ظلماً » (٥).

مسألة ٣٧ : لو أقرضه بشرط أن يردّ عليه أردأ أو ردّ المكسَّر عن الصحيح ، لغا الشرط.

وفي فساد العقد للشافعيّة وجهان :

أحدهما : نعم ؛ لأنّه على خلاف قضيّة العقد كشرط الزيادة.

وأصحّهما عندهم : لا ؛ لأنّ المنهيّ عنه جرّ المقرض المنفعة إلى نفسه ، وهنا لا نفع للمقرض في الشرط ، بل للمقترض النفع ، فكأنّه زاد في المسامحة ووعده وَعْداً حسناً (٦).

__________________

(١) الكافي ٥ : ٢٥٦ ( باب الرجل يعطي الدراهم .. ) الحديث ٣ ، التهذيب ٦ : ٢٠٣ / ٤٥٨.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٣٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٧٥.

(٣) صحيح البخاري ٣ : ١٥٣ ، سنن البيهقي ٥ : ٣٥٢ ، و ٦ : ٢١ ، مسند أحمد ٣ : ٢٤٩ / ٩٨١٤.

(٤) في النسخ الخطّيّة والحجريّة « عند ». وما أثبتناه من المصدر.

(٥) الفقيه ٣ : ١١٣ / ٤٨٠.

(٦) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٣٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٧٦.

٤١

وقال بعض الشافعيّة : يصحّ الشرط (١).

والأقوى عندي صحّته لا لزومه ، كما لو شرط التأجيل.

ولو شرط تأخير القضاء وضرب له أجلاً ، نُظر إن لم يكن للمقرض فيه غرض ، فهو كشرط ردّ المكسَّر عن الصحيح. وإن كان له فيه غرض بأن كان زمان نهب والمقترض مليّ ، فهو كالتأجيل لغرض (٢) ، أو كشرط ردّ الصحيح عن المكسّر؟ فيه وجهان ، أظهرهما عندهم : الثاني (٣).

مسألة ٣٨ : يجوز أن يقرضه بشرط الرهن أو الكفيل أبشرط الإشهاد أو الإقرار به عند الحاكم ؛ لأنّ ذلك من التوثيق وإحكام الحجّة ، فليست منافع ماليّة.

ولو شرط رهناً بدَيْنٍ آخَر ، فالأقرب عندي : الجواز ؛ لقوله عليه‌السلام : « المؤمنون عند شروطهم » (٤).

وقالت الشافعيّة : إنّه كشرط زيادة الصفة (٥). وهو ممنوع.

مسألة ٣٩ : القرض عقد قابل للشروط السائغة ، فلو أقرضه شيئاً بشرط أن يقرضه مالاً آخَر ، صحّ ، ولم يلزمه ما شرط ، بل هو وَعْدٌ وَعَده.

وكذا لو وهب منه ثوباً بشرط أن يهب منه غيره.

وكذا لو أقرضه بشرط أن يقترض منه أو يبيعه بثمن المثل أو بدونه

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٣٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٧٦.

(٢) كذا ، والظاهر : « لغير غرض » كما في « العزيز شرح الوجيز » وفي « روضة الطالبين » : « كالتأجيل لا لغرض ».

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٣٣ ٤٣٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٧٦.

(٤) التهذيب ٧ : ٣٧١ / ١٥٠٣ ، الاستبصار ٣ : ٢٣٢ / ٨٣٥ ، الجامع لأحكام القرآن ٦ : ٣٣.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٣٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٧٦.

٤٢

أو يسلفه أو يستسلف منه ، ولكن لا يلزم ذلك.

أمّا إذا باع بشرط قرض أو هبة أو بيعٍ آخَر ، فإنّه يجوز عندنا البيع والشرط ، وقد تقدّم (١).

وقالت الشافعيّة : يفسد البيع ؛ لأنّهما (٢) جَعَلا رِفْقَ القرض أو الهبة أو البيع مع العشرة المذكورة مثلاً ثمناً ، والشرط لغو ، فيسقط بسقوطه بعض الثمن ، ويصير الباقي مجهولاً (٣).

وفي وجهٍ للشافعيّة : أنّ الإقراض بشرط الإقراض كالبيع بشرط‌ الإقراض (٤).

ولو شرط الأجل ، لغا الشرط ، ولم يفسد القرض.

البحث الثالث : في حكم القرض.

مسألة ٤٠ : لا خلاف في أنّ المستقرض يملك القرض ، وفي الموجب للملك خلاف. فعندنا أنّه يملك (٥) بالقبض وهو أصحّ قولي الشافعيّة (٦) لأنّه قبض لا يجب عليه يتعلّق به جواز التصرف ، فوجب أن يتعلّق به الملك ، كالقبض في الهبة. ولأنّه إذا قبضه ، ملك التصرّف فيه من

__________________

(١) في ج ١٠ ص ٢٥٠ ، المسألة ١١٨.

(٢) أي البائع والمشتري.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٣٤.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٣٤.

(٥) في « س ، ي » : « يملكه ».

(٦) المهذّب للشيرازي ١ : ٣١٠ ، التهذيب للبغوي ٣ : ٥٤٥ ، حلية العلماء ٤ : ٣٩٣ ، الوسيط ٣ : ٤٥٥ ، الوجيز ١ : ١٥٩ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٣٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٧٧.

٤٣

جميع الوجوه ، ولو لم يملكه لما ملك التصرّف فيه. ولأنّ الملك في الهبة يحصل بالقبض ففي القرض أولى ؛ لأنّ للعوض مدخلاً فيه.

والثاني : أنّه يملك بالتصرّف ؛ لأنّه ليس تبرّعاً محضاً ؛ إذ يجب فيه البدل ، وليس على حقائق المعاوضات ، فوجب أن يملكه بعد استقرار بدله. ولأنّ العين ما دامت باقية في يده كان للمالك أن يرجع فيها ، وللمقترض أن يردّها ، وهو يدلّ على أنّه لم يملكها ، وأنّها كالعارية في يده (١).

ونمنع وقف التملّك على استقرار بدله.

سلّمنا ، لكنّه يستقرّ بالقبض.

ونمنع أنّ للمالك الرجوع في العين.

وأمّا دفع المقترض للعين فكدفعه للبدل ، فكما لا يقال : إنّ لا يخرج عن ملكه لجواز دفعه ، كذا مال القرض.

مسألة ٤١ : عندنا أنّ المستقرض يملك بالقبض ، فليس للمقرض أن يرجع فيه مع بقائه في يد المستقرض بحاله وهو أحد وجهي الشافعيّة (٢) صيانةً لملكه ، وله أن يؤدّي حقّه من موضعٍ آخَر ؛ لانتقال الواجب إلى البدل من المثل أو القيمة.

وأظهر وجهي الشافعيّة : أنّ للمقرض الرجوع في العين مع وجودها وإن ملك المستقرض بالقبض ؛ لأنّه يتمكّن من تغريمه بدل حقّه عند

__________________

(١) المهذّب للشيرازي ١ : ٣١٠ ، التهذيب للبغوي ٣ : ٥٤٥ ، حلية العلماء ٤ : ٣٩٣ ، الوسيط ٣ : ٤٥٦ ، الوجيز ١ : ١٥٩ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٣٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٧٧.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٥٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٧٧.

٤٤

الفوات فلأن يتمكّن من مطالبته بعينه كان أولى ، ولا يبعد أن يرجع فيما ملكه غيره ، كما يرجع الواهب في الهبة (١).

والحقّ الأوّل ، وإنّما تمكّن من تغريمه بدل حقّه ؛ لانتقال الواجب في الذمّة بالقبض إليه ، ما يملك البائع الثمن بعقد البيع ، وليس له الرجوع في العين.

والفرق بينه وبين الهبة أنّ الواهب ليس له الرجوع على المتّهب بعوض الهبة ، بخلاف القرض.

مسألة ٤٢ : يجب على المستقرض دفع مال القرض الحالّ عند المطالبة ، وبه قال الشافعي (٢).

وقال مالك : ليس للمقرض الرجوع فيما أقرضه حتى يقضي المستقرض وطره منه ، أو يمضي زمان يسع لذلك (٣).

ولو ردّ المستقرض العين التي اقترضها ، وجب على المُقرض القبول لا محالة.

مسألة ٤٣ : قد بيّنّا أنّ المستقرض يملك بالقبض بعد العقد ، وهو أحد قولي الشافعي.

والقول الآخَر : إنّه يملك بالتصرّف على معنى أنّه إذا تصرّف تبيّن لنا ثبوت الملك قبله ، وهذا يدلّ على أنّ الملك لم يحصل بالتصرّف ، بل بسببٍ آخَر قبله.

ثمّ في ذلك التصرّف وجوه :

أظهرها : أنّ كلّ تصرّف يزيل الملك.

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٥٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٧٧.

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٣٥.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٣٥.

٤٥

والثاني : كلّ تصرف يتعلّق بالرقبة.

[ و ] الثالث : كلّ تصرّف يستدعي الملك.

فعلى الوجوه يكفي البيع والهبة والإعتاق والإتلاف ، ولا يكفي الرهن والتزويج والإجارة وطحن الطعام وخبز الطحين وذبح الشاة على الوجه الأوّل ، ويكفي ما سوى الإجارة عيل الثاني ، وما سوى الرهن على الثالث ؛ لأنّه يجوز أن يستعير الرهن فيرهنه ، كما سيأتي (١).

وقال بعضهم ضابطاً في ذلك ، وهو : أنّ التصرّف الذي يملك به‌ القرض هو الذي يقطع رجوع الواهب والبائع عند إفلاس المشتري (٢).

وإذا فرّعنا على الوجه الأوّل ، فهل يكفي البيع بشرط الخيار؟ إن قلنا : إنّه لا يزيل الملك ، فلا. وإن قلنا : إنّه يزيله ، فوجهان ؛ لأنّه لا يزيل بصفة اللزوم (٣).

تذنيب : إذا كان المال حيواناً ، ملكه المقترض بالإقباض ، فإذا قبضه كانت نفقته على المقترض ، وهو أحد قولي الشافعي ، والآخَر : نفقته على المالك ؛ لأنّ الملك إنّما يحصل بالتصرّف ، فإذا تصرّف المقترض كانت النفقة عليه من تلك الحال (٣).

تذنيبٌ آخَر : لو استقرض مَنْ ينعتق عليه ، انعتق بالقبض عندنا.

ومَنْ قال : إنّ الملك بالتصرّف ينعتق بالتصرّف.

مسألة ٤٤ : إذا اقترض نصف دينار مكسوراً فأعطاه المقترض ديناراً

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٣٥ ٤٣٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٧٧.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٣٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٧٧.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٣٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٧٧.

(٤) التهذيب للبغوي ٣ : ٥٤٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٣٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٧٧.

٤٦

صحيحا عن قرضه نصف دينار والباقي يكون وديعةً عنده وتراضيا ، جاز ؛ لأنّه زاده خيراً. وإنّما شرطنا المراضاة ؛ لأنّ الشركة عيب ، والكسر عيب ، فافتقر إلى المراضاة ، فإنّ المقرض كان له ذلك ؛ لأنّ هذا وإن كان خيراً من حقّه إلاّ أنّ فيه نقصان الشركة والتزام الوديعة.

فإن رضي واتّفقا على كسره ، لم يجز ؛ لأنّ ذلك قسمة إضرار ، إلاّ مع الحاجة وعدم الراغب في شرائه بمكسورين.

وإذا اتّفقا على أن يكون نصفه قضاءً ونصفه قرضاً أو ثمناً أو قضاءً لنصف آخَر مكسور ، وجب القول ؛ لأنّه زاده خيراً ، جاز (١) ؛ للأصل.

مسألة ٤٥ : قد بيّنّا أنّ الدَّيْن الحالّ لا يتأجّل بالتأجيل ، إلاّ أن يجعل التأجيل شرطاً في عقدٍ لازم ، كالبيع وشبهه ، مثل : أن يقول : بعتك كذا بشرط أن تصبر عليَّ بالدَّيْن الحالّ كذا ، أو اشترى على هذا الشرط ، فإنّه يبقى لازماً ؛ لقوله عليه‌السلام : « المؤمنون عند شروطهم » (٢).

وإذا دفع المقترض أو المديون المال قبل الأجل ، لم يجب على صاحبه قبضه ، سواء كان عليه في ذلك ضرر أولا.

ولو مات المديون وكان الدَّيْن مؤجّلاً ، حلّ الأجل بموته ، وسيأتي إن شاء الله تعالى.

مسألة ٤٦ : إذا ردّ المقترض العينَ في المثلي ، وجب القبول ؛ لأنّها (٣) أقرب إلى الحقّ من المثل (٤) ، سواء رخصت أولا.

__________________

(١) كذا في النسخ الخطّيّة والحجريّة.

(٢) التهذيب ٧ : ٣٧١ / ١٥٠٣ ، الاستبصار ٣ : ٢٣٢ / ٨٣٥ ، الجامع لأحكام القرآن ٦ : ٣٣.

(٣) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « لأنّه ».

(٤) في الطبعة الحجرية : « والمثل » بدل « من المثل ».

٤٧

أمّا غير المثلي فإذا (١) دفعه بعينه ، هل يجب على المالك القبول؟ يحتمل ذلك ؛ لأنّ الانتقال إلى القيمة إنّما كان لتعذّر العين وقد وُجدت ، فلزمه القبول مع الدفع.

ولا يجب على المقترض الدفع ، بل له دفع القيمة وإن كانت العين موجودةً ؛ لأنّه قد ملكها بالقبض ، وانتقل إلى ذمّته قيمة العين لا نفسها. وعلى هذا يحتمل أن لا يجب على المالك قبول العين لو دفعها المقترض بحالها إليه ؛ لأنّ حقّه القيمة.

وللمالك مطالبة المقترض بالجميع مع الحلول وإمكان الأداء وإن‌ أقرضه تفاريق.

ولو أقرضه جملةً فدفع إليه تفاريق ، وجب القبول.

مسألة ٤٧ : لو اقترض جاريةً ، جاز له وطؤها مع القبض ؛ لأنّه قد ملكها. فإذا وطئها ، جاز له ردّها على مالكها مجّاناً ؛ إذ لا عوض عليه في وطئه حيث صادف ملكاً.

ولو حملت ، صارت أمّ ولد ، ولم يجز دفعها ، بل يجب دفع قيمتها.

فإن دفعها جاهلاً بحملها ثمّ ظهر الحمل ، استردّها.

وهل يرجع بمنافعها؟ إشكال.

ويدفع قيمتها يوم القرض ؛ لأنّه الواجب عليه ، لا يوم الاسترداد ؛ لظهور فساد الدفع.

مسألة ٤٨ : قد بيّنّا أنّه لا يجوز إقراض المجهول ؛ لتعذّر الردّ ، فلو أقرضه دراهم أو دنانير غير معلومة الوزن أو قبّة من طعام غير معلومة الكيل

__________________

(١) في الطبعة الحجريّة : « إذا ».

٤٨

ولا الوزن أو قدرها بمكيال معيّن أو صنجة معيّنة غير معروفين عند الناس ، لم يصح.

فإن تلفت العين ، تصالحا ؛ إذ ثبت له في ذمّة المقترض مال ولا يعلم أحدهما قدره ، ويتعذّر إبراء الذمّة إلاّ بالصلح ، فيكون الصلح متعيّناً.

ولو ادّعى المالك العلم ، لم يُقبل منه إلاّ بالبيّنة.

ولو ادّعى الغريم العلم ، قُبل قوله مع اليمين ؛ لأنّه غارم.

مسألة ٤٩ : قد ذكرنا أنّه يجوز أن يقرضه في بلدٍ ويشترط ردّه في غيره.

ولو لم يشترط شيئاً ، اقتضى الإطلاق أداء المثل في بلد القرض. فإن شرط القضاء في بلدٍ آخَر ، جاز ، سواء كان في حملة مئونة أم لا.

ولو طالبه المقرض من غير شرط في غير البلد أو فيه مع شرط غيره ، وجب الدفع.

ولو دفع في غير بلد الإطلاق أو الشرط ، وجب القبول على إشكال.

مسألة ٥٠ : لو اشترى منه سلعة بدراهم اقترضا المشتري من البائع فخرجت الدراهم زيوفاً ، فإن كان الشراء بالعين وكان البائع عالماً بالعيب ، صحن البيع ، وكان على المقترض ردّ مثل الزيوف.

ولو كان الشراء في الذّمة ، كان للبائع مطالبته بالثمن سليماً ، وللمشتري احتساب ما دفعه ثمناً عن القرض.

ولو لم يكن البائع عالماً بعيب الدراهم وكان الشراء بالعين ، كان له فسخ البيع.

تذنيب : لو قال المقرض : إذا متُّ فأنت في حلٍّ ، كان وصيّةً تمضى

٤٩

من الثلث. أمّا لو قال : إن متَّ فأنت في حلٍّ ، كان إبراءً باطلاً ؛ لأنّه علّقه على شرط.

مسألة ٥١ : لو اقترض ذمّيٌّ من مثله خمراً أسلم أحدهما ، سقط القرض ؛ إذ لا يجب على المسلم أداء الخمر ، ولا قيمة ؛ لأنّه من ذوات الأمثال ، ولا يجوز للمسلم المطالبة به. أمّا لو أقرض الذمّيُّ ذمّيّاً خنزيراً ثمّ أسلم أحدهما ، كان لصاحبه المطالبةُ بالقيمة ؛ لأنّ الخنزير من ذوات القِيَم ، لا من ذوات الأمثال ، فالذمّيّ لمّا اقترض الخنزير وجب عليه بالقبض قيمته ، والخمر يجب عليه وقت القبض مثله.

مسألة ٥٢ : لو اقترض دراهم ثمّ أسقطها السلطان وجاء بدراهم‌ غيرها ، لم يكن عليه إلاّ الدراهم الأُولى ؛ لأنّها من ذوات الأمثال ، فكانت مضمونةً بالمثل. فإن تعذّر المثل ، كان عليه قيمتها وقت التعذّر.

ويحتمل وقت القرض من غير الجنس ، لا من الدراهم الثانية ، حذراً من التفاضل في الجنس المتّحد.

والمعتمد : الأوّل.

قال الشيخ رحمه‌الله : ومَنْ أقرض غيره دراهم ثمّ سقطت تلك الدراهم وجاءت غيرها ، لم يكن له عليه إلاّ الدراهم التي أقرضها إيّاه ، أو سعرها بقيمة الوقت الذي أقرضها فيه (١).

وقد روى يونس في الصحيح قال : كتبت إلى أبي الحسن الرضا عليه‌السلام أنّه كان لي على رجل دراهم وإنّ السلطان أسقط تلك الدراهم

__________________

(١) النهاية : ٣٨٤.

٥٠

وجاءت دراهم أعلى (١) من تلك الدراهم الاولى ولهم (٢) اليوم وضيعة ، فأيّ شي‌ء لي عليه؟ الاولى التي أسقطها السلطان ، أو الدراهم التي أجازها السلطان؟ فكتب : « الدراهم الاولى » (٣).

وفي الصحيح عن صفوان قال : سأله معاوية بن سعيد عن رجل استقرض دراهم من رجل وسقطت تلك الدراهم أو تغيّرت ولا يباع بها شي‌ء ، ألصاحب الدراهم الدراهمُ الأُولى أو الجائزة التي تجوز بين الناس؟ قال : فقال : « لصاحب الدراهمِ الدراهمُ الاولى » (٤).

قال الصدوق رحمه‌الله عقيب رواية يونس : كان شيخنا محمد بن الحسن رضي‌الله‌عنه يروي حديثاً في أنّ له الدراهم التي تجوز بين الناس.

قال : والحديثان متّفقان غير مختلفين ، فمتى كان له على رجل دراهم بنقدٍ معروف فليس له الاّ ذلك النقد ، ومتى كان له على رجل دراهم بوزنٍ معلوم بغير نقدٍ معروف فإنّما له الدراهم التي تجوز بين الناس (٥).

فروع :

أ ـ لو جعل السلطان قيمتها أقلّ ، كان الحكم فيه كما في إسقاطها.

ب ـ لو كان رأس مال المضاربة دراهم معيّنة ثمّ أسقط السلطان تلك الدراهم ، احتمل أن يكون رأس المال تلك الدراهم بعينها التي أسقطها

__________________

(١) في الطبعة الحجريّة والاستبصار : « أغلى ».

(٢) في الاستبصار : « ولها » بدل « ولهم ».

(٣) التهذيب ٧ : ١١٧ / ٥٠٧ ، الإستبصار ٣ : ٩٩ / ٣٤٣ ، وفي الفقيه ٣ : ١١٨ / ٥٠٣ بتفاوت.

(٤) التهذيب ٧ : ١١٧ / ٥٠٨ ، الاستبصار ٣ : ٩٩ ١٠٠ / ٣٤٤.

(٥) الفقيه ٣ : ١١٨ / ٥٠٤.

٥١

السلطان ؛ لأنّها المدفوعة مضاربةً.

ويحتمل جبر النقص بالربح ؛ لأنّه من الخسران.

ج ـ لو تبايعا والنقد في البلد تلك الدراهم ثمّ سقطت ، لم يكن للبائع إلاّ النقد الأوّل الجاري بين الناس وقت العقد.

ولو تعاملا بعد النقص والعلم ، فلا خيار للبائع.

وإن كان قبل العلم ، فالوجه : ثبوت الخيار للبائع ، سواء تبايعا في بلد السلطان أو غيره ؛ لأنّه عيب حدث بعد العقد وقبل الإقباض.

* * * * *

٥٢

الفصل الرابع في مداينة العبد معاملاته.

وفيه مباحث :

الأوّل : في غير المأذون.

العبد إمّا أن يأذن له مولاه في الاستدانة أو لا ، والثاني إمّا أن يكون مأذوناً له في التجارة أو لا ، فالأقسام ثلاثة قدّم منها البحث عن غير المأذون له في التجارة ولا في الاستدانة.

وهذا إن استدان شيئاً ، لم يلزم مولاه منه شي‌ء ، بل يتبعه المدين إذا اعتق رجع عليه بما لَه عليه إن كان ذا مال. وإن ما تعبداً ، سقط الدَّيْن بلا خلاف.

ولو كان المال الذي استدانه بغير إذن مولاه موجوداً ، استُعيد به ، فإن تلف ، تبع به بعد العتق.

ولا فرق بين أن يكون صاحب المال عالماً بعبوديّة أو جاهلاً.

وكذا إن اشترى في ذمّته بغير إذن مولاه.

وهل يصّح عقد الشراء أو القرض؟ الأولى المنع ؛ لأنّه محجور عليه. ولأنّه سيأتي (١) أنّ العبد لا يملك شيئاً ، وبه قال بعض الشافعيّة ؛ لأنّه عقد معاوضة ، فلا يصّح من العبد بغير إذن سيّده ، كالنكاح (٢).

__________________

(١) في ص ٥٨ ، المسألة ٥٧.

(٢) المهذّب للشيرازي ١ : ٣٩٦ ، حلية العلماء ٥ : ٣٥٨ ، الوجيز ١ : ١٥٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٧٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٢٩.

٥٣

وقال بعضهم : يصحّ ؛ لأنّ العبد رشيد وإنّما لا يملك شيئاً ، فإذا تصرّف في ذمّته على وجه لا يستضرّ به السيّد ، كالحُرّ المعسر ، بخلاف‌ النكاح ؛ لأنّ فيه إضراراً بالمولى ، لأنّ النفقة تتعلّق بكسبه ، وكذا المهر (١).

مسألة ٥٣ : لو اقترض بغير إذنٍ ، فإن قلنا بالجواز ، فللبائع والمقرض الرجوع فيه إذا كان في يد العبد ؛ لأنّه قد تحقّق إعساره ، فكان للبائع الرجوعُ ، وبه قال الشافعي (٢).

وفيه إشكال من حيث إنّ المقرض والبائع عالمان بإعساره ، فلم يكن لهما الرجوع في العين ، كما لو باع المُعْسرَ مع علمه بإعساره وحجر الحاكم عيلة.

وإن كان قد تلف في يده ، فقد استقرّ الثمن وعوض القرض عليه في ذمّته يتبع به بعد العتق واليسار.

ولو كان سيّده قد أخذه منه ، فقد ملكه ؛ إذ كلّ ما يملكه العبد لمولاه ، ولم يكن للبائع ولا للمقرض الرجوع فيه ؛ لأنّ السيّد أخذ ذلك بحقٍّ ؛ إذ له أخذه منه ، فيسقط حقّ البائع والمقرض ، كما يسقط حقّ البائع ببيع المبيع ، ويكون للبائع والمقرض العودُ في ذمّة العبد يتبعه به إذا أُعتق وأيسر.

وإن قلنا بالمنع وإنّ البيع والقرض فاسدان ، فإنّ البائع والمقرض

__________________

(١) المهذّب للشيرازي ١ : ٣٩٦ ، حلية العلماء ٥ : ٣٥٨ ، الوجيز ١ : ١٥٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٧٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٢٩.

(٢) المهذّب للشيرازي ١ : ٣٩٧ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٧٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٢٩.

٥٤

يرجعان في العين إن كانت موجودةً ، سواء كانت في يد العبد أو يد السيّد ؛ لبقاء ملك البائع والمقرض فيهما.

وإن كانت قد تلفت في يد العبد ، كان عليه القيمة يتبع بها بعد العتق واليسار إن كانت من ذوات القِيَم. وإن كانت من ذوات الأمثال ، وجب عليه مثله.

وإن كان قد تلف في يد السيّد ، كان على السيّد المثلُ أو القيمة إن‌شاء رجع به على السيّد في الحال ، وإن شاء طالَب به العبد مع عتقه ويساره.

إذا عرفت هذا ، فالأقرب عندي أنّه لا يصحّ شراؤه في ذمّته ولا قرضه ؛ لاستحالة أن يثبت الملك له ، فإنّه ليس أهلاً للتملّك على ما يأتي (١) ، ولا للمولى ؛ لأنّ إن ملك بغير عوض ، فهو تجارة بالباطل ؛ إذ المالك إنّما دفع العين ليسلم له العوض ، فإذا لم يكن هناك عوض ، يكون تسلّطاً على ملك الغير بغير إذنه.

وإن ملك السيّد بعوضٍ ، فإمّا في ذمّته ، وهو باطل ؛ لأنّ السيّد ما رضي به ، أو في ذمّة العبد ، وهو باطل ؛ لامتناع حصول الشي‌ء لمن ليس عليه عوض ، بل على غيره.

وكلا القولين للشافعيّة ؛ بناءً على القولين في أنّ المفلس المحجور عليه إذا اشترى شيئاً هل يصحّ؟

ووجه الشبه : كماليّة كلّ واحد منهما في عقله وعبارته ، وإنّما حجر عليه لحقّ الغير.

__________________

(١) في ص ٥٨ ، المسألة ٥٧.

٥٥

هذا أحد الطريقين لهم ، والطريق الآخَر : القطع بالفساد ، بخلاف المفلس ؛ لأنّه أهل للتملّك (١).

مسألة ٥٤ : إن قلنا : الشراء صحيح ، فالملك للسيّد.

فإن (٢) علم البائع عبوديّتَه ، لم يطالبه بشي‌ء ولا للسيّد ، بل يصبر حتى يعتق العبد ، فإن لم يعتق أو كان معسراً ، ضاع الثمن.

وإن لم يعلم بالعبوديّة ، تخيّر بين الصبر إلى العتق وبين الفسخ ويرجع إلى عين ماله ، وهو قول بعض الشافعيّة (٣).

وقال بعضهم ، الملك للعبد ، والسيّد بالخيار بين أن يُقرّه عليه وبين أن ينتزعه من يده ، وللبائع الرجوع إلى عين المبيع ما دام في يد العبد ؛ لتعذّر تحصيل الثمن ، كما لو أفلس المشتري بالثمن ، فإن تلف في (٤) يده ، فليس له إلاّ الصبر إلى أن يعتق (٥).

وإن انتزع السيّد ، فهل للبائع الرجوعُ؟ قال أكثر الشافعيّة : إنّه لا يرجع ، كما لو زال يد المشتري عمّا اشتراه ثمّ أفلس بالثمن (٦).

وقال بعضهم : يرجع ، بناءً على أنّ الملك [ يحصل ] (٧) للسيّد ابتداءً لا بالانتزاع (٨).

وإن أفسدنا شراءه ، فللمالك استرداد العين مع بقائها ، سواء كانت في

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٧٣.

(٢) في الطبعة الحجريّة : « وإن ».

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٧٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٢٩.

(٤) في الطبعة الحجريّة : « ما في ».

(٥) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٧٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٢٩.

(٦) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٧٣ ٣٧٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٢٩.

(٧) ما بين المعقوفين من « العزيز شرح الوجيز ».

(٨) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٧٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٢٩.

٥٦

يد السيّد أو العبد.

فإن تلفت في يد العبد من غير أن يقبضها السيّد ، تعلّق الضمان برقبته. وإن تلفت في يد السيّد ، طالبَه بالضمان ، وإن شاء طالَب العبد بعد العتق.

ولو رآه السيّد ولم يأخذه ، لم يضمن بذلك ، سواء كان البائع والمقرض عالمَيْن بالعبوديّة أو جاهلَيْن ، وسواء رضي السيّد بما فَعَله العبد أو لا إذا لم يكن قد أذن له أوّلاً.

ولو أدّى العبد الثمن من مال السيّد ، كان للسيّد استرداده ؛ لوقوعه فاسداً.

مسألة ٥٥ : ليس للعبد أن ينكح بدون إذن سيّده ، سواء اضطرّ إليه أو لا ، وإلاّ لكان له الوطؤ متى شاء ، وذلك يورث ضعف البنية ، ويتضرّر به السيّد.

وكذا حكم كلّ تصرّفٍ يتعلّق برقبة العبد.

أمّا الهبة منه والوصيّة له فإنّه هبة للسيّد ووصيّة له ؛ إذ لا يصحّ أن يملك العبد شيئاً ، فإن قَبِل المولى أو العبد بإذنه ، ملك المولى ، وإلاّ فلا.

ولا يصحّ قبول العبد من دون إذن السيّد ؛ لعدم رضاه بثبوت الملك ، وبه قال بعض الشافعيّة (١).

وقال آخرون منهم : يصحّ قبول العبد من دون إذن مولاه ؛ لأنّه اكتساب لا يستعقب عوضاً ، فأشبه الاصطياد بغير إذنه. ولأنّ العبد لو خالع زوجته ، صحّ ، وثبت العوض ، ودخل في ملك السيّد قهراً ، كذا هنا (٢).

مسألة ٥٦ : لو ضمن بغير إذن السيّد ، فالأقرب : الجواز ؛ لأنّه تصرّف في الذمّة لا في العين.

__________________

(١) الوسيط ٣ : ٢٠٣ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٧٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٢٩.

(٢) الوسيط ٣ : ٢٠٣ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٧٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٢٩.

٥٧

ثمّ إن علم المضمون له بالعبوديّة قبل الضمان ، ولم يكن له الرجوع ، وإلاّ رجع ، لإعساره ، وسيأتي تمامه إن شاء الله تعالى.

وبالجملة ، فغير المأذون له في الاستدانة أو التجارة ممنوع من التصرّف في نفسه وما في يده ببيعٍ وإجارة واستدانة وغير ذلك من جميع العقود ، إلاّ بإذن مولاه ، إلاّ الطلاق ، فإنّ له إيقاعه وإن كره المولى.

مسألة ٥٧ : المشهور بين علمائنا أنّ العبد لا يملك شيئاً ، سواء ملّكه مولاه شيئاً أو لا وبه قال أو حنيفة والثوري وإسحاق وأحمد في إحدى الروايتين والشافعي في الجديد من القولين (١) لقوله تعالى ( ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْ‌ءٍ ) (٢) وقوله تعالى ( هَلْ لَكُمْ مِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ شُرَكاءَ فِي ما رَزَقْناكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَواءٌ ) (٣) نفي عنه القدرة مطلقاً ، ونفى أن يشارك العبد مولاه في شي‌ء البتّة ، فكأنّه تعالى قال : إذا لم يشارك عبد أحد مولاه في ملكه فيساويه ، فكذلك لا يشاركني في ملكي أحد فيساويني فيه ، فثبت أنّ العبد لا يملك شيئاً. ولأنّه مملوك فلا يملك شيئاً ، كالدابّة.

وقال بعض (٤) علمائنا : إنّه يملك فاضل الضريبة وأرش الجناية وما يملّكه مولاه وبه قال مالك والشافعي في القديم ، وأحمد في إحدى

__________________

(١) أحكام القرآن للجصّاص ٣ : ١٨٧ ، المهذّب للشيرازي ١ : ٣٩٧ ، التهذيب للبغوي ٣ : ٤٦٧ ، حلية العلماء ٥ : ٣٦٠ ، الوسيط ٣ : ٢٠٤ ، الوجيز ١ : ١٥٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٧٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٣٠.

(٢) النحل : ٧٥.

(٣) الروم : ٢٨.

(٤) انظر : النهاية : ٥٤٣.

٥٨

الروايتين ، وداوُد وأهل الظاهر (١) لقوله تعالى ( وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ وَالصّالِحِينَ مِنْ عِبادِكُمْ وَإِمائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَراءَ يُغْنِهِمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ ) (٢) فبيّن تعالى أنّه يغنيهم بعد فقر ، فلو (٣) لم يملكوا لم يتصوّر [ فيهم ] (٥) الغنى.

ولما رواه العامّة عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : « مَنْ باع عبداً وله مالٌ فمالُه للعبد إلاّ أن يستثنيه السيّد » (٦).

ومن طريق الخاصّة : ما رواه زرارة عن الصادق عليه‌السلام في الرجل يشتري المملوك وله مالٌ لمَنْ مالُه؟ فقال : « إن كان علم البائع أنّ له مالاً فهو للمشتري ، وإن لم يكن علم فهو للبائع » (٧).

ولأنّه آدميّ ، فأشبه الحرّ ، والغنى يكون بعد العتق ، كما يكون في الحُرّ بعد التجارة.

وخبر العامّة غير ثابت عندهم ، وعارضوه بما رووه عنه عليه‌السلام أنّه قال :

__________________

(١) الذخيرة ٥ : ٣٠٨ ، المعونة ٢ : ١٠٦٩ ، المقدّمات الممهّدات ٢ : ٣٤٠ ، المهذّب للشيرازي ١ : ٣٩٧ ، التهذيب للبغوي ٣ : ٤٦٧ ، حلية العلماء ٥ : ٣٦٠ ، الوسيط ٣ : ٢٠٤ ، الوجيز ١ : ١٥٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٧٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٣٠ ، أحكام القرآن للجصّاص ٣ : ١٨٧ ، المغني ٤ : ٢٧٧ ، وحكى قول داوُد الشيخ الطوسي في الخلاف ٣ : ١٢١ ، المسألة ٢٠٧.

(٢) النور : ٣٢.

(٣) فيما عدا « ث » : « فقر ».

(٤) في الطبعة الحجريّة : « ولو ».

(٥) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطية والحجرية : « فيه ». وما أثبتناه يقتضيه السياق.

(٦) المغني ٤ : ٢٧٧ ، وفيه « مَنْ باع عبداً وله مال » بدون الذيل ، وفي سنن الدارقطني ٤ : ١٣٣ ١٣٤ / ٣١ : « مَنْ أعتق عبداً .. ».

(٧) الكافي ٥ : ٢١٣ ( باب المملوك يباع .. ) ح ١ ، التهذيب ٧ : ٧١ / ٣٠٧.

٥٩

« مَنْ باع عبداً وله مالٌ فمالُه للبائع إلاّ أن يشترطه المبتاع » (١).

وقد رواه الخاصّة في الصحيح عن محمد بن مسلم عن الباقر أو الصادق عليهما‌السلام قال : سألته عن رجل باع مملوكاً فوجد له مالاً ، فقال : « المال للبائع إنّما باع نفسه إلاّ أن يكون شرط عليه أنّ ما كان من مال أو متاع فهو له » (٦) ولو ملكه العبد لم يكن للبائع ، فلمّا جَعَله للبائع دلّ على أنّ العبد لم‌يملك ، وثبت بذلك أنّ الإضافة مجاز.

ويفارق الحُرّ ؛ لأنّه غير مملوك.

وملك النكاح ؛ لأنّه موضع حاجة وضرورة ؛ لأنّه لا يستباح في غير ملك. ولأنّه لمّا ملكه لم يملك السيّد إزالة يده عنه ، بخلاف المال.

والفائدة في القولين تظهر في الزكاة ، فإن قلنا : يملك ، فلا زكاة ؛ لضعف ملكه ، إذ لمولاه انتزاعه منه متى شاء. وإن قلنا : لا يملك ، وجبت الزكاة على المولى.

وإذا ملّكه جاريةً وقلنا : يملك ، استباح وطأها ، وإلاّ فلا.

ويكفّر بالمال إن قلنا : يملك ، وإلاّ بالصوم.

البحث الثاني : في المأذون له في الاستدانة.

مسألة ٥٨ : يجوز للسيّد أن يأذن لعبده في الاستدانة والتجارة وسائر التصرّفات إجماعاً. ولأنّه صحيح العبارة ، وإنّما مُنع من التصرّف لحقّ السيّد ، فإذا أمره ، زال المانع.

إذا ثبت هذا ، فإذا أذن له في الاستدانة ، فإن استدان للمولى بإذنه ، كان الضمان على المولى ؛ لأنّه المستدين في الحقيقة ، والمملوك نائبه.

__________________

(١) سنن أبي داوُد ٣ : ٢٦٨ / ٣٤٣٣ و ٣٤٣٥ ، سنن النسائي ٧ : ٢٩٧ ، مسند أحمد ٢ : ٧٣ / ٤٥٣٨.

(٢) الكافي ٥ : ٢١٣ ( باب المملوك يباع .. ) ح ٢ ، التهذيب ٧ : ٧١ / ٣٠٦.

٦٠