تذكرة الفقهاء - ج ١٣

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

تذكرة الفقهاء - ج ١٣

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-389-6
الصفحات: ٤٢١

وقال أبو حنيفة : إذا طالب المرتهنُ الراهنَ بالدَّيْن ، أُمر المرتهن بإحضار الرهن ؛ لأنّ قبض الرهن قبضُ استيفاءٍ ، فلو أُمر بقضاء الدَّيْن قبل إحضار الرهن ، ربما يهلك الدَّيْن بعد ذلك ، فيصير مستوفياً لدَيْنه مرّتين بناءً على مذهبه من الضمان ، فإذا أحضره ، أُمر الراهن بتسليم دَيْنه أوّلاً ؛ لتعيّن حقّه كما تعيّن حقّ الراهن ، تحقيقاً للتسوية ، كما في تسليم المبيع والثمن يحضر المبيع ثمّ يسلّم الثمن أوّلاً.

وكذا إن طالَبه بالدَّيْن في غير بلد الرهن ولا حمل له ولا مئونة ، لأنّ الأماكن كلّها كمكان العقد فيما لا حمل له ولا مئونة ، ألا ترى أنّه لا يشترط فيه بيان مكان الإيفاء في السَّلَم بالإجماع ، فيؤمر بإحضاره.

وإن كان لحمله مئونة ، يأخذ دَيْنه ، ولا يكلّف المرتهن بإحضار الرهن ؛ لأنّ المرتهن عاجز عن الإحضار ، والتسليم غير واجبٍ عليه في بلدٍ لم يَجْر فيه العقد. ولأنّ الواجب عليه التسليم بمعنى التخلية ، لا النقل من مكانٍ إلى مكانٍ ؛ لأنّ العين أمانة (١).

مسألة ٢٣٦ : لو باع الراهن الرهنَ بغير إذن المرتهن ، فإن فسخه المرتهن ، بطل. وإن أمضاه ، نفذ. وإن لم يحصل منه إذنٌ ولا فسخ ؛ لعدم اطّلاعه عليه ، كان البيع موقوفاً على الإجازة ، ولا يقع باطلاً في أصله ، وبه قال أبو حنيفة (٢). وقال أبو يوسف : ينفذ البيع كالإعتاق ؛ لأنّه تصرّف في خالص ملكه (٣).

__________________

(١) الهداية للمرغيناني ٤ : ١٢٧ ١٢٩.

(٢) الهداية للمرغيناني ٤ : ١٤٥.

(٣) لم نعثر عليه في مظانّه.

٣٦١

وليس بجيّد ؛ لأنّ حقّ المرتهن تعلّق به ، فيقف على إجازته.

قال أبو حنيفة : فإن أجاز المرتهن البيعَ ، نفذ ؛ لأنّ المانع من النفوذ حقّه ، وحقّه قد زال بالإجازة. وإن لم يجز البيع وفسخه ، انفسخ في روايةٍ عن محمّد حتى [ لو افتكّ الراهن الرهنَ (١) ] لا سبيل للمشتري عليه ؛ لأنّه يملك الإجازة فيملك الفسخ كالمالك ؛ لأنّ حقّه يضاهي الملك (٢).

وأشار في الجامع الكبير إلى أنّه لا ينفسخ ؛ لأنّ التوقّف مع المقتضي للنفاذ إنّما كان لصيانة حقّه ، وحقّه يُصان بانعقاد هذا العقد موقوفاً ، وإذا بقي موقوفاً فإن شاء المشتري صبر حتى يفكّ الراهنُ الرهنَ فيسلّم له المبيع ؛ لأنّ المانع على شرف الزوال ، وإن شاء رفع الأمر إلى القاضي ليفسخ القاضي العقد بحكم العجز عن التسليم ، وولاية الفسخ إلى القاضي ، وصار كما إذا أبق العبد المشترى قبل القبض ، فإنّ المشتري بالخيار إن شاء صبر حتى يرجع الآبق ، وإن شاء رفع الأمر إلى القاضي ليفسخ العقد بحكم العجز عن التسليم (٣).

مسألة ٢٣٧ : إذا باع الراهن الرهنَ من رجلٍ ثمّ باعه بيعاً ثانياً من غيره قبل أن يُجيز المرتهن ، فالثاني أيضاً موقوف على إجازته ؛ لأنّ الأوّل موقوف ، والموقوف لا يمنع توقّف الثاني ، فجاز البيع الأوّل إن أجازه ، وجاز البيع الثاني إن أجازه ، وبه قال أبو حنيفة (٤).

فإن باع الراهن ثمّ آجر أو رهن أو وهب من غيره وأجاز المرتهن‌

__________________

(١) ما بين المعقوفين من المصدر.

(٢) الهداية للمرغيناني ٤ : ١٤٥.

(٣) أورده المرغيناني في الهداية ٤ : ١٤٥ ، والموصلي في الاختيار لتعليل المختار ٢ : ١٠٣.

(٤) الهداية للمرغيناني ٤ : ١٤٥.

٣٦٢

الإجارة أو الرهن أو الهبة ، نفذت ، ولم ينفذ البيع السابق عندنا.

وقال أبو حنيفة : ينفذ البيع السابق ؛ لأنّ تصرّف الراهن في الرهن إذا كان يُبطل حقّ المرتهن ، لا ينفذ إلاّ بإجازة المرتهن ، فإذا أجاز المرتهن تصرّفه ، يُنظر فيه ، فإن كان تصرّفاً يصلح حقّاً للمرتهن ، ينفذ بإجازة المرتهن التصرّف الذي لحقه الإجازة. وإن كان تصرّفاً لا يصلح حقّاً للمرتهن ، فبالإجازة يبطل حقّ المرتهن ، والنفاذ يكون من جهة الراهن ، فينفذ السابق من تصرّفات الراهن.

وإن كان المرتهن أجاز اللاحق ، فنقول حينئذٍ : المرتهن ذو حظّ من البيع الثاني ؛ لأنّه يتحوّل حقّه إلى الثمن بناءً على مذهبه من أنّ إجازة المرتهن البيعَ تُفيد تعلّقَ الرهن بالثمن ، فيصير الثمن رهناً عنده ، ويكون المرتهن أحقَّ بثمنه من الغرماء لو مات الراهن ، فصحّ تعيينه ، لتعلّق حقّ الفائدة به ، ولا حقّ للمرتهن في هذه العقود ؛ إذ لا بدل في الهبة والرهن. وأمّا الإجارة فبدلها في مقابلة المنفعة ، وحقّه في ماليّة العين لا في المنفعة ، فكانت إجازته إسقاطاً لحقّه ، فزال المانع من النفاذ ، فنفذ البيع السابق ، كما لو باع المستأجر من اثنين فأجاز المستأجر الثاني ، نفذ الأوّل ؛ لأنّه لاحقّ له في الثمن ، فكانت الإجازة إسقاطاً (١).

وهذا الضابط الذي ذكره ممنوع.

مسألة ٢٣٨ : لو استعار الراهن الرهنَ من المرتهن ، خرج من ضمان المرتهن عند أبي حنيفة ؛ لأنّ الضمان باعتبار قبضه وقد زال. فإن هلك في يد الراهن ، هلك بغير شي‌ء ؛ لفوات القبض الموجب للضمان ، وللمرتهن‌

__________________

(١) الهداية للمرغيناني ٤ : ١٤٥ ١٤٦.

٣٦٣

أن يستردّه إلى يده ؛ لأنّ عقد الرهن باقٍ إلاّ في حكم الضمان في الحال ، فإذا استردّه ، عاد مضموناً عليه عنده ؛ لأنّه عاد القبض بحكم الرهن ، فيعود بصفته (١) ، وهو الضمان.

وكذا لو أعاره أحدهما أجنبيّاً بإذن الآخَر ، خرج عن أن يكون مضموناً ، وبقي مرهوناً ؛ لما تقدّم.

ولكلٍّ منهما أن يردّه رهناً كما كان ؛ لأنّ لكلٍّ منهما حقّاً محتوماً فيه ، بخلاف ما إذا آجره ولو مات الراهن قبل الردّ إلى المرتهن ، يكون اسوةَ الغرماء لأنّ الإجارة تصرّف لازم أوجبت حقّاً لازماً للغير في الرهن ، فيبطل به حكم الرهن ، ولم يتعلّق بالعارية حقٌّ لازم ، فافترقا.

ولو استعار المرتهن الرهنَ من الراهن ليعمل به فهلك قبل أخذه في العمل ، هلك على ضمان الرهن ؛ لبقاء يد المرتهن ، فبقي ضمانه.

وكذا إن هلك بعد الفراغ من العمل ؛ لأنّ يد العارية ارتفعت وظهر الضمان.

وإن هلك في حالة العمل ، هلك بغير ضمان ؛ لأنّ يد العارية غير ضامنة.

وكذا إذا أذن الراهن للمرتهن بالاستعمال (٢).

مسألة ٢٣٩ : لو استعار شيئاً ليرهنه فتلف قبل رهنه أو بعد ما افتكّه ، فالأقرب : عدم الضمان وبه قال أبو حنيفة (٣) لأنّ حفظ العين في الحال بإذن المالك ، وبالهلاك قبل الرهن أو بعد الفكّ لم يصر قاضياً شيئاً من‌

__________________

(١) في « ج » والطبعة الحجريّة : « بصيغته ». وهي غلط.

(٢) الهداية للمرغيناني ٤ : ١٤٨ ١٤٩.

(٣) الهداية للمرغيناني ٤ : ١٥٠ ، بدائع الصنائع ٦ : ١٣٦.

٣٦٤

دَيْنه ، والضمان إنّما يتعلّق باعتبار استيفاء الدَّيْن منه ولم يستوف.

هذا على قول أبي حنيفة : إنّ المرتهن ضامن للرهن مطلقاً (١) ، أمّا عندنا فإنه غير مضمون عليه ، لكن على الراهن.

وهل يثبت الضمان عليه بنفس القبض بالعارية للرهن أو بالرهن؟ إشكال أقربه : الثاني.

فإن اختلف الراهن والمعير بعد التلف ، فادّعى المالك تلفه في يد المرتهن ، وقال المستعير : هلك قبل رهنه أو بعد فكّه ، فالقول قول الراهن مع يمينه ؛ لأنّ الضمان إنّما يجب على المستعير بإيفاء الدَّيْن منه أو بإمساكه رهناً وهو يُنكرهما.

مسألة ٢٤٠ : قد بيّنّا (٢) الخلافَ في القبض هل هو شرط أو لا؟ والخلافَ في ماهيّة القبض ، فقيل : إنّه التخلية مطلقاً ، وإنّما يتحقّق القبض بأن يحضر المرتهن فيقبض ، أو يوكّل في قبضه ، فيصحّ قبض الوكيل.

ثمّ الرهن إن كان خفيفاً يمكن تناوله باليد ، فالقبض فيه أن يتناوله بيده ، وإن كان ثقيلاً كالعبد والدابّة فالقبض فيه النقل من مكان إلى آخَر. وإن كان طعاماً فارتهن مكيالاً من طعامٍ بعينه ، فقَبْضُه أن يكتاله. وإن ارتهن صُبرة على أنّ كيلها كذا ، فقَبْضُها أيضاً أن يكتاله. وإن ارتهنها جزافاً ، فقَبْضُها النقل من مكان إلى مكان.

وإذا كان ممّا لا يُنقل ولا يُحوّل من أرضٍ ودارٍ وعليها باب مغلق ، فقَبْضُها أن يخلّي صاحبه بينه وبينها ويفتح بابها ، أو يدفع إليه مفتاحها. وإن‌

__________________

(١) بدائع الصنائع ٦ : ١٥٤ ، الهداية للمرغيناني ٤ : ١٢٧ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٩٩.

(٢) في ص ١٨٩ و ١٩٠ ، المسألتان ١٤٠ و ١٤١ ، وكذا في ج ١٠ ص ١٠١.

٣٦٥

لم يكن عليها باب ، فقَبْضُه التخلية بينه وبينها من غير حائل.

وإن كان الرهن مشاعاً فإن كان ممّا لا يُنقل ، خُلّي بينه وبينه ، سواء حضر شريكه أو لم يحضر.

وإن كان ممّا يُنقل ويُحوّل كالشقص من الجوهر والسيف وغيرهما لم يجز تسليمه إلى مرتهنه إلاّ بحضرة شريكه ؛ لأنّه يريد نقل نصيبه ونصيب شريكه إلى يده.

فإذا حضر وسلّمه إليه ، فإن رضيا أن يكون الجميع على يد المرتهن ، جاز. وإن رضيا أن يكون الجميع في يد الشريك ، جاز ، وناب عنه في القبض. وإن رضيا أن يكون على يدَي عَدْلٍ ، جاز. وإن تشاحّا واختلفا ، انتزعه الحاكم من يدهما ، ووضعه على يد عَدْلٍ إن لم تكن لمنفعته قيمة. وإن كانت لمنفعته قيمة وأمكن إجارته وكان الانتفاع به لا ينقصه ، فإنّه يكرى.

ولو سلّمه الراهن للمرتهن فقبضه ، حصل القبض ؛ لأنّ الرهن حصل في يده مع التعدّي في غيره ، فأشبه ما لو سلّم الرهن وغيره.

ولو كان في يد المرتهن بالعارية السابقة ، كفى ذلك في القبض.

وهل يفتقر إلى مضيّ زمان يتحقّق فيه القبض لو لم يكن في يده؟ الأقرب : المنع.

وليس للمستعير بعد عقد الرهن الانتفاعُ به ؛ لأنّ الرهن مانع من التصرّف ، فليس له الانتفاع به كما كان ينتفع به قبل الرهن ، قاله الشيخ (١) رحمه‌الله.

__________________

(١) المبسوط للطوسي ٢ : ٢٠٤ ٢٠٥.

٣٦٦

وقال الشافعي : له الانتفاع كما كان (١).

ولو رهنه ثوباً فاشتبه عليه بغيره فسلّم إليه أحدهما ، لم يثبت القبض ؛ لعدم العلم بأنّه أقبضه الرهن ، فإن ثبت أنّه الرهن تبيّنّا صحّة القبض.

ولو سلّم إليه الثوبين معاً ، صحّ القبض ؛ لأنّه قد قبض الرهن قطعاً.

ولو رهنه داراً فخلّى بينه وبينها وهُما فيها ثمّ خرج الراهن ، صحّ القبض في النصف.

وقال الشافعي : يصحّ القبض في الجميع ؛ لأنّ التخلية تصحّ بقوله مع التمكين منها وعدم المانع ، فأشبه ما لو كانا خارجين عنها (٢).

وقال أبو حنيفة : لا يصحّ حتى يخلّي بينه وبينها بعد خروجه منها ؛ لأنّه ما كان في الدار (٣) فيده عليها ، فلم تحصل التخلية (٤).

واعتُرض بأنّ خروج المرتهن منها لا يزيل يده عنها ، ودخوله إلى دار غيره لا يُثبت يده عليها. ولأنّه بخروجه عنها محقّق لقوله ، فلا معنى لإعادة التخلية (٥).

مسألة ٢٤١ : قد بيّنّا أنّه يصحّ رهن العبد الجاني ؛ لبقاء الملك فيه ، لكن يقدَّم حقّ الجناية على حقّ الرهن ؛ لأنّه متقدّم عليه لو تأخّر فمع التقدّم أولى.

ثمّ إن اقتصّ منه في النفس ، بطل الرهن. وإن اقتصّ في الطرف ، بقي الباقي رهناً بحاله.

__________________

(١) روضة الطالبين ٣ : ٣١٠ ، وانظر الحاوي الكبير ٦ : ٤٢.

(٢) المغني ٤ : ٤٠٤ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٢٦.

(٣) أي : لأنّه ما دام كائناً فيها.

(٤) بدائع الصنائع ٦ : ١٤٠ ، المغني ٤ : ٤٠٤ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٢٦.

(٥) المغني ٤ : ٤٠٤ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٢٦.

٣٦٧

وإن كانت الجناية خطأً ، فإن كان الأرش أقلَّ من قيمته ، كان الفاضل منه رهناً. وإن ساواها أو زاد ، فإن سلّمه المالك إلى المجنيّ عليه في الجناية ، بطل الرهن. وإن فداه ، سقط الأرش عن رقبته ، وبقي العبد رهناً. وإن بِيع في الجناية ، فسخ الرهن.

ثمّ إن استوعبت الجناية قيمته ، بطل الرهن ، وإلاّ بِيع بقدرها ، وكان الباقي رهناً.

والشيخ رحمه‌الله أبطل رهن الجاني عمداً وخطأً [ لأنّها ] (١) إن كانت عمداً ، فقد وجب عليه القصاص. وإن كانت خطأً فلسيّده أن يسلّمه إلى مَنْ جُني عليه ، فإنّها تتعلّق برقبة العبد ، والسيّد بالخيار بين أن يسلّمه ليُباع في الجناية وبين أن يفديه و [ أيّهما ] (٢) فعل فالرهن على البطلان ؛ لأنّه وقع باطلاً في الأصل ، فلا يصحّ حتى يستأنف (٣).

والوجه : ما قلناه.

ولو كانت الجناية أقلَّ من قيمته ولم يمكن بيع بعضه ، بِيع كلُّه واعطي المجنيّ عليه حقّه ، وكان الباقي رهناً مكانه. ولو فداه غير السيّد أو أبرأه المجنيّ عليه ، بقي رهناً كما كان.

مسألة ٢٤٢ : قد بيّنّا أنّه يصحّ رهن المدبَّر ، ويبطل التدبير ؛ لأنّه وصيّة ، فكان الرهن رجوعاً فيه ، كما لو أوصى به لزيدٍ ثمّ رهنه ، فإنّه يكون رجوعاً عن الوصيّة ، ويصحّ الرهن.

قال الشيخ رحمه‌الله : وإن قلنا : إنّ الرهن صحيح والتدبير بحاله ، كان‌

__________________

(١) ما بين المعقوفين من المصدر.

(٢) بدل ما بين المعقوفين في « ج » والطبعة الحجريّة : « وأيّما ». والمثبت من المصدر.

(٣) المبسوط للطوسي ٢ : ٢١٢.

٣٦٨

قويّاً ؛ لعدم دليلٍ على إبطاله (١).

قال : فعلى هذا إذا حلّ الأجل في الدَّيْن وقضاه المديون من غير الرهن ، كان جائزاً. وإن باعه ، كان له ذلك. وإن امتنع من قضاء (٢) الدَّيْن ، نظر الحاكم فإن كان له مالٌ غيره ، قضى دَيْنه منه ، وزال الرهن من العبد ، وكان مدبَّراً بحاله. وإن لم يكن له مالٌ غيره ، باعه الحاكم في الدَّيْن ، وزال الرهن والتدبير معاً (٣).

مسألة ٢٤٣ : إذا رهن جارية ذات ولدٍ صغير ، صحّ.

فإن علم المرتهن ، لم يكن له الردّ ولا فسخ البيع المشروط فيه الرهن المذكور.

ولو لم يعلم أنّ لها ولداً صغيراً دون سبع سنين ثمّ علم ، كان له ردّها ، وله فسخ البيع المشروط رهنها إن حرّمنا التفرقة ؛ لأنّ ذلك نقص في الرهن ، فإنّ بيعها منفردةً أكثر لثمنها ، وهو غير جائز هنا ؛ لتحريم التفرقة في البيع.

فإن اختار إمضاء الرهن ورضي بالنقص ، فهو بمنزلة العالم يبطل خياره في فسخ البيع.

ولو رهن أرضاً بيضاء ، لم يكن له غرسها. فإن نبت فيها نخل بغرسه أو بحمل السيل إليها نوىً فنبت ، لم يدخل في الرهن ، وليس للمرتهن قلعه.

__________________

(١) المبسوط للطوسي ٢ : ٢١٣.

(٢) في الطبعة الحجريّة : « أداء » بدل « قضاء ».

(٣) المبسوط للطوسي ٢ : ٢١٣.

٣٦٩

فإن حلّ الدَّيْن ولم يقض إلاّ منها فإن وفى ثمنها بالدَّيْن ، بِيعت من غير نخل ، ويُترك النخل على ملك الراهن. ولو لم يف إلاّ أنّ الغرس الذي فيها لم يُنقّص ثمنها ، بِيعت الأرض للمرتهن ، ولم يجب بيع الأشجار معها. ولو نقّص ، تخيّر الراهن بين بيعهما جميعاً وبين قلع الشجر وتسليم الأرض سليمةً من الحُفَر لتُباع للمرتهن إذا لم يكن مفلَّساً ، فإن فلّس ، لم يجز قلعه ، بل يُباعان ، ويُدفع إلى المرتهن ما قابَل أرضاً بيضاء ، والباقي خارج عنه.

مسألة ٢٤٤ : لو رهن عبدين وسلّم أحدهما إلى المرتهن فمات في يده وامتنع من تسليم الآخَر ، قال الشيخ : لم يكن للمرتهن الخيار في فسخ البيع ؛ لأنّ الخيار في فسخ البيع إنّما يثبت إذا ردّ الرهن ولا يمكنه ردّ ما قبضه ؛ لفواته.

وكذلك إذا قبض أحدهما وحدث به عيب في يده وامتنع الراهن من تسليم الآخَر إليه ، لم يكن له الخيار في فسخ البيع ؛ لأنّه لا يجوز له ردّ المعيب للعيب الحادث في يده (١).

والوجه : أن نقول : إن جعلنا القبض شرطاً في الرهن أو شرطاه ، تخيّر المرتهن في البيع حيث لم يف الراهن بما شرطه.

مسألة ٢٤٥ : إذا اشترى شيئاً بثمن على أن يكون المبيع رهناً ، قال الشيخ رحمه‌الله : لا يصحّ البيع وبه قال الشافعي (٢) لأنّ شرطه أن يكون رهناً لا يصحّ ، لأنّه شرط أن يرهن ما لا يملك ، فإنّ المبيع لا يملكه المشتري قبل تمام العقد ، وإذا بطل الرهن بطل البيع ؛ لأنّ البيع يقتضي إيفاء الثمن‌

__________________

(١) المبسوط للطوسي ٢ : ٢٣٤.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٠٨ ، المغني والشرح الكبير ٤ : ٤٦٣.

٣٧٠

من غير المبيع ، والرهن يقتضي إيفاء الثمن من ثمن المبيع ، وذلك متناقض. ولأنّ الرهن يقتضي أن يكون أمانةً في يد البائع ، والبيع يقتضي أن يكون المبيع مضموناً عليه ، وذلك متناقض (١).

وأمّا إذا شرط البائع أن يسلّم المبيع إلى المشتري ثمّ يردّه إلى يده رهناً بالثمن ، فإنّ الرهن والبيع فاسدان ، كالأُولى.

لا يقال : أليس يصحّ شرط الرهن في العقد وإن كان الثمن لم يملكه البائع؟

لأنّا نقول : إنّما جوّزنا ذلك لموضع الحاجة إلى شرطه ليصير حقّاً للبائع ، بخلاف مسألتنا.

وأمّا البيع فلا يصحّ أيضاً عند الشافعيّة ؛ لأنّ هذا استثناء منفعة المبيع ، وذلك لا يجوز عندهم. ولأنّ البيع يقتضي إيفاء الثمن من غير المبيع ، والرهن يقتضي إيفاء الدَّيْن منه. ولأنّ البيع يقتضي تسليم المبيع أوّلاً ، والرهن يقتضي تسليم الدَّيْن أوّلاً ، والبيع يقتضي أيضاً أن يكون إمساك البائع مضموناً ، والرهن يقتضي أن يكون إمساك المرتهن أمانةً ، وذلك يوجب تناقض [ أحكامهما ] (٢) (٣).

مسألة ٢٤٦ : إذا رهن شيئاً عند آخَر فأيّهما مات قام وارثه مقامه في حقّ الرهن.

فإن كان الميّت هو المرتهن ، ورث وارثه حقّ الوثيقة ؛ لأنّ ذلك ممّا‌

__________________

(١) المبسوط للطوسي ٢ : ٢٣٥.

(٢) بدل ما بين المعقوفين في « ج » والطبعة الحجريّة : « أحكامها ». والصحيح ما أثبتناه.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٠٩.

٣٧١

يورّث ، إلاّ أنّ للراهن أن يمتنع من كونه في يده ؛ لأنّه قد رضي بأمانة المرتهن ولم يرض بأمانة وارثه ، فله مطالبته بنقله إلى يد عَدْلٍ.

وإن كان الميّت هو الراهن ، قام وارثه مقامه في الرهن ، فيكون مستحقّاً عليه كما كان مستحقّاً على الراهن ، إلاّ أنّ الدَّيْن الذي كان مؤجَّلاً في حقّ الراهن يصير حالاًّ في حقّ وارثه ؛ لأنّ الأجل لا يورّث ، ويسقط بموت مَنْ عليه الدَّيْن. وجملة ذلك أنّ وارث المرتهن يقوم مقام المرتهن إلاّ في القبض ، ووارث الراهن يقوم مقام الراهن إلاّ في الأجل في الدَّيْن.

مسألة ٢٤٧ : لو أراد الراهن أو المرتهن أن يقطع شيئاً من الثمرة قبل محلّ الحقّ ، فإن كان بعد إدراكها وبلوغها أوانَ أخذها وكان في قطعه مصلحة وفي تركها مضرّة ، أُجبر الممتنع على القطع ؛ لأنّ فيه صلاحاً لهما جميعاً.

وإن كان قبل إدراكها ، فإن كان للتخفيف عن الأصول أو لازدحام بعضها على بعض وكان في قطع بعضها مصلحة للثمرة ، فإنّه إذا قطع منها كان أقوى لثمرتها وأزكى لها ، فإذا كان كذلك قُطع منها وأُجبر الممتنع.

وإن كان لا مصلحة في قطعها ، فإنّه يُمنع من قطعها ، ولا يُجبر الممتنع عليه.

فإن اتّفقا جميعاً على قطعها أو قطع بعضها ، كان لهما ؛ لأنّ الحقّ لهما ، فإذا رضيا بذلك ، لم يُمنعا.

وما يلزم القطع من المئونة فعلى الراهن ، فإن لم يكن حاضراً ، أخذ الحاكم من ماله وأنفق عليه. ولو لم يكن مالٌ ، أخذ من الثمرة بقدر الأجرة. فإن قال المرتهن : أنا أنفق عليه على أنّي أرجع بها في مال الراهن ،

٣٧٢

أذن له الحاكم في ذلك.

فإن قال : أنفق في ذلك على أن تكون الثمرة رهناً بها مع الدَّيْن الذي عنده ، جاز أيضاً.

قال الشيخ رحمه‌الله : ومن الناس مَنْ مَنَع منه ، وهو الأحوط (١).

فإن استأجر المرتهن من ماله بغير إذن الحاكم ، فإن كان الحاكم مقدوراً عليه ، لم يرجع على الراهن ؛ لأنّه متطوّع به. وإن لم يكن مقدوراً عليه ، فإن أشهد عليه عَدْلين أنّه يستأجر ليرجع بالأُجرة عليه ، فيه قولان. فإن لم يشهد ، لم يكن له الرجوعُ.

مسألة ٢٤٨ : يجب على المرتهن إذا قبض الرهن أن يحفظه ، كما يحفظ الوديعة ؛ لأنّه أمانة في يده لغيره ، فلا يجوز له التفريط فيها. ولا يجوز له أن يسلّمه إلى غيره وإن كان زوجةً أو ولداً أو مَنْ هو في عياله. وقال أبو حنيفة : له أن يحفظه بنفسه وولده وزوجته وخادمه الذي في عياله. ولو حفظ بغير مَنْ في عياله أو أودعه ، ضمن (٢).

وليس بجيّد.

ولو رهنه خاتماً فجَعَله في خنصره ، فإن كان واسعاً ، ضمنه ؛ لسقوطه غالباً ، وإلاّ فلا.

وقال أبو حنيفة : يضمنه مطلقاً ؛ لأنّه مأذون في الحفظ دون الاستعمال ، وهذا لُبْسٌ واستعمال ، فصار ضامناً ، سواء في ذلك اليمنى واليسرى ، لأنّ الناس يختلفون فيه تجمّلاً (٣).

ونحن نقول : إن قصد التجمّل والاستعمال ، ضمن ، وإلاّ فلا.

__________________

(١) المبسوط للطوسي ٢ : ٢٤٣.

(٢) بدائع الصنائع ٦ : ١٤٨ ، الهداية للمرغيناني ٤ : ١٣٠.

(٣) بدائع الصنائع ٦ : ١٤٨ ، الهداية للمرغيناني ٤ : ١٣٠.

٣٧٣

ولو جعله في بقيّة الأصابع ، كان رهناً بما فيه عند أبي حنيفة وهو مذهبنا لأنّه لا يُلبس كذلك عادةً ، فكان من باب الحفظ ، دون الاستعمال (١).

قال : ولو رهنه سيفين فتقلّدهما ، ضمن ؛ لأنّ العادة قد جرت بتقليد سيفين في الحرب. ولو كانت ثلاثةً فتقلّدها ، لم يضمن ؛ لعدم جريان العادة بلُبْس الثلاثة (٢).

قال : ولو لبس خاتماً فوق خاتم ، فإن كان ممّن يتجمّل بلُبْس خاتمين ، ضمن ، وإن كان لا يتجمّل بذلك ، فهو حافظ لا لابس (٣).

والضابط ما قلناه من أنّه إن قصد الاستعمال ، ضمن ، وإلاّ فلا.

مسألة ٢٤٩ : قد بيّنّا أنّ اجرة البيت الذي يحفظ فيه الرهن على الراهن ، وبه قال الشافعي (٤).

وقال أبو حنيفة : إنّه على المرتهن ، وكذا اجرة الحافظ. وأمّا اجرة الراعي ونفقة الرهن فإنّها على الراهن عنده.

والأصل أنّ ما يرجع إلى البقاء يكون على الراهن ، سواء كان في الرهن فضل أو لا ؛ لبقاء العين على ملكه ومنافعها مملوكة له ، فيكون إبقاؤها عليه ، لأنّه مئونة ملكه ، كما في الوديعة ، وذلك مثل النفقة في مأكله ومشربه واجرة الراعي ، لأنّه يحتاج إليه لعلف الحيوان ، فهو كالطعام والشراب. ومن هذا الجنس كسوة الرقيق واجرة ظئر ولد الرهن وسقي البستان وتلقيح النخل وجذاذه والقيام بمصالحه.

__________________

(١) بدائع الصنائع ٦ : ١٤٨ ، الهداية للمرغيناني ٤ : ١٣٠.

(٢) بدائع الصنائع ٦ : ١٤٨ ، الهداية للمرغيناني ٤ : ١٣٠.

(٣) بدائع الصنائع ٦ : ١٤٨ ، الهداية للمرغيناني ٤ : ١٣٠.

(٤) حلية العلماء ٤ : ٤٤٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٠٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٣٢ ، المغني ٤ : ٤٧٤ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٤١.

٣٧٤

وأمّا ما يرجع إلى حفظه فهو على المرتهن ، كاجرة الحافظ ؛ لأنّ الحفظ واجب عليه ، والإمساك حقٌّ له ، فيكون بدله عليه.

وكذا اجرة البيت الذي يحفظ فيه الرهن ؛ لأنّ الحفظ على المرتهن ، ولا يتأتّى الحفظ إلاّ في منزله ، فمئونة ذلك تكون على المرتهن ، وهذا لأنّه في الحفظ عاملٌ لنفسه ، لأنّه يقصد به إضجار الراهن.

وقال أبو يوسف : كري المأوى على الراهن ؛ لأنّه بمنزلة النفقة ، لكونه سعياً في تبقيته (١).

وما يلزمه لردّ العين فهو على المرتهن ، وذلك كجُعْل الآبق ، لأنّ يد الاستيفاء كانت ثابتةً على المحلّ ، ويحتاج إلى إعادة يد الاستيفاء ليردّه على المالك ، فكانت من مُؤن الردّ ، فيكون عليه.

هذا إذا تساوت قيمة الدَّيْن والرهن ، فإن كانت قيمة الرهن أكثر ، فعلى المرتهن بقدر المضمون ؛ لأنّ الرهن عنده (٢) مضمون ، وعلى الراهن بقدر الأمانة ؛ [ لأنّه ] (٣) في قدر الأمانة بمنزلة المودَع ، بخلاف اجرة البيت ، فإنّه يجب الكلّ على المرتهن وإن كان في قيمة الرهن فضلٌ ؛ لأنّ ذلك إنّما لزمه بسبب الحبس ، وحقّ الحبس في الكلّ ثابت له ، وأمّا الجُعْل فإنّما لزمه لأجل الضمان ، فيتقدّر بقدر المصمون.

وأمّا مداواة القروح والجروح ومعالجة الأمراض من الجناية تنقسم بقدر الأمانة والضمان ؛ لأنّها للإصلاح ، وبالإصلاح ينتفع المرتهن في المضمون والراهن في الأمانة. والخراج على الراهن خاصّةً وهو جيّد‌

__________________

(١) بدائع الصنائع ٦ : ١٥١ ، الهداية للمرغيناني ٤ : ١٣١.

(٢) راجع الهامش (١) من ص ٣٧٣ ، ضمن المسألة ٢٣٩.

(٣) بدل ما بين المعقوفين في « ج » والطبعة الحجريّة : « لأنّ ». والصحيح ما أثبتناه.

٣٧٥

عندنا لأنّه من مؤن الملك ، فيكون عليه ، كالنفقة.

والعُشْر فيما يُخرج ويأخذه الإمام ؛ لأنّ العُشْر متعلّق بالعين ، فيكون مقدَّماً على حقّ المرتهن ، ولا يبطل الرهن في الباقي ، بخلاف ما إذا استحقّ بعض الرهن شائعاً ؛ لأنّ تعلّق العُشْر بالخارج لا يخرجه عن ملكه ، ولهذا يجوز بيعه والأداء من محلٍّ آخَر ، بخلاف الاستحقاق (١).

مسألة ٢٥٠ : قد بيّنّا (٢) اختلاف الناس في أنّ القبض شرط في صحّة الرهن أو لزومه‌ او ليس شرطاً فيهما ، فالحنفيّة جعلوه شرطاً في اللزوم ، وكذا الشافعيّة وبعض علمائنا ، خلافاً للباقي من علمائنا ولمالك حيث جعلوه لازماً بمجرّد الإيجاب والقبول.

إذا عرفت هذا ، فالقبض هنا كالقبض في البيع ، فقبض الدار بالتخلية بينه وبينها ويفتح له بابها ، أو يسلّم إليه مفتاحها.

ولو خلّى بينه وبينها وفيها قماش للراهن ، صحّ التسليم عندنا وعند الشافعي (٣) ، خلافاً لأبي حنيفة (٤).

وكذا نقول : لو رهنه دابّةً عليها حَمْلٌ للراهن وسلّم الجميع إليه ، صحّ القبض عندنا وعند الشافعي (٥) ، خلافاً لأبي حنيفة (٦).

ولو رهنه الحملَ خاصّةً دون الدابّة أو رهنهما معاً وسلّمهما معاً ، صحّ‌

__________________

(١) بدائع الصنائع ٦ : ١٥١ ١٥٢ ، الهداية للمرغيناني ٤ : ١٣٠ ١٣١.

(٢) في ص ١٨٩ و ١٩٠ ، المسألة ١٤٠.

(٣) حلية العلماء ٤ : ٤٣١.

(٤) الهداية للمرغيناني ٤ : ١٣٣ ، بدائع الصنائع ٦ : ١٤٠ ، حلية العلماء ٤ : ٤٣١.

(٥) لم نعثر عليه في مظانّه.

(٦) الهداية للمرغيناني ٤ : ١٣٣ ، بدائع الصنائع ٦ : ١٤٠.

٣٧٦

القبض عندنا وعند أبي حنيفة (١).

أمّا إذا رهنهما معاً وسلّمهما : فظاهر.

وأمّا إذا رهن الحمل : فلأنّ الحمل ليس مشغولاً بالدابّة ولا هو تابع [ لها (٢) فصار كما لو رهن متاعاً في دار.

وليس بجيّد ؛ لأنّ كلّ ما كان قبضاً في البيع كان قبضاً في الرهن ، كالحمل ، وقد قال : إذا رهنه سرج دابّةٍ ولجامها وسلّمها بذلك ، لم يصح القبض فيه ؛ لأنّه تابع للدابّة (٣). وهذا ينقض ما ذكرناه في الحمل.

وقوله : « إنّه تابع » يبطل به إذا باع الدابّة ، فإنّ السرج لا يدخل فيه ، وعلى أنّ الدابّة في يده فكذلك ما يتبعها.

قال : ولو رهن دابّةً عليها سرج أو لجام ، دخل ذلك في الرهن من غير ذِكْرٍ (٤).

وليس بمعتمد.

مسألة ٢٥١ : قد بيّنّا أنّه لا يصحّ الرهن إلاّ على دَيْنٍ ثابتٍ في الذمّة ، ولا يصحّ الرهن على الأمانات ، كالوديعة والعارية ومال القراض ومال الشركة وشبهها من الأمانات ، وبه قال أبو حنيفة.

وعلّل بأنّ موجب الرهن ثبوت يد الاستيفاء من الرهن ، فكان قبض الرهن مضموناً ، فلا بدّ من ضمان ثابت ليقع القبض مضموناً ويتحقّق استيفاء الدَّيْن منه (٥).

__________________

(١) الهداية للمرغيناني ٤ : ١٣٣ ، بدائع الصنائع ٦ : ١٤٠.

(٢) بدل ما بين المعقوفين في « ج » والطبعة الحجريّة : « له ». والصحيح ما أثبتناه.

(٣) الهداية للمرغيناني ٤ : ١٣٣ ، بدائع الصنائع ٦ : ١٤٠.

(٤) الهداية للمرغيناني ٤ : ١٣٣ ، بدائع الصنائع ٦ : ١٤٠.

(٥) الهداية للمرغيناني ٤ : ١٣٣.

٣٧٧

ولا يصحّ الرهن عنده بالأعيان المضمونة بغيرها كالمبيع في يد البائع ؛ لأنّ المبيع ليس بمضمون ، فإنّه لو هلك لم يضمن البائع شيئاً ، ولكن يسقط الثمن ، وهو حقّ البائع ، فلا يصحّ الرهن به ، فلو هلك لهلك بغير شي‌ء ؛ لأنّه لا اعتبار للباطل ، فبقي قبضاً بإذنه. ويصحّ على الأعيان المضمونة بنفسها ، وهو أن يكون مضموناً بالمثل عند الهلاك إن كان مثليّاً ، أو بالقيمة إن لم يكن مثليّاً ، كالمغصوب والمهر وبدل الخلع والصلح عن دم العمد ؛ لأنّ الضمان مقدّر (١) ، فإنّه إن كان قائماً ، وجب تسليمه ، وإن كان هالكاً ، تجب قيمته. ولو كان رهناً بما هو مضمون ، فيصحّ (٢).

قال : والرهن بالدرك باطل ، وتصحّ الكفالة بالدرك.

والفرق : أنّ الرهن مشروع للاستيفاء ، ولا استيفاء قبل الوجوب ؛ لأنّ الواجب هو الذي يستوفى ، وضمان الدرك هو ضمان الثمن عند استحقاق المبيع ، فلا يجب قبل الاستحقاق ، فلا يصحّ مضافاً إلى حال وجود الدَّيْن ؛ لأنّ الاستيفاء معاوضة ، فلا يحتمل الإضافة ؛ لأنّ إضافة التمليك (٣) إلى زمانٍ في المستقبل لا تجوز ، والكفالة مشروعة لالتزام المطالبة ، لا لالتزام أصل الدَّيْن ، والتزام الأفعال يصحّ (٤) مضافاً إلى زمان الاستقبال ، كالتزام الصدقات والصيامات بالنذر.

وتفسير الرهن بالدرك كأن يبيع رجل سلعة وقبض ثمنها وسلّمها وخاف المشتري الاستحقاق فأخذ بالثمن من البائع رهناً قبل الدرك ، فإنّه‌

__________________

(١) كذا ، والظاهر : « متقرّر » بدل « مقدّر » كما في المصدر.

(٢) الهداية للمرغيناني ٤ : ١٣٣.

(٣) في « ج » والطبعة الحجريّة : « التملّك ». وما أثبتناه من المصدر.

(٤) في « ج » والطبعة الحجريّة : « لا يصحّ ». وما أثبتناه من المصدر.

٣٧٨

باطل عنده حتى لا يملك حبس الرهن ، حلّ الدرك أو لم يحلّ. وإذا هلك الرهن عنده ، كان أمانةً ، حلّ الدرك أو لم يحلّ ؛ لأنّه لا عقد حيث وقع باطلاً ، بخلاف الرهن بالدَّيْن الموعود بأن يقول : رهنتك هذا لتقرضني ، فقبض الرهن وهلك في يد المرتهن قبل أن يقرضه ألفاً ، فإنّه يهلك مضموناً على المرتهن حتى يجب على المرتهن تسليم الألف إلى الراهن بعد الهلاك ؛ لأنّ الموعود جُعل كالموجود باعتبار الحاجة ، فكان الرهن حاصلاً بعد القرض حكماً ؛ إذ الظاهر أنّ الخلف لا يجري في الوعد ، فكان مفضياً إلى الوجود غالباً ، بخلاف الرهن بالدرك ؛ لأنّ الدرك لا يكون موجوداً غالباً ؛ إذ الظاهر أنّ المسلم يبيع مال نفسه (١).

وهذا من أغرب الأشياء ، فإنّ الدرك إنّما يثبت إذا سبق السبب على الرهن ، فيكون مستحقّاً في الذمّة ، والوعد بالقرض لا يُثبت في الذمّة شيئاً ، فكيف يصحّ الرهن على الثاني دون الأوّل!؟

مسألة ٢٥٢ : قد بيّنّا أنّ الرهن أمانة في يد المرتهن لا يسقط من الدَّيْن شي‌ء بتلفه من غير تفريطٍ ، خلافاً لأبي حنيفة حيث قال : يسقط من الدَّيْن بقدر ما تلف ، ونقص السعر لا يوجب سقوط شي‌ء من الدَّيْن عنده حتى لو رهن عبداً قيمته ألف فنقص سعره حتى صار يساوي مائةً ، لم يسقط شي‌ء من الدَّيْن عند أبي حنيفة (٢).

وقال زفر : تسقط تسعمائة من الدَّيْن ؛ لنقصان الماليّة بتغيّر السعر ، كما لو انتقصت الماليّة بتغيّرٍ في البدن ، وهذا لأنّ الضمان الثابت بالرهن‌

__________________

(١) الهداية للمرغيناني ٤ : ١٣٤ ، المبسوط للسرخسي ٢١ : ٧٣.

(٢) المبسوط للسرخسي ٢١ : ٦٤ و ١٠٥ ، الهداية للمرغيناني ٤ : ١٢٨ و ١٥١.

٣٧٩

باعتبار الماليّة دون العين ، فإنّه ضمان الاستيفاء ، والماليّة تنتقص بنقصان السعر ، كما تنتقص بنقصان [ العين ] (١) (٢).

احتجّ أبو حنيفة بأنّ نقصان السعر عبارة عن فتور رغبات الناس فيه ، وهذا غير معتبر في شي‌ء من العقود ، ولهذا لا يثبت الخيار للمشتري بنقصان السعر ، ولا يُسقط شيئاً من الثمن.

ولو انتقص سعر المغصوب ، لا يضمن الغاصب شيئاً ، بخلاف نقصان البدن ؛ لأنّ يد الراهن يد الاستيفاء ، وبفوات جزء منه يفوت الاستيفاء ، فإذا لم يسقط شي‌ء من الدَّيْن بنقصان السعر بقي مرهوناً بكلّ الدَّيْن.

ولو قتله حُرٌّ ، غرم قيمته مائة ؛ لأنّ المتلف تُعتبر قيمته يوم الإتلاف ؛ لأنّ الجابر بقدر الفائت ، فيقبض المرتهن قضاءً بمثلها من الدَّيْن ، لأنّه ظفر بجنس حقّه ، ولا يرجع على الراهن بشي‌ء من تسعمائة ؛ لأنّ الفضل على المائة تلف في ضمان المرتهن ، فصار هالكاً بالدَّيْن ؛ لأنّ يد المرتهن يد استيفاء ، وبالهلاك يتقرّر الاستيفاء ، وقد كانت قيمته في الابتداء ألفاً ، فيصير مستوفياً للكلّ من الابتداء ، وصار كما لو هلك الرهن ، فإنّه يسقط كلّ الدَّيْن.

ولو باعه بمائة هي قيمته المتنازلة ، أو قال له : بِعْه بما شئت ، فباعه بمائة وإن كانت قيمته ألفاً ، صحّ عند أبي حنيفة وصاحبَيْه ، فيصير المرتهن وكيلَ الراهن لما باعه بإذنه ، وصار كأنّ الراهن استردّه وباعه بنفسه ، فلو كان‌

__________________

(١) بدل ما بين المعقوفين في « ج » والطبعة الحجريّة : « العيب » والصحيح ما اثبت.

(٢) الهداية للمرغيناني ٤ : ١٥١.

٣٨٠