تذكرة الفقهاء - ج ١٣

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

تذكرة الفقهاء - ج ١٣

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-389-6
الصفحات: ٤٢١

نصيبه من الدَّيْن ، لم يبعد أن يخرج انفكاك نصيبه من الرهن على قولين بناءً على أنّ أحد الورثة لو أقرّ بالدَّيْن وأنكر الباقون ، هل على المُقرّ أداء جميع الدَّيْن من حصّته من التركة؟.

وعلى هذا البناء فالأصحّ عندهم الانفكاك ؛ لأنّ القول الجديد‌ للشافعي أنّه لا يلزم أداء جميع الدَّيْن ممّا في يده من التركة (١). وهو مذهبنا أيضاً.

ولأنّ تعلّق الدَّيْن بالتركة إذا مات الراهن إن كان كتعلّق الدَّيْن ، فهو كما لو تعدّد الراهن. وإن كان كتعلّق الأرش بالجاني ، فهو كما لو جنى العبد المشترك فأدّى أحد الشريكين نصيبه ، ينقطع التعلّق عنه.

مسألة ٢١٣ : إذا رهن عيناً عند رجلين ، فنصفها رهنٌ عند كلّ واحدٍ منهما بدَيْنه ، فإذا قبض أحدهما ، خرجت حصّته من الرهن ؛ لأنّ عقد الواحد مع اثنين بمنزلة عقدين ، فكأنّه رهن عند كلّ واحدٍ منهما النصف منفرداً.

ولو رهن اثنان عبداً لهما عند اثنين بألف ، فهنا أربعة عقود ، ويصير كلّ ربع من العبد رهناً بمائتين وخمسين ، فمتى قضاها مَنْ هي عليه انفكّ من الرهن ذلك القدر.

وإذا انفكّ نصيب أحد الشريكين بأداء أو إبراءٍ وأراد الذي انفكّ نصيبه القسمة وكان الرهن من المكيلات والموزونات ، قال الشيخ رحمه‌الله : لم يكن له ذلك (٢).

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٢٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٤٨.

(٢) المبسوط للطوسي ٢ : ٢٤٠.

٣٢١

وقال الشافعي : له ذلك (١).

والوجه : الأوّل.

وإن كان ممّا لا ينقسم بالأجزاء ، كعبدين مشتركين متساويي القيمة ، لا يُجاب مَنْ أدّى نصيبه من الدَّين لو سأل التفرّدَ بعبدٍ وحَصْرَ الرهن في‌ عبدٍ.

ولو كان الرهن أرضاً مختلفة الأجزاء كالدار ، وطلب مَن انفكّ نصيبه القسمةَ ، كان على الشريك إجابته.

وفي المرتهن إشكال ؛ لما في القسمة من التشقيص وقلّة الرغبات.

وللشافعيّة وجهان (٢).

وإذا جوّزنا القسمة في موضعٍ فسبيل الطالب لها أن يراجع الشريك ، فإن ساعده فذاك ، وإن امتنع رفع الأمر إلى القاضي ليقسّم.

ولو قاسم المرتهن وهو مأذون من جهة المالك أو الحاكم عند امتناع المالك ، جاز ، وإلاّ فلا.

وإذا منعنا القسمة لو رضي المرتهن ، قال أكثر الشافعيّة يصحّ (٣).

وقال بعضهم : لا يصحّ وإن رضي ؛ لأنّ رضاه إنّما يؤثّر في فكّ الرهن ، فأمّا في بيع الرهن بما ليس برهنٍ ليصير رهناً فلا (٤).

وهذا إشكال قويّ ؛ لأنّه يجعلون القسمة بيعاً (٥).

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٢٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٤٨.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٢٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٤٨ ٣٤٩.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٢٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٤٩.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٢٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٤٩.

(٥) الام ٣ : ٢٤ ، مختصر المزني : ٧٧ ، الحاوي الكبير ٥ : ١٢٦ ، التهذيب للبغوي ٣ : ٣٤٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٥١ ، المغني ٤ : ١٤٧ ١٤٨.

٣٢٢

واعلم أنّ القسمة في الحقيقة إنّما تجري مع الشريك ؛ لأنّه المالك.

ولو أراد الراهنان القسمةَ قبل فكّ شي‌ء من المرهون ، فعلى التفصيل السابق إلى مختلف الأجزاء ومتّفقها.

ولو رهن واحد من اثنين وقضى نصيب أحدهما ثمّ أراد ليمتاز ما بقي‌فيه الرهن ، فالأقوى : اشتراط رضا المرتهن الآخَر.

مسألة ٢١٤ : إذا سقط حقّ المرتهن بإبراءٍ أو قضاء ، كان الرهن عنده أمانةً ؛ لأنّه كان عنده أمانةً ووثيقةً ، فإذا سقطت الوثيقة ، بقي أمانةً.

ولا يلزم ردّه حتى يطالبه به ؛ لأنّه بمنزلة الوديعة ، بخلاف ما إذا أطارت الريح ثوباً إلى دار إنسان ، أو دخلت شاة إلى دار إنسان ، فإنّه يلزمه ردّه عليه (١) أو إعلامه به ؛ لأنّه لم يرض بكونه في يده.

وينبغي أن يكون المرتهن إذا أبرأ الراهنَ من الدَّيْن ولم يعلم الراهن أن يُعلمه بالإبراء ، أو يردّ الرهن عليه ؛ لأنّه لم يتركه عنده إلاّ على سبيل الوثيقة ، بخلاف ما إذا علم ؛ لأنّه قد رضي بتركه في يده.

وقال أبو حنيفة : إذا قضاه ، كان مضموناً ، وإذا أبرأه أو وهبه لم ثمّ تلف الرهن في يده ، لم يضمنه استحساناً ؛ لأنّ البراءة أو (٢) الهبة لا تقتضي الضمان (٣).

وهو تناقض منه ؛ لأنّ القبض المضمون عنده (٤) لم يزل ولم يُبرأ منه.

إذا عرفت هذا ؛ فلو سأل مالكه في هذه الحال دَفْعَه إليه ، لزم مَنْ هو

__________________

(١) أي : على مالكه.

(٢) في النسخ الطبعة الحجريّة : « و» بدل « أو ». وما أثبتناه يقتضيه السياق.

(٣) بدائع الصنائع ٦ : ١٥٥ ، حلية العلماء ٤ : ٤٥٩ ، المغني ٤ : ٤٧٩ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٤٥ ٤٤٦.

(٤) الهداية ـ للمرغيناني ـ ٤ : ١٢٧ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٩٩.

٣٢٣

في يده من المرتهن أو العَدْل دَفْعه إليه إذا أمكنه ، فإن لم يفعل ، صار ضامناً ، كالمودع إذا امتنع من ردّ الوديعة بعد طلبها.

وإن كان امتناعه لعذرٍ مثل أن يكون بينه وبين الراهن طريقٌ مخوف ، أو بابٌ مغلق لا يمكنه فتحه ، أو خاف فوت جمعة أو وقت‌فريضة ، أو كان به مرض أو جوع شديد وما أشبه ذلك فأخّر التسليم لذلك فتلف ، فلا ضمان عليه ؛ لأنّه غير مفرّط بامتناعه. فإن زال العذر ، وجبت المبادرة ، ولا حاجة إلى تجديد طلبٍ.

ولو رهن عند اثنين فوفى أحدهما ، وبقي نصيب الآخَر رهناً عنده ، ويُقرّ الرهن بأسره في يده نصفه رهن ونصفه وديعة.

* * * * *

٣٢٤

الفصل الثامن : في التنازع الواقع بين المتراهنين‌

مسألة ٢١٥ : لو اختلفا في أصل العقد ، فقال ربّ الدَّيْن : رهنتني كذا ، وأنكر المالك ، كان القولُ قولَ الراهن مع يمينه ؛ لأنّ الأصل عدم الرهن ، سواء كان الشي‌ء المدّعى رهناً في يد الراهن أو يد المرتهن ، فإن أقام المرتهن البيّنةَ ، تثبت دعواه ، وإلاّ فلا.

ولو اتّفقا على العقد واختلفا في وصفٍ يُبطله فادّعاه أحدهما فأنكره الآخَر ، فالقول قول منكره ، سواء كان الراهنَ أو المرتهنَ ؛ لأنّ الأصل صحّة العقد.

ولو اختلفا في عين الرهن ، فقال : رهنتني عبدك هذا ، فقال : بل العبد الآخر أو الجارية أو الثوب ، خرج ما ادّعاه الراهن من الرهن ؛ لاعتراف المرتهن بأنّه ليس رهناً ، ثمّ يحلف الراهن على نفي ما ادّعاه المرتهن ، وخرجا عن الرهن معاً.

ولو اختلفا في قدر الدَّيْن المرهون به ، فقال الراهن : رهنت على ألف ، وقال المرتهن : بل على ألفين ، فالقول قول الراهن مع يمينه ، سواء اتّفقا على أنّ الدَّيْن ألفان وادّعى الراهن أنّ الرهن على أحدهما وادّعى المرتهن أنّه عليهما معاً ، أو اختلفا في قدر الدَّيْن وبه قال النخعي والثوري والشافعي والبتّي وأبو ثور وأحمد وأصحاب الرأي (١) لأنّ الراهن منكر

__________________

(١) المغني ٤ : ٤٨٢ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٦٦.

٣٢٥

للزيادة التي يدّعيها المرتهن ، فالقول قوله ؛ لقول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « لو أُعطي الناس بدعواهم لادّعى قوم دماء رجال وأموالهم ، ولكنّ اليمين على‌ المدّعى عليه ». رواه العامّة (١).

ومن طريق الخاصّة : رواية محمّد بن مسلم الصحيحة عن الباقر عليه‌السلام : في الرجل يرهن عند صاحبه رهناً لا بيّنة بينهما فيه ، ادّعى الذي عنده الرهن أنّه بألف درهم ، فقال صاحب الرهن : إنّه بمائة ، قال : « البيّنة على الذي عنده الرهن أنّه بألف درهم ، فإن لم يكن له بيّنة فعلى الراهن اليمين » (٢).

ولأنّ الأصل عدم الرهن وعدم الزيادة التي يدّعيها ، فالقول قول النافي ، كما لو اختلفا في أصل الدَّيْن.

وحكي عن الحسن وقتادة أنّ القولَ قولُ المرتهن ما لم يجاوز ثمن الرهن أو قيمته ، ونحوه قال مالك ؛ لأنّ الظاهر أنّ الرهن بقدر الحق (٣).

وقد روى الشيخ نحو هذا القول عن عليّ عليه‌السلام في رهن اختلف فيه الراهن والمرتهن ، فقال الراهن : هو بكذا وكذا ، وقال المرتهن : هو بأكثر ، قال عليّ عليه‌السلام : « يصدّق المرتهن حتى يحيط بالثمن لأنّه أمينه » (٤).

وما ذكروه من الظاهر ممنوع ، فإنّ العادة تقضي رهن الشي‌ء بأقلّ من قيمته وبأكثر وبالمساوي ، فلا ضابط لها فيه.

والرواية عن عليّ عليه‌السلام ضعيفة السند.

__________________

(١) صحيح مسلم ٣ : ١٣٣٦ / ١٧١١ ، وعنه في المغني ٤ : ٤٨٢ ، والشرح الكبير ٤ : ٤٦٦ ، وفيها : « لو يُعطى .. ».

(٢) الكافي ٥ : ٢٣٧ / ٢ ، التهذيب ٧ : ١٧٤ / ٧٦٩ ، الاستبصار ٣ : ١٢١ / ٤٣٢.

(٣) المغني ٤ : ٤٨٢ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٦٦.

(٤) التهذيب ٧ : ١٧٥ / ٧٧٤ ، الاستبصار ٣ : ١٢٢ / ٤٣٥.

٣٢٦

إذا ثبت هذا ، فلو اتّفقا على أنّ الدَّيْن ألفان ، وقال الراهن : إنّما رهنتك بأحد الألفين ، وقال المرتهن : بل بهما ، فالقول قول الراهن كما‌ تقدّم مع يمينه ؛ لأنّه ينكر تعلّق حقّ المرتهن في أحد الألفين برهنه ، والقول قول المنكر.

ولو اتّفقا على أنّه رهن بأحد الألفين لكن قال الراهن : هو رهن بالمؤجَّل ، وقال المرتهن : بل بالحالّ ، فالقول قول الراهن مع يمينه ؛ لأنّه منكر. ولأنّ القول قوله في أصل الدَّيْن فكذا في صفته.

ولو كان هناك بيّنة ، حُكم بها في جميع هذه المسائل.

وكذا لو قال الراهن : إنّه رهن على الحالّ ، وقال المرتهن : إنّه على المؤجَّل ، يُقدَّم قول الراهن مع يمينه.

مسألة ٢١٦ : لو اختلفا في قدر المرهون ، فقال الراهن : رهنتك هذا العبد فقال المرتهن : بل هو والعبد الآخَر ، قُدّم قول الراهن إجماعاً ؛ لأنّه منكر.

وكذا لو رهن أرضاً فيها شجر ، ثمّ قال الراهن : رهنت الأرض دون الشجر ، وقال المرتهن : بل رهنتها بما فيها ، قُدّم قول الراهن ؛ لما تقدّم.

ولو قال الراهن : رهنتك الأشجار خاصّةً ، فقال المرتهن : بل رهنتها مع الأرض ، فالقول قول الراهن.

ولو قال المرتهن : رهنت هذه الأشجار مع الأرض يوم رهن الأرض ، وقال الراهن : إنّ هذه الأشجار أو بعضها لم تكن يوم رهن الأرض ، وإنّما أحدثتها بعده ، فإن كان شاهد الحال يصدّقه ، ولا يتصوّر وجودها يوم الرهن ، فالمرتهن كاذب ، ويقدّم قول الراهن بغير يمينٍ. وإن كان لا يتصور

٣٢٧

حدوثها [بعده] (١) فالراهن كاذب.

ثمّ إن ادّعى في منازعتها أنّه رهن الأرض بما فيها وافقه الراهن ، كانت الأشجار مرهونةً ، كما يقوله المرتهن ، ولا حاجة إلى الإحلاف.

وإن زعم رهن الأرض وحدها أو رهن ما سوى الأشجار المختلف‌ فيها أو اقتصر على نفي الوجود ، لم يلزم من كذبه في إنكار الوجود كونها رهناً ، فيطالب بجواب دعوى الراهن.

فإن استمرّ على إنكار الوجود واقتصر عليه المعلوم كذبه فيه ، جُعل ناكلاً ، ورُدّت اليمين على المرتهن ، فإن رجع إلى الاعتراف بالوجود وأنكر رهنها قبل إنكاره ، فإن حلف خرجت عن الرهن وقُبلت يمينه ؛ لأنّه لا يلزم من كذبه في نفي الوجود كذبه في نفي الرهن.

ولو كان الأشجار بحيث يحتمل وجودها يوم رهن الأرض وتجدّدها بعده ، قُدّم قول الراهن ؛ لأصالة عدم الرهن ، فإذا حلف فهي كالشجرة الحادثة بعد الرهن في القلع وسائر الأحكام ، ويكفي إنكار الوجود يوم الرهن ؛ لأنّه يضمن إنكار ما يدّعيه المرتهن ، وهو رهنها مع الأرض.

وللشافعيّة قولٌ : إنّه لا بدّ من إنكار الرهن صريحاً (٢).

ولا فرق بين أن يكون الاختلاف في رهن تبرّعٍ أو في رهنٍ مشروطٍ في بيع.

والشافعيّة فرّقوا وقالوا في الثاني : يتحالفان ، كما في سائر كيفيّات البيع (٣).

وهو ممنوع عندنا.

مسألة ٢١٧ : لو ادّعى إنسان على اثنين أنّهما رهنا عبدهما المشترك

__________________

(١) أضفناها لاجل السياق.

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٢٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٥٠.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٢٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٥٠.

٣٢٨

بينهما عنده بمائة وأقبضاه ، فإن أنكر الرهن أو الرهن الدَّيْن جميعاً ، قُدّم قولهما مع اليمين.

ولو صدّقه أحدهما خاصّة ، فنصيب المصدّق رهن بخمسين ، والقول في نصيب المكذّب قوله مع يمينه.

فإن شهد المصدّق للمدّعي على شريكه المكذّب ، قُبلت شهادته ؛ لانتفاء شبهة جلب نفع أو دفع ضرر ؛ لجهالته ، مع عدالته وانتفاء عداوته.

وإن (١) شهد معه آخَر كذلك ، ثبت حقّه ، وإلاّ حلف المدّعى معه ، ويثبت الحقّ ورهن الجميع.

ولو أنكر كلّ واحدٍ منهما رهن نصيبه وشهد على صاحبه الآخَر برهن نصيبه وأنّه أقبضه. قُبلت شهادتهما ، وحلف لكلٍّ منهما يميناً ، وقضي له برهن الجميع ، وإن حلف لأحدهما ، ثبت رهن نصيبه ، وهو أحد قولي الشافعي.

والثاني : لا تُقبل شهادة واحدٍ منهما ؛ لأنّ المدّعى يزعم أنّ كلّ واحدٍ منهما كاذب ظالم بجحوده ، فإذا نسب المدّعى شاهده إلى الفسق ، مُنع من قبول شهادته له (٢).

لكن أكثر الشافعيّة على الأوّل ؛ لأنّهما ربما نسيا أو اشتبه عليهما ولحقهما شبهة فيما يدّعيه.

وبالجملة ، إنكار الدعوة لا يثبت فسق المدّعى عليه. ولأنّ الكذبة الواحدة لا توجب الفسق ، ولهذا لو تخاصم اثنان في شي‌ء ثمّ شهدا لغيرهما في قضيّة ، سُمعت شهادتهما وإن كان أحدهما كاذباً في ذلك التخاصم ، ولو ثبت الفسق بذلك ، لم يجز قبول شهادتهما جميعاً مع تحقّق الجرح في

__________________

(١) في النسخ الخطية: « فإن ».

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٢٩ ٥٣٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٥٠.

٣٢٩

أحدهما ، فعلى هذا إذا حلف مع كلّ واحدٍ منهما أو أقام شاهداً آخَر ، ثبت رهن الجميع (١).

وقال بعض الشافعيّة : الذي شهد أوّلاً تُقبل شهادته ، دون الذي شهد‌أخيراً ؛ لأنّه انتهض خصماً منقماً (٢).

والضابط أن تقول : متى حصلت تهمة في شهادة أحدهما ، لم تٌقبل شهادته ، وإلاّ قُبلت.

مسألة ٢١٨ : لو ادّعى اثنان على رجل أنّه رهن عبده عندهما وقال كلّ واحدٍ منهما : إنّه رهنه عندي دون صاحبي وأقبضنيه دون صاحبي.

فإن كذّبهما جميعاً ، فالقول قوله مع اليمين ، ويحلف لكلّ واحدٍ منهما يميناً.

وإن كذّب أحدهما وصدّق الآخَر ، قضي بالرهن للمصدّق وسلم إليه ، ويحلف للآخر ، وهو أحد قولي الشافعي. وأصحّهما عنده : أنّه لا يحلف.

وهذان مبنيّان على أنّه لو أقرّ بمالٍ لزيد ثمّ أقرّ به لعمرو ، هل يغرم قيمته لعمرو؟ فيه قولان.

وكذا لو قال : رهنته من زيد وأقبضته ، ثمّ قال : لا ، بل رهنته من عمرو وأقبضته ، هل يغرم قيمته للثاني ليكون رهناً عنده؟

إن قلنا : يغرم ، فله تحليفه ، فربما يُقرّ فتُؤخذ القيمة.

وإن قلنا : لا يغرم ، بني على أنّ النكول وردّ اليمين هل هو بمثابة الإقرار أو البيّنة؟

إن قلنا بالأوّل ، لم يحلف ؛ لأنّ غايته أن ينكل فيحلف ، وذلك ممّا لا يفيد شيئاً ، كما لو أقرّ.

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٣٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٥٠.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٣٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٥١.

٣٣٠

وإن قلنا بالثاني ، حلّفه ، فإن نكل فحلف اليمين المردودة ، ففيما يستفيد به وجهان :

أحدهما : يقضى له بالرهن ، وينتزع من الأوّل ؛ وفاءً لجَعْله كالبيّنة. وأصحّهما : أنّه يأخذ القيمة من المالك لتكون رهناً عنده ، ولا ينتزع المرهون من الأوّل ؛ لأنّا وإن جعلناه كالبيّنة فإنّما يفعل ذلك بالإضافة إلى المتداعيين ولا نجعله حجّةً على غيرهما (١).

وإن صدَّقهما جميعاً ، فإن لم يدّعيا السبق أو ادّعاه كلّ واحدٍ منهما وقال المدّعى عليه : لا أعرف السابق منكما ، فصدّقاه ، قيل : يقسم الرهن بينهما ، كما لو تنازعا ملكاً في يد ثالثٍ واعترف صاحب اليد لهما بالملك. وأصحّهما عندهم : أنّه يُحكم ببطلان العقد ، كما لو زوّج وليّان ولم يعرف السابق منهما.

وإن ادّعى كلّ واحدٍ منهما السبقَ وعلم الراهن بصدقه ونفى علمه بالسبق ، فالقول قوله مع يمينه ، فإن نكل ، رُدّت اليمين عليهما ، فإن حلف أحدهما دون الآخَر ، قضي له. وإن حلفا أو نكلا ، تعذّر معرفة السابق ، وعاد الوجهان.

وإن صدّق أحدهما في السبق وكذّب الآخَرَ ، قضي للمصدَّق. وهل يحلف للمكذّب؟ فيه القولان (٢).

وحيث قلنا : يقضي للمصدَّق فذاك إذا لم يكن العبد في يد المكذّب ، فإن كان ، فقولان للشافعيّة :

أحدهما : أنّ يده ترجَّح على تصديق المرتهن الآخَر ، ويقضى له‌

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٣١ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٥١ ٣٥٢.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٣١ ٥٣٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٥٢.

٣٣١

بالرهن.

وأصحّهما : أنّ المصدَّق يُقدَّم ؛ لأنّ اليد لا دلالة لها على الرهن ، ولهذا لا تجوز الشهادة بها على الرهن (١).

ولو كان العبد في أيديهما معاً ، فالمصدَّق مقدَّم في النصف الذي هو في يده ، وفي النصف الآخَر القولان (٢).

والاعتبار في جميع ما ذكرناه بسبق العقد لا بسبق القبض حتى لو صدّق هذا في سبق العقد وهذا في سبق القبض ، فالمقدَّم الأوّل ، خلافاً للشافعي ، فإنّ الاعتبار عنده بسبق القبض (٣).

مسألة ٢١٩ : لو ادّعى رجلان على ثالثٍ برهن عبده عندهما بمائة وأنّه أقبضهما إيّاه ، فإن صدّقهما ، حُكم برهنه عندهما.

وإن كذّبهما ، فالقول قوله مع اليمين وعدم البيّنة.

وإن صدّق أحدهما خاصّةً ، فنصف العبد مرهون عند المصدَّق بخمسين ، ويحلف للآخر.

فإن شهد المصدَّق على المكذّب ، فللشافعيّة ثلاثة أقوال :

أحدها : أنّه لا تُقبل مطلقاً.

والثاني : أنّه تُقبل مطلقاً.

والثالث : أنّ فيه وجهين بناءً على أنّ الشريكين إن ادّعيا حقّاً أو ملكاً بابتياع أو غيره فصدّق المدّعى عليه أحدهما دون الآخَر ، هل يختصّ المصدَّق بالنصف المسلَّم أو يشاركه الآخَر؟ فيه وجهان :

إن قلنا بالاختصاص ، قُبلت شهادته للشريك ، وإلاّ فلا ؛ لأنّه يدفع‌

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٣٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٥٢.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٣٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٥٢.

(٣). العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٣٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٥٢.

٣٣٢

بشهادته زحمة الشريك عن نفسه.

وقيل : إن لم ينكر إلاّ الرهن ، قُبلت شهادته للشريك ، وإن أنكر الدَّيْن والرهن ، فحينئذٍ يُفرّق بين أن يدّعيا الإرث أو غيره (١).

ويمكن أن يقال : كما أنّ استحقاق الدَّيْن يثبت بالإرث تارةً وبغيره اخرى ، فكذلك استحقاق الرهن ، فليَجْر التفصيل وإن لم ينكر إلاّ الرهن.

ولو ادّعى زيد وعمرو على ابني ثالثٍ أنّهما رهنا عبدهما المشترك منهما بمائة ، فصدّقا أحد المدّعيين ، ثبت ما ادّعاه ، فكان له على كلّ واحدٍ منهما ربع المائة ونصف نصيب كلّ واحدٍ منهما مرهوناً به.

وإن صدّق أحد الابنين زيداً والآخَر عمراً ، ثبت الرهن في نصف العبد لكلّ واحدٍ من المدّعيين في ربعه [ بربع ] (٢) المائة ؛ لأنّ كلّ واحدٍ منهما يدّعي على الابنين نصف العبد ، ولم يصدّقه إلاّ أحدهما.

ثمّ إن شهد أحد الابنين على الآخَر ، قُبلت شهادته.

ولو شهد أحد المدّعيين للآخَر ، فعلى ما تقدّم في الصورة الثانية ، وفي فهمها تعسّف. قال ابن سريج : ما انتهيت إليها إلاّ احتجت إلى الفكرة حتى أثبتها على حاشية الكتاب (٣)

مسألة ٢٢٠ : لو أرسل مع رجل سلعةً إلى غيره ليستقرض منه‌ للمُرسِل‌

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٣٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٥١ ، وراجع : التهذيب للبغوي ٤ : ٧٢.

(٢) زيادة يقتضيها السياق.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٣١.

٣٣٣

ويرهن به السلعة ، ففعل ، ثمّ اختلف المُرسَل إليه والمُرسِل ، فقال المرسَل إليه : إنّ الرسول استقرض مائة ورهن السلعة بإذنك ، وقال المُرسِل : لم آذن إلاّ في خمسين ، فالرسول إن صدّق المُرسِلَ فالمُرسَل إليه مدّعٍ عليهما ، أمّا على المُرسِل فبالإذن ، وأمّا على الرسول فبالأخذ ، والقول قولهما في نفي ما يدّعيه.

وقال بعض الشافعية : ليس بين المتراهنين نزاع (١).

وليس بجيّد ؛ لأنّ الراهن لو أقرّ بالإذن في الزيادة وقبضها ، لزمه حكم إقراره ، فكان للمرتهن إحلافه.

وإن صدّق المُرسَلَ إليه ، فالقول في نفي الزيادة قول المُرسِل ، ولا يرجع المُرسَل إليه على الرسول بالزيادة إن صدّقه في الدفع إلى المُرسِل ؛ لأنّه مظلوم بقوله ، وإن لم يصدّقه ، رجع عليه.

وفيه نظر ؛ لأنّ الرسول وكيل المُرسِل ، وبقبضه يحصل الملك للموكّل حتى يغرم له إن تعدّى فيه ، ويسلّمه إليه إن كان باقياً ، وإذا كان كذلك فرجوع المُرسَل إليه إن كان بناءً على توجّه العهدة على الوكيل ، فليرجع وإن صدّقه في دفع المال إلى المُرسِل ، كما يطالب البائع الوكيلَ بالشراء بالثمن وإن صدّقه في تسليم المبيع إلى الموكّل.

وإن كان الرجوع لأنّ للمُقرض أن يرجع في عين القرض ما دام باقياً عندهم (٢) فهذا ليس بتغريم ورجوع مطلق ، وإنما يستردّ عين المدفوع ، فيحتاج إلى إثبات كونه في يده ، ولا يكفي فيه عدم التصديق بالدفع إلى المُرسِل. وإن كان غير ذلك ، فلم يرجع إذا لم يصدّقه ولم يوجد منه تعدٍّ‌

__________________

(١) راجع : المهذّب للشيرازي ١ : ٣٢٤.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٣٢.

٣٣٤

عليه ولا على حقّه.

مسألة ٢٢١ : لو اختلف المتراهنان في قبض الرهن ، فادّعاه المرتهن وأنكره الراهن ، فإن كان في يد الراهن وقت النزاع ، فالقول قوله مع يمينه ، كما في أصل الرهن ؛ لأنّه منكر ، والأصل معه.

وإن كان في يد المرتهن وقال : أقبضنيه عن الرهن ، وأنكر الراهن ، فإن قال : غصبتها منّي وآجرتها لغيرك وحصلت (١) في يدك ، فالقول قول الراهن مع يمينه ؛ لأنّ الأصل عدم القبض وعدم الإذن فيه وعدم الرضا به ، بخلاف العين المبيعة والمستأجرة إذا حصلت في يد المشتري والمستأجر حيث حكمنا بتمام العقد ؛ لأنّ القبض لا يتعلّق به لزوم العقد فيهما ، وإنّما يتعلّق به انتقال الضمان واستقراره ، وذلك حاصل بالقبض كيف حصل ، وهنا القبض يتعلّق به لزوم العقد ؛ لأنّه غير لازم إلاّ به عند بعضهم (٢) ، فلا يلزمه إلاّ بقبضٍ يرضاه ، ولهذا لو آجره ثمّ رهنه ، صحّت الإجارة والرهن ؛ لأنّهما لا يتنافيان ، فإذا أقبضه عن الإجارة ، لم يكن له قبضه عن الرهن إلاّ بإذنه ، فإذا أذن فيه ومضى زمان يمكن فيه القبض ، صار مقبوضاً عن الرهن أيضاً.

ولو رهنه وسلّمه إليه ثمّ آجره ومضى زمان يمكن قبضه فيه ، صار مقبوضاً ؛ لأنّ القبض في الإجارة لازم ، فلم يُعتبر إذنه فيه.

وإن ادّعى قبضه عن جهةٍ اخرى مأذون فيها سوى الرهن بأن قال‌

__________________

(١) تأنيث الفعل وكذا تأنيث الضمير في « غصبتها » و « آجرتها » باعتبار عين الرهن.

(٢) التنبيه : ١٠٠ ، الحاوي الكبير ٦ : ٧ ، حلية العلماء ٤ : ٤١٠ ، التهذيب للبغوي ٤ : ٦ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٧١ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٠٧ ، المغني ٤ : ٣٩٩ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٢٠.

٣٣٥

أودعتكه [ أو أعرت ] (١) أو اكتريته (٢) أو اكريته من فلان فأكراه منك ، فوجهان :

أحدهما : أنّ القول قول المرتهن ؛ لأنّهما اتّفقا على قبضٍ مأذون فيه ، وأراد الراهن أن يصرفه إلى جهةٍ اخرى ، والظاهر خلافه ؛ لتقدّم العقد المحوج إلى القبض.

وأصحّهما عندهم : أنّ القول قول الراهن ؛ لأنّ الأصل عدم اللزوم وعدم إذنه في القبض عن الرهن (٣).

ولهم وجهٌ بعيد فيما إذا قال : « غصبته » أيضاً ، أنّ القول قول المرتهن ؛ لدلالة اليد على الاستحقاق ، كما يستدلّ بها على الملك (٤).

ويجري مثل هذا التفصيل فيما إذا اختلف المتبايعان في القبض حيث كان للبائع حقّ الحبس ، إلاّ أنّ الأظهر هنا الحكم بحصول القبض إذا كان المبيع عند المشتري وادّعى البائع أنّه أعاره أو أودعه ؛ لتقوّي اليد بالملك.

وهذا يتفرّع على أنّ حقّ الحبس لا يبطل بالإيداع والإعارة عند المشتري ، وفيه وجهان (٥).

ولو سلّم الراهن أنّه أذن له في قبضه عن جهة الرهن وادّعى الرجوع‌

__________________

(١) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « واعترف ». والصحيح ما أثبتناه.

(٢) في « ث ، ج ، ر » : « اكتريت ».

(٣) الوسيط ٣ : ٥٢٥ ، الوجيز ١ : ١٦٨ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٣٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٥٣.

(٤) الوسيط ٣ : ٥٢٥ ، الوجيز ١ : ١٦٨ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٣٣.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٣٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٥٣.

٣٣٦

قبل القبض وأنكر المرتهن الرجوع ، فالقول قول المرتهن ؛ لأنّ الأصل عدم الرجوع.

ولو قال الراهن : لم تقبضه بعدُ ، وقال المرتهن : قبضته ، فإن كان الرهن في يد الراهن ، فالقول قوله مع يمينه ، وإن كان في يد المرتهن ، فالقول قوله مع يمينه ؛ لأنّ اليد قرينة دالّة على صدقه.

مسألة ٢٢٢ : يُقبل إقرار الراهن بالقبض ، ويلزمه حكمه بشرط الإمكان ، ولا يُقبل لو ادّعى المحال ، كما لو قال : رهنته داري اليوم بالحجاز وهُما في العراق وأقبضتها إيّاه ، لم يلتفت إليه.

ولو أنكر الإقباض ، فالقول قوله مع اليمين.

فإن أقام المرتهن شاهدين على إقراره ، حُكم بالبيّنة في محلّ الإمكان.

فإن قال : أشهدت على رسم القبالة ولم أقبضه بَعْدُ ، كان له إحلاف المرتهن على أنّه أقبضه.

وكذا لو ذكر لإقراره تأويلاً يمكن حمله عليه ، كما لو قال : كنت أقبضته بالقول وظننت أنّه يكفي في القبض ، أو وصل إليَّ كتابٌ عن وكيلي ذكر فيه أنّه أقبضه وظهر أنّ الكتاب مزوَّر ، فله الإحلاف أيضاً.

وإن لم يذكر تأويلاً ، فالأقرب أنّه يُمكَّن من إحلافه وهو ظاهر قول الشافعي (١) لأنّ الغالب في الوثائق وقوع الشهادة قبل تحقيق ما فيها ، فأيّ حاجة إلى تلفّظه بذلك.

وله قولٌ آخَر : إنّه لا يلتفت إليه ، ولا يُمكَّن من إحلافه ؛ لمناقضته لكلامه الأوّل ، فلا يُقبل إنكاره بعد اعترافه (٢).

ولو شهد الشاهدان على نفس الإقباض وفعله ، فليس له الإحلاف‌

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٣٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٥٤.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٣٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٥٤.

٣٣٧

بحال.

وكذا لو شهدا على إقراره بالإقباض فقال : ما أقررت ، لم يلتفت إليه ؛ لأنّه تكذيب للشهود.

هذا إذا قامت الحجّة على إقراره ، أمّا لو أقرّ في مجلس القضاء بالإقباض [ بعد ] (١) توجّه الدعوى عليه ، ففي مساواته للإقرار في غيره نظر : من حيث إنّه لا يكاد يقرّ عند القاضي إلاّ عن تحقيقٍ ، سواء ذكر له تأويلاً أو لا ، ولا يُمكّن من إحلافه ، وهو قول بعض الشافعيّة (٢).

وقال بعضهم : يُمكّن ؛ لشمول الإمكان (٣) (٤).

ولو باعه شيئاً بثمن عليه وشرط على المشتري رهناً على الثمن ، فادّعى المشتري أنّه رهنه وأقبضه وأنّ الرهن تلف ، فلا خيار له في البيع. وإن أقام شاهدين على إقراره بالقبض فأراد المرتهن تحليفه ، كان له ذلك.

وكذا لو أقام بيّنةً على اقرار زيد بدَيْنٍ ، فقال زيد : ما قبضت وإنّما أقررت وأشهدت لتقرضني فلم تقرضني فحلّفوه على ذلك ، كان له ذلك.

ولو شهدت البيّنة بمشاهدة القبض ، لم يكن له الإحلاف. ونظائره كثيرة.

وإذا أقرّ الراهن بالإقباض ثمّ ادّعى تأويلاً لإقراره فنفاه المرتهن ، كان للراهن إحلافه على نفي ذلك التأويل.

__________________

(١) بدل ما بين المعقوفين في « ج » والطبعة الحجريّة : « فقد ». والصحيح ما أثبتناه.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٣٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٥٤.

(٣) في العزيز شرح الوجيز : « الإنكار » بدل « الإمكان ».

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٣٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٥٤.

٣٣٨

ولو لم يتعرّض لنفي التأويل واقتصر على قوله : قبضت ، قنع منه بالحلف عليه.

مسألة ٢٢٣ : إذا أقرّ رجل بالجناية على العبد المرهون ، فإن صدّقه المتراهنان ، فالأرش رهن عند المرتهن ؛ لأنّه عوض الرهن.

وإن كذّباه ، فلا شي‌ء لهما.

وإن صدّقه الراهن وكذّبه المرتهن ، كان للراهن أخذ الأرش ، ولا حقّ للمرتهن فيه.

وإن صدّقه المرتهن وكذّبه الراهن ، كان للمرتهن المطالبة بالأرش ، ويكون مرهوناً عنده ؛ لأنّ حقّه متعلّق به حيث هو عوض الجزء الفائت من الرهن ، ولا يؤثّر في سقوطه إنكار الراهن.

فإن أخذ المرتهن الأرشَ فإن اتّفق قضاء الدَّيْن من غيره أو سقوطه عن الراهن بإبراءٍ وشبهه ، رجع الأرش إلى الجاني المُقرّ ، ولا شي‌ء للراهن فيه ؛ لإنكار استحقاقه ، وهو أصحّ وجهي الشافعيّة.

والثاني : يُجعل في بيت المال ؛ لأنّه مال ضائع لا يدّعيه أحد ؛ إذ المرتهن انقطعت علقته ، والراهن يُنكر استحقاقه ، والمُقرّ يعترف بوجوب أدائه عليه (١).

ولا بأس بهذا القول.

مسألة ٢٢٤ : إذا جنى العبد المرهون على إنسانٍ ، تعلّقت الجناية به ، وكان حقّ المجنيّ عليه مقدَّماً على حقّ المرتهن ؛ لأنّه مقدَّم على حقّ المالك ، فعلى حقّ الرهن أولى.

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٣٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٥٥.

٣٣٩

ولو جنى على مال الغير ، تعلّقت الجناية برقبته يتبع به بعد عتقه عندنا.

وقال أحمد : يتعلّق بالعبد أيضاً ، ويقدَّم على حقّ المرتهن ، كالجناية على النفس (١).

وليس بشي‌ء.

إذا عرفت هذا ، فلو أقرّ المرتهن بأنّ العبد المرهون عنده جنى وساعده العبد ، أو لا (٢) ، لم يُقبل من المرتهن في حقّ الراهن ، بل يقدَّم قول الراهن مع يمينه ؛ لأنّه المالك ، وضرر الجناية يعود إليه.

فإذا بِيع في [ دَيْن ] (٣) المرتهن ، لم يلزمه تسليم الثمن إليه بإقراره السابق ؛ لأنّ العبد إذا كان جانياً ، لم يصح بيعه للمرتهن ؛ لتعلّق حقّ المجنيّ عليه [ به ] (٤) وإذا لم يصح بيعه ، كان الثمن باقياً على ملك المشتري. وإن لم يكن جانياً ، فلا حقّ فيه لغير المرتهن ، وقد أقرّ بعدم استحقاقه له.

ولو أقرّ الراهن بالجناية وأنكر المرتهن ، فالقول قوله مع اليمين ؛ لأصالة عدم الجناية ، واستصحاب الرهن.

فإذا بِيع في الدَّيْن ، فلا شي‌ء للمُقرّ له على الراهن ؛ لأنّ الراهن لا يغرم جناية الرهن ، ولم يُتلف برهنه شيئاً للمُقرّ له ؛ لأنّ الرهن سابق على الجناية ، بخلاف ما لو أقرّ بجناية أُمّ الولد حيث يغرم للمُقرّ له وإن كان الاستيلاد سابقاً على الجناية ؛ لأنّ السيّد يغرم جناية أُمّ الولد.

__________________

(١) المغني ٤ : ٤٤٤ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٧٨.

(٢) أي : أو لم يساعده.

(٣) بدل ما بين المعقوفين في « ج ، ر » والطبعة الحجريّة : « يد ». وهي ساقطة في « ث ». والظاهر ما أثبتناه.

(٤) ما بين المعقوفين أضفناه لأجل السياق.

٣٤٠