تذكرة الفقهاء - ج ١٣

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

تذكرة الفقهاء - ج ١٣

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-389-6
الصفحات: ٤٢١

الفصل السابع : في فكّ الرهن‌

مسألة ٢٠٢ : الرهن ينفكّ بأسباب ثلاثة :

[ الأوّل ] : الفسخ منهما أو من المرتهن وحده ، فإنّ الرهن جائز من جهته ، فإذا قال المرتهن : فسخت الرهن ، أو : أبطلته ، أو : أقلته منه ، وما أشبه ذلك ، جاز ، وينفكّ الرهن.

والثاني : تلف المرهون.

والثالث : براءة ذمّة الراهن عن الدَّين بتمامه إمّا بالقضاء ، أو الإبراء ، أو الحوالة ، أو الإقالة المسقطة للثمن المرهون به أو المسلم فيه المرهون به.

وإذا تلف الرهن بآفة سماويّة ، بطل الرهن.

ولو جنى العبد المرهون ، لم يبطل الرهن بمجرّد الجناية ، ولكن يُنظر إن تعلّقت الجناية بأجنبيّ ، قدّم حقّ المجنيّ عليه ؛ لأنّ حقّه متعيّن في الرقبة ، وحقّ المرتهن متعلّق بذمّة الراهن وبالرقبة أيضاً ، لكن تعلّقه بالرهن أضعف من تعلّق المجنيّ عليه. ولأنّ له بدلاً ، ولا بدل للمجنيّ عليه. ولأنّ حقّ المجنيّ عليه يتقدّم على حق المالك ، فأولى أن يتقدّم على حقّ المسترهن.

ثمّ الجناية إن أوجبت القصاص في النفس واقتصّ المجنيّ عليه ، بطل الرهن.

وإن أوجبت قصاصاً في الطرف ، اقتصّ منه ، وبقي رهناً على حاله.

وإن أوجبت المال أو عفا على مالٍ ، بِيع العبد في الجناية ، وبطل

٣٠١

الرهن أيضاً حتى لو عاد إلى ملك الراهن ، لم يكن رهناً إلاّ بعقدٍ جديد.

ولو كان الواجب دون قيمة العبد ، بِيع منه بقدر الواجب ، وبقي الباقي رهناً. فإن تعذّر بيع البعض أو انتقص بالتشقيص ، بِيع الكلّ ، والفاضل من الثمن عن الأرش يكون رهناً.

ولو عفا المجنيّ عليه عن المال أو فداه الراهن ، بقي العبد رهناً كما كان ، وكذا لو فداه المرتهن ، ولا يرجع به على الراهن إن تبرّع بالفداء ، وإن فداه بإذنه وشرط الرجوع ، رجع ، وإن لم يشترط الرجوع ، فللشافعيّة وجهان يجريان في أداء دَيْن الغير بإذنه مطلقاً ، وظاهر قول الشافعي : الرجوع (١).

وقال أبو حنيفة : ضمان جناية المرهون على المرتهن ؛ بناءً على أنّ المرهون مضمون عليه ، فإن فداه المرتهن ، بقي رهناً ، ولا رجوع بالفداء ، وإن فداه السيّد أو بِيع في الجناية ، سقط دَيْن المرتهن إن كان بقدر الفداء أو دونه (٢).

واصلة باطل بما تقدّم.

وهذا كلّه إذا جنى العبد بغير إذن السيّد ، أمّا لو أمره السيّد بالجناية ، فإن لم يكن مميّزاً أو كان أعجميّاً يعتقد وجوب طاعة السيّد في جميع أوامره ، فالجاني هو السيّد ، وعليه القصاص أو الضمان.

وهل يتعلّق المال برقبته؟ الأظهر عند الشافعيّة : المنع وهو الأقوى عندي فإن قلنا : يتعلّق فبِيع في الجناية ، فعلى السيّد أن يرهن قيمته‌

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥١٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٤٢ ، المغني ٤ : ٤٤٦ ٤٤٧ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٨٠.

(٢) بدائع الصنائع ٦ : ١٦٥ ـ ١٦٦ ، الهداية ـ للمرغيناني ـ ٤ : ٣٤٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥١٧ ، المغني ٤ : ٤٤٦ ـ ٤٤٧ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٨٠ ـ ٤٨١.

٣٠٢

مكانه (١).

وعلى ما اخترناه من عدم التعلّق إن كان السيّد موسراً أُخذت منه الدية. وإن كان معسراً ، في ذمّته ، ولا يباع العبد ، بل يبقى رهناً بحاله.

وإذ جنى مثل هذا العبد ، فقال السيّد : أنا أمرتُه بذلك ، لم يُقبل قوله في حقّ المجنيّ عليه ، بل يُباع العبد فيها ، وعلى السيّد القيمة لإقراره.

وإن كان العبد مميّزاً يعرف تحريم ذلك كلّه عليه بالغاً كان أو غير بالغ ، فهو كما لو لم يأذن له السيّد ، إلاّ أنّه يأثم السيّد بما فَعَل ، لأمره به ، وحينئذٍ تتعلّق الجناية برقبته.

وإن أكرهه السيّد ، فالقصاص عندنا على العبد ، لكن يُحبس المُكرِه إلى أن يموت.

وعند الشافعيّة يجب القصاص على المُكِره ، وفي المُكرَه قولان (٢).

مسألة ٢٠٣ : لو جنى العبد المرهون على السيّد ، فإن كانت عمداً فإن كانت على ما دون النفس ، فللسيّد القصاص عليه ؛ لأنّ السيّد لا يملك الجناية على عبده ، فيثبت عليه بجنايته. ولأنّه (٣) يجب للزجر والانتقام ، والعبد أحقّ بالزجر عن سيّده ، بخلاف القطع في السرقة ، لأنّ القطع يجب بسرقة مالٍ لا شبهة له فيه من حرزه ، والعبد له شبهة في مال سيّده ، وهو غير محرز عنه في العادة.

فإن أراد المولى استيفاء القصاص ، كان له ذلك.

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥١٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٤٢.

(٢) العزيز شرح الوجيز ١٠ : ١٣٩ ، روضة الطالبين ٧ : ١٦.

(٣) في « ث ، ج » والطبعة الحجرية : « لانها ». وكلاهما ساقط في « ر ». والظاهر ما اثبتناه.

٣٠٣

وإن أراد العفو على مالٍ ، قال الشيخ ; : لا يصحّ ؛ لأنّه لا يجوز أن يثبت له على عبده استحقاق مال ابتداءً ، ولهذا لو كانت الجناية خطأ ، كانت‌ هدراً على هذا ؛ لأنّ العبد مالٌ للسيّد ، فلا يجوز أن يثبت له مالٌ في ماله (١). وهو ظاهر مذهب الشافعي (٢).

وقال بعض أصحابه : يثبت له المال ؛ لأنّ كلّ مَن استحقّ القصاص استحقّ العفو على مالٍ ، وللسيّد غرضٌ في ذلك بأنّه ينفكّ من الرهن (٣).

والوجه : الأوّل ، فيبقى الرهن كما كان.

وإن كانت الجناية على نفس سيّده عمداً ، كان للورثة القصاصُ ، فإن اقتصّ الوارث ، بطل الرهن.

وهل لهم العفو على مالٍ؟ قال الشيخ رحمه‌الله : ليس لهم ذلك ؛ لأنّ هذا العبد ملك الورثة ، ولا يثبت للمولى على عبده مالٌ. ولأنّ المورّث لم يكن له ذلك ، فكذلك الوارث (٤). وهو أحد قولي الشافعي (٥).

والثاني : أنّه تثبت لهم الدية ؛ لأنّ الجناية حصلت في ملك غيرهم ، فكان لهم العفو على مال ؛ كما لو جنى على أجنبيّ (٦).

قال بعض الشافعيّة : هذا مبنيّ على القولين في وقت وجوب الدية :

أحدهما : تجب في آخر جزء من أجزاء حياة المقتول ثمّ تنتقل إلى‌

__________________

(١) المبسوط للطوسي ٢ : ٢٢٤.

(٢) المهذّب للشيرازي ١ : ٣٢١ ، الحاوي الكبير ٦ : ١٥٣ ١٥٤ ، حلية العلماء ٤ : ٤٤٨ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥١٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٤٣.

(٣) المهذّب للشيرازي ١ : ٣٢١ ، حلية العلماء ٤ : ٤٤٨ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥١٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٤٣.

(٤) المبسوط للطوسي ٢ : ٢٢٤.

(٥) المهذّب للشيرازي ١ : ٣٢١ ، حلية العلماء ٤ : ٤٤٩ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥١٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٤٣ ، المغني ٤ : ٤٤٨ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٨١.

(٦) المهذّب للشيرازي ١ : ٣٢١ ، حلية العلماء ٤ : ٤٤٩ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥١٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٤٣ ، المغني ٤ : ٤٤٨ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٨١.

٣٠٤

ورثته ، ولهذا تُقضى منها (١) ديونه وتُنفذ وصاياه ، فعلى هذا لا يمكن العفو على المال ؛ لأنّها (٢) تجب على لسيّده.

والثاني : تجب في ملك الورثة ؛ لأنّها بدل نفسه ، فلا تجب في غيره ، فعلى هذا تثبت للورثة ؛ لأنّها تثبت لغير مولاه بالجناية (٣).

وقال بعض الشافعيّة : هذا ليس بصحيح ؛ لأنّها إذا وجبت بعد موت السيّد ، فقد وجبت لهم على ملكهم ؛ لأنّ العبد انتقل إليهم بموته (٤).

وكذا لو كان القتل خطأ على القولين (٥).

والصحيح : أنّه لا يثبت.

مسألة ٢٠٤ : لو جنى العبد المرهون على مَنْ يرثه السيّد كأبيه وابنه وأخيه وغيرهم ، فإن كانت على الطرف عمداً ، كان على المجنيّ عليه القصاص في الطرف ، ويبقى الباقي رهناً كما كان ، وله العفو على مالٍ.

ولو كانت الجناية خطأً ، ثبت المال.

فإن مات المجنيّ عليه قبل الاستيفاء وورثه السيّد ، قال الشيخ رحمه‌الله : كان للسيّد ما لمورّثه من القصاص أو المال ، وله بيعه فيه ، كما لو كان للمورّث ؛ لأنّ الاستدامة أقوى من الابتداء ، فجاز أن يثبت له على ملكه المال في الاستدامة دون الابتداء (٦). وهو أحد وجهي الشافعيّة (٧).

والثاني : أنّه كما انتقل إليه سقط ، ولا يجوز أن يثبت له على عبده

__________________

(١) في « ج » والطبعة الحجريّة : « منه .. لأنّه ». والظاهر ما أثبتناه.

(٢) في « ج » والطبعة الحجريّة : « منه .. لأنّه ». والظاهر ما أثبتناه.

(٣) حلية العلماء ٤ : ٤٤٩ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥١٨.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥١٨.

(٥) المهذّب للشيرازي ١ : ٣٢١ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥١٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٤٣.

(٦) المبسوط للطوسي ٣ : ٢٢٥.

(٧) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥١٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٤٣.

٣٠٥

استدامة الدَّيْن ، كما لا يجوز له ابتداؤه (١).

وشبّهوا الوجهين بالوجهين فيما إذا ثبت له دَيْنٌ على عبد غيره ثمّ ملكه ، يسقط (٢) أو يبقى حتى يتبعه به بعد العتق (٣).

واستبعد الجويني هذا التشبيه ، وقال : كيف يكون الاستحقاق الطارئ على الملك بمثابة الملك الطارئ على الاستحقاق!؟

ثمّ أجاب بأنّ الدَّيْن إذا ثبت لغيره ، فنَقله إليه بالإرث إدامة لما كان ، كما أنّ بقاء الدَّيْن الذي كان له على عبد الغير بعد ما ملكه إدامة لما كان (٤).

ولو كانت الجناية على نفس مُورّثه وكانت عمداً ، فللسيّد القصاص.

وإن عفا على مالٍ أو كانت الجناية خطأً ، بُني ذلك على أنّ الدية تثبت للوارث ابتداءً أو يتلقّاها الوارث من القتيل؟ إن قلنا بالأوّل ، لم يثبت. وإن قلنا بالثاني ، فعلى الوجهين فيما إذا جنى على طرفه وانتقل إليه بالإرث.

مسألة ٢٠٥ : لو جنى عبده المرهون على عبدٍ له آخَر ، فإن لم يكن المجنيّ عليه مرهوناً ، كان للسيّد القصاص ، إلاّ أن يكون المقتول ابنَ القاتل ، ويكون له حقّ القصاص مقدَّماً على حقّ المرتهن ؛ لما تقدّم.

وإن أراد العفو على مالٍ ، لم يكن له ذلك ، كما لو جنى على نفس السيّد ، خلافاً لبعض الشافعيّة ، فإنّه قال : يثبت له المال ؛ لأنّ كلّ مَن‌ استحقّ القصاص استحقّ العفو على مالٍ ، وللسيّد غرض في ذلك ، فإنّه ينفكّ من الرهن (٥).

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥١٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٤٣.

(٢) في « ج » والطبعة الحجريّة : « سقط ». والظاهر ما أثبتناه.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٢٨ ٥١٩.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥١٩.

(٥) راجع الهامش (٥) من ص ١٩١.

٣٠٦

وسواء كان المقتول قِنّاً أو مدبَّراً أو أُمَّ ولدٍ للسيّد.

وإن كان المجنيّ عليه مرهوناً ، فإن كان مرهوناً عند غير مرتهن الجاني ، كان للسيّد أيضاً القصاصُ ؛ لأنّ حقّ القصاص مقدَّم على حقّ المرتهن ، فإنّ الجناية الموجبة للمال مقدَّمة على حق الرهن ، فالقصاص أولى ، وإنّما لم يقدَّم حقّ الجناية إذا كانت خطأً ، وكانت للسيّد ؛ لأنّه لا يثبت له على عبده مالٌ ، والقصاص يثبت له ؛ ويبطل الرهنان معاً.

وإن عفا على مالٍ أو كانت الجناية خطأً ، ثبت المال لحقّ المرتهن ؛ لأنّ السيّد لو جنى على عبده المرهون ، وجب عليه أرش الجناية لحقّ المرتهن ، فبأن يثبت على عبده أولى ، فيتعلّق المال حينئذٍ برقبة العبد لحقّ مرتهن المقتول.

وإن عفا بغير مالٍ ، فإن قلنا : موجَب (١) العمد أحدُ الأمرين ، وجب المال ، ولم يصح عفوه عنه إلاّ برضا المرتهن.

وإن قلنا : موجَبه القود ، فإن قلنا : مطلق العفو لا يوجب المال ، لم يثبت شي‌ء.

وإن قلنا : يوجبه ، فللشافعيّة وجهان ، أصحّهما : أنّه لا يثبت أيضاً وهو مذهبنا لأنّ القتل غير موجب على هذا التقدير ، فعفوه المطلق أو على مالٍ نوعُ اكتسابٍ للمرتهن (٢).

وإن عفا مطلقاً ، فإن قلنا : مطلق العفو يوجب المال ، يثبت المال ، كما لو عفا على مالٍ.

وإن قلنا : لا يوجبه ، صحّ العفو ، وبطل رهن مرتهن القتيل ، وبقي القاتل رهناً كما كان.

__________________

(١) في « ث ، ج » والطبعة الحجريّة : « يوجب ». وفي « ر » : « بوجوب ». وهي غلط ، الظاهر ما أثبتناه.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥١٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٤٤.

٣٠٧

والحكم في عفو المفلِّس المحجور عليه كالحكم في عفو الراهن ، والراهن محجور عليه في المرهون ، كما أنّ المفلَّس محجور عليه في جميع أمواله.

ومهما وجب المال يُنظر إن كان الواجب أكثر من قيمة القاتل أو مثلها ، قال الشيخ رحمه‌الله : يُباع ؛ لأنّه ربما رغب فيه راغبٌ أو زاد مزايدٌ ، فيفضل من قيمته شي‌ء يكون رهناً عند مرتهنه (١) ، وهو أحد وجهي الشافعيّة (٢).

والثاني : أنّه يُنقل إلى يد مرتهن المجنيّ عليه رهناً ، وينفكّ من يد مرتهنه ؛ لأنّه لا فائدة في بيعه (٣).

والأوّل أقوى ؛ لأنّ حقّه في ماليّة العبد ، لا في العين.

وإن كان (٤) أقلَّ ، فعلى الأوّل يُنقل من القاتل بقدر الواجب إلى مرتهن القتيل. وعلى الثاني : يُباع منه قدر الواجب ، ويبقى الباقي رهناً. فإن تعذّر بيع البعض أو نقص بالتشقيص ، بِيع الكلّ ، وجعل الزائد على الواجب عند مرتهن القاتل.

وهذان الوجهان إنّما يظهران فيما إذا طلب الراهن النقلَ ، وطلب مرتهن القتيل البيع ، ففي وجهٍ : يُجاب هذا ، وفي وجهٍ : يُجاب ذاك. أمّا إذا طلب الراهن البيعَ ومرتهن المقتول النقلَ ، يُجاب الراهن ؛ لأنّه لا حقّ لصاحبه في عينه.

ولو اتّفق الراهن والمرتهنان على أحد الفعلين ، تعيّن لا محالة.

ولو اتّفق الراهن ومرتهن القتيل على النقل ، قال الجويني : ليس

__________________

(١) المبسوط للطوسي ٢ : ٢٢٦.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٢٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٤٤.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٢٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٤٤.

(٤) في « ج » والطبعة الحجريّة : « كانت » بدل « كان ». والصحيح ما أثبتناه.

٣٠٨

لمرتهن القاتل المناقشة فيه وطلب البيع (١).

وقضيّة التوجيه الثاني : أنّ له ذلك.

ولو كان مرهوناً عند مرتهن القاتل أيضاً ، فإن كان العبدان مرهونين بدَيْنٍ واحد ، فقد انتقصت الوثيقة ، ولا مستدرك ، كما لو مات أحدهما.

وإن كانا مرهونين بدَيْنين ، نُظر في الدَّينين ، فإن اختلفا في الحلول والتأجيل ، فله أن يتوثّق لدَيْن القتيل بالقاتل ؛ لأنّه إن كان الحالُّ دَيْنَ المقتول ، فقد يريد استيفاءه من ثمنه في الحال. وإن كان الحالُّ دَيْنَ القاتل ، فقد يريد الوثيقة للمؤجَّل ، ويطالب الراهن بالحالّ في الحال.

وكذا الحكم لو كانا مؤجَّلين وأحد الأجلين أطول.

وإن اتّفقا حلولاً وتأجيلاً ، فإن اتّفقا قدراً ، فإن اختلف العبدان في القيمة وكانت قيمة المقتول أكثر ، لم تنقل الوثيقة. وإن كانت قيمة القاتل أكثر ، نقل منه قدر قيمة المقتول إلى دَيْن القتيل ، وبقي الباقي رهناً بما كان. وإن تساويا في القيمة ، بقي القاتل مرهوناً بما كان ، ولا فائدة في النقل.

وإن اختلف الدَّيْنان قدراً ، فإن تساوت قيمة العبدين أو كان القتيل أكثرهما قيمةً ، فإن كان المرهون بأكثر الدَّيْنين القتيلَ ، فله توثيقه بالقاتل. وإن كان المرهون بأقلّهما القتيلَ ، فلا فائدة في نقل الوثيقة.

[ وإن كان القتيل أقلّهما قيمةً ، فإن كان مرهوناً بأقلّ الدَّيْنين ، فلا فائدة في نقل الوثيقة ] (٢) وإن كان مرهوناً بأكثرهما ، نُقل من القاتل قدر قيمة القتيل إلى الدَّيْن الآخَر.

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٢٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٤٤.

(٢) ما بين المعقوفين أضفناه من العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٢٠ ٥٢١ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٤٥ لاجل السياق.

٣٠٩

وحيث قلنا بنقل التوثيق فيباع ويقام ثمنه مقام القتيل أو يقام عينه مقامه؟ فيه الوجهان السابقان.

ولو اختلف الدَّيْنان في الجنس ، فهو كالاختلاف في القدر أو في الحلول والتأجيل.

وأمّا إن اختلف الدَّيْنان بالاستقرار وعدمه ، كما لو كان أحدهما عوضاً ممّا يتوقّع ردّه بالعيب ، أو صداقاً قبل الدخول ، فإن كان القاتل مرهوناً بالمستقرّ ، فلا فائدة لنقل الوثيقة. وإن كان مرهوناً بالآخَر ، فالأقرب : جواز النقل ، خلافاً للشافعيّة (١).

ولو تساوى الدَّيْنان في الأوصاف وحُكم بعدم النقل ، أو قال المرتهن : إنّي لا آمنه وقد جنى فبِيعوه وضَعوا ثمنه مكانه ، الأقرب : أنّه يُجاب.

وللشافعيّة وجهان (٢).

تذنيب : لو كانت الجناية على مكاتب السيّد ، ثبت للمكاتب القصاص والعفو. فإنّ عجّز نفسه ، ثبت للسيّد القصاص والعفو على مالٍ ؛ لأنّه انتقل إليه من المكاتب. وإن قتل مكاتبه ، ثبت للسيّد القصاص والعفو على مالٍ ؛ لأنّه انتقل إليه من المكاتب. لأنّه بمنزلة الوارث ، لأنّ الحقّ انتقل إليه من المكاتب. وبالجملة ، إذا انتقل الحقّ من المكاتب إلى السيّد بموته أو عجزه ، فهو كما لو انتقل من المورّث.

تذنيبٌ آخَر : لو قتل العبد المرهون سيّدَه وله ابنان ، كان لهما القصاص.

وهل لهما العفو على مالٍ؟ للشافعي قولان.

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٢١ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٤٥.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٢١ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٤٦.

٣١٠

فإن عفا أحدهما ، سقط القصاص عندهم ؛ لأنّه متى سقط القصاص من أحد الوارثين سقط مطلقاً عندهم.

وعندنا أنّه لا يسقط.

فعلى قولهم هل يثبت للآخَر نصيبه من الدية؟ على القولين.

وأمّا العافي فإن شرط المال ، فعلى القولين. وإن أطلق فإن قلنا : يوجب القتل العمد القصاصَ خاصّة ، فلا شي‌ء له.

وإن قلنا : الواجب أحد الأمرين : إمّا القصاص أو الدية ، فهل تثبت الدية؟ على القولين (١).

مسألة ٢٠٦ : قد بيّنّا أنّ من أسباب فكّ الرهن براءة ذمّة الراهن عن‌ جميع الدَّيْن إمّا بالقضاء أو بالإبراء أو الحوالة أو الإقامة المسقطة للثمن المرهون به أو المسلّم فيه مرهون به.

ولو اعتاض عن الدَّيْن عيناً ، ارتفع الرهن أيضاً ؛ لتحوّل الحقّ من الذمّة إلى العين ، وبراءة الذّمة من الدَّيْن.

فإن تلفت العين قبل التسليم ، بطل الاعتياض ، وعاد الرهن بحاله ، كما عاد الدَّيْن. وفيه إشكال.

ولو برئ الراهن من بعض الدَّيْن بإبراءٍ أو قضاءٍ أو غير ذلك من الأسباب ، لم ينفك شي‌ء من الرهن ؛ قضيّةً للاستيثاق. قال الشيخ رحمه‌الله : لأنّه مرهون بجميع الحقّ وبكلّ جزء من أجزائه ووثيقة به وبكلّ جزء منه ، كالشهادة ، وكما أنّ حقّ الحبس يبقى ما يبقي شي‌ء من الثمن ، ولا يعتق

__________________

(١) الام ٣ : ١٧٦ ، و ٦ : ١٣ ، المهذّب للشيرازي ١ : ٣٢١ ، الحاوي الكبير ٦ : ٨٥ ، و ١٥٥ ، و ١٢ : ٩٥ و ١٠٤ و ١٠٦ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥١٨ ، و ١٠ : ٢٨٩ ٢٩٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٤٣ ، المغني ٩ : ٣٣٥ ، و ٤٦٤ ٤٦٥ ، و ٤٧٤ ، الشرح الكبير ٩ : ٤١٥.

٣١١

شي‌ء من المكاتب ما بقي من المال شي‌ء (١).

مسألة ٢٠٧ : ولو رهن عبدين ، لزم الرهن عندنا وإن لم يقبض المرتهن على ما تقدّم.

ومَنْ شَرَط القبض كالشافعي لو رهن عبدين وسلم أحدهما ، كان المسلَّم رهناً بجميع الدَّيْن عنده (٢) ، خلافاً لأبي حنيفة (٣).

وسلم أبو حنيفة أنّه لو سلّمهما ثمّ تلف أحدهما ، كان الباقي رهناً بجميع الدَّيْن (٤) ، فقاس الشافعي عليه.

ولأنّ العقد كان صحيحاً فيهما ، وإنّما طرأ انفساخ العقد في أحدهما ، فلم يؤثّر في الآخر ، كما لو اشترى شيئين ثمّ ردّ أحدهما بعيب أو خيار أو إقالة ، والراهن مخيّر بين إقباض الباقي ومنعه.

ولو كان التلف بعد قبض الآخَر ، فقد لزم الرهن فيه. فإن كان الرهن مشروطاً في بيعٍ ، ثبت للبائع الخيار ؛ لتعذّر الرهن بكماله ، فإن رضي ، لم يكن له المطالبة ببدل التالف ؛ لأنّ الرهن لم يلزم فيه ، ويكون المقبوض رهناً بجميع الثمن.

ولو تلف أحدهما بعد القبض ، فلا خيار للبائع ؛ لأنّ الرهن لو تلف كلّه لم يكن له خيار ، فإذا تلف بعضه كان أولى.

ثمّ إن كان تلفه بعد قبض الآخَر ، فقد لزم الرهن فيه. وإن كان قبل قبض الآخَر ، فالراهن مخيَّر بين إقباضه وتركه ، فإن امتنع من قبضه ، ثبت للبائع الخيار ، كما لو لم يتلف الآخَر.

__________________

(١) المبسوط ـ للطوسي ـ ٢ : ٢٠١ ـ ٢٠٢.

(٢) الام ٣ : ١٤٢ ، الوسيط ٣ : ٥١٧ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٢٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٤٦.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٢٢.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٢٢.

٣١٢

ولو رهنه داراً فانهدمت قبل قبضها ، لم ينفسخ عقد الرهن ؛ لأنّ ماليّتها لم تذهب بالكلّيّة ، فإنّ عرصتها وأنقاضها باقية ، ويثبت للمرتهن الخيار إن كان الرهن مشروطاً في بيعٍ ؛ لأنّها تعيّبت ونقصت قيمتها ، وتكون العرصة والأنقاض رهناً بجميع الدَّيْن ؛ لأنّ العقد ورد على مجموع الدار المشتملة على العرصة والأنقاض من الأخشاب والأحجار ونحوها ، وما دخل في العقد استقرّ بالقبض.

تذنيب : إنّما يعرض انفكاك الرهن في بعض المرهون دون بعضٍ بأحد أُمور ستّة :

أحدهما : تعدّد العقد ، كما إذا رهن أحد نصفي العبد بعشرة في صفقة ونصفه الآخر في صفقة أُخرى ، فإنّه إذا قضي دَيْن أحد النصفين ، خرج ذلك النصف عن الرهن ، وبقي الآخَر رهناً بدَيْنه المختصّ به.

وثانيها : أن يتعدّد مستحقّ الدَّيْن.

وثالثها : أن يتعدّد مَنْ عليه الدَّيْن.

ورابعها : أن يقضي أحد الوكيلين.

وخامسها : إذا فكّ المستعير نصيب أحد المالكين.

وسادسها : أن يقضي أحد الوارثين ما يخصّه من الدَّيْن.

ونحن نبيّن هذه الجملة.

مسألة ٢٠٨ : الفرض الأوّل ظاهر ، وأمّا الثاني فإذا تعدّد مستحقّ الدَّيْن ، كما لو كان لرجلين على رجلٍ دَيْنان ، فرهن منهما بدَيْنهما عليه عيناً صفقةً واحدة ثمّ برئت ذمته عن دَيْن أحدهما بأداءٍ أو إبراءٍ ، انفكّ من الرهن بقسط دَيْنه ؛ لأنّ نصف العبد رهن عند أحدهما ، ونصفه الآخَر عند الآخَر كلّ واحدٍ منهما بدَيْنه ، فإذا وفى أحدهما ، خرجت حصّته من الرهن ، لأنّ عبد الواحد مع الاثنين بمنزلة عبدين ، فكأنّه رهن عند كلّ

٣١٣

واحدٍ منهما النصف منفرداً.

فإن أراد مقاسمة المرتهن وأخْذَ نصيب مَنْ وفاه وكان الرهن ممّا لا تنقصه القسمة كالمكيل والموزون ، لزم ذلك. وإن كان ممّا تنقصه القسمة ، لم تجب قسمته ؛ لما فيه من تضرّر المرتهن بالقسمة ، فيقرّ في يد المرتهن يكون نصفه رهناً ونصفه وديعةً ، وبهذا قال الشافعي (١) ، واختاره الشيخ (٢) رحمه‌الله.

وقال أبو حنيفة : لا ينفكّ شي‌ء حتى يؤدّي دَيْنهما جميعاً ، سواء كانا شريكين فيه أو لا ، وجميعها رهن عند كلّ واحدٍ منهما ؛ لأنّ الرهن أُضيف‌ إلى كلّ العين في صفقة واحدة ، ولا شيوع في المحلّ باعتبار تعدّد المستحقّ ، وموجَبه صيرورته محبوساً بدَيْن كلّ واحدٍ منهما ، فكان استحقاق الحبس لهما استحقاقاً واحداً من غير انقسامٍ بينهما ، بخلاف الهبة من اثنين عند أبي حنيفة فإنّ هناك لا بدّ من انقسام الحكم وهو الملك بينهما ؛ إذ يستحيل إثباته لكلٍّ منهما على الكمال في محلٍّ واحد ، فدخل فيه الشيوع ضرورةً ، بخلاف مسألتنا ؛ إذ لا حاجة إلى هذا ، لأنّ العين الواحدة يجوز أن تكون محبوسةً لحقّ كلّ واحدٍ منهما على الكمال ، إذ لا تضايق في استحقاق الحبس.

ألا ترى أنّ الرهن الواحد لا ينقسم على أجزاء الدَّيْن ، بل يكون محبوساً كلُّه بكلِّه وبكلّ جزء منه ، فكذا هنا تكون العين محبوسةً بحقّها وبحقّ كلّ واحدٍ منهما ، فلا يدخل فيه الشيوع.

فإذا قضى الراهن دَيْن أحدهما ، فالكلّ رهنٌ عند الآخَر ؛ لأنّ جميع العين رهنٌ عند كلّ واحدٍ منهما من غير تفرّقٍ ، وعلى هذا حبس المبيع إذا

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٢٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٤٦.

(٢) المبسوط للطوسي ٢ : ٢٤٠.

٣١٤

اشترى رجلان من رجل فأدّى أحدهما حصّته ، لم يكن له أن يقبض شيئاً ، وكان لبائع أن يحبس الجميع حتى يستوفي ما على الآخَر (١).

والوجهُ : الأوّل.

وللشافعيّة وجهٌ غريب عندهم : أنّه إذا اتّحد جهة الدَّيْنين كما لو أتلف عليهما مالاً أو ابتاع منهما ، لم ينفك شي‌ء بالبراءة عن دَيْن أحدهما ، وإنّما ينفكّ إذا اختلفت الجهتان (٢).

مسألة ٢٠٩ : لو تعدّد مَنْ عليه الدَّيْن ، كما لو استدان شخصان من‌ رجل شيئاً ورهنا عنده بدَيْنه عليهما شيئاً ، صحّ الرهن ؛ لأنّ رهن المشاع جائز عندنا وعند الشافعي (٣) ، خلافاً لأبي حنيفة (٤).

فإذا أدّى أحدهما نصيبه أو أبرأه المستحقّ ، انفكّ نصيبه من الرهن ، وليس له أن يطالب المرتهن بالقسمة ، بل المطالبة بالقسمة إلى الشريك المالك.

فإن قاسمه المرتهن بإذن الراهن الآخَر ، صحّت القسمة. وإن قاسمه

__________________

(١) بدائع الصنائع ٦ : ١٣٩ ، الهداية ـ للمرغيناني ـ ٤ : ١٤٠ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ١٠٦ ، ٣ : ٧١ : ٧٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٢٢.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٢٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٤٦.

(٣) الحاوي الكبير ٦ : ١٤ ، حلية العلماء ٤ : ٤٢١ ، التهذيب للبغوي ٤ : ١٥ ، الوسيط ٣ : ٤٦٢ ، الوجيز ١ : ١٥٩ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٣٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٨٢ ، بداية المجتهد ٢ : ٢٧٣ ، المغني ٤ : ٤٠٧ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٠٥ ، المبسوط للسرخسي ٢١ : ٦٩ ، الهداية للمرغيناني ٤ : ١٣٢ ، أحكام القرآن للجصّاص ١ : ٥٢٤ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٢٨٨ / ٢٠٠٣.

(٤) المبسوط للسرخسي ٢١ : ٦٩ ، الهداية للمرغيناني ٤ : ١٣٢ ، أحكام القرآن للجصّاص ١ : ٥٢٤ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٢٨٧ / ٢٠٠٣ ، بداية المجتهد ٢ : ٢٧٣ ، الحاوي الكبير ٦ : ١٥ ، و ٢١٨ ، حلية العلماء ٤ : ٤٢٢ ، التهذيب للبغوي ٤ : ١٥ ، الوسيط ٣ : ٤٦٢ ، الوجيز ١ : ١٥٩ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٣٨ ، المغني ٤ : ٤٠٧ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٠٥.

٣١٥

بغير إذنه ، لم تصحّ القسمة ، سواء كان ممّا يمكن قسمته بغير رضا الشريك الآخَر وبغير حضوره كالمكيل والموزون ، أو لم يمكن قسمته إلاّ بحضور الشريك الآخَر ، كالعقار والأراضي والحيوان خلافاً لبعض العامّة (١) وهذا كمذهب الشافعي (٢).

وقال أبو حنيفة : لا ينفكّ حتى يبرءا عن حقّه جميعاً ، والرهن رهن بكلّ الدَّيْن ، وللمرتهن أن يمسكه حتى يستوفي جميع الدَّيْن ؛ لأنّ قبض المرتهن حصل في الكلّ من غير شيوع ، وتفرّق أملاكها لا يوجب شيوعاً‌ في الرهن ، فإنّه يجوز أن يكون ملك الغير مرهوناً بدَيْن الغير ، كما لو استعار فرهن. وجوّز أبو حنيفة هذا الرهن وإن لم يجوّز رهن المشاع (٣).

تذنيب : لو رهن ثلاثةٌ عبداً عند رجل بدَيْنٍ له على كلّ واحدٍ منهم ، صحّ ، وكان الحكم من الخلاف كما تقدّم. فإن مات العبد ، كان من ضمان المرتهن عند أبي حنيفة (٤) ، خلافاً لنا وللشافعي (٥).

فعلى قول أبي حنيفة يذهب من دَيْن كلّ واحدٍ منهم بالحصّة من العبد ، وتراجعوا فيما بينهم حتى لو كان له على رجل ألف وخمسمائة وعلى آخَر ألف وعلى آخَر خمسمائة فرهنوه عبداً قيمته ألفان بينهم أثلاثاً فهلك ، صار مستوفياً من كلّ واحدٍ ثلثي ما عليه ؛ لأنّ المرهون عنده

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٢٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٤٩.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٢٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٤٨.

(٣) الهداية للمرغيناني ٤ : ١٤٠ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ١٠٦ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٢٢ ، وأيضاً راجع المصادر في الهامش (٣).

(٤) الهداية للمرغيناني ٤ : ١٢٧ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٩٩ ، حلية العلماء ٤ : ٤٥٨ ، التهذيب للبغوي ٤ : ٥٣ ، الوجيز ١ : ١٦٦ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٠٨.

(٥) التهذيب للبغوي ٤ : ٥٣ ، حلية العلماء ٤ : ٤٥٨ ، الوجيز ١ : ١٦٦ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٠٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٣٤.

٣١٦

مضمون بأقل من قيمته ومن الدَّيْن (١) ، والرهن هنا أقلّ ، فيصير مستوفياً من الدَّيْن بقدر قيمة العبد ، وهي ألفان ، وهي ثلثا ثلاثة آلاف هي الدَّيْن عليهم ، فيصير مستوفياً من الأكثر ألف درهم ، ومن الأوسط ستّمائة وستّة وستّين وثلثين ، ومن الأقلّ ثلاثمائة وثلاثة وثلاثين وثلث ، ويبقى على كلّ واحد ثلث دَيْنه.

ثمّ الذي عليه الأكثر يضمن لكلٍّ من صاحبَيْه ثلاثمائة وثلاثة وثلاثين وثلثاً ؛ لأنّه صار قاضياً من دَيْنه ألفاً ثلثه من نصيبه ، وذلك ثلاثمائة وثلاثة وثلاثون وثلث ، وثلثه من نصيب الأوسط ، وثلثه من نصيب الأقلّ ، فيضمن لهما مقدار ما قضي من دَيْنه من نصيبهما.

والأوسط يضمن لكلٍّ من صاحبَيْه مائتين وعشرين درهماً وتُسْعي درهم ؛ لأنّه صار قاضياً من دَيْنه ستّمائة وستّين وثلثين ثلثها من نصيبه ، وذلك مائتان واثنان وعشرون وتُسْعان ، وثلثها من نصيب الأكثر ، وثلثها من نصيب الأقلّ ، فيضمن لهما مقدار ما قضي من دَيْنه من نصيبهما.

والذي عليه الأقلّ صار قاضياً من دَيْنه ثلاثمائة وثلاثين وثلثاً ، ثلثه من نصيبه ، وذلك مائة وأحد عشر وتُسْع ثلثه من نصيب الأوسط ، وثلثه من نصيب الأكثر ، فيضمن لصاحبَيْه ما قضي من نصيبهما.

ثمّ تقع المقاصّة بينهم تقاصّوا أو لم يتقاصّوا لاتّحاد الجنس ، فمَنْ عليه الأقلّ استوجب على الكثير ثلاثمائة وثلاثين وثلثاً ، وهو قد استوجب عليه مائة وأحد عشر وتُسْع ، فتقع المقاصّة بهذا القدر ، ويرجع

__________________

(١) الهداية ـ للمرغيناني ٤ : ١٢٨ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٩٨ ، الحاوي الكبير ٦ : ٢٥٥ ، التهذيب للبغوي ٤ : ٥٣ ، حلية العلماء ٤ : ٤٥٨ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٠٨.

٣١٧

الأقلّ عليه بما بقي ، وهو مائتان واثنان وعشرون وتُسْعان.

وكذا مَنْ عليه الأقلّ استوجب على مَنْ عليه الأوسط مائتين واثنين وعشرين وتُسْعين ، وقد استوجب الرجوع على الأكثر بثلاثمائة وثلاثة وثلاثين وثُلْث ، وهو استوجب الرجوع عليه بمائتين واثنين وعشرين وتُسْعين ، فتقع المقاصّة بهذا القدر ، ويرجع عليه بالفضل ، وهو مائة وأحد عشر وتُسْع.

مسألة ٢١٠ : لو وكّل رجلان رجلاً ليرهن عبدهما من زيد بدَيْنه عليهما ، فرهن ثمّ قضى أحد الموكّلين ما عليه ، قال بعض الشافعيّة : يخرج‌ على قولين. والصحيح عندهم : الجزم بأنّه ينفكّ نصيبه ، ولا نظر إلى اتّحاد الوكيل وتعدّده (١).

قال الجويني : لأنّ مدار الباب على اتّحاد الدَّيْن وتعدّده ، ومهما تعدّد أو المستحقّ عليه فقد تعدّد الدَّيْن (٢).

ويخالف ما نحن فيه البيع والشراء حيث ذكروا خلافاً في أنّ الاعتبار في تعدّد الصفقة واتّحادها بالمتبايعين أو الوكيل؟ لأنّ الرهن ليس عقدَ ضمانٍ حتى يُنظر فيه إلى المباشر (٣).

مسألة ٢١١ : لو كان لاثنين عبدٌ فاستعاره واحد ليرهنه فرهنه ثمّ أدّى نصف الدَّيْن وقصد به الشيوع من غير تخصيصٍ لحصّته ، لم ينفكّ من الرهن شي‌ء.

وإن قصد أداءه عن نصيب أحدهما بعينه لينفكّ نصيبه ، فقولان للشافعي :

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٢٢ ٥٢٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٤٦.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٢٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٤٦ ٣٤٧.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٢٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٤٧.

٣١٨

أحدهما : لا ينفكّ ، كما لو استعاره من واحد.

والثاني : ينفكّ ، كما لو رهن رجلان من رجلٍ ثمّ أدّى أحدهما نصيبه ، والمعنى فيه النظر إلى تعدّد المالك ، وقطع النظر عن العاقد. وهو أظهر القولين عندهم (١).

ولو كان لشخصين عبدان متماثلا القيمة فاستعارهما آخَر للرهن فرهنهما ثمّ قضى نصف الدَّيْن ليخرج أحدهما عن الرهن ، فللشافعيّة‌ قولان :

قيل : يخرج ؛ لانضمام (٢) تعدّد المحلّ إلى تعدّد المالك.

والأصحّ : طرد القولين (٣).

وإذا قلنا بالانفكاك فلو كان الرهن مشروطاً في بيع ، فهل للمرتهن الخيار إذا كان جاهلاً بأنّه لمالكَيْن؟ فيه رأيان نسبهما الأكثرون إلى بعض الشافعيّة (٤).

وقيل : بل للشافعي قولان ، أصحّهما : أنّ له الخيار ؛ لأنّ مقتضى الرهن المطلق لا ينفكّ شي‌ء منه الاّ بعد أداء جميع الدَّيْن ولم يحصل ذلك (٥).

وقيل فيه (٦) قولٌ ثالث للشافعي ، وهو : أنّ المرتهن إن كان عالماً بأنّ العبد لمالكَيْن ، فللراهن فكّ نصفه بأداء نصف الدَّيْن : وإن كان جاهلاً ،

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٢٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٤٧.

(٢) في « ج » والطبعة الحجريّة : « انضمام ». والصحيح ما أثبتناه من « العزيز شرح الوجيز ».

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٢٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٤٧.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٢٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٤٧.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٢٣.

(٦) في الطبعة الحجريّة : « وفيه ».

٣١٩

لم يكن للراهن فكّه إلاّ بأداء الكل (١).

قال الجويني : ليس لهذا وجهٌ ؛ فإنّ عدم الانفكاك لاتّحاد الدَّيْن والعاقدين ، وهذا لا يختلف بالعلم والجهل ، وإنّما أثر الجهل الخيار (٢).

ولو استعار من رجلين ورهن من رجلين ، كان نصيب كلّ واحدٍ من‌ المالكَيْن مرهوناً من الرجلين ، فلو أراد فكّ نصيب أحدهما بقضاء نصف دَيْن كلّ واحدٍ منهما ، فعلى القولين : ولو أراد فكّ نصف العبد بقضاء دَيْن أحدهما ، فله ذلك بلا خلافٍ.

ولو استعار اثنان من واحدٍ ورهنا من واحدٍ ثمّ قضى أحدهما ما عليه ، انفكّ النصف ؛ لتعدّد العاقد.

ولو استعار ليرهن من واحدٍ فرهن من اثنين أو بالعكس ، ولا يجوز.

أمّا في الصورة الأُولى : فلأنّه لم يأذن.

وأمّا بالعكس : فلأنّه إذا رهن من اثنين ، ينفكّ بعض الرهن بأداء دَيْن أحدهما ، وإذا رهن من واحدٍ ، لا ينفكّ شي‌ء إلاّ بأداء الجميع.

مسألة ٢١٢ : لو رهن عبداً بمائة ثمّ مات عن ولدين ، فقضى أحدهما حصّته من الدَّين ، هل ينفكّ نصيبه من الرهن؟ للشافعي قولان :

أحدهما : ينفكّ ، كما لو رهن في الابتداء اثنان.

وأصحّهما وبه قطع جماعة ـ : أنّه لا ينفكّ ؛ لأنّ الرهن في الابتداء صدر من واحدٍ ، وأنّه أثبت وثيقة ، وقضيّتها حبس كلّ المرهون إلى أداء كلّ الدَّيْن ، فوجب إدامتها (٣).

ولو مات مَنْ عليه الدَّيْن وتعلّق الدَّيْن بتركته فقضى بعض الورثة

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٢٣.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٢٣.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٢٤ ، وانظر روضة الطالبين ٣ : ٣٤٨.

٣٢٠