تذكرة الفقهاء - ج ١٣

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

تذكرة الفقهاء - ج ١٣

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-389-6
الصفحات: ٤٢١

احتجّ أبو حنيفة : بأنّه بمنزلة التلف في يده ؛ لأنّ العَدْل أمين يُقبل قوله في إسقاط الضمان عن نفسه ، ولا يُقبل في إيجاب الضمان على غيره.

وهو ممنوع ؛ لأنّ وكيل للراهن في دفع الدَّيْن إلى المرتهن ، وإنّما هو وكيل المرتهن في حفظ الرهن ، فلم يُقبل قوله فيما ليس بوكيلٍ فيه من‌ جهته ، كما لو وكّل رجلاً في قضاء دَيْنه فادّعى أنّه سلّمه إلى صاحب الدَّيْن وأنكر ذلك.

ويُمنع أنّه كالتلف ؛ لأنّ قوله إذا لم يُقبل على المرتهن ، وجب أن يسقط قوله ، ولا يكون بمنزلة الإتلاف ؛ لأنّه لم يدّع التلف.

إذا عرفت هذا ، فإذا حلف المرتهن ، كان له الرجوع إمّا على الراهن وإمّا على العَدْل.

فإن رجع على العَدْل ، رجع بأقلّ الأمرين من دَيْنه أو قيمة الرهن. وإذا رجع عليه ، لم يرجع على الراهن بذلك ؛ لأنّه يقول : إنّ المرتهن ظالم له بما يرجع به عليه ، فلم يرجع على غيره.

وإن رجع على الراهن ، كان للراهن الرجوعُ على العَدْل ؛ لأنّ العدل فرّط في الدفع ؛ لأنّه وكّله في دفع يُبرئه من المرتهن ، وقد دفع دفعاً لا يبرئه ، إلاّ أن يكون الدفع بحضرة الراهن أو أشهد شاهدين فغابا أو ماتا.

مسألة ١٩٢ : قد بيّنّا أنّه ليس للعَدْل أن يبيع مع الإطلاق إلاّ نقداً بثمن المثل من نقد البلد ، فإن باع نسيئةً فإن أجاز له ذلك ، صحّ ، وإلاّ بطل.

وللشافعيّة وجهٌ : أنّه لو باع نسيئةً ، صحّ ولم يعتبروا به (١).

فسلّم إلى المشتري ، صار ضامناً.

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٠٢.

٢٨١

ثمّ إن كان باقياً ، استردّ ، ويجوز للعَدْل بيعه بالإذن السابق وإن صار مضموناً عليه ، فإذا باعه وأخذ الثمن ، لم يكن الثمن مضموناً عليه ؛ لأنّه لم يتعدّ فيه.

وإن هلك في يده فإن كان قد باع بغير نقد البلد أو نسيئةً ، فالراهن‌ بالخيار في تضمين مَنْ شاء من العَدْل والمشتري كمال القيمة.

وإن باع بدون ثمن المثل ، فأصحّ قولي الشافعيّة : أنّ الحكم كذلك ؛ لأنّه أخرجه من يده على وجهٍ غير مسوغ.

والثاني : أنّه إن عزم العَدْل ، حطّ النقصان الذي كان محتملاً في الابتداء (١).

ويحتمل الجميع. وإن غرم المشتري ، لزمه الجميع.

مسألة ١٩٣ : لو اختلف المتراهنان ، فقال له (٢) أحدهما : بِعْ بدينار. وقال الآخر : بِعْ بدراهم ، لم يبع بواحدٍ منهما ؛ لاختلافهما في الإذن ، ولكلٍّ منهما حقٌّ في بيعه ، فللمرتهن حقّ الوثيقة في الثمن واستيفاء حقّه منه ، وللبائع ملك الثمن ، فإذا اختلفا ، رفع ذلك إلى الحاكم ، فيأذن له أن يبيعه بنقد البلد ، سواء كان من جنس حقّ المرتهن أو لم يكن ، سواء وافق ذلك قول أحدهما أو خالفه ؛ لأنّ الحطّ في البيع يكون بنقد البلد.

لو كان النقدان جميعاً نقد البلد ، باعه بأعلامها. وإن كانا متساويين في ذلك ، باع بأوفرهما حظّا. فإن استويا في ذلك ، باع بما هو من جنس الحقّ منهما. فإن كان الحقّ من غير جنسهما ، باع بما هو أسهل صرفاً إلى جنس الآخر وأقرب إليه. فإن استويا في ذلك ، عيّن له الحاكم أحدهما فباع

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٠٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٣١.

(٢) أي : للعَدْل.

٢٨٢

به وصرف نقد البلد إليه.

وقال بعض الشافعيّة : إنّه إذا قال الراهن : بِعْه بدراهم ، وقال المرتهن : بدنانير ، وكانت الدراهم بقدر حقّ المرتهن ، باعه بالدراهم ؛ لأنّه لا غرض‌له في الدنانير (١).

مسألة ١٩٤ : لو مات الراهن موضوع على يد عَدْلٍ ، بطلت وكالته ؛ لأنّه وكيل للراهن ، والوكيل ينعزل بموت الموكّل.

ثمّ الدّيْن إن كان مؤجَّلاً ، حلّ ؛ لأنّ الأجل يسقط مَنْ عليه الدَّيْن.

ويجب على ورثة الراهن دفع الدَّيْن ، فإن دفعوه من غير الرهن ، وإلاّ لزمهم بيع الرهن وتسليم الدَّيْن إلى المرتهن ؛ لأنّهم نائبون مناب الراهن ، فإن امتنعوا ، رفع المرتهن ذلك إلى الحاكم ، فينصب أميناً يبيع الرهن ويسلّم الثمن إلى المرتهن أو قدر دَيْنه منه ؛ لأنّ الحاكم ينوب مناب مَن امتنع من الحقّ عليه في دفعه.

فإذا باع العَدْل وهلك الثمن [ في] (٢) يده بغير تفريطٍ منه استحقّ الرهن من يد المشتري ، فإنّ الحاكم يأمر المشتري بتسليمه إلى مَنْ قامت البيّنة له به إذا استحلفه ؛ لأنّه حكم على الميّت ، ولا ضمان على العَدْل ؛ لأنّه أمين.

لا يقال : لِمَ لا يرجع المشتري عليه ؛ لأنّه قبض منه الثمن بغير حقٍّ؟.

__________________

(١) الحاوي الكبير ٦ : ١٤٩.

(٢) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطية والحجرية : « من » بدل « في ». والصحيح ما أثبتناه.

٢٨٣

لأنّا نقول : إنّه سلّمه إليه على أنّه أمين في قبضه تسليمه إلى المرتهن ، فلم يجب بذلك عليه ضمان.

وأمّا المرتهن فقد بانَ له أنّ عقد الرهن كان فاسداً ، فإن كان مشروطاً في بيعٍ ، ثبت له الخيار فيه ، وإلاّ سقط حقّه. وأمّا المشتري فإنّه يرجع‌ بالثمن في تركه الراهن.

وكذا الحكم في المفلَّس إذا حجر عليه الحاكم ونصب عَدْلاً فباع شيئاً من ماله وتلف في يده الثمن ثمّ بانت العين مستحقّةً.

وللشافعي قولان في أنّه هل يقدّم على المرتهن وسائر الغرماء؟ أحدهما : أنّه يكون أُسوة الغرماء.

واختلفت الشافعيّة على طريقين :

منهم مَنْ قال : في المسألة قولان :

أحدهما : يقدّم حقّ المشتري ؛ لأنّه لم يضرّ بثبوته في ذمّة المفلَّس ولا الراهن. ولأنّه إذا لم يقدّم حقّه امتنع الناس من شراء مال المفلَّس ، ويؤدّي إلى الإضرار.

والثاني : يكون أُسوةً للغرماء ؛ لتساويهم في ثبوت حقّهم في الذمّة ، فاستووا في قسمة ماله بينهم (١).

وما قالوه من عدم الإضرار يبطل بحقّ المجنيّ عليه. وما ذكروه من الإضرار قيل (٢) : نادر ، ولا يمنع من ابتياعه ، كما لا يمنع الأخذ [ بالشفعة ](٣)

__________________

(١) الحاوي الكبير ٦ : ١٤١ ـ ١٤٢ و ٣٣٠ ـ ٣٣١.

(٢) يم نتحقق القائل.

(٣) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطية الحجرية : « من الشفعة ». والصحيح ما اثبت.

٢٨٤

من شراء ما فيه الشفعة.

ومنهم مَنْ قال : ليست على قولين ، بل هي على اختلاف حالين : الموضع الذي قال : إنّه المشتري إذا كان للمفلَّس مال موجود ، والموضع الذي قال : يكون أُسوة الغرماء إذا لم يكن له غير الذي بِيع ، ففكّ عنه الحجر ثمّ استفاد مالاً فحجر عليه بسؤال الغرماء ، فإنّهم يستوون فيه (١).

مسألة ١٩٥ : لو تغيّرت حل العَدْل بفسقٍ أو ضعْفٍ وعجْز يمنعه من‌حفظ الرهن ، فأيّهما طلب إخراجه عن يده أخرجه الحاكم من يده ؛ لأنّه خرج من أهل الأمانة فيه.

وكذا إذا ظهر بينه وبين أحدهما عداوة فطلب نقله من يده ، أُجيب له.

ثمّ إن اتّفقا على عَدْل يضعانه على يده ، وُضع ؛ لأنّ الحقّ لهما. وإن اختلف ، عيّن الحاكم عَدْلاً يضعه على يده.

وإن اختلفا في تغيّر حاله ، بحث عنه الحاكم ، فإن ثبت قول أحدهما ، عمل عليه ، فإن كانت حاله تعيّرت ، نقله عنه ، وإلاّ أقرّه في يده. ولم يكن لأحدهما إخراجه إلاّ بإذن الآخَر ؛ لأنّهما رضيا به في الابتداء.

وكذا لو كان الرهن في يد المرتهن فادّعى الراهن تغيّر حاله ، بحث عنه الحاكم وعمل بما ثبت عنده.

فإن مات (٢) ، لم يكن لورثته إمساكه إلاّ بتراضيهما. وكذا لو مات المرتهن.

__________________

(١) الحاوي الكبير ٦ : ١٤٢ و ٣٣١.

(٢) أي : مات العَدْل.

٢٨٥
٢٨٦

الفصل السادس : في زوائد وبدله‌

مسألة ١٩٦ : الرهن إمّا أن لا يحتاج إلى مئونة ، كالدار والمتاع ونحوه ، فهذا ليس للمرتهن الانتفاع به بغير إذن الراهن بحال ، بلا خلافٍ ؛ لأنّ الرهن ملك الراهن (١) فكذا منافعه ، فليس لغيره أخذها بغير إذنه.

فإن أذن الراهن للمرتهن في الانتفاع بغير عوض وكان دَيْن الرهن من قرض ، فإن شرط ذلك في القرض ، حرم. وإن لم يشرط (٢) ، فالأقرب : الجواز ، خلافاً لأحمد (٣).

وإن كان الرهن بثمن مبيع أو اجرة دار أو دَيْن غير القرض فأذن له الراهن في الانتفاع ؛ جاز وبه قال أحمد والحسن وابن سيرين وإسحاق (٤) للأصل.

ولو كان الانتفاع بعوضٍ ، مثل أن يستأجر المرتهن الدار من الراهن بأُجرة مثلها من غير محاباة ، جاز في القرض وغيره ؛ لأنّ الانتفاع ليس بالقرض ، بل بالإجارة.

وإن حاباه في ذلك ، فحكمه حكم الانتفاع بغير عوضٍ لا يجوز في القرض مع الشرط ، ويجوز في غيره.

وإذا استأجرها المرتهن أو استعارها ، لم تخرج عن الرهن وهو‌

__________________

(١) في الطبعة الحجريّة : « للراهن ».

(٢) في الطبعة الحجريّة : « لم يشترط ».

(٣) المغني ٤ : ٤٦٧ ٤٦٨ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٧٨.

(٤) المغني ٤ : ٤٦٧ ٤٦٨ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٧٨.

٢٨٧

إحدى الروايتين عن أحمد (١) لأنّ القبض مستدام ، ولا منافاة بين العقدين.

وفي الرواية الثانية : تخرج عن كونها رهناً ، فمتى انقضت الإجارة أو العارية ، عاد الرهن بحاله (٢).

وإذا استعار المرتهن الرهن ، صار مضموناً عليه في موضعٍ تُضن فيه العارية عندنا ، وعند الشافعي وأحمد مطلقاً بناءً على أنّ العارية مضمونة مطلقاً (٣).

وقال أبو حنيفة : لا ضمان عليه (٤).

وإن شرط في الرهن أن ينتفع به المرتهن ، جاز مطلقاً.

وقال أحمد : يفسد الشرط ؛ لأنّه ينافي مقتضى الرهن (٥).

وهو ممنوع.

وعن أحمد رواية : أنّه يجوز في البيع (٦).

قال أصحابه : معناه أن يقول : بعتك هذا الثوب بدينار بشرط أن ترهنني عبدك يخدمني شهراً ، فيكون بيعاً وإجارةً ، وهو صحيح. وإن أطلق ، فالشرط باطل لجهالته ثمنه (٧).

وقال مالك : لا بأس أن يشترط في البيع منفعة الراهن إلى أجل في‌ الدُّور والأرضين. وكرهه في الحيوان والثياب والقرض (٨).

__________________

(١) المغني ٤ : ٤٦٧ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٧٦.

(٢) المغني ٤ : ٤٦٧ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٧٦.

(٣) حلية العلماء ٥ : ١٨٩ ، تحفة الفقهاء ٣ : ١٧٧ ، المغني ٤ : ٤٦٨ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٧٦.

(٤) تحفة الفقهاء ٣ : ١٧٧ ، حلية العلماء ٥ : ١٩٢ ، المغني ٤ : ٤٦٨ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٧٦.

(٥) المغني ٤ : ٤٦٨ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٥٧.

(٦) المغني ٤ : ٤٦٨ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٥٧.

(٧) المغني ٤ : ٤٦٨ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٥٧.

(٨) الكافي في فقه أهل المدينة : ٤١٤ ، المغني ٤ : ٤٦٨ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٥٧.

٢٨٨

وإمّا أن يحتاج إلى مئونة ، فحكم المرتهن في الانتفاع به بعوضٍ أو بغير عوضٍ بإذن الراهن كالقسم الأوّل.

وإن أذن له في الإنفاق والانتفاع بقدره ، جاز ؛ لأنّه نوع معاوضة.

وأمّا مع عدم الإذن فإن كان الرهن محلوباً أو مركوباً ، قال إسحاق وأحمد : للمرتهن أن ينفق عليه ويركب بقدر نفقته ، وسواء أنفق مع تعذّر النفقة من الراهن لغيبته أو امتناعه من الإنفاق ، أو مع القدرة على أخذ النفقة من الراهن واستئذانه (١).

وعن أحمد رواية : لا يحتسب له بما أنفق وهو متطوّع بها ، ولا ينفع من الرهن بشي‌ء وبه قال أبو حنيفة ومالك والشافعي لقوله عليه‌السلام : « الرهن من راهنه ، له غُنْمه وعليه غُرْمه » (٢).

ولأنّه ملك غيره لم يأذن له في الانتفاع به ولا الإنفاق عليه ، فلم يكن له ذلك ، كغير الرهن (٣).

واحتجّ أحمد بقوله عليه‌السلام : « الرهن يركب بنفقته إذا كان مرهوناً ، ولبن الدرّ يشرب بنفقته إذا كان مرهوناً ، وعلى الذي يركب ويشرب النفقة » (٤) فجعل منفعته بنفقته (٥).

ولا يصحّ ذلك في طرف الراهن ؛ لأنّ إنفاقه وانتفاعه لا بطريق المعاوضة لأحدهما بالآخر. ولأنّ نفقة الحيوان واجبة ، وللمرتهن فيه حقّ

__________________

(١) المغني ٤ : ٤٦٨ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٧٤.

(٢) راجع الهامش (٣) من ص ١٦٣.

(٣) المغني ٤ : ٤٦٨ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٧٤.

(٤) صحيح البخاري ٣ : ١٨٧ ، سنن الترمذي ٣ : ٥٥٥ / ١٢٥٤ ، سنن الدارقطني ٣ : ٣٤ / ١٣٤ ، سنن البيهقي ٦ : ٣٨.

(٥) المغني ٤ : ٤٦٨ ٤٦٩ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٧٤.

٢٨٩

وقد أمكنه استيفاء حقّه من نماء الرهن والنيابة عن المالك فيما وجب عليه استيفاء ذلك من منافعه ، فجاز ذلك ، كما يجوز للمرأة أخذ مئونتها من مال زوجها عند امتناعه بغير إذنه والنيابة عنه في الإنفاق عليها ، والنماء للراهن ، إلاّ أنّ للمرتهن ولاية صرفها إلى نفقته ؛ لثبوت يده عليه وولايته.

هذا إن أنفق محتسباً بالرجوع ، وأمّا إن أنفق متبرّعاً بغير نيّة الرجوع ، فإنّه لا ينتفع به قولاً واحداً.

والوجه : رفع الحال إلى الحاكم ، فإن تعذّر ، أشهد بالإنفاق ، وقاصّ بالنماء.

وأمّا إن كان الرهن حيواناً غير محلوب ولا موكب كالعبد والجارية ، فإنّه لا يجوز للمرتهن استخدامه بنفقته ؛ لأنّه مال الغير ، فليس له التصرّف فيه إلاّ بإذنه ، وهو إحدى الروايتين عن أحمد.

وفي الرواية الأُخرى : له الانتفاع باستخدام العبد بنفقته ، وبه قال أبو ثور (١).

وليس بشي‌ء.

وأمّا إن كان غير حيوانٍ كدار استهدمت فعمرها المرتهن ، لم يرجع بشي‌ء ، وليس له الانتفاع بها بقدر نفقته ، فإنّ عمارتها غير واجبة على الراهن ، فليس لغيره أن ينوب عنه فيما لا يلزمه ، فإن فَعَل ، كان متبرّعاً ، بخلاف الحيوان ، فإنّ نفقته واجبة على صاحبه.

ثمّ إن كان ذلك بإذن المالك ، رجع عليه ؛ لأنّه نابه في الإنفاق بإذنه‌ فكانت النفقة على المالك ، كما لو وكّله في ذلك.

__________________

(١) المغني ٤ : ٤٦٩ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٧٧.

٢٩٠

وإن كان بغير إذنه ، فهل يرجع عليه؟ عن أحمد روايتان بناءً على ما إذا قضى دَيْنه بغير إذنه ؛ لأنّه ناب عنه فيما يلزمه (١).

وقال أبو الخطّاب : إن قدر على استئذانه فلم يستأذنه ، فهو متبرع لا يرجع بشي‌ء. وإن عجز عن استئذانه ، فعلى روايتين عنه.

وكذلك الحكم فيما إذا مات العبد المرهون وكفّنه.

والأوّل أقيس عندهم ؛ إذ لا يعتبر في قضاء الدَّيْن العجزُ عن استئذان الغريم (٢).

فإن انتفع المرتهن بالرهن باستخدامٍ أو ركوبٍ أو استرضاعٍ أو استغلالٍ أو سكنى أو غيره ، حسب من دَيْنه بقدر ذلك.

مسألة ١٩٧ : زوائد الرهن إمّا متّصلة كسمن العبد وكِبَر الشجرة ، وتتبع الأصل إجماعاً في دخولها تحت الرهن ، وإمّا منفصلة كالثمرة والولد واللبن البيض والصوف ، فإنّها لا تدخل في الرهن ، سواء كانت سابقةً أو متجدّدةً بعد الرهن ، إلاّ مع الشرط وبه قال الشافعي وأحمد في رواية ، وأبو ثور وابن المنذر (٣) لقوله عليه‌السلام : « الرهن من راهنه له غُنْمه وعليه غُرْمه » (٤) والنماء غُنْمٌ ، فيكون للراهن.

ومن طريق الخاصّة : رواية إسحاق عمّار الصحيحة عن الكاظم‌عليه‌السلام ، قلت : فإن رهن داراً لها غلّة لمن الغلّة؟ قال : « لصاحب

__________________

(١) المغني ٤ : ٤٧٠ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٧٧.

(٢) المغني ٤ : ٤٧٠ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٧٧ ٤٧٨.

(٣) المهذّب للشيرازي ١ : ٣١٧ ، حلية العلماء ٤ : ٤٣٤ ، التهذيب للبغوي ٤ : ٧٧ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥١٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٣١٤ ، المغني ٤ : ٤٧١ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٤٠ ، المبسوط للسرخسي ٢١ : ٧٥.

(٤) راجع الهامش (٣) من ص ١٦٣.

٢٩١

الدار » (١).

ولأنّه حقّ تعلّق بالأصل يستوفى من ثمنه ، فلا يسري إلى غيره ، كحقّ الجناية. ولأنّها عين من أعيان ملك الراهن لم يقعد عليها عقد رهن ، فلم تكن رهناً ، كسائر ماله.

وقال الشعبي والنخعي وأحمد : يدخل النماء المتّصل والمنفصل في رهن الأصل إذا تجدّد المنفصل بعد الرهن ، وأمّا المتّصل فيدخل مطلقاً ؛ لأنّه حكم ثبت في العين بعقد الملك ، فيدخل فيه النماء والمنافع كالملك بالبيع وغيره (٢).

وهو ممنوع.

وقال الثوري وأصحاب الرأي : في النماء يتبع ، وفي الكسب لا يتبع ؛ لأنّ الكسب لا يتبع في حكم الكتابة والاستيلاد والتدبير ، فلا يتبع في الرهن ، كأعيان مال الراهن (٣).

وقال مالك : الولد يتبع في الرهن خاصّةً دون سائر النماء ؛ لأنّ الولد يتبع الأصل في الحقوق الثابتة ، كولد أُمّ الولد (٤).

وقال الشافعي : لو رهنه ماشيةً مخاضاً ، فالنتاج خارج من الرهن (٥).

__________________

(١) الكافي ٥ : ٢٣٥ / ١٢ ، التهذيب ٧ : ١٧٣ / ٧٦٧.

(٢) المغني ٤ : ٤٧٠ ٤٧١ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٤٠.

(٣) المغني ٤ : ٤٧١ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٤٠ ، المبسوط للسرخسي ٢١ : ٧٥ ، حلية العلماء ٤ : ٤٣٤ ٤٣٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥١٤.

(٤) المدوّنة الكبرى ٥ : ٣٠٤ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ٤١٢ ، حلية العلماء ٤ : ٤٣٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥١٥ ، المغني ٤ : ٤٧١ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٤٠.

(٥) الام ٣ : ١٦٣ ، المهذّب للشيرازي ١ : ٣١٨ ، المغني ٤ : ٤٧١ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٤٠.

٢٩٢

وخالفه أبو ثور وابن المنذر (١).

وكما أنّ هذه الزوائد غير مرهونة ، فكذا مهر الجارية إذا وُطئت بالشبهة [ بل أولى ] (٢) ؛ لأنّه غير حاصل من نفس المرهون ، وبه قال الشافعي (٣).

وعند أبي حنيفة أنّه مرهون أيضاً (٤).

ولا خلاف في أنّ كسب المرهون ليس بمرهون ، هذا في الزوائد الحادثة بعد الرهن.

مسألة ١٩٨ : لو رهن حاملاً ومست الحاجة إلى البيع وهي حامل بيع ، فتُباع كذلك في الدَّين ، وبه قال الشافعي.

قال : لأنّا إن قلنا : إنّ الحمل يُعلم ، فكأنّه رهنهما ، إلاّ فقد رهنها ، والحمل محض (٥) صفة (٦).

ونحن نقول : إنّ الرهن لا يتعدّى إلى الحمل ما لم يشترطه (٧) في العقد ، سواء كان ظاهراً أو لا.

ولو ولدت قبل البيع ، لم يكن رهناً ، كما تقدّم (٨).

وللشافعي قولان مبنيّان على أنّ الحمل هل يُعلم؟ إن قلنا : لا ، فهو‌

__________________

(١) المغني ٤ : ٤٧١ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٤٠.

(٢) بدل ما بين المعقوفين في « ج » والطبعة الحجريّة : « وبلاولى ». وهي تصحيف.

(٣) التهذيب للبغوي ٤ : ٧٧ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥١٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٤١.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥١٥.

(٥) في « ج » والطبعة الحجريّة : « محقق » بدل « محض ». وما أثبتناه من المصدر.

(٦) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥١٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٤١.

(٧) في « ج » : « ما لم يشرط ».

(٨) في ص ١٤٩ ، ضمن المسألة ١٢٤.

٢٩٣

كالحادث بعد العقد. وإن قلنا : نعم ، فهو رهن يُباع مع الامّ ، كما لو رهن شيئين (١).

وزاد بعض الشافعيّة فقال : إن قلنا : نعم ، ففي كونه مرهوناً قولان ؛ لضعف الرهن عن الاستتباع (٢).

فإن قلنا : الولد لا يكون مرهوناً كما اخترناه ، وهو أحد قوليه فلو صرّح في العقد وقال : رهنتها مع حملها ، صحّ عندنا.

وتردّد أصحاب الشافعي فيه ، والظاهر عندهم أنّه لا يكون مرهوناً أيضاً ؛ إذ لو جاز ذلك لجاز إفراده بالرهن (٣).

ولو حملت بعد الرهن وبقيت حاملاً عند الحاجة إلى البيع ، فإن قلنا : الحمل لا يُعلم ، بِيعت ، وهو كزيادة متّصلة. وإن قلنا : يُعلم ، لم يكن الولد مرهوناً ، وتعذّر بيعها ؛ لأنّ استثناء الحمل لا يمكن ، ولا سبيل إلى بيعها حاملاً وتوزيعِ الثمن على الامّ والحمل ؛ لأنّ الحمل لا تُعرف قيمته.

ولو رهن نخلة فأطلعت بعد الرهن ، لم يدخل الطلع في الرهن عندنا ، إلاّ مع الشرط.

وللشافعيّة طريقان :

أحدهما : أنّ بيعها مع الطلع على قولين ، كما في الحمل.

والثاني : القطع بأنّ الطلع غير مرهون ؛ لأنّه يمكن إفراده بالعقد فلا يجعل تبعاً ، فإذا قلنا : إنّه غير مرهون ، تُباع النخل ويستثنى الطلع ،

__________________

(١) التهذيب للبغوي ٤ : ٧٨ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥١٥ ، روضة الطالبين ٤ : ٣١٤.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥١٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٤١.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥١٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٤١.

٢٩٤

بخلاف‌ الجارية الحامل (١).

ولو كانت مطلعةً وقت الرهن ، ففي دخول الطلع عندهم قولان ، فإن أدخلناه فجاء وقت البيع وهو طَلْع بَعْدُ ، بِيع مع النخل.

وإن أُبّرت ، فطريقان :

أحدهما : أنّ الحكم كما إذا ولدت الحامل.

والثاني : القطع ببيعه مع النخيل ؛ لأنّه معلوم مشاهَدٌ وقت الرهن (٢).

إذا عرفت هذا ، فمتى تعتبر الزيادة؟

أمّا عندنا فلا فائدة لهذا البحث ؛ لأنّها لا تدخل في الرهن مطلقاً ، إلاّ مع الشرط.

وأمّا عند الشافعي ففي اعتبارها وجهان :

أحدهما : أنّها تعتبر حالة العقد في مقارنة الولد وحدوثه بعده.

والثاني : أنّ الاعتبار بحالة القبض ؛ لأنّ الرهن به يتمّ (٣).

مسألة ١٩٩ : لو جنى على المرهون فوجب الأرش ، كان الأرش رهناً ، كالأصل ، وليس من الزوائد ؛ لأنّه جزء من المرهون.

وكذا لو اقتضّ البكر ، كان الأرش رهناً ؛ لأنّه عوض جزء الرهن.

ولو أفضاها ، وجب عليه قيمتها ؛ لأنّه أتلف بُضْعها ، فتكون القيمة رهناً ، كالأصل.

ولو ضرب الجارية المرهونة ضاربٌ فألقت جنيناً [ ميّتاً ] (٤) فعليه عُشْر‌ الامّ ، ولا يكون مرهوناً عندنا وعند الشافعي (٥) ؛ لأنّه بدل الولد.

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥١٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٤١.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥١٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٤١.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥١٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٣١٤ ٣٤٢.

(٤) ما بين المعقوفين يقتضيه السياق.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥١٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٤٢.

٢٩٥

فإن دخلها نَقْصٌ ، لم يجب بسببه شي‌ء آخر ، لكن قدر أرش النقصان من العُشْر يكون رهناً.

وإن ألقته حيّاً فمات ، فعلى الجاني قيمة الجنين حيّاً وأرش نقص الامّ إن انتقصت وهو أصحّ قولي الشافعي (١) وحينئذٍ تكون قيمة الجنين لصاحبه غير داخل في الرهن ، وأمّا أرش النقص فإنّه يكون داخلاً في الرهن.

والثاني للشافعي : أنّه يجب أكثر الأمرين من أرش النقص أو قيمة الجنين ، فإن كان الأرش أكثر ، فالمأخوذ رهنٌ كلّه. وإن كانت القيمة أكثر ، فقدر الأرش من المأخوذ رهن (٢).

ولو ضرب دابّة رهناً فألقت جنيناً ميّتاً ، فليس على الضارب سوى أرش النقصان (٣) إن نقصت ، ويكون رهناً.

مسألة ٢٠٠ : بدل الرهن رهنٌ ، فإذا جنى جانٍ على العبد المرهون ، قال الشيخ رحمه‌الله : الخصم فيه هو السيّد دون المرتهن ؛ لأنّ السيّد هو المالك لرقبته ، والأرش الواجب بالجناية ملكه ، وليس للمرتهن إلاّ حقّ الوثيقة ، فإن أحبّ المرتهن أن يحضر خصومته ، كان له ، فإذا قضى للراهن بالأرش ، تعلّق به حقّ الوثيقة للمرتهن (٥). وبه قال الشافعي وغيره (٥).

وكذا إذا جنى على العبد المستأجَر أو المودَع ، فإنّ الخصم هو

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥١٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٤٢.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥١٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٤٢.

(٣) في الطبعة الحجريّة : « النقص ».

(٤) المبسوط للطوسي ٢ : ٢٢٩.

(٥) المهذّب للشيرازي ١ : ٣٢٢ ، التهذيب للبغوي ٤ : ٤١ ، حلية العلماء ٤ : ٤٥٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥١٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٤٠ ، المغني ٤ : ٤٥٥ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٨٥.

٢٩٦

المالك.

فإن ترك المطالبة أو أخّرها أو كان غائباً أو له عذر يمنعه من المطالبة ، فللمرتهن المطالبة بها ؛ لأنّ حقّه متعلّق بموجبها ، فكان له الطلب به ، كما لو كان الجاني سيّده.

فإن أقرّ الجاني ، ثبتت الجناية. وإن أنكر وكان لسيّد العبد بيّنه ، أقامها. وإن لم تكن له بيّنة ، كان القول قولَ المدّعى عليه الجناية مع يمينه ، فإن حلف ، برئ. وإن نكل ، رددنا اليمين على المرتهن ، فإن حلف ، ثبتت الجناية.

وإن نكل ، فهل يحلف المرتهن؟ قولان للشافعي كما في يمين الغريم إذا نكل الوارث (١).

وسواء كانت الجناية عمداً أو خطأً ؛ لأنّ العمد وإن أوجب القصاص فقد يعفو السيّد ، ويتعلّق حقّ المرتهن بالدية.

إذا عرفت هذا ، فإن كانت الجناية عمداً ، كان للسيّد أن يقتصّ ، لأنّه حقٌّ له ، وإنّما ثبت ليستوفي ، وليس للمرتهن مطالبته بالعفو.

فإن اقتصّ ، سقط حقّ المرتهن من الرهن وليس له مطالبة الراهن ببدلٍ عنه وبه قال الشافعي (٢) لأنّه لم يجب بالجناية مال ولا استحقّ‌[ بحال ] (٣) وليس على الراهن أن يسعى للمرتهن في اكتساب مالٍ.

وقال أحمد وإسحاق : على السيّد أن يجعل القيمة مكانه رهناً ؛ لأنّه

__________________

(١) المهذّب للشيرازي ١ : ٣٢٢ ، التهذيب للبغوي ٤ : ٤١ ، حلية العلماء ٤ : ٤٥٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥١٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٤٠.

(٢) المغني ٤ : ٤٥٦ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٨٥ ٤٨٦.

(٣) بدل ما بين المعقوفين في « ج » والطبعة الحجريّة : « بمال ». والظاهر ما أثبتناه.

٢٩٧

أتلف مالاً استحقّ بسبب إتلاف الرهن ، فغرم قيمته ، كما لو كانت الجناية موجبةً للمال (١).

وليس بجيّد ؛ لأنّ الواجب في قتل العمد عندنا القصاص ، وإنّما يثبت المال لو تصالحا عليه.

ثمّ قالوا : إنّما يؤخذ من السيّد أقلّ القيمتين ، فيجعل رهناً ؛ لأنّ حقّ المرتهن إنّما يتعلّق بالمال ، والواجب من المال هو أقلّ القيمتين ؛ لأنّ الرهن إن كان أقلّ ، لم يجب أكثر من قيمته ، وإن كان الجاني أقلّ ، لم يجب أكثر من قيمته (٢).

فإذا اقتصّ المولى من الجاني ، كان العبد المجنيّ عليه مرهوناً عند المرتهن.

وإن عفا الوليّ على مالٍ ، كان المال ملكاً للسيّد ورهناً مع العبد عند المرتهن ؛ لأنّ الأرش عوض ما تلف من أجزاء العبد.

وإن عفا على غير مالٍ أو عفا مطلقاً ، صحّ العفو ، ولم يكن للمرتهن مطالبة الراهن بشي‌ء وهو أحد قولي الشافعي (٣) لأنّا قد بيّنّا أنّ الواجب في العمد هو القصاص لا غير ، وليس للمرتهن مطالبة الراهن بالعفو على مال ؛ لأنّ اختيار المال ضرب من الكسب ولا يُجبر الراهن عليه بحقّ‌ المرتهن.

والثاني للشافعي : أنّ الواجب في العمد أحد الأمرين : إمّا القصاص أو المال ، فإذا عفا على غير مالٍ أو مطلقاً لم يصحّ العفو ، ويثبت المال ؛ لأنّ إسقاطه القصاص يتعيّن به وجوب المال ، فإذا أسقطه أسقط ما تعلّق به حقّ

__________________

(١) المغني ٤ : ٤٥٦ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٨٥ ٤٨٦.

(٢) المغني ٤ : ٤٥٦ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٨٦.

(٣) راجع : التهذيب للبغوي ٤ : ٤١ ، والعزيز شرح الوجيز ٤ : ٥١٤.

٢٩٨

المرتهن ، ويثبت المال ، ويكون رهناً (١).

مسألة ٢٠١ : بدل الرهن قد بيّنّا أنّه يكون رهناً ، كالأصل ، فيجعل في يد مَنْ كان الأصل في يده من المرتهن أو العَدْل.

وإلى أن يؤخذ هل يقال بأنّه مرهون؟ قال بعض الشافعيّة : لا يكون مرهوناً ؛ لأنّه دَيْنٌ ، والديون لا تكون مرهونةً ، فإذا تعيّن ، صار مرهوناً ، والحالة المتخلّلة كتخمّر العصير وتخلّله بعده (٢).

وقال آخَرون : هو مرهون كما كان ، والمسلَّم أنّه لا يرهن الدَّيْن ابتداءً (٣).

وقد بيّنّا أنّ الخصومة تتعلّق بالمالك والجاني ، فلو [ قعد ] (٤) المالك عن الخصومة ، فالأقرب أنّ المرتهن يُخاصم.

وكذا المستأجر إذا ادّعى العين وقال لمن هي في يده : إنّها ملك فلان آجرها منّي ، وإنّما لا يدّعي المستأجر القيمة ؛ لأنّ حقّه لا يتعلّق بها.

وهذا أقيس قولَي الشافعي ، وأصحّهما عندهم : أنّ المرتهن لا يخاصم (٥).

ثمّ الجاني إن أقرّ بالجناية أو أقام الراهن البيّنةَ أو حلف بعد نكول المدّعى عليه ، ثبتت الجناية.

فإن نكل الراهن ، ففي إحلاف المرتهن للشافعي قولان ، كما إذا نكل المفلس هل يحلف الغرماء؟ (٦).

__________________

(١) راجع : التهذيب للبغوي ٤ : ٤١ ، والعزيز شرح الوجيز ٤ : ٥١٤.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥١٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٣٩.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥١٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٣٩.

(٤) بدل ما بين المعقوفين في « ج » والطبعة الحجريّة : « لا بعد ». والصحيح ما أثبتناه.

(٥) التهذيب للبغوي ٤ : ٤١ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥١٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٤٠.

٢٩٩

ولو لم يقتصّ الراهن في الحال ولا عفا ، ففي إجباره على أحدهما للشافعيّة طريقان :

أحدهما : يُجبر ليكون المرتهن على بيّنة من أمره.

والثاني : إن قلنا : إنّ موجَب العمد أحد الأمرين ، اجبر. وإن قلنا : موجَبه القود ، لم يُجبر ؛ لأنّه يملك إسقاطه ، فتأخيره أولى بأن يملكه (١).

وإن كانت الجناية خطأً أو عفا ووجب المال فعفا عن المال ، لم يصح عفوه لحقّ المرتهن.

وفيه قول : إنّ العفو موقوف ، ويؤخذ المال في الحال لحقّ المرتهن ، فإن انفكّ الرهن ، يردّ إلى الجاني ، وبانَ صحّة العفو ، وإلاّ بانَ بطلانه (٢).

ولو أراد الراهن أن يصالح عن الأرش الواجب على جنسٍ آخر ، لم يجز إلاّ بإذن المرتهن ، وإذا أذن ، صحّ ، وكان المأخوذ مرهوناً.

ولو أبرأ المرتهن الجانيَ ، لم يصح ؛ لأنّه ليس بمالك.

والأقرب : سقوط حقّه عن الوثيقة بهذا الإبراء وهو أحد وجهيّ‌ الشافعيّة (٣) ويخلص المأخوذ للراهن ، كما لو صرّح بإسقاط حقّ الوثيقة.

وأصحّهما : لا ؛ لأنّه لم يصح إبراؤه ، فلا يصحّ ما تضمّنه الإبراء ، كما لو وهب المرهون من إنسان ، لا يصحّ ، ولا يبطل الرهن (٤).

__________________

(١) المهذّب للشيرازي ١ : ٣٢٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥١٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٤٠.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥١٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٤٠.

(٣) المهذّب ـ للشيرازي ١ : ٣٢٢ ، حلية العلماء ٤ : ٤٥٣ العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥١٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٤١.

(٤) المهذّب ـ للشيرازي ١ : ٣٢٢ ، حلية العلماء ٤ : ٤٥٣ العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥١٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٤١.

٣٠٠