تذكرة الفقهاء - ج ١٣

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

تذكرة الفقهاء - ج ١٣

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-389-6
الصفحات: ٤٢١

فلا حدّ ولا مهر. ويلحق به الولد. وفي قيمته قولان.

وإن لم يكن على صيغةٍ يُباح بها البُضْع فإمّا أن يدّعي الجهالة بتحريم الوطي أو لا يدّعيها ، فإن لم يدّع ، فهو زنا ، والحكم كما تقدّم.

وللشافعيّة وجهٌ : أنّه لا يُحدّ ؛ لأنّ بعضهم قال بجواز وطئ الجارية بإذن مالكها. وهو مذهب عطاء بن أبي رباح (١) من التابعين.

وإن ادّعاها ، قُبل منه ، وسقط الحدّ ، ولحق به النسب ، وكان الولد حُرّاً إجماعاً ، ولا تلزمه قيمته.

وقيل : تلزمه قيمته (٢).

وكذا القولان في المهر.

والشيخ رحمه‌الله رجّح في المبسوط عدمَ وجوبهما عليه (٣).

وقال بعض الشافعيّة : إن كانت مطاوعةً ، لم يلزمه المهر ؛ لانضمام إذن المستحقّ إلى طواعيتها.

وإن كانت مكرهةً ، فقولان :

أحدهما : عدم الوجوب ؛ لأنّ المستحقّ (٤) قد أذن ، فأشبه ما لو زنت الحُرّة.

وأصحّهما عندهم وبه قال أبو حنيفة ـ : يجب ؛ لأنّ وجوب المهر حيث لا يجب الحدّ حقّ الشرع ، فلا يؤثّر فيه الإذن ، كما أنّ المفوّضة تستحقّ المهر بالدخول مع تفويضها (٥).

__________________

(١) التهذيب للبغوي ٤ : ٢٩ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥١١.

(٢) كما في المبسوط للطوسي ٢ : ٢٠٩.

(٣) المبسوط للطوسي ٢ : ٢٠٩.

(٤) أي : مستحقّ الرهن.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥١٢.

٢٤١

وأمّا الولد ففي وجوب قيمته لهم طريقان ‌:

أحدهما : أنّه على القولين في المهر.

والثاني وهو الأصحّ عندهم ـ : الوجوب جزماً.

والفرق أنّ الإذن في الوطي رضا بإتلاف المنفعة جزماً ، وليس رضاً بالإحبال جزماً. ولأنّ الإذن لا أثر له في حُرّيّة الولد ، وإنّما الموجب لها ظنّ الواطئ فحسب (١).

وأمّا الجارية فقال الشيخ رحمه‌الله : لا تخرج من الرهن في الحال ، وإذا بِيعت في الرهن ثمّ ملكها المرتهن ، فإنّها أُمّ ولده (٢).

وفيه نظر.

وقال الشافعي : لا تصير الجارية أُمّ ولدٍ للمرتهن بحال ، فإن ملكها يوماً من الدهر فقولان (٣).

ولو ادّعى المرتهن بعد الوطي أنّ الراهن كان قد باعها منه أو وهبها (٤) وأقبضها ، وأنكر الراهن ، فالقول قوله مع يمينه ، فإن حلف ، فهي والولد رقيقان له. ثمّ لو ملكها يوماً من الدهر ، فهي أُمّ ولدٍ له على قول (٥) ، والولد حُرٌّ ؛ لإقراره السابق ، كما لو أقرّ بحُرّيّة عبد الغير ثمّ اشتراه ، فإن نكل الراهن وحلف المرتهن ، فالولد حُرٌّ وهي أُمّ ولدٍ له.

مسألة ١٦٩ : ليس للمرتهن بيع الرهن ، فإن حلّ الدَّيْن وطالَب

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥١٢.

(٢) المبسوط للطوسي ٢ : ٢٠٩.

(٣) التهذيب للبغوي ٤ : ٢٩ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥١٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٣٩.

(٤) في الطبعة الحجريّة و « ج » : « رهنها » بدل « وهبها ». والصحيح ما أثبتناه.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥١٢.

٢٤٢

المرتهنُ ، كان على الراهن إيفاء الحقّ ، فإن قضاه من غيره ، انفكّ الرهن ، وإلاّ طُولب ببيعه ، فإن امتنع فإن كان وكيلاً في البيع ، باع بالوكالة ، وإلاّ باعه بإذن الراهن ، فإن تعذّر ، أذن له الحاكم في البيع أو ولاّه غيره ، أو أجبر الراهن على القضاء أو البيع بنفسه أو بوكيله.

ويُقدَّم المرتهن في الثمن على سائر الغرماء ، سواء كان الراهن حيّاً أو ميّتاً ، وسواء كان موسراً أو معسراً ، وسواء خلّف وفاءً لباقي الدُّيّان أو لا ، وسواء كان الرهن داراً يسكنها الراهن أو لا.

والرواية التي رواها ابن فضّال عن إبراهيم بن عثمان عن الصادق عليه‌السلام ، قال : قلت له : رجل لي عليه دراهم وكانت داره رهناً فأردت أن أبيعها ، فقال : « أُعيذك بالله أن تخرجه من ظلّ رأسه » (١) محمولة على الكراهية ، مع أنّا نمنع السند ؛ فإنّ ابن فضّال ضعيف.

وإنّما يبيعه (٢) الراهن أو وكيله بإذن المرتهن ، فلو لم يأذن وأراد الراهن بيعه ، قال له الحاكم : ائذن في بيعه وخُذْ حقّك من ثمنه ، أو أبرئه.

ولو طلب (٣) المرتهن بيعه وامتنع الراهن ولم يقض الدَّيْن ، أجبره الحاكم على قضائه أو البيع ، إمّا بنفسه أو بوكيله ، فإن أصرّ ، باعه الحاكم ، وبه قال الشافعي (٤).

وقال أبو حنيفة : لا يبيعه ، ولكن يُحبس الراهن حتى يبيع (٥).

__________________

(١) الكافي ٥ : ٢٣٧ / ٢١ ، التهذيب ٧ : ١٧٠ / ٧٥٤.

(٢) في « ج » : « يبيع ».

(٣) في « ج » : « طالب ».

(٤) التهذيب للبغوي ٤ : ٦٣ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٠٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٢٨ ، المغني ٤ : ٤٨٨.

(٥) تحفة الفقهاء ٣ : ٤٣ ، بدائع الصنائع ٦ : ١٤٨ ، التهذيب للبغوي ٤ : ٦٣ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٠٠ ، المغني ٤ : ٤٨٨.

٢٤٣

ولو كان الراهن غائباً ، أثبت المرتهن الرهن عند الحاكم حتى يبيعه. فإن لم تكن له بيّنة أو لم يكن في البلد حاكم ، فله بيعه بنفسه ، كما أنّ مَنْ ظفر بغير جنس حقّه من مال المديون وهو جامد ولا بيّنة له ، يبيعه ، ويأخذ حقّه من ثمنه.

مسألة ١٧٠ : لو أذن الراهن للمرتهن في بيع الرهن بنفسه ، صحّ الإذن. فإن باع بالإذن ، صحّ البيع ، سواء كان الراهن حاضراً وقت البيع أو غائباً.

وللشافعي وجهان إذا باع في الغيبة :

أحدهما : كما قلناه من الصحّة وبه قال مالك وأبو حنيفة وأحمد كما لو أذن له في بيع مالٍ آخر.

وأصحّهما عندهم : المنع ؛ لأنّه يبيعه لغرض نفسه ، فيكون متّهماً في الاستعجال وترك النظر (١).

وإن باعه بحضوره ، صحّ ؛ لانقطاع التهمة ، وهو ظاهر قول الشافعي حيث قال : ولو شرط للمرتهن إذا حلّ الحقّ أن يبيعه ، لم يجز أن يبيع بنفسه إلاّ بأن يحضر ربّ الرهن (٢).

وفيه وجه : أنّه لا يصحّ أيضاً ؛ لأنّه توكيل فيما يتعلّق بحقّه ، فعلى هذا لا يصحّ توكيله ببيعه أصلاً.

ويتفرّع عليه أنّه لو شرط ذلك في ابتداء الرهن ، فإن كان الرهن مشروطاً في بيع ، فالبيع باطل : وإن كان رهْنَ تبرّعٍ ، فعلى القولين في‌ الشروط الفاسدة النافعة للمرتهن أنّها هل تُبطل الرهن (٣)؟.

__________________

(١) التهذيب للبغوي ٤ : ٦٣ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٠٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٢٨.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٠٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٢٨.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٠١ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٢٨.

٢٤٤

ولو أذن الوارث لغرماء الميّت في بيع التركة ، فهو كإذن الراهن للمرتهن. وكذا إذن السيّد للمجنيّ عليه في بيع العبد الجاني.

والحقّ عندنا صحّة البيع في الغيبة والحضور ، وصحّة التوكيل ، عملاً بمقتضى العقود.

مسألة ١٧١ : لو قال الراهن للمرتهن : بِع المرهون لي واستوف الثمن ثمّ استوفه لنفسك ، صحّ البيع والاستيفاء للراهن ، ثمّ لا يحصل الاستيفاء لنفسه بمجرّد إدامة اليد والإمساك ؛ لأنّ قوله : « ثمّ استوف لنفسك » مشعر بإحداث فعلٍ ، فلا بُدّ إذَنْ من وزنٍ جديد أو كيلٍ جديد.

ولو كانت الصيغة : « ثم أمسكه لنفسك » فلا بُدّ من إحداث فعلٍ أيضاً عند بعض الشافعيّة (١).

قال بعضهم : يكفي مجرّد الإمساك (٢).

والأوّل أظهر عندهم (٣).

ثمّ إذا استوفاه لنفسه ، فيه وجهان ؛ لاتّحاد القابض والمقبض ، فإن صحّحناه ، وهو الأقوى عندي برئت ذمّة الراهن عن الدَّيْن ، والمستوفى من ضمانه. وإن أفسدناه وهو الأصحّ عندهم (٤) لم يبرأ ، ولكن يدخل المستوفى في ضمانه أيضاً ؛ لأنّ القبض الفاسد كالصحيح في اقتضاء الضمان.

ولو قال : بِعْه لي واستوف الثمن لنفسك ، صحّ البيع ، ولم يصح استيفاء الثمن عند الشافعي ؛ لأنّه ما لم يصح قبضٌ للراهن لا يتصوّر منه

__________________

(١) في « ج » والطبعة الحجريّة : « المجنيّ ». والصحيح ما أثبتناه.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٢٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٢٩.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٢٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٢٩.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٢٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٢٨.

٢٤٥

القبض لنفسه ، وهنا كما قبضه يصير مضموناً عليه (١).

والوجه : الصحّة ؛ لأنّ قوله : « استوف الثمن لنفسك » يتضمّن التوكيل.

ولو قال : بِعْه لنفسك ، فللشافعي قولان :

أصحّهما : أنّ هذا الأذان باطل ، ولا يُمكّن من البيع ؛ لأنّه لا يتصوّر أن يبيع الإنسان مال غيره لنفسه.

والثاني : أنّه يصحّ ، اكتفاءً بقوله : « بِعْه » وإلغاءً لقوله : « لنفسك » وأيضاً فإنّ السابق إلى الفهم منه الأمر بالبيع لغرضه ، وهو التوصّل (٢) به إلى قضاء الدَّيْن (٣).

ولو أطلق وقال : بِعْه ، ولم يقل : « لي » ولا « لنفسك » فللشافعيّة وجهان :

أصحّهما : صحّة الإذن والبيع ووقوعه للراهن ، كما لو قال لأجنبيّ : بِعْه.

والثاني : المنع ؛ لأنّ البيع مستحقّ للمرتهن بعد حلول الحقّ ، والكلام مفروض فيه ، وإذا كان كذلك يُقيّد الإذن به ، وصار كأنّه قال : بِعْه لنفسك. ولأنّه متّهم في ترك النظر استعجالاً للوصول إلى الدَّيْن.

وعلى التعليلين لو كان الدَّيْن مؤجَّلاً فقال : بِعْه ، صحّ الإذن ؛ لعدم الاستحقاق والتهمة ، فإن قال : بِعْه واستوف حقّك من ثمنه ، جاءت‌ التهمة (٤).

وهذا عندنا ليس بشي‌ء.

ولو قدّر له الثمن ، لم يصح عندهم على التعليل الأوّل ، وصحّ على الثاني. وكذا لو كان الراهن حاضراً عند البيع (٥).

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٢٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٢٩.

(٢) في « ج » والطبعة الحجريّة : « التوسّل ». والظاهر أنّ الصحيح ما أثبتناه.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٢٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٢٩.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٢٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٢٩.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٢٧ ٥٢٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٢٩.

٢٤٦

الفصل الرابع : في حكم الرهن في الضمان‌

مسألة ١٧٢ : الرهن في يد المرتهن أمانة لا يسقط بتلفه شي‌ء من الدَّيْن ، ولا يلزمه ضمانه ، إلاّ إذا تعدّى فيه ، عند علمائنا أجمع وبه قال عليّ عليه‌السلام وعطاء والزهري والأوزاعي والشافعي وأبو ثور وأحمد وابن المنذر (١) لما رواه العامّة عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال : « لا يغلق الرهن ، الرهن من صاحبه الذي رهنه ، له غُنْمه وعليه غُرْمه » (٢).

والمراد بالغُنْم الاستفادة والنماء والزيادة ، والغُرْم : النقصان والتلف. ومعنى « من صاحبه » أنّه من ضمان صاحبه. ومعنى « لا يغلق » أي لا يملكه المرتهن بالارتهان.

ومن طريق الخاصّة : قول الصادق عليه‌السلام وقد سأله عبيد بن زرارة : رجل رهن سوارين فهلك أحدهما ، قال : « يرجع عليه فيما بقي » (٣).

وعن الحلبي في الرجل يرهن عند الرجل رهناً فيصيبه شي‌ء أو يضيع (٤) قال : « يرجع بما لَه عليه » (٥).

__________________

(١) المغني ٤ : ٤٧٨ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٤٤ ، مختصر المزني : ١٠١ ، الحاوي الكبير ٦ : ٢٥٤ ، الوجيز ١ : ١٦٦ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٠٨ ، الوسيط ٣ : ٥٠٩ ، حلية العلماء ٤ : ٤٥٨ ، التهذيب للبغوي ٤ : ٥٣ ، بداية المجتهد ٢ : ٢٧٦.

(٢) المغني ٤ : ٤٧٩ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٤٥.

(٣) التهذيب ٧ : ١٧٠ / ٧٥٨ ، الاستبصار ٣ : ١١٨ / ٤٢٢.

(٤) في الكافي : « ضاع ».

(٥) الكافي ٥ : ٢٣٥ / ١١ ، التهذيب ٧ : ١٧٠ / ٧٥٧ ، الاستبصار ٣ : ١١٨ / ٤٢١.

٢٤٧

ولأنّه وثيقة بالدَّيْن فلا يضمن ، كالزيادة على قدر الدَّيْن ، وكالكفيل والشاهد. ولأنّه مقبوض بعقدٍ واحد بعضه أمانة فكان جميعه أمانةً ، كالوديعة. ولأنّ الرهن شرّع وثقةً للدَّين ، فهلاك محلّه لا يُسقط (١) ، كموت الكفيل.

وروى عن شريح والنخعي والحسن البصري أنّ الرهن يُضمن بجميع الدَّيْن وإن كان أكثر من قيمته ؛ لأنّه روي عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال : « الراهن بما فيه » (٢) (٣).

وهو محمول على التعدّي.

وقال مالك : إن كان تلفه بأمرٍ ظاهر كالموت والحريق فمن ضمان الراهن. وإن ادّعى تلفه بأمرٍ خفيّ ، لم يُقبل قوله ، وضمن (٤).

ويبطل بأنّ ما لا يضمن به العقار لا يضمن به الذهب.

ونقل عنه أيضاً أن ما يظهر هلاكه كالحيوان والعقار والأشجار أمانة ، وما يخفى هلاكه كالنقود والعروض مضمون بالدَّيْن ؛ لأنّه متّهم فيه (٥).

وقال الثوري وأصحاب الرأي : يضمنه المرتهن بأقلّ الأمرين من‌

__________________

(١) أي : لا يُسقط الدَّيْن. ولعلّها : « لا يُسقطه ».

(٢) المراسيل لأبي داوُد ـ : ١٣٥ / ٤ ، سنن الدارقطني ٣ : ٣٢ / ١٢٤ ، سنن البيهقي ٦ : ٤٠.

(٣) المغني ٤ : ٤٧٨ ٤٧٩ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٤٤ ٤٤٥ ، حلية العلماء ٤ : ٤٥٩ ، المبسوط للسرخسي ٢١ : ٦٥ ، بدائع الصنائع ٦ : ١٦٠ ، النتف ٢ : ٦٠٨ ، أحكام القرآن للجصّاص ١ : ٥٢٧.

(٤) الحاوي الكبير ٦ : ٢٥٥ ، المغني ٤ : ٤٧٩ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٤٥.

(٥) الكافي في فقه أهل المدينة : ٤١٢ ٤١٣ ، حلية العلماء ٤ : ٤٥٩ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٠٨.

٢٤٨

قيمته أو قدر الدَّيْن ، فإن كانت قيمته أقلَّ ، سقط بتلفه من الدَّيْن قدر قيمته ، وإلاّ سقط الدَّيْن فلا يضمن الزيادة. ورووه عن عمر بن الخطّاب ؛ لما رواه عطاء أنّ رجلاً رهن فرساً فنفق عند المرتهن ، فجاء إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأخبره بذلك ، فقال : « ذهب حقّك ». ولأنّها عين مقبوضة للاستيفاء ، فيضمنها مَنْ قبضها كالمبيع إذا حُبس لاستيفاء ثمنه (١).

وحديث عطاء مرسل. قال الدارقطني : يرويه إسماعيل بن أُميّة ، وكان كذّاباً (٢).

وقيل : يرويه مصعب بن ثابت ، وكان ضعيفاً (٣).

ويُحتمل أنّه أراد : ذهب حقّك من الوثيقة ، بدليل أنّه لم يسأل عن قدر الدَّيْن وقيمة الفرس.

إذا عرفت هذا ، فلو شرط الرهن أن يكون مضموناً على المرتهن ، لم يصحّ الشرط ، وكان فاسداً ، ويصحّ الرهن.

ولو فرّط المرتهن في الحفظ أو تعدّى فيه ، كان ضامناً له.

مسألة ١٧٣ : إذا برئ الراهن عن الديْن بأداءٍ أو إبراءٍ أو حوالةٍ ، كان الرهن أمانةً أيضاً في يد المرتهن ، ولا يصير مضموناً عليه ، إلاّ إذا طلبه الراهن وامتنع من الردّ بعد المطالبة.

__________________

(١) المغني ٤ : ٤٧٩ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٤٥ ، المبسوط للسرخسي ٢١ : ٦٤ ٦٥ ، بدائع الصنائع ٦ : ١٦٠ ، حلية العلماء ٤ : ٤٥٨ ، العزيز ٤ : ٥٠٨.

(٢) حكاه عنه ابنا قدامة في المغني ٤ : ٤٧٩ ، والشرح الكبير ٤ : ٤٤٥ ، وانظر : سنن الدارقطني ٣ : ٣٢ ، ذيل الحديث ١٢٤.

(٣) كما في المغني ٤ : ٤٧٩ ، والشرح الكبير ٤ : ٤٤٥.

٢٤٩

وقال بعض الشافعيّة : يكون المرتهن بعد الإبراء كمن [ طيّرت ] (١) الريح ثوباً إلى داره حتى يعلم المرتهن به أو يردّه ؛ لأنّه لم يرض بيده إلاّ على سبيل الوثيقة (٢).

وبالجملة ، فالرهن بعد القضاء أو الإبراء أو شبهة أمانة في يد المرتهن ، عند علمائنا ، وبه قال الشافعي وأحمد (٣).

وقال أبو حنيفة : إذا قضاه ، كان مضموناً. وإذا أبرأه أو وهبه ، لم يكن مضموناً استحساناً (٤).

وهو تناقض ؛ فإنّ القبض المضمون منه لم يزل ولم يبرأ منه.

وعندنا أنّه كان أمانةً ، وبقي على ما كان عليه ، وليس عليه ردّه ؛ لأنّه أمسكه بإذن مالكه ، ولا يختصّ بنفعه ، فهو كالوديعة ، بخلاف العارية المضمونة ، فإنّه يختصّ بنفعها ، وبخلاف ما لو أطارت الريح إلى داره ثوباً ، لزمه ردّه إلى مالكه ؛ لأنّ مالكه لم يأذن في إمساكه.

ولو سأل مالكه في هذه الحال دَفعه إليه ، لزم مَنْ هو في يده من المرتهن أو العدل دَفْعه مع الإمكان ، فإن لم يفعل ، صار ضامناً ، كالمودع إذا امتنع من ردّ الوديعة عند طلبها.

ولو كان امتناعه لعذرٍ مثل أن يكون بينه وبينه طريق مخوف أو باب مغلق لا يمكنه فتحه ، أو خاف فوت صلاة واجبة ، أو كان به مرض أو‌

__________________

(١) في « ج » والطبعة الحجريّة : « طيّر ».

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٠٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٣٥.

(٣) حلية العلماء ٤ : ٤٥٩ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٠٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٣٥ ، المغني ٤ : ٤٧٩ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٤٥.

(٤) بدائع الصنائع ٦ : ١٥٥ ، حلية العلماء ٤ : ٤٥٩ ، المغني ٤ : ٤٧٩ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٤٥ ٤٤٦.

٢٥٠

جوع شديد وشبهه فأخّر التسليم لذلك فتلف ، فلا ضمان عليه ؛ لأنّه لا تفريط منه ، فأشبه المودع.

مسألة ١٧٤ : إذا فسد الرهن وقبضه المرتهن ، لم يكن عليه ضمان ؛ لأنّه قبضه بحكم أنّه رهن ، وكلّ عقدٍ كان صحيحه غيرَ مضمون ففاسده كذلك ، وكلّ عقدٍ كان صحيحه مضموناً ففاسده مثله.

أمّا الأوّل : فلأنّ الصحيح إذا أوجب الضمان فالفاسد أولى باقتضائه.

وأمّا الثاني : فلأنّ مَنْ أثبت اليد عليه أثبته عن إذن المالك ، ولم يلتزم بالعقد ضماناً ، ولا يكاد يوجد التسليم والتسلّم إلاّ من معتقدي الصحّة.

إذا عرفت هذا ، فإن أعار المرهون من المرتهن لينتفع به ، ضمنه عند الشافعي ؛ لأنّ العارية مضمونة عنده (١) ، ولا يضمنه عندنا ولا عند أبي حنيفة (٢) ؛ لأنّ العارية غير مضمونة.

فإذا كان الرهن أرضاً وأذن الراهن له في الغراس بعد شهر ، فهي بعد الشهر عارية ، وقبله أمانة.

فإن غرس قبل الشهر ، قلع ؛ لأنّه مُتعدٍّ فيه وظالمٌ ، وقال عليه‌السلام : « ليس لعِرْقِ ظالمٍ حقٌّ » (٣).

ولو غرس بعده ، فقد غرسه بإذن الراهن ؛ لأنّه ملّكه إيّاه بعد انقضاء الشهر ، فكان مأذوناً له في التصرّف.

وإن كان البيع فاسداً فإن أراد المرتهن قلعه ونقله ، كان له ؛ لأنّه عين‌

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٠٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٣٦.

(٢) بدائع الصنائع ٦ : ١٥٦ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٠٨.

(٣) صحيح البخاري ٣ : ١٤٠ ، سنن أبي داوُد ٣ : ١٧٨ / ٣٠٧٣ ، سنن الترمذي ٣ : ٦٦٢ / ١٣٧٨ ، مسند أحمد ٦ : ٤٤٧ / ٢٢٢٧٢.

٢٥١

ماله. وإن امتنع من قلعه ، تخيّر الراهن بين أن يُقرّه في أرضه ، فتكون الأرض للراهن والغرس للمرتهن ، وبين أن يُعطيه ثمن الغراس ، فيكون الجميع للراهن ، وبين أن يطالبه بقلعه على أن يضمن له ما نقص [ من] (١) الغراس بالقلع ، قاله الشيخ (٢) رحمه‌الله.

وهو جيّد ، إلاّ في قوله : « إنّ له أن يُعطيه ثمن الغراس » فإنّ الأقوى عندي افتقاره إلى رضا المالك.

والبناء كالغرس.

مسألة ١٧٥ : الشروط المقترنة بعقد الرهن ضربان : صحيحة وفاسدة.

فالصحيحة ما كان من مقتضى عقد الرهن ، مثل أن يشترط كونه على يد المرتهن أو على يد عَدْلٍ عيّنه أو عدلين أو أكثر ، أو أن يبيعه العدل عند حلول الحقّ ، أو يشترط منافعه للراهن ، فهذه الشروط لا تؤثّر في العقد ؛ لأنّها تأكيد لما اقتضاه ، ولا نعلم في صحّة هذه الشروط خلافاً.

ولو شرط أن يبيعه المرتهن ، صحّ الشرط والرهن وبه قال أبو حنيفة ومالك وأحمد (٣) لأنّ ما جاز توكيل غير المرتهن فيه جاز توكيل المرتهن ، كبيع عينٍ اخرى.

وقال الشافعي : لا يصحّ ؛ لأنّه توكيل فيما يتنافى فيه الغرضان ، فلم يصحّ ، كما لو وكّله في بيعه من نفسه.

وبيان التنافي أنّ الراهن يريد الصبر على المبيع والاحتياط في توفير‌

__________________

(١) ما بين المعقوفين من المبسوط للطوسي.

(٢) المبسوط للطوسي ٢ : ٢٤٤.

(٣) حلية العلماء ٤ : ٤٣٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٠٠ ، المغني ٤ : ٤٦٤ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٥٦.

٢٥٢

الثمن ، والمرتهن يريد تعجيل الحقّ وإنجاز البيع (١).

ولا يضرّ اختلاف الغرضين إذا كان غرض المرتهن مستحقّاً له ، وهو استيفاء الثمن عند حلول الحقّ وإنجاز البيع على (٢) أنّ الراهن إذا وكّله مع العلم بغرضه ، فقد سمح له بذلك ، والحقّ له ، فلا يمنع من السماحة ، كما لو وكّل فاسقاً في بيع ماله وقَبْض ثمنه.

ونمنع عدم جواز توكيله في بيع شي‌ء من نفسه وإن سلّمنا فلأنّ الشخص الواحد يكون بائعاً مشترياً موجباً قابلاً قابضاً من نفسه ، بخلاف صورة النزاع.

ولو رهن أمته وشرط كونها عند امرأة أو ذي مَحْرمٍ لها أو كونها في يد المرتهن أو أجنبيّ على وجه لا يفضي إلى الخلوة بها مثل أن تكون لهما زوجات أو سراري ، أو محارم معها جاز ؛ لأنّه لا يفضي إلى محرَّم.

وإن لم يكن كذلك ، فسد الشرط ؛ لإفضائه إلى الخلوة المحرَّمة ، ولا يؤمن عليها. ولا يفسد الرهن ؛ لأنّه لا يعود إلى نقص ولا ضرر في حقّ المتعاقدين ، ويكون حكمه كما لو رهنها من غير شرط ، يصحّ الرهن ، وجعلها الحاكم على يد مَنْ يجوز أن تكون عنده.

وإن كان الرهن عبداً فشرط موضعه أو لم يشرط ، جاز.

ولو كان مرتهن العبد امرأةً لا زوج لها فشرطت كونه عندها على وجه يفضي إلى خلوته بها ، لم يجز الشرط ، وصحّ الرهن.

__________________

(١) المغني ٤ : ٤٦٤ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٥٦ ، حلية العلماء ٤ : ٤٣٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٠٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٢٨.

(٢) في « ج » : « وعلى ».

٢٥٣

وأمّا الشروط الفاسدة فهي (١) ما ينافي مقتضى عقد الرهن ، مثل أن يشترط أن لا يسلّمه إليه على إشكال ، أو لا يبيعه عند محلّ الحقّ ، أو لا يبيعه إلاّ بما يرضى به الراهن أو بما يرضى به رجلٌ آخَر ، أو تكون المنافع للمرتهن ، أو لا يستوفى الدَّيْن من ثمنه ، فإنّها شروط نافت مقتضى العقد ففسدت.

وكذا إن شرط الخيار للراهن على إشكال ، أو أن لا يكون العقد لازماً في [ حقّه ] (٢) أو توقيت الرهن ، أو يكون رهناً يوماً ، ويوماً لا يكون رهناً ، أو يكون مضموناً على المرتهن أو على العدل.

وهل يفسد الرهن به؟ قال الشيخ رحمه‌الله : لا يفسد به الرهن ؛ لأصالة صحّة العقد (٣).

وقال الشافعي : إن اقتضى الشرط نقصاناً من حقّ المرتهن ، بطل عقد الرهن قولاً واحداً ، وإن كان زيادةً في حقّ المرتهن ، فقولان :

أحدهما : يفسد ؛ لأنّ هذا شرط فاسد فأفسد ، كما لو كان نقصاناً من حقّ المرتهن (٤).

وهو الوجه عندي في كلّ شرطٍ فاسدٍ اقترن بعقدٍ ، فإنّه يفسده ؛ لأنّ العاقد إنّما بذل ملكه بهذا الشرط ، فإذا لم يسلم له لم يصحّ العقد ؛ لعدم الرضا به بدونه.

والثاني : لا يفسده ؛ لأنّ الرهن قد تمّ ، وإنّما شرط له زيادة

__________________

(١) في « ج » والطبعة الحجريّة : « فهو » بدل « فهي » والظاهر ما أثبتناه.

(٢) بدل ما بين المعقوفين في « ج » والطبعة الحجريّة : « صفة ». وهي غلط. والصحيح ما أُثبت.

(٣) الخلاف ٣ : ٢٥٣ ، المسألة ٦١.

(٤) المهذّب للشيرازي ١ : ٣١٧ ، المغني ٤ : ٤٦٥ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٥٧.

٢٥٤

لا‌ يقتضيها ، فسقطت الزيادة ، وبقي عقد الرهن ، بخلاف ما إذا كان نقصاناً من حقّ المرتهن ؛ لأنّ الرهن لم يتمّ (١).

فإن قلنا : إنّ العقد فاسد ، فهل يفسد به البيع إذا شُرط فيه؟ للشافعي قولان :

أحدهما : يفسد وبه قال أبو حنيفة ، وهو الأقوى عندي لأنّ الشرط الفاسد إذا اقترن بالعقد أفسده ، لأنّ سقوطه يقتضي ردّ جزء من الثمن ترك لأجله ، وذلك مجهول.

والثاني : لا يفسد البيع ؛ لأنّ الرهن يقع منفرداً عن البيع ، فلا يفسد بفساده ، كالصداق مع النكاح (٢).

وقال أبو حنيفة : لا يفسد الرهن بالشروط الفاسدة ؛ لأنّه عقد يفتقر إلى القبض ، فلا يبطل بالشرط الفاسد ، كالهبة ؛ فإنّ العُمْرى يشترط فيها رجوع الموهوب إليه ، ولا يفسدها (٣) (٤).

مسألة ١٧٦ : لو رهن وشرط المرتهن أنّه متى حلّ الحقّ ولم يوفه الراهن فالرهن له بالدَّيْن ، أو : فهو مبيع له بالدَّيْن ، فهو شرط فاسد بلا خلافٍ ، لقوله عليه‌السلام : « لا يغلق الرهن » (٥).

__________________

(١) المهذّب للشيرازي ١ : ٣١٧ ، المغني ٤ : ٤٦٥ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٥٧.

(٢) المهذّب للشيرازي ١ : ٣١٧ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٦٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٠١ ، المغني ٤ : ٤٦٤ ، وتقدّم التفصيل المزبور أيضاً في ص ٩٦ ٩٧ ، ضمن المسألة ٨٩.

(٣) في « ج » والطبعة الحجريّة : « ولا يفسده ». والظاهر ما أثبتناه.

(٤) راجع المغني ٤ : ٤٦٥ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٥٧ ، وتقدّم القول المزبور أيضاً في ص ٩٧ ، ضمن المسألة ٨٩.

(٥) سنن ابن ماجة ٢ : ٨١٦ / ٢٤٤١ ، سنن البيهقي ٦ : ٤٤ ، شرح معاني الآثار ٤ : ١٠٠ ١٠١ الكامل لابن عدي ٧ : ٢٤٩٩.

٢٥٥

قال أحمد : معناه : لا يدفع رهناً إلى رجل ويقول : إن جئتك بالدراهم إلى كذا وكذا ، وإلاّ فالرهن لك (١).

ولأنّه علّق البيع على شرط ، فإنّه جَعَله مبيعاً بشرط أن لا يوفيه الحقّ في محلّه ، والبيع المعلّق بشرطٍ لا يصحّ ، وإذا شرط هذا الشرط ، فسد الرهن ؛ لما تقدّم في سائر الشروط الفاسدة.

وقال بعض العامّة : لا يفسد الرهن ؛ لقوله عليه‌السلام : « لا يغلق الرهن » (٢) فنفى غلقه دون أصله ، فدلّ على صحّته. ولأنّ الراهن قد رضي برهنه مع هذا الشرط ، فمع بطلانه أولى أن يرضى به (٣).

ولو قال : رهنتك هذا على أن تزيدني في الأجل ، بطل ، لأنّ الأجل لا يثبت في الدَّيْن إلاّ أن يكون مشروطاً في عقدٍ وجب [ به ] (٤) فإذا لم يثبت الأجل لم يصّح الرهن ؛ لأنّه جعله في مقابلته.

مسألة ١٧٧ : قد بيّنّا أنّه إذا شرط في عقد الرهن أنّه إذا حلّ الأجل فهو مبيع ، أو على أن يكون مبيعاً منه بعد شهر ، فالرهن والبيع باطلان.

أمّا الرهن : فلكونه مؤقّتاً.

وأمّا البيع : فلكونه مشروطاً ، ويكون المال أمانةً في يده قبل دخول وقت البيع ، وبعده يكون مضموناً ؛ لأنّ البيع عقد ضمان.

وقال بعض الشافعيّة : إنّما يصير مضموناً إذا أمسكه عن جهة البيع ،

__________________

(١) المغني ٤ : ٤٦٦ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٥٧ ٤٥٨.

(٢) تقدّم تخريجه في ص ١٦٠ ، الهامش (٦).

(٣) المغني ٤ : ٤٦٦ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٥٨.

(٤) ما بين المعقوفين يقتضيه السياق.

٢٥٦

أمّا إذا أمسكه على موجَب الدَّيْن فلا (١).

والمشهور عندهم : الأوّل (٢).

فلو غرس أو بنى قبل دخول وقت البيع ، قلع مجّاناً. وكذا لو غرس بعده وهو عالم بفساد البيع.

وإن كان جاهلاً ، لم يقلع مجّاناً ؛ لوقوعه بإذن المالك ، وجهله بعدم الجواز ، فيكون الحكم كما لو غرس المستعير ورجع المعير.

مسألة ١٧٨ : لو ادّعى المرتهن تلف الرهن في يده ، قُبل قوله مع اليمين وبه قال الشافعي (٣) لأنّه قد يتعذّر عليه إقامة البيّنة. ولأنّه أمين.

وقال مالك : إن خفي هلاكه ، لم يُقبل (٤).

ولو ادّعى ردّه إلى الراهن ، فالقول قول الراهن مع يمينه ، ولا يُقبل قول المرتهن إلاّ ببيّنة ؛ لأنّه منكر ، فعليه اليمين ، وبه قال بعض الشافعيّة ؛ لأنّه أخذه لمنفعة نفسه ، فأشبه المستعير ، بخلاف دعوى التلف ؛ لأنّه لا يتعلّق بالاختيار ، فلا تُساعد فيه البيّنة (٥).

قالوا : وكذا الحكم في المستأجر إذا ادّعى الردّ (٦).

ويُقبل قول المودع والوكيل بغير جُعْل من اليمين ؛ لأنّهما أخذا المال لتحقّق غرض المالك وقد ائتمنهما.

وأمّا الوكيل بجُعْلٍ والمضارب والأجير المشترك إذا لم نضمّنه ، للشافعيّة فيهم وجهان :

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٠٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٣٦.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٠٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٣٦.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٠٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٣٧ ، المغني ٤ : ٤٧٩ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٤٥.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٠٩.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٠٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٣٧.

(٦) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٠٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٣٧.

٢٥٧

أحدهما : أنّهم مطالَبون بالبيّنة ؛ لأنّهم أخذوا لغرض أنفسهم في الأُجرة والربح.

وأصحّهما عندهم : أنّه يُقبل قولهم مع اليمين ؛ لأنّهم أخذوا العين لمنفعة المالك ، وانتفاعهم بالعمل [ في العين ] (١) لا بالعين ، بخلاف المرتهن والمستأجر (٢).

والأولى عندي : الأوّل

وقال بعضهم : كلّ أمينٍ مصدَّقٌ في دعوى الردّ ، كالمودع ، ولا عبرة لمنفعته في الأخذ ، كما لا عبرة [ بها ] (٣) في وجوب الضمان عند التلف ، بخلاف المستعير والمستام (٤).

مسألة ١٧٩ : لو رهن الغاصب العينَ من إنسان فتلف في يد المرتهن ، فللمالك تضمين الغاصب ، وبه قال الشافعي (٥).

وهل له أن يطالب المرتهن؟ الحقّ عندنا : نعم ؛ لأنّ يده متفرّعة على يد الغاصب ، والمالك لم يأتمنه ، وقال عليه‌السلام : « على اليد ما أخذت حتى تؤدّي » (٦) وهو أصحّ وجهي الشافعيّة. والثاني : المنع ؛ لأنّ يده يد أمانة (٧). وهو ممنوع.

__________________

(١) بدل ما بين المعقوفين في « ج » : « بالغير » كما هو الظاهر في الطبعة الحجريّة. وذلك تصحيف ، وما أثبتناه هو الموافق لما في المصدر.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٠٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٣٧.

(٣) ما بين المعقوفين من « العزيز شرح الوجيز ».

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٠٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٣٧.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥١٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٣٧.

(٦) سنن ابن ماجة ٢ : ٨٠٢ / ٢٤٠٠ ، سنن أبي داوُد ٣ : ٢٩٦ / ٣٥٦١ ، سنن الترمذي ٣ : ٥٦٦ / ١٢٦٦ ، المستدرك للحاكم ٢ : ٤٧.

(٧) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥١٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٣٧.

٢٥٨

وعلى ما اخترناه لو رجع المالك على الغاصب ، كان للغاصب الرجوع على المرتهن مع علمه. وإن رجع على المرتهن ، كان له الرجوع على الغاصب مع جهله ؛ لأنّه غرّة ، وعدمه مع علمه ؛ لأنّه تلف في يده مع عدوانه.

وللشافعيّة وجهان :

أحدهما : أنّ الضمان يستقرّ على المرتهن ؛ لحصول التلف عنده ، ونزول التلف منزلة الإتلاف في المغصوبات.

وأظهرهما عندهم : أنّه يرجع ؛ لتغرير إيّاه ، وعدم التعدّي منه (١).

وكذا البحث في المستأجر من الغاصب والمستودع منه والمضارب والذي دفع المغصوب إليه ووكّله ببيعه.

وكلّ ذلك فيما إذا جهلوا كونه مغصوباً ، فإن علموا ، فهُمْ غاصبون أيضاً.

والمستعير منه مع التضمين ومطلقاً عند الشافعي (٢) والمستام يطالَبان ، ويستقرّ عليهما الضمان ؛ لأنّ يد كلّ واحدٍ منهما يد ضمان.

فروع :

أ ـ لو رهن بشرط أن يكون مضموناً على المرتهن ، فسد الرهن والشرط ؛ لما بيّنّا من فساد العقد بفساد الشرط ، ثمّ لا يكون مضموناً عليه.

ب ـ لو قال : خُذْ هذا الكيس واستوف حقّك منه ، فهو أمانة في يده

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥١٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٣٧.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥١٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٣٧.

٢٥٩

قبل أن يستوفي حقّه منه ، فإذا استوفاه منه ، كان مضموناً عليه. ولو فضل منه فضلة ، فالأقرب : أنّها أمانة.

ولو قال : وفيه دراهم خُذْه (١) بدراهمك ، وكانت الدراهم التي فيه مجهولةَ القدر ، أو كانت أكثر من دراهمه ، لم يملكه ، ودخل في ضمانه بحكم الشراء الفاسد. وإن كانت معلومةً وبقدر حقّه ، ملَكه.

ج ـ لو قال : خُذْ هذا العبد بحقّك ، ولم يكن سَلَماً فقَبِل ، ملَكه. وإن لم يقبل وأخذه ، دخل في ضمانه بحكم الشراء الفاسد.

مسألة ١٨٠ : إذا احتاج الرهن إلى مئونة يبقى بها الرهن كنفقة العبد وكسوته وعلف الدابّة كانت على الراهن ؛ لما رواه العامّة عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : « الرهن من راهنه ، له غُنْمه ، وعليه غُرْمه » (٢).

قوله عليه‌السلام : « من راهنه » أي : من ضمان راهنه.

ومن طريق الخاصّة : قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « الظهر يُركب إذا كان مرهوناً ، وعلى الذي يركبه نفقته ، والدَّرُّ يُشرب إذا كان مرهوناً ، وعلى الذي يشرب نفقته » (٣).

وقد قلنا : إنّ المرتهن ممنوع من التصرّف ، وإنّ المنافع للراهن ، فتكون نفقته عليه.

وفي معناه سقي الأشجار ومئونة الجذاذ وتجفيف الأثمار وأُجرة‌ الإصطبل والبيت الذي يُحفظ فيه المتاع المرهون إذا لم يتبرّع به المرتهن أو

__________________

(١) في « ج » والطبعة الحجريّة : « خذ ». والظاهر ما أثبتناه.

(٢) نصّه في المغني ٤ : ٤٦٨ ، ونحوه في سنن الدارقطني ٣ : ٣٣ / ١٢٣ ، وسنن البيهقي ٦ : ٣٩ ، والتهذيب لابن عبد البر ٦ : ٤٢٦ ، و ٤٣٠.

(٣) الفقيه ٣ : ١٩٥ / ٨٨٦ ، التهذيب ٧ : ١٧ ١٧٦ / ٧٧٥.

٢٦٠