تذكرة الفقهاء - ج ١٣

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

تذكرة الفقهاء - ج ١٣

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-389-6
الصفحات: ٤٢١

ولأنّ الشافعي قال في الأُمّ : « ولو دبّره ثمّ رهنه ، كان الرهن مفسوخاً ، ولو قال : رجعت عن التدبير ثمّ رهنه ، ففيها قولان » (١). وهذا نص في أنّه‌ قبل أن يرجع فيه لا يصحّ الرهن قولاً واحداً.

قال هذا القائل : وإنّما كان كذلك لأنّ الرهن ليس بصريح في الرجوع عن التدبير ، فلم يكن رجوعاً ، ويفارق سائر الوصايا حيث كان الرهن رجوعاً عنها ؛ لأنّ التدبير وإن قلنا : إنّه وصيّة فإنّه آكد وأقوى منها ؛ لأنّه عتق يتنجّز بالموت ، وقد يكون بعض الوصايا آكد من بعض ، فيقدّم بعضها على بعض.

ومنهم مَنْ قال : يصحّ الرهن ، ويكون التدبير بحاله ؛ لأنّ الشافعي قال : ما جاز بيعه جاز رهنه (٢) ، والمدبَّر يجوز بيعه. ولأنّ التدبير لا ينافي الوثيقة ؛ لأنّه لا يمنع من البيع عند محلّ الحقّ.

قال : وقول الشافعي : « يكون الرهن مفسوخاً » أراد به إذا امتنع الراهن من بيعه والرجوع في التدبير ، فإنّه يحكم بانفساخ الرهن.

وبيان ذلك : أنّ على هذه الطريقة يكون رهناً براً ، فإن قضاه الراهن من غيره ، كان العبد مدبَّراً. وإن باعه في الدَّيْن ، بطل التدبير.

وإن امتنع من بيعه ومن الرجوع في التدبير ، فإن كان له مالٌ غيره ، قضي الدَّيْن منه ، وأُجبر عليه.

وإن لم يكن له مالٌ ، قال أبو إسحاق من الشافعيّة : فيه وجهان :

أحدهما : يُباع عليه ، وينفسخ التدبير.

__________________

(١) الامّ ٣ : ١٥٨.

(١) الأُمّ ٣ : ١٤٩ ، مختصر المزني : ٩٣ ، الحاوي الكبير ٦ : ١١.

١٦١

والثاني : يُحكم بفساد الرهن (١).

وهذا الوجه الذي تأوّل به صاحب هذه الطريقة كلامَ الشافعي وهو‌

قوله : « وكان الرهن مفسوخاً » وحَمَله عليه ليس (٢) بصحيح ؛ لأنّه إذا صحّح رهنه ، لم يجز أن يحكم بفساده بامتناع الراهن عن بيعه ، بل يجب بيعه بحكم الرهن ولزومه.

والطريقة الأوّلة أصحّ في القياس ؛ لأنّ في كون التدبير وصيّةً أو تعليقَ عتقٍ بصفة قولين معروفين ، وقضيّة كونه وصيّةً صحّة الرهن.

والثانية ظاهر كلامه ؛ لأنّ كلامه في الأُمّ كالصريح في القطع بالمنع ؛ لأنّه قال : « ولو دبّره ثمّ رهنه ، كان الرهن مفسوخاً ، ولو قال : رجعت عن التدبير ، ثمّ رهنه فقولان » (٣) فخصّ القولين بما بعد الرجوع.

والثالثة مخالفة لقوله وللقياس (٤).

والمزني اختار أنّ الرهن يصحّ ، ويبطل التدبير كما ذهبنا نحن إليه لأنّ التدبير عنده وصيّة كما قلناه وقد ثبت أنّه لو أوصى بعبده ثمّ رهنه ، بطلت الوصيّة ، وأنّ الشافعي قال : « لو دبَّر عبده ثمّ قال له : إن أعطيت ورثتي كذا بعد موتي فأنت حُرٌّ ، كان رجوعاً في التدبير ».

قال : ولأنّ الشافعي قال : « لو دبَّر عبده ثمّ وهبه هبة بتاتٍ ، بطل التدبير ، أقبضه في التدبير أو لم يقضه » والرهن كالهبة قبل القبض (٥).

والجواب : أنّ الذين قالوا : إنّه يصحّ الرهن على القول الذي يقول :

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٤٨.

(٢) في الطبعة الحجريّة و « ج » : « وليس .. ». والصحيح ما أثبتناه.

(٣) الأُم ٣ : ١٥٨.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٤٩.

(٥) مختصر المزني : ٩٦ ، الحاوي الكبير ٦ : ١٠٦ ، وانظر أيضاً : الأُمّ ٨ : ١٨.

١٦٢

إنّه وصيّة لا يلزمهم ذلك ، ويحملون كلام الشافعي الذي حكاه في العتق على أنّه على هذا القول قاله.

ومَنْ قال : لا يصحّ الرهن على القولين فقد ذكرنا فرقة بين التدبير وسائر الوصايا.

فأمّا ما حكاه من مسألة الهبة فمن أصحابنا مَنْ يقول : إذا قلنا : التدبير وصيّة ، صحّت الهبة ، وكان رجوعاً عن التدبير. وإذا قلنا : إنّه [ تعليق ] (١) عتق بصفة ، لم يكن ذلك مبطلاً للتدبير.

ومنهم مَنْ قال : يكون مبطلاً للتدبير على القولين ؛ لأنّ الهبة تنقل الملك إذا انضمّ إليها القبض ، فكانت أقوى من الرهن ؛ لأنّه لا يفضي عنده إلى إزالة الملك ، فافترقا (٢).

واعلم أنّ عامّة الشافعيّة مالوا إلى ترجيح بطلان الرهن ؛ لأنّ العتق مستحقّ بالتدبير ، فلا يقوى الرهن على دفعه. والجويني اختار الصحّة ، أمّا على قول إنّه وصيّة : فظاهر. وأمّا على قوله إنّه تعليق عتقٍ بصفة : فلأنّه مع ذلك محسوب من الثلث ، بخلاف العتق المعلّق (٣) النازل في حياة المعلِّق ، والدَّيْن محسوب من رأس المال ، ولو مات يخلّف إلاّ هذا العبد والدَّيْن مستغرق ولا رهن ، لصرفناه إلى الدَّيْن ، ولم نبال باندفاع العتق ، فلا معنى لمنعه من الرهن لغرض العتق (٤).

مسألة ١٢٩ : لو رهن عبده ثمّ دبَّره ، قال الشيخ ; : يبطل التدبير ؛ لأنّه

__________________

(١) ما بين المعقوفين أضفناه لأجل السياق.

(٢) راجع : الحاوي الكبير ٦ : ١٠٦ ١٠٧.

(٣) في الطبعة الحجريّة و « ج » : « المطلق » بدل « المعلّق ». وما أثبتناه من المصدر.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٤٩.

١٦٣

ليس له التصرّف فيه (١).

والوجه : أن يقال : يقع موقوفاً ، فإن أجاز المرتهن ، صحّ التدبير ، ويكون حكمه أنّه لو مات المالك قبل الرجوع في التدبير ، عُتق من الثلث. ولو قصر الثلث أو لم يكن سواه ، بيع إمّا كلّه ، أو ما يقوم بباقي الدَّيْن ، أو جميعه ، ويبطل التدبير ، كما لو لم يكن رهناً.

ولو لم يجز المرتهن ، احتُمل بطلان التدبير ، وعدمُه ؛ لأنّه تصرّف في الرهن وقد مُنع المتراهنان من التصرّف في الرهن ، وكون هذا التصرّف غير مضرّ بالمرتهن ، فإنّ للمرتهن أن يبيعه في الدَّيْن ، وحينئذٍ يبطل التدبير. ولو لم يبعه وطلب الدَّيْن من باقي التركة ، كان له ذلك ، فإن وفت التركة بالدَّيْن ، قضي منها ، وعُتق المدبَّر من الثلث ، ولا يُجبر المرتهن على ذلك.

وهذا كله إذا كان الرهن قد اقترن به الإقباض أو لم يقترن به وقلنا : إنّ الرهن يلزم من عدم الإقباض ، وأمّا إن شرطنا في لزومه الإقباض فدبَّره قبل الإقباض ، بطل الرهن ؛ لأنّه جائز ، وإذا تصرّف تصرّفاً يخالفه ، بطل.

ويُحتمل الصحّة.

وقال الشافعي في الأُمّ : لو رهنه ولم يقبضه ثمّ دبَّره أو باعه أو أصدقه أو وهبه ، بطل الرهن (٢).

قال الربيع من أصحابه : وفيه قولٌ آخَر : إنّ التدبير يصحّ ، والرهن بحاله (٣).

وقال باقي الشافعيّة : إنّ قول الربيع من نفسه ، وليس فيها إلاّ قولاً

__________________

(١) الخلاف ٣ : ٣٣٩ ، المسألة ٣٣.

(٢) الامّ ٣ : ١٣٩ ، وانظر : حلية العلماء ٤ : ٤١٣ ، والتهذيب للبغوي ٤ : ١٥.

(٣) الامّ ٣ : ١٣٩ ، حلية العلماء ٤ : ٤١٤ ، التهذيب للبغوي ٤ : ١٥.

١٦٤

واحداً (١).

وأمّا إن كان بعد الإقباض ، قال الشافعي في الأُمّ : يكون التدبير موقوفاً (٢) ، يريد به أنّ التدبير يصحّ ؛ لأنّ الرهن لا ينافيه.

ثمّ يُنظر فإن انفكّ من الدَّيْن قبل موت سيّده ، فهو مدبَّر.

وإن حلّ الحقّ فإن قضاه الراهن من غيره ، كان مدبَّراً. وإن باعه في الدَّيْن ، بطل التدبير. امتنع من بيعه ومن الرجوع إلى التدبير فإن كان له مال ، قضي منه ، وإلاّ بِيع عليه.

وإن مات قبل حلول الحقّ ، فقد حلّ الحقّ بالموت ، ووجب العتق من الثلث.

ثمّ يُنظر فإن خلّف تركةً تفي بالدَّيْن منها ، وعُتق المدبَّر من الثلث. وإن لم يكن غيره ، فإن كان الدَّيْن يستغرق قيمته ، بِيع فيه. وإن كان له بقدر بعضه ، بِيع بقدر الدَّيْن ، وكان عتق الباقي وصيّةً يقف على إجازة الورثة فإن لم يجيزوا ، عُتق ثلث الباقي.

وقال بعض الشافعيّة : عندي أنّ تدبير المرهون يبنى على القولين في عتقه ؛ لأنّ التدبير سبب من أسباب العتق (٣).

واستبعده بعضهم ؛ لأنّ نصّ الشافعي بخلافه. ولأنّ العتق يُبطل حقّ المرتهن من غير الرهن ؛ لأنّه يمنع من بيعه ، والتدبير لا يمنع البيع ، فلا يبطل حقّ المرتهن ، فاختلفا (٤).

واعلم أنّ بين القول ببطلان الرهن لو وقع التدبير قبل الإقباض ؛

__________________

(١) حلية العلماء ٤ : ٤١٤ ، التهذيب للبغوي ٤ : ١٥.

(٢) الامّ ٣ : ١٥٨ ، وانظر : حلية العلماء ٤ : ٤٢٠.

(٣) لم نعثر عليه فيما بين أيدينا من المصادر.

(٤) لم نعثر عليه فيما بين أيدينا من المصادر.

١٦٥

للتنافي بينهما ، وبين صحّته لو كان بعد الإقباض ؛ لعدم التنافي بينهما لا يخلو من مناقضةٍ ما. وباقي كلام الشافعي موافق لمذهبنا.

مسألة ١٣٠ : لا يصحّ تعليق العتق بالوصف عند علمائنا أجمع على ما يأتي إن شاء الله تعالى ، فلو قال لعبده : إن دخلت الدار فأنت حُرٌّ ، لم يصح‌عندنا ، خلافاً للعامّة ، فإنّهم قالوا بصحّته (١).

فعلى قولنا لو علّق العتق على الصفة ثمّ رهنه ، صحّ الرهن عندنا ، سواء وُجدت الصفة أو لم توجد ؛ لبطلان العتق.

وقالت الشافعيّة : رهن المعلّق عتقُه بصفةٍ تصوُّه (٢) على وجوه :

أحدهما : أن يرهن بدَيْنٍ حالّ أو مؤجَّل يتيقّن حلوله قبل وجود الصفة ، مثل أن يقول : إذا جاء رأس الشهر فأنت حُرٌّ ، ثمّ يرهنه بحقٍّ حالّ ، أو يحلّ قبل ذلك ، فإنّ الرهن صحيح قولاً واحداً ؛ لأنّ بيعه ممكن عند محلّ الحقّ ، ويُباع في الدَّيْن.

فإن لم يتّفق بيعه حتى وُجدت الصفة ، فيبنى على القولين في أنّ [ أمر ] (٣) الاعتبار في العتق المعلّق بحالة التعليق أو بحالة وجود الصفة؟ فإن قلنا بالأوّل ، عُتق ، وللمرتهن فسخ البيع المشروط فيه الرهن إن كان جاهلاً. وإن قلنا بالثاني ، فهو كإعتاق المرهون ، وسيأتي.

والثاني : أن يرهن بدَيْن مؤجَّل يتيقّن وجود الصفة قبل حلوله ، مثل أن يعلّق عتقه بشهر ومحلّ الدَّيْن بعد ذلك ، فإنّ الرهن فاسد قولاً واحداً.

__________________

(١) المغني ١٢ : ٢٩٣ ، الشرح الكبير ١٢ : ٢٧١.

(٢) بدل « تصوّره » في الطبعة الحجريّة : « يصدر ». وفي « ج » : « تصوّر ». وما أثبتناه من « العزيز شرح الوجيز ».

(٣) ما بين المعقوفين من « العزيز شرح الوجيز ».

١٦٦

ومن الشافعيّة مَنْ خرّج منه قولاً آخَر من قول الشافعي في الثمرة والطعام إذا رهنه إلى محلٍّ يفسد قبله.

وقال غيره : هذا ليس بصحيح ؛ لأنّ الطعام ؛ لأنّ الطعام الرطب الظاهر من جهة الراهن بيعه إذا خشي تلفه ، وجعل ثمنه رهناً ، وهنا له غرض في‌ حصول العتق ، فافترقا.

وقال بعض الشافعيّة : فيه طريقان ، أحدهما : أنّه على القولين في رهن ما يتسارع إليه الفساد ، فعلى قولٍ يُباع إذا قرب أوان وجود الصفة ، ويُجعل ثمنه رهناً.

قال الجويني : هذا إنّما ينتظم إذا قلنا بنفوذ العتق المعلّق قبل الرهن عند وجود الصفة حالة الرهن ، أمّا إذا لم نقل بذلك ، فلا يخاف تسارع الفساد إليه وفوات الوثيقة ، فيوجّه الخلاف بشي‌ءٍ آخر ، وهو : أنّ الرهن هل يصلح دافعاً (١) للعتق المستحقّ بالتعليق؟ فتارة : نقول : نعم كالبيع ، وأُخرى نقول : لا ؛ لضعفه.

والطريق الثاني وهو المشهور ـ : القطع بالمنع ؛ لفوات مقصود الرهن قبل المحلّ ، وليس ذلك كرهن ما يتسارع إليه الفساد ؛ لأنّ الظاهر من حال صاحب الطعام الرضا بالبيع عند خوف الفساد لئلاّ يضيع ، فالظاهر من حال المعلّق أيضاً العتق (٢) ، وقد تقدّم.

والثالث : أن يجوز تقدّم الصفة على حلول الدَّيْن وبالعكس ، ولا يتيقّن أحد الأمرين ، مثل أن يقول : إذا قام زيد فأنت حُرٌّ ، أو : إذا دخلت الدار ، أو كلّمت فلاناً.

__________________

(١) في الطبعة الحجريّة و « ج » : « رافعاً ». والظاهر ما أثبتناه من « العزيز شرح الوجيز ».

(٢) كذا ، وفي « العزيز شرح الوجيز » : « والظاهر من حال المعلّق إمضاء العتق ».

١٦٧

قال أبو علي من الشافعيّة : لا يجوز قولاً واحداً ؛ لأنّه عقد الرهن على غرر.

وقال أبو حامد : في ذلك قولان.

قال القاضي أبو الطيّب : إنّ القول الآخر مخرَّج من صحّة رهن المدبَّر‌ إذا قلنا : إنّ التدبير [ تعليق ] (١) عتق بصفة.

قال : وليس بصحيح ؛ لأنّ المدبَّر يُعتق بموت السيّد ، والظاهر بقاء الحياة ، كما صحّ رهن الحيوان وإن جاز أن يموت ، وهنا ليس لوجود الصفة قبل المحلّ أو بعده ظاهرٌ ، فهو غرر لا حاجة إليه (٢).

وقال أبو حنيفة : إنّ الرهن صحيح ؛ لأنّ ما جاز بيعه رهنه إذا كان محرزاً ، كسائر الأعيان. ولأنّ الأصل استمرار الرقّ (٣).

مسألة ١٣١ : قد عرفت أنّ مذهبنا بطلان العتق المعلَّق على الوصف ، أمّا لو نذر عتقه ، فإنّه يصحّ إجماعاً ، سواء علّقه على وقت أو وصف ، مثل أن يقول : لله علَيَّ أن أُعتق عبدي هذا إن جاء ، أو : إذا دخل الشهر ، أو أطلقه ، مثل أن يقول : لله علَيَّ أن أُعتق هذا العبد ، أو قيّده (٤) بالتعجيل ، مثل أن يقول : لله علَيَّ أن أُعتق هذا العبد الآن.

وعلى كلّ واحدٍ من هذه التقادير الثلاثة فإنّ ملكه لا يخرج عنه بهذا النذر ، بل بنفس الإعتاق. فحينئذٍ نقول : إن أطلق النذر ، تعلّق بذمّته مقتضاه ، ووجب عليه العتق.

__________________

(١) ما بين المعقوفين من « العزيز شرح الوجيز ».

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٤٩ ٤٥٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٩١.

(٣) المغني ٤ : ٤٠٩ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٠٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٣٠.

(٤) في النسخ الخطية والحجرية : « قيّد ». والظاهر ما أثبتناه.

١٦٨

وهل يجب في الحال؟ الأقرب : المنع ، بل الأقرب : أن يكون وقته العمر ، كالواجبات الموسّعة.

وإن قلنا : إنّ الأمر للفور ، وجب عتقه معجّلاً ، فيكون حكمه حكم المعلَّق بالتعجيل.

وحكم القول الأقوى حكم النذر المعلّق بالأجل أو الوصف ، إلاّ في شي‌ء واحد ، هو أنّ [ في ] (١) المطلق يتعلّق وجوب العتق بذمّة الناذر في الحال الوجوبَ الموسَّع ، وفي المقيّد لا يجب.

فلو مات العبد في النذر المطلق أو المقيّد بالتعجيل قبل عتقه ، فإن كان الناذر قد تمكّن من عتقه بعد النذر ، وجب عليه الكفّارة لخلف النذر ، وإن لم يتمكّن ، لم يجب عليه شي‌ء.

ولو مات (٢) في النذر المقيّد قبل حصول الوصف أو الوقت ، لم يجب عليه شي‌ء ، سواء قلنا : إنّه يجزئه عتقه قبل الوقت أو لا ؛ لأنّ الوجوب يُقيّد بوقتٍ أو وصفٍ ولم يحصل القيد.

ولو قتله مولاه قبل عتقه ، فالأقرب : وجوب الكفّارة في الأقسام الثلاثة.

أمّا في المطلق والمعجّل : فظاهر.

وأمّا في المقيّد بالأجل : فلأنّه فوّت محلّ العتق ، فكانت مخالفة النذر بسببه اختياراً.

وإذ قد تمهّدت هذه المسائل ، فنقول : إن كان النذر مطلقاً أو مقيّداً بالتعجيل ، لم يجز له رهنه ؛ لوجوب تعلّق حقّ العتق به ، ووجوب إخراجه

__________________

(١) ما بين المعقوفين أثبتناه لأجل السياق.

(٢) في « ج » : « ولو مات العبد ».

١٦٩

عن ملكه ، فينافي جواز رهنه الذي يقتضي وجوب إبقائه في دَيْن المرتهن محفوظاً عليه حتى يستوفي منه أو من غيره.

وإن كان مقيّداً بالوقت أو الوصف ، فالأقرب : جواز رهنه.

وهل يُباع لو حلّ الدَّيْن قبل الوصف؟ الأولى : المنع ؛ لأنّه وإن‌لم يخرج عن ملكه بالنذر إلاّ أنّه تعلّق به حقٌّ لله تعالى ، وبيعه مبطل لذلك الحقّ.

مسألة ١٣٢ : لا يصحّ رهن المكاتَب ، عند علمائنا ، سواء كانت الكتابة مشروطةً أو مطلقةً ؛ لأنّها عقد لازم لا يمكن استيفاء الدَّيْن منه ، لأنّه لا يصحّ بيعه ، وبه قال الشافعي وابن المنذر ؛ لأنّ استدامة القبض في الرهن شرط ولا يمكن ذلك في المكاتب (١).

وقال مالك : يصحّ رهنه ؛ لأنّه يجوز بيعه وإيفاء الدَّيْن منه ، فعلى هذا يكون ما يؤدّيه في نجوم كتابته رهناً معه ، فإن عجز ، ثبت الرهن فيه وفي مال الكتابة ، وإن عُتق ، كان ما أدّاه من نجومه رهناً بمنزلة ما لو تكسّب العبد القنّ ثمّ مات (٢).

والحقّ ما قلناه.

نعم ، لو كانت الكتابة مشروطةً وعجز ، فإنّه يصحّ رهنه ؛ لأنّ للمالك حينئذٍ فسخَ الكتابة ، وقد يكون الرهن فسخاً لها ، والأقرب ذلك.

مسألة ١٣٣ : إذا رهن الثمرة على الشجرة منضمّةً مع أُصولها ، صحّ

__________________

(١) التهذيب للبغوي ٤ : ٢٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٤١ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٨٤ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٢٩٥ / ٢٠١٢ ، المغني ٤ : ٤٠٩ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٠٠ ٤٠١.

(٢) المغني ٤ : ٤٠٩ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٠١.

١٧٠

عندنا ، سواء كان يمكن تجفيفها أو لا ، وسواء بدا صلاحها أو لا ، وسواء كان الدَّيْن حالاّ أو مؤجَّلاً ؛ لأنّ الثمرة يصحّ بيعها مطلقاً على ما تقدّم (١) في باب البيع فصحّ رهنها كذلك ، خصوصاً وقد انضمّت إلى أُصولها.

وكذا لو رهنها منفردةً عن أُصولها ؛ لما تقدّم.

وقالت الشافعيّة : إن رهنها منضمةً مع الأُصول ، فإن كانت الثمرة ممّا يمكن تجفيفها ، صحّ الرهن ، سواء بدا صلاحها أو لا ، وسواء كان الدَّيْنُ حالاّ أو مؤجَّلاً.

وإن كانت ممّا لا يمكن تجفيفها وقلنا بالمنع من صحّة رهن ما يتسارع إليه الفساد ، فطريقان :

أشبههما عندهم : أنّه لا يصحّ في الثمار ، وفي الأشجار قولا تفريق الصفقة.

والثاني : يصحّ فيهما (٢) قولاً واحداً ، وتكون الثمار تابعةً للأشجار.

وإن رهنها منفردةً عن الأُصول ، فإن كانت (٣) ممّا لا يمكن تجفيفها ، فهو كرهن ما يتسارع إليه الفساد على وجه الأرض إن كان الدَّيْن (٤) حالاّ ، أو كانت لا تفسد إلى حلوله ، صحّ الرهن.

وإن أمكن تجفيفها ، فإمّا أن يرهن قبل بدوّ الصلاح أو بعده.

فإن رهنها قبل بدوّ الصلاح ، فإن رهنها بدَيْنٍ حالّ وشرط قطعها وبيعها ، أو بيعها بشرط القطع ، جاز. وإن أطلق ، فقولان :

__________________

(١) في ج ١٠ ، ص ٣٥٩ ٣٦٠ ، المسألة ١٦٧.

(٢) في النسخ الطبعة الحجريّة و « ج » : « فيها » بدل « فيهما ». وما أثبتناه من المصدر.

(٣) في النسخ الطبعة الحجريّة و « ج » : « كان ». والصحيح ما أثبتناه.

(٤) في النسخ الطبعة الحجريّة و « ج » : « الرهن » بدل « الدين ». والظاهر ما أثبتناه.

١٧١

أحدهما : لا يجوز ، كما لا يجوز بيعها مطلقاً.

وأصحّهما : الجواز ؛ لأنّ حقّ المرتهن لا يبطل باجتياحها ، وحقّ المشتري يبطل. وأيضاً فإنّ الحلول قرينة يتنزّل منزلة شرط القطع. ولأنّ استحقاق البيع يوجب قطعها ، فأشبه شرط القطع.

وإن كان الدَّيْنُ مؤجَّلاً ، فإن كان يحلّ مع بلوغ الثمار أوان إدراكها أو بعده ، جاز ، كما لو كان حالاّ. وإن كان يحلّ قبل بلوغها وقت الإدراك ، فإن شرط قطعها عند المحلّ ، كان بمنزلة البقول ، وقد أطلق الشافعيّة جواز ذلك.

وللشافعيّة طريقان : منهم مَنْ طرد القولين. ووجه المنع : الشبه (١) بما إذا باع بشرط القطع بعد مدّة. ومنهم مَنْ قطع بالجواز.

وإن كان مطلقاً ، ففيه ثلاثة أقوال :

أحدها : أنّه لا يصحّ ، كما لا يصحّ البيع. ولأنّ العادة في الثمار الإبقاء إلى الإدراك ، فأشبه ما لو رهن على أن لا يبيعه عند المحلّ إلاّ بعد أيّام.

والثاني : أنّه يصحّ ؛ لأنّ البيع إنّما لم يصحّ لما فيه من الغرر ، وليس في الرهن غرر ، ولا يتلف إن تلف من مال صاحبه. ولأنّ مقتضى الرهن البيع عند المحلّ ، فكأنّه شرط بيعه عند المحلّ.

والثالث نقله المزني ـ : أنّه إن شرط القطع حال المحلّ ، صحّ. وإن أطلق ، لم يصح ؛ لأنّ إطلاقه يقتضي بقاءه إلى حال الجذاذ ، وذلك يقتضي تأخير الدَّيْن عن محلّه ، فلا يحتاج إلى الشرط.

وما تقدّم للقول الآخَر من انتفاء الغرر فليس بصحيح.

__________________

(١) في « العزيز شرح الوجيز » : « التشبيه ».

١٧٢

ولأنّ وثيقة المرتهن تبطل بذلك ، ويلزم عليه الرهن المجهول ، فإنّه لا يصحّ وإن لم يكن فيه إلاّ جهالة الوثيقة وقد جرت مجرى جهالة الملك.

قال أبو إسحاق : والصحيح أنّه بمنزلة البيع ، وقد نصّ عليه الشافعي في كتاب التفليس.

وإن رهنها بعد بدوّ الصلاح ، جاز بشرط القطع ومطلقاً إن رهنها بدَيْنٍ حالّ أو مؤجَّل في معناه. وإن رهنها بمؤجَّل يحلّ قبل بلوغها أوان إدراكها ، فعلى ما تقدّم في القسم الأوّل (١).

فروع :

أ ـ إذا رهن الثمار على الأشجار وصحّ الرهن ، كانت مئونة السقي والجذاذ والتجفيف على الراهن دون المرتهن. وإن لم يكن له شي‌ء ، باع الحاكم جزءاً منها وأنفقه عليها.

ولو توافق الراهن والمرتهن على ترك السقي ، جاز ، بخلاف علف الحيوان.

وقال بعض الشافعيّة : يُجبر عليه ، كما يُجبر على علف الحيوان (٢).

ب ـ لو أراد الراهن أو المرتهن قطع الثمرة قبل أوان الجذاذ ، فلآخَر منعه ، وبعد [ أوان ] (٣) الجذاذ ليس له ذلك ، بل يُباع في الدَّيْن إن حلّ ، وإلاّ أمسكه رهناً.

ج ـ الشجرة التي تثمر في السنة مرّتين يجوز رهن ثمرتها الحاصلة

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٥٠ ٤٥١ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٩١ ٢٩٢ ، وانظر : الحاوي الكبير ٦ : ٢٣٤ ٢٣٥ ، وحلية العلماء ٤ : ٤٣٦.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٥٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٩٢.

(٣) ما بين المعقوفين من « العزيز شرح الوجيز ». وبدلها في « روضة الطالبين » : « وقت ».

١٧٣

بالدَّيْن الحالّ والمؤجل الذي يحلّ قبل خروج الثمرة الثانية أو قبل اختلاطها بالأُولى.

فإن شرط أن لا تُقطع عند خروج الثانية ، لم يصح ؛ لأنّه لا يتميّز عند محلّ الحقّ ممّا ليس برهن.

وإن شرط قطعها ، صحّ.

وإن أطلق ، فللشافعيّة قولان :

فإن صحّحنا أو (١) رهن بشرط القطع ثمّ لم يتّفق القطع حتى حصل الاختلاط ، ففي بطلان الرهن قولان كالقولين في البيع إذا عرضت هذه الحالة قبل القبض ؛ لأنّ المرتهن إنّما يتوثّق بعد القبض ، فهو والمرهون عنده كالبائع والمبيع محبوس عنده ، فإن قلنا : يبطل الرهن ، فكذلك ، وإن قلنا : لا يبطل ، فلو اتّفق قبل القبض ، بطل (٢).

وللشافعيّة فيه وجهٌ آخَر (٣) مضى نظيره فيما إذا تخمّر العصير قبل القبض.

وإذا لم يبطل فلو رضي الراهن بأن يكون الكلّ رهناً أو توافقاً على أن يكون النصف من الجملة مثلاً رهناً ، فذاك.

وإن تنازعا في قدر المرهون ، فالقول قول الراهن مع يمينه ، كما لو اختلطت الحنطة المرهونة بحنطة اخرى للراهن.

وقال المزني : القول قول المرتهن مع يمينه ؛ لأنّ اليد له ، كما لو تنازعا في ملك (٤).

__________________

(١) في الطبعة الحجريّة و « ج » : « أنّه » بدل « أو ». والصحيح ما أثبتناه ، كما في المصدر أيضاً.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٥٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٩٢.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٥٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٩٢.

(٤) التهذيب للبغوي ٤ : ٥٠ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٥٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٩٢.

١٧٤

وأجاب باقي الشافعيّة بأنّ اليد تدلّ على الملك دون الرهن ، كما لو‌ قال مَنْ في يده المال : رهنتنيه ، وأنكر المالك ، كان القول قوله (١).

وقال بعضهم في مسألة الحنطة : إنّ طرد الخلاف محتمل ؛ لتعذّر الفرق (٢).

د ـ لو رهن زرعاً بعد اشتداد الحَبّ أو قبله ، صحّ عندنا ؛ لأنّه مال مقوِّم ينتفع به فصحّ رهنه ، كما صحّ بيعه.

وقالت الشافعيّة : إذا رهن الزرع بعد اشتداد الحَبّ ، نُظر إن كان تُرى حَبّاته في السنبلة ، صحّ ، وإلاّ فقولان ، كما في البيع. والأصحّ عندهم : المنع (٣).

ولو رهنه وهو بَقْلٌ ، فهو كما لو رهن الثمرة قبل بدوّ الصلاح.

وقال بعضهم : إذا كان الدَّين مؤجَّلاً ، لم يجز قولاً واحداً وإن صرّح بشرط القطع عند المحلّ ؛ لأنّ الزرع لا يجوز بيعه إذا تسنبل عندهم ، وقد يتّفق الحلول في تلك الحال. ولأنّ زيادة الزرع بالطول ، فهي كثمرة تحدث وتختلط بالمرهون ، وزيادة الثمرة بكبر الحَبّة ، فهي كالسمن (٤).

البحث الرابع : في الحقّ المرهون به‌

مسألة ١٣٤ : يشترط في المرهون به أُمور ثلاثة : أن يكون دَيْناً ثابتاً في الذمّة حالة الرهن لازماً ، فلا يصحّ الرهن على الأعيان التي ليست مضمونةً ،

__________________

(١) التهذيب للبغوي ٤ : ٥٠ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٥٢.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٥٢.

(٣) التهذيب للبغوي ٤ : ٤٩ ٤٠ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٥٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٩٢.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٥٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٩٢.

١٧٥

كالوديعة والعارية غير المضمونة والمستأجرة وغير ذلك من الأمانات ؛ لأنّها‌ ليست ثابتةً في الذمّة عيناً ولا قيمةً.

أمّا الأعيان المضمونة في يد الغير إمّا بحكم العقد كالمبيع أو بحكم ضمان اليد كالمغصوب والمستعار المضمون والمأخوذ على جهة السوم وكلّ أمانة فرّط فيها وبقيت بعينها فالأقوى جواز الرهن عليها ، وبه قال مالك (١).

وقال أبو حنيفة : كلّ عين كانت مضمونةً بنفسها جاز أخذ الرهن بها ، يريد ما يُضمن بمثله أو قيمته ؛ لأنّ المبيع يجوز أخذ الرهن به ؛ لأنّه مضمون بفساد العقد (٢).

ويجوز أخذ الرهن بالمهر وعوض الخلع ؛ لأنّه يُضمن بمثله أو قيمته ، وكذلك الصلح عن دم العمد ؛ لأنّه يمكن استيفاء القيمة من الرهن ، فصحّ أخذ الرهن به.

ومَنَع الشافعي من أخذ الرهن على الأعيان المضمونة ، كالغصب والثمن المعيّن والأُجرة المعيّنة ؛ لأنّ العين قبل هلاكها في يده لا تثبت في الذمّة ، فلا يصحّ أخذ الرهن بذلك كالمبيع. ولأنّه إن رهنه على قيمتها إذا تلفت ، فهو رهن على ما ليس بواجب ، ولا يُعلم إفضاؤه إلى الوجوب ، وإن أخذ على عينها ، لم يصح ؛ لأنّه لا يمكن استيفاء عينها من الرهن. ولأنّ غرض الرهن بيع المرهون واستيفاء الحقّ من ثمنه عند الحاجة ، ويستحيل

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٥٧ ـ ٤٥٨ ، المغني ٤ : ٤٠٥ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٢٧.

(٢) تحفة الفقهاء ٣ : ٤٠ ٤١ ، حلية العلماء ٤ : ٤٠٩ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٥٨ ، المغني والشرح الكبير ٤ : ٣٨١.

١٧٦

استيفاء تلك الأعيان من ثمن المرهون (١).

وليس بجيّد ؛ لأنّ الاستيفاء إنّما يكون مع الحاجة ، مع وجود العين والتمكّن من أخذها لا حاجة إلى البيع ، وعند عدمها أو تعذّر أخذها على مالكها تجب القيمة ، ولهذا يجوز للمالك أخذ ما يجده من مال الغاصب إذا تعذّر عليه استعادة عينه ، سواء ساوت العين أو خالفتها.

ونقل الجويني للشافعيّة وجهاً : أنّه يجوز أخذ الرهن بها ، بناءً على تجويز ضمان الأعيان المضمونة (٢).

وفرّق باقيهم بناءً على الظاهر من مذهبهم : أنّ الضمان التزام في الذمّة ، فلو لم تتلف العين المضمونة ، لم يجرّ الالتزام ضرراً ، وفي الرهن دوام الحجر في المرهون يجرّ ضرراً ظاهراً (٣)

مسألة ١٣٥ : وشرطنا كون المرهون به ثابتاً في الذمّة حال عقد الرهن ، فإنّ الذي لم يثبت بَعْدُ لا يجوز الرهن به مثل أن يرهنه بما يستقرضه منه أو بثمن ما يشتريه منه عند علمائنا أجمع وبه قال الشافعي وأحمد (٤) لأنّه (٥) وثيقة على حقّ ، فلا يجوز قبل ثبوت الحقّ من غير حاجة ، كالشهادة.

وقال أبو حنيفة ومالك : يجوز عقده قبل الحقّ ، وإذا دفع إليه ثوباً وقال : رهنتك هذا على عشرة دراهم تقرضنيها غداً ، وسلم إليه الثوب ثمّ

__________________

(١) حلية العلماء ٤ : ٤٠٨ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٥٧ ٤٥٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٩٦.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٥٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٩٦.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٥٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٩٦.

(٤) التهذيب للبغوي ٤ : ٥ ، الوسيط ٣ : ٤٧٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٥٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٩٦ ، المغني والشرح الكبير ٤ : ٣٩٩.

(٥) في النسخ الطبعة الحجريّة و « ج » : « لأنّها ». والصحيح ما أثبتناه.

١٧٧

أقرضه الدراهم ، لزم الرهن (١).

وحكاه القاضي ابن كج من الشافعيّة عن‌ بعض أصحابه أيضاً إذا عيّن ما يستقرضه (٢).

ومنهم مَنْ قال : لو تراهنا بالثمن ثمّ لم يفترقا حتى تبايعا ، صحّ الرهن ؛ إلحاقاً للحاصل في المجلس بالمقترن بالإيجاب والقبول (٣).

وعلى ظاهر مذهب الشافعيّة لو ارتهن قبل ثبوت الحقّ وقبضه ، كان مأخوذاً على جهة سوم الرهن ، فإذا استقرض أو اشترى ، لم يصر رهناً إلاّ بعقدٍ جديد (٤).

وفيه وجهٌ لهم : أنّه يصير رهناً (٥).

واحتجّ أبو حنيفة بأنّ ذلك وثيقة ، فجاز أن يكون عقدها موقوفاً على حقٍّ يحدث في المستقبل ، كضمان الدرك (٦).

والفرق على تقدير تسليم جوازه ؛ فإنّه عندنا باطل ، وللشافعي قولان (٧) أنّه جاز للحاجة إليه ، والاحتياط في المال (٨) ، بخلاف مسألتنا.

مسألة ١٣٦ : يصحّ عقد الرهن بعد ثبوت الحقّ في الذمّة وتقرّره إجماعاً ؛ لأنّه دَيْنٌ ثابت ، وتدعو الحاجة إلى أخذ الوثيقة ، فجاز أخذها ، كالضمان.

__________________

(١) التهذيب للبغوي ٤ : ٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٥٨ ، المغني والشرح الكبير ٤ : ٣٩٩.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٥٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٩٦.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٥٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٩٦.

(٤) التهذيب للبغوي ٤ : ٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٥٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٩٦.

(٥) التهذيب للبغوي ٤ : ٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٥٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٩٦.

(٦) المغني والشرح الكبير ٤ : ٣٩٩.

(٧) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٥٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٩٦.

(٨) في « ج » : « والاحتياط للمال ».

١٧٨

ولقوله تعالى ( فَرِهانٌ مَقْبُوضَةٌ ) (١) جعله بدلاً عن الكتابة ، فيكون في محلّها ، ومحلّها بعد وجوب الحقّ ؛ لقوله تعالى ( إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ ) (٢) فجَعَله جزاءً للمداينة مذكوراً بعدها بفاء التعقيب.

أمّا لو قارنه وامتزج الرهن بسبب ثبوت الدَّيْن مثل أن يقول : بعتك هذا العبد بألف وارتهنت هذا الثوب به فقال المشتري : اشتريت ورهنت ، أو قال : أقرضتك هذه الدراهم وارتهنت بها دارك فالأقرب : الجواز وبه قال مالك والشافعي وأحمد وأصحاب الرأي (٣) لأنّ الحاجة تدعو إليه ، فإنّه لو لم ينعقد مع ثبوت الحقّ وشرطه فيه ، لم يتمكّن من إلزام المشتري عقده ، وكان الخيار إلى المشتري ، والظاهر أنّه لا يبذله ، فتفوت الوثيقة بالحقّ.

ولأنّ شرط الرهن في البيع والقرض جائز لحاجة الوثيقة ، فكذا مزجه بهما ، بل هو أولى ؛ لأنّ الوثيقة ها هنا آكد ، فإنّ الشرط قد لا يفي به.

وللشافعية وجهٌ آخَر : أنّه فاسد ؛ لأنّ أحد شقّي الرهن متقدّم على ثبوت الدَّيْن ، ولو قال لعبده : كاتبتك على ألف وبعت منك هذا الثوب بكذا ، فقال : قبلت الكتابة والبيع ، لا يصحّ البيع (٤).

وفرّقوا بوجهين :

__________________

(١) البقرة : ٢٨٣.

(٢) البقرة : ٢٨٢.

(٣) المغني والشرح الكبير ٤ : ٣٩٩ ، التهذيب للبغوي ٤ : ٥ ، الوجيز ١ : ١٦١ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٥٨ ، منهاج الطالبين : ١١٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٩٦ ٢٩٧.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٥٨.

١٧٩

أحدهما : أنّ العبد لا يصير أهلاً للمعاملة مع مولاه حتى تتمّ الكتابة.

والثاني : أنّ الرهن من مصالح البيع ، والبيع ليس من مصالح‌ الكتابة (١).

ولا استبعاد في سبق أحد شقّي الرهن على ثبوت الدَّيْن ، وإنّما الممنوع منه سبق الرهن عليه. ويُمنع بطلان البيع المقترن بالكتابة.

فروع :

أ ـ لو قال البائع : ارتهنت وبعت ، وقال المشتري : اشتريت ورهنت ، لم يقع عند الشافعيّة ؛ لتقدّم أحد شقّي الرهن على شقّي البيع (٢).

وكذا لو قال : ارتهنت وبعت ، وقال المشتري : رهنت واشتريت ؛ لتقدّم شقّي الرهن على أحد شقّي البيع (٣).

ب ـ شرط الشافعيّة في الصحّة تقدُّمَ خطاب البيع على خطاب الرهن ، وتقدُّمَ جواب البيع على جواب الرهن.

وبالجملة ، الشرط أن يقع أحد شقّي الرهن بعد أحد شقّي البيع ، والآخَر بعد شقّي البيع (٤).

ج ـ لو قال : بعْني عبدك بكذا ورهنت به هذا الثوب ، فقال البائع : بعثت وارتهنت ، كان مبنيّاً على مسألة الاستيجاب والإيجاب.

د ـ لو قال البائع : بعتك بكذا على أن ترهنني دارك به ، فقال

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٥٨.

(٢) التهذيب للبغوي ٤ : ٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٥٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٩٧.

(٣) التهذيب للبغوي ٤ : ٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٥٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٩٧.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٥٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٩٧.

١٨٠