تذكرة الفقهاء - ج ١٣

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

تذكرة الفقهاء - ج ١٣

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-389-6
الصفحات: ٤٢١

بخلاف المطروح فيها.

الثاني : أنّها لا تحلّ ؛ لأنّ ذلك فعْلٌ محظور (١).

وهو ممنوع ، وينتقض بما إذا أمسكها حتى تخلّلت ، فإنّ إمساكها لا يجوز ، وإذا تخلّلت في يده حلّت.

ب ـ لو طرح فيها شيئاً نجساً غير الخمر فانقلبت خلاًّ أو عالجها الذمّي أو لمسها حال الخمريّة فانقلبت خلاًّ ، لم تطهر بالانقلاب ؛ لأنّ نجاسة المطروح لم تكن بسبب الخمر ولا بسبب ملاقاته إيّاها ، بل بنجاسةٍ لا تطهر بالانقلاب ، فلا يطهر ما طُرح فيه بالانقلاب. ولا فرق بين أن تكون نجاسته ذاتيّةً أو عرضيّة.

وربما خطر لبعض مَنْ (٢) لا مزيد تحصيلٍ له الطهارةُ ؛ لأنّ النجاسة الواحدة ، وحالة الخمريّة العينُ نجسة ، فإذا لاقتها نجاسة أُخرى ، لم يزد أثر التنجيس فيها ، فإذا انقلب خلاًّ ، طهرت مطلقاً.

وهو غلط ؛ لأنّ النجاسات متفاوتة في قبول التطهير وعدمه وفي سبب التطهير.

ج ـ حكى الجويني عن بعض الشافعيّة جوازَ تخليل المحترمة ؛ لأنّها غير مستحقّة للإراقة (٣).

لكنّ المشهور عندهم عدم الفرق بين المحترمة وغيرها في تحريم التخليل (٤).

__________________

(١) الحاوي الكبير ٦ : ١١٥ ، التهذيب للبغوي ١ : ١٨٨ ، حلية العلماء ١ : ٣١٦ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٨٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٣١٥.

(٢) لم نتحقّقه.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٨٢.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٨٢.

١٤١

د ـ لا فرق بين الطرح بالقصد وبين أن يتّفق من غير قصد كطرح الريح في إباحته وطهارته مع الانقلاب.

للشافعيّة قولان :

أحدهما : لا فرق بينهما في التحريم ، وعدم الطهارة.

والثاني : الفرق (١).

والخلاف مبنيّ على أنّ المعنى تحريم التخليل أو نجاسته المطروح فيه. والأظهر عندهم : أنّه لا فرق (٢).

هذا إذا كان المطرح في حالة التخمير ، أمّا إذا طرح في العصير بصلاً أو ملحاً واستعجل به الحموضة بعد الاشتداد ، فللشافعيّة وجهان :

أحدهما : أنّه إذا تخلّل ، كان طاهراً ؛ لأنّ ما لاقاه إنّما لاقاه قبل التخمير ، فيطهر بطهارته كأجزاء الدَّنِّ.

الثاني : لا ؛ لأنّ المطروح فيه ينجس عند التخمير وتستمرّ نجاسته ، بخلاف أجزاء الدّنِّ ؛ للضرورة (٣).

هـ ـ لو طرح العصير على الخلّ وكان العصير غالباً ينغمر الخلّ فيه عند الاشتداد ، طهر إذا انقلب خلاًّ ؛ لزوال المقتضي للنجاسة ، وهو أحد وجهي الشافعيّة. والثاني : أنّه لا يطهر (٤).

ولو كان الغالب الخلّ وكان يمنع العصير من الاشتداد ، فلا بأس به ، وبه قال الشافعيّة (٥).

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٨٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٣١٤.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٨٢‌

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٨٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٣١٤.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٨٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٣١٤ ، المجموع ٢ : ٥٧٧.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٨٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٣١٤ ، المجموع ٢ : ٥٧٧.

١٤٢

مسألة ١٢٠ : قد بيّنّا أنّه يجوز إمساك الخمر المحترمة إلى أن تصير خلاًّ ، وهو قول الشافعيّة (١). والتي لا تُحترم تجب إراقتها ، لكن لو لم يرقها حتى تخلّلت ، طهرت عندنا أيضاً وهو قول أكثر الشافعيّة (٢) لأنّ النجاسة والتحريم إنّما ثبتا للشدّة وقد زالت.

وعن الجويني عن بعض الخلافيّين أنّه لا يجوز إمساك الخمر المحترمة ، بل يُضرب عن العصير إلى أن يصير خلاًّ ، فإن اتّفقت منّا اطّلاعة وهو خمر ، أرقناه (٣).

وقال بعضهم : لو أمسك غير المحترمة حتى تخلّلت ، لم تحل ولم تطهر ؛ لأنّ إمساكها حرام ، فلا يستفاد به نعمة ، فإذا عادت الطهارة بالتخلّل ، تطهر أجزاء الظرف أيضاً ؛ للضرورة (٤).

وقال بعضهم : إن كان الظرف بحيث لا يشرب شيئاً من الخمر كالقوارير طهر ، وإن كان مما يشرب ، لم يطهر (٥).

وكما يطهر الملاقي بعد التخلّل يطهر ما فوقه الذي أصابته الخمر في حال الغليان.

واعلم أنّ بعض الشافعيّة تردّد في بيع الخمر المحترمة بناءً على‌ التردّد في طهارتها مع الانقلاب (٦).

والحقّ عندنا : التحريم.

والعناقيد التي استحالت أجزاءٌ من حبّاتها خمراً يجوز بيعها ،

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٨٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٣١٤ ، المجموع ٢ : ٥٧٧.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٨٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٣١٤ ، المجموع ٢ : ٥٧٧.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٨٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٣١٤ ٣١٥ ، المجموع ٢ : ٥٧٧.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٨٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٣١٤ ٣١٥ ، المجموع ٢ : ٥٧٧.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٨٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٣١٥ ، المجموع ٢ : ٥٧٧.

(٦) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٨٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٣١٥.

١٤٣

ولا يقصد (١) بيع الحبّات التي استحالت.

وللشافعيّة وجهان في جواز بيعها ، أعني بيع الحبّات التي استحالت اعتماداً على طهارة ظاهرها في الحال ، وتوقّع فائدتها في المآل (٢).

وطردوا الوجهين في البيضة المستحيل باطنها دماً (٣).

والحقّ عندنا المنع.

مسألة ١٢١ : لو رهنه عصيراً فصار خمراً قبل الإقبال ، بطل الرهن على ما بيّنّا ، وكان للمرتهن الخيار في البيع الذي شرط فيه ارتهانه.

وإن صار خمراً بعد القبض ، خرج من الرهن ، ولا خيار للمرتهن.

فإن اختلفا فقال المرتهن : قبضتُه وهو خمر ، وقال الراهن : بل قبضتَه وهو عصير ، وإنّما صار خمراً في يدك فالأقوى تقديم قول المرتهن وبه قال الشيخ (٤) ، وأبو حنيفة ، وهو أحد قولي الشافعي (٥) لأنّ مَن في يده مالٌ لغيره فالقول قوله في صفته ، كالغاصب والمستعير وغيرهما. ولأنّ المرتهن ينكر أن يكون قد قبض رهناً ، والقول قوله مع عدم الرهن.

وقول الثاني للشافعي : إنّ القول قول الراهن ؛ لأنّهما اتّفقا على العقد والتسليم واختلفا في صفة المقبوض ، فكان القول قول الذي سلّم ، كالبائع والمشترى إذا اختلفا في العيب ويمكن حدوثه عند كلّ واحدٍ منهما ، فإنّ القول قول البائع (٦).

__________________

(١) في « ج » : « ولا يجوز » بدل « لا يقصد ».

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٨٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٣١٥ ، المجموع ٢ : ٥٧٨.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٨٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٣١٥ ، المجموع ٢ : ٥٧٨.

(٤) المبسوط للطوسي ٢ : ٢١٤ ، الخلاف ٣ : ٢٤٠ ، المسألة ٣٥.

(٥) مختصر المزني : ٩٦ ، الحاوي الكبير ٦ : ١١٦ ، المهذّب للشيرازي ١ : ٣٢٤ ، حلية العلماء ٤ : ٤٦٧ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٤٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٦٠.

(٦) مختصر المزني : ٩٦ ، الحاوي الكبير ٦ : ١١٦ ، المهذّب للشيرازي ١ : ٣٢٤ ، حلية العلماء ٤ : ٤٦٧ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٤٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٦٠.

١٤٤

فإمّا الغاصب والمستعير فإنّ القول قولهما فيما يغرمان ؛ لأنّ القول قول الغارم ، لأنّه مدّعى عليه ، وهنا المرتهن يثبت لنفسه خياراً في العقد بذلك ، فهو بمنزلة المشتري.

أمّا لو اختلفا في العقد فقال المرتهن : رهنتنيه خمراً وقبضتُه خمراً ، وقال الراهن : بل رهنتكه عصيراً وقبضته عصيراً ، قال بعض الشافعيّة : القول قول المرتهن في هذه قولاً واحداً ؛ لأنّه ينكر العقد.

وقال آخرون منهم : فيها القولان ؛ لأنّه معترف بحصول عقدٍ وقبض ، وإنّما يدّعي صفةً في المعقود عليه ، والأصل عدمها (١).

ولو صار العصير خمراً في يد الراهن قبل القبض ، بطل الرهن ، فإن عاد خَلاًّ ، لم يعد ، ويخالف إذا كان بعد القبض ، لأنّ الرهن قد لزم وقد صار تابعاً للملك.

فأمّا إذا اشترى عصيراً فصار خمراً في يد البائع وعاد خلاًّ ، فسد العقد ، ولم يعد ملك المشتري لعوده خلاًّ.

والفرق بينه وبين الرهن أنّ الرهن عاد تبعاً لملك الراهن ، وهاهنا يعود ملك البائع ؛ لعدم العقد ، ولا يصحّ أن يتبعه ملك المشتري.

مسألة ١٢٢ : لو جنى العبد المرهون قبل القبض‌ وتعلَّق الأرشُ برقبته‌ وقلنا : رهن الجاني ابتداءً فاسد ، ففي بطلان الرهن للشافعيّة وجهان ؛ إلحاقاً للجناية بتخمير العصير بجامع عروض الحالة المانعة من ابتداء الرهن قبل استحكام العقد ، وهذه الصورة أولى بأن لا يبطل الرهن فيها ؛ لدوام الملك

__________________

(١) المهذّب للشيرازي ١ : ٣٢٤ ، حلية العلماء ٤ : ٤٦٧ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٤٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٦٠.

١٤٥

في الجاني ، بخلاف الخمر (١).

ولو أبق العبد المرهون قبل القبض ، قال الجويني : يلزم على سياق ما سبق تخريج وجهين فيه ؛ لانتهاء المرهون إلى حالة يمتنع ابتداء الرهن فيها (٢).

الشرط الثالث : أن يكون المرهون ممّا يمكن إثبات يد المرتهن عليه ، فلو رهن عبداً مسلماً عند كافر أو رهن مصحفاً عنده ، فالأقرب : المنع ؛ لما فيه من تعظيم شأن الإسلام والكتاب العزيز ، ومن نفي السبيل على المؤمن ، فإنّ إثبات يد المرتهن سبيلٌ عليه.

وللشافعيّة طريقان :

أحدهما : أنّه على القولين في بيعه منه إن صحّحنا البيع ، صحّ الرهن ، ويوضع على يد مسلم ؛ لأنّ إزالة الرهن لا يمكن إلاّ بفسخه.

والثاني : القطع بجوازه ؛ لأنّه لا ملك للكافر فيه ولا انتفاع ، وإنّما هو مجرّد استيثاق ، بخلاف البيع ؛ لأنّ في التملّك نوع إذلال ، وهذا إنّما هو استيثاق به ، وإنّما الذلّ بكونه تحت يده ، فإذا أخرجناه من يده ، جاز (٣).

ورهن السلاح من الحربي يترتّب على بيعه منه.

وفي رهن كتب أحاديث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والفقه الخلافُ بين الشافعيّة (٤) ، المتقدّم.

__________________

(١) المهذّب للشيرازي ١ : ٣١٦ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٨١ ، روضة الطالبين ٣ : ٣١٣.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٨١ ، روضة الطالبين ٣ : ٣١٣.

(٣) المهذّب للشيرازي ١ : ٣١٦ ، حلية العلماء ٤ : ٤٢٧ ٤٢٨ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٤٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٨٣.

(٤) المهذّب للشيرازي ١ : ٣١٦ ، حلية العلماء ٤ : ٤٢٧.

١٤٦

ويجوز أن يرهن عند الكافر ما سوى ذلك ؛ لأنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رهن درعه عند أبي الشحم اليهودي (١).

وهل يصحّ رهن المصحف عند المسلم؟ إن قلنا بجواز بيعه ، صحّ ، وإلاّ فلا.

وعن أحمد روايتان ، إحداهما : الصحّة ، وبه قال مالك والشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي (٢).

مسألة ١٢٣ : يجوز رهن الجواري والعبيد ؛ لأنّهم أموال يستوثق بهم الدَّيْن ، فجاز رهنهم كغيرهم.

ولا فرق بين الجارية الحسناء وغيرها ، وسواء كانت الجارية الحسناء مَحْرماً للمرتهن أو غير مَحْرم ، وسواء كان المرتهن عَدْلاً أو فاسقاً على كراهية فيه.

ولا فرق بين أن تكون الجارية صغيرةً لا تشتهي بَعْدُ ، أو كبيرةً تشتهي ؛ للأصل ، والعمومات.

وقال بعض الشافعيّة روايةً : إنّه لا يجوز رهن الجارية الحسناء إلاّ أن تكون مَحْرماً للمرتهن (٣).

والمذهب المشهور عندهم : الجواز مطلقاً (٤).

ثم إن كانت صغيرةً لا تشتهي بَعْدُ ، فهي كالعبد يجوز رهنها وإن كانت كبيرةً تشتهي ، فإن رهنت من مَحْرم أو امرأة ، جاز. وإن رهنت من

__________________

(١) سنن البيهقي ٦ : ٣٧.

(٢) المغني ٤ : ٤١٢ ، الشرح الكبير ٤ : ٤١٢ ٤١٣.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٤٠.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٤٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٨٣.

١٤٧

رجلٍ بالغ أو أجنبيّ ، فإن كان ثقةً وعنده زوجته أو جاريته أو نسوة يؤمن معهنّ من المقاربة لها ، جاز أيضاً ، وإلاّ وُضعت عند مَحْرمٍ لها أو امرأة ثقة أو عدْل بالصفة المذكورة في المرتهن.

ولو شرط وضعها عند غير مَنْ ذكرنا ، فهو شرط فاسد عندهم ؛ لما فيه من الخلوة بالأجنبيّة ، وخوف الفتنة (١).

وألحق الجويني بالصغيرة [ الخسيسة ] (٢) مع دمامة (٣) الصورة (٤).

والفرق بيّنٌ بينهما عند الباقين (٥).

ولو كان المرهون خنثى ، فهو كما لو كان جاريةً إلاّ أنّه لا يوضع عند المرأة.

الشرط الرابع : أن يكون المرهون ممّا يصحّ بيعه عند حلول الدّين ؛ لأنّ الغاية التي وضعها الشارع في الرهن استيفاء الحقّ من ثمن المرهون عند الحاجة ، فلا بدّ وأن يكون قابلاً للبيع ليصرف ثمنه في دَيْن المرتهن ، فكلّ ما لا يصحّ بيعه لا يجوز رهنه ، فلا يجوز رهن الحُرّ وأُمّ الولد‌ والمكاتَب والوقف وغير ذلك ممّا يمتنع شرعاً بيعه.

مسألة ١٢٤ : لعلمائنا قولان في جواز التفرقة بين الامّ وولدها الصغير

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٤٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٨٤.

(٢) بدل ما بين المعقوفين في الطبعة الحجرية : « الصغيرة الجثّة ». وفي « ج » : « الحسنة ». وفي « روضة الطالبين » : كما أثبتناه. وفي « العزيز شرح الوجيز » : « الحسنة الخسيسة ». وفي الطبعة الحجريّة منه فتح العزيز ١٠ : ٦ ـ : « الحسنة » فقط. والظاهر ما أثبتناه. وفي العين للخليل ٤ : ١٣٥ « خس » وامرأة مستخسّة ، أي : قبيحة الوجه محقورة ، اشتُقّت من الخسيس ، أي القليل.

(٣) الدمامة : القِصَر والقبح. لسان العرب ١٢ : ٢٠٨ « دمم ».

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٤٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٨٤.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٤٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٨٤.

١٤٨

بالبيع وشبهه ، فَمَنعه البعض وكرهه آخرون ، وقد تقدّم (١) القولان.

الشافعيّة وإن حرّموا التفريق ففي إفساد البيع عندهم قولان (٢).

إذا عرفت هذا ، فإنّه يجوز عندنا وعندهم (٣) رهن الجارية دون الولد الصغير ؛ لأنّ الرهن لا يزيل الملك ، فيحصل بذلك تفرقة بينهما ، وإنّما هي ملك للراهن له الانتفاع بها وتسليم ولدها إليه. ولأنّ الجارية المرهونة لو ولدت في يد المرتهن ، كان ولدها غير مرهون وهي مرهونة ، فكذا في الابتداء.

قال الشافعي : إنّ ذلك ليس تفرقةً بين الامّ وولدها (٤).

واختلف في معناه.

فقال بعضهم : إنّ الرهن لا يوجب تفرقةً ؛ لأنّ الملك فيهما باقٍ للراهن والمنافع له ، فيمكن أن يأمرها بتعهّد الولد وحضانته ، وإذا كان كذلك ، وجب تصحيح الرهن ، ثمّ ما يتّفق من بيعٍ وتفريقٍ فهو من ضرورة إلجاء الراهن إليه.

وقال بعضهم : معناه أنّه لا تفرقة في الحال ، وإنّما التفرقة تقع عند‌ البيع ، وحينئذٍ يحترز منها بأن يبيعهما معاً.

والقائل الأوّل لا يبالي بأفراد أحدهما بالبيع إذا وقعت الحاجة إلى

__________________

(١) في ج ١٠ ، ص ٣٣١ ٣٣٥ ، المسألة ١٥٠ والفرع « ه‍ » منها.

(٢) المهذّب للشيرازي ١ : ٢٧٥ ، المجموع ٩ : ٣٦٠ و ٣٦١ ، الوجيز ١ : ١٣٩ و ١٦٠ ، الوسيط ٣ : ٦١ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٣٣ و ٤٤٣ ، الحاوي الكبير ٦ : ١١٩ ، و ١٤ : ٢٤٤ ٢٤٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٨٣ و ٢٨٥.

(٣) مختصر المزني : ٩٦ ، الحاوي الكبير ٦ : ١١٨ ، المهذّب للشيرازي ١ ٣١٦ ، الوجيز ١ : ١٦٠ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٤٣ ، روضة الطالبين ٣ ٢٨٥.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٤٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٨٥.

١٤٩

البيع. والأصحّ عندهم : الثاني (١).

إذا ثبت هذا ، فإذا حلّ الحقّ وأراد بيع الجارية ، فإن كان قد تمّ للولد سبع سنين فما زاد ، جاز بيعها دونه إجماعاً ؛ لأنّ بلوغ هذا السنّ يجوز معه التفريق.

وإن كان له أقلّ من ذلك ، فالأقرب : بيعهما معاً وهو أحد قولي الشافعيّة ـ (٢) لأنّ الجمع بينهما في العقد ممكن ، بخلاف ما إذا ولدت من الراهن ، فإنّها تباع منفردةً عن الولد ؛ لأنّ الولد حُرٌّ لا يمكن بيعه. فإذا بِيعا معاً بِيعا صفقةً واحدة لئلاّ يقع التفريق ؛ للنهي عنه ، ويتعلّق حقّ المرتهن من الثمن بقدر قيمة الجارية ، فيقال : كم قيمة هذه الجارية ذات الولد دون ولدها؟ فيقال : مائة ، ويقال : كم قيمة الولد؟ فيقال : خمسون ، فتكون حصّة الجارية ثلثي الثمن المسمّى في العقد.

قال بعض الشافعيّة : ينبغي أن نُقدّم على كيفيّة توزيع الثمن مسألةً هي أنّه إذا رهن أرضاً بيضاء ثمّ نبت فيها نخل ، فلها حالتان :

إحداهما : أن يرهن الأرض ثمّ يدفن فيها النوى أو يحمل السيل أو الطير النوى إليها فتنبت ، فهي للراهن ، ولا يُجبر في الحال على قلعها ؛ لإمكان أن يؤدّي الدَّيْن من موضعٍ آخَر ، فإذا دعت الحاجة إلى بيع الأرض ، نظر فإن قام ثمن الأرض لو بِيعت وحدها بالدَّيْن ، بِيعت وحدها ولم‌ يقلع النخل ، وكذا لو لم يف به ، إلاّ أنّ قيمة الأرض وفيها الأشجار كقيمتها بيضاء.

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٤٣ ، وانظر : روضة الطالبين ٣ : ٢٨٥.

(٢) انظر : حلية العلماء ٤ : ١٢٢ ١٢٣ ، المغني ١٠ : ٤٦٠ ، والشرح الكبير ١٠ : ٤٠٩.

١٥٠

وإن لم يف به ونقصت قيمتها بالأشجار ، فللمرتهن قلعها لتباع الأرض بيضاء ، إلاّ أن يأذن الراهن في بيعها مع الأرض ، فيُباعان ويُوزّع الثمن عليهما.

هذا إذا لم يكن الراهن محجوراً عليه بالإفلاس ، فإن كان كذلك ، فلا قلع بحالٍ ؛ لتعلّق حقّ الغرماء بها ، بل يُباعان ويُوزّع الثمن عليهما ، فما يقابل الأرض يختصّ به المرتهن ، وما يقابل الأشجار يُقسّم بين الغرماء. فإن انتقصت قيمة الأرض بسبب الأشجار ، حُسب النقصان على الغرماء ؛ لأنّ حقّ المرتهن في أرضٍ فارغة ، وإنّما مُنع من القلع لرعاية جانبهم ، فلا يهمل جانبه بالكلّيّة.

الحالة الثانية : أن تكون النوى مدفونةً في الأرض يوم الرهن ثمّ نبتت ، فإن كان المرتهن جاهلاً بالحال ، فله الخيار في فسخ البيع الذي شُرط فيه هذا الرهن ، فإنّ استحقاق بقاء الأشجار في الأرض عيب فيها يوجب الخيار ، فإن فسخ فلا بحث ، وإن لم يفسخ ، فهو بمنزلة العالم ، فلا خيار له.

وإذا بِيعت الأرض مع النخل ، وُزّع الثمن عليهما.

والمعتبر في الحالة الأُولى قيمة أرضٍ فارغة ، وفي الثانية قيمة أرضٍ مشغولة لأنّها كانت كذلك يوم الرهن.

وفي كيفيّة اعتبار قيمة الأشجار وجهان نقلهما الجويني في الحالتين :

أظهرهما : أنّ الأرض تُقوّم وحدها ، فإذا قيل : قيمتها مائة ، قُوّمت مع الأشجار ، فإذا قيل : مائة وعشرون ، فالزيادة بسبب الأشجار عشرون هي‌ سدس المائة والعشرين ، فيراعى في ثمنها نسبة الأسداس.

والثاني : أنّه كما قُوّمت الأرض وحدها تُقوّم الأشجار وحدها ثانياً ،

١٥١

فإذا قيل : قيمتها خمسون ، عرفنا أنّ النسبة بالأثلاث.

وفي المثال المذكور لإيضاح الوجهين تكون قيمة الأرض ناقصةً بسبب الاجتماع ؛ لأنّا فرضنا قيمتها وحدها مائةً ، وقيمة الأشجار وحدها ثابتةً خمسون (١) ، وقيمة المجموع مائة وعشرون.

إذا عرفت هذا ، فلنعد إلى مسألة الأُمّ والولد ، فإذا بِيعا معاً وأردنا التوزيع ، قال الجويني : فيه طريقان :

أحدهما : أنّ التوزيع عليهما كالتوزيع على الأرض والأشجار ، فتُعتبر فيه قيمة الأُمّ وحدها. وفي الولد الوجهان.

والثاني : أنّ الأُمّ لا تُقوَّم وحدها ، بل تُقوَّم مع الولد خاصّةً ؛ لأنّها رهنت وهي ذات ولد ، والأرض بالأشجار (٢) وكذا أورده أكثر الشافعيّة.

أمّا لو رهنها حائلاً ثمّ حملت بالولد بعد الرهن والتسليم من نكاح أو زنا وبِيعا معاً ، فللمرتهن قيمة جارية لا ولد لها ، فتُقوَّم خاليةً من ولد ، ويُقوَّم الولد ، وينظر حصّتها من الثمن ، فيكون للراهن (٣).

والفرق بين المسألتين أنّ في الأُولى رضي بكونها أُمّ ولد فقُوّمت أُمّ ولد ، وفي الثانية لم يرض بكونها أُمّ ولد.

فإن قيل : هذا الولد حدث في يد المرتهن ، وإذا كان ذلك حادثاً في‌ يده ، كان بمنزلة ما رضي به ، كما لو حدث فيه نقص وعيب.

قلنا : إنّ ذلك لا يجري مجرى النقص الحادث لتلف جزء من

__________________

(١) في « ث ، ج ، ر » : « ثمانية وخمسون ». وفي الطبعة الحجرية بدون الواو ، بدل « ثابتةً خمسون ». والصحيح ما أثبتناه كما في المصدر.

(٢) في « ث ، ر » الطبعة الحجريّة « بالأشجار » بدل « بلا أشجار ». وكلاهما ساقط في « ج ». والصحيح ما أثبتناه كما في المصدر.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤: ٤٤٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٨٥ ـ ٢٨٦.

١٥٢

الرهن ؛ لأنّ التالف مضمون عليه بسقوط حقّ الوثيقة ، وفي مسألتنا الرهن بحاله ، وهذه الزيادة للراهن يقتضي وجوده نقصان قيمة الأُمّ لبيعه معها ، فإذا لم يرض به لم يلزمه حكمه.

مسألة ١٢٥ : إذا رهن شيئاً رطباً يسرع إليه الفساد ، نُظر فإن كان يمكن استصلاحه وتجفيفه كالرطب والعنب ، صحّ رهنه ، ويجب على الراهن تجفيفه واستصلاحه ؛ لأنّ ذلك من مئونة حفظه وتبقيته ، فكانت عليه ، كنفقة الحيوان المرهون.

فإن كان ممّا لا يمكن استصلاحه كالثمرة التي لا تجفّف والبقول والطبائخ والريحان وما أشبه ذلك ، نُظر فإن كان الدَّيْن حالاّ أو يحلّ قبل فساده ، صحّ رهنه ؛ لأنّ المقصود منه يمكن حصوله.

ثمّ إن بِيع في الدَّيْن أو قُضي الدَّيْن من موضعٍ آخَر ، فذاك ، وإلاّ بِيع وجُعل الثمن رهناً لئلاّ يضيع ، ولا تفوت الوثيقة.

فلو تركه المرتهن حتى فسد ، ضمن إن أمكن رَفْعُ أمره إلى الحاكم ولم يفعل.

ولو تعذّر الحاكم ، فإن نهاه الراهن عن البيع ، لم يضمن ، وإلاّ احتمل الضمان.

وقال بعض الشافعيّة : إن كان الراهن أذن له في بيعه ، ضمن ، وإلاّ لم يضمن (١).

وإن كان الرهن على دَيْنٍ مؤجَّلاً ، فأحواله ثلاثة :

أ : أن يعلم حلول الأجل قبل فساده ، فهو بحكم الرهن على الدَّيْن

__________________

(١) التهذيب للبغوي ٤ : ٤٨ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٤٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٨٧ ٢٨٨.

١٥٣

الحالّ.

ب : أن يعلم عكسه ، فإن شرط في الرهن بيعه عند الإشراف على الفساد وجَعْل ثمنه رهناً ، صحّ ، ولزم الوفاء بالشرط.

وإن شرط أن لا يُباع بحال قبل حلول الأجل ، فهو فاسد ويُفسد الرهن ؛ لمناقضته مقصود الاستيثاق.

وإن أطلق العقد ولم يشترط البيع ولا عدمه ، فالأقرب : الجواز ، ويُجبر على بيعه ؛ لأنّ العرف يقتضي ذلك ؛ لأنّ المالك للشي‌ء لا يعرضه للتلف والهلاك ، بل يبيعه ، فيحمل مطلق العقد عليه ، كما على الاستصلاح ، وهو أحد قولي الشافعيّة.

والقول الثاني : إنّه لا يصحّ ؛ لأنّ الإجبار على البيع إجبار على إزالة ملكه وبيع الرهن قبل حلول الأجل ، وذلك لا يقتضيه عقد الرهن ، فلم يجب وإذا ثبت أنّ البيع لا يُجبر عليه ، فالمرهون لا يمكن (١) استيفاء الحقّ منه ، فلم يصح عقد الرهن ، كما لو رهن عبداً علّق عتقه بشرطٍ يُوجد قبل المحلّ (٢).

وليس بجيّد ؛ لأنّ في ترك بيعه إضراراً ما بالمالك والمرتهن معاً ، وفي بيعه إحسان إليهما ؛ لاشتماله على مصلحتهما ، فوجب البيع حفظاً للحقّين.

وما اخترناه أوّلاً هو الصحيح وبه قال أبو حنيفة وأحمد ـ (٣) كما لو

__________________

(١) في الطبعة الحجريّة و « ج » : « لا يملك » بدل « لا يمكن ». وما أثبتناه من « العزيز شرح الوجيز ».

(٢) التهذيب للبغوي ٤ : ٤٨ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٤٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٨٧ ٢٨٨.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٤٦.

١٥٤

شرط ، فإنّ الظاهر أنّه لا يقصد فساد ماله ، فصار كالمأذون فيه.

ج : أن لا يُعلم واحد من الأمرين وكانا محتملين ، ففي جواز الرهن المطلق قولان مرتَّبان على القولين في القسم الثاني. والصحّة هنا أظهر.

تذنيب : لو رهن ما لا يسرع إليه الفساد فطرأ ما عرّضه للفساد قبل حلول الأجل ، كما لو ابتلّت الحنطة وتعذّر التجفيف ، لم ينفسخ الرهن بحالٍ وإن منع الصحّةَ في الابتداء على قولٍ للشافعيّة (١) ، كما أنّ إباق العبد يمنع صحّة العقد ، وإذا طرأ لم يوجب الانفساخ.

ولو طرأ ذلك قبل قبض الرهن ، ففي الانفساخ للشافعيّة وجهان (٢) ، كما في عروض الجنون والموت. وإذا لم ينفسخ يُباع ويُجعل الثمن رهناً مكانه.

مسألة ١٢٦ : المرتدّ إمّا أن يكون عن فطرة أو لا عن فطرة ، والأوّل يجب قتله في الحال ، ولا تُقبل توبته ، عند علمائنا. والثاني تُقبل توبته ، ولا يجب قتله في الحال إلاّ بعد الامتناع من التوبة عند الاستتابة.

إذا عرفت هذا ، فلو ارتدّ العبد ، فالأقرب : أنّ الردّة إن كانت عن فطرةٍ ، لم يصح رهنه ؛ لأنّه في كلّ آن يجب إعدامه شرعاً ، ويتعيّن إتلافه ، فانتفت غاية الرهن فيه ، وهي التوثيق. وإن لم يكن عن فطرة ، صحّ رهنه ؛ لأنّ الردّة لا تزيل الملك.

والعامّة أطلقوا وقالوا : يصحّ رهن المرتدّ ، كما يصحّ بيعه (٣) ؛ لبقاء‌

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٤٦.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٤٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٨٨.

(٣) الحاوي الكبير ٦ : ٨١ ، التهذيب للبغوي ٤ : ٣٢ ، الوجيز ١ : ١٦٠ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٤٦ ، الوسيط ٣ : ٤٦٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٨٨.

١٥٥

الملك مع الردّة ، وإنّما يعرضه للإتلاف ، فهو بمنزلة المريض المدنف.

وإذا ثبت هذا ، فإذا رهنه فإن كان المرتهن عالماً بالردّة ، لم يكن له ردّه ، ولا يثبت له خيار في البيع الذي شرط رهنه فيه.

ثمّ يُنظر فإن عاد إلى الإسلام وتاب ، فقد زال العيب. وإن قُتل بالردّة في يد المرتهن ، لم يثبت للمرتهن خيار فسخ البيع المشروط رهنه فيه ؛ لأنّ القتل حصل في يده بسبب الردّة وقد رضي بها ، فهو بمنزلة أن يرهنه مريضاً فيُعلمه بمرضه ثمّ يموت منه في يده.

لا يقال : الفرق ظاهر ؛ فإنّ المريض تلف بتزايد المرض في يد المرتهن.

لأنّا نقول : والمرتدّ قُتل بإقامته على الردّة في يد المرتهن ، ولأنّه وإن قُتل بما كان في يد البائع إلاّ أنّه لا يصحّ الرضا به ، وهذا مذهب الشافعي (١).

وقيل : إنّه كالمستحقّ (٢) ، فعلى هذا يثبت الخيار في البيع.

فأمّا إذا لم يعلم المرتهن حال الرهن بردّته ثمّ علم بعد ذلك قبل أن يُقتل ، فله الخيار في البيع المشروط رهنه فيه ، فإن قُتل قبل القبض ، فله فسخ البيع ، وإن قُتل بعده ، كان الحكم فيه كما لو رهنه وهو عالم بردّته.

وأمّا إن قُتل قبل أن يعلم بردّته ، قال أبو إسحاق من الشافعيّة : إنّه بمنزلة المستحقّ ، ويثبت الخيار للمرتهن (٣).

__________________

(١) الامّ ٣ : ١٥١.

(٢) انظر : الحاوي الكبير ٦ : ٨٢.

(٣) انظر : الحاوي الكبير ٦ : ٨٣.

(٤) انظر : الحاوي الكبير ٦ : ٨٣.

١٥٦

وقال آخرون : إنّه بمنزلة العيب ، ولا يثبت للمشتري الخيار في الرهن (١).

والشافعي قال هنا : إنّه بمنزلة المستحقّ (٢) ، فجَعَله مع العلم بمنزلة العيب ، ومع عدم العلم بمنزلة الاستحقاق ؛ لأنّه هلك بسببٍ كان موجوداً حال العقد ولم يرض به ، ولا يلزم المريض ؛ لأنّه تلف بسببٍ حادث.

قال أصحابه : إن قلنا بقوله وقول أبي إسحاق ، ثبت للمرتهن الخيارُ في البيع. وإن قلنا بقول الآخَرين ، فلا يثبت له الخيار ولا المطالبة بالأرش إن يكون رهناً.

ويفارق البيع حيث قلنا على هذا الوجه : إنّه يرجح بأرش العيب ؛ لأنّ الرهن لا يلزم إلاّ فيما حصل فيه القبض ، بخلاف البيع ، فما لم يسلمه إليه من صفات الرهن لا يمكنه المطالبة به ، ولا يثبت له الخيار لفقده ؛ لأنّه قد تلف الرهن في يده وتعذّر عليه ردّه ، والرهن مضمون على المرتهن بحقّ الوثيقة (٣).

وقال الشافعي في الأُمّ : ولو أنّه (٤) دلّس فيه بعيب وقبضه فمات في يده موتاً قبل أن يختار فسخ البيع ، لم يكن له خيار الفسخ لما فات من الرهن (٥).

مسألة ١٢٧ : يصحّ رهن العبد الجاني ، سواء كانت الجناية عمداً أو

__________________

(١) انظر : الحاوي الكبير ٦ : ٨٣.

(٢) الام ٣ : ١٥١.

(٣) لم نعثر على نصّه فيما بين أيدينا من المصادر.

(٤) في الطبعة الحجريّة : « وبه قال الشافعي في الأُم. ولأنّه ». وفي « ج » : « وبه قال الشافعي في الأُم. ولو أنّه ». والظاهر ما أثبتناه.

(٥) الأُم ٣ : ١٥١.

١٥٧

خطأً.

والشافعيّة رتّبوا حكم رهنه على بيعه ، فإن قالوا بأنّه لا يصحّ بيعه ، فرهنه أولى. وإن صحّ ، ففي رهنه قولان. وفرّقوا بينهما بأنّ الجناية العارضة في دوام الرهن تقتضي تقديم حقّ المجنيّ عليه ، فإذا وُجدت أوّلاً ، منعت‌من ثبوت حقّ المرتهن (١).

وللشافعيّة ثلاث طرق :

أحدها : إن كان القتل خطأً ، لم يصح قولاً واحداً. وإن كان عمداً ، فعلى القولين.

والثاني : أنّه إن كان عامداً ، صحّ قولاً واحداً. وإن كان خطأً ، فعلى قولين.

والثالث : أنّه على قولين ، عمداً كان أو خطأً. وقد مضى توجيه ذلك في البيع. فإذا قلنا : إنّه يصحّ الرهن ، فالحكم فيه كما ذكرنا في المرتدّ سواء (٢).

إذا عرفت هذا ، فإن لم يصحّ الرهن ففداه السيّد أو أسقط المجنيّ عليه حقَّه ، فلا بدّ من استئناف رهن.

وإن صحّحناه ، قال بعضهم : إنّه يكون مختاراً للفداء ، كما سبق في البيع (٣).

وقال بعضهم : لا يلزمه الفداء ، بخلاف ما في البيع والعتق ؛ لأنّ محل الجناية باقٍ هنا ، والجناية لا تنافي الرهن ، ألا ترى أنّه لو جنى وهو مرهون

__________________

(١) الوسيط ٣ : ٤٦٦ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٤٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٨٩.

(٢) المهذّب للشيرازي ١ : ٢٩٤ و ٣١٦.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٤٧.

١٥٨

تتعلّق الجناية به ، ولا يبطل الرهن (١).

وإن صحّحنا الرهن والواجب القصاص ومنعناه والواجب المال فرهن والواجب القصاص ثمّ عفا المستحقّ على مال ، فيبطل الرهن من أصله أو‌هو كجناية تصدر من المرهون حتى يبقى الرهن لو لم يُبَع في الجناية؟ فيه للشافعيّة وجهان (٢).

وإذا قيل به (٣) ، فلو كان قد حفر بئراً في محلّ عدوان فتردّى فيها بعد ما رهن إنسان ، ففي تبيّن الفساد وجهان. الفرق أنّه في الصورة الأُولى رهن وهو جانٍ ، وهنا بخلافه (٤).

تذنيب : لو رهن عبداً سارقاً أو زانياً ، صحّ الرهن ، ويكون ذلك بمنزلة العيب على ما بيّنّاه.

وإن كان قد قتل في قطع الطريق ، فإن كان قبل قدرة الإمام عليه ، صحّ على أحد القولين ؛ لأنّه تصحّ منه التوبة. وإن كان بعد القدرة ، لم يصح ؛ لأنّ قتله متحتّم.

تذنيبٌ آخَر (٥) : قد بيّنّا أنّ للشافعيّة ثلاث طرق في رهن الجاني ، وأنّ منهم مَنْ يقول في ذلك قولان ، فإذا قلنا فيها قولان ، فرّعنا عليه إذا قلنا : يصحّ الرهن ، كانت الجناية مقدّمةً عليه ، فإن بِيع فيها جميعه ، بطل الرهن. وإن بِيع بعضه ، وبقي الباقي رهناً.

لا يقال : إذا صحّحتم الرهن فألا ألزمتموه الفداء كما إذا أعتقه وصحّحتم عتقه.

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٤٧.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٤٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٩٠.

(٣) الضمير في « به » راجع إلى الوجه الأوّل ، وهو بطلان الرهن من أصله.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٤٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٩٠.

(٥) كلمة « تذنيب » لم ترد في « ج ».

١٥٩

لأنّا نقول : الفرق بينهما أنّا إذا صحّحنا أبطلنا محلّ الجناية ، فضمن المبطل بالأرش ، وفي مسألتنا محلّ الجناية باقٍ ، والجناية لا تنافي الرهن ، ولهذا إذا جنى بعد ما رهن ، تعلّقت به الجناية ، ولم يبطل الرهن.

وأمّا إذا قلنا : لا يصحّ الرهن ، فإن فداه السيّد أو برئ من الجناية ، لم يصر رهناً حتى يبدأ رهنه.

قال الشافعي : ولا فرق بين أن يكون الأرش درهماً والعبد يساوي أُلوفاً أو غير ذلك (١).

وإنّما كان كذلك لأنّ اليسير يتعلّق بجميعه كتعلّق الكثير ، ألا ترى أنّه لو رهنه عبداً بدرهم يسوي أُلوفاً ، لم يجز رهنه بشي‌ءٍ آخَر عند غيره قولاً واحداً ، وكذا الجنابة أيضاً.

مسألة ١٢٨ : يصحّ رهن المدبَّر عند علمائنا ؛ لأنّ التدبير عندنا وصيّة وللموصي الرجوع في وصيّته ، وكذا المدبَّر له الرجوع في تدبيره ، وإذا صحّ الرهن ، بطل التدبير ؛ لأنّ ذلك رجوع فيه.

والشافعيّة اختلفوا في هذه المسألة على ثلاث طرق :

منهم مَنْ قال : إنّما يكون الرهن مفسوخاً على القول الذي يقول : إنّ التدبير [ تعليق ] (٢) عتقٍ بصفة لا يصحّ الرجوع فيه ، فأمّا إذا قلنا : إنّه وصيّة ، صحّ الرهن ، وكان رجوعاً عن التدبير ، كما إذا أوصى به لزيد ثمّ رهنه ، فإنّه يكون رجوعاً عن الوصيّة ، ويصحّ الرهن.

ومنهم مَنْ قال : يكون الرهن مفسوخاً على القولين ؛ لأنّ السيّد قد يموت فجأةً ، فيبطل مقصود الرهن ، ولا يعلم وقت موته حتى يُباع قبله.

__________________

(١) روضة الطالبين ٣ : ٢٨٩.

(٢) ما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.

١٦٠