تذكرة الفقهاء - ج ١٣

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

تذكرة الفقهاء - ج ١٣

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-389-6
الصفحات: ٤٢١

ما بِيع به إن كان أكثر ؛ لأنّه عندنا عارية مضمونة ، وهو أحد قولي الشافعي (١) على تقدير أنّه عارية ، وعلى القول الآخَر (٢) : إنّه ضمانٌ لا شي‌ء على الراهن عنده ، بل تلف من مالكه ؛ لأنّه لم يقبض عنه شيئاً ، والضامن إنّما يرجع بما أدّى ، ولم يسقط الحقّ عن ذمّة الراهن.

وقال أبو حنيفة : إنّه يرجع عليه بما سقط بذاك من حقّ المرتهن ؛ لأنّ مذهبه أنّ الرهن مضمون على المرتهن بدَيْنه (٣) ، فكأنّه قضى عنه ذلك.

وإن تلف العبد في يد الراهن ، ضمن ، سواء فرّط فيه أو لا ؛ لما قلنا من أنّه عارية مضمونة ، وهو أحد قولي الشافعيّة. والثاني : أنّه يبنى على القولين ، كما لو تلف في يد المرتهن (٤).

مسألة ١٠٧ : لو جنى في يد المرتهن أو في يد الراهن فبِيع في‌ الجناية ، كان على الراهن ضمانه ؛ لما بيّنّا أنّه عارية مضمونة ، وهو أحد قولي الشافعي بناءً على القول بأنّه عارية (٥).

قال الجويني : هذا إذا قلنا : العارية تضمن ضمان المغصوب ، وإلاّ فلا شي‌ء عليه (٦).

وعلى القول الثاني : إنّه ضمان ، فلا شي‌ء عليه في هذه الصورة (٧).

وقال بعض الشافعيّة : قول الضمان أرجح (٨).

إذا عرفت هذا ، فإنّ المالك يرجع بالأكثر من قيمة العبد ومن الثمن الذي بِيع به في الجناية ؛ لأنّه على كلا التقديرين ثمن ملكه ، فيكون له.

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٥٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٩٤.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٥٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٩٤.

(٣) المبسوط للسرخسي ٢١ : ٦٤ ٦٥ ، الهداية للمرغيناني ٤ : ١٢٨.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٥٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٩٤.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٥٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٩٤.

(٦) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٥٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٩٤.

(٧) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٥٦.

(٨) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٥٦.

١٢١

مسألة ١٠٨ : إذا أذن في الرهن فإن سوّغ له الرهن كيف شاء ، جاز للراهن أن يرهن على أيّ مقدار شاء وعند أيّ مرتهن شاء وكيف شاء من حلول أو تأجيل إلى أيّ أجل شاء ؛ لأنّ تعميم هذا النوع من التصرّف يجري مجرى التنصيص على كلّ واحد من الجزئيّات ، ولا ريب أنّه لو نصّ على أيّ جزئيّ كان ، صحّ ، فكذا مع ما يقوم مقامه.

وإن خصّص البعض وعمّم الباقي ، تخصّص ما خصّصه ، ولا يجوز له التجاوز ، إلاّ مع الغبطة للمالك ، وساغ التصرّف في الباقي كيف شاء.

فلو أذن له في الرهن على مائة عند مَنْ شاء وكيف شاء ، لم يجز له التجاوز في القدر إلاّ في الأقلّ ، وجاز التعميم في الباقي.

ولو أذن له في الرهن عند مَنْ شاء على أيّ قدر شاء إلى سنة ، تخيّر في القدر قلّةً وكثرةً وفي الغرماء ، ولم يجز له التجاوز عن السنة إلاّ ما دون ؛ لاشتماله على الغبطة للراهن.

ولو عيّن المرتهن ، تعيّن ، ولم يجز التجاوز مطلقاً.

ولو أطلق الإذن ولم يقيّده بتعميمٍ ولا تخصيص ، احتُمل الجواز ؛ للإطلاق ، وانتفاء التخصيص ؛ لعدم الأولويّة بالبعض دون البعض ، وبه قال أبو حنيفة (١).

والمنعُ ؛ لما فيه من التغرير بالمالك ، لاحتمال أن يرهنه على أضعاف قيمته وإلى مدّة تزيد على عمره ، ولا غرر أعظم من ذلك. وهو الأقوى ، فحينئذٍ يجب بيان جنس الدَّيْن وقدره وصفته في الحلول والتأجيل وغيرهما وهو قول الشافعي على القول بأنّه ضمان (٢) لاختلاف أغراض الضامن

__________________

(١) بدائع الصنائع ٦ : ١٣٦ ، المغني ٤ : ٤١٣.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٥٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٩٤ ٢٩٥.

١٢٢

بذلك.

ونقل بعض الشافعيّة عن القديم للشافعي أنّه يجوز السكوت عن ذكر الحلول والتأجيل (١).

وهل يجب بيان مَنْ يرهن عنده؟ الأصحّ عندهم : الوجوب (٢).

ولهم وجهٌ آخَر : أنّه لا يجب (٣).

وعلى القولين إذا عيّن شيئاً من ذلك لم تجُزْ مخالفته. نعم ، لو عيّن قدراً ، جاز أن يرهن بما دونه (٤).

تذنيب : لو عيّن له القدر فزاد عليه ، احتُمل بطلانُ الزائد خاصَّةً ، ويبقى رهناً على المأذون فيه لا غير. وبطلانُ الجميع ؛ للمخالفة ، كما لو باع الوكيل بالغبن الفاحش ، لا نقول : ( يصحّ البيع ) (٥) في القدر الذي يساوي‌ الثمن.

وللشافعي قولان كالاحتمالين ، لكنّهم قالوا على تقدير البطلان في الزيادة لا غير : يبقي في المأذون قولا تفريق الصفقة (٦).

تذنيبٌ آخَر : لو قال المستعير : أعرني لأرهنه بألف أو من فلان ، فأعاره ، فالوجه : التخصيص بما خصّصه المستعير في السؤال ، كما لو خصّصه المعير بنفسه ، وهو أظهر وجهي الشافعيّة (٧) تنزيلاً للإسعاف على الالتماس.

مسألة ١٠٩ : إذا طالَب صاحبُ العبد الراهنَ بفكّه ، فلم يفكّه ففكّه

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٥٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٩٥.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٥٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٩٥.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٥٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٩٥.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٥٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٩٥.

(٥) بدل ما بين القوسين في « ج » والطبعة الحجريّة : « يصحّ من المبيع ». والظاهر ما أثبتناه.

(٦) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٥٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٩٥.

(٧) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٥٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٩٥.

١٢٣

صاحبه ، فإن كان بغير إذنه ، لم يرجع على الراهن ، وكان متبرّعاً متطوّعاً في قضاء دَيْن الراهن ، فليس له مطالبته ، كما لو تبرّع إنسان بقضاء دَيْن غير من غير مسألة.

وإن قضاه بإذن الراهن ، رجع عليه وإن لم يشترط الرجوع ؛ لأنّه قد تعلّق برقبة عبده.

فإن اختلف الراهن وسيّد العبد في الإذن ، فادّعاه السيّد وأنكره الراهن ، فالقول قول الراهن مع اليمين وعدم البيّنة ؛ لأصالة براءة ذمّته ، وعدم الإذن في الفكّ من المرتهن. فإن أقام سيّدُ العبد البيّنة أنّ المرتهن أذن له ، كان له الرجوع. فإن شهد له المرتهن بالإذن من الراهن ، قُبلت شهادته ؛ لأنّه لا يجرّ إلى نفسه بشهادته نفعاً ، ولا يدفع بها ضرراً ، فانتفت التهمة.

تذنيب : لو رهن إنسان عبده على دَيْن غيره متبرّعاً من غير إذن‌ المديون ، صحّ الرهن ، كما يصحّ الضمان متبرّعاً والأداء كذلك.

ثمّ إن بِيع العبد في الدَّيْن ، صحّ البيع ، وليس لمالكه الرجوعُ على المديون بشي‌ء ؛ لأنّه متبرّع.

مسألة ١١٠ : لو استعار عبداً من رجل فرهنه عند رجل بمائة وطالَبه بفكاكه ، فدفع الراهن إلى المرتهن خمسين ، قالت الشافعيّة : لم ينفكّ شي‌ء من الرهن حتى يقبضه جميع الدَّيْن (١).

وهو جيّد إن شرط المرتهن أن يكون العبد رهناً على جميع الدَّيْن وعلى كلّ جزء منه.

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٢٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٤٧.

١٢٤

فحينئذٍ لو استعاره من رجلين فرهنه عنده فقضاه نصف الدَّيْن عن أحد النصيبين ، صحّ ، وخلص النصيب الذي أدّى الدَّيْن عنه.

وللشافعي قولان قالهما في الرهن الصغير :

أحدهما : أنّه بمنزلة الصفقة الواحدة ؛ لأنّ الراهن واحد ، والحقّ واحد.

والثاني : أن يكون بمنزلة الصفقتين ؛ لأنّ الاعتبار بالمالك دون العاقد.

فإذا قلنا : إنّه بمنزلة الصفقة الواحدة ، لم ينفكّ منه شي‌ء. وإذا قلنا : إنّه بمنزلة الصفقتين ، انفكّ نصف العبد (١).

ويُنظر في المرتهن ، فإن كان قد علم أنّه لسيّدين ، فلا خيار له ؛ لأنّه علم أنّه عقدين ، لأنّه استفاده بإذنهما.

وإن لم يكن يعلم ، فإن لم يكن على بيع ، فلا خيار.

وإن كان مشروطاً في بيع ، قال ابن سريج منهم : فيه وجهان :

أحدهما : لا خيار له ؛ لأنّه حصل له رهن جميع العبد ، وإنّما انفكّ بعد الكسر.

[ و ] الثاني : له الخيار ؛ لأنّه دخل فيه على أن يكون رهناً واحداً ، فلا ينفكّ منه شي‌ء إلاّ بقضاء جميع الدَّيْن ، فإذا بانَ بخلافه ، ثبت له الخيار (٢).

فلو رهن هذا العبد عند رجلين فقضى أحدهما ، انفكّ نصيب كلّ واحد منهما. وإن دفع نصف أحدهما ، انفكّ نصف ما عنده ، وهو نصف نصيب أحدهما على أحد القولين.

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٢٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٤٧.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٢٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٤٧.

١٢٥

البحث الثالث : المحلّ.

وشروطه أربعة : أن يكون عيناً مملوكة (١) ، يصحّ تقبيضه للمرتهن ، ويمكن بيعه.

الشرط الأوّل : أن يكون عيناً ، فلا يصحّ رهن المنافع ، كما لو رهنه إجارة الدار سنة على الدَّيْن الذي له عليه ؛ لأنّ الدَّيْن إن كان مؤجَّلاً ، فالمنافع تتلف إلى حلول الأجل ، فلا تحصل فائدة الرهن ، وإن كان حالاّ ، فبقدر ما يتأخّر قضاء الدَّيْن يتلف جزء من المرهون ، فلا يحصل الاستيثاق. ولأنّ المنافع لا يصحّ إقباضها إلاّ بإتلافها ، والرهن عند جماعةٍ من شرطه الإقباضُ.

لا يقال : يحصل الإقباض بقبض العين كما قلتم ذلك في الإجارة.

لأنّا نقول : إنّما جعلنا ذلك قبضاً في الإجارة ؛ لأنّ الحاجة في المنافع‌ داعية ، ولا حاجة إلى رهن المنافع. ولأنّ قبض العين ليس بقبضٍ تامّ في الإجارة ، فلا ينتقل به الضمان.

وإن رهن اجرة داره سنة ، لم يصحّ ؛ لأنّ الأُجرة مجهولة. ولأنّها ليست مملوكةً ، وإنّما تُملك بعقد الإجارة ولم يوجد.

ورهن المدبَّر إبطالٌ للتدبير على الأقوى ؛ لأنّ التدبير وصيّة ، وكما تبطل الوصيّة برهن الموصى به ، فكذا المدبَّر يبطل برهنه.

ولو شرط رهن الخدمة فيه ، بطل الشرط والرهن ؛ لأنّ الخدمة ليست عيناً يصحّ تعلّق الرهن بها.

__________________

(١) اعتبر المصنّف قدس‌سره الشرط الأوّل والثاني بالعينيّة والمملوكيّة.

١٢٦

مسألة ١١١ : لا يصحّ رهن الدَّيْن إن شرطنا في الرهن القبضَ ؛ لأنّه لا يمكن قبضه ، لعدم تعيّنه حالة الرهن.

وللشافعيّة في جواز رهنه وجهان :

أحدهما : الجواز ؛ تنزيلاً لما في الذمم منزلة الأعيان ، ألا ترى أنّه يجوز شراء (١) ما في الذمّة وبيعه سَلَماً.

وأصحّهما عندهم : المنع ؛ لأنّ الدَّيْن غير مقدور على تسليمه (٢).

ومنهم مَنْ رتَّب هذا الخلاف على الخلاف في بيع الدَّيْن ، والرهن أولى بالمنع ؛ لأنّه لا يلزم إلاّ بالقبض ، والقبض لا يصادف ما تناوله العقد ولا مستحقّاً [ بالعقد ، والقبض في البيع يصادف مستحقاً ] (٣) بالعقد ؛ لأنّ البيع سبب الاستحقاق (٤).

مسألة ١١٢ : لا يشترط في صحّة الرهن كونه مفرزاً ، بل يصحّ رهن المشاع ، كما يصحّ رهن المقسوم ، سواء رهن من شريكه أو من غير شريكه ، وسواء كان ذلك ممّا يقبل القسمة أو لا يقبلها ، وسواء كان الباقي للراهن أو لغيره ، مثل أن يرهن نصف داره أو نصف عبده أو حصّته من الدار المشتركة بينه وبين غيره ، عند علمائنا أجمع وبه قال مالك والشافعي والأوزاعي وابن أبي ليلى وعثمان البتّي وعبيد الله بن الحسن العنبري وسوار القاضي وأبو ثور وداوُد وأحمد (٥) لعموم قوله تعالى ( فَرِهانٌ

__________________

(١) في والطبعة الحجريّة : « شرط » بدل « شراء ». والصحيح ما أثبتناه من « العزيز شرط الوجيز ».

(٢) حلية العلماء ٤ : ٤٢٤ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٣٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٨٢.

(٣) ما بين المعقوفين من المصدر.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٣٨.

(٥) المغني ٤ : ٤٠٧ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٠٥ ، المحلّى ٨ : ٨٨ ، بداية المجتهد ٢ :

١٢٧

مَقْبُوضَةٌ ) (١) وللأصل. ولأنّها عين يجوز بيعها في محلّ الحقّ ، فجاز رهنها ، كالمنفرد.

وقال أبو حنيفة : لا يجوز رهن المشاع من غير إذن الشريك. ولو طرأت الإشاعة على الرهن بأن يبيع بعضه ، ففيه وجهان. وفي رهنه من الشريك روايتان ؛ لأنّه يستحقّ زوائده عنده لمعنىً (٢) قارنَ الرهنَ فلم يصح رهنه ، كالمغصوب (٣). ويُمنع وجوب زوال اليد ، ويُنتقض بالقائل (٤)

والمرتدّ والمغصوب [ و ] رهن ملك غيره (٥) بغير إذنه ولا ولايته ، بخلاف المتنازع.

مسألة ١١٣ : لو رهن نصيبه من بيتٍ معيّن من الدار المشتركة بإذن الشريك صحّ.

ولو لم يأذن الشريك ، فكذلك عندنا وهو أصحّ وجهي الشافعيّة (٦) ـ

__________________

٢٧٣ ، مختصر المزني : ٩٣ ، الحاوي الكبير ٦ : ١٤ ، التهذيب للبغوي ٤ : ١٥ ، حلية العلماء ٤ : ٤٢١ ، الوسيط ٣ : ٤٦٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٣٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٨٢ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٢٨٨ / ٢٠٠٣.

(١) البقرة : ٢٨٣.

(٢) في « ج » والطبعة الحجريّة : « بمعنى » والظاهر ما أثبتناه.

(٣) المبسوط للسرخسي ٢١ : ٦٩ ، الهداية للمرغيناني ٤ : ١٣٢ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٢٨٧ / ٢٠٠٣ ، أحكام القرآن للجصّاص ١ : ٥٢٤ ، بداية المجتهد ٢ : ٢٧٣ ، التهذيب للبغوي ٤ : ١٥ ، حلية العلماء ٤ : ٤٢٢ ، الوسيط ٣ : ٤٦٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٣٨ ، المغني ٤ : ٤٠٧ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٠٥.

(٤) أي : رهن القائل و ..

(٥) في « ج » والطبعة الحجريّة : « رهن في ملك غيره » والصحيح ما أثبتناه.

(٦) التهذيب للبغوي ٤ : ١٨ ، الوسيط ٣ : ٤٦٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٣٨ ٤٣٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٧٢.

١٢٨

لأنّه يصحّ بيعه بدون إذن الشريك ، فصحّ رهنه.

والثاني : لا يجوز ؛ لأنّه ربما تتّفق القسمة ويقع هذا البيت في نصيب صاحبه ، فيكون قد رهن ملك غيره ، بخلاف البيع ، فإنّه إذا باع ، زال ملكه عن البيت ، واستحالت المقاسمة معه (١).

وبعض القائلين بالثاني قال : إنّ الحكم في البيع مثله (٢).

وعلى القول بالوجه الأوّل لو اتّفقت القسمة كما قرّر ، فهو كتلف المرهون أو يغرم قيمته : فيه احتمالان أوجههما : الثاني إضافةً للغوات إليه ، وكيف يُنزّل منزلة الآفة السماويّة وقد حصل له في قطرٍ آخر من الدار مثل ما كان له في ذلك البيت!؟ (٣)

وقال بعضهم بقولٍ متوسّط بين القولين ، وهو أنّه إن كان مختاراً في القسمة ، غرم القيمة. وإن كان مُجبراً ، فهو كالفوات (٤).

تذنيب : القبض في رهن المشارع بتسليم الكلّ ، فإذا حصل القبض ، جرت المهايأة بين المرتهن والشريك جريانها بين الشريكين ، ولا بأس‌ بتبعيض اليد بحكم الشيوع ، كما لا بأس به لاستيفاء الراهن المنافعَ.

الشرط الثاني : أن تكون العين مملوكةً ؛ لأنّ مقصود الرهن استيفاء الحقّ من ثمن المرهون عند الحاجة ، وإنّما يتحقّق الثمن فيما يصحّ بيعه ، وغير المملوك لا يصحّ بيعه ، فلا يصحّ رهنه.

ولا يصحّ رهن ما لا يصحّ تملّكه مطلقاً ، كالحُرّ وكالحشرات

__________________

(١) التهذيب للبغوي ٤ : ١٨ ، الوسيط ٣ : ٤٦٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٣٨ ٤٣٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٧٢.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٣٩.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٣٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٨٢.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٣٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٨٢.

١٢٩

وما لا منفعة فيه ، كفضلات الإنسان وأشباهها ممّا لا يُعدّ ملكاً ؛ إذ لا استيثاق فيه ، وسواء فرض له منفعة محرّمة لم يعتبرها الشارع كالآلات اللهو والقمار ، التي لا قيمة لها بعد إزالة الوصف المحرّم عنها ، أو لم تكن كالحشرات.

ولو كان لها قيمة بعد الكسر ، فالوجه : المنع من رهنها ما دامت صحيحة ، كما لا يصحّ بيعها إلاّ بعد كسرها.

وكذا لا يصحّ رهن ما لا يصحّ تملّكه للمسلم إن كان الراهن أو المرتهن مسلماً ، كالخمر وشبهه. ولو كانا ذمّيّين جاز الرهن. ولو أسلما أو أحدهما قبل فكّه ، بطل الرهن.

ولو رهن الذمّيُّ خمراً عند مسلمٍ ، لم يصح وإن وضعها على يد ذمّيٍّ على خلاف.

مسألة ١١٤ : لو رهن ملك غيره بغير إذنه ، وقف على الإجازة ، فإن أجازه المالك ، صحّ ، وإلا بطل.

ولو رهن المملوك له ولغيره ، صحّ الرهن في حصّته المملوكة خاصّةً ، وكان موقوفاً على الإجازة في حصّة الآخر ، سواء كان الرهن واحداً مشاعاً بينهما ، أو رهن ملكين صفقةً أحدهما والآخر لصاحبه.

مسألة ١١٥ : لا يصحّ رهن أرض الخراج ، وهي الأرض التي صالح الإمامُ أهل بلدٍ على أن يكون ملكاً للمسلمين ، وضرب عليهم الخراج ، فإنّ‌ ذلك اجرة وبه قال الشافعي ـ (١) لأنّ الرهن لا يختصّ بها ، بل حكمها راجع إلى جميع المسلمين بالسويّة ، فلا يجوز بيع ذلك ولو رهنه.

__________________

(١) الحاوي الكبير ٦ : ٧٧ ، التهذيب للبغوي ٤ : ٣١ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٤٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٨٤ ، مختصر اختلاف العلماء ٣ : ٤٩٥ / ١٦٤٥ ، المغني ٤ : ٤١٦ ، الشرح الكبير ٤ : ٤١٥.

١٣٠

وأرض العراق وهو سواد الكوفة ، فهو من تخوم الموصل إلى عبّاد ان طولاً ، ومن القادسيّة إلى حلوان عرضاً ، فهي من الأرض المفتوحة عنوةً فعندنا أنّ المحياة منها وقت الفتح للمسلمين قاطبة ولا وقفها ولا رهنها. ومواتها وقت الفتح للإمام خاصّةً.

وقال الشافعي : إنّ عُمر فتحها عنوةً ، وقسّم الأراضي بين الغانمين ، ثمّ رأى أنّهم يشتغلون بها عن الجهاد فاستنزلهم عنها ، وردّها إلى أهلها ، وضرب عليهم الخراج (١).

وقال بعض الشافعيّة : إنّه وقفها على المسلمين ، وجعل الخراجَ اجرةً تُؤخذ في كلّ سنة (٢).

وقال ابن سريج منهم : إنّ الخراج ثمن الأرض يؤخذ منه كلّ سنة جزء (٣).

وظاهر مذهب الشافعي : الأوّل ، وهو مذهب أحمد (٤).

وابن سريج يقول : لم يُرد الشافعي بقوله أرضَ العراق ؛ لأنّ الناس

__________________

(٤) الحاوي الكبير ٦ : ٧٧ ، الوجيز ٢ : ١٩٣ ١٩٤ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٤٩ ، روضة الطالبين ٤ : ٤١٥.

(٢) الحاوي الكبير ٦ : ٧٧ ، و ١٤ : ٢٦٠ ، حلية العلماء ٧ : ٧٢٧ ، التهذيب للبغوي ٧ : ٤٨٩ ، الوسيط ٣ : ٤٦٣ ، الوجيز ١ : ١٥٩ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٥٠ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٧٠.

(٣) الحاوي الكبير ٦ : ٧٧ ، و ١٤ : ٢٦ ٢٦١ ، حلية العلماء ٧ : ٧٢٦ ، التهذيب للبغوي ٧ : ٤٨٩ ، الوسيط ٣ : ٤٦٣ ، الوجيز ١ : ١٥٩ ١٦٠ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٥٠ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٧٠.

(٤) انظر : المغني ٢ : ٥٧٧.

١٣١

يتبايعونها من لدن عمر إلى الآن ، ولم ينكر ذلك منكر (١).

وقال أبو حنيفةً : إنّ عمر أقرّ أهلها عليها ، وضرب الخراج (٢).

فعلى قول ابن سريج من الشافعيّة يجوز بيعها ورهنها (٣) ، وعلى قول بعضهم إنّه لا يصحّ بيعها ولا رهنها (٤).

وإن كان فيها بناء وغرس ، فإن كان البناء معمولاً من ترابها ، فحكمه حكمها. وإن كان من غيرها ، جاز رهنه ورهن الغراس.

وإن أفرد الغراس بالرهن ، صحّ.

وإن رهنه مع الأرض ، لم يصح رهن الأرض ، فأمّا البناء والغراس فمبنيّ على القولين في تفريق الصفقة ، فإن قلنا : تُفرّق ، صحّ فيه. وإذا قلنا : لا تُفرّق ؛ لأنّ الصفقة جمعت حلالاً وحراماً ، فسد في الجميع.

وإن قلنا : لأنّ ذلك يؤدّي إلى جهالة العوض في الجائز منه ، صحّ الرهن هنا فيما يجوز ؛ لأنّه لا عوض فيه.

وإذا صحّ الرهن في البناء والغراس ، فلا خراج على المرتهن ، وإنّما هو على الراهن ، فإنّ الخراج مضروب على الأرض.

ولو كان الغراس أيضاً ، كان على الراهن دون المرتهن ؛ لأنّ الخراج‌ تابع للملك ، وهو للراهن خاصّةً ، ولا شي‌ء على المرتهن ولا على المستأجر.

فإن أدّاه المرتهن على الراهن بغير أمره ، لم يرجع عليه به ؛ لأنّه متبرّع

__________________

(١) انظر : الحاوي الكبير ١٤ : ٢٦١ ، والتهذيب للبغوي ٧ : ٤٨٩ ، والعزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٥٠.

(٢) الهداية للمرغيناني ٢ : ١٤١ ، و ١٥٦ ١٥٧.

(٣) كما في الحاوي الكبير ٦ : ٧٧ ، والتهذيب للبغوي ٧ : ٤٨٩ ، والعزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٥١ ، وروضة الطالبين ٧ : ٤٧٠.

(٤) كما في الحاوي الكبير ٦ : ٧٧ ، والتهذيب للبغوي ٧ : ٤٨٩ ، والعزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٥١ ، وروضة الطالبين ٧ : ٤٧٠.

١٣٢

به متطوّع بقضاء الدَّين.

وقال بعضهم (١) : يرجع به لأنّ نفع ذلك عاد إلى المقضي عنه.

وهو يبطل بالهبة.

وإن قضاء بإذنه ، فإن شرط له الرجوع ، وجب له الرجوع. وإن لم يشترط له الرجوع ، بل أطلق الأمر ، فللشافعيّة وجهان :

أحدهما : يرجع ؛ لأنّ أمره بذلك يقتضي الرجوع عليه ، كما إذا أمره بشراء شي‌ء له ، فإنّ الثمن يجب عليه.

والثاني : لا يرجع ، لأنّه إذا لم يشترط العوض له ، كان متطوّعاً ، كما لو ملّكه شيئاً ولم يشترط العوض ، فإنّه يكون هبةً ، ولا يستحقّ عليه شيئاً (٢).

والأصل في الوجهين قولا الشافعي واختلافهما ؛ فإنّه قال : إلاّ أن يكون دَفَعه بأمره (٣). وهذا يعطي الاكتفاء بالأمر في الضمان والرجوع. وقال تارةً : لو دفع إلى قصّار ثوباً فقصره ، فلا اجرة له عليه ؛ لأنّه لم يشرطها له (٤). فجَعَل علّةَ الاستحقاق الاشتراطَ.

مسألة ١١٦ : يجوز رهن العصير ؛ لأنّه عين يصحّ تملّكها ، ويجوز‌ بيعها إجماعاً ، فيصحّ رهنها. وخوف تغيّرها لا يمنع من صحّة الرهن ، كما يجوز رهن المريض.

فإن استحال حلواً أو حامضاً ، فالراهن بحاله.

__________________

(١) وهو مالك ، قاله فيما إذا أدّاه مكرهاً أو مختاراً وكان صديقاً للراهن ، راجع : الحاوي الكبير ٦ : ٧٩.

(٢) الحاوي الكبير ٦ : ٧٩ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٤٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٨٥.

(٣) الام ٣ : ١٥١ ، مختصر المزني : ٩٥.

(٤) انظر : المهذّب للشيرازي ١ : ٤١٧ ٤١٨.

١٣٣

وإن صار خمراً بعد الإقباض فيد يد المرتهن ، خرج عن كونه رهناً ؛ لبطلان الملك فيه ، وخرج عن كونه مملوكاً. ولا خيار للمرتهن إن كان الرهن مشروطاً في بيع ؛ لحدوث العيب في يده ، وهو قول جمهور الشافعيّة (١).

فإذا عاد خلاًّ ، عاد الرهن ، كما يعود الملك.

وقال بعضهم : لا يعود الرهن إلاّ بعقدٍ جديد (٢).

وقال بعضهم : لا يخرج عن كونه رهناً ، ولا نقول بأنّها مرهونة ، بل يتوقّف فإن عاد خلاًّ ، بانَ أنّ الرهن لم يبطل ، وإن بقي على الخمريّة ، ظهر بطلان الرهن (٣).

وقال أبو حنيفة وأصحابه : إنّه لا يزول ملك الراهن عنه ، فهو رهن بحاله ؛ لأنّ له قيمةً في حال كونه عصيراً ، ويجوز أن يصير له قيمة في الثاني ، فلا يزول ملكه عنه ، كما لو ارتدّ العبد (٤).

وليس بجيّد ، لأنّ كونه خمراً يمنع صحّة التصرّف والضمان على المرتهن ، فبطل فيه الملك ، كموت الشاهد. ويفارق المرتدّ ؛ لأنّه يصحّ فيه التصرّف.

إذا عرفت هذا ، فقولنا : إنّ الرهن يبطل ، لا نريد به اضمحلال أثره بالكلّيّة ، وإلاّ لم يعد الرهن ، بل المراد ارتفاع حكمه ما دامت الخمرية ثابتة.

ولو رهن شاة فماتت في يد المرتهن ، بطل ملكها ، وخرجت من

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٧٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٣١٢.

(٢) الحاوي الكبير ٦ : ١١٠ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٨٠.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٧٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٣١٢.

(٤) حلية العلماء ٤ : ٤٥٥ ، المغني ١ : ٨٤ ، الشرح الكبير ١ : ٩٧.

١٣٤

الرهن.

فإن عاد الراهن فدبغ جلدها ، لم يصح تملّكه عندنا ؛ لبقاء نجاسته بعد الدبغ.

وعند العامّة يطهر بالدباغ (١) ، فعلى قولهم يعود ملك الراهن إليها.

وللشافعيّة في عود الرهن في الجد بعد الدبغ وجهان :

أحدهما : أنّه يعود الرهن لأنّ الملك الأوّل عاد ، فتبعه الرهن ، كما إذا انقلب الخمر خلاًّ.

وأظهرهما عند أكثر الشافعيّة : لا يعود ؛ لأنّ ماليّته مخلوقة (٢) بالصنعة والمعالجة ، فالراهن مَلَك الجلد بالدباغ ، وذلك أثر استحدثه ، وليس العائد ذلك الملك وهو قول أبي إسحاق بخلاف الخمر إذا تخلّلت ؛ لأنّها عادت بنفسها (٣).

واعتُرض بشاة ماتت لرجلٍ فغصبها غاصبٌ ودبغ جلدها هل يملكه‌ الغاصب أم لا؟ قال أبو إسحاق : الأقوى : أنّ الغاصب يملك بما استحدثه من الدباغ.

والفرق أنّ الغاصب يده بغير حقّ ، فكان فعله لا حكم له ، ويد

__________________

(١) الحاوي الكبير ١ : ٥٩ ، المهذّب للشيرازي ١ : ١٧ ، التهذيب للبغوي ١ : ١٧٣ ، حلية العلماء ١ : ١١٠ ، العزيز شرح الوجيز ١ : ٨١ ، المجموع ١ : ٢١٧ ، روضة الطالبين ١ : ١٥١ ، المغني ١ : ٨٤ ، الشرح الكبير ١ : ٩٧.

(٢) كذا في « ج » والطبعة الحجريّة. وفي « العزيز شرح الوجيز » : « مجلوبة » بدل « مخلوقة ».

(٣) الحاوي الكبير ٦ : ١١١ ، المهذّب للشيرازي ١ : ٣٢٣ ، التهذيب للبغوي ٤ : ٤٤ ، حلية العلماء ٤ : ٤٥٦ ، العزيز شحر الوجيز ٤ : ٤٨٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٣١٢.

١٣٥

المالك يدٌ بحقِّ (١).

فنُقض عليه برجل حجَّر أرضاً مواتاً فجاء ثانٍ أحياها ، فإنّ الثاني يملكها وإن كانت يد الأوّل بحقٍّ ، فلو كان الدبغ سبباً لملكٍ مستحدث ، لملكها به وإن كانت يده بغير حقِّ.

فقال : يد المحجِّر لم تُسند إلى ملكٍ سابق فلهذا كان أحقّ بالملك.

وهذا هو الحجّة عليه ؛ لأنّ يد الراهن إذا كانت مستندةً إلى ملكٍ سابق ، فإذا عاد الملك ثبت أنّه للمالك السابق.

إذا عرفت هذا ، فقال أصحاب أبي حنيفة : لا يزول ملك الراهن وحقّ المرتهن عن الجلد بالموت ، كما قالوا في الخمر (٢).

ولو انقلب العصير المرهون خمراً قبل القبض ، ففي بطلان الرهن البطلان الكلّي وجهان للشافعيّة :

أحدهما ؛ نعم ؛ لاختلال المحلّ في حال ضعف الرهن وجوازه ، ويثبت للمرتهن الخيار في البيع الذي شرط فيه ارتهانه.

والثاني : لا ، كما لو تخمّر بعد القبض (٣).

وقضيّة إيراد أكثرهم ترجيح هذا الوجه ؛ لأنّهم قرّبوا هذا الخلاف من‌ الخلاف في صورة عروض الجنون ، أو بنوه عليه ، فقالوا : إن ألحقناه الرهن بالوكالة ، بطل بعروض الجنون وانقلابه خمراً قبل القبض. وإن ألحقناه بالبيع الجائز ، لم يبطل (٤).

__________________

(١) لم نعثر عليه في مظانّه. وفي الحاوي الكبير ٦ : ١١١ عن أبي إسحاق المروزي أنّه يكون ملكاً لربّه الأوّل دون الدابغ ، فلاحِظْ.

(٢) حلية العلماء ٤ : ٤٥٦.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٣١٢ ٣١٣.

١٣٦

قال بعضهم : وعلى الوجهين لو كان الرهن مشروطاً في بيعٍ ، ثبت للمرتهن الخيار ؛ لأنّ الخلّ أنقض من العصير ، ولا يصحّ الإقباض حالة الشدّة.

ولو فعل وعاد خلاًّ ، فعلى الوجه الثاني لا بدّ من استئناف قبضٍ. وعلى الأوّل لا بدّ من استئناف عقدٍ (١).

ثم القبض فيه على ما ذكرنا فيما إذا رهن من الإنسان ما في يده.

ولو انقلب المبيع خمراً قبل القبض ، فالكلام في انقطاع البيع وعودة إذا عاد خلاًّ على ما ذكرنا في انقلاب العصير المرهون خمراً بعد القبض.

مسألة ١١٧ : الخمر قسمان :

خمرٌ محترمة ، وهي التي اتّخذ عصيرها ليصير خَلاًّ وإنّما كانت محترمةً لأنّ اتّخاذ الخلِّ جائز إجماعاً ، والعصير لا ينقلب إلى الحموضة إلاّ بتوسّط الشدّة ، فلو لم تُحترم وأُريقت في تلك الحال لتعذَّر اتّخاذ الخَلّ.

والثاني : خمرٌ غير محترمة ، وهي التي اتّخذ عصيرها لغرض الخمريّة.

فالأُولى لا تجب إراقتها. وهل تجب إراقة الثانية؟ فيه قولان للشافعيّة (٢).

فإن تلفت ، فلا كلام ، ولا خيار للمرتهن ؛ لأنّ ذلك حصل في يده.

وإن استحال خلاًّ ، عاد ملكه لصاحبه مرهوناً ، لأنّه يعود مملوكاً

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٨٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٣١٣.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٨٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٣١٣.

(٣) لم نعثر على ما نُسب إليهم ، ولهم وجهان في طهارتها فيما إذا لم يرقها فتخلّلت. انظر : العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٨٢ ، وروضة الطالبين ٣ : ٣١٤.

١٣٧

بحكم الملك الأوّل ، فيعود حكم الرهن ؛ لأنّه زال بزوال الملك ، فعاد بعوده.

فإن قيل : أليس أنّ العقد إذا بطل لا يصحّ حتى يُبتدأ ، والرهن بطل فيه حين صار خمراً؟

فالجواب : أنّ العقد إذا وقع فاسداً ، لم يصح حتى يوجد صحيحاً ، وليس كذلك هنا ؛ لأنّ العقد وقع صحيحاً ، وحدث بالمعقود معنى أخرجه من حكم العقد ، فإذا زال ذلك ، عاد حقّ العقد ، كما أنّ زوجة الكافر إذا أسلمت ، حرم وطؤها عليه ، وخرجت بذلك من حكم العقد ، فإذا أسلم الزوج قبل انقضاء العدّة ، عاد حكم العقد. وكذلك إذا ارتدّ أحد الزوجين.

مسألة ١١٨ : إذا كان في يده عصير فصار خمراً فأراقه فجمعه جامعٌ فصار في يده خلاًّ ، فالأقرب : أنّه يكون ملكاً للثاني ؛ لخروجه عن ملك الأوّل بصيرورته خمراً ، ولا يصحّ للمسلم تملّكه ابتداءً ولا استدامةً ، وخروجه عن أولويّة اليد بإراقته ، فانتفى تعلّقه عنه بالكلّيّة ؛ لأنّه أسقط حقّه منها وأزال يده عنها ، فيكون ملكاً للثاني ؛ لاستيلاء يده عليه ، وهذا أحد وجهي الشافعيّة.

والثاني : أنّه يعود ملكاً للأوّل ؛ لأنّه مملوك بالمعنى الأوّل ، وهو الأظهر عندهم ؛ لأنّ الجامع للخمر ممنوع من ذلك ، محرّم عليه ، ويده لا تثبت عليها ، فلا يصحّ تملّكه بذلك (١).

وقوله الأوّل : « أسقط حقّه » ليس بصحيح ؛ لأنّه فَعَل الإراقة التي أمره الشرع بها ، ولو كان كذلك ، لوجب أن تكون مباحةً كالصيود لا يختصّ بملكها الجامعُ ، بل يكون أحقّ بها ؛ لحصولها في يده.

__________________

(١) حلية العلماء ٤ : ٤٥٧.

١٣٨

ونمنع منعه من الجمع على تقدير إرادة التخليل ، وإنّما يُمنع على تقدير إرادة استعماله خمراً.

ونمنع كون يده لا تثبت عليها على تقدير إرادة التخليل.

ولا نعني بإسقاط حقّه إلاّ إراقتها وعدم إمساكها ، والجامع لا يملكها بالجمع ، بل يكون أحقَّ باليد ، فإذا صار خلاًّ في يده ، فقد تجدّد له الملك بالاستيلاء على المباح ، كالاصطياد.

مسألة ١١٩ : يجوز تخليل الخمر بطرح شي‌ء فيها ، وتحلّ ، كما تحلّ لو استحالت من نفسها ، عند علمائنا وبه قال أبو حنيفة ومالك في إحدى الروايتين (١) لما رواه العامّة عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال : « يحلّ الدباغ الجلد كما يحلّ التخليل الخمر » (٢).

ولأنّها خمر استحالت إلى حموضة الخلّ ، فصارت حلالاً ، كما لو استحالت بنفسها. ولأنّها خرجت عن كونها حراماً ، وزوال وصف الخمريّة عنها ، فيزول التحريم المستند إلى الخمريّة ، لأنّ زوال العلّة يوجب زوال المعلول.

وقال الشافعي : إن استحالت الخمر بنفسها ، حلّت. وإن طُرح فيها شي‌ء إمّا عصير أو خَلّ أو خبز حارّ أو غير ذلك من الأعيان فصارت خلاًّ ، لم تحلّ ، ولا يجوز إمساكها للتخليل وبه قال أحمد وإسحاق ومالك في

__________________

(١) تحفة الفقهاء ٣ : ٣٢٩ ، بدائع الصنائع ٥ : ١١٣ ١١٤ ، المبسوط للسرخسي ٢٤ : ٢٢ ، الاختيار لتعليل المختار ٤ : ١٥٩ ، الاستذكار ٢٤ : ١٣١ ٣١٤ / ٣٦٥١٨ ، و ٣١٥ / ٣٦٥٢٥ ، التفريع ١ : ٤١١ ، الحاوي الكبير ٦ : ١١٢ ، حلية العلماء ١ : ٣١٦ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٨١ ، المجموع ٢ : ٥٧٦ ، المحلّى ٧ : ٥١٧ ، المغني ١٠ : ٣٣٨.

(٢) سنن الدارقطني ٤ : ٢٦٦ / ٦ ، الحاوي الكبير ٦ : ١١٢.

١٣٩

الرواية الثانية لما رواه أنس أنّ أبا طلحة سأل رسولَ الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن أيتام ورثوا خمراً ، فقال له : « اهرقها » فقال : أنخلّلها؟ فقال : « لا » (١) وإذا ثبت أنّه محظور ، لم يكن سبباً في الإباحة ، كقتل الصيد في الحرم.

ولأنّه مائع لا يطهر بالكثرة ، فلم يطهر بالصنعة ، كاللبن النجس. ولأنّ ما يقع فيه ينجس ، فلا يمكن طهارة الخمر دونه ، والمطروح فيه لا يحصل فيه الاستحالة ، فهو باقٍ على نجاسته (٢).

والسؤال وقع عن قضيّة خاصّة ، فجاز أن لا تتخلّل تلك الخمرة. ولا يلزم من تحريم السبب لو سُلّم تحريمه هنا تحريم المسبَّب ، فإنّ مَن اصطاد بآلة محرّمة فَعَل محظوراً وكان الصيد حلالاً به. وكذا لو طلّق في الحيض عندهم فَعَل سبباً محرّماً ، وحصلت به البينونة. ونظائره كثيرة لا تحصى. وقتل الصيد في الحرم بمنزلة خلق الصيد. والخمريّة المقتضية للتنجيس قد زالت ، فيزول معلولها ، وهو لا تنجيس ، بخلاف لا مقيس عليه. واستحالة الخمر مطهّرة له. والمطروح فيه كالآنية.

فروع :

أ ـ إذا كانت الخمر في ظرفٍ فَنَقلها من الظلّ إلى الشمس أو من‌ الشمس إلى الظلّ فتخلّلت ، طهرت عندنا.

وللشافعيّة وجهان ، هذا أحدهما ؛ لأنّها لم يخالطها ما يمنعها الطهارة ،

__________________

(١) سنن أبي داوُد ٣ : ٣٢٦ / ٣٦٧٥ ، مسند أحمد ٣ : ٥٦٦ / ١١٧٧٩ ، بتفاوت يسير.

(٢) المهذّب للشيرازي ١ : ٥٥ ، المجموع ٢ : ٥٧٤ و ٥٧٦ و ٥٧٨ ٥٧٩ ، الحاوي الكبير ٦ : ١١٢ ، حلية العلماء ١ : ٣١٦ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٨١ ٤٨٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٣١٤ ، المغني ١٠ : ٣٣٨ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ١٩٠ ، التفريع ١ : ٤١١ ، الاستذكار ٢٤ : ٣١٣ / ٣٦٥١٦ و ٣٦٥١٧ ، و ٣١٥ / ٣٦٥٢٨.

١٤٠