تذكرة الفقهاء - ج ١٣

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

تذكرة الفقهاء - ج ١٣

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-389-6
الصفحات: ٤٢١

مسألة ٩١ : لو كان له على زيد ألف بلا رهن ، فقال زيد المديون : زِدْني ألفاً ، أي : أقرضني ألفاً على أن أدفع إليك رهناً سمّاه بالألفين ، فدفع إليه ، فسد القرض ؛ لأنّه شرط فيه منفعة ، وهو الاستيثاق على الألف الأُولى ، وقد نهى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن قرضٍ جرَّ منفعة (١).

لا يقال : أليس لو شرط أن يعطيه بما يقرضه رهناً جاز وإن كان قد شرط الاستيثاق؟

لأنّا نقول : الشرط : هنا تأكيد لما اقتضاه القرض ، فإنّه يقتضي ردّ مثله ، فإذا شرطه عليه جاز ، فلم يجرّ القرض نفعاً ؛ لأنّ وجوب الردّ ثابت في أصل القرض لا من حيث شرط الرهن ، أمّا هنا فإنّه شرط الاستيثاق في هذا القرض لدَيْنه الأوّل ، فقد شرط استيثاقاً بغير موجب القرض ، فلم يجز.

وبه قال الشافعي (٢).

وإذا فسد الفرض ، لم يملكه المقترض ، ولا يثبت في ذمّته بدله ، وإذا‌ لم يثبت في ذمّته شي‌ء لم يصحّ الرهن ؛ لأنّه رهن بالدَّيْن ولم يثبت ، ولا يصحّ بالألف الأُولى ؛ لأنّه شرط في القرض.

أمّا لو قال : بِعْني عبداً بألف على أن أُعطيك بها وبالألف التي لك عليَّ رهناً ، فباعه على هذا الشرط ، صحّ البيع والرهن عندنا ؛ لأنّه شرط سائغ في عقد بيع ، فكان لازماً ؛ للآية (٣) ، والخبر (٤).

__________________

(١) أورده الغزّالي في الوسيط ٣ : ٤٥٣ ، والرافعي في العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٣٣.

(٢) مختصر المزني : ١٠٠ ، الحاوي الكبير ٦ : ٢٤٦.

(٣) المائدة : ١.

(٤) التهذيب ٧ : ٢٧١ / ١٥٠٣ ، الاستبصار ٣ : ٢٣٢ / ٨٣٥ الجامع لأحكام القرآن ٦ : ٣٣.

١٠١

وقال الشافعي : يفسد البيع والرهن ؛ لأنّه شرط في البيع رهناً على دَيْنٍ آخَر ، فصار بمنزلة بيعين في بيعة ، وهو أن يقول : بِعْنى دارك على أن أبيعك داري ، وذلك فاسد ، فكذا هنا (١).

والحكم في الأصل ممنوع عندنا ، وقد تقدّم (٢).

مسألة ٩٢ : لو قال : أقرضتك هذه الألف بشرط أن ترهن به وبالألف التي لي عليك كذا ، أو بذلك الألف وحده ، فسد القرض‌ على ما تقدّم (٣).

ولو قال المستقرض (٤) : أقرضني ألفاً على أن أرهن به وبالألف القديم أو بذلك الألف كذا ، تردّد الجويني فيه بناءً على أنّ القبول من المستقرض غير معتبر ، والأصحّ اعتباره ، والتسوية بين أن يصدر الشرط من المقرض ويقبله المستقرض ، وبين عكسه (٥).

وكذا لو باع بشرط أن يرهن بالثمن والدَّيْن القديم عند الشافعي (٦).

ويجوز عندنا على ما تقدّم (٧).

فلو رهن المستقرض أو المشتري كما شرط ، فإمّا أن يعلم فساد ما شرط ، أو يظنّ صحّته ، فإن علم الفساد فإن رهن بالألف القديم ، صحّ. وإن رهن بهما ، لم يصحّ بالألف الذي فسد قرضه ؛ لأنّه لم يملكه ، وإنّما هو مضمون في يده للمقرض ، والأعيان لا يرهن عليها.

__________________

(١) مختصر المزني : ١٠٠ ، الحاوي الكبير ٦ : ٢٤٧.

(٢) في ج ١٠ ، ص ٢٥٠ ، المسألة ١١٨.

(٣) في صدر المسألة ٩١.

(٤) في الطبعة الحجريّة : « المقترض ».

(٥) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٦٥.

(٦) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٦٥.

(٧) في ذيل المسألة السابقة (٩١).

١٠٢

وفي صحّته بالألف القديم للشافعيّة قولا تفريق الصفقة ، فإن صحّ ، لم يوزّع ، بل كان الكلّ مرهوناً بالألف القديم ؛ لأنّ وضع الرهن على توثيق كلّ بعضٍ من أبعاض الدَّيْن بجميع المرهون (١).

ولو تلف الألف الذي فسد القرض فيه في يده ، صار دَيْناً في ذمّته ، وصحّ الرهن بالألفين حينئذٍ.

وأمّا عند ظنّ الصحّة فإذا رهن بالألف القديم ، قال بعض الشافعيّة : لا يصحّ الرهن ، كما لو أدّى ألفاً على ظنّ أنّ عليه ألفاً ثمّ تبيّن خلافه ، فإنّ له الاسترداد ، وظهر بطلان الأداء (٢).

وقال بعضهم : يصحّ ، بخلاف المقيس عليه ؛ لأنّ أداء الدَّيْن يستدعي سَبْقَ ثبوته ، وصحّة الرهن لا تستدي سَبْقَ الشرط (٣).

ولو رهن بالألفين وقلنا بتفريق الصفقة فصحّته بالألف القديم على هذا الخلاف.

وكذا لو باع بشرط بيعٍ آخَر ، فإنّه يصحّ البيع والشرط عندنا ، ولا‌ يصحّ عندهم (٤). فلو أنشأ البيع الثاني ظانّاً صحّة الشرط ، فقولان (٥).

وكذا لو باع مال أبيه على ظنّ الحياة فبان ميّتاً.

ولو شرط عليه رهناً في بيع فاسد بظنّ لزوم الوفاء به فرهن ، فله الرجوع.

مسألة ٩٣ : لو رهن أرضاً وفيها أشجار أو أبنية ، فالوجه : عدم دخول الأشجار والأبنية في الرهن ؛ لأنّها ليست جزءاً من المسمّى ولا نفسه ،

__________________

(١) الوسيط ٣ : ٤٨٠ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٦٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٠٣.

(٢) الوسيط ٣ : ٤٨٠ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٦٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٠٣.

(٣) الوسيط ٣ : ٤٨٠ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٦٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٠٣.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٦٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٠٣.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٦٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٠٣.

١٠٣

فلا تندرج تحته على ما تقدّم (١) في البيع وإن قال : بحقوقها. وتدخل لو قال : بجميع ما اشتملت عليه حدودها.

وللشافعي قولان ، هذا أحدهما. والثاني : الدخول (٢) ، وقد سبق (٣) في البيع.

ولو رهن شجرة ، لم يدخل المغرس تحت اسم الشجرة ؛ لما تقدّم.

وللشافعية خلافٌ مرتَّب على الخلاف في البيع ، والرهن أولى بالمنع ؛ لضعفه (٤).

وفي معناه دخول الأُسّ تحت الجدار.

ولا تدخل الثمرة المؤبَّرة تحت رهن الشجرة بحال.

وفي غير المؤبَّرة الحقُّ عندنا ذلك وإن دخلت في البيع ؛ اقتصاراً على‌ النصّ فيه ، ولا يتعدّى إلى غيره.

وللشافعي قولان ، هذا أصحّهما ؛ لأنّ الثمار الحادثة بعد استقرار العقد لا يثبت فيها حكم الرهن ، فالموجودة عند العقد أولى ، وبهذا يفارق البيع.

والثاني : الدخول ، كالبيع (٥) ، وبه قال أبو حنيفة ، فإنّه قال : تدخل الثمار في الرهن بكلّ حال ، بناءً على أنّ رهن الشجرة دون الثمرة

__________________

(١) في ج ١ ، ص ٥٧٠ ( الطبعة الحجريّة ).

(٢) الحاوي الكبير ٦ : ٢٣٠ ، التهذيب للبغوي ٤ : ٤٦ ، الوجيز ١ : ١٦٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٦٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٠٣.

(٣) في ج ١ ، ص ٥٧٠ ( الطبعة الحجريّة )؟.

(٤) الوسيط ٣ : ٤٨١ ، الوجيز ١ : ١٦٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٦٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٠٣.

(٥) المهذّب للشيرازي ١ : ٣١٨ ، التهذيب للبغوي ٤ : ٤٥ ، الحاوي الكبير ٦ : ١٢١ ، حلية العلماء ٤ : ٤٣٥ ، الوسيط ٣ : ٤٨١ ، الوجيز ١ : ١٦٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٦٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٠٣.

١٠٤

لا يصحّ (١).

ونفى بعضُ الشافعيّة الخلافَ هنا ، وقَطَع بعدم الدخول (٢).

ولا يدخل البناء (٣) بين الأشجار تحت رهن الأشجار إن كانت بحيث يمكن إفراده بالانتفاع.

وإن لم ينتفع به إلاّ بتبعيّة الأشجار ، فكذلك ، وهو أشهر طريقي الشافعيّة (٤).

وقال بعضهم : إنّه (٥) على الوجهين في المغارس (٦).

وتدخل في رهن الأشجار الأغصانُ والأوارقُ ، وبه قال الشافعي (٧).

أمّا التي تفصل غالباً كأغصان الخلاف وورق الآس والفرصاد ففيها (٨) قولان له ، كالقولين في الثمار التي لم تؤثَّر (٩).

مسألة ٩٤ : لا يدخل الجنين تحت رهن الامّ الحامل وهو أحد قولي الشافعي (١٠) لعدم شمول الاسم له ، وكما في البيع عندنا.

__________________

(١) الفروق للكرابيسي ٢ : ٢٨٧ ، بدائع الصنائع ٦ : ١٤١ ، الهداية للمرغيناني ٤ : ١٣٣ ، حلية العلماء ٤ : ٤٣٦ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٦٧ ، المغني ٤ : ٤٧٢.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٦٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٠٣.

(٣) الظاهر : « البياض » بدل « البناء ».

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٦٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٠٣.

(٥) في الطبعة الحجريّة و « ج » : « إنّها ». والظاهر ما أثبتناه.

(٦) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٦٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٠٣.

(٧) المهذّب للشيرازي ١ : ٣١٨ ، حلية العلماء ٤ : ٤٣٦ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٦٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٠٣.

(٨) في الطبعة الحجريّة و « ج » : « فيها ». والظاهر ما أثبتناه.

(٩) المهذّب للشيرازي ١ : ٣١٨ ، حلية العلماء ٤ : ٤٣٦ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٦٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٠٣.

(١٠) الوسيط ٣ : ٤٨٢ ، الوجيز ١ : ١٦٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٦٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٠٣.

١٠٥

والجنين عند الشافعي أولى بالاندراج ، كالثمرة غير المؤبّرة تحت الشجرة ؛ لأنّ الحمل لا يقبل التصرّف على الانفراد (١) ، فبالحريّ أن يكون تبعاً (٢).

وأمّا اللبن في الضرع : ففي دخوله إشكال.

وللشافعيّة طريقان ، أحدهما : القطع بأنّه لا يدخل. والمشهور : أنّه على الخلاف. ثمّ هو عند بعضهم في مرتبة الجنين ، وعند آخَرين في مرتبة الثمار ؛ لتيقّن وجوده ، وسواء أثبت الخلاف أم لا ، فالظاهر أنّه لا يدخل في الرهن (٣).

والأقرب : دخول الصوف على ظَهْر الحيوان ؛ لأنّه كالجزء من الحيوان ، فدخل تحت رهنه.

وللشافعيّة طريقان :

أحدهما : القطع بدخوله ، كالأجزاء والأعضاء.

وأظهرهما : أنّه على قولين :

أحدهما : الدخول ، كالأغصان والأوراق في رهن الشجرة (٤).

وأصحّهما : المنع ، كما في الثمار ؛ لأنّ العادة فيه الجَزّ (٥).

__________________

(١) في الطبعة الحجريّة و « ج » : « الإفراد ». والصحيح ما أثبتناه.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٦٧.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٦٧ ، وانظر : المهذّب للشيرازي ١ : ٣١٨ ، والتهذيب للبغوي ٤ : ٤٥ ، والحاوي الكبير ٦ : ١٢١ ، وحلية العلماء ٤ : ٤٣٧ ، والوسيط ٣ : ٤٨٢ ، وروضة الطالبين ٣ : ٣٠٣.

(٤) في « ج » : « الشجر ».

(٥) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٦٨ ، المهذّب للشيرازي ١ : ٣١٨ ، التهذيب للبغوي ٤ : ٤٥ ٤٦ ، حلية العلماء ٤ : ٤٣٧ ، روضة الطلابين ٣ : ٣٠٣ ٣٠٤.

١٠٦

ونقل بعضهم بدل القولين وجهين ، وزاد وجهاً آخَر ثالثاً هو : الفرق بين القصير الذي لا يعتاد جزّه ، وبين المنتهى إلى حدّ الجَزّ (١).

مسألة ٩٥ : لو رهن ما كان في يده وكان معلوما لو كان في يده الحقُّ (٢) أو خريطة (٣) فقال : رهنتك هذا الحُقّ بما فيه ، أو الخريطة [ بما فيها (٤) ] وما فيهما (٥) معلوم ، صحّ الرهن إجماعاً في الظرف والمظروف.

وإن كان ما فيهما مجهولاً ، لم يصحّ الرهن قطعاً في المظروف خاصّةً ؛ للجهالة ، على إشكال ، وبه قال الشافعي (٦).

وهل يصحّ الرهن في الظرف؟ أمّا عندنا فنعم. وأمّا عند الشافعي‌ ففيه قولان تفريق الصفقة (٧).

ولو قال : رهنتك هذا الحُقّ دون ما فيه ، صحّ الرهن فيه قطعاً.

ولو قال : رهنتك هذا الحُقّ ، وأطلق ، صحّ الرهن فيه خاصّةً دون ما فيه.

وأمّا الخريطة فإذا قال : رهنتك هذه الخريطة بما فيها ، لم يصح مع الجهالة فيما فيها ؛ للجهل به ، ويصحّ فيها خاصّةً ، وهو أحد قولي الشافعي. والثاني : لا يصحّ. ومبنى الخلاف تفريق الصفقة (٨).

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٦٨ ، وانظر : روضة الطالبين ٣ : ٣٠٤.

(٢) الحُقّ : وعاء منحوت من الخشب أو العاج أو غير ذلك ممّا يصلح أن يُنحت منه. لسان العرب ١٠ : ٥٦ « حقق ».

(٣) الخريطة : وعاء من أَدَم وغيره. الصحاح ٣ : ١١٢٣ « خرط ».

(٤) ما بين المعقوفين أضفناه لأجل السياق.

(٥) في « ج » والطبعة الحجرية : « فيها » بدل « فيهما ». والصحيح ما أثبتناه.

(٦) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٦٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٠٤.

(٧) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٦٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٠٤.

(٨) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٦٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٠٤.

١٠٧

ولو قال : رهنتكها دون ما فيها ، صحّ الرهن فيها خاصّةً كالحُقّ.

وقال الشافعي : لا يصحّ فيها أيضاً ؛ لأنّ الظاهر أنّها لا تُقصد ، وإنّما يُقصد ما فيها ، بخلاف الحُق (١).

قال أصحابه : ولو كانت الخريطة ممّا تُقصد لكثرة قيمتها ، كانت كالحُقّ. ولو كان الحُقّ لا قيمة له مقصودة ، لم يصح رهنه ، كالخريطة إذا لم تكن لها قيمة مقصودة (٢).

ولو قال : رهنتك هذا الظرف دون ما فيه ، صحّ رهنه وإن كانت قيمته قليلةً ؛ لأنّه إذا أفرده فقد وجّه الرهن نحوه ، وجَعَله المقصود.

وإن رهن الظرف ولم يتعرّض لما فيه نفياً وإثباتاً ، فإن كان بحيث يقصد بالرهن وحده ، فهو المرهون لا غير.

وإن كان لا يُقصد منفرداً لكنّه متموّل ، فالمرهون الظرف وحده ؛ لأصالة عدم رهن غيره.

وللشافعيّة وجهان ، أحدهما : هذا. والثاني : أنّه يكون رهناً مع المظروف (٣).

ولو لم يكن متموّلاً ، فللشافعيّة وجهان ، أحدهما : توجّه الرهن إلى المظروف. والثاني : أنّه يلغى (٤).

البحث الثاني : في العاقد.

مسألة ٩٦ : يُشترط في المتعاقدين التكليفُ والاختيار والقصد وانتفاء الحَجْر عنه بسفه أو فلس ، فلا يصحّ رهن الصبي ولا المجنون المطبق

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٦٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٠٤.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٦٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٠٤.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٦٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٠٤.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٦٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٠٤.

١٠٨

ولا مَنْ يعتوره حالة الجنون إيجاباً وقبولاً ، ولا المكره ولا الغافل ولا الساهي ولا النائم ولا المغمى عليه ولا السكران ولا العابث ولا الهازل ، سواء في ذلك كلّه الإيجابُ والقبول.

ولا بدّ أن يكون الراهنُ غيرَ محجور عليه بالسفه أو الفلس ؛ لأنّهما ممنوعان من التصرّف في أموالهما ، ولا اعتبار باختيارهما ، مع أنّ عقد الرهن والتسليم لا يكون واجباً ، وإنّما يكون إلى اختيار الراهن ، فإذا لم يكن له اختيار ، لم يصح منه. ولأنّ الرهن تبرّعٌ فإن صدر من أهل التبرّع ، فلا كلام ، وإلاّ فلا بدّ من قائم يقوم مقام المالك.

ويُشترط وقوعه على وفق المصلحة والاحتياط ، فإذا رهن الوليّ مال الصبي والمجنون والسفيه أو ارتهن لهم ، فلا بدّ من اعتبار مصلحتهم والاحتياط ، وذلك مثل أن يشتري للطفل ما يساوي مائتين بمائة نسيئةً ويرهن به ما يساوي مائة من مال الطفل ، فإنّ ذلك جائز ؛ لأنّه إن لم يعرض تلف ، ففيه غبطة ظاهرة. وإن تلف الرهن ، كان في المشتري ما يجبره.

ولو لم يرض البائع إلاّ برهن يزيد قيمته على المائة ، فإن كان الرهن ممّا لا يخشى تلفه في العادة كالعقار ، جاز رهنه ؛ لما فيه من تحصيل الغبطة والمنفعة للصبي ، الخالية عن توهّم التلف.

وظاهر مذهب الشافعي المنع من هذه المعاملة (١).

ولو كان الرهن ممّا يخشى تلفه ، فالأقوى : الجواز في موضعٍ يجوز إيداعه.

ومَنَع الشافعي من ذلك ؛ لأنّ الرهن يمنع من التصرّف وربما يتلف فيتضرّر به الطفل (٢).

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٦٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٠٥.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٦٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٠٥.

١٠٩

ولو كان الزمان زمان نَهب أو وقع حريق وخاف الوليّ على مال الطفل ، فله أن يشتري عقاراً ويرهن بالثمن شيئاً من ماله إذا لم يتهيّأ أداؤه في الحال ولم يبع صاحب العقار عقارَه إلاّ بشرط الرهن ؛ لأنّه يجوز في مثل هذه الحالة إيداع المال ممّن لا يمتد النهب إلى ما في يده ، فهذا الرهن أولى.

ولو استقرض له شيئاً والحال هذه ، لم يجز ؛ لأنّه يخاف التلف على ما يستقرضه خوفه على ما يرهنه.

ولو لم يجد الوليّ مَنْ يأخذ المال وديعةً ووجد مَنْ يأخذه رهناً وكان المرهون أكثر قيمةً من مال القرض ، جاز له الرهن.

مسألة ٩٧ : يجوز للوليّ أن يستقرض للطفل لحاجته إلى النفقة والكسوة أو لتوفية ما لزمه أو لصلاح ضياعه ومرمّتها وعمارة أبنيته أو إخراج ما يحتاج ارتفاع الغلاّت فيه أو لحلول ما لَه من الدَّيْن المؤجَّل ، أو (١) النفاق متاعه الكاسد ، فإن لم يرتقب شيئاً من ذلك ، فبيع ما [ تعذّر ] (٢) رهنه أولى من الاستقراض ، فإن تعذّر البيع ، استقرض ، ورهن من مال الطفل بحسب المصلحة ، وهو قول أكثر الشافعيّة (٣).

وقال بعضهم : لا يجوز للوليّ رهن ماله بحال من الأحوال (٤).

وكذا يجوز أن يرتهن للطفل بأن يتعذّر على الوليّ استيفاء دَيْن الصبي ، فيرتهن به إلى وقت الاستيفاء.

__________________

(١) في « ج » والطبعة الحجريّة : « و» بدل « أو ». والظاهر ما أثبتناه.

(٢) بدل ما بين المعقوفين في « ج » والطبعة الحجريّة : « يقدر ». والظاهر ما أثبتناه.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٦٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٠٥.

(٤) روضة الطالبين ٣ : ٣٠٥.

١١٠

ولو كان له دَيْنٌ مؤجَّل إمّا بأن ورثة كذلك أو بأن باع الوليّ مالَه نسيئةً بالغبطة ، فيجوز له حينئذٍ الارتهان للصبي.

ولو كان المشتري موسراً ، لم يكتف الوليّ به ، بل لا بدّ من الارتهان بالثمن. ولو لم يحصل أو حسن الظنّ بيساره وأمانته ، أمكن البيع نسيئةً بغير رهن ، كما يجوز إبضاع مال الطفل.

وإذا ارتهن على الثمن ، جاز أن يرتهن على جميعه ، وهو الأظهر من مذهب الشافعيّة (١).

ولهم وجهٌ آخَر : أنّه لا بدّ أن يستوفي ما يساوي المبيع نقداً ، وإنّما يرتهن ويؤجّل بالنسبة إلى الفاضل (٢).

والمعتمد : الأوّل.

مسألة ٩٨ : يجوز للوليّ إقراض مال الطفل مع المصلحة بأن يخاف تلفه بنَهب أو حريق. وكذا يبيعه ويرتهن بالقرض أو ثمن المبيع للطفل‌ شيئاً حفظاً لمالِه من النهب والحريق ، وهو قول أكثر الشافعيّة (٣).

ولهم قولٌ آخَر : إنّ الأولى أن لا يرتهن للطفل إذا كان المرهون ممّا يخاف تلفه ؛ لأنّه قد يتلف ويرفع الأمر إلى حاكمٍ يرى سقوط الدَّيْن بتلف الرهن (٤).

والوجه : الأوّل.

وحيث يجوز للوليّ الرهن فالشرط أن يرهن من أمين يجوز الإيداع

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٧٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٠٥.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٧٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٠٦.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٧٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٠٦.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٧٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٠٦.

١١١

منه. ولا فرق بين الأولياء في ذلك ، سواء الأبُ والجدُّ للأب والوصيّ والحاكم وأمينه.

وحيث يجوز الرهن والارتهان فللأب والجدّ أن يعاملا نفسيهما ويتولّيا طرفي العقد ؛ للوثوق بشفقتهما.

وهل لغيرهما ذلك؟ مَنَع منه الشافعيّة (١). وليس بقويّ.

مسألة ٩٩ : يجوز للمكاتب أن يرهن ويرتهن مع المصلحة والغبطة ؛ لانقطاع تصرّف المولى عنه ، ولكن يشترط النظر والمصلحة ، كما في الطفل ، وهو قول بعض الشافعيّة.

وقال بعضهم : لا يجوز له الرهن استقلالاً ، ومع إذن السيّد قولان بناءً على أنّ الرهن تبرّع (٢).

وللشافعيّة وجهٌ آخَر : أنّه لا يجوز له الاستقلال بالبيع نسيئةً بحال (٣) ، وهو المشهور عندنا.

ومع إذن السيّد يجوز عندنا.

وللشافعي مع الإذن قولان (٤).

أمّا المأذون فإن دفع إليه السيّد مالاً ليتّجر فيه ، فهو كالمكاتب إلاّ في وجهين :

أحدهما : أنّ رهنه أولى بالمنع من رهن المكاتب ؛ لأنّ الرهن ليس من عقود التجارات.

وشبّهه الجويني بإجارة الرقاب (٥). وفي نفوذها منه خلاف بين

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٧٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٠٦.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٧٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٠٦.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٧٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٠٦.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٧٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٠٦.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٧٠ ٤٧١ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٠٦.

١١٢

الشافعيّة (١).

والثاني : أنّ له البيع نسيئةً بإذن السيّد إجماعاً ؛ لأنّه مال السيّد ، فيكون تصرّفُ المأذون فيه بإذن المولى في الحقيقة تصرّدَ المولى في ماله.

ولو قال له مولاه : اتّجر بجاهك ، ولم يدفع إليه مالاً ، فله البيع والشراء في الذمّة حالاّ ومؤجّلاً ، وكذا الرهن والارتهان ؛ لانتفاء الضرر فيه على المولى ، فإن فضل في يده مال ، كان للمولى ، ويكون حكمه حكم ما لو دفع إليه المولى مالاً.

مسألة ١٠٠ : يشترط في الراهن أن يكون مالكاً للرهن أو في حكم المالك بأن يكون مأذوناً له في الرهن ؛ لأنّه تصرّف في مال الغير ، فلا يجوز إلاّ بإذن المالك إمّا من جهة المالك ، كالمستعير للرهن ، أو من جهة الشرع ، كوليّ الطفل ، فإنّ له أن يرهن على ما تقدّم (٢).

إذا عرفت هذا ، فإذا استعار عبداً من غيره ليرهنه على دَيْنه الذي عليه فرَهَنه ، صحّ.

قال ابن المنذر : أجمع كلّ مَنْ تحفظ عنه من أهل العلم على أنّ الرجل إذا استعار من الرجل شيئاً ليرهنه على دنانير معيّنة عند رجل إلى وقتٍ معلوم ففَعَل أنّ ذلك جائز (٣).

وهذا يقتضي تعيين المرتهن وقدر الدَّيْن وجنسه ومدّة الرهن ؛ لاختلاف العقود بذلك.

وهل يكون سبيلُ هذا العقد سبيلَ العاريّة أو الضمان؟ الحقّ عندنا

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٧١.

(٢) في ص ١١٠ ، المسألة ٩٧.

(٣) المغني ٤ : ٤١٢.

١١٣

الأوّل وهو أحد قولي الشافعي (١) لأنّه قبض مال غيره لمنفعة نفسه منفرداً بها فكان عاريةً ، كما لو استعاره للخدمة. ولأنّ الضمان يثبت في الذمّة ، وهنا يثبت في رقبة العبد.

وأصحّهما : أنّ سبيله سبيل الضمان ، ومعناه أنّ سيّد العبد ضمّن دَيْن الغير في رقبة ماله ، كما لو أذن لعبده في ضمان دَيْن غيره ، يصحّ ، وتكون ذمّته فارغةً ، وكما ملك أن يلزم ذمّته دَيْن الغير وجب أن يملك إلزامه عين ماله ؛ لأنّ كل واحد منهما محلّ حقّه وتصرّفه (٢).

ولأنّ منفعة العبد لسيّده ، والعارية ما أفادت المنفعة ، وإنّما حصلت المنفعة للراهن لكونه وثيقةً عنه ، فهو بمنزلة الضمان في ذمّته.

لأنّ الحق المتعلّق بالذمّة ينبغي أن يتعلّق مثله بالرقبة ، كالملك.

ثمّ أجابوا عن الأوّل بأنّ المقبوض للخدمة منفعة للمستعير ، بخلاف مسألتنا (٣).

وليس بجيّد ؛ لأنّ الضمان عقد مستقلّ بنفسه يتضمّن التعهّدَ بدَيْن الغير ، وانتقالَه من ذمّة المضمون عنه إلى ذمّة الضامن ، ولم يوجد هنا ، فلم يكن ضماناً.

وقال بعض الشافعيّة : إنّ هذا فيما يدور بين الراهن والمرتهن رهنٌ محض ، وفيما بين المعبر والمستعير عارية ، وفيما بين المعير والمرتهن حكم الضمان أغلب ، فيرجع فيه ما دام في يد الراهن ، ولا يرجع بعد القبض على الأصحّ عندهم ؛ لأنّه ضمن له الدَّيْن في عين ملكه ، ويقدر على إجبار الراهن على فكّه بأداء الدَّيْن ؛ لأنّه معير (٤) في حقّه إن كان الدَّيْن

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٥٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٩٣.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٥٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٩٣.

(٣) لم نعثر عليه في مظانّه.

(٤) في النسخ الخطية والحجرية : « معير ». والصحيح ما أثبتناه من المصدر.

١١٤

حالاّ ، وفي المؤجَّل قولان (١).

إذا عرفت هذا ، فإنّ العارية هنا تكون مضمونةً على المستعير إجماعاً.

أمّا عند العامّة : فضاهرٌ حيث قالوا بأنّ العارية مطلقاً مضمونة (٢).

وأمّا عندنا : فلأنّ المالك لم يدفعه ليملكه المستعير ، بل لينتفع به ويردّه على مالكه ، فإذا عرّضه للإتلاف بالرهن ، كان ضامناً له ، كالملتقط إذا نوى التملّك في اللقطة ، فإنّه يكون ضامناً ، كذا هنا.

واعلم أنّ هذا الرهن صحيح ، وهو قول أكثر الشافعيّة (٣).

وقال ابن سريج : إذا قلنا : إنّ ذلك عارية ، لم يصح رهنه ؛ لأنّ العارية لا تكون لازمةً ، والرهن لازم ، فعلى هذا يشترط في الرهن كون المرهون‌ ملكاً للراهن (٤).

وأبطله باقي الشافعيّة بأنّ العارية غير لازمة من جهة المستعير ، فإنّ لصاحب العبد أن يطالب الراهن بافتكاكه قبل أن يحلّ الدَّيْن وإن كان قد أذن في رهنه بدَيْن مؤجَّل. ولأنّ العارية قد تكون لازمةً بأن يعيره جذعاً يبني عليه ، وكما لو استعار أرضاً للدفن فدفن ميّته ، وأشباههما (٥).

ولو قال المديون : أرهن عبدك بدَيْني من فلان ، فهو كما لو قبضه فرَهَنه.

مسألة ١٠١ : إذا أذن له في رهن عبده على الدَّيْن الذي عليه لثالثٍ ،

__________________

(١) الوجيز ١ : ١٦٠ ١٦١.

(٢) الوجيز ١ : ٢٠٤ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٧٦ ، روضة الطالبين ٤ : ٧٦ ، المغني ٥ : ٣٥٤ ، الشرح الكبير ٥ : ٣٦٥.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٥٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٩٣. ١‌

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٥٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٩٣. ١‌

(٥) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٥٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٩٣. ١‌

١١٥

كان هذا التصرّف سائغاً ، بخلاف ما لو باع مال الغير لنفسه ؛ لأنّ البيع معاوضة ، فلا يملك الثمن مَنْ لا يملك المثمن ، والرهن استيثاق ، والاستيثاق يحصل بما لا يملك ، كما يحصل بالكفالة والإشهاد.

إذا ثبت هذا ، فإنّ لمالك العبد الرجوعَ في الإذن قبل الرهن إجماعاً ؛ لأنّ العارية قد بيّنّا أنّها غير لازمة ، ولم يحصل الضمان بَعْدُ ، فعلى قول العارية ظاهر ، وعلى قول الضمان : فلأنّه بَعْدُ لم يلزم.

وهل له الرجوع بعد عقد الرهن قبل الإقباض؟ إن قلنا : إنّ القبض ليس شرطاً في صحّة الرهن ، لم يكن له الرجوع ؛ لأنّ الرهن قد لزم بنفس العقد. وإن قلنا : إنّه شرط ، صحّ الرجوع ؛ لأنّ المستعير مخيّر في فسخ الرهن قبل القبض ، فإذا لم يلزم في حقّه وهو المديون ، فأولى أن لا يلزم في حقّ غيره ، وبه قالت الشافعيّة (١).

وأمّا بعد القبض فليس للمالك الرجوعُ في إذن الرهن ، وبه قال‌ الشافعي على قول الضمان ، وأمّا على قول العارية فوجهان :

أحدهما : أنّ له أن يرجع جرياً على مقتضى العارية.

والأظهر : أنّه لا يرجع ، وإلاّ لم يكن لهذا الرهن معنى ، ولا يحصل به توثّق (٢).

وقال بعضهم : إنّه إذا كان الدَّيْن مؤجَّلاً ، ففي جواز الرجوع قبل حلول الأجل وجهان ؛ لمنافاته (٣) الإذن بمدّة ، كما لو أعار للغراس مدّه (٤).

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٥٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٩٣. ١‌

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٥٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٩٣. ١‌

(٣) كذا في الطبعة الحجريّة ، وفي « العزيز شرح الوجيز » و « ج » : « لما فيه من » بدل « لمنافاته » وكذا في « ج » من دون « من ».

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٥٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٩٣.

١١٦

وإذا حكمنا بالرجوع فرجع وكان الرهن مشروطاً في بيع فللمرتهن فسخ البيع إذا كان جاهلاً بالحال.

مسألة ١٠٢ : إذا أذن له في رهن عبده ، فرهنه المديون ، فإن كان الدَّيْن حالاّ ، كان لصاحب العبد مطالبة الراهن وإجباره على افتكاكه مع قدرة المديون منه ؛ لأنّه عندنا عارية ، والعارية غير لازمة ، بل للمالك الرجوع فيها متى شاء.

وأمّا على أحد قولي الشافعيّة من أنّه ضمان (١) : فكذلك أيضاً ؛ لاستخلاص ملكه المشغول بوثيقة الرهن ، ولا يُخرَّج على الخلاف بين الشافعيّة في أنّ الضامن هل يملك إجبار الأصيل على الأداء لتبرئة ذمّته تشبيهاً للشغل الذي أثبته بأداء الدَّيْن؟ (٢).

وإن كان مؤجَّلاً وأذن له في الرهن عليه ، فليس لصاحب العبد إجباره على الفكّ قبل الحلول على القول بأنّه ضمان ، كمن ضمن دَيْناً مؤجَّلاً لا‌ يطالب الأصيل بتعجيله لإبراء ذمّته.

وإن قلنا : إنّه عارية ، كان له مطالبته بفكاكه ؛ لأنّ العارية لا تلزم.

ثمّ إذا حلّ الأجل وأمهل المرتهن الراهنَ ، فللمالك أن يقول : إمّا أن تردّ العبد إليَّ ، أو تطالبه بالدَّيْن ليؤدّيه ، فينفكّ الرهن ، كما إذا ضمن دَيْناً مؤجَّلاً ومات الأصيل ، فللضامن أن يقول : إمّا أن تطالب بحقّك من التركة ، أو تبرئني.

مسألة ١٠٣ : إذا أذن المالك في الرهن ثمّ حلّ الدَّيْن أو كان حالاّ في أصله ، فإن كان الراه معسراً ، جاز للمرتهن بيع الرهن ، واستيفاء الدَّيْن

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٥٤.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٥٤.

١١٧

منه إن كان وكيلاً في البيع ، وإلاّ باعه الحاكم إذا ثبت عنده الرهن ، سواء رضي المالك بذلك أو لا ؛ لأنّ الإذن في الرهن إذنٌ في لوازمه التي من جملتها بيعه عند الإعسار.

ولو كان الراهن موسراً مُماطلاً ، فالأقرب : أنّ للمرتهن البيعَ أيضاً ، ولا يكلَّف الصبر على مطالبة المماطل ولا حبسه وإن جاز له ذلك.

ولو لم يكن مماطلاً وكان حاضراً يمكن استيفاء الدَّيْن منه ، لم يجز البيع.

وإن كان غائباً ولا مال له في بلد المرتهن ، فالأقوى جواز البيع أيضاً.

وأمّا الشافعيّة فقالوا : إن قلنا : إنّه ضمان ، فلا يباع في حقّ المرتهن إن قدر الراهن على أداء الدَّيْن ، إلاّ بإذنٍ مجدَّد ، وإن كان معسراً ، فيباع وإن كره المالك. وإن قلنا : إنّه عارية ، فلا يباع إلاّ بإذنٍ مجدَّد ، سواء كان الراهن موسراً أو معسراً (١).

وقياس قول مَنْ قال منهم بلزوم الرهن على قول العارية أنّه يجوز بيعه عند الإعسار من غير مراجعة كما على قول الضمان (٢).

قال بعضهم : الرهن وإن صدر من المالك فإنّه لا يسلَّط على البيع إلاّ بإذنٍ جديد ، فإن رجع ولم يأذن ، فحينئذٍ يُباع عليه ، فإذَنْ المراجعةُ لا بدّ منها (٣).

ثمّ إذا لم يأذن في البيع ، فقياس مذهبهم أن يقال : إن قلنا : إنّه عارية ، فيعود الوجهان في أنّه هل يُمكَّن من الرجوع؟ وإن قلنا : إنّه ضمان ولم يؤدّ

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٥٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٩٤.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٥٥.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٥٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٩٤.

١١٨

الدَّيْن الراهن ، فلا يُمكَّن من الإباء ، ويُباع عليه ، معسراً كان الراهن أو موسراً ، كما لو ضمن في ذمّته ، يُطالَب ، موسراً كان الأصيل أو معسراً (١).

مسألة ١٠٤ : إذا أعسر الراهن المستعير للرهن وتعذّر الاستيفاء منه فبِيع الرهن في الدَّيْن وقُضي به الدَّيْن ، فإن فضل من الثمن شي‌ء ، فهو لمالك العبد ؛ لأنّه ثمن ملكه. وإن أعوز شي‌ء ، لم يلزم صاحب العبد شي‌ء ؛ لأنّ المعير ليس بضامنٍ للدَّيْن.

وأمّا عند الشافعيّة فكذلك أيضاً ، سواء قلنا : إنّ الإذن في الرهن عارية أو ضمان ؛ لأنّه إنّما ضمن في تلك العين المأذون في دفعها خاصّةً ، وإذا حصر الضمان في عينٍ لم يتعدّ إلى غيرها (٢).

إذا عرفت هذا ، فإن كانت قيمة العبد بقدر الدَّيْن ولم يوجد باذل لأكثر منها ، بِيع وصُرف في الدَّيْن. وإن كانت القيمة أكثر من الدَّيْن ، فإن وُجد راغب في شراء شقص من العبد بقدر الدَّيْن وتساوت قيمة الشقص‌ منفرداً وقيمته منضمّاً أو وُجد باذل لذلك ، بِيع الشقص وقُضي منه الدَّيْن ، وكان الباقي لمالك العبد.

ولم لم يرض المالك بالتشقيص بِيع الجميع.

ولو كانت قيمة الشقص منضمّاً أكثر من قيمته منفرداً ولم يوجد باذل للزيادة مع الانفراد ، بِيع الجميع لئلاّ يتضرّر المالك ، فإن طلبه المالك ، أُجيب إليه.

مسألة ١٠٥ : إذا بِيع العبد المأذون في رهنه في الدَّيْن وقُضي به الدَّيْن ، نُظر فإن بِيع بقدر قيمته ، رجع المالك بذلك على الراهن على

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٥٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٩٤.

(٢) لم نعثر عليه فيما بين أيدينا من المصادر.

١١٩

مذهبنا ومذهب الشافعيّة (١) ، سواء قالوا بأنّه عارية أو مضمون ؛ لأنّ المالك إن كان ضامناً ، فقد قضى عنه الدَّيْن. وإن كان عاريةً ، فهو قيمتها ، وهي مضمونة عليه.

وإن بِيع بأقلّ من ثمن المثل إلاّ أنّه بما يتغابن الناس بمثله ، فالبيع صحيح ، ويرجع المالك بتمام القيمة ، وهو قول الشافعي على تقدير قول العارية ، وأمّا على قوله بالضمان فلا يرجع إلاّ بما بِيع ؛ لأنّه لم يقض من الدَّيْن إلاّ ذلك القدر (٢).

وإن بِيع بأكثر من ثمن المثل ، رجع بذلك أيضاً ؛ لأنّه ثمن ماله ، وهو قول الشافعي على تقدير القول بالضمان ، وأمّا على قوله بالعارية فقولان :

أحدهما : أنّه لا يرجع إلاّ بالقيمة خاصَّةً ؛ لأنّ العارية تضمن بالقيمة مع التلف ، والبيع بمنزلة الإتلاف ، فيكون الواجب للمالك هو القيمة لا غير ، كسائر العواري التالفة إذا وجب ضمانها ، وهو قول أكثر أصحابه.

والثاني : أنّه يرجع بجميع ما بِيع به (٣) كما اخترناه لأنّ بيع العبد واجب عليه ، وثمنه له ، ولهذا لو أسقط المرتهن حقّه عن الراهن ، رجع ثمن العبد إلى صاحبه ، فإذا قضي به دَيْن الراهن ، رجع به عليه ، وإنّما يضمن القيمة إذا كان الثمن دونها.

مسألة ١٠٦ : لو تلف العبد المستعار للرهن في يد المرتهن ، فإن كان بتفريطه ، ضمن القيمة للمالك ، وإن كان بغير تفريطه ، فلا ضمان عليه ؛ لأنّ المرتهن أمسكه على أنّه رهن لا عارية ، والمرتهن أمين للراهن لا يضمن ما يتلف في يده من الرهن على ما يأتي. ويضمن الراهن للمالك قيمته أو

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٥٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٩٤.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٥٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٩٤.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٥٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٩٤.

١٢٠