مواهب الرحمن في تفسير القرآن - ج ١١

آية الله السيّد عبد الأعلى السبزواري

مواهب الرحمن في تفسير القرآن - ج ١١

المؤلف:

آية الله السيّد عبد الأعلى السبزواري


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دفتر سماحة آية الله العظمى السبزواري
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٣٠

تدلّ على أنّ التوبة والمغفرة تفضّل منه تبارك وتعالى.

قوله تعالى : (أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ).

تعليل يبيّن وجه الحكمة في التشريع السابق ، والخطاب لنبيّه الكريم إرشادا لمن له أهليّة الخطاب ، وفيه إيماء إلى أنّ السارق الذي يريد من السرقة جمع المال فهو مخطئ في ذلك ، فإنّ الله له ملك السماوات والأرض ، يهب لمن يشاء ويمنع عن من يشاء ، فهو القادر على كلّ شيء.

قوله تعالى : (يُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ).

بيان لبعض شؤون ملكيته لما سواه ، فإنّ له أن يحكم في مملكته ورعيته بما يشاء ويريد من عذاب ورحمة. وفي الآية التعليل أيضا على قبول توبة السارق والسارقة إذا تابا وأصلحا من بعد ظلمهما. وإنّما قدّم العذاب على الرحمة خلافا لما هو المعهود من تقديم الأخيرة على الأوّل ، لمراعاة الترتيب في صدر الآية الشريفة ، حيث ذكر جزاء السارق والسارقة ثمّ ذكر التوبة ، فلا ينافي سبق رحمته على عذابه.

قوله تعالى : (وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ).

تقرير لمضمون ما سبق ، وتعليل لقوله تعالى : (لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) ، فإنّ من شؤون الملك هو القدرة التامّة ، التي هي من مظاهر قيوميته المطلقة. وقد تقدّم في آية الكرسي من سورة البقرة بعض الكلام فراجع.

٢٢١

بحوث المقام

بحث أدبي :

الظرف في قوله تعالى : (وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ) ، متعلّق ب (الوسيلة) قدّم عليها للاهتمام ، وهي صفة لا مصدر حتّى يمتنع تقدّم معموله عليه ، وقيل : متعلّق بالفعل قبله. وقيل : بمحذوف وقع حالا منه. و (لو) في قوله تعالى : (لَوْ أَنَّ لَهُمْ ما فِي الْأَرْضِ) ، خبر (ان) في قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا) ، وجوابها (ما تُقُبِّلَ مِنْهُمْ). و (مثله) في قوله تعالى : (وَمِثْلَهُ مَعَهُ) ، معطوف على (ما) في قوله تعالى : (ما فِي الْأَرْضِ) ، الذي هو اسم (أن) و (لهم) خبرها. وقيل غير ذلك. وإنّما ذكر (لو) لتهويل الأمر وتفظيع الحال. و (جميعا) توكيد للموصول ، أو حال منه. وقال بعضهم : إنّ (الواو) في (وَمِثْلَهُ مَعَهُ) بمعنى (مع) ، فيتوحّد المرجوع إليه. وقد فصّل الكلام في المقام بما لا تستدعيه الحال ، ومن شاء فليراجع الكتب المفصّلة.

ولم يذكر عزوجل الافتداء المفهوم من الكلام ، إيذانا بأنّه أمر محقّق الوقوع غني عن الذكر ، وللمبالغة في تحقّق الرد. وذكر بعضهم أنّ الجملة : «ما تقبّل منهم» تتضمّن التمثيل ، ويقصد منها تنزيل التفصي عن العذاب منزلة من يكون له ذلك الأمر العظيم ويحاول التخلّص من العذاب فلا يتقبّل منه ، وقال بعضهم : إنّه لا يراد منها الاستعارة التمثيليّة ، بل إيراد مثال وحكم يفهم منه لزوم العذاب لهم. و (يريدون) في قوله تعالى : (يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ) ، ظاهر في المعنى الحقيقي ، وقيل : محمول على معنى : يكادون يخرجون منها لقوّتها وشدّة عذابها.

وكيف كان ، فإنّ في ذكر هذه الحكمة الدلالة على شدّة الحاجة. والإتيان بالجملة الاسمية : (وَما هُمْ بِخارِجِينَ مِنْها) ، المصدّرة ب (ما) الدالّة على تأكيد النفي لدخول الباء في خبرها ، فيه الدلالة على سوء حالهم باستمرار عدم خروجهم

٢٢٢

منها ، فإنّها تدلّ على دوام الثبوت. أما قوله تعالى : (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ) ، فالقراءة المعروفة فيهما هي الرفع على الابتداء والخبر محذوف ، والتقدير حكمهما ، وقيل : الخبر هو جملة (فاقطعوا). وردّ بأنّ الفاء لا تدخل إلّا في خبر المبتدأ الموصول بظرف أو مجرور أو جملة صالحة لأداة الشرط. وقرئ بالنصب على تقدير اقطعوا السارق والسارقة ... فيكون النصب على الاشتغال. وردّ بما هو مذكور في الكتب المفصّلة فراجع.

والجار والمجرور في قوله تعالى : (أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) ، خبر مقدّم ، و (مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) مبتدأ ، والجملة خبر (أن) ، وهي مع ما في حيزها سادة مفعولي (تعلم).

بحث دلالي :

تدلّ الآيات الشريفة على امور :

الأوّل : تعتبر الآية الشريفة (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ) ، من الآيات المعدودة التي اشتملت على أهمّ المعارف الربوبيّة ، وهو علم المبدأ والمعاد ، والسبيل الموصل إليه تعالى والفوز بكرامته في الآخرة ، والتوجيهات السامية والإرشادات القيّمة التي تعدّ المؤمن إعدادا علميّا وعمليّا وعقائديّا للفوز بالسعادة والفلاح. فقد احتوت من المعارف على أسماها ، ومن الكمالات على أعلاها ، ومن المكارم على أشرفها وأغلاها ، وعالجت أهمّ قضية من قضايا المؤمن بأسلوب موجز فصيح. فأمر عزوجل أوّلا بالتقوى لأنّها أساس كلّ كمال ، وأصل التخلية عن الرذائل والتحلية بالفضائل ، وهي المعدّة لابتغاء الوسيلة إليه عزوجل ، والمقتضية لامتثال التكاليف الإلهيّة والجهاد في سبيله ، ثمّ إنّ ابتغاء الوسيلة إليه عزوجل من أعظم غايات خلق الإنسان ، فهو العلّة للدخول في رضوان الله تعالى والفوز بكرامته ، وسيأتي في البحث الروائي ما

٢٢٣

يدلّ على أنّ الوسيلة هي أعلى درجة في الجنّة ، فاجتمعت العلّتان الفاعليّة والغائيّة في هذا الأمر ، وهو يدلّ على أنّه من الأهميّة بمكان عظيم ، فإنّ فيه تظهر العبوديّة وتتحقّق الطاعة المطلوبة ، وهو الطريق الموصل إلى الله تعالى والصراط المستقيم ، وبه يستعدّ ويتهيّأ لنيل الفيوضات الربانيّة والواردات الإلهيّة ، وهو الملجأ القويم في التخلّص من مكائد الشيطان ووساوسه ، وهو المنجاة من سخط الله تعالى وعذابه ، وهو الركن الوثيق الذي تركن إليه النفس الإنسانيّة عند تزاحم الصوارف وتوارد الهموم والغموم. وبالجملة : فهو الكمال الذي ينشده الإنسان ويسعى إليه ، بل هو الجامع لجملة من الكمالات الواقعيّة.

ولم يبيّن عزوجل في هذه الآية الشريفة كيفيّة الابتغاء ، ولا خصوصيات الوسيلة ، ولعلّ السرّ في ذلك واضح ، فإنّ فطرة كلّ مخلوق تدعو إلى التوجّه إلى خالقه والتوسّل إليه بكلّ ما أمكنه من الوسائل والعلل لنيل مقصوده ، فكلّما صفت الفطرة وخلصت النية من الشواغل الماديّة والصوارف الشيطانيّة ، كانت الوسيلة أنجح وأدلّ على المطلوب ، وقد ذكر في الكتاب والسنّة التأكيد على بعض الوسائل ، منها : العبادات ، وأعظمها الصلاة التي تنهى عن الفحشاء والمنكر. قال عزوجل من قائل : (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ) [سورة البقرة ، الآية : ٤٥].

ومنها : الدعاء الذي هو من أعظم الوسائل إليه عزوجل ، قال تعالى : (قُلْ ما يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبِّي لَوْ لا دُعاؤُكُمْ) [سورة الفرقان ، الآية : ٧٧] ، وفي الحديث : «الدعاء سلاح المؤمن ، وعمود الدين ، ونور السماوات والأرض» ، وتقدّم في بحث الدعاء ما يتعلّق به.

ومنها : الصدقات الواجبة والمندوبة ، ماليّة كانت أو غيرها ، التي حثّ الشرع المبين وأكّد عليها تأكيدا بليغا. قال تعالى : (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ أَضْعافاً كَثِيرَةً) [سورة البقرة ، الآية : ٢٤٥] ، وقال تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ ما كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ) [سورة البقرة ، الآية : ٢١٧].

٢٢٤

ومنها : إقامة الشعائر كالحجّ وزيارة المساجد والقبور وغيرها ممّا ندب إليه الشرع ، قال تعالى : (وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعائِرَ اللهِ فَإِنَّها مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ) [سورة الحج ، الآية : ٣٢].

ومنها : التوسّل بخاتم الأنبياء والمرسلين وذرّيته الطاهرين عليهم‌السلام ، وزيارة قبورهم والاعتناء بشأنهم ، فإنّهم مظاهر رحمته ومورد لطفه وعنايته ، قال تعالى : (وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّاباً رَحِيماً) [سورة النساء ، الآية : ٦٤] ، وقد ورد في السنّة الشريفة روايات متواترة تدلّ على استحباب زيارتهم والتوسّل بهم إلى الله تعالى لقضاء الحاجات ونجح المهمات ، من شاء فليراجع الكتب المعدّة لذلك.

ومنها : الالتزام بإتيان المندوبات وترك المكروهات ، فإنّها من حمى الله تعالى ، كما في الحديث.

ومنها : ذكر الله تعالى ، كما ندب إليه القرآن الكريم والسنّة الشريفة ، قال تعالى : (اذْكُرُوا اللهَ ذِكْراً كَثِيراً) [سورة الأحزاب ، الآية : ٤١]. ومن ذكره عزوجل ذكر النبيّ والأئمة الطاهرين بالصلاة عليهم وبيان فضائلهم ، فإنّ ذكرهم من ذكر الله كما ورد في أحاديث كثيرة.

ويمكن القول بأنّ الوسيلة بمعناها الوسيع يشمل كلّ أمر حسن ، فإنّ الطرق إلى الله بعدد أنفاس الخلائق ، إلّا ما ورد النهي عنه في الشرع المبين ، كعبادة الأوثان والشرك بالله تعالى والمحرّمات الشرعيّة.

ومنها : التنزيه عمّا حثّ الشارع على تركه ، كالمكروهات. ويستفاد من قوله تعالى : (وَجاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ) ، أنّ التقوى وابتغاء الوسيلة لا يتّمان إلّا بالجهاد والصبر على الطاعة أو عن المعصية ، وهو محفوف بالمكاره والصعاب.

الثاني : يدلّ قوله تعالى : (وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ) ، على أنّ الوسيلة التي شرّعها الله تعالى للوصول إلى مرضاته والفوز بكرامته ، ما كانت سببا لتزكية النفوس ، وما يعدّ إليها هو العمل المشروع كما عرفت آنفا ، ويدلّ على ذلك كلمة

٢٢٥

(الابتغاء) الدالّة على التحمّل المكرّر والجهاد المرير ، وما ذكر من الجزاء الذي أعده لمن يبتغي الوسيلة وهو الفلاح والنجاة.

الثالث : يدلّ قوله تعالى : (وَجاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ) ، على أنّ المجاهدة إنّما تكون بعد التوسّل بالوسيلة ، وأما قبله فلا سبيل له حتّى يجاهد ، فيستفاد منه أنّ الجهاد لا بدّ أن يكون بأمر من الإمام المعصوم وتحت إرشاده.

الرابع : يدلّ قوله تعالى : (لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) على أنّ الفلاح هو الغاية القصوى من عمل الإنسان ، لأنّه الجامع لجميع الكمالات الواقعيّة ، ولذا نرى أنّه لم يذكره عزوجل إلّا بعد بيان جملة من الإرشادات والتعليمات التي تعدّ المؤمن لتلقّي هذا الجزاء العظيم ، قال تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصابِرُوا وَرابِطُوا وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [سورة آل عمران ، الآية : ٢٠٠] وغيرها من الآيات الكريمة.

الخامس : يستفاد من قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ أَنَّ لَهُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ) ، أنّ الخلاص من العذاب منحصر في التوسّل بالوسيلة والمجاهدة في سبيله ، وأنّ من كفر فلا طريق له إلى الخروج من العذاب ولا منجى له من سخطه عزوجل وعقابه.

السادس : يدلّ قوله تعالى : (يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ) ، على أنّ الاختيار ثابت في الآخرة أيضا ، فلو كان مسلوبا عن الناس يومئذ لما صحّت الإرادة من أهل النار بالخروج منها ، فهم يقصدون ذلك ويطلبون المخرج منها ، ولكنّهم مقهرون فيها ، لأنّه سبقت كلمته عزوجل أن يعذّب الظالمين بالنار. ففي الحديث : «يقال لأهل الجنّة : لكم خلود ولا موت ، ولأهل النّار : يا أهل النّار خلود ولا موت».

السابع : يدلّ قوله تعالى : (جَزاءً بِما كَسَبا نَكالاً مِنَ اللهِ) ، على أنّ الحدود التي شرّعها الله تعالى في هذه الدنيا إنّما هي جزاء على الأفعال التي اكتسبها الناس ، ويطابق الجزاء مع العمل ، كما أنّها حدود تربويّة إصلاحيّة لإصلاح النفوس

٢٢٦

وتزكيتها وتطهير لهم من الذنب الذي ارتكبوه ، فليست هي انتقاما من فرد لصالح أفراد أو مجتمع.

الثامن : يدلّ قوله تعالى : (أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) ، على تمام قدرته ونفوذ سلطانه في مملكته بأبلغ أسلوب وأتمّ وجه.

التاسع : يدلّ قوله تعالى : (فَمَنْ تابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ) ، على أنّ التوبة في المقام لا بدّ أن يظهر أثرها على المذنب بأن يكون عليه سيماء الصالحين التائبين ، وقد تقدّم أنّ الصلاح في كلّ ذنب يناسب ذلك الذنب.

العاشر : يدلّ قوله تعالى : (وَما هُمْ بِخارِجِينَ مِنْها وَلَهُمْ عَذابٌ مُقِيمٌ) ، على أنّ العذاب هو الأصل القريب من الإنسان ، وإنّما يصرفه عنه الإيمان والتقوى وابتغاء الوسيلة ، ويدلّ عليه قوله تعالى : (وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها كانَ عَلى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيًّا* ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيها جِثِيًّا) [سورة مريم ، الآية : ٧١ ـ ٧٢] ، وقد ذكرنا ما يتعلّق بذلك في قوله تعالى : (فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فازَ) [سورة آل عمران ، الآية : ١٨٥].

بحث روائي :

في الكافي عن أمير المؤمنين عليه‌السلام في خطبة الوسيلة : «أنّها أعلى درجة في الجنّة».

أقول : يستفاد من الحديث أنّ الوسيلة اسم لأعلى درجة في الجنّة ، ولعلّه من باب إطلاق السبب على المسبّب.

وفي مجمع البيان عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : «سلوا الله لي الوسيلة ، فإنّها درجة في الجنّة لا ينالها إلّا عبد واحد ، وأرجوا أن أكون أنا هو».

أقول : بعد ما دلّ على أنّ الوسيلة هي أعلى درجة في الجنّة ، فلا تكون إلّا لمن نال الشرف العظيم والدرجة الرفيعة وحاز قصب السبق على جميع الأنبياء

٢٢٧

والمرسلين ، فينحصر في الفرد الواحد وهو خاتم الأنبياء والمرسلين ، ويلحق به الأئمة الطاهرون ، فإنّهم الوسيلة إلى الله تعالى.

وأما طلبه من امّته أن يسألوا الله له هذه الدرجة ، فإنّما هو لأجل تعليمهم الدعاء والتضرّع لديه عزوجل ، فإنّه لم ينل أحد الدرجة إلّا من أفاضها الله تعالى عليه.

وفي العيون عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله في قوله تعالى : (وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ) ، قال : «الأئمة من ولد الحسين من أطاعهم فقد أطاع الله ، ومن عصاهم فقد عصى الله ، وهم العروة الوثقى والوسيلة إلى الله».

أقول : الروايات في مضمون ذلك متعدّدة ، وهي من باب بيان أجلى المصاديق وأهمّها ، بل يستفاد من ظاهر الآية الشريفة الآمرة بالتقوى والجهاد في سبيله أنّ الوسيلة منحصرة فيهم عليهم‌السلام ، فلا يمكن أن تتحقّق في غيرهم ، فإنّ بهم يكمل الإيمان وتتمّ التقوى ويتحقّق الجهاد ، ومن ذلك يظهر الوجه فيما رواه العياشي عن منصور بن حازم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام في قوله تعالى : (وَما هُمْ بِخارِجِينَ مِنْها) ، قال : أعداء عليّ عليه‌السلام هم المخلّدون في النار أبد الآبدين ودهر الداهرين».

وأما آية السرقة ، فهي من آيات الأحكام التي تمسّك بها الفقهاء في كتبهم الفقهيّة لإثبات أحكام السرقة ، ونحن نذكر في المقام الروايات الواردة في السرقة ، والمال المسروق ، وما ورد في حدّ السرقة والتوبة منها ، ونذكر بقية الأحكام في البحث الفقهيّ إن شاء الله تعالى.

ما ورد في السرقة :

ففي صحيح محمّد بن مسلم عن الصادق عليه‌السلام : «كل من سرق من مسلم شيئا قد حواه وأحرزه ، فهو يقع عليه اسم السارق ، وهو عند الله السارق».

أقول : ظاهر الحديث أنّ كلّ شيء كان في حرز إذا أخذ منه يعدّ سرقة ، ولكنّ في رواية السكوني عن جعفر ، عن آبائه ، عن علي عليهم‌السلام قال : «كلّ مدخل

٢٢٨

يدخل فيه بغير إذن يسرق منه السارق فلا قطع عليه ، يعني الحمّام والأرحية».

أقول : ظاهره أنّ الأخذ من الموضع الذي يحتاج في الدخول إلى الإذن يعدّ سرقة فهو يشمل ما إذا كان في حرز أو لم يكن ، فيكون ما ورد في صحيحة محمّد ابن مسلم من باب المثال لكلّ تصرّف يتوقّف على رضا صاحب المال والإذن منه ، ويدلّ على ما ذكرناه ما رواه أبو بصير ، عن أبي جعفر الباقر عليه‌السلام في من سرق من منزل أبيه فقال : «لا تقطع ، لأنّ ابن الرجل لا يحجب من الدخول إلى منزل أبيه ، هذا خائن». وكذا ما ورد في من سرق من أخيه وأخته. وفي الأجير والصنف ، فإنّه لا قطع عليهم جميعا.

فالمستفاد من جميع ذلك أنّ السرقة التي توجب القطع هي الأخذ من الحرز ، أو من موضع لم يكن لغير المتصرّف فيه الدخول إلّا بإذن صاحبه وحرز كلّ شيء بحسبه ، والمسألة مذكورة في الكتب الفقهيّة فراجع.

ومن ذلك كلّه يستفاد أنّ السرقة لا بدّ أن تكون سرّا فلا تقع في العلن ، وذكرنا أنّ اشتقاق الكلمة أيضا يدلّ على ذلك.

ما ورد في المال المسروق :

وردت روايات كثيرة على أنّه يعتبر في القطع أن يكون المال المسروق بمقدار ربع دينار.

ففي التهذيب عن محمّد بن مسلم قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : في كم تقطع يد السارق؟ فقال عليه‌السلام : في ربع دينار. قلت له : في درهمين؟ فقال : في ربع دينار بلغ الدينار ما بلغ ، قلت : أرأيت من سرق أقلّ من ربع الدينار ، هل يقع عليه حين سرق اسم السارق؟ وهل هو عند الله سارق في تلك الحال؟ فقال عليه‌السلام : كلّ من سرق من مسلم شيئا قد حواه وأحرزه فهو يقع عليه اسم السارق وهو عند الله سارق ، ولكن لا تقطع إلّا في ربع دينار أو أكثر ، ولو قطعت يد السارق فيما هو أقلّ من ربع دينار لألفيت عامّة الناس مقطعين».

٢٢٩

أقول : هذه الرواية حاكمة على جميع أخبار الباب ، لأنّها بين النفي والإثبات ، وبمضمونها روايات اخرى من الخاصّة والجمهور عمل بها المشهور من الفقهاء.

ففي صحيح البخاري ومسلم بإسنادهما عن عائشة أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : «لا تقطع يد السارق إلّا في ربع دينار فصاعدا».

وبإزائها روايات اخرى تدلّ على أقلّ من ذلك أو أكثر ، ولكنّها إما محمولة أو مطروحة ، كما فصّلناه في كتابنا (مهذب الأحكام).

ويستفاد من صحيحة محمّد بن مسلم أنّ حكم القطع عن الأقلّ ارفاقي وتخفيف من الله تعالى ، رحمة منه بعباده.

ما ورد في حدّ السرقة :

ذكرنا في آية الوضوء والتيمم أنّ اليد في الإنسان تطلق على ما هو المحدود من أطراف الأصابع إلى الكتف ، وتطلق على أبعاض ذلك أيضا ، إطلاق اسم الكلّ على الجزء بقرينة خاصّة حاليّة أو مقاليّة ، وهذا يجري في آية السرقة أيضا وإن كانت مطلقة ، إلّا أنّ الروايات دلّت على أنّ القطع مقيّد بجزء خاصّ ، ويدلّ على ذلك ما رواه الكليني في الكافي عن الصادق عليه‌السلام : «أنّه سئل عن التيمم ، فتلا هذه الآية : (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما) ، وقال (فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ) ، قال : فامسح كفّيك من حيث موضع القطع».

أقول : المستفاد منه أنّ اليد محدود فيهما ، وأنّ القطع يقع على جزء من اليد التي يجب غسلها في الوضوء.

وفي التهذيب عن إسحاق بن عمّار ، عن موسى بن جعفر عليه‌السلام قال : «تقطع يد السارق ويترك إبهامه وصدر راحته ، وتقطع رجله ويترك عقبه يمشي عليها».

أقول : الرواية تدلّ على أنّ القطع يقع على أطراف الأصابع.

وفي تفسير العياشي عن زرقان صاحب ابن أبي داود وصديقه بشدة قال : «رجع ابن أبي داود ذات يوم من عند المعتصم وهو مغتم فقلت له في ذلك ، فقال :

٢٣٠

وددت اليوم أنّي قدمت منه عشرين سنة ، قلت له : ولم ذاك؟ قال : لما كان من هذا الأسود أبي جعفر محمّد بن علي بن موسى عليه‌السلام اليوم بين يدي أمير المؤمنين المعتصم ، قلت له : وكيف كان ذلك؟ قال : إنّ سارقا أقرّ على نفسه وسأل الخليفة تطهيره بإقامة الحدّ عليه ، فجمع لذلك الفقهاء في مجلسه وقد أحضر محمّد بن علي عليه‌السلام ، فسألنا عن القطع في أي موضع يجب أن يقطع؟ قلت : من الكرسوع ، لقول الله في التيمم : (فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ). واتّفق معي على ذلك قوم ، وقال آخرون : بل يجب القطع من المرفق ، قال : وما الدليل على ذلك؟ قالوا : لأنّه لما قال : (وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ) في الغسل دلّ ذلك على أنّ حدّ اليد هو المرفق ، قال : فالتفت إلى محمّد بن علي عليه‌السلام فقال : ما تقول في هذا يا أبا جعفر؟ فقال : قد تكلّم القوم فيه يا أمير المؤمنين ، قال : دعني بما تكلّموا به ، أي شيء عندك؟ قال : اعفني عن هذا يا أمير المؤمنين ، قال : أقسمت عليك بالله لما أخبرت بما عندك فيه ، فقال : أما إذا أقسمت عليّ بالله إنّي أقول : إنّهم أخطئوا السنّة ، قال : القطع يجب أن يكون من مفصل اصول الأصابع فيترك الكفّ ، قال : وما الحجّة في ذلك؟ قال عليه‌السلام : قول رسول الله عليه‌السلام : السجود على سبعة أعضاء الوجه ، واليدين ، والركبتين ، والرجلين ، فإذا قطعت يده من الكرسوع أو المرفق لم يبق له يد يسجد عليها ، وقال الله تعالى : (وَأَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ) يعني هذه الأعضاء السبعة التي يسجد عليها ، (فَلا تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَداً) وما كان لله لم يقطع ، قال : فأعجب المعتصم ذلك فأمر بقطع يد السارق من مفصل الأصابع دون الكفّ ، قال ابن أبي داود : قامت قيامتي وتمنّيت أنّي لم أك حيّا. قال زرقان : إنّ ابن أبي داود قال : صرت إلى المعتصم بعد ثلاثة ، فقلت : إنّ نصيحة أمير المؤمنين عليّ واجبة ، وإنّي أكلمه بما أعلم أنّي أدخل به النار. قال : وما هو؟ قلت : إذا جمع أمير المؤمنين في مجلسه فقهاء رعيته وعلماؤهم لأمر واقع من امور الدين ، فسألهم عن الحكم فيه فأخبروه بما عندهم من الحكم في ذلك ، وقد حضر المجلس بنوه وقواده ووزراؤه وكتّابه وقد تسامع الناس بذلك من وراء بابه ، ثمّ يترك أقاويلهم كلّهم لقول رجل يقول شطر هذه

٢٣١

الامة بإمامته ويدّعون أنّه أولى منه بمقامه ، ثمّ يحكم بحكمه دون حكم الفقهاء؟ قال : فتغيّر لونه وانتبه لما نبّهته له ، وقال : جزاك الله عن نصيحتك خيرا ـ الحديث».

أقول : الحديث يدلّ على أنّ القرآن يفسّر بعضه بعضا ، وأنّه لا يمكن الأخذ بإطلاق آية مع الإعراض عن القرائن الاخرى مطلقا ، كما يدلّ على أنّه لا يمكن الاستغناء عن المعصوم عليه‌السلام في فهم ظواهر الآيات ، فإنّهما لن يفترقا. وهناك أقوال اخرى في قطع اليد أغلبها مروية عن العامّة ، وأما الخاصّة فاتّفقت كلمتهم على أنّ القطع إنّما يقع على الأصابع فقط ، والتفصيل مذكور في الفقه. والرواية تدلّ أيضا على أنّ الإقرار يوجب القطع ، وسيأتي الكلام فيه إن شاء الله تعالى.

سقوط الحدّ بالتوبة :

ذكرنا أنّ ظاهر الآية الشريفة تدلّ على سقوط الحدّ عن التائب عن السرقة ، وأنه تفضّل من الله تعالى عليه. والروايات وإن دلّت على ذلك أيضا إلّا أنّها خصّصت ذلك بما إذا كانت التوبة قبل الثبوت عند الحاكم.

فقد روى الشيخ في التهذيب عن الصادق عليه‌السلام قال : «إذا جاء السارق من قبل نفسه تائبا إلى الله تعالى وردّ سرقته على صاحبها ، فلا قطع عليه».

أقول : وردت في مضمون ذلك روايات متعدّدة وقد أخذ بها المشهور (رضوان الله تعالى عليهم أجمعين). ويدلّ على ذلك أيضا ما ورد من النهي عن تعطيل حدّ من حدود الله تعالى ، وبإزاء هذه الأخبار بعض الروايات التي تدلّ على أن للإمام العفو ، وقد أخذ بها جمع من الفقهاء وخصّ بعضهم بما إذا كان ثبوت السرقة بالإقرار دون ما إذا ثبتت بالبينة ، والمسألة مذكورة في كتب الفقه فراجع.

وهناك أقوال اخرى منسوبة إلى غير الإماميّة من شاء فليراجع مظانها.

٢٣٢

بحث فقهي :

اشتراط الفقهاء في السرقة التي يترتّب عليها الأحكام المزبورة أمورا :

الأوّل : أن يكون الأخذ سرّا ، فلا تقع السرقة علنا وإن كانت حراما وتسمّى سلبا ونهبا ، كما عرفت.

الثاني : أن يكون أخذ المال بغير إذن صاحبه ، كما عرفت.

الثالث : أن لا يدّعى شبهة محتملة فيه.

الرابع : أن لا يكون أمينا كالمستودع والأجير ومثلهما الضيف ، وأن لا يكون والدا ولا مملوكا ، فلو سرق الأب مال ولده أو المملوك من مال سيّده ، فلا قطع ، ولا مكرها على السرقة.

الخامس : أن يكون المسروق بمقدار ربع دينار ، فلا قطع فيما دون ذلك. وتثبت السرقة بالبينة والإقرار مرّتين. وهناك فروع مذكورة في الفقه من شاء فليراجع كتابنا (مهذب الأحكام).

بحث عرفاني :

يعدّ قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) ، من الآيات القويمة في السير والسلوك إلى الله تعالى ، لأنّه يقوي الروابط بين العبد وخالقه ويشدّد على إظهار العبوديّة ويجعل جميع حالات العبد تحت المراقبة والمراعاة ، فقد أمر سبحانه بابتغاء الوسيلة إليه عزوجل الذي هو من شؤون العبوديّة الحقيقيّة ، وأكّد على ذلك بالاهتمام به واتّخاذه مطلبا حقيقيّا وبغية له ، والإعراض عن غيره عزوجل ، ولأهمّيّة ذلك في شؤون العبد فقد حفّه تبارك وتعالى بأمرين مهمّين ، لهما الأثر العظيم في تحقّقه على الوجه المطلوب وترتّب الأثر عليه ، وهما التقوى ، والجهاد في سبيله تعالى ، ولا ريب أنّ

٢٣٣

الاستكمال وطلب الزلفى لديه عزوجل إنّما يصحّ بعد تزكية النفس أوّلا من رذائل الصفات وذمائم الأخلاق ، فإنّها من أقوى الحجب الظلمانيّة المانعة من الكمال والاستكمال ، ثمّ تحلية النفس بالصفات الحميدة والأخلاق المرضية ، ليتحقّق القرب والاستعداد ، وأخيرا أمر عزوجل بالجهاد في سبيله ، فإنّ الوصول إلى تلك المرتبة لا يكون بسهولة ويسر ، وإنّما يحتاج إلى جهاد وصبر ومثابرة ، ولعلّ الآية الشريفة ترشد إلى أنّ المؤمن لا بدّ له من مراحل ثلاث : شريعة ، وحقيقة ، وفيض ، فإذا تحمّل بالشريعة وتوجّه إلى الله تعالى بابتغاء الوسيلة ، اشتاقت نفسه إلى حضرة الملك وتغلّب عليها الشوق بالتوجّه إليه عزوجل ، فيشتغل بمجاهدة النفس ومحاسبتها ، وأوّل المنازل هو ترك الدنيا والعزوف عن زخرفها وزبرجها ، ثمّ إسقاط جميع الروابط بمخالفة الهوى والاشتغال بالتوجّه إليه عزوجل ، فمن خرق عوائد نفسه تحقّق سيره ووصوله ، ويعرف ذلك بحبّ الله تعالى وابتغاء الوسيلة إليه وجعله شغله الشاغل ، فإذا جاهد الإنسان نفسه حتّى هذّبها وأظهرها من الحجب والموانع ، رجعت نفسه إلى أصلها ، وهو الحضرة التي كانت فيها ، فإنّه لم يكن بينها وبين محلّها إلّا الحجب الظلمانيّة ، فإذا تخلّصت عادت إلى محلّها الأرفع ، ولعلّ هذا هو الفلاح الذي وعد عزوجل للسالكين في طريق الحقيقة والسائرين بنور معرفته ، فإنّ الروح مهما تطهّرت وصفت من كدرات الحسّ عرجت إلى عالم الجبروت ، فلم يحجبها عن خالقها شيء ، فالآية الشريفة تبيّن الأثر العظيم لابتغاء الوسيلة ، ومنها يظهر أنّ المجاهدة إنّما تكون بعد التوسّل بالوسيلة ، وأما قبله فلا سبيل له حتّى يجاهد ، ولعلّه لذلك عقّب عزوجل على ذلك بأنّ الخروج عن تلك التعليمات كفر ، ومن يتبع غير ذلك السبيل لا يمكنه الوصول إلى تلك المقامات مهما حاول وبذل كلّ ما في وسعه ، فإنّه لا يزيده إلّا بعدا وحجابا (ما تقبّل منهم) ، فإنّ القبول إنّما ينحصر طريقه في ما ذكره عزوجل.

٢٣٤

(يا أَيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قالُوا آمَنَّا بِأَفْواهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَواضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هذا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا وَمَنْ يُرِدِ اللهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللهِ شَيْئاً أُولئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ (٤١) سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ فَإِنْ جاؤُكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئاً وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (٤٢) وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْراةُ فِيها حُكْمُ اللهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَما أُولئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ (٤٣) إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْراةَ فِيها هُدىً وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتابِ اللهِ وَكانُوا عَلَيْهِ شُهَداءَ فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ (٤٤) وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (٤٥) وَقَفَّيْنا عَلى آثارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْراةِ وَآتَيْناهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدىً وَنُورٌ وَمُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْراةِ وَهُدىً وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ (٤٦) وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِما أَنْزَلَ اللهُ فِيهِ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ (٤٧))

الآيات الشريفة لا تخرج عن الغرض الذي أنزلت هذه السورة المباركة

٢٣٥

لأجله ، وهو بيان العهود والمواثيق المأخوذة عليه والإيمان المطلوب منه ، والحثّ على العمل بها والتحذير عن مخالفتها ، وقد ذكر عزوجل فيما سبق السبل الموصلة إلى الحقّ والطرق المفضية إلى العمل بالشريعة ، واعتبر أنّ من يعرض عنها يكون كافرا منكرا للحقّ ، فلا ينفعه ما يفديه للنجاة من العذاب الأليم الذي أعدّه لنفسه ، وفي هذه الآيات يذكر تعالى الأصناف الذين زاغوا عن الإيمان وتمادوا في الغي ، فأنكروا الحقّ ونكثوا عهود الله ومواثيقه ، فذكر تعالى المنافقين الذين يؤمنون بأفواههم خوفا أو طمعا ولم تؤمن قلوبهم ، كما حكى عزوجل عنهم في آيات اخرى. ثمّ ذكر اليهود الذين كفروا بالحقّ وأعرضوا عن الطاعة وخالفوا أوامر الله تعالى ، فذكر من صفاتهم ما يدلّ على تماديهم في الغي ، منها : أنّهم سماّعون للكذب يتّبعونه ولا يتّبعون الحقّ. ومنها : تحريفهم لكلام الله تعالى بما تمليه أهواؤهم ، ومنها : أكلهم للسحت وارتكابهم لجميع المحرّمات. وقد حذّرهم عزوجل وأوعدهم الخزي في الدنيا والعذاب العظيم في الآخرة. ثمّ أمر نبيّه الكريم بالإعراض عنهم ، فإنّهم قوم لا خلاق لهم ، ووعده صلى‌الله‌عليه‌وآله بالنصر ، وأمره بالحكم بينهم بالقسط إذا تحاكموا إليه. ثمّ بين عزوجل حقيقة حالهم بأنّهم كابروا الحقّ بعد ما عرفوه ، فلم يحكموك إلّا بما يكون فيه نفعهم ، وقد ردّهم عزوجل بأنّ عندهم التوراة التي أنزلها الله تعالى لهدايتهم ، وفيها من الأحكام والمواثيق والتوجيهات التي حكم بها النبيّون والربانيّون والأحبار الذين حفظوا حدودها وعملوا بها وكانوا شهداء على صحّتها وعدم تحريفها. ثمّ أمر عزوجل المؤمنين بعدم الخشية من اليهود الذين نصبوا العداء للحقّ ، وأنّ الخشية إنّما تكون من الله تعالى فقط. وأخيرا ذكر تعالى من أحكام التوراة التي دخلت في جميع الشرائع الإلهيّة واعتبرها الإسلام من القواعد المهمّة في تنظيم النظام. ثمّ ختم تعالى الآيات الشريفة بذكر أهل الإنجيل الذي فيه هدى ونور ، وهو المصدق لما ورد في التوراة من الأحكام والإرشادات الربانيّة والتوجيهات الإلهيّة ، فأمرهم سبحانه وتعالى بالعمل بحكم الله ، ومن لم يحكم بما أنزله الله تعالى فأولئك هم الفاسقون ، والآيات جميعها تهدف إلى تثبيت أحكام الله التي نزلت في سبيل سعادة الإنسان وتنظيم النظام على أحسن ما يرام.

٢٣٦

التفسير

قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ).

تسلية للرسول الكريم وتطييب لنفسه الشريفة ممّا لاقاه صلى‌الله‌عليه‌وآله من المنافقين الذين يسارعون في الكفر ، والذين هادوا ، والخطاب بالرسالة فيه غاية التشريف والقرب ، ولم يرد مثل هذا الخطاب في القرآن الكريم إلّا في موردين كلاهما في هذه السورة ، أحدهما المقام ، والثاني قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ) [سورة المائدة ، الآية : ٦٧] ، وهو يدلّ على عظمة الأمر وأهميّته عند الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله. وله الأثر العميق في نفسه الشريفة ، فيكون هذا الخطاب تسلية له ، وفيه ما يوجب عدم الحزن والخوف.

وأما خطاب (يا أيها النبي) فقد ورد في القرآن الكريم ما يزيد على عشرة مواضع.

وفي كلا الخطابين التعليم للمؤمنين بمراعاة الأدب في الخطاب مع الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله والحزن ضدّ السرور ، وهو ألم في النفس يحدث عند فوت ما يحبّ. والفعل منه ما يكون متعدّيا بنفسه ، يقال : حزنه الأمر. ومنه ما يكون متعدّيا ب (على) ، يقال : حزن على ولده. ومنه ما يكون متعدّيا بالهمزة ، يقال : أحزنه موت ولده. وهو مذموم في الشرع المبين ، إلّا ما كان على شيء يوجب القرب والزلفى لديه عزوجل ، كما في حزن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله على الذين يسارعون في الكفر ويصدّون عن الحقّ والوصول إلى الكمال ، والحزن أمر طبيعي ومن لوازم طبيعة الإنسان ، فيكون النهي عنه في الشرع نهيا عن اللوازم الاختياريّة المترتّبة عليه ، كالجزع الشديد وعدم الرضا بقضاء الله تعالى وقدره ونحو ذلك. والنهي عنه لا يستلزم إيجاد مقابله وهو الفرح ، فإنّه مذموم أيضا ، قال تعالى : (لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ) [سورة الحديد ، الآية : ٢٣] ، إلّا إذا رجع إلى ما

٢٣٧

تفضّل الله تعالى به عليهم ، كما قال تعالى : (قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) [سورة يونس ، الآية : ٥٨].

والمسارعة هي السير الحثيث والمشية السريعة ، والمسارعة إلى الشيء غير المسارعة في الشيء ، فإنّ الاولى هي السرعة إليه من الخارج ، وأما الثانية فهي السرعة من الداخل. أي : يظهر من الأفعال والأقوال التمادي في الكفر. فتكون في كلمة (في) الدلالة على أنّهم مستقرّون في الكفر لا يبرحون عنه فينتقلون من صنف من الكفر إلى صنف آخر ، فتظهر عليهم موجبات الكفر مرّة بعد اخرى ، وفي الوصف (يسارعون في الكفر) إشعار بعلّة النهي عن الحزن ، أي : أنّ تلك المسارعة هي السبب لحزنه صلى‌الله‌عليه‌وآله. والمعنى : لا يحزنك هؤلاء بسبب مسارعتهم في الكفر ، فإنّهم لم يؤمنوا حقيقة ، فإذا سنحت لهم الفرصة أظهروا الكفر. والجملة تدلّ على التسلية بأبلغ وجه ، فإنّ النهي عن أسباب الشيء ومباديه نهي عنه وقطع له عن أصله ، فليس المراد منه نهي الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وإنّما النهي للكفّ عن أن يحزنوه بمسارعتهم في الكفر ، وتسلية له صلى‌الله‌عليه‌وآله بعدم تأثيرهم عليه فإنّه الرسول المؤيّد والمنصور المسدّد.

قوله تعالى : (مِنَ الَّذِينَ قالُوا آمَنَّا بِأَفْواهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ).

بيان للذين يسارعون في الكفر ، فإنّ مسارعتهم فيه إنّما هو لأجل عدم الإيمان حقيقة ، بل آمنوا بألسنتهم دون أن تؤمن قلوبهم ، وهذه أوصاف المنافقين الذين عانى منهم الأنبياء (سلام الله عليهم أجمعين) أشدّ معاناة ، وكان حزنه صلى‌الله‌عليه‌وآله منهم شديدا ، لأنّ ضررهم على الإيمان وأهله كبير وعظيم.

قوله تعالى : (وَمِنَ الَّذِينَ هادُوا).

عطف على قوله : (مِنَ الَّذِينَ قالُوا آمَنَّا) ، فيكون المسارعون في الكفر على قسمين : المنافقين ، واليهود ، وعلى هذا فقوله تعالى : (سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ ...) خبر لمبتدأ محذوف ، أي : هم سماّعون ، وذكر بعض المفسّرين أنّ الجملة (وَمِنَ الَّذِينَ هادُوا) جملة مستأنفة تقديرها : «ومن الذين هادوا قوم سماّعون للكذب ...».

٢٣٨

والظاهر من السياق هو الوجه الأوّل ، فإنّ الصفات التي يذكرها عزوجل فيما يأتي هي لبيان حال الطائفة الثانية من المسارعين في الكفر ، وأما المنافقون المذكورون في صدر الآية ، فإنّ حالهم لا توافق هذه الأوصاف وإن كان بعضها توافقهم. لكنّ العبرة بظاهر اللفظ ، والمنساق منه هو ما ذكرناه.

قوله تعالى : (سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ).

بيان لحال الذين هادوا بذكر أوصافهم ، والجملة خبر لمبتدأ محذوف ، أي : هم سماّعون ، واللام إما للتقوية كما في قوله تعالى : (فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ). أو للتعليل ، أي : سماّعون الكلام ليكذبوا عليك.

والمعنى : أنّهم يكثرون من سماع الكذب ، مع العلم بأنّه كذب ، ومن داوم على سماعه كان كاذبا. ويحتمل أن يكون المراد من قوله تعالى : (سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ) ، سماّعون للكذب فيك ، كما يحتمل أن يكون المراد منه. سماّعون كلامك ليكذبوا عليك ، وقوله تعالى : (يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَواضِعِهِ) قرينة على الثاني ، ولعلّ حذف المتعلّق يشمل الجميع ، فإنّهم ما رسوا كلا الكذبين.

قوله تعالى : (سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ).

أي : كثير السماع سماع قبول وطاعة لقوم آخرين من اليهود لم يحضروا مجلسك إما خوفا أو إفراطا في البغضاء. ويحتمل أن يكون المراد منه سماّعون منك لأجلهم ، وللإنهاء إليهم ، وكلاهما محتمل فيهم ، فإنّهم قوم توغّلوا في البغضاء والعداء للحقّ وأهله ولشخص الرسول الكريم صلى‌الله‌عليه‌وآله ، كما حكى عزوجل عنهم في مواضع متفرّقة من الكتاب العزيز.

قوله تعالى : (يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَواضِعِهِ).

صفة اخرى لهم ، وقد ذكرها عزوجل في عدّة مواضع من القرآن الكريم بأساليب مختلفة حتّى عرف اليهود بأنّهم أهل التحريف.

والمراد من قوله تعالى : (مِنْ بَعْدِ مَواضِعِهِ) ، أي : من بعد استقرار الكلم في المواضع التي وضعها الله تعالى فيها ، وهو يدلّ على زيادة في التشنيع.

٢٣٩

وإطلاق التحريف يشمل اللفظيّ منه ، أي : تغيير الألفاظ وتبديل الكلام وهو يشمل الكتمان أيضا ، والمعنويّ بالتفسير بالباطل والتأويل الفاسد وحمل الكلام على غير المراد ونحو ذلك. وقد ذكرنا ما يتعلّق به في غير المقام فراجع.

قوله تعالى : (يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هذا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا).

في الآية الشريفة إشارة إلى واقعة ابتلى اليهود بها فحكم فيهم حكامهم بغير ما أنزله الله تعالى ، فأرسلوا طائفة إلى الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله لتحكيمه في تلك الواقعة ، فقالوا لهم : إنّ حكم صلى‌الله‌عليه‌وآله بما أفتى به حكامهم المحرّفون فليأخذوه ، وإنّ حكم بغير ذلك فليحذروا من قبوله.

قوله تعالى : (وَمَنْ يُرِدِ اللهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللهِ شَيْئاً).

الفتنة الاختبار ، والجملة معترضة لبيان أنّهم في حال الاختبار في دينهم ومفتونون بفتنة إلهيّة لإظهار حالهم في الكفر والضلال ، تطييبا لنفس الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله بأنّ الأمر يرجع منه وإليه تعالى ، فإنّك لن تستطيع أن تغيّر شيئا إذا أراد الله تعالى ذلك ، فلا موجب للتحزّن فيما لا تملك فيه سلطانا.

قوله تعالى : (أُولئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ).

أي : أنّهم بلغوا في الغي والضلال مبلغا لم تتعلّق إرادة الله تعالى أن يطهّر قلوبهم من الكفر والنفاق والخبث والضلالة ، فهي باقية على قذارتها وختم عليها بالكفر. وإنّ من سنّته تعالى أن لا يطهّر قلب من تكرّر منه العصيان ، وانغمس في الكيد والضلال ، فأضلّهم الله وما يضلّ به إلّا الفاسقين.

قوله تعالى : (لَهُمْ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ).

توعيد لهم جزاء على أفعالهم الشنيعة ، فقد أذلّهم الله تعالى في الدنيا ، وكتب عليهم الجلاء من ديارهم وأظهر كذبهم وكفر المنافقين ، وأثبت الخوف في قلوبهم من المؤمنين. وأما في الآخرة فإنّ لهم العذاب العظيم الذي لا يعرف كنهه وأمره إلّا الله تعالى. والضمير في (لهم) يرجع إلى كلتا الطائفتين اليهود والمنافقين. وقيل : لليهود خاصّة ، والتكرير مع اتّحاد المرجع لزيادة التقرير والتأكيد.

٢٤٠