صالح الظالمي
الموضوع : الشعر والأدب
الناشر: المكتبة الأدبيّة المختصّة
الطبعة: ١
الصفحات: ٢١٦
من ظلمةِ الكوخِ وأنّاتِهِ |
|
تلبّدُ الآفاق بالحزنِ |
من عاجزٍ يقبعُ في يأسهِ |
|
أحلامُه تدافُ بالوهنِ |
من وحشةِ الخريفِ فوقَ الربى |
|
مطبقةً تهزأُ بالغصنِ |
من دمعةِ اليتيمِ وضّاءةً |
|
تجرحُ في بريقِها جفني |
لا تسألي حسبيَ هذا الذي |
|
أقتاتُ كي يقتاتَني فنّي! |
* * * *
طيف من زحلة
بالأمسِ عأودَ طيفُكِ الثملُ |
|
فخطايَ بين السحرِ تنتقلُ |
ودنوتُ حتى كدتُ ألمسُها |
|
دنياً بها يتجسّدُ الأملُ |
وهُرِعتُ للَّذّاتِ يغمرني |
|
السحرُ والأنغامُ والغزلُ |
للبدر يخطرُ في مفاتنها |
|
ومن النجومِ تناثرتْ خصلُ |
للدوحِ سكرى في ترنُّحها |
|
حتى الهوى في ظلّها ثملُ |
للتمتماتِ تمرُّ خاطفةً |
|
من حولها تتضوّعُ القُبَلُ |
للكأسِ تكعفُ حولَها شفةٌ |
|
كسلى وأجملُ ما بها الكسلُ |
للنشوةِ الكبرى تُهدْهِدُني |
|
حتى تلاشى الجدُّ والهزلُ |
دنياً من الأعراسِ مائجةٌ |
|
صوراً عليها الفنُّ يكتملُ |
ما كانَ حلماً ذاكَ مُتَّكئي |
|
والكأسٌ تلك يثيرها الوشلُ |
وزهورُ مائدتي وما اختلجَتْ |
|
إلّا ليعبقَ عطرُها الجذلُ |
وأرى هنا سيكارتي اختنقتْ |
|
بدخانها للنورِ تبتهلُ |
وبقيةَ الحسراتِ أنفثُها |
|
حرّى وما زالتْ لها شُعَلُ |
وتمرُّ بي قبلٌ محرّقةٌ |
|
تجتاحني فأكادُ أشتعلُ |
أهتزُّ والحرمانُ يعصفُ بي |
|
شفةٌ بأُخرى حين تتّصلُ |
ويهيجني بعسيرِ جذوته |
|
غزلٌ به تتهامسُ المقلُ |
يومٌ طوى عمري ببهجته |
|
حتى زهتْ أيّاميَ الأولُ |
ووهبتُه عيني فما برحتْ |
|
للآنَ بالأنوارِ تكتحلُ |
* * * *
باركتُ طيفَكِ أستظلُّ بهِ |
|
إنْ بزّني بلُهاثهِ المللُ |
ومرافئاً للصحوِ وارفةً |
|
النورُ حولَ أديمها خضلُ |
وأصابعَ الشلّالِ عازفةً |
|
تنبيكَ أنّ الفنَّ يرتجلُ |
هي لم تزل ذكرى محبَّبةً |
|
بالسحرِ والإبداعِ تحتفلُ |
وأُحسُّ فيها كلَّما خطرتْ |
|
أنّي إلى الفردوسِ أنتقلُ! |
* * * *
جريح في المعركة
أُمّاهُ هذي الكأسُ مترعةٌ |
|
بالموتِ سوفَ أعبُّها بفمي |
وسيختفي وضَعُ الحياةِ فلم |
|
تكحلْ جفوني رعشةُ الحلمِ |
والحقلُ يطويهِ الثرى رمماً |
|
لا الزهرُ يعبقُ في ذرى الأكمِ |
والطيرُ إنْ سَكَرتْ حناجرُها |
|
سيغصُّ في اُذني صدى النغَمِ |
إنّي اُحسُّ النارَ لاهبةً |
|
يناسبُ حرُّ لهاثِها بدمي |
سأموتُ سوف يضمّني جدثٌ |
|
خفقتْ عليه كآبةُ الظُّلَمِ |
لكنّني سيظلُّ بي ألقٌ |
|
هيهاتَ يعلقُ في يدِ العدمِ |
* * * *
لا تحزني أُمّاه ذاكرةً |
|
غصناً زها في طِلِّهِ العُمُرُ |
وليالياً عبَقَتْ بجانبهِ .. |
|
في حينَ ينهشُ عينكِ السهرُ |
وبأنَّ صدرَك ملعبٌ رحِبٌ |
|
وهجُ الحنانِ عليه يستعرُ |
فتولولينَ وأنَّ ما غرَستْ |
|
كفاك لم يعلقْ به الثمرُ .. |
أنا سوفَ أحيا حينَ أُطلِقُها |
|
روحاً تهدُّ كيانَ مَنْ غدروا |
وأطوفُ بينَ الخاملينَ صدىً |
|
يضرى على خَلِجاتهِ الخدرُ |
وأعيشُ أسقي الوعيَ أُغنيةً |
|
من جُرْحيَ الدامي لها وترُ |
* * * *
أُمّاه حسبي من دمايَ سنىً |
|
تفنى عليه ظلمةُ الزمنِ |
وبأنْ تُمَدَّ من الخلودِ يدٌ |
|
لتُخيطَ من نسجِ الضُّحى كفَني |
وبأنْ يفوح من الجراحِ شذىً |
|
ينزاحُ عنه كلّ ذي عَفَنِ |
ويمرُّ لي طيفٌ فيوقِظُها |
|
مُقَلاً تهأوتْ في يدِ الوسنِ |
أنا لمْ أمتْ إلّا على ثقةٍ |
|
أنْ سوفَ يحيا في الذرى وطني |
ليلة
يا حبيبي وكلّما رفرفَ الحبُّ |
|
وألقى بين المحبّينَ ظِلَّهْ |
أسْكَرتْنا من ناظريكَ كؤوسٌ |
|
حالماتٌ وخمرةُ الروحِ مقله |
وإذا دبَّ في العروقِ ارتعاشُ |
|
رنّحتْ في الشفاهِ أصداءُ قلبه |
ليلتي أمسِ يا لَسحرَ الليالي |
|
نفرتْ من يدِ المقاديرِ غفله |
يخطفُ النجمُ نافراتِ نجأوانا |
|
فترتدّ بالسنا مخضلّه |
ثم جنَّ الهوى وفاضتْ كؤوسٌ |
|
نحتسيها ونحسبُ الكأس وشله |
وانثنينا ومن رفيفِ هوانا |
|
ذكرياتٌ على جفوني مطلّه |
يا فؤادي وقَعْتَ في شركِ الهمِّ |
|
فقد صادفَ الغرامُ محلّه |
ثم هيهاتَ تحتسي منه يا قلبُ |
|
وتروى .. ما دامَ كأسُكَ شعله! |