ديواني

المؤلف:

صالح الظالمي


الموضوع : الشعر والأدب
الناشر: المكتبة الأدبيّة المختصّة
الطبعة: ١
الصفحات: ٢١٦

من ظلمةِ الكوخِ وأنّاتِهِ

تلبّدُ الآفاق بالحزنِ

من عاجزٍ يقبعُ في يأسهِ

أحلامُه تدافُ بالوهنِ

من وحشةِ الخريفِ فوقَ الربى

مطبقةً تهزأُ بالغصنِ

من دمعةِ اليتيمِ وضّاءةً

تجرحُ في بريقِها جفني

لا تسألي حسبيَ هذا الذي

أقتاتُ كي يقتاتَني فنّي!

* * * *

٨١
٨٢

طيف من زحلة

٨٣
٨٤

بالأمسِ عأودَ طيفُكِ الثملُ

فخطايَ بين السحرِ تنتقلُ

ودنوتُ حتى كدتُ ألمسُها

دنياً بها يتجسّدُ الأملُ

وهُرِعتُ للَّذّاتِ يغمرني

السحرُ والأنغامُ والغزلُ

للبدر يخطرُ في مفاتنها

ومن النجومِ تناثرتْ خصلُ

للدوحِ سكرى في ترنُّحها

حتى الهوى في ظلّها ثملُ

٨٥

للتمتماتِ تمرُّ خاطفةً

من حولها تتضوّعُ القُبَلُ

للكأسِ تكعفُ حولَها شفةٌ

كسلى وأجملُ ما بها الكسلُ

للنشوةِ الكبرى تُهدْهِدُني

حتى تلاشى الجدُّ والهزلُ

دنياً من الأعراسِ مائجةٌ

صوراً عليها الفنُّ يكتملُ

ما كانَ حلماً ذاكَ مُتَّكئي

والكأسٌ تلك يثيرها الوشلُ

وزهورُ مائدتي وما اختلجَتْ

إلّا ليعبقَ عطرُها الجذلُ

٨٦

وأرى هنا سيكارتي اختنقتْ

بدخانها للنورِ تبتهلُ

وبقيةَ الحسراتِ أنفثُها

حرّى وما زالتْ لها شُعَلُ

وتمرُّ بي قبلٌ محرّقةٌ

تجتاحني فأكادُ أشتعلُ

أهتزُّ والحرمانُ يعصفُ بي

شفةٌ بأُخرى حين تتّصلُ

ويهيجني بعسيرِ جذوته

غزلٌ به تتهامسُ المقلُ

يومٌ طوى عمري ببهجته

حتى زهتْ أيّاميَ الأولُ

٨٧

ووهبتُه عيني فما برحتْ

للآنَ بالأنوارِ تكتحلُ

* * * *

باركتُ طيفَكِ أستظلُّ بهِ

إنْ بزّني بلُهاثهِ المللُ

ومرافئاً للصحوِ وارفةً

النورُ حولَ أديمها خضلُ

وأصابعَ الشلّالِ عازفةً

تنبيكَ أنّ الفنَّ يرتجلُ

هي لم تزل ذكرى محبَّبةً

بالسحرِ والإبداعِ تحتفلُ

٨٨

وأُحسُّ فيها كلَّما خطرتْ

أنّي إلى الفردوسِ أنتقلُ!

* * * *

٨٩
٩٠

جريح في المعركة

٩١
٩٢

أُمّاهُ هذي الكأسُ مترعةٌ

بالموتِ سوفَ أعبُّها بفمي

وسيختفي وضَعُ الحياةِ فلم

تكحلْ جفوني رعشةُ الحلمِ

والحقلُ يطويهِ الثرى رمماً

لا الزهرُ يعبقُ في ذرى الأكمِ

والطيرُ إنْ سَكَرتْ حناجرُها

سيغصُّ في اُذني صدى النغَمِ

إنّي اُحسُّ النارَ لاهبةً

يناسبُ حرُّ لهاثِها بدمي

٩٣

سأموتُ سوف يضمّني جدثٌ

خفقتْ عليه كآبةُ الظُّلَمِ

لكنّني سيظلُّ بي ألقٌ

هيهاتَ يعلقُ في يدِ العدمِ

* * * *

لا تحزني أُمّاه ذاكرةً

غصناً زها في طِلِّهِ العُمُرُ

وليالياً عبَقَتْ بجانبهِ ..

في حينَ ينهشُ عينكِ السهرُ

وبأنَّ صدرَك ملعبٌ رحِبٌ

وهجُ الحنانِ عليه يستعرُ

٩٤

فتولولينَ وأنَّ ما غرَستْ

كفاك لم يعلقْ به الثمرُ ..

أنا سوفَ أحيا حينَ أُطلِقُها

روحاً تهدُّ كيانَ مَنْ غدروا

وأطوفُ بينَ الخاملينَ صدىً

يضرى على خَلِجاتهِ الخدرُ

وأعيشُ أسقي الوعيَ أُغنيةً

من جُرْحيَ الدامي لها وترُ

* * * *

أُمّاه حسبي من دمايَ سنىً

تفنى عليه ظلمةُ الزمنِ

٩٥

وبأنْ تُمَدَّ من الخلودِ يدٌ

لتُخيطَ من نسجِ الضُّحى كفَني

وبأنْ يفوح من الجراحِ شذىً

ينزاحُ عنه كلّ ذي عَفَنِ

ويمرُّ لي طيفٌ فيوقِظُها

مُقَلاً تهأوتْ في يدِ الوسنِ

أنا لمْ أمتْ إلّا على ثقةٍ

أنْ سوفَ يحيا في الذرى وطني

٩٦

ليلة

٩٧
٩٨

يا حبيبي وكلّما رفرفَ الحبُّ

وألقى بين المحبّينَ ظِلَّهْ

أسْكَرتْنا من ناظريكَ كؤوسٌ

حالماتٌ وخمرةُ الروحِ مقله

وإذا دبَّ في العروقِ ارتعاشُ

رنّحتْ في الشفاهِ أصداءُ قلبه

ليلتي أمسِ يا لَسحرَ الليالي

نفرتْ من يدِ المقاديرِ غفله

يخطفُ النجمُ نافراتِ نجأوانا

فترتدّ بالسنا مخضلّه

٩٩

ثم جنَّ الهوى وفاضتْ كؤوسٌ

نحتسيها ونحسبُ الكأس وشله

وانثنينا ومن رفيفِ هوانا

ذكرياتٌ على جفوني مطلّه

يا فؤادي وقَعْتَ في شركِ الهمِّ

فقد صادفَ الغرامُ محلّه

ثم هيهاتَ تحتسي منه يا قلبُ

وتروى .. ما دامَ كأسُكَ شعله!

١٠٠