ديواني

المؤلف:

صالح الظالمي


الموضوع : الشعر والأدب
الناشر: المكتبة الأدبيّة المختصّة
الطبعة: ١
الصفحات: ٢١٦

بأننا سنكون شعراء في المستقبل القريب ، أمّا ما يقوم به سماحة الشيخ الخاقاني ، فقد كان مولعا بقراءة كلّ ما هو جديد ، من كتب الأدب والمجلات وحتى الصحف اليومية ، وهو رجل دين قد لا يسمح له بمثل هذا ، ولكنه على كلّ حال ومع منزلته العلمية يرغب بالاطلاع على ما يستجد ، وكنا نقرأ ما يحمله إلينا ، أمّا في داره ليلة الخميس والجمعة ، أو نأخذه على سبيل الاستعارة من واحد لآخر.

في هذه الفترة لم تقتصر قراءتنا على ما نسمعه من شعراء الرابطة ، والآخرين من شعراء النجف ، بل أخذنا نتابع ـ بإلحاح ـ كبار شعرائنا أمثال الشيخ علي الشرقي ، والجواهري ، وما يصل إلينا من شعر بدوي الجبل ، وعمر أبو ريشة ، وبشارة الخوري ، وايليا أبو ماضي ، وغيرهم ، ومع هذا فنحن جميعا لم نعرض عمّا جاء به الشعر الحر من داخل العراق وخارجه ، وكانت نظرتنا له أنّه لا يختلف تماماً عن الشعر العمودي الأصيل ، حين يكون شعرا ذا معاناة وتجربة يتضمنها عند قراءتك له.

الآن بدأنا نزجّ بأنفسنا في المحافل الخاصّة ، ونسمع الحاضرين شعرنا من غير اكتراث أو تردّد ، بعد ذلك بقليل دخلنا باطمئنان المحافل العامة ، وتبين لنا أنّنا شعراء ، ما دام

٢١

للمعنيون بالأدب ينظرون إلينا نظرة تنمُّ عن الرِّضا إزاء ما نقوله من شعر أو نظم آنذاك.

٢٢

أُسرة الأدب اليقظ

هذا الاسم وضعه لها المرحوم جميل حيدر ، جاءت هذه الاُسرة بعد (أُسرة الأدب الحيّ) لشعراء الرابطة الأدبية في لقاءاتهم اللّيلية في بيوت الأعضاء ، فالقصيدة الواحدة كانت لخمسةِ شعراء أو أكثر ، ثم تأخذ طريقها نحو مجلّة (الغري) ، وكانت ندوة الشيخ الخاقاني وزين الدين يطلق عليها آنذاك (الأدب المحتضر) ، والحق أنّ قصائد هذه الندوة كانت تسمو على كثيرٍ من قصائد الشعراء الآخرين ، فزين الدين كان شاعراً بارعاً يمتلك كلّ أدوات الشعر التي يعتمد عليها الشاعر المبدع.

استقرت (أُسرة الأدب اليقظ) في مدرسة (المهدوية) ، وفي غرفٍ بائسةٍ تعودُ للمرحوم جميل حيدر ، وكان كلّ ما فيها مُقرفاً حتى أواني الشاي ، فهي بالتالي وكرٌ أمين يلتقي فيه كلّ من الإخوة الأعضاء : مصطفى جمال الدين ، محمد بحر العلوم ، محمد حسين فضل الله ، محمد الهجري ، ضياء الخاقاني ، جميل حيدر ، صالح الظالمي.

هذه النخبة المنتقاة لا يدنو منها ما يكدّر صفوَها ، القلوب تقطر محبةً وإخلاصاً ، والنفوس جميعها تعجُّ

٢٣

بالصفاءِ حتى الأضاءة ، فلا تدع مجالاً لعبث الظلمة يحومٍ فوقها ، فكل ما حولها يشعرك بالطمأنينية والرضا ، وبقيَت هذه النخبة تألفُ مقرّها الخانق ، وتوصل إنتاجها الشعري في كلّ المجالات داخل النجف وخارجها بعيداً عن المناسبات الضيّقة ، حتى جاء دور (كلية الفقه) فانخرطَ منا جماعة فيها وتفرّق آخرون ، وأخذَ كلّ واحدٍ منهم طريقاً يختارها لنفسه ، ولكنّ القلوب بقيَتْ وما زالتْ على تشابكها رغمَ اختلاف المسالك ، وبُعد المسافة.

صالح الظالمي

النجف الأشرف

حزيران / ٢٠٠٧ م

٢٤

حريق ...

٢٥
٢٦

أقبتْ في الدجى وبين يديها

موقدٌ غاضبٌ من النيرانِ

وأنا ـ ثمَّ والشّتا يحشدُ البردَ ... ،

بجنبي فيقشرعُّ مكاني!

مزبري في يدي تجمَّدَ حتى

لكأني أرهُ بعضَ بناني

وكتابي إذا تأمّلتُ فيه ..

لم أجدْ غيرَ رِعدةِ العنوانِ

* * *

٢٧

وتلقّيتُها بشوقٍ كما يحضنُ ..

 .. قلبُ الغريقِ ومضَ الأمانِ

غير أني نظرتُها ثمّ أحجمتُ ..

وفي العينِ دهشةُ الحيرانِ

راعني ما رأيتُ حتى كأنَّ النارَ ..

ييسري لهيبُها بجناني

وتملَيتُها فاحسستُ قلبي

في لظاها يضجُّ بالخفقانِ

إنّهُ قلبيَ الذي يتنزّى

بين جنبيَّ مثقلاً بالأماني

أبصر الاَهةَ الحبيسةَ يلقيها ...

فتعلو سحائباً من دخانِ!

٢٨

واُحسُّ الشوقَ الملحَّ لهيباً

يتلظى من ثورةِ الغليانِ

كلّ شيءٍ به .. يلوحُ لعينيَّ ..

جليّاً .. حتى رفيفُ الحنانِ

* * *

ثم اطرقتُ .. في ذهولٍ عميقٍ

 ـ وهي حولي ـ محبوسةُ التبيانِ

ايَّ شيءٍ تقولُه؟! ..

 ـ بعد أن عاثتْ يداها ـ فأحرقتْ «ديواني»

٢٩
٣٠

انتظار

٣١
٣٢

أنا هنا كلّي مع العطرِ

اُصغي لها ترفلُ بالسحرِ

متى يضجُّ الدربُ من نورِها

من عطرِها من كُوَمِ الزهرِ؟

من نظرةٍ يورقُ من صحوِها

حتى شحوبُ اليأسِ بالبشرِ

من خطوِها المرهفِ فوقَ الثرى

وشوشةٌ للأنجمِ الزُهرِ؟

من رعشةِ الهدبِ تموجُ الدُّنى

من حولها بكلِ ما يُغري

٣٣

من بسمةٍ تحملُ في جنحِها

كلّ كنوزِ الخيرِ من ثغرِ!

* * * *

أنا هُنا كلّي مع العطْرِ

تطلّعٌ للدربِ يستشري!

عينايَ إحساسِيَ ، حشدُ الدُّمى

بين عروقي صارخاً يجري

كلّ الذي حوليَ تجتاحهُ

في حرقةٍ أينَ ولا أدري

حتى ستارُ البابِ يغزو الكُوى

تعطّشا يبحثُ عن سرّي

٣٤

ديوانُ شعري أمسِ غنِّيتهِ

ما زال حتى الآنَ في سكرِ

ومقبضُ الشبّاكِ نقرِتهِ

ما انفكَّ عنهُ لهبُ الجمرِ!

وهذهِ المرآةُ قالبتِها

فلم تبارحْ ألق النحر

في كلّ شبرٍ هاهُنا خفقةٌ

مخضلّةٌ من طيفكِ الخمري

* * * *

أنا هنا في لحظةٍ مرّةٍ

تصطرعُ الأوهامُ في فكري

٣٥

وساعةُ الجدارِ دقّاتُها ..

اُحسّها تهدمُ في عمري

تجمّدت عينايَ أينَ السنا

أصحو على منبعهِ الثرِّ؟

يصعفُ بي شوقٌ إلى هزةٍ

مجنونةٍ تلهثُ في صدري

إلى انحباسٍ يتحدّى فمي

فيترك اللِّسانَ كالصخرِ

إلى تخطّي النار في جبهتي

إلى ارتعاشٍ في دمي يسري

إلى شفاهٍ ترتمي بينها

 ـ إذا التقتْ ـ خلاصةُ الدهرِ

٣٦

إلى دنىً أجهلُ أسرارها

أجملُ من عالِمنا الشعري

* * * *

٣٧
٣٨

حصاد الدمع

٣٩
٤٠