ديواني

المؤلف:

صالح الظالمي


الموضوع : الشعر والأدب
الناشر: المكتبة الأدبيّة المختصّة
الطبعة: ١
الصفحات: ٢١٦

رشَفَتْ من سناكَ هذي القلوبُ

فالدُّنى حولَها ربيعٌ خصيبُ

ومشَتْ في النفوسِ رعشةُ فجرِ

بين أهدابهِ السنا والطيوبُ

لم يَرُعْ قلبَها الظلامُ إذا اهتاجَ

وألوى بالنيّراتِ قطوبُ

فعلى كلّ همسةٍ مِن خُطاها

ألَقٌ نيِّرٌ ونجمٌ لَعوبُ

هي في غمرةِ السنا .. كلّ قلبٍ

يتنزّى عليهِ دفءٌ حبيبُ

١٤١

هكذا مرّتْ الجموعُ هتافٌ

يتعالى وأضلعٌ تستجيبُ

غيرَ إنِّي انثنيتُ نحوكَ أقتاتُ

لهيبَ الجراحِ وهو شبوبُ

والقوافي على يديَّ ظماءٌ

كلّ ما ترتجيهِ جرحٌ خضيبُ

ثم عُدنا وفي فؤاديَ وقدٌ

منهُ والشعرُ في شفاهي لهيبُ

* * * *

بوركَ الشعرُ في يدي يمسحُ الجرحَ

 .. فيضرى على خُطاهُ وثوبُ

١٤٢

يُسرجُ الليلَ من لظاهُ فهيتزُّ

وراءَ الظلام فجرٌ طروبُ

ويهزُّ الخمولَ يُشعلُ قلباً

ضاع في جانبيه حتى الوجيبُ

ويغذّي مشاعراً لفّها اليأسُ

وأودى بها سكونٌ رهيبُ

صورٌ في الظلامِ نحنُ فما للعينِ

 .. منها لا الإطارُ الذهيبُ

ودُمىً تحضنُ الجليدَ فقد جفَّ

بأعراقِها الدمُ المشبوبُ

نتعاطى السرابَ ثمّ نُزكِّيه

بأنَّ الحيا بهِ مسكوبُ

١٤٣

وبأنَّ السجنَ الذي يذبلُ العمرُ

على ليلهِ فضاءٌ رحيبُ

وبأنَّ الساحَ الجديبَ الذي

نرعاهُ في النائباتِ روضٌ عشيبُ

هكذا نحنُ نهدمُ الواقعَ الغضَّ

ويبني العقولَ وهمٌ كذوبُ

* * * *

غذِّني باللَّهيبِ أقتحم الجمعَ

فقد ملّنا المطافُ الرتيبُ

ما عرفنا من ثورةِ الحقِّ إلا

أنْ يهُزَّ الآفاقَ منّا النحيبُ

١٤٤

وبأنْ يفتديكَ صدرٌ مدمّى

وبأنْ يستفيضَ دمعٌ سكوبُ

وبأنْ نملاَّ العيونَ بكاءً

والثرى من دمائِنا مخضوبُ

جئتَ والليلُ مطبقٌ تحملُ الشمسَ

نهاراً لتستفيقَ الدروبُ

وترينا الإباءَ يفترشُ النجمَ

فلا يعتليه ليلٌ عصيبُ

والبطولاتِ كالأعاصيرِ عُنفاً

تتحدّى الهوانَ وهيَ غضوبُ

وشموخاً للمجدِ يُذكِيه لفحٌ

من لهيبِ الدِّما وخدٌّ تريبُ

١٤٥

وهديراً للحقِّ لو أسكتَ السيفُ

لساناً فكلُّ جرحٍ خطيبُ

هكذا أنتَ قمةٌ تُورِقُ الشمسُ

بآفاقِها ويفنى الغروبُ

* * * *

غذّني باللهيب نحنُ مع الإرهاب

من كلّ خطوةٍ نستريبُ

ونشدُّ الجناحَ في الأُفقِ الرحبِ

نسوراً لنا دويٌّ رهيبُ

أمسِ مرّتْ بنا الأعاصيرُ هوجاءَ

ونحنُ اللّظى بها والهُبوبُ

١٤٦

لم تزلْ تُرعِبُ النجومَ رؤاها

فعلى كلّ مبسمٍ تقطيبُ

ولو أنّ الضبابَ أومأَ للجورِ

لعادتْ قلوبُنا تستجيبُ

لم نزلْ نحنُ كلّ آنٍ تهبُّ الريحُ

من حولهِ لنا اُسلوبُ

وسنبقى ما دامَ لِلَّيلِ زحفٌ

بين أجفانِنا ووجهٌ كئيبُ

أينَ منّا لفحُ العقيدةِ يجلو

صدءاً تستمدُّ منهُ القلوبُ

وانقلابٌ على النفوسِ فتزكو

من جديدٍ أُصولُها وتطيبُ

١٤٧

 .. ما كفانا أنْ ننظرَ الحقلَ

يعلوه خفوقُ الربيعِ وهوَ جديبُ

* * * *

يا أبا الحقّ ثورةٌ .. قلبُكَ الريّانُ

يسقى جذورَها ويذوبُ

غرَستْها كفٌّ لجدِّكَ تهمي

النورَ في كلّ واحةٍ وتصيبُ

هي للحقِّ ، للكرامةِ ، للإنسان

فالخيرُ كلّهُ مسكوبُ

حملتها للناسِ آباؤنا الصيدُ

يُغذّي طِباعَها التهذيبُ

١٤٨

الجباهُ السمراءُ يلهثُ فيها

العزمُ فالرملُ تحتَها مرعوبُ

والهُدى في شفاهِها يحتسي

النجمُ سناهُ وتستحمُّ الطيوبُ

وتلاقتْ آفاقُنا تحضنُ الشمسَ

 .. وأهوى على البعيدِ القريبُ

وحدةٌ في الكفاحِ تُلوى الأعاصيرُ

 .. لديها وتستغيثُ الخطوبُ

اُمتي .. للذرى .. إلى مطلعِ الشمسِ ..

جناحٌ طلقٌ وفكرٌ خصيبُ

١٤٩
١٥٠

الجواهري .. الشاعر

١٥١
١٥٢

وأنت أنتَ حيثُ دنياكَ شِعْرُ

 .. والقوافي بيني وبينكَ جِسرُ

وأنا أنتَ شامخاً في قيودٍ

وطليقاً له الكواكبُ وكرُ

وغريباً تطيبُ لي نكهةُ الغربةِ

منهُ وملءُ دنيايَ عِطْرُ

أتحرّى خُطاكَ أشربُ أنفاسَكَ

 .. ريّا تغذّني وهيَ جمرُ

كلّ حرفٍ أودعتَهُ لهبَ الجرحِ

 .. جناحاً على دمي يستقرُّ

١٥٣

فهو إنْ أوغلَ المحولُ ربيعٌ

وإذا أبطأتْ خُطى الليل فجرُ!

نحتسي عندَهُ الكؤوسَ عطاشى

ويفيضُ العطاءَ نبعٌ ثرُّ

زادُنا في موائدِ الليلِ منهُ

ـ ما يهزُّ السمّارَ ـ خمرٌ وسِحرُ

كمْ قرأنا الشعرَ الهجينَ كئيباً

فنُعفّيهِ والكآبةُ قبرُ

يرتدي للدُّجى نسيجَ ضبابٍ

يتغشّاهُ زئبقٌ لا يقرُّ

موجةٌ إثرَ موجةٍ تتوالى

دون أن ينطوي عليهنَّ فِكرُ

١٥٤

ثم تبدو لنا فتقتحمُ الليلَ

قوافٍ على شفاهِكَ زُهرُ

تتثنّى .. عُرى الصحارى عليها

مثلما أنتَ لم يخبّئكَ سترُ

كلّ ما قلتَه تمرُّ الليالي

من حواليهِ وهو غضٌّ بكرُ

يترضّى الخلودُ بيتاً يوشّيهِ

وما زالَ في حناياهُ كِبرُ

كانَ للبعضِ يومُه ثم ما أسرعَ

ما ينطوي ويومُكَ دهرُ

ورؤى المبدعينَ لو أجدبَ العمرُ

سحابٌ على الجفافِ يدرُّ

١٥٥
١٥٦

أمام ضريح الحسين

١٥٧
١٥٨

أتيتُ وطيفُكَ لم يغربِ

يسايرني زاهِيَ الموكبِ

زيعبر بي عتماتِ السنين

إلى عالم بالسنا أرحبِ

أتيتُ لأقرأ سفرَ الخلود

بغير دمائكَ لم تكتب

وكلُّ الذي فيه من معجبٍ

ينقّل عيني إلى الأعجبِ

فؤادُك ما زال غصّاً يفيض

حناناً مع السهم لم ينضب

١٥٩

ومن عجبٍ أن يشعّ الجبين

من قسوة الحجر الأصلب

يلملم جسمَك ذوبُ النجوم

رداءً عليه ولم يسلب

وإنْ خطفتْ صوتَك الباترات

يؤدّي الرسالةَ جرحٌ نبي

تأمّلتُ مزدحمَ الذكريات

فأذهلني كلّ ما مرّ بي

جلالُ الإمامة في منكبِ

وثقلُ النبوة في منكب

وكبرٌ إذا التهمتك السيوف

وتحت السنابك أنفٌ أبي

١٦٠