ديواني

المؤلف:

صالح الظالمي


الموضوع : الشعر والأدب
الناشر: المكتبة الأدبيّة المختصّة
الطبعة: ١
الصفحات: ٢١٦

فتح

١٠١
١٠٢

أنتِ يا فتحُ يا صدى كبريائي

يا شموخاً يُعيدُ لي خُيلائي

يا شهاباً معانداً يحفرُ الليلَ

لينهلَّ فجرُنا بالضياءِ

ووقوداً لثورةٍ شبَّها العزمُ

يشدُّ الخُطى ، وعُنْفُ الإباءِ

حوّلينا من عالمٍ خطّهُ اليأسُ

لدنياً مضيئةٍ بالرجاءِ

وأزيحي عن جبهةِ الشمسِ ظلّاً

نسَجَتْهُ براعةُ الظلماءِ

١٠٣

واجرحي غضبةَ الرمالِ لتضرى

حاقداتٍ على خطى الأعداءِ

هذه الأرضُ أرضُنا والبساتينُ

وما أبدَعَتْ رُبى سيناءِ!

عادتْ اليومَ كلّ شبرٍ عليها

يتعالى منه هديرُ فدائي

لِمَ لا أنحني؟ أماميَ طودٌ

يتسامى على الذرى الشمّاءِ

وأنا هاهنا أُمِدُّك بالشعرِ

نجوماً دفّاقةَ الآلاء ..

أتحرّى مناجمَ الكلمِ المترفِ

يزهو بمرفأِ الشعراءِ

١٠٤

وبكفّيكِ فوق ما يُبدعُ الفنُّ

قوافٍ منسوجةٌ من دماءِ

يحتسي المجدُ ريَّها فتُعاطيهِ

كؤوساً مشغوفةً بالعطاءِ

وتحيل الجدْبَ الملحَّ ربيعاً

يتهادى شبابُهُ بالرواءِ

جَلَّ هذا العطاءُ يكتبُ تأريخي

جديداً يُعيدُ زهوَ بِنائي

يحشدُ الدّربَ بالضُحى ، بالأزاهيرِ

فتعدو قوافلُ الشهداءِ

وأنا هاهُنا أشدُ على المذياعِ

قلبي ـ دمايَ للإِصغاءِ

١٠٥

كلّما دوّت البلاغاتُ هاجتْ

في عروقي نوازعُ الإنتشاءِ

وأمدُّ الجناحَ منّي على (يافا)

وأستافُ مهبطَ الأنبياءِ

وكأنّي اُعانقُ الفجرَ من (حيفا)

وأختالُ في الرُبى الخضراءِ

وأُحسُّ الجراحَ تغفرُ للثأرِ

تدوّي مسعورةَ الأصداءِ

ثمّ أعدو بين الصخورِ مع

الرشّاشِ رهنَ السواعدِ السمراءِ

أسمعُ الهمسَ والمناجاةَ فيَّ

ووقعَ الخُطى على الصحراءِ ..

١٠٦

يتراءى لديَّ كلّ كَمِىٍّ

في رُبانا يُقِلُّ عيدَ جلاءِ

يا احبّايَ ربّما لوّحَ السِلمُ

علينا بومضةٍ من رِياءِ

واستُعيدَ الذي تلاقَفهُ الغزوُ

ورُدّتْ جحافلُ الإعتداءِ

ثم ماذا؟ وهذه الأكَمُ الخضراءُ

تبقى لوطأةِ الدُّخلاءِ

(دير ياسين) يستحيلُ أنيناً

كُلّما مرَّ طيفُكم في المساءِ

وعيونُ (الجليلِ) مزّقها الشوقُ

فلمْ تكتحِلْ بطيفِ لقاءِ

١٠٧

كلّ دربٍ على الرمالِ تنزّى

منهُ جرحٌ مُزَمْجرٌ بالنداءِ

لن تعودَ المأساةُ فينا هي

المأساةُ لكنّها بغيرِ طلاءِ

قُتلَ السلمُ بل قُتِلنا إذا لمْ

يتحدّى الفناءَ وهجُ الدماءِ!

قَسماُ بالشهيدِ بالثأرِ

بالأطفالِ غرثى .. بالخيمةِ الخرقاءِ

بن يشبَّ الزيتونُ في (قُدسِنا)

المجروحِ غصّاً إلا على الأشلاءِ

١٠٨

أمام المرآة

١٠٩
١١٠

مرّتْ على مِرآتِها وانحنَتْ

أمامها مطرقةً حائره

وساءَها أنْ لا ترى رونقاً

ملتبهاً وفتنةً ساحره

ولا ابتساماً كائتلاقِ السنا

مزدهراً .. ومقلةً فاتره

كلاً ولا في وجنتيْها الضحى

يصبُّ من أنفاسِه الفائره

ثمّ انثنتْ مرتاعةً وارتمتْ

تجرحُ عيْنيها الرؤى النافره

* * * *

١١١

قلتُ لها يا ليلُ لا تحزني

يكفيكِ حُسناً روحُكِ الطاهره

ودفقةُ النورِ التي خبّئت

ما بينَ جنبيكِ دنىً زاهره

تحرّكي تهْمِ على رسلِها

منكِ ينابيعٌ لها زاخره

تجهّمَ الليلُ فهزَّ السنا

منهُ فشعّتْ أنجمٌ سافره

لا تحزني كم غادةٍ شوَّهتْ

صورتَها أفكارُها العاثره

ما قيمةُ الزهرةِ هشّاشةً

إنْ لم تفُحْ أنفاسُها العاطره

١١٢

وما الجمالُ الفذُّ نشتاقٌهٌ

إلا جمالَ الأنفسِ الشاعره

١١٣
١١٤

بغداد الثورة

١١٥
١١٦

هدرَتْ ثورتي فيا صبحُ لمْلِمْ

في طريقي خُطايَ نضّرْ جراحي

أنا ما عدتُ دُميةً من رماد

أسلمتْ كفَّها لعصفِ الرياحِ

لن يعودَ الظلامُ يستلُّ أهدابي

ويختارُ أوجهاً لصباحي

عدتُ نسراً مع الضحى عربيّاً

موكبُ الشمسِ يرتمي بجناحي

عدتُ والحرفُ جمرةٌ تتلوّى

في عروقي تُثيرُ فيَّ طِماحي

١١٧

ليَ بغدادُ عرسُها ورؤاها

كلّ زهوِ النجومِ من أقداحي

نَفَرتْ من يدي القيودُ وأذكتْ

بسمةُ المستحيلِ من أفراحي

للذرى جبهتي تنامُ المقاديرُ

وتصحو على هديرِ كِفاحي

* * * *

إيهِ بغدادُ يا شهاباً فتيّاً

يعبرُ الليلَ للغدِ الوضّاحِ

تتجلّى عيناكِ فجرَ تباشيرٍ

فينساقُ للشموخِ صداحي

١١٨

يورقُ اليأس في يديكِ وتنْدى

قسوةُ الجدْبِ من خطاكِ الفِساحِ

لأغانيكِ يرقصُ النجمُ نشواناً

وتُطوى حناجرٌ للنُواحِ

أنتِ يا ثورتي تخطّي على جُرحي

ليستافَ من دمي مِصباحي

وأعيدي أغنيَّة الفتحِ بركاناً

تشدُّ اللهيبَ فوقَ الرماحِ

هاكِ شعري تدفُّقَ الزيتُ في أرضٍ

ضي أحيليهِ نخوةً في السلاحِ

فالفجاءاتُ في يديكِ ينابيعُ

عطاءِ مشغوفةً بالسماحِ

١١٩

وإذا جُنَّت العواصفُ في اليمِّ

فعيناكِ مرفأُ الملّاحِ

* * * *

١٢٠