مواهب الرحمن في تفسير القرآن - ج ١٠

آية الله السيّد عبد الأعلى السبزواري

مواهب الرحمن في تفسير القرآن - ج ١٠

المؤلف:

آية الله السيّد عبد الأعلى السبزواري


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دفتر سماحة آية الله العظمى السبزواري
الطبعة: ٢
الصفحات: ٤١٥

السابع : يستفاد من قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ جامِعُ الْمُنافِقِينَ وَالْكافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً) أنّ المنافق بحكم الكافر ، وأنّهما يشتركان في العذاب وإن اختلفا في شدّته ، فإنّ المنافق في الدرك الأسفل من النار.

الثامن : يستفاد من قوله تعالى : (وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً) أنّ الله تعالى وعد المؤمنين بإحباط جميع محاولات الكافرين للتسلّط عليهم والاستيلاء على منافعهم ، فإنّهم أقوى حجّة وأسدّ رأيا وأثبت عزيمة وأشدّ ثباتا ، فلا يضرّهم استيلاؤهم برهة من الزمن على المؤمنين.

التاسع : يستفاد من قوله تعالى : (أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطاناً مُبِيناً) أنّ العذاب الإلهي إنّما يكون عن حجّة ملزمة للمعذّبين ، فكل ضلال وسخط إلهي ـ سواء أكانا في الدنيا أم في الآخرة ـ إنّما يكون عن حجّة واضحة يجعلها العباد على أنفسهم بسبب أعمالهم ، فتكون من قبيل المقابلة والمجازاة ، فلن يبدأ الله تبارك وتعالى بعذابهم أبدا ، فالعذاب أو ما يستوجبه من الضلال والمعاصي إنّما يكون من قبلهم.

فما يظهر من بعض الآيات المباركة من إسناد العذاب إليه عزوجل ، إنما يكون من قبيل إسناد الأثر الى موجده ، وأما السبب في الاستحقاق والأهلية فمن ناحية العبد.

العاشر : تدلّ الآية الشريفة (إِلَّا الَّذِينَ تابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ) أنّ أمر التوبة من النفاق شديد ـ وليست كسائر المعاصي ـ فلن تتحقّق إلّا مع الشروط المذكورة ، كما عرفت من أنّ النفاق مرض عضال يفسد النيّة والعقيدة ويؤثّر في النفس والعمل ، وقد تكفّلت هذه الشروط جميع تلك الجوانب كما عرفت في التفسير.

الحادي عشر : يستفاد من قوله تعالى : (فَأُولئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ) أنّ المنافق إذا طهّر قلبه عن النفاق وأخلص عقيدته بالتوجّه إليه تعالى ، يكون مع المؤمنين لا امتياز بينهم وبينه ، وأنّ أوزاره ذهبت بالتوبة الّتي استجمعت تلك الشروط ، ولعلّ

٦١

قاعدة الجب المستندة الى قول نبيّنا الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله : «الإسلام يجبّ ما قبله ، والتوبة تجبّ ما قبلها» ـ أي يمحوان ما كان قبلهما من الكفر والنفاق والمعاصي والذنوب ـ مأخوذة من هذه الآيات المباركة وأمثالها.

الثاني عشر : يستفاد من قوله تعالى : (وَسَوْفَ يُؤْتِ اللهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْراً عَظِيماً) أنّه في مقام الامتنان على المؤمنين ـ سواء من تقدّم منه النفاق أو من لم يتقدّم منه ـ ولا يضرّهم النفاق السابق بعد التوبة الخالصة ، وأنّ كلمة الإطماع أو الترجئة (وسوف) من الله تعالى إيجاب ؛ لأنّه أكرم الأكرمين ، ووعد الكريم إنجاز.

واتّصاف الأجر بالعظمة إما لأنّه من الكريم ، وما يفيض منه لا يقدر بقدر فيكون عظيما ، كما في القدسيات : «من تقرّب إليّ شبرا ، تقرّبت إليه ذراعا ، ومن تقرّب إليّ ذراعا تقرّبت إليه باعا ، ومن أتانى يمشي أتيته هرولة» ، فمن توجّه الى عالم الغيب بالإيمان الكامل يهب له من نفحاته إلى أن يصل قرب ساحة كبرياء أنسه.

وإمّا لأهليّة الطرف ، فإنّ الإيمان بالله وصيرورة العبد مؤمنا باليقظة عن نومة الغفلة ، بالرجوع الى الحقّ ، يقتضي أن يكون أجره عظيما ؛ لقانون النسبة والتناسب.

الثالث عشر : يدلّ قوله تعالى : (ما يَفْعَلُ اللهُ بِعَذابِكُمْ) أنّه سبحانه وتعالى منزّه عن الصفات غير الحميدة ، وهي الصفات السيئة الّتي تخصّ الملوك غالبا ، كالتشفّي من الغيظ وأخذ الثأر واستجلاب النفع وغيرها ؛ لأنّه جلّت عظمته غني لذاته وبذاته ، وفي الحديث : انّ الله تعالى قال لموسى عليه‌السلام : «ما خلقت النار بخلا مني ، ولكن أكره أن أجمع أعدائي وأوليائي في دار واحد» ، وقد أدخل سبحانه تعالى بعض عصاة المؤمنين النار ليعرفوا قدر الجنّة ومقدار ما دفع الله عنهم من عظيم النقمة ، ولتعظيم النعمة الّذي هو واجب عقلي.

الرابع عشر : يستفاد من تقديم الشكر على الإيمان في قوله تعالى : (إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ) أنّ المؤمن لا بدّ أوّلا أن يعترف بنعمة العبوديّة لله تعالى ، ثمّ

٦٢

يتدرّج للوصول الى الكمالات بالإيمان والطاعات ؛ لأنّ الشكر من العبد اعتراف منه بعبوديته ومن الله تعالى رضى باليسير من طاعة عباده.

الخامس عشر : يستفاد من قوله تعالى : (وَكانَ اللهُ شاكِراً عَلِيماً) كمال العناية واللطف بالمؤمنين ، فإنّهم مع كونهم مخلوقين مربوبين لا يمكنهم الحياة إلّا بألطافه المقدّسة ، فإنّ الله تعالى يمنحهم عطية اخرى ويلطف بهم أن يشكرهم على يسير أعمالهم ، وأنّه عليم بشكركم وإيمانكم ، فيستحيل أن لا يوفيكم أجوركم.

بحث روائي

ذكر الكليني في الكافي ، والعياشي في تفسير قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً لَمْ يَكُنِ اللهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلاً) روايات تدلّ على أنّ الآية الشريفة نزلت في شأن جماعة معينة لم يكن إيمانهم ناشئا من الواقع والحقيقة ، وإنّما كان إيمانهم بالله العزيز وبرسوله الكريم لأجل منافعهم الشخصيّة ومصالحهم الخاصّة الّتي كانت في نيّاتهم ؛ ولذلك كانوا يكفرون بالله العظيم وبرسوله الأمين إن تعارض الإيمان مع تلك الأماني المزعومة أو تمسّ بمكانتهم الاجتماعيّة ، فيؤمنون بالله تعالى إن وافق الإيمان معها ثم يكفرون إن عاد التعارض والتباعد بينهما ، فإذا يئسوا من التوافق بقوا على كفرهم ونموا عليه ، كما هو شأن كلّ منافق.

ولكن هذه الروايات كلّها من باب التطبيق والجري لا من باب التخصيص ، لأنّ الآية المباركة عامّة لا تختصّ بزمن معين ـ كعصر نزول القرآن أو ما حصل من الحوادث ـ كالغزوات وغيرها ـ في عصر الرسول الأمين أو بعد ارتحاله صلى‌الله‌عليه‌وآله الى الملأ الأعلى.

كما لا تختصّ بأفراد معيّنة خاصّة ، بل إنّ مضمونها يشمل كلّ عصر وزمان وكلّ فرد انطبقت الآية المباركة عليه واتّصف بالتذبذب ؛ لأنّها في مقام بيان قاعدة

٦٣

كلّية سارية في جميع الأزمنة والمجتمعات. ولا حاجة بعد ذلك الى سرد تلك الروايات والمناقشة فيها بعد ما عرفت.

وفي تفسير العياشي بإسناده عن أبي بصير قال : «سمعت الصادق عليه‌السلام يقول : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً) من زعم أنّ الخمر حرام ثمّ شربها ، ومن زعم أنّ الزنا حرام ثمّ زنا ، ومن زعم أنّ الزكاة حقّ ولم يؤدّها.

أقول : يستفاد من هذه الرواية امور :

الأوّل : أنّ المعصية ـ سواء كانت فعل محرّم أو ترك واجب ـ مرتبة من الكفر ولو كانت أدناها ، فلا تنافي بين هذه الرواية وما تسالموا عليه من أنّ ترك الواجب أو فعل الحرام لا يوجب الكفر ، أي بالمرتبة العالية.

أو يجمع بينهما بأنّ الرواية في مقام بيان إنكار أصل الحكم وجحوده ، فيرجع الى إنكار الضروري الّذي يؤدّي الى الكفر بالاتّفاق ، كما ذكرناه في كتابنا (مهذب الأحكام).

الثاني : سياق الآية المباركة وإن كان في الكفر في اصول الدين بأعلى مراتبه ـ كما يدلّ ذيلها ـ إلّا أنّ تمسّك الإمام عليه‌السلام بها في الكفر في الفروع تكون قرينة على أنّ الكفر الوارد فيها عامّ بجميع مراتبه ، فيشمل الكفر في الفروع أيضا.

الثالث : لا بدّ في الإيمان من الحجّة الظاهريّة ؛ لأنّ الاعتقاد أو الزعم لا يتحقّق إلّا بها وأنّ المدار عليها ، لا الواقع المستور عنا ، كما ذكرنا ذلك مفصّلا في كتابنا (تهذيب الأصول).

الرابع : أنّ للاختيار دخلا في كلّ منهما ، فلا عبرة بما لا يكون كذلك ، كما هو المنساق من الآية المباركة وظاهر الرواية.

وفي الدّر المنثور في قوله تعالى : (فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً) عن أنس قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّ الله يقول كلّ يوم أنا ربّكم العزيز ، فمن أراد عزّ الدارين فليطع العزيز».

٦٤

أقول : على فرض صحّة الحديث إنّ المراد من قوله تبارك وتعالى نوع من الإلهام الفطري لخلقه حتّى لا يستلزم أي محذور ، وإنّ العزّة فيه جلّ شأنه هي بمعناها الحقيقي الواقعي ، أي الغالب الّذي لا يغلب أصلا ، وإنّه يهب العزّ لمن يشاء من عباده ؛ لكرمه وجوده ، ومن أسمائه تعالى (المعزّ).

وأما أن إطاعته تستلزم عزّ الدارين ، فإنّه من باب الترتّب المسبّب على السبب ، فإنّ الانقياد الى العزيز الفياض يوجب ذلك.

وفي تفسير علي بن إبراهيم في قوله تعالى : (أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً) قال : نزلت في بني امية حيث حالفوهم على أن لا يردّوا الأمر في بني هاشم. ثم قال : (أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ) يعني : (القوة).

أقول : الرواية من باب التطبيق والجري لا الحصر والتخصيص.

وفي تفسير علي بن إبراهيم أيضا في قوله تعالى : (أَنْ إِذا سَمِعْتُمْ آياتِ اللهِ يُكْفَرُ بِها وَيُسْتَهْزَأُ بِها) قال : «آيات الله هم الأئمة عليهم‌السلام».

أقول : إنّ ذلك من باب ذكر أكمل المصاديق وأجلّها ، وإلّا فإنّ آيات الله تشمل كلّ خلق يدلّ على وحدانيته وقيّوميته الجامعة لجميع صفات الكمال ، بل إنّ نظام الكون يدلّ على ذلك.

وفي الكافي بإسناده عن شعيب العقرقوفي قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قوله عزوجل : (وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ أَنْ إِذا سَمِعْتُمْ آياتِ اللهِ يُكْفَرُ بِها وَيُسْتَهْزَأُ بِها) الى آخر الآية فقال : إنّما عنى بهذا الرجل يجحد الحقّ ويكذب به ويقع في الأئمة ، فقم من عنده ولا تقاعده كائنا من كان».

أقول : ومثله ما عن أبي الحسن الرضا عليه‌السلام إلّا أنّ فيه : «ويقع في أهله» ، والرواية من باب التطبيق ، والنهي عن المجالسة من باب النهي عن المنكر ومن مراتبه ، فإنّ العنصر الفاسد الّذي يعلم بالحقّ ويجحده لا بدّ من مقاطعته ـ إن لم تؤثّر فيه المراتب المذكورة في كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ـ حتّى لا يفسد المجتمع.

٦٥

وفي الكافي بإسناده عن أبي عمرو الزبيري عن الصادق عليه‌السلام قال : «فرض الله على السمع أن يتنزّه عن الاستماع الى ما حرّم الله ، وأن يعرض عمّا لا يحلّ له ممّا نهى الله عزوجل عنه والإصغاء الى ما أسخط الله عزوجل ، فقال في ذلك : (وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ أَنْ إِذا سَمِعْتُمْ آياتِ اللهِ يُكْفَرُ بِها وَيُسْتَهْزَأُ بِها فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ) قال : ثم استثنى الله تعالى عزوجل موضع النسيان فقال : (وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ)».

أقول : يستفاد من هذه الرواية امور :

الأوّل : أنّ التعبير الوارد في هذه الرواية وأمثالها من تعلّق التكليف بالجارحة ، كقوله عليه‌السلام : «فرض الله على السمع» ، إنّما هو باعتبار أن الجارحة الخاصّة هي المباشرة للعمل أو الصادرة منها ، وإلّا فإنّ التكليف يتعلّق بالنفس الكاملة ـ لا بالجوارح الّتي هي تحت إرادة النفس ـ فإنّها المسؤولة عن التكاليف ، كالغيبة مثلا تصدر عن اللسان أو الكذب أو غيرهما ، فإذا كان شخص لم يكن له لسان كالأخرس فأشار بما يسوء أخاه المؤمن المعيّن أو كتب ذلك ، فهل لا تشمله أدلّة حرمة الغيبة بدعوى أنّ الوارد فيها فرض الله على اللسان مثلا؟! مع أنّ العقاب على النفس وتمام الجسم كما ثبت في علم الكلام ، وفي المقام : «فرض الله على السمع» باعتبار أنّ السمع هو المباشر ، وإلّا فالتكليف متوجّه الى النفس.

إن قلت : مقتضى الآية الشريفة أنّ الأعضاء هي المسؤولة ، قال تعالى : (إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً) [سورة الإسراء ، الآية : ٣٦].

قلت : أولا : إنّ الآية المباركة في مقام بيان طلب الإقرار في يوم القيامة ، نظير قوله عزوجل : (يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) [سورة النور ، الآية : ٢٤] ، وقوله تعالى : (الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ وَتُكَلِّمُنا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ) [سورة يس ، الآية : ٦٥] ،

٦٦

وقال سبحانه وتعالى : (وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْداءُ اللهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ* حَتَّى إِذا ما جاؤُها شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ* وَقالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنا قالُوا أَنْطَقَنَا اللهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ) [سورة فصلت ، الآية : ١٩ ـ ٢١].

وثانيا : على فرض العموم في الآية الشريفة أنّ المسؤولية فيها باعتبار الروح أو النفس الّتي تعلّق بها ، فالمدار على الإرادة مع العمل ، وإلّا فنفس العضو لم يكن مسئولا لو صدر منه العمل بلا إرادة أو لا اختيار ، ويدلّ على ما ذكره قوله تعالى : (وَنَفْسٍ وَما سَوَّاها* فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها* قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها) [سورة الشمس ، الآية : ٧ ـ ٩] وغيره من الآيات الشريفة.

الثاني : ورد فيها الاستماع ، وهو قصد السماع الى ما حرّمه الله تعالى أو ما أسخطه. أما لو سمع ـ أي بلا قصد منه ـ فلا يشمله الحكم ، لفرض عدم الإرادة وفقدان القصد.

الثالث : إحراز عنوان ما حرّمه الله تعالى أو ما أسخطه ، فلو شكّ في تحقّق العنوان فلا يشمله الحكم المذكور في الآية المباركة.

الرابع : أنّ التكاليف ـ ومنها النواهي ـ متقوّمة بالعلم والاختيار ، ففي حالة الجهل أو النسيان والاضطرار لا يتنجّز التكليف ، كما يستفاد ذلك من قوله تعالى : (فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) [سورة الانعام ، الآية : ٦٨] وغيره من الآيات الشريفة.

الخامس : أنّ ارتكاب المناهي والمحرّمات ظلم على النفس ؛ لإخراجها باختياره عن الفطرة المستقيمة وكسب استحقاق العقاب لها كما ذكرنا ذلك مكرّرا.

الكشي في رجاله بإسناده عن محمّد بن عاصم قال : «سمعت الرضا عليه‌السلام يقول : يا محمّد بن عاصم ، بلغني أنّك تجالس الواقفيّة ، قلت : نعم جعلت فداك ، أجالسهم وأنا مخالف لهم ، قال عليه‌السلام : «لا تجالسهم ، قال الله عزوجل : (وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ أَنْ إِذا سَمِعْتُمْ آياتِ اللهِ يُكْفَرُ بِها وَيُسْتَهْزَأُ بِها فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ

٦٧

حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ) يعني بالآيات الأوصياء والّذين كفروا يعني الواقفية».

أقول : الرواية من باب التطبيق ، والنهي عن المجالسة معهم إمّا من باب حرمة إعانة الظالم في ظلمه ، أو من باب وجوب النهي عن المنكر عملا. والواقفية طائفة من الشيعة وقفوا على موسى بن جعفر عليهما‌السلام ، وقد ورد عن أبي الحسن الرضا (سلام الله عليه) التشنيع في حقّهم وذمّهم كثيرا ، وله مراتب كما مرّ.

وفي تفسير العياشي بإسناده عن الصادق عليه‌السلام قال : «إنّ الله تبارك وتعالى فرض الإيمان على جوارح بني آدم وقسّمه عليها ، فليس من جوارحه جارحة إلّا وقد وكّلت من الإيمان بغير ما وكّلت أختها ، فمنها : أذناه اللتان يسمع بهما ، ففرض على السمع أن يتنزّه عن الاستماع الى ما حرّم الله وأن يعرض عمّا لا يحلّ له فيما نهى الله عنه ، والإصغاء الى ما أسخط الله تعالى فقال في ذلك : (وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ أَنْ إِذا سَمِعْتُمْ آياتِ اللهِ يُكْفَرُ بِها وَيُسْتَهْزَأُ بِها فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ) ، ثمّ استثنى موضع النسيان. فقال : (وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) ، وقال تعالى : (فَبَشِّرْ عِبادِ* الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولئِكَ الَّذِينَ هَداهُمُ اللهُ وَأُولئِكَ هُمْ أُولُوا الْأَلْبابِ) ، وقال تعالى : (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ* الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ* وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ) ، وقال تعالى : (وَإِذا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ) ، وقال تعالى : (وَإِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً) ، فهذا ما فرض الله على السمع من الإيمان ولا يصغي الى ما لا يحلّ وهو عمله وهو من الايمان».

أقول : تقدّم في الرواية السابقة ما يتعلّق بفرض الإيمان على الجوارح وبسطه عليها ، والآيات الكريمة المذكورة فيها كلّها من باب ذكر أحد المصاديق ، والرواية من باب التطبيق.

وفي تفسير علي بن إبراهيم في قوله تعالى : (الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِنْ كانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللهِ قالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ وَإِنْ كانَ لِلْكافِرِينَ نَصِيبٌ قالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ

٦٨

عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) أنّها : «نزلت في عبد الله بن أبيّ وأصحابه الّذين قعدوا عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في يوم احد ، فكان إذا ظفر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بالكفّار قالوا له : ألم نكن معكم ، وإذا ظفر الكفّار قالوا : ألم نستحوذ عليكم ، ألم نعينكم ولم نعن عليكم ، قال الله تعالى : (فَاللهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً)».

أقول : الرواية تبيّن حقيقة النفاق ، وأنّها من باب ذكر أحد المصاديق.

وفي العيون بإسناده عن أبي الصلت الهروي ، عن أبي الحسن الرضا عليه‌السلام في قول الله جلّ جلاله : (وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً) قال : فإنّه يقول : «ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين حجّة ، ولقد أخبر الله تعالى عن كفّار قتلوا أنبياءهم بغير الحقّ ، ومع قتلهم إيّاهم لم يجعل الله لهم على أنبيائه سبيلا».

أقول : إنّ تفسيره عليه‌السلام السبيل بالحجّة أعمّ من أن تكون في هذه الدنيا أو في الآخرة ، فلا تنافي بينه وبين ما يأتي عن علي عليه‌السلام ، والمراد من ذيل الرواية أكثر أنبياء بني إسرائيل الّذين لم يتحقّق لهم الظفر الظاهري في هذه الدنيا مع أنّ الحجّة كانت معهم.

وفي الدرّ المنثور عن ابن جرير عن علي عليه‌السلام في قوله تعالى : (وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً) قال : «في الآخرة».

أقول : وكذا عن ابن عباس أيضا ، ولعلّ الوجه في ذلك أنّ ذلك اليوم هو يوم تجلّى الحقّ وظهوره ، كما في الآية المبارك : (ذلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ مَآباً) ، وأنّ الحجّة هي الحقّ والمؤمن مع الحقّ في جميع عوالمه ، والكافر مع الباطل كذلك ، ولكن في يوم القيامة يتجلّى ذلك.

وممّا ذكرنا ظهر أنّه لا تنافي بينها وبين الرواية السابقة ، ولنفي السبيل في الدنيا أو الآخرة مراتب كثيرة وجهات متعدّدة أشرنا إليها في التفسير.

وفي تفسير علي بن إبراهيم في تفسير قوله تعالى : (إِنَّ الْمُنافِقِينَ يُخادِعُونَ اللهَ وَهُوَ خادِعُهُمْ) قال : «الخديعة من الله العذاب وإذا قاموا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله

٦٩

الى الصلاة قاموا كسالى ، يراؤن الناس أنّهم مؤمنون : (وَلا يَذْكُرُونَ اللهَ إِلَّا قَلِيلاً* مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذلِكَ لا إِلى هؤُلاءِ وَلا إِلى هؤُلاءِ) أي : لم يكونوا من المؤمنين ولم يكونوا من اليهود».

أقول : المراد من عذاب الله تعالى للعاصين والخادعين هو جزاء أفعالهم الشنيعة ، أو ما يترتّب على أعمالهم السيئة ، سواء كان ذلك وضعيّا أم غيره ، ففي الأثر : «يلقى على كلّ مؤمن ومنافق نور يمشون به يوم القيامة حتّى إذا انتهوا الى الصراط طفئ نور المنافقين ، فيقومون في ظلمهم ، ومضى المؤمنون بنورهم» ، فكلّ من الطائفتين نال جزاء عمله ، أو من باب أثره الوضعي ، فخديعة الله تعالى في الحقيقة ليس إلّا الجزاء ، ففي المؤمن حسنة ، وفي المنافق كعمله خديعة ، وأمّا ذيل الرواية فمن باب ذكر أجلى صفات المنافقين في أفعالهم الخارجية وهي الرياء لعدم رسوخ الإيمان واستقراره في قلوبهم. وقريب منها ما عن أبي الحسن الرضا عليه‌السلام.

وفي الكافي بإسناده عن أبي المعزى قال : «قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : من ذكر الله عزوجل في السرّ ، فقد ذكر الله كثيرا ، أنّ المنافقين كانوا يذكرون الله علانية ولا يذكرونه في السرّ فقال الله عزوجل : (يُراؤُنَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللهَ إِلَّا قَلِيلاً)».

أقول : المراد من ذكر الله تعالى في السرّ هو الفرائض الواجبة على المؤمن ، وسمّي بذلك لأنّها بين العبد والمولى فقط لا يطّلع عليها أحد ، وفي حديث معاذ بن جبل في قوله تعالى : (يَوْمَ تُبْلَى السَّرائِرُ) [سورة الطارق ، الآية : ٩] قال : «سألت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ما هذه السرائر الّتي تبلى بها العباد يوم القيامة؟ قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : سرائركم من الصلاة والصيام والغسل من الجنابة وكلّ مفروض ، فالأعمال كلّها سرائر خفيّة ، فإن شاء قال : صليت ، ولم يصل» ، فالمؤمن مع الله تعالى دائما في السرّ بأداء الفرائض.

وفي صفات المؤمن : أنّ سرّه وعلانيته واحد بخلاف المنافق ، فيختلف كلّ منهما حسب مصلحته الشخصيّة.

٧٠

والذكر أعمّ من الذكر اللفظي والقلبي أي التوجّه ، أو العملي كالصلاة والحجّ وغيرهما كما مرّ ذلك. والمنافق إنّما يذكر الله علانية لأجل إغواء المؤمنين ، ولجلب منفعته ومصلحته ، وليست الرواية في مقام بيان قلّة الذكر وتحديده.

وفي الكافي بإسناده عن زرارة قال : «قال أبو جعفر عليه‌السلام : لا تقم الى الصلاة متكاسلا ولا متناعسا ولا متثاقلا ، فإنّهما من خلال النفاق ، فإنّ الله تعالى نهى المؤمنين أن يقوموا الى الصلاة وهم سكارى ، يعني سكر النوم ، وقال للمنافقين : (وَإِذا قامُوا إِلَى الصَّلاةِ قامُوا كُسالى يُراؤُنَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللهَ إِلَّا قَلِيلاً).

أقول : الكسل هو ثقل انبعاث النفس للخير مع استطاعتها على ذلك ، بخلاف العجز ، والوجه في تكاسل المنافقين في خصوص الصلاة لأنّها من الشعيرة الّتي بها يتميّز المسلم عن غيره ، وهي الرابطة الكاملة بين العبد ومولاه ؛ ولذلك كانت الصلاة عليهم ثقيلة ، بخلاف المؤمن فيجد فيها الراحة والعروج له.

والخلال : جمع خلّة كالخصلة والخصال لفظا ومعنى ، أي : أنّ التكاسل والتثاقل من خصلة النفاق وعلائمه.

وفي العيون بإسناده عن الحسن بن فضال قال : «سألت علي بن موسى الرضا عليه‌السلام عن قوله تعالى : (يُخادِعُونَ اللهَ وَهُوَ خادِعُهُمْ)؟ فقال : الله تبارك وتعالى لا يخادع ، ولكنه يجازيهم جزاء الخديعة».

أقول : هذه الرواية تدلّ على ما ذكرناه آنفا بالوضوح.

وفي العيون أيضا بإسناده عن مسعدة بن زياد عن جعفر بن محمّد عن أبيه عليهما‌السلام : «انّ رسول الله سئل : فيم النجاة غدا؟ فقال : إنّما النجاة غدا في أن لا تخادعوا الله فيخدعكم ، فإنّه من يخادع الله يخدعه ويخلع منه الإيمان ونفسه يخدع لو يشعر ، فقيل : له كيف يخادع الله؟ قال : يعمل بما أمره الله عزوجل ثم يريد به غيره ، فاتّقوا الرياء فإنّه شرك بالله عزوجل ، إنّ المرائي يوم القيامة ينادى بأربعة أسماء : يا كافر يا فاجر يا غادر يا خاسر ، حبط عملك وبطل أجرك ولا خلاق لك اليوم ، فالتمس أجرك ممّن كنت تعمل له».

٧١

أقول : إنّ ما يستفاد من هذه الروايات والآيات المباركة أنّ الله تبارك وتعالى يحبّ الحقيقة والواقع في كلّ شيء ويبغض العمل المزدوج والمكر والخديعة في كلّ أمر ، ومن خادع معه جلّ شأنه يجازيه حسب عمله ويخلع منه الإيمان الفطري ، فلا يستقيم في مناهجه ولا يثبت في عقيدته ، فيكون في التذبذب دائما ؛ لأنّه يضمر شيئا ويظهر شيئا آخر ، فتكون نفوسهم في الشقاء الدائم والعذاب المستمر حتّى في الدنيا فكيف بالآخرة؟! ولا يتنعّمون في الدارين ، والاختلاف في الأسماء لعلّه من باب الاختلاف في الجزاء والبعد عنه عزوجل.

وفي الدرّ المنثور أخرج ابن المنذر عن علي عليه‌السلام قال : «لا يقل عمل مع تقوى ، وكيف يقل ما يتقبّل؟!».

أقول : التقوى والإخلاص في العمل بمنزلة الروح في الجسد ، فالعمل إن لم يكن فيه إخلاص وتقوى ، لم يكن له وزن أصلا وإن كان في غاية الكثرة ، ولو كان فيه إخلاص فهو كثير ويدوم ويبقى ولو كان العمل قليلا ، ولو وقع العمل مورد قبوله تعالى فهو يزكي وينمو ، كما يدلّ عليه كثير من الآيات الشريفة والروايات المعصوميّة.

وفي سنن البيهقي عن أنس قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : تلك صلاة المنافق ، يجلس ويرقب الشمس حتّى إذا كانت بين قرني الشيطان قام فنقر أربعا ، لا يذكر الله إلّا قليلا».

أقول : ما ذكره صلى‌الله‌عليه‌وآله كناية عن الاستخفاف بالصلاة وعدم توقيرها. وإتيان مجرّد هيئة عجفاء ، لأنّها لم تنبعث عن نفس مطمئنة بالإيمان.

ولعلّ المراد من ذيل الحديث : «قرني الشيطان» التشبيه ، فكما أنّ الإنسان ينادي ويخاف من القرن الّذي في جانبي رأس الحيوان ، فكذلك من الشيطان لأنّه يبثّ جميع قوّاده وأعوانه عند طلوع الشمس ويجمعهم عند غروبها ، ففي الوقتين يحتاج الى القوّة فيكون كالحيوان الّذي يجمع قواه في رأسه للدفاع عن نفسه أو لفريسته.

٧٢

أو أنّ المراد حين تطلع الشمس يتحرّك الشيطان برأسه لإغراء الناس في يوم جديد.

أو التمثيل لمن يسجد للشمس ، فكأنّ الشيطان سوّل له ذلك ، فإذا سجد لها كان الشيطان مقترنا بها.

أو أنّ المراد أنّ الشيطان مكبول بقرنيه ومغلوب تحت آية من آيات الله تعالى ، فلو أراد التجاوز أهلكته بعذابها ونارها.

أو كناية عن تحديد قوى الشيطان ، لها طلوع وافول ، ولم يكن عنده الاستيلاء التامّ ، فيكون المراد من القرن القوّة.

وكيف كان ، فهو من جوامع كلماته الشريفة الّتي تفتخر أمته بإعطائها له صلى‌الله‌عليه‌وآله.

وفي الدرّ المنثور عن ابن عباس : «كلّ سلطان في القرآن فهو حجّة».

أقول : سمّي الحجّة سلطانا ؛ لأنّها تستقرّ في القلوب وتتأثّر بها ، أو أنّ أكثر تسلّطه على أهل العلم والحكمة من المؤمنين ، ولكنّها تختلف حسب الإشراق وكسب الكمال ، قال تعالى : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا وَسُلْطانٍ مُبِينٍ) [سورة هود ، الآية : ٩٦] ، وقال تعالى : (الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللهِ بِغَيْرِ سُلْطانٍ) [سورة غافر ، الآية : ٣٥].

وفي سنن النسائي بإسناده عن مصعب بن سعد عن أبيه عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : «إنّما ينصر هذه الامة بضعيفها ، بدعوتهم وصلاتهم وإخلاصهم».

أقول : المراد من الضعيف من لا حول له ولا قوّة في هذه الدنيا ، وأنّ انقطاعه الى الله تعالى أكثر من غيره ، كما هو الغالب.

والمراد من الإخلاص : من كان عمله لله تعالى ولا يحبّ أن يحمده الناس عليه ، كما في بعض الروايات.

ويستفاد منها أنّ ما ورد فيها من أهمّ أسباب النصرة ، فلا تنافي غيرها من الروايات.

٧٣

وفيه أيضا عن الترمذي في نوادر الأصول عن زيد بن أرقم قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : وما أخلص عبد لله أربعين صباحا ، إلّا ظهرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه».

أقول : للإخلاص آثار وضعيّة كثيرة ، منها ما تقدّم في الرواية ، وكان بعض مشايخنا في العرفان (رحمة الله تعالى عليه) يدّعي التجربة في ذلك.

ومنها : البعد عن المشقّة بكثرة العمل ، فعن نبيّنا الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله لمعاذ بن جبل : «أخلص دينك يكفيك القليل من العمل».

ومنها : النيل الى مقام تربية الخلق ونجاتهم من عذاب الجهل وهلاك النفس ، فعن نبيّنا الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله : «طوبى للمخلصين ، أولئك مصابيح الهدي تنجلي بهم كلّ فتنة ظلماء».

ومنها : امتيازهم عن سائر الناس بعدم سؤالهم من غيره تعالى وإقرارهم بالعبوديّة ، والتوكّل عليه وخوفهم منه تعالى ، كلّ ذلك دلّت عليه الروايات.

ومنها : حصول الثقة في جميع أعماله ، والبعد عن القنوط واليأس ، الى غير ذلك من الآثار الوضعيّة المذكورة في كتب الأخلاق.

وأمّا تقييد الرواية بالصباح ، فقد تقدّم في البحث الفلسفي في قوله تعالى : (وَإِذْ واعَدْنا مُوسى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً) [سورة البقرة ، الآية : ٥١] ما يتعلّق بذلك.

والتقييد بأربعين فلعلّه أنّ لهذا العدد خصوصية في تهذيب النفس ، أو به يحصل الانقطاع الكامل إليه جلّت عظمته ، والله العالم.

وفي الدرّ المنثور عن زيد بن أرقم قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : من قال : لا إله إلّا الله مخلصا دخل الجنّة ، قيل : يا رسول الله وما إخلاصها؟ قال : أن تحجزها عن المحارم».

أقول : الروايات في ذلك مستفيضة مذكورة في جوامع الشيعة والسنّة ، ولا شكّ أنّ التوحيد لو كان عن عقيدة كاملة وإخلاص يوجب الفوز بنعيم الجنّة ؛ لأنّ للإخلاص أثره ، ومنه الحجز عن المحارم.

٧٤

وعن البيهقي في سننه بإسناده عن أبي ذرّ : «انّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : قد أفلح من أخلص قلبه للإيمان ، وجعل قلبه سليما ، ولسانه صادقا ، ونفسه مطمئنة ، وخليقته مستقيمة ، واذنه مستمعة ، وعينه ناظرة ، فأمّا الاذن فقمع ، والعين مقرة لما يوعي القلب ، وقد أفلح من جعل قلبه واعيا».

أقول : الروايات في مضمون ذلك كثيرة جدا في جوامع الشيعة والسنّة ، وإنّ ما ذكره صلى‌الله‌عليه‌وآله من صفات المخلصين ولا شكّ أنّ لكلّ منها مراتب ودرجات.

والقمع ـ بفتح القاف وكسر الميم ـ هو الإناء الّذي يترك في رءوس الظروف لتملأ بالمايعات من الأشربة والأدهان ، فيسقى به أو يفرغ منه في ظرف آخر. وإنّما شبه صلى‌الله‌عليه‌وآله السمع الّذي يسمع القول ولا يحفظه ولا يعنيه به ، لأنّ القول يمرّ على السمع بلا درك وإصغاء ، كما يمرّ الشراب في القمع اجتيازا.

والعين مقرة لما يوعى القلب ، أي : تكشف بالعين وتظهر ما وعاه القلب ، وهو كناية عن أنّ السرائر لا محالة تنكشف.

وهناك روايات اخرى وردت في شأن نزول الآيات المباركة لا حاجة الى نقلها بعد ما عرفت مكرّرا أنّها من باب الجري والتطبيق ، والله العالم.

بحث فقهي

تستفاد من الآيات المباركة بضميمة السنّة الشريفة الشارحة لها القواعد الفقهيّة التالية :

الاولى : قاعدة «حرمة الإعانة على الإثم» ؛ للنهي الوارد في قوله تعالى : (وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ أَنْ إِذا سَمِعْتُمْ آياتِ اللهِ يُكْفَرُ بِها وَيُسْتَهْزَأُ بِها فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ) ، فإنّ الكفر والاستهزاء بآياته عزوجل من مصاديق الإثم والظلم ، فيشمل غيرهما ممّا هو منهي عنه ويكون إثما.

٧٥

والنهي عن القعود معهم يشمل عدم إعانتهم بالأولوية ، أو المراد ذلك بالمنطوق ، كما عن بعض المفسّرين ، ويدلّ على ذلك أيضا قوله تعالى : (وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ) [سورة المائدة ، الآية : ٢] كما دلّت عليها روايات كثيرة ذكرناها في المكاسب المحرمة من كتاب (مهذب الأحكام).

وقد خصّصت القاعدة بموارد كالاضطرار ، والتقيّة لحفظ النفس الّتي هي من باب تقديم الأهمّ على غيره ، وهدايتهم الى الحقّ وغير ذلك ممّا هو مذكور في محلّه.

وفي قوله تعالى : (إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ) دلالة واضحة على وجوب النهي عن المنكر إن توفّرت شروطه من القدرة وزوال العذر والتأثير ، وإلّا فإنّ من رضي بمنكر رآه وخالط أهله كان شريكهم في الإثم وإن لم يفعل ، وأنّ ترك المنكر مع القدرة على رفعه وتوفّر سائر شروطه ، ذنب عظيم وخطيئة كبيرة.

وقيل : يستفاد من الآية المباركة أنّه يجوز مجالستهم في غير ما ذكر في الآية الشريفة من الاستهزاء والخوض في آيات الله تعالى ، كما لو خاضوا في حديث غيره ، لأنّ (حتّى) غاية للتحريم.

لكن الأخبار الواردة في المقام تدلّ على وجوب الإعراض عن الكفّار المستهزئين ، وتحريم الميل إليهم ، ففي معتبرة عمر بن يزيد عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «لا تصحبوا أهل البدع ولا تجالسوهم فتصيروا عند الناس كواحد منهم» ، ومثلها غيرها.

وإنّما اقتصر عزوجل في قوله تعالى : (وَإِذا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آياتِنا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) [سورة الأنعام ، الآية : ٦٨] على النهي عن القعود ، وذكر في هذه الآية الكريمة في هذه السورة (إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ) ؛ لأنّ سورة الأنعام مكيّة ، وإنّما كان المسلمون في مكّة عاجزين عن الإنكار ، فكان تركهم له لعجزهم ، وأمّا الآية الّتي في سورة النساء ، فقد نزلت والمسلمون يقدرون على الإنكار ، فإذا لم

٧٦

ينكروا مع قدرتهم عليه يكون ذلك كاشفا عن رضى منهم ، فيصيرون مثلهم في الإثم أو الكفر ؛ لأنّ الرضا بالكفر كفر.

الثانية : قاعدة «نفي السبيل على المؤمنين» المستندة لقوله تعالى : (وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً) ، وللأخبار الكثيرة المذكورة في أبواب متفرّقة من الفقه.

ويمكن أن يقال : إنّ هذه القاعدة فطريّة ، وإنّ الآية المباركة والسنّة الشريفة من باب الإرشاد ؛ لأنّ إكمال الدين ـ بقوله تعالى : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً) [سورة المائدة ، الآية : ٣] ورضاؤه تعالى به ، وختم النبوّة به ، يقتضي أن يكون متفوقا ، أو ممتازا في جميع جهاته على غيره ، ممّا يوجب البعد عنه تعالى ، وإلّا يستلزم الخلف وتعلّق رضائه بالناقص ؛ لأنّ الإيمان الّذي يكون للكافر عليه سبيل لم يكن على حدّ الكمال فكيف يتعلّق رضاؤه به؟!

مع أنّ الأديان السابقة كلّها تكون مقدّمة لهذا الدين ، فيستلزم عقلا أن يكون لهذا الدين تفوقا كاملا عليهم ، وأنّ العمدة في التفوق الحجّة بل هي الأصل ، وغيرها لا يكون تفوقا كما مرّ في التفسير.

ومن هنا كانت القاعدة غير قابلة للتخصيص لما عرفت أنّها عقليّة ، هذا إن فسّرنا السبيل بالحجّة ، كما تقدّم في البحث الروائي.

وأمّا إن فسّرناه بمطلق السلطة والاستيلاء كما عن بعض الفقهاء ، حيث تمسّكوا بها في كتاب العتق في مسألة ما لو أسلم العبد وكان مولاه كافرا ، وكذا لو أسلمت الزوجة دون الزوج ، وفي الخيار عند ردّ المشتري العبد المسلم بالخيار الى البائع الكافر فيرجع الى البدل ، فحينئذ تخرج عن كونها عقليّة وتختصّ بموارد خاصّة.

ولكن سياق الآية المباركة يأبى عن ذلك ، وانّ المراد من نفي السبيل نفي الحجّة.

٧٧

ويمكن أن يكون المراد الأعمّ إن صحّ الجامع بينهما ، وبقية الكلام موكولة الى الفقه.

الثالثة : قاعدة «كلّ رياء حرام ويوجب بطلان العبادة» ، والدليل عليها الآية الشريفة : (إِنَّ الْمُنافِقِينَ يُخادِعُونَ اللهَ وَهُوَ خادِعُهُمْ وَإِذا قامُوا إِلَى الصَّلاةِ قامُوا كُسالى يُراؤُنَ النَّاسَ) ، أي مع أنّهم كسالى في إقامة الصلاة يراءون الناس ، فلا تكون العبادة له عزوجل ، وقد أوعد على المرائي الويل في سورة الماعون أيضا ، وتدلّ على ذلك الروايات المستفيضة الصادرة عن المعصومين عليهم‌السلام الدالّة على الحرمة ؛ لأنّه نحو خديعة مع الله تعالى ، ولذا عدّه سبحانه وتعالى من صفات المنافقين ، كما تقدّم.

وأمّا كونه يوجب بطلان العمل لانتفاء الشرط المهمّ الّذي هو قصد القربة في العبادات ، فتشمله قاعدة : «انتفاء المشروط بانتفاء شرطه» المقرّره لذي جميع العقلاء ، هذا كلّه في العبادات.

وأمّا في غيرها ممّا لا يتوقّف على قصد القربة ، فهو لا يوجب البطلان وإن وجب نفي الثواب ، والمؤمن يبتعد عنه دائما لئلّا يقع في شرك الشيطان.

والرياء مبغوض عنده تعالى ، ولم يترتّب عليه أي ثواب إلّا في الخمر ، ففي الحديث : «من ترك الخمر لا لله أثابه الله» ، ولعلّ ذلك من أجل مبغوضيّة الخمر وشدّة كراهته تعالى لها ، أو بطرو عناوين اخرى يوجب الثواب. والله العالم.

الرابعة : قاعدة : «عدم جواز اتّخاذ المؤمنين الكافرين أولياء» ، والمراد منها عدم متابعة المؤمنين الكافرين ونصرتهم في عقائدهم أو في أعمالهم ، الّتي تستلزم ترويج عقائدهم الفاسدة ، من بثّها في المجتمع أو تقويتها أو الدفاع عنها. وأمّا الميل القلبي الى أعمالهم أو تعلّم كمالاتهم الدنيويّة دون عقائدهم إن لم تترتّب عليه مفسدة ، فلا محذور فيه.

وكيف كان ، فقد استدلّوا على القاعدة المتقدّمة بالأدلة الأربعة ..

٧٨

فمن الكتاب قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ) وغيره من الآيات المباركة.

ومن السنّة روايات كثيرة ، منها الحديث المشهور المعروف عن نبيّنا الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله : «الإسلام يعلو ولا يعلى عليه» ، وغيره ممّا ورد في الأبواب المتفرّقة في كتب الفقه.

وضرورة الدين أيضا تقتضي ذلك ، فضلا عن الإجماع.

وأمّا العقل ، فحكمه البتي بالفساد في متابعة عقائدهم ونصرتها وأنّ ذلك يوجب خسران الدنيا والآخرة.

ولا فرق في الفساد الّذي يكون موجبا لشمول القاعدة بين أن يكون في الحال أو في المستقبل من الزمان ، فلو حصل للمؤمن الاطمئنان بأنّ متابعة الكافر تستلزم انقلاب عقيدته وفساد أخلاقه بتزلزل إيمانه في المستقبل ، يحرم عليه المتابعة.

وهذه القاعدة عقليّة كشف عنها الشارع امتنانا ، إذ العقل يحكم بالبعد عن ما يضرّ بالعقيدة ويوجب فسادها كما هو واضح ، وتطبيق القاعدة على مواردها موكول الى الفقه.

الخامسة : قاعدة : «الإسلام يجب ما قبله» ، وكيفيّة استظهارها من الآية الشريفة تقدّمت في البحث الدلالي فلا وجه للاعادة.

وعن بعض المفسّرين أنّه استشهد بقوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً) ؛ للقاعدة المعروفة في القضاء من : «انّ أصحاب الكبائر يقتلون في الثالثة أو الرابعة».

ولكن الاستشهاد بها في غير محلّه ؛ لعدم انطباقها على القاعدة ، وأنّ سياقها في اصول الدين والعقيدة والقاعدة أعمّ ، ولا بدّ في مورد القاعدة التخلّل بالحدّ في مرتكب الكبيرة كما هو مصبها ، والآية الكريمة لا تدلّ على ذلك أصلا ، فإنّ محو الكفر يتحقّق بالتوبة أيضا ، وأنّ القتل في القاعدة يوجب محو الذنب والغفران ،

٧٩

والآية المباركة تدلّ على عدم الغفران ، فالعمدة في القاعدة المذكورة الروايات الدالّة على القتل في الرابعة كما هو المشهور ، وانّ ما ذكره لا يقع مورد القبول والله العالم.

وعن ابن عباس قال : يكره للمؤمن أن يقول : «إنّي كسلان» ؛ للآية الشريفة الّتي هي في مقام الذمّ. ولا بأس بقوله : لقاعدة التسامح في أدلّة السنن.

بحث كلامي

الإنسان بلحاظ عقيدته لا يخلو عن أقسام ثلاثة بالحصر العقلي ، لأنّه إمّا مؤمن بالله العظيم ونهجه القويم ، أو كافر به ، أو منافق.

وبتعبير آخر : إمّا في الصراط المستقيم ، أو منحرف عنه وفي طريق الغواية ، وإمّا مزدوج بين الطريقين ، وكلّ طائفة تنال جزاءها المختصّ حسب عمله الناشئ عن عقيدته.

والإيمان بالله تعالى يحصل باختيار الإنسان ، إلّا أنّ السعادة الكائنة في الفطرة كجزء المقتضي للاختيار ، وأنّ السبب التامّ هو الاختيار ، فيختار إمّا السعادة ـ حسب فطرته ـ وإمّا الشقاء للانحراف عنها ، فينتفي الجبر وشبهه كما ينتفي التفويض ، على ما تقدّم في هذه الآيات المباركة وغيرها.

وأمّا الجزاء على الأعمال الصالحة المنبعثة عن العقيدة ، فلا شكّ أنّ المؤمن بالله تعالى ينال جزاء عمله بالمقامات العالية والدرجات الرفيعة ، إما في هذه الدنيا ـ كما تقدّم في أحد مباحثنا السابقة ويدلّ عليه قوله تعالى : (وَمَنْ يُرِدْ ثَوابَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها) [سورة آل عمران ، الآية : ١٤٥] ـ أو في الآخرة من الجنّات والنعم وغيرها ممّا تشتهي الأنفس وتلذ الأعين ، كما أنّ الجزاء على أعماله السيئة يكون كذلك ، عقابا دنيويّا أو اخرويّا.

وأمّا بالنسبة الى أعمال الكافر ، فإن كان العمل سيئا بمقتضى عقيدته ، فينال جزاءه السيء إمّا في هذه الدنيا أو في الآخرة أو فيهما معا. وإن كان العمل حسنا

٨٠