مواهب الرحمن في تفسير القرآن - ج ١٠

آية الله السيّد عبد الأعلى السبزواري

مواهب الرحمن في تفسير القرآن - ج ١٠

المؤلف:

آية الله السيّد عبد الأعلى السبزواري


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دفتر سماحة آية الله العظمى السبزواري
الطبعة: ٢
الصفحات: ٤١٥

ومن العقل ، قاعدة : «قبح العقاب بلا بيان» ، إذ بعد إحراز الحلّية في المذبوح لا بدّ من الشارع بيان حرمة ما فيه ، وإلّا فالتكليف به قبيح.

وكيف كان ، فهذه القاعدة من المسلّمات الفقهيّة ، وقد خصّصت وخرجت عنها بالدليل في الذبيحة أربعة عشر جزءا ، كلّها محرّمة على المشهور ، وهي : الدم ، والغدد ، والطحال ، والقضيب ، والأنثيان ، والفرث ، والمثانة ، والمرارة ، والمشمية ، والفرج ، والعلباء ، والنخاع ، وخرزة الدماغ ، والحدقة ، والظاهر أنّ جميعها من الخبائث. هذا في غير الطيور ، وأمّا فيها فتكون خمسة : الرجيع ، والدم ، والطحال ، والمرارة والبيضتين في بعضها.

ولعلّ تمسّك الإمام عليه‌السلام بإطلاق الآية الشريفة : (أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ) ؛ لحلّية الجنين وأنّ ذكاته ذكاة امه ؛ لأجل التنبيه على هذه القاعدة وإرشادنا لها ، فعن أبي جعفر (سلام الله تعالى عليه) : «أنّ المراد بقوله تعالى : (أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ) أجنّة الأنعام الّتي تؤخذ من بطون أمهاتها إذا أشعرت وقد ذكيت الأمهات وهي حيّة ، فذكاتها ذكاة أمها» ، وتضمّنت هذه الرواية شروط تذكية الجنين من تذكية الام ـ فإذا ماتت بلا تذكية ومات الجنين في جوفها حرم أكله ـ وموت الجنين قبل خروجه من بطن الام ـ فإذا خرج حيّا ومات بلا تذكية حرم ـ وتمام الخلقة بأن يكون قد أشعر أو أوبر ، فإذا فقد أحد هذه الشروط حرم.

وهذه القاعدة لا تجرى في الأجزاء المبانة من الحي ؛ لأنّ قوامها التذكية كما ذكر في عنوانها ، كما أنّها تجري في موارد الشكّ في الأجزاء إن لم يدلّ دليل على الاستثناء ، ولم يحرز أنّها من الخبائث الّتي يأتي تفسيرها في الآية المباركة ، كالكلى واذني القلب مثلا ، ولا فرق في منشأ الشكّ حينئذ والله العالم.

الثالثة : قاعدة كلّية مذكورة في كتاب الحجّ وتختصّ به ، وهي : «لا تحلّ تروك الإحرام إلّا بالإحلال منه» ، ومواطن الإحلال ثلاثة : التقصير ، والهدي ، والطواف ، بلا فرق في الإحرام بين أن يكون للعمرة مطلقا أو للحجّ ، وإن كان الإحلال في الاولى بالتقصير وفي الثاني بالحلق ، على تفصيل مذكور في محلّه ، وتدلّ على هذه القاعدة الأدلّة الثلاثة.

٢٨١

أمّا الكتاب ، فآيات كثيرة مذكورة في سورتي البقرة والحجّ ، ومنها هذه الآية الكريمة : (أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ إِلَّا ما يُتْلى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ) ـ إلى قوله تعالى ـ (وَإِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا) ، أي : الأنعام كلّها حلّ إلّا ما كان منها وحشيا ، فإنّه صيد ولا يحلّ ذلك للمحرم إ إذا أحلّ منه.

والصيد من أهمّ تروك الإحرام كالرفث ، والفسوق ، والجدال ويلحق بها سائر التروك لأجل أدلّة خاصّة.

ومن السنّة روايات كثيرة مذكورة في كتاب الحجّ ، ومن شاء فليرجع الى كتابنا (مهذب الأحكام).

ومن الإجماع ما هو مسلّم في أصل القاعدة. ويقتضيه الأصل أيضا ، فيتمسّك بالقاعدة في بعض الموارد الّتي نوقش في الأصل.

ثمّ إنّه يستفاد من الآيات الشريفة أحكام :

الأوّل : أنّه يحرم على المحرم صيد الحيوان البري ـ طيرا كان أو غيره ـ وذبحه وأكله وإمساكه واتلافه ، لإطلاق الآية الشريفة. وأمّا ذبح الحيوان الأهلي كذبح الدجاج الأهلي أو الغنم كذلك ، فلا يجري عليه حكم الصيد البري ، فيجوز لأنّه ليس بصيد عرفا ولا شرعا.

الثاني : يجوز قتل السباع الضاريات وكلّ حيوان خيف منها ؛ لأنّه ليس بصيد موضوعا ، وإنّما يكون لدفع الضرر عن نفسه ، مضافا الى أدلّة خاصّة دالّة على الجواز.

نعم ، لا يجوز مع الأمن عنها كما ذكرناه في كتاب الحجّ من (مهذب الأحكام).

الثالث : أنّ الأمر في قوله تعالى : (وَإِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا) كالأمر في قوله تعالى : (فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ) [سورة الجمعة ، الآية : ١٠] للرخصة ورفع الحضر ، فلا يستفاد منه العزيمة والتكليف ، أي : إن شاء فعل وإن شاء لم يفعل.

الرابعة : قاعدة : «كلّ صيد حلال إلّا ما خرج بالدليل» ، والصيد لا يطلق في

٢٨٢

اللغة إلّا على الحيوان الممتنع ؛ لأنّه أخذ الحيوان بحيلة ، وفي الشرع يعتبر في تملّكه امور ، وهي : أن لا يكون للحيوان مالك ، وأن يستولي عليه بالأخذ أو بوقوعه في شبكته أو يصير الحيوان غير ممتنع ، وأن يكون قصده الصيد ، فلو انتفى أحد هذه الأمور لم يتحقّق التمليك في الصيد شرعا ، كما لا يطلق على الحيوان الأهلي الّذي يقدر الاستيلاء عليه كالبقر والغنم إلّا إذا توحّش وامتنع فيكون صيدا لغة.

وكيف كان ، فقد دلّت الأدلّة الثلاثة على هذه القاعدة ، فمن الكتاب قوله تعالى : (وَإِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا) ، وإطلاقه يشمل جميع أقسام الحيوانات ، وفي جميع الأوقات إلّا ما خرج بالدليل ، كالصيد في حال الإحرام ، أو الصيد للهو واللعب ، أو ما إذا فقد أحد الشروط المتقدّمة بالنسبة الى تمليك المالك.

ومن السنّة روايات كثيرة ذكرناها في كتاب (مهذب الأحكام) ، والتعرّض لها يوجب الخروج عن الموضوع ، ومن شاء فليرجع إليه.

ومن الإجماع ما ادّعاه غير واحد من الفقهاء ، بل هو من المسلّمات عندهم ؛ لأنّه من سبل العيش وإبقاء الحياة ، فكيف يمنعه الشارع؟! نعم له أن يحدّده بما يراه وبما فيه المصلحة. هذا.

ويختصّ حلّ الاصطياد بالحيوان أن يكون كلبا ومعلّما ومرسلا ، والمرسل مسلما ، وأن يذكر الله تعالى عند الإرسال ، ويستند الموت الى جرحه ، كلّ ذلك للأدلّة الخاصّة من الكتاب ـ كما يأتي ـ ومن السنّة ذكرناها في الفقه ، ومن أراد فليرجع إليه ، فلو فقد أحد هذه الشروط انتفت الحلّية وصار ميتة. وإن حصلت الملكية إن توفّرت الشروط السابقة.

كما يعتبر في الآلة أن تكون سلاحا ، وأن تكون قاطعة ـ أو شائكة ـ وأن يستند القتل الى الآلة ، وأن يكون الرامي مسلما ، ويذكر الله تعالى عند الرمي ، وأن يكون الرمي بقصد الاصطياد ، وتستقلّ الآلة المحلّلة في القتل ، كلّ ذلك للأدلّة الخاصّة أيضا ، فلو انتفى أحد هذه الأمور انتفت الحلّية.

ويصحّ التمسّك بالقاعدة في موارد :

٢٨٣

الأوّل : عند الشكّ في اشتراط وجود شيء أو اشتراط عدمه ، ولم يكن دليل معتبر عليه ، مثل إباحة آلة الصيد ، أو أصل موضوعي كالشكّ في الإحلال من الإحرام.

الثاني : حلّية اللحم بعد تحقّق الصيد وكان الحيوان ممّا يؤكل شرعا ، فمقتضى القاعدة الحليّة ، ولا تصل النوبة الى أصالة عدم التذكية إلا إذا شكّ في وجود شرط من الشروط المتقدّمة ، على تفصيل مذكور في الكتب المفصّلة.

الثالث : عند الشكّ في وجود زمان قابل للتذكية ، فتارة : يحرز أنّ الزمان متسع للتذكية ، فلا يحلّ إلّا بها.

واخرى : يحرز أنّ الزمان غير قابل لها ، كما إذا كان في اللحظة الأخيرة من حياته.

وثالثة يشكّ في الزمان هل هو قابل للذبح فيمكن التمسّك بالقاعدة في هذه الصورة ، ولكنّه مشكل. فتدبّر وإن كان الاجتناب طريق النجاة.

ولا فرق في تحقيق الذكاة بالاصطياد بين الحيوان المأكول اللحم وغيره كالسباع ، فإنّها تصير ذكية به ويجوز الانتفاع بجلدها ، إلّا إذا كان الحيوان نجس العين ، ولكن تحقّق الذكاة بالاصطياد بالكلب المعلّم في الحيوان غير المأكول إشكال تعرّضنا له في كتابنا (مهذب الأحكام) ، وهناك فروع اخرى مذكورة في الكتب المفصّلة.

الخامسة : يستفاد من الآية الشريفة : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلائِدَ وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرامَ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْواناً) قاعدة : «عدم جواز هتك حرمات شعائر الدين» ، أو نقض إعلامه والتعدّي عن حدود الله تبارك وتعالى من أمره ، ونهيه ، وفرائضه ، وأحكامه ، ومواثيقه ، وعهوده ، ويكون عطف الأمور المذكورة في الآية المباركة من قبيل عطف الخاصّ على العامّ ، أو التقييد بعد الإطلاق ، وهذا شائع في الاستعمالات المحاوريّة ، وتدلّ عليها روايات كثيرة مذكورة في محالها.

٢٨٤

وذهب جماعة منهم الشيخ أنّه لا يجوز قتل الصيد وهو يؤم الحرم ولم يدخل فيه ، وتمسّكوا بإطلاق قوله تعالى : (وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرامَ) وبجملة من الأخبار.

ولكن الأخبار معارضة بأخبار اخرى ، فالحمل على الكراهة طريق الجمع بينهما كما ذهب إليه المشهور ، وكذا الاصطياد في حرم الحرم ، وهو يريد من كلّ جانب. نعم احترام حدود حرم الله تعالى لازم عقلا ولكن إثبات الحكم الشرعي بما تقدّم مشكل.

السادسة : تدلّ الآية المباركة : (وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ أَنْ تَعْتَدُوا) على قاعده كلية ، وهي : «عدم جواز الاعتداء على الأشخاص الّذين ينقضون عهد الله ويصدّون المؤمنين من إقامة شعائر الدين» ، وأنّ الانتقام منهم لأجل نقض عهد الله تعالى نحو اعتداء ولا يقبل الشارع به. نعم لو استلزم ذلك جناية على شخص أو على امور عامّة للمسلمين ، فالضمان أو القصاص كما حكم به الشرع ، وتدلّ عليها روايات كثيرة مذكورة في الأبواب المتفرّقة ، وسيأتي في قوله تعالى : (وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى) [سورة الإسراء ، الآية : ١٥] ما يتعلّق بالمقام.

السابعة : تدلّ الآية المباركة : (وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ) قاعدة عامّة ، وهي : «قاعدة حرمة الإعانة على الإثم» ، كما أنّ صدرها : (وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى) تدلّ على قاعدة اخرى ، وهي : «حسن الإعانة على كلّ خير وبرّ ، فالآية الكريمة بصدرها وذيلها تدلّ على قاعدتين عامّتين مهمّتين ، والروايات الواردة فيهما فوق حدّ الإحصاء ، قال الصادق عليه‌السلام في المعتبر : «وليعن بعضكم بعضا ، فإنّ أبانا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يقول : إنّ معونة المسلم خير وأعظم أجرا من صيام شهر واعتكافه في المسجد الحرام».

وقال عليه‌السلام : «عونك الضعيف من أفضل الصدقة».

وعنه عليه‌السلام : «الله في عون المؤمن ما دام المؤمن في عون أخيه» ، الى غير ذلك

٢٨٥

من الروايات. فإعانة المؤمن من حيث هي راجحة ومندوبة ، وقد يعرض عليها الوجوب لأجل عناوين اخرى.

ولا شكّ في أن ذلك هو المتسالم عليه عند الفقهاء ، بل إنّ مقتضى المرتكزات والفطرة حسن المعاونة على البرّ والخير وقبح الإعانة على الشرّ والقبيح ، وأنّ الآيات المباركة والسنّة الشريفة إرشاد إليهما.

ولا يخفى أنّ الإعانة المبحوث عنها ـ سواء أكانت راجحة أم مرجوحة ـ ما إذا انحصرت جهة الراجحيّة أو المرجوحيّة في مجرّد الإعانة من حيث هي ، لا ما إذا كان المعان بها بذاته راجحا أو مرجوحا ، فإعانة الظلمة بنفسها محرّمة في الشريعة مثل قبول الرشوة ، أو الإعانة على الصدقة بنفسها راجحة يثاب كلّ يد وإن تجاوز الى سبعين ، كما في بعض الروايات.

ثمّ إنّ الإعانة بكلا قسميها تتصوّر على وجوه تبلغ عشرة ، ذكرناها في كتاب (مهذب الأحكام) مفصّلا ، فمن شاء فليرجع إليه.

وتقوم الإعانة بأمور :

الأوّل : العلم بتحقّق المعان عليه ، فإذا لم يعلم لم تتحقّق الإعانة.

الثاني : القصد في الجملة ولو كان حاصلا من العلم ، سواء قصد التوصّل أم قصد غير ذلك.

الثالث : تحقّق الفعل خارجا ، ولا فرق في ما ذكرنا بين الإعانة الراجحة أو المرجوحة.

وأمّا قاعدة : «حرمة الإعانة على الإثم» فتدلّ عليها ـ مضافا إلى ما مرّ ـ روايات كثيرة ، منها ما عن جعفر بن محمد عليهما‌السلام في الصحيح : «من أعان ظالما على مظلوم ، لم يزل الله ساخطا عليه حتّى ينتزع عن معونته».

وعنه عليه‌السلام : «العامل بالظلم ، والمعين له ، والراضي به ، شركاء ثلاثتهم» ، وتقدّم مكرّرا أنّ المناهي الشرعيّة مطلقا ظلم.

ولا بدّ من إحراز عنوان الإعانة للحرام من القصد ، والتحقّق ، والعلم كما مرّ ،

٢٨٦

فإذا انتفى أحد هذه الأمور أو تحقّق الحرام بعد وسائط كثيرة ولم تكن من العلّة التامّة أو جزء العلّة ـ كما في بيع العنب والتمر لمن يعلم أنّه يعمله خمرا ـ لم تتحقّق ؛ للشكّ في صدق الإعانة حينئذ ، فلم تكن محرّمة ، والروايات الواردة الدالّة على الجواز ـ كما هي مذكورة في المكاسب المحرّمة من كتاب البيع ـ ليس من باب التخصيص ، وإنّما هي من باب التخصص كما عرفت.

ولا فرق في الحرام الّذي تكون الإعانة عليه حراما بين أن يكون من الكبائر أو الصغائر ، معلوما تفصيلا أو بالإجمال ، مسلما كان العامل أو كافرا بناء على تكليف الكفّار بالفروع كتكليفهم بالأصول ، كما هو المشهور ، كلّ ذلك للعموم والإطلاق. وإنّ الإعانة على الإثم تابعة للإثم المعان عليه ، فإن كان كبيرة فهي كبيرة وإلّا فصغيرة.

وهناك فروع للقاعدة تعرّضنا لها معها في كتاب الاجتهاد والتقليد من (مهذب الأحكام) ، ومن أراد فليرجع إليه والله العالم.

بحث عرفاني

يمكن أن تكون الآيات الشريفة إشارة إلى معاني عرفانيّة ، تتشوّق النفوس إليها وتنشط الأرواح بها وتزيل التعب عنها وتتوجّه الى خالقها وتستعين منه ، ولعلّ الآية المباركة : (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) إشارة الى عهود العشّاق المنقطعين عن ما سواه والعاكفين على أبواب فيضه ورحمته ، فعقدوا معه جلّ شأنه على بذل وجودهم لنيل مقصودهم ـ وهو رضاه ـ وتحمّلوا ألم الفراق وعذابه لأجل لقاء جماله ، وصبروا على المكاره حتّى يتقرّبوا إليه بالشوق الى دنوّه ، فأنت الّذي وهبت لهم من فيضك قدر ما يستحقّون ، وأنعمت عليهم من آلائك قدر ما يتأهّلون باختيارهم ، وجعلت في قلوبهم شوق لقائك ، فهم منك ، وإليك ، ولك ، ومعك تعاهدوا وتعاقدوا (إِنَّ اللهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ) [سورة التوبة ، الآية : ١١١] ، وقال تعالى : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ

٢٨٧

مَرْضاتِ اللهِ وَاللهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ) [سورة البقرة ، الآية : ٢٠٧].

أو إشارة الى أنّ ما تفضّل به على الإنسان ووهب له أعضاء يستخدمها في حياته ، فكلّ عضو ـ نعمة وهبة ـ له عقد معه جلّ شأنه بأن لا يصرفه في معاصيه ونواهيه ، فلا بدّ من الوفاء بهذه العقود الّتي عقدت معه تعالى ، ويدلّ عليها روايات كثيرة ذكرها علماء الأخلاق في كتبهم.

أو إشارة إلى ما بذلوا من الجهد في هداية خلقك ، ومهّدوا السبيل لهم للفوز إلى القرب من حضرة جمالك ، وتعاقدوا ببذل أغلى وأعلى ما عندهم بقبولك بالدخول مع عبادك.

أو إشارة الى إماتة الإنسيّة للنيل الى المقامات العالية والعقد على مخالفة الهوى وطرد الشيطان ؛ لتلقّي أنوارك.

وكيف ما كان ، فمن أوفى بعهوده ودام على عقوده وصبر على بلائه ونجح في امتحانه ، فقد فاز بمقصوده وتلقته السعادة ، وتمثلته الإنسانيّة ، ودخل الجنّة بعد ما أزلفت له.

ولعلّ المراد من قوله جلّ شأنه : (أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ) احلّ ذبح بهيمة النفس الّتي هي كالأنعام بل أضلّ سبيلا ، وقتل الأهواء الشريرة حتّى تنكشف الحقائق وتزيل الأوهام ، فعن علي عليه‌السلام : «المؤمن ينظر بنور الله» ؛ لأنّه من الله تعالى والى الله تعالى ، وهو في نور الله ويرى بنور الله ، إن عرف الله وأزال الحجب بينه وبين الله تعالى ، وهذه الأنوار غير محدودة ، كما تقدّم في أحد مباحثنا السابقة ، ولكن الاستعداد واللياقة بل الأهليّة لها دخل فيها.

ولعلّ الاستثناء في قوله تعالى : (إِلَّا ما يُتْلى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ) يشير الى الخلّص من عباده ، وهم النفوس المطمئنة الثابتة الّتي فازت بالقرب الى ساحة جماله ، وتشرّفت بالخطاب الأبدي الربوبي ، فسمعت باذن نقية داعية قوله تعالى : (ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ راضِيَةً مَرْضِيَّةً* فَادْخُلِي فِي عِبادِي* وَادْخُلِي جَنَّتِي) ؛ لأنّها أحرمت بالتنفّر عن الدنيا وما فيها وتوجّهت الى كعبة الوصال بتلبية الشوق ، وتمسّكت بعرى العشق لحضرة الجمال ، وآنست مع الطائفين

٢٨٨

حول بيت الحقيقة والأمان ، وأوت الى الركن خوفا من الأغيار ، وتجرّدت عن ما سواه ، وانفردت عن كلّ محبوب ومطلوب بالتوجّه الى المقام ؛ ولذلك كلّه يرى في كلّ شيء جماله جلّت عظمته كما عن سيد العرفاء وإمام الموحّدين عليه‌السلام.

ولا شكّ (إِنَّ اللهَ يَحْكُمُ) بترقي النفوس اللائقة وبذبح النفس إن اتّصفت بصفات البهيمة ، ورعت في مراتع الحيوانات السفليّة ، ورفثت كما ترفث الحيوانات البريّة ، وتشبّهت بالحيوانات السبعيّة حتّى تنال طعمة من المآكل الدنيّة.

(ما يُرِيدُ) كما يشاء ويريد ، فإنّه رؤف كريم يحبّ أن يرى آثار نعمه على عباده ، وفي الحديث : «انّ الله جميل ويحب الجمال» ، الأعمّ من الظاهري والمعنوي ، ولا يحبّ القيود والسلاسل «ويبغض العبد القاذورة». أي : الصفات الذميمة المتوطنة في النفس أو الأوساخ الظاهرة على الجسد.

ولعلّ المراد من قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللهِ) لا تقطعوا السبل عمّن أراد وجهه تعالى ؛ لأنّ الجهة عظيم لا السالك شريف ـ إلّا إذا كان مؤمنا ـ فإنّ القلوب تتسارع الى الفضائل إن انكشفت لها الحقائق وتؤمن بالله العظيم وملائكته ورسله ؛ لأنّ العبرة بالخاتمة ، فلا تتهاونوا بحرمات الله تعالى بصدّ السير للسالك الى المنازل والصعود من المواقف الدنيّة إلى التجرّد للقائه تعالى.

كما أنّ بعض النفوس المؤمنة تشرّفت بالقرب لساحته جلّ شأنه وفازت بنيل رضاه بالإفاضة عليها ، كذلك بعض الأمكنة أشرق عليه نور ربّه جلّ شأنه فتشرّف وسمى على غيره ، وكذا بعض الأزمنة فضّل على غيره لتجلّيه تعالى فيه ، وهو تعالى فضلّ الأشهر والأيام والأوقات والأمكنة بعضها على بعض ، كما فضّل الرسل والأمم بعضها على بعض ؛ لتتسارع النفوس المستعدّة لشوق اللقاء بعد تطهيرها عن الرذائل والأغيار ، ثمّ التحلية بصفات الأخيار ، فقال تعالى : (وَلَا الشَّهْرَ الْحَرامَ) ، أي : لا تستحلّوا المآثم فيه وقدّموا التخلية بإزالة الصفات الذميمة حتّى تنالوا شرف التحلية فيه ، فإن للزمان والمكان والصاحب والأستاذ الدخل الكبير في تأثير النفس للايصال إلى المقصود بها ، وفي تحلية النفوس فيها.

ولا تمنعوا قوما أرادوا التشرّف الى كعبة الآمال وساقوا الهدي للقربان

٢٨٩

لأجل التوصّل لما يوجب الغفران من الآثام ، حيث قال تعالى : (وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلائِدَ) ، أي : لا تحلّوا الهدي الّذي يريد صاحبه التقرب به ، ولا القلائد الّتي أسعرت بالشدّ لفكّ الشدّة.

ولعلّ المراد من قوله تعالى : (وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرامَ) أنّ كلّ مخلوق من حيث إضافته الى خالقه جلّ شأنه حسن ، مع قطع النظر عن كونه سعيدا أو شقيا ؛ لأنّه تعالى خلقه بيديه ومن روحه وهو على صورته كما في بعض الأخبار ، وإن لم يرض المولى بكفره ـ فإحسانه لخلقه لا لكفره ـ وإذا قصد بيت الأمن والأمان وأراد التوجّه إليه بالمقام ، فلا تصدّوه عنه علّه يتحلّى بمكارم الأخلاق ومحاسن الأفعال ويتشرّف بهدي الإسلام ؛ لأنّهم كسائر العباد (يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْواناً) من التجارة في العاجلة أو الرضوان في الآخرة حسب زعمهم ، والله يهدي لرضوانه من يشاء حسب لياقته وشأنه ، فلا يجوز تحقيرهم بمنعهم عن الوصول الى حرم الأمان ، إلا إذا خبثت ضمائرهم ، فخرجت عن قابلية الصلاح والإصلاح ، فحينئذ لا يؤم البيت الحرام.

ويحتمل أن يكون المراد من قوله تعالى : (وَإِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا) الوصول الى مرحلة التطهير بتمييز الحقّ عن الباطل بالعيان ؛ لأنّه إذا حلّيت النفوس بعد التخلية وقربت الى ساحة جماله بأداء شعائره ، ورقّت الأرواح حتّى وصلت الى شهود أنواره ، وخلت للأجسام النظر الى صفاته والأخذ من رياض بهجته وبهائه ، واستعدّت القلوب بعد ترويض النفوس وتزكيتها للمقام الرفيع ، فحينئذ نالت مرحلة : «كلي واشربي وقرّي عينا» ، فأحاط التعظيم بها من كلّ جانب وشاهدت ما شاهدت وميّزت الخبيث من الطيب ، وذاقت النفس طعم الحبّ وألم الفراق ، وقال بعض العرفاء :

لا محبّة إلّا بأصول

ولا وصول إلّا غالي

ولا شراب إلّا مختوم

ولا مقام إلّا عالي

ولعلّ المراد من قوله تعالى : (وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ أَنْ تَعْتَدُوا) أن لا يصدّكم عن السير نحو الكمال بالوصول الى مقام

٢٩٠

التسليم والرضا بعد الخلع بالبعد عن مساوئ نفوسكم الّتي هي الأغيار في جنوبكم ، أو لا تمنعكم الصفات الذميمة في غيركم ـ الّذين هم في زيّ الصادقين وعملهم عمل المعرضين ـ عن إصلاح سرائركم وتنوير قلوبكم والنيل بالأحبّة والفوز بمقام الخلّة بالتحلّي بصفات الغرّة ، وقال شاعرهم :

أمّا الخيام فإنّها كخيامهم

وأرى نساء الحي غير نسائها

لا والّذي حجّت قريش بيته

مستقبلين الركن من بطحائها

ما أبصرت عيني خيام قبيلة

إلّا بكيت أحبّتي بفنائها

قال تعالى : (لِيَسْئَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ) [سورة الأحزاب ، الآية : ٨] ، فإذا سأل الصادقين عن صدقهم أيترك المدّعين من غير سؤال؟! فإنّ البعد عن الحقّ والحقيقة ، والنيل من العزّ بذلّ العبوديّة بالأهواء ظلم واعتداء ؛ لأن الادّعاء أعمّ من الواقع والحقيقة ، فلا تحملنّكم الصفات الذميمة على الاعتداء بالهبوط عن رفيع المقام وأسمى المنزلة أشرف الملكات الّتي هيّأها الله تعالى لكم.

وإنّ المراد من قوله تعالى : (وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ) أنّ كلّ ما يشغل القلب عن ما سواه ويمنع عن الوصول الى الحقّ والحقيقة ، فدفعه إعانة على البرّ ، ولا يمكن دفع ذلك إلّا بواسطة الشرع المبين. وأنّ تمكين حبّ الدنيا في النفس ، وتكدير الروح بعد صفائها ، وتسويد القلوب بعد جلائها هي من الإعانة على الإثم ، (وَاتَّقُوا اللهَ) في جميع الحالات ، وفي كلّ الأمور وعند كلّ مقام ، ومنزلة ف (إِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ) فاتّقوه حتّى تنجوا من عقابه الشديد وعذابه المديدة ، فمن عقابه عدم الوصول الى تلك المنازل ، ومن عذابه عدم نيل رضاه ، وعدم الظفر بالحقّ والحقيقة. والله العاصم من الزلل والخطأ.

بحث اجتماعي

الاجتماع ـ الّذي يحتاجه الإنسان بل هو قوام حياته ؛ لأنّ المودّة والمواصلة

٢٩١

من فطرته لا يمكن العيش بدونهما ـ فحقيقته مركب من اصول ، وأحكام ، وروابط هي أسس له ، يقوم الاجتماع والمجتمع عليها ، فهي كلّما كانت متقنة ـ بمعنى كونها مأخوذة من مصادر غير قابلة للخطأ والانزلاق ـ كان المجتمع أقرب الى الكمال المنشود ، وهذا غير قابل للإنكار.

وأفراد المجتمع الّذين يريدون تهذيب مجتمعهم وسوقه إلى السعادة وحفظه عن التمزّق والانهيار ، يرجعون في بادئ الأمر الى أسسه وقواعده ، أي : السلطة التشريعيّة ، ومن ثمّ الى السلطة التنفيذيّة ؛ لأنّ الثانية مهما بلغت من القوة وطال زمانها لا تغيّر الاجتماع الّذي يهبط الى السوء أو منه الى الأسوء بعد فساد ركائزه وقواعده ، بل هي من أهمّ الموانع في الوصول الى الكمال ، فيترقّب الأفراد الفرص للنيل من المجتمع وزعزعته وإفساده.

وأمّا لو كانت الأسس والقواعد مستندة الى الفطرة الّتي كشف عنها خالق السماء ، فإنّ الدوافع لحفظها كثيرة والدواعي لمخالفتها قليلة ، وإن السلطة التنفيذيّة ليست بمانعة ؛ لأنّ عقاب الضمير والتأنيب النفسي والشعور بالمسؤولية أمام العدل الواقعي ـ مع قطع النظر عن الجزاء ـ أكبر محفّز وأعظم داع لحفظ القوانين ؛ ولذلك ورد في الروايات الكثيرة الحثّ على إبلاغ الأحكام ، وأنّ العلماء مسؤولون أمام الله في علمهم الّذي يوجب الخير والسعادة ، وفي خطبة نبيّنا الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله بمنى : «ألا ليبلغن الشاهد منكم الغائب ، فلعلّ من يبلغه أوعى له من بعض من سمعه» ، فنشر العلم وبيان الأحكام وبثّ مكارم الأخلاق ، من أهمّ الأحكام الاجتماعيّة الّتي أراد الله تعالى الاحتفاظ بها ، ومن أسمى مصاديق الإعانة على البرّ ، بل إنّ إصلاح الشخص نفسه ولو بطلب العلم يكون منها ؛ لأنّ حقيقة الإعانة غير متقوّمة بالاثنيّة ، كما في قوله عليه‌السلام : «من أكل الطين فقد أعان على نفسه» ، كما تقدّم في الفقه. وإنّ نشر الأخلاق الفاسدة والأهواء الباطلة ، والحثّ على مخالفة الأوامر الإلهيّة ، وارتكاب نواهيه وغيرها ممّا يوجب فساد المجتمع وإيقاعه في الهلاك ، هو المصداق الحقيقي للإعانة على الإثم المنهي عنها فطرة وشرعا.

٢٩٢

(حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَما أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ ما ذَكَّيْتُمْ وَما ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلامِ ذلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٣))

بعد ما أحلّ سبحانه وتعالى بهيمة الأنعام وأسّس قواعد النظام العامّ ، وأمر بالتعاون لحفظ الاجتماع من الضياع وتحقيق السعادة ، ذكر تعالى في هذه الآية الشريفة الأمور الّتي استثناها آنفا من الحكم العامّ ممّا وعد بتلاوتها في القرآن الكريم ، وهي عشرة أشياء ، وأحلّها في حال الاضطرار والمخمصة.

ثمّ بيّن عزوجل أنّ هذا الدين قد كمل بتشريع أحكامه وتأسيس دعائمه وأركانه ، فأخبر سبحانه وتعالى بأنّه قد أتمّ نعمته على المؤمنين أن نصّب عليهم من يحفظ لهم دينهم ويقيم شعائره وأحكامه ، فرضي لهم الإسلام دينا ومنهجا قويما ليس له بديل ، بل لا يسعهم غيره ؛ لأنّه لم ينقصه شيء فليطمئن المؤمنون بأنّه لا يصيب هذا الدين أذى من أعدائه ـ الّذين ما برحوا في تقويض أركانه وهدم كيانه ـ فلا تخشوهم ، بل لا بدّ أن تكون الخشية من الله العزيز المتعال باتّباع تعاليمه وطاعة من نصبه عزوجل هاديا لهم يهديهم بأمره جلّ شأنه ، فإنّ الله غفور رحيم ، يغفر لهم ذنوبهم ويرحمهم برحمته ، فيدفع عنهم كيد الأعداء وصوارف الزمان ودواهي الأشرار والفجّار.

٢٩٣

التفسير

قوله تعالى : (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ).

بيان لقوله عزوجل : (إِلَّا ما يُتْلى عَلَيْكُمْ) والمراد من الميتة كلّ حيوان مأكول اللحم فارقه الروح من غير سبب شرعي ، وفيه تفصيل يأتي في البحث الفقهي التعرّض له إن شاء الله تعالى.

قوله تعالى : (وَالدَّمُ).

وهو المادّة المعروفة الّتي هي قوام حياة الحيوان ، والمراد منه المسفوح ؛ لقوله تعالى : (أَوْ دَماً مَسْفُوحاً) ، الّذي كان أهل الجاهليّة يجعلونه في المباعر والأمعاء ، ويشوونه ويأكلونه ومنه الطحال ، لورود روايات متعدّدة تدلّ على حرمته.

وأمّا غير المسفوح كالكبد ، فهو مباح لدخوله في عموم المستثنى منه ، وكذا المتخلّف في الذبيحة ، فإنّه مباح وطاهر إن غسل موضع الذبح بملاقاة الدم الّذي في محلّ الذبح ، فإنّه من المسفوح وليس من المتخلّف. والتفضيل مذكور في كتب الفقه فراجع.

قوله تعالى : (وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ).

وإن جرى عليه عمل التذكية ، وإنّما خصّ عزوجل اللحم بالذكر مع أنّه حرام بجميع أجزائه الّتي تحلّ فيها الحياة وما لا تحلّ ، إمّا لأنّ أكل لحمه هو الشائع عند المستحلّين له ؛ أو لعدم إمكان الانتفاع من غيره ، وقد تقدّم في سورة البقرة ما يتعلّق به أيضا.

كما أنّه تعالى خصّه بالذكر دون الكلب وغيره من الحيوانات المحرّمة ؛ لاعتيادهم أكله دون غيره من السباع.

ومن ذلك يظهر وجه الضعف في ما قيل من اختصاص الحرمة باللحم فقط ، أخذا بظاهر الآية الشريفة ، فإنّ السياق يدلّ على أنّ غير اللحم أيضا حرام.

٢٩٤

قوله تعالى : (وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ).

الإهلال : رفع الصوت ، ومنه إهلال الصبي إذا رفع صوته عند ولادته ، والمراد به ذكر ما يذبح له كاللات والعزى وغيرهما من الأصنام ، بل ما سوى الله تعالى ، فإنّ ذكر غيره جلّ شأنه وذبح الحيوان له يوجب حرمة الذبيحة ، وإن استجمعت باقي الشرائط ، كما هو مذكور في الفقه.

وهذه الآية المباركة تؤكّد حرمة هذه الأربعة ، فليس الحكم فيها تأسيسيّا لورودها في غير هذه السورة ممّا هي أسبق نزولا منها ، فقد ذكرت في سورتي الأنعام والنحل ، وهما سورتان مكّيتان ، ووردت فيهما بصيغة الحصر ، قال تعالى : (قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [سورة الانعام ، الآية : ١٤٥] ، وقال تعالى : (فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ حَلالاً طَيِّباً وَاشْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ* إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [سورة النحل ، الآية : ١١٤ ـ ١١٥] ، كما ذكرت في سورة البقرة الّتي هي أسبق نزولا من هذه السورة وإن كانتا مدنيتين ، قال تعالى : (إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [سورة البقرة ، الآية : ١٧٣] ، فتكون هذه الآية الشريفة مؤكّدة لتلك ومشتملة على زيادة من المحرّمات.

وممّا يؤكّد ذلك تشابه ذيل الآيات الثلاث في حلّية تلك المحرّمات عند الاضطرار والمخمصة إذا لم يكن متجانفا لإثم ، فإنّ الله غفور رحيم ، بل يمكن أن يقال إنّ النهي عن الثلاثة الاول ـ أي الميتة والدم ولحم الخنزير ـ أسبق تشريعا من كلّ ذلك ؛ لأنّ آية الأنعام تعلّل الحرمة فيها بأنّها رجس ، فتدلّ على النهي عن أكل الرجس ، وهو المرجع ، وقد قال تعالى : (وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ) [سورة المدثر ، الآية : ٥] ، وسورة المدثر أسبق نزولا من جميعها ، فإنّها نزلت في أوّل البعثة.

٢٩٥

وبالجملة : فإنّ النهي عن هذه الثلاثة قد ذكرت في مواضع متعدّدة من القرآن الكريم إمّا خصوصا أو على نحو العموم ، ممّا يدلّ على شدّة النهي وعظيم الاعتناء بها ؛ لأنّها أكثر الأفراد شيوعا في المجتمعات ، لا سيما عصر نزول القرآن المجيد.

قوله تعالى : (وَالْمُنْخَنِقَةُ).

تفصيل للميتة وبيان لمصاديقها الّتي حرّمت في الشرع ، والمراد منها كلّ ما لم يذك شرعا ، لقوله تعالى : (إِلَّا ما ذَكَّيْتُمْ) ، بخلاف أهل الجاهليّة وأقوام آخرين كالمجوس ، فإنّهم كانوا يعتقدون أنّ الميتة ما مات حتف أنفه بمرض ونحوه ممّا لم يعرف سببه. وأمّا الأسباب الّتي يأتي ذكرها ، فإنّها كانت عندهم كالذكاة.

والمعروف عن المجوس أنّهم لا يأكلون الذبائح ؛ لأنّ الذبح أذيّة للحيوان ، ويأكلون الميتة بجميع أصنافها الّتي ذكرت ، وممّا ذكرنا يظهر الوجه في اختصاص هذه المصاديق من الميتة بالذكر.

والمراد من المنخنقة ما مات خنقا ، والخنق حبس النفس بأي سبب كان اختيارا من فعل الإنسان أو غير اختياري ، كما إذا وقعت في الماء أو أدخلت رأسها بين خشبتين ونحو ذلك ممّا يوجب زهوق الروح.

والتأنيث هنا وفي الميتة لأنّهما وصف لبهيمة الأنعام.

قوله تعالى : (وَالْمَوْقُوذَةُ).

مادّة وقذ تدلّ على الشدّة في أمر ، يقال : وقذ يقذ وقذا ، وهو شدّة الضرب حتّى تسترخي وتنحلّ قواها ، يقال : فلان وقيذ ، أي : مثخن ضربا ، ومنه الوقذ وهو شدّة المرض المشرف على الموت ، كما أنّ منه وقذة النعاس ، أي : الغالب منه.

والوقذ قبيح عقلا ؛ لأنّه إيذاء للحيوان ، فيكون محرّما شرعا ، وكان أهل الجاهليّة إمّا يخنقون الشاة أو يضربونها بالعصى حتّى تموت ، فإذا ماتت أكلوها وإن لم يسل دمها.

٢٩٦

قوله تعالى : (وَالْمُتَرَدِّيَةُ).

وهي الّتي تردّت ووقعت من مكان شاهق أو مرتفع كالسطح وقمة الجبل ـ وفي الحديث عن نبيّنا الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله : «انّ الرجل ليتكلّم من سخط الله ترديه بعد ما بين السماء والأرض» أي : توقعه قبل المهلكة ـ أو في منخفض كالبئر والوادي فتموت. وهو أيضا قبيح عقلا ؛ لأنّ بها هلاك الحيوان مع المشقّة والإيذاء.

قوله تعالى : (وَالنَّطِيحَةُ).

وهي الّتي تموت عن نطح حيوان آخر. وفعيل هنا بمعنى مفعول ، وهو يستوي فيه المذكّر والمؤنّث ، فلا تحتاج الى التاء ، يقال : عين كحيل لا كحيلة ، وكفّ خضيب لا خضيبة. وأجيب عنه بوجوه يأتي ذكرها في البحث الأدبي.

وكيف كان ، فإنّهم كانوا يناطحون بالكباش فإذا مات أحدها أكلوه.

قوله تعالى : (وَما أَكَلَ السَّبُعُ).

السبع : اسم جنس يشمل كلّ وحش ضار يعدو على الإنسان والدواب أو يفترسها كالأسد ، والنمر ، والثعلب ، والذئب ، والضبع ونحو ذلك ، وفي الحديث عن نبيّنا الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله : «نهي عن أكل كلّ ذي ناب من السباع» ، أي ما يفترسها الحيوان ويأكله قهرا وقسرا. ومن العرب من وقف اسم السبع على الأسد فقط.

والمقصود من الآية الشريفة ما يفترسه السبع فيموت ، فلا يشترط أكله من لحمه ؛ لأنّ القيد منزّل على الغالب.

وكيف كان ، فإنّهم كانوا يأكلون ما يأكله الأسد ، والذئب ، بل ذكر بعضهم أنّ أهل الجاهليّة يأكلون بعض فرائس السباع ، وهو ممّا تأنفه أكثر الطباع.

قوله تعالى : (إِلَّا ما ذَكَّيْتُمْ).

استثناء من المذكورات ممّا يقبل التذكية ولو كانت ببقية من الحياة.

والمراد من الذكاة فري الأوداج الأربعة مع الشروط المذكورة في كتب الفقه ، فإذا تحقّقت التذكية الشرعيّة ولو كان في الحيوان رمق الحياة يضطرب بها حلّ أكله ، وعلى هذا لا يختصّ الاستثناء بالأخير ، بل يشمل جميع المذكورات.

٢٩٧

ومن ذلك يظهر أنّ حرمة المذكورات إنّما هي لأجل موتها بتلك الأسباب وإلّا فإن لم يمت الحيوان بها ، بل مات بالتذكية الشرعيّة ولو كانت عنده بقية حياة حلّ أكله كما عرفت ، وكذا لو عاش مدّة من الزمن ومات إمّا بحتف الأنف فيحرم ، أو بالتذكية الشرعيّة فيحل ، فحينئذ لا يطلق عليه عنوان المنخنقة أو الموقوذة أو المتردّية أو أكيل السبع كما هو واضح من الآية الشريفة ؛ لأنّ ظاهرها ما إذا استند الهلاك الى واحد من تلك الأوصاف دون غيرها.

ومادّة (ذكي) تدلّ على تمام الفعل وإتمامه ، لا مجرّد وقوعه وإيقاعه ، ومنه الذكاء ، أي السن (العمر) الّذي يقال في مرحلة الشباب ، وفي غيرها لا يقال ذكاء ؛ يقال : الفرس المذكي ، أي الّذي يأتي بعد تمام القروح ـ انتهت أسنانه ـ بسنة ؛ لأنّ تمام اكتمال القوة فيه ، ومنه الذّكاء وهي سرعة الفطنة وكمالها ، والفعل منه ذكي ، يذكي ذكاء ، ومن الذكاء إذا تمّ اشتعال النار ، يقال : ذكت النار تذكو ذكوا وذكاء ، والذكوة ما تذكو به النار ، وأذكيت الحرب والنار إذا اوقدتا وتمّ اشتعالهما ، وذكاء اسم للشمس إذا اشتدّت حرارتها ، كما أنّ الصبح ابن ذكاء ؛ لأنّه من ضوئها. وذكي البهيمة إذا أزهق روحها.

ومعنى (ذكيتم) أدركتم ذكاته على التمام ، والذكاة في الذبيحة بمعنى التطييب والتطهير ، وفي الحديث عن أبي جعفر عليه‌السلام : «ذكاة الأرض يبسها» ، أي : طهارتها من النجاسة بشروق الشمس عليها ، وفي الذبيحة حلّيتها وتطييبها ؛ لأنّ الحيوان إذا سيل دمه فقد طيب.

والتذكية الشرعيّة هي إزهاق روح الحيوان في غير الصيد بفري الأوداج الأربعة بآلة من الحديد ، متتابعا من المذبح مستقبل القبلة ذاكرا اسم الله تعالى عليه ، قاصدا للذبح ، وأن يكون الذابح مسلما ، وذكرنا ما يتعلّق بهذه الشروط في كتابنا (مهذب الأحكام) فراجع.

قوله تعالى : (وَما ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ).

مادة (نصب) تدلّ على ما يكون علامة لشيء ، قال تعالى : (كَأَنَّهُمْ إِلى

٢٩٨

نُصُبٍ يُوفِضُونَ) [سورة المعارج ، الآية : ٤٣] ، أي : إلى علم منصوب يسبقون إليه ، ومنه نصب الشيء ، أي : وضعه وضعا ثابتا كنصب الرمح والبناء والحجر ، والنصيبة والنصيب كلّ ما نصب وجعل علما ، وجمعه نصائب ونصب (بضمتين) ، والنصوب علم ينصب في الفلاة ، ومنه النصب (بالفتحتين) والنصب (بالضم) أو (بالضمتين) التعب ، قال تعالى : (وَاذْكُرْ عَبْدَنا أَيُّوبَ إِذْ نادى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطانُ بِنُصْبٍ وَعَذابٍ) [سورة ص ، الآية : ٤١] ، فإنّه علامة لداء وشرّ وبلاء.

والنصب (بضمتين) قيل : جمع نصاب ، كحمر جمع حمار ، وقيل : واحد الأنصاب كطنب وأطناب ، وهي ما نصب وعبد من دون الله تعالى ويذبحون لها وعليه. ومنه شعر الأعشى يمدح النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله :

وذا النصب المنصوب لا تنسكنّه

ولا تعبد الشيطان والله فاعبدا

والمراد من الآية الشريفة النهي عن أكل لحوم ما ذبح على النصب الّذي كان من سنن الوثنيّة ، فإنّهم كانوا ينصبون حول الكعبة أحجارا يقدّسونها ويذبحون عليها لتعظيمها ، وكان ملونا بدم الذبائح ، وهي غير الأصنام ، وفي حديث إسلام أبي ذر : «فخررت مغشيا عليّ ثمّ ارتفعت كأنّي نصب أحمر» ، يريد أنّ المشركين ضربوه لأجل إسلامه حتّى ادموه فصار كالنصب المحمر بدم الذبائح حول الكعبة ، مثل ما كان المجوس يذبحون لبيوت النيران.

و (على) سواء كانت بمعنى اللام أم على أصلها ، فإنّه لا يضرّ بأصل المعنى لأنّهم كانوا يقدّسون الأصنام ويذبحون عليها ولها.

وذكر بعضهم أنّ هذا تكرار لقوله تعالى : (وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ). والحقّ أنّه غيره ، فإنّه الذبح على الأحجار لغرض تقديسها ، وأما الإهلال لغير الله عزوجل ، فإنّه الذبح باسم أحد معبوداتهم ، حتّى أنّ بعض القضاة أفتى بتحريم ما يذبح عند استقبال السلطان تقرّبا إليه ؛ لأنّه ممّا اهلّ لغير الله به ، وإن كان ذلك بعيدا جدا ؛ لأنّ الذبح كذلك للاستبشار بقدومه ، والشكر لله لسلامته كذبح العقيقة مثلا.

وكيف كان ، فيمكن أن يكون المقام أخصّ ، فما أهلّ لغير الله به قد يكون

٢٩٩

بعيدا عن النصب ، بخلاف ما ذبح على النصب ، فإنّه لا بدّ وأن يذبح على الأحجار المخصوصة تقرّبا لأوثانهم.

قوله تعالى : (وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلامِ).

عطف على ما قبله ، أي : وحرّم عليكم الاستقسام ، وهو من القسم ، أي : إفراز النصيب ، يقال : قسّمت كذا قسما وقسمة ، ومنه قسمة الغنيمة وقسمة الميراث ، قال تعالى : (لِكُلِّ بابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ) [سورة الحجر ، الآية : ٤٤] ، وقال تعالى : (وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْماءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ) [سورة القمر ، الآية : ٢٨] ، والاستقسام هو طلب القسمة بالأزلام الّتي هي آلات خاصّة لهذا الفعل كما كانوا يفعلون في الجاهليّة.

والأزلام جمع زلم محرّكة ، كجمل أو كصرد (بضم ففتح) ، وهي القداح الّتي لا ريش لها.

والاستسقام بالأزلام في المقام هو طلب النصيب من الجزور بضرب القداح ، وذلك أنّهم كانوا يعمدون على الجزور فيجزئونه عشرة أجزاء ثمّ يجمعون عليه فيخرجون السهام فيدفعونها الى رجل.

والسهام : عشرة ، سبعة منها فيها حظوظ ، وثلاثة أغفال لا أنصباء لها (خال من الكتابة) ، وكانوا يضربون بها مقامرة ؛ ولذا جعل عزوجل القسمة بها ميسرا ، وقد تقدّم في قوله تعالى : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ) [سورة البقرة ، الآية : ٢١٩] بعض الكلام.

وذكر بعضهم أنّ المراد من الاستقسام بالأزلام هو مطلق الضرب بالقداح لاستعلام الخير والشرّ في الأفعال ، فإذا قصدوا فعلا ضربوا ثلاثة أقداح مكتوب على أحدها : أمرني ربّي ، وعلى الثاني : نهاني ربّي ، والثالث مهمل لا شيء عليه ، (غفل) فيجعلها في خريطة ، فإذا أراد فعل شيء أدخل يده فيها ، فإذا خرج أحد المكتوبين ائتمر أو انتهى بحسب ما خرج له ، وإن خرج القدح الّذي لا شيء عليه

٣٠٠