مواهب الرحمن في تفسير القرآن - ج ٩

آية الله السيّد عبد الأعلى السبزواري

مواهب الرحمن في تفسير القرآن - ج ٩

المؤلف:

آية الله السيّد عبد الأعلى السبزواري


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دفتر سماحة آية الله العظمى السبزواري
المطبعة: ستاره
الطبعة: ٣
ISBN: 964-5665-08-6
الصفحات: ٣٩٦

في ما لم يكن التأويل ـ ورفضه الذوق الأدبي ، ومن قال بعدمه ـ أي : في مورد صحّ فيه التأويل ـ.

بحث دلالي :

تدلّ الآيات الشريفة على أمور :

الأوّل : يدلّ قوله تعالى : (وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّساءِ قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ) على أهميّة الأحكام المتعلّقة بالنساء ولزوم مراعاتها ، فإنّ الإسلام اعتبر النساء كالرجال ، فلهن من الحقوق كما للرجال ، وأنّ عليهن من الحقوق للرجال مثل ما على الرجال بالنسبة إليهن ، لأنّ بهما يقوم المجتمع لا يمكن نيل السعادة المنشودة إلّا بهما معا ، ويؤكّد ذلك افتاؤه عزوجل لهن بعدم الاستفتاء منهم ، وهذا ممّا يدلّ على عظيم شأنهن ، وقد تقدّم في سورة البقرة بعض الكلام فراجع.

والآية المباركة تدلّ على وجود عادات سيئة في النساء ، وعلى الخصوص يتاماهن والمستضعفين من الولدان ، وأنّ الإسلام ينكرها أشدّ إنكار ويضع الحلول المستقيمة وإن كانت على نحو التدريج ، فقد ذكر عزوجل جملة منها في أوّل هذه السورة وبعضها الآخر في مواضع أخرى ، ولم يذكرها جملة واحدة ؛ لأنّ العادات كانت مستحكمة لا يمكن إزالتها وزعزعتها بسهولة. ومن هنا نرى أنّ الله تعالى في هذه الآية الكريمة يؤكّد على مراعاة الخير في هذا الموضوع المهمّ ، لأنّ الخير ترغب إليه النفوس وهي مجبولة على حبّة ، ولإرشاد الناس إلى أنّ تلك الأحكام والحلول إنّما هي من الخير الّذي يعود نفعه إلى الأفراد والى المجتمع.

الثاني : يدلّ قوله تعالى : (وَالصُّلْحُ خَيْرٌ) على أنّ الصلح مبارك ، وهو جائز بين المسلمين في كلّ شيء إلّا ما ورد من قبل الشارع ما يمنعه. ولعلّ ما ورد عن نبيّنا الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله : «الصلح جائز بين المسلمين إلّا ما أحلّ حراما أو حرّم حلالا» ،

٣٦١

مأخوذ من هذه الآية الشريفة ، ولا غرو في ذلك لأنّ الله تبارك وتعالى أعطاه من الذوق الرفيع والذهن الثاقب وأفاض عليه من العلوم ما جعله يعلم أسرار كلامه عزوجل ، ومنحه الفصاحة حتّى جعله أفصح من نطق بالضاد ، ويأتي في البحث الفقهي ما يرتبط بالمقام.

الثالث : يستفاد من قوله تعالى : (وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَ) أنّ الشح كامن في كلّ نفس ، وهو من الغرائز المودعة فيها ، ويكون حاضرا إذا توفّرت المقتضيات ، ويؤثّر أثره عند زوال المانع ، والمقتضيات كثيرة منها الشقاق ، والنزاع والإعراض ونحو ذلك. وأمّا المانع من تأثيره فإنّما هي التقوى ؛ ولذا ورد التأكيد على لزومها ومراعاتها.

وأمّا معالجة هذه الغريزة إنّما تكون بالإحسان بالمعنى الأعمّ الشامل لكلّ خير وإنفاق ونحوه. ويدلّ على ما ذكرناه قوله تعالى في ذيل الآية الشريفة : (وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً).

الرابع : يدلّ قوله تعالى : (وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ) على وجوب القسمة بين الأزواج ، وهي من المستطاع الّذي يجب مراعاته ، والمنفي إنّما هو الميل القلبي ، وبعض الأمور الخارجة عن الاختيار والآية الكريمة لا تشملها. وأمّا الّذي يمكن أن يقع تحت الاختيار فهو واجب كما عرفت ، وسيأتي في البحث الفقهي ما يرتبط بالمقام فراجع.

الخامس : يدلّ قوله تعالى : (وَإِنْ يَتَفَرَّقا يُغْنِ اللهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ) على أنّ الفرقة والطلاق لم يكن مأمورا به من قبل الشارع ، وإنّما هو أمر اختاره الزوجان ، بقرينة إسناد الفعل إليهما بعد أن لم ينفع الصلح والاتّفاق وعدم الرغبة من الزوجين على دوام الزوجية ، وعدم إبداء الحرص منهما أو من أحدهما على استرضاء الآخر ، وهذا ممّا يؤكّد على أنّ الطلاق أمر مبغوض في الشرع الإسلامي ـ كما عن نبيّنا الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله : «أبغض الحلال إلى الله الطلاق» ـ ولم يؤمر به في حالة من الأحوال

٣٦٢

في القرآن الكريم ، وأنّه لم يكن علاجا ناجحا إلّا إذا انسدت الأبواب في وجه الزوجين ولم يمكن الزوج العيش مع الزوجة ، وقد ذكرنا ما يتعلّق بذلك في سورة البقرة فراجع.

السادس : يدلّ قوله تعالى : (لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) على وحدة الفعل الّذي يدلّ على ثبوت الفاعل ووحدته لما عرفت سابقا ، ولأجل أهميّة هذا الدليل لكونه أقرب إلى الفطرة ولموافقته للطبع ، أكّد عليه القرآن. وقد تكرّرت هذه الآية الكريمة المباركة في المقام أربع مرات : إحداها في ما تقدّم وسبق الكلام فيها ، ولأجل دلالتها على استجماع الخالق المالك لما في السموات وما في الأرض جميع صفات الكمال ، ذكر عزوجل في ذيل كلّ آية صفة من صفاته العليا ، وهي تدلّ على علمه الأتمّ وحكمته المتعالية وربوبيّته العظمى واستغنائه عن مخلوقاته وقدرته التامّة.

السابع : يدلّ قوله تعالى : (إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ) على أهميّة التقوى وعظم أثرها في المخلوقات ، بل لها المدخليّة في الأمور الكونيّة ـ بقاء وفناء سعادة وشقاء ـ فهي تجلب الخير والبركة والسعادة ، وأنّ في تركها زوال ذلك ، بل قد يستلزم منه الفناء ، وهذا ما يؤكّد عليه القرآن الكريم في مواضع متعدّدة ، قال تعالى : (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ) [سورة الأعراف ، الآية : ٩٦] ، وفي هذه الآية الكريمة الدلالة على أنّ الإعراض عن التقوى قد يوجب قلب الحقيقة واختلال النظام وفناء الإنسان ، فلا بدّ من التفكّر في عواقب ترك التقوى والإعراض عن طاعة الله عزوجل. ولا شكّ في أنّ ما أصاب الإنسان في هذا العصر من المصائب والمكاره ليس إلّا لأجل تركه التقوى وإعراضه عنها ، فإنّه مع التقدّم في جميع الوسائل الماديّة وبلوغ أعلى درجة المدنيّة والحضارة ، ولكنّه يعيش في أسوأ حالته من الشقاء والتعاسة والحرمان ، وما أبعد الإنسانيّة عن الكمال المنشود لها. ولعمري إنّه

٣٦٣

لو بذل الإنسان هذا الجهد ـ بل أقلّ منه ـ في طاعة الله تعالى وتقواه ، لبلغ إلى ما وصل إليه الآن ونال الزيادة ووصل إلى الكمال المنشود ، وهو في راحة واطمئنان واستقرار وأمان ، فالدين هو الوسيلة الوحيدة في جلب هذه الأمور وسعادة الدارين ، وفي غيره الشقاء والتعب والحرمان والبعد عن الحقيقة والواقع.

الثامن : يدلّ قوله تعالى : (مَنْ كانَ يُرِيدُ ثَوابَ الدُّنْيا فَعِنْدَ اللهِ ثَوابُ الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ) على أنّ ثواب الدنيا والآخرة وسعادتهما إنّما هو من عند الله تعالى ، وأنّ الطريق منحصر في التقوى الحاصلة من طاعته والعمل بدينه عزوجل ، والتقوى هي الّتي تهيّأ العبد لإفاضة الباري عزوجل عليه بما هو خير الدنيا والآخرة ، وهي الوسيلة للوصول إلى مقام رضاه وجنّة اللقاء.

وهذه الآية المباركة ردّ على مزاعم من يذهب إلى أنّ الوصول إلى المقامات العالية ونيل الدرجات الرفيعة والتنعّم برضاه تعالى ، يكون بالمجاهدة فقط من دون دين وعقيدة ، أو بالذكر المجرّد ، أو بأفعال خاصّة ، ونحو ذلك ممّا يقوله أهل ذلك الفن ، فإنّه لا يصحّ ذلك ولا يمكن أن ينال ثوابا أو إفاضة إلّا من عنده تعالى ، وإنّ الله هو السميع البصير العالم بجميع شؤون عباده والمهيمن على جميع خلائقه.

بحث روائي :

في تفسير علي بن إبراهيم في قوله تعالى : (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ) ، قال : نزلت مع قوله تعالى : (وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّساءِ قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَما يُتْلى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ فِي يَتامَى النِّساءِ اللَّاتِي لا تُؤْتُونَهُنَّ ما كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَ) ... ـ (فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ) ، فنصف الآية في أوّل السورة ونصفها على رأس المائة والعشرين آية ؛ وذلك أنّهم كانوا لا يستحلّون أن

٣٦٤

يتزوجوا يتيمة قد ربّوها فسألوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عن ذلك ، فأنزل الله : (وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّساءِ) ـ الى قوله ـ (مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَواحِدَةً أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ).

أقول : لعلّ المراد من التنزيل التشريع ، أي : شرّع ما يتعلّق بالنساء من الأحكام دفعة واحدة ؛ ولذلك لا يضرّ تفريق الآية الكريمة حينئذ ، بعد ما كان ذلك بتقرير النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أو المعصوم. وليس هذا من التحريف ؛ لأنّ الموضوع غير قابل له ، والمراد من قوله عليه‌السلام : «على رأس المائة والعشرين» تقريبي لا دقّي كما هو معلوم.

وفي تفسير علي بن إبراهيم : «عن أبي جعفر عليه‌السلام في قوله تعالى : (وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّساءِ) ، فإنّ نبي الله سئل عن النساء ما لهن في الميراث؟ فأنزل الله : الربع والثمن».

أقول : ذكرنا في الفقه ما يتعلّق بأحكام إرثهن ، فالربع إن لم يكن للزوج ولد ، والثمن إن كان له ولد ، كما في الآية المباركة.

وفي المجمع في قوله تعالى : (فِي يَتامَى النِّساءِ اللَّاتِي لا تُؤْتُونَهُنَّ ما كُتِبَ لَهُنَ) عن أبي جعفر عليه‌السلام : «ما كتب لهن من الميراث».

أقول : الرواية من باب ذكر بعض ما كتب لهن في الإرث ، وإنّ الآية الكريمة عامّة تشمل الإرث وغيره.

وفي الدرّ المنثور عن ابن عباس في قوله تعالى : (وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّساءِ قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ) قال : «كان أهل الجاهلية لا يورّثون المولود حتّى يكبر ولا يورّثون المرأة ، فلما كان الإسلام قال : (وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّساءِ) ـ الآية».

أقول : وردت روايات كثيرة عن الفريقين في أنّ المرأة كانت محرومة عن الإرث في الجاهليّة ، والإسلام أبطل هذه العادة ورفع شأنها.

وفي تفسير علي بن إبراهيم في قوله تعالى : (وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّساءِ قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَما يُتْلى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ فِي يَتامَى النِّساءِ اللَّاتِي لا تُؤْتُونَهُنَّ ما

٣٦٥

كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدانِ وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتامى بِالْقِسْطِ) قال : «إنّ أهل الجاهلية كانوا لا يورّثون الصبي الصغير ولا الجارية من ميراث آبائهم شيئا ، وكانوا لا يعطون الميراث إلّا لمن يقاتل ، وكانوا يرون ذلك في دينهم حسنا ، فلما أنزل الله فرائض المواريث وجدوا من ذلك وجدا شديدا فقالوا : انطلقوا الى رسول الله فنذكره ذلك لعلّه يدعه أو يغيّره ، فأتوه فقالوا : يا رسول الله للجارية نصف ما ترك أبوها وأخوها ، ويعطي الصبي الصغير الميراث ، وليس واحد منهما يركب الفرس ولا يحوز الغنيمة ولا يقاتل العدو؟! فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : بذلك أمرت».

أقول : ذكر السيوطي في الدرّ المنثور روايات أخرى قريبة لما تقدّم وإن كانت تعابيرها مختلفة ، إلّا أنّ معانيها متقاربة. والمراد من قوله عليه‌السلام : «وكانوا يرون ذلك في دينهم حسنا» ، أي : في عاداتهم السائدة في زمان الجاهليّة ؛ ولذلك شدّد الأمر عليهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بقوله : «بذلك أمرت» ، وخصّصت الرواية بموانع الإرث والزواج المنقطع ، كما ذكرنا في الإرث من (مهذب الأحكام).

وكيف كان ، فإنّه يستفاد من الآية الشريفة بقرينة هذه الرواية أنّها في مقام ردع بعض العادات السيئة الّتي كانت سائدة قبل البعثة.

وفي تفسير القمّي في قوله تعالى : (وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَ) : «انّ الرجل كان في حجره اليتيمة ، فتكون دميمة وساقطة ـ يعني : حمقا ـ فيرغب الرجل أن يتزوّجها ولا يعطيها مالها ، فينكحها غيره من أجل مالها ويمنعها النكاح ويتربّص به الموت ليرثها فنهى الله عن ذلك».

أقول : ظهر ممّا ذكرنا من أنّ الآية الكريمة في مقام ردع بعض العادات السيئة الّتي كانت سائدة عند العرب قبل البعثة ، بتشريع أحكام خاصّة لهن ترجع شأنهن بقرينة هذه الروايات.

٣٦٦

وفي تفسير علي بن إبراهيم في قوله تعالى : (وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتامى بِالْقِسْطِ) : «انّهم كانوا يفسدون مال اليتيم ، فأمرهم أن يصلحوا أموالهم».

أقول : القسط بين أن يكون في الأموال أو في الأنفس ، وذكر الأموال من باب : لا فرق في الغالب ، وليس من باب التقييد.

وفي الكافي بسنده عن الحلبي عن الصادق عليه‌السلام قال : «سألته عن قول الله عزوجل : (وَإِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً أَوْ إِعْراضاً) ، فقال : هي المرأة تكون عند الرجل فيكرهها فيقول لها : إنّي أريد أن أطلّقك ، فتقول له : لا تفعل ، إنّي أكره أن تشمت بي ، ولكن انظر في ليلتي فاصنع بها ما شئت ، وما كان سوى ذلك من شيء فهو لك ، ودعني على حالتي ، فهو قوله تبارك وتعالى : (فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يُصْلِحا بَيْنَهُما صُلْحاً) وهذا هو الصلح».

أقول : وفي هذا المضمون روايات كثيرة تدلّ على جواز الصلح بظهور علامات الطلاق والفراق وعزم الزوج بذلك ، باختلاف الدواعي والأسباب ، وكلّها من باب التطبيق والجري.

وفي سنن البيهقي بسنده عن علي عليه‌السلام : «انّه سئل عن قوله تعالى : (وَإِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً) ، فقال : هو الرجل عنده امرأتان فتكون إحداهما قد عجزت أو تكون دميمة ، فيريد فراقها فتصالحه على أنّه يكون عندها ليلة وعند الأخرى ليالي ولا يفارقها ، فما طابت به نفسها فلا بأس به ، فإن رجعت سوى بينهما».

أقول : الدمامة (بالفتح) القبح ، يقال : رجل دميم ، أي : قصير وقبيح سواء كان في الجسم أو نقص في العقل ـ كالحمق كما مرّ في الرواية السابقة ـ.

وكيف كان ، فهذه الرواية من باب الجري والتطبيق أيضا.

وفي الكافي بسنده عن زرارة قال : «سئل أبو جعفر عليه‌السلام عن النهارية يشترط عليها عند عقد النكاح أن يأتيها ما شاء نهارا أو من كلّ جمعة أو شهر يوما ومن

٣٦٧

النفقة كذا وكذا ، قال : فليس ذلك الشرط بشيء ، من تزوّج امرأة فلها ما للمرأة من النفقة والقسمة ، ولكنّه إن تزوّج امرأة فخافت فيه نشوزا أو خافت أن يتزوّج عليها فصالحت من حقّها على شيء من قسمتها أو بعضها ، فإن ذلك جائز لا بأس به».

أقول : إنّ كلا من النفقة والقسمة واجبتان على الزوج مطلقا ، وإنّ كلا منهما محدّد في الشرع ، فإذا كان الشرط على خلاف ذلك يكون فاسدا ـ كما ثبت في محلّه ـ لأنّه إمّا يوجب الضرر أو الحرج أو تغيير ما حدّده الشارع ، بخلاف ما لو صالحت من حقّها باختيارها على شيء ، كما في ذيل الرواية فلا بأس به.

وعن علي بن إبراهيم في قوله تعالى : (وَإِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً أَوْ إِعْراضاً فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يُصْلِحا بَيْنَهُما صُلْحاً) ـ الآية قال : «نزلت في بنت محمد بن مسلمة كانت امرأة رافع بن خديج ، وكانت امرأة قد دخلت في السن وتزوّج عليها امرأة شابة كانت أعجب إليه من بنت محمد بن مسلمة ، فقالت له بنت محمد بن مسلمة : ألا أراك معرضا عني مؤثّرا عليّ؟ فقال رافع : هي امرأة شابة وهي أعجب إليّ ، فإن شئت أقررت على أنّ لها يومين أو ثلاثا مني ولك يوم واحد ، فأبت بنت محمد بن مسلمة أن ترضى فطلّقها تطليقة ثمّ طلّقها أخرى ، فقالت : لا والله لا أرضى أو تسوي بيني وبينها يقول الله : (وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَ) وابنة محمد لم تطب نفسها بنصيبها وشحّت عليه ، فأعرض عليها رافع : إمّا أن ترضى وأمّا أن يطلّقها الثالثة ، فشحّت على زوجها ورضيت فصالحته على ما ذكرت ، فقال الله تعالى : (فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يُصْلِحا بَيْنَهُما صُلْحاً وَالصُّلْحُ خَيْرٌ) ، فلما رضيت واستقرّت لم يستطع أن يعدل بينهما فنزلت : (وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوها كَالْمُعَلَّقَةِ) ، أن يأتي واحدة ويذر الأخرى لا أيم ولا ذات بعل ، وهذه السنّة في ما كان كذلك إذا أقرّت

٣٦٨

امرأة ورضيت على ما صالحها عليه زوجها فلا جناح على الزوج ولا على المرأة ، وإن أبت هي طلّقها أو تساوي بينهما ، لا يسعه إلّا ذلك».

أقول : قريب منه ما عن الواحدي في أسباب النزول ، ورواه السيوطي في الدرّ المنثور عن جمع ، وعن الحاكم إلّا أنّ فيه : «فتزوّج عليها شابة فآثر عليها ، فأبت الأولى أن تقرّ فطلّقها تطليقة ، حتّى إذا بقي من أجلها يسير قال : إن شئت راجعتك وصبرت على الأثرة ، وإن شئت تركتك؟ قالت : بل راجعني ، فراجعها فلم تصبر على الأثرة فطلّقها أخرى وآثر عليها الشابة ، فذلك الصلح الّذي بلغنا أنّ الله أنزل فيه».

وعن البيهقي عن سعيد بن المسيب : «انّ ابنة محمد بن مسلمة كانت عند رافع بن خديج فكره منها أمرا ، إمّا كبرا أو غيره فأراد طلاقها ، فقالت : لا تطلّقني واقسم لي ما بدا لك ، فاصطلحا على صلح ، فجرت السنّة بذلك ونزلت الآية».

وكيف كان ، فالرواية من باب التطبيق وأنّ سبب النزول لا يصير مخصصا للآية الكريمة ، ولا يضرّ الاختلاف في المضامين ما لم يناف القواعد الشرعيّة ، والظاهر وحدة القضية.

وعن علي بن إبراهيم في قوله تعالى : (وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَ) ، قال : أحضرت الشحّ ، فمنها ما اختارته ، ومنها ما لم تختره».

أقول : الشحّ غريزة مطبوعة في الإنسان ـ فمنه الممدوح كما أنّ منه المذموم ـ وهو قابل للسيطرة عليه نوعا ما ؛ ولذا قال عليه‌السلام : منه اختياري وقابل للسيطرة عليه ، ومنه غير اختياري فلا يمكن السيطرة عليه.

وفي تفسير العياشي عن هشام بن سالم عن الصادق عليه‌السلام في قول الله : (وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ) قال عليه‌السلام : «في المودّة».

أقول : الحبّ أو المودّة أمر قلبي غير اختياري ، ولا يتعلّق التكليف بأمر غير

٣٦٩

اختياري ؛ ولذلك قلنا مكرّرا إنّ الخواطر القلبيّة لا يتعلّق بها التكليف ، كما دلّت عليه روايات كثيرة أيضا. وكذا في المقام ، فإنّ التسوية في المودّة أو المحبّة غير ممكنة ، بل لا بدّ من الرجحان في أحدهما.

وفي المجمع عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : «انّه كان يقسم بين نسائه ويقول : اللهم هذه قسمتي فيما أملك ، فلا تلمني فيما تملك ولا أملك».

أقول : الرواية وردت عن طرق العامّة والخاصّة ، كما ذكرها السيوطي في الدرّ المنثور ، والمراد بقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «فيما تملك ولا أملك» المحبّة أو الميل إلى إحداهن ، ويستفاد منها أنّ الميل والمحبّة القلبيّة أو المحبّة الّتي لا تظهر آثارها على الجوارح ، خارجة عن تحت الاختيار ، فلا يعاقب عليها المكلّف لعدم القدرة على ذلك كما قلنا ، وأمّا سؤال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله فهو من أدب العبوديّة ، نظير خطاب امرأة عمران مع الله سبحانه وتعالى : (قالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُها أُنْثى) [سورة آل عمران ، الآية : ٣٦] ، أو يكون تشريفيّا ، كما في قصة موسى عليه‌السلام في سؤاله تعالى منه بقوله : (وَما تِلْكَ بِيَمِينِكَ يا مُوسى) [سورة طه ، الآية : ١٧].

وفي الكافي بسنده عن نوح بن شعيب قال : «سأل ابن أبي العوجاء هشام بن الحكم قال له : أليس الله حكيما؟ قال : بلى هو أحكم الحاكمين ، قال : فاخبرني عن قوله عزوجل : (فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَواحِدَةً) ، أليس هذا فرض؟ قال : بلى ، قال : فاخبرني عن قوله عزوجل : (وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوها كَالْمُعَلَّقَةِ) ، أي حكيم يتكلّم بهذا؟ فلم يكن عنده جواب فرحل إلى المدينة إلى أبي عبد الله عليه‌السلام فقال عليه‌السلام : يا هشام في غير وقت حجّ ولا عمرة؟ قال : نعم ، جعلت فداك لأمر أهمّني ، أنّ ابن أبي العوجاء سألني عن مسألة لم يكن عندي فيها شيء ، قال عليه‌السلام : وما هي؟ قال : فأخبرته بالقصة ، فقال له أبو عبد الله عليه‌السلام : أمّا

٣٧٠

قوله عزوجل : (فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَواحِدَةً) يعني في النفقة ، وأمّا قوله تعالى : (وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوها كَالْمُعَلَّقَةِ) يعني في المودّة ، قال : فلما قدم عليه هشام بهذا الجواب وأخبره ، قال : والله ما هذا من عندك».

أقول : في تفسير القمّي ذكر الرواية بعينها وقال : «سأل بعض الزنادقة أبا جعفر الأحول ـ إلى أن قال ـ : فرجع أبو جعفر إلى الرجل فأخبره ، فقال : هذا حملته من الحجاز».

وكيف كان ، فجمع الإمام عليه‌السلام بين الآيتين المباركتين مطابق للواقع ، فإنّهم أعرف برموز القرآن ودقائقه لأنّه نزل في بينهم.

وفي المجمع للطبرسي في قوله تعالى : (فَتَذَرُوها كَالْمُعَلَّقَةِ) أي : «تذرون الّتي لا تميلون إليها كالّتي هي لا ذات زوج ولا أيم ، قال : وهو المروي عن الباقر والصادق عليهما‌السلام».

أقول : وقريب منه ما عن ابن عباس كما في الدرّ المنثور ، وتقدّم في التفسير ما يتعلّق بذلك.

وعن علي عليه‌السلام : «كان له امرأتان ، وكان إذا كان يوم واحدة لا يتوضّأ في بيت الأخرى».

أقول : لا بدّ من حمله على الفضل والرجحان ، والمواظبة على ذلك من مختصّات مقامه الشريف وقداسة منزلته ، وفي الدرّ المنثور عن مجاهد قال : «كانوا يستحبّون أن يسوّوا بين الضرائر حتّى في الطيب ، يتطيّب لهذه كما يتطيّب لهذه».

وفي الكافي بإسناده عن عاصم بن حميد قال : «كنت عند أبي عبد الله عليه‌السلام فأتاه رجل فشكى إليه الحاجة فأمره بالتزويج ، قال : فاشتدّت به الحاجة ، فأتى أبا عبد الله عليه‌السلام فسأله عن حاله ، فقال : فاشتدّت بي الحاجة ، قال عليه‌السلام : فارق ،

٣٧١

ففارق ثمّ أتاه فسأله عن حاله ، فقال : أثريت وحسن حالي ، فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : إنّي أمرتك بأمرين أمر الله بهما ، قال الله عزوجل : (وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبادِكُمْ وَإِمائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَراءَ يُغْنِهِمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ) ، وقال تعالى : (وَإِنْ يَتَفَرَّقا يُغْنِ اللهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ)».

أقول : الآثار الوضعيّة في الآيات المباركة غير قابلة للإنكار ، فإنّ وعوده تعالى حقائق فعليّة ولا نقص في قدرته عزوجل ، وإنّ التخلّف لو تحقّق إنّما يكون لنقص أو وجود مانع في الطرف ، كما تقدّم.

وفي مصباح الشريعة قال أبو عبد الله عليه‌السلام في قوله تعالى : (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللهَ) في هذه الآية : «قد جمع الله ما يتواصى به المتواصون من الأوّلين والآخرين في خصلة واحدة وهي التقوى ، وفيه جماع كلّ عبادة صالحة ، وبه وصل من وصل إلى الدرجات العلى والرتبة القصوى ، وبه عاش من عاش بالحياة الطيبة والانس الدمث ، قال الله عزوجل : (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ* فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ)».

أقول : تقدّم أنّ للتقوى مراتب متفاوتة ولكلّ منها درجة ، فالإيمان هو التقوى ومن لم يتق فكأنّه ليس بمؤمن ، بل هو كافر ـ حسب اختلاف مراتبه ـ فالتقوى هي الركيزة الأولى في الانتساب العملي والقلبي (العقيدة) إلى الله سبحانه وتعالى ، وهذا ما يستفاد من الآيات الشريفة لمن تدبّر فيها.

وعن البيضاوي في تفسير قوله تعالى : (إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ) قال : «وروي أنّ الآية لما نزلت ضرب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله على ظهر سلمان (رضوان الله تعالى عليه) وقال : إنّه قوم هذا».

أقول : يستفاد من الرواية أنّ قوم سلمان لهم الأهليّة بتبديل الناس بهم للصفة اللائقة لذلك فيهم ، وهي التقوى كما مرّ في التفسير والرواية من باب ذكر المصداق.

٣٧٢

بحث فقهي :

يستفاد من الآيات المباركة بضميمة الروايات الواردة في الأحكام المستفادة منها أمور :

الأوّل : لا يجوز لأحد التصرّف في أموال اليتامى ولا في أنفسهن ، إلّا بعد مراجعة الولي على اليتيم أو اليتيمة كالجدّ ـ أب الأب ـ لو كان وإلّا فالحاكم الشرعي ، على تفصيل ذكرناه في كتاب النكاح من (مهذب الأحكام) ، ولا بدّ في التصرّف مطلقا من المصلحة تعود لليتامى للآية الشريفة ، ولقوله تعالى : (وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) [سورة الانعام ، الآية : ١٥٢] ، وللروايات الواردة في هذا الباب ، كما لا يجوز لليتامى التصرّف في أموالهم وأنفسهم للحجر عليهم شرعا كما ذكرنا في الفقه ويرفع الحجر بذهاب اليتم بالعلامات المقرّرة شرعا ، كما ذكرناها في كتاب الحجر من (مهذب الأحكام).

الثاني : النشوز في الزوجة يتحقّق بأمور : منها الخروج عن بيت الزوج بلا إذن منه إن لم يكن خروجها واجبا شرعيا ، ويدلّ على ذلك روايات كثيرة ذكرنا بعضها في كتاب النكاح من (مهذب الأحكام).

ومنها : عدم تمكين نفسها للزوج فيما يجب عليها التمكين ، ويدلّ على ذلك الأدلّة الأربعة ، كما قرّرناها في محلّه.

ومنها : عدم إزالة المنفّرات المضادّة للتمتع بها والالتذاذ منها ؛ للروايات الدالّة على ذلك ، مضافا إلى الإجماع.

وإذا تحقّق النشوز يسقط وجوب النفقة عن الزوج في النكاح ، ويستمر السقوط ما دام النشوز باقيا ، للأصل. وإذا رجعت عن النشوز وتابت رجع وجوب النفقة على الزوج وتستحقّها لتحقّق المقتضي ورفع المانع ، فتشمله الإطلاقات والعمومات.

٣٧٣

وأمّا نشوز الزوج فيتحقّق بإظهار الخشونة لها قولا وفعلا ، ولا يوجب نشوزه سقوط النفقة الواجبة عليه.

ثمّ إنّ مقدار النفقة من الكميّة والكيفيّة موكول إلى العرف المتداول حسب كلّ عصر وزمان ، كما ذكرنا ذلك في كتاب النكاح من (مهذب الأحكام).

الثالث : يستفاد من قوله تعالى : (وَالصُّلْحُ خَيْرٌ) قاعدة فقهيّة فيها البركة لعمومها ، وهي : «جريان الصلح في جميع العقود دالا ما خرج بالدليل» ، كالنكاح مثلا على ما ذكرنا في كتاب الصلح ، وتدلّ عليها كلمة «خير» الساري في جميع العقود بلا تقييد ولا تخصيص ، وللروايات الكثيرة ، منها ما عن نبيّنا الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله : «الصلح جائز بين المسلمين إلّا صلحا حرّم حلالا وأحلّ حراما ، والمسلمون على شروطهم إلّا شرطا حرّم حلالا» ، وغيره من الروايات المستفيضة ، مضافا الى الإجماع.

ولا يختصّ الصلح بالعقود التمليكيّة ـ كالبيع والإجارة وغيرهما ـ بل يجري في غيرها أيضا ـ كما ذكرنا في كتاب الصلح من (مهذب الأحكام) وهو يفيد فائدة سائر العقود أيضا ، فقد يفيد فائدة البيع أو الإجارة أو الهبة أو الإبراء وهكذا ، ولا يشترط فيه أن يكون مسبوقا بالنزاع.

والصلح : عقد لازم سواء كان مع العوض أو بدونه ، لأصالة اللزوم في كلّ عقد إلّا ما خرج بالدليل ، ولم يدلّ دليل فيه على الخروج ، وذكرنا في كتاب البيع من (مهذب الأحكام) ما يتعلّق بها.

ويغتفر في الصلح ما لم يغتفر في غيره من الشرائط والأحكام المعتبرة في العقود ؛ لأنّه خير ، ولا قيد في الخير إن لم يقيّده الشرع.

الرابع : وجوب التساوي في القسمة بالمبيت عند كلّ واحدة من الزوجات ، وكذا في النفقة حسب لياقة الزوجة وشرفها.

٣٧٤

نعم ، لو كان الرجحان خارجا عن القدرة كالحبّ والمودّة فيسقط وجوب التعديل والتساوي ، كما تقدّم في التفسير.

وعن ابن مسعود في قوله تعالى : (وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ) قال : «في الجماع». ولكن ذلك مجرّد دعوى منه لم تستند إلى معصوم أو دليل عقلي معتبر ، مع أنّ الجماع قد يكون باستطاعة الشخص ـ لاختلاف الأمزجة ـ ولا يكون كالحبّ والمودّة ، فالمناقشة فيما ذكره واضحة والله العالم.

والحمد لله أولا وآخرا

٣٧٥
٣٧٦

فهرس الجزء التاسع من المواهب الرحمن في تفسير القرآن

[سورة النساء الآية ٦٩ ـ ٧٠]

الآيتان الشريفتان تبين حقيقة الهداية والجزاء عليها.................................... ٥

الوجه في الجمع بين طاعة الله تعالى ورسوله.......................................... ٦

الآية الكريمة تبيّن امرا حقيقيا. المراد من النعمة الواردة في الآية الشريفة................... ٧

الطوائف الّتي أنعم الله تعالى عليهم هي : النبيون وهم اصحاب الوحي ، الصديقون والمراد منهم ٧

الشهداء والمقصود منهم الطائفة الاخيرة وهم الصالحون................................ ٨

الرفيق ومعناه.................................................................... ٩

الآية الشريفة تتضمن التشويق والترهيب.......................................... ١٠

هل تختص الآية الكريمة بعالم دون آخر؟.......................................... ١٠

الآية المباركة تحرّض المؤمنين الى الثواب العظيم...................................... ١١

بحث دلالي وفيه ان الآيتين تدل على أمور :...................................... ١٢

الأوّل : تدل على أهميّة الطاعة.................................................. ١٢

الثاني : تدل على مطلق المعية المعنوية والظاهرية.................................... ١٢

الثالث : الآية الشريفة تعين المصاديق للمطيعين ودرجاتهم........................... ١٢

الرابع : الوجه في اطلاق النعمة في الآية المباركة..................................... ١٢

الخامس : تدل الآية الكريمة على لزوم أخذ الرفقة وتعيينها للرفقة والوجه في اطلاق الحسن فيها ١٣

السادس : تبيّن الآية المباركة أن ما أنعم الله تعالى عليه انما هو من الفضل الّذي يسعى اليه الإنسان   ١٣

السابع : الآية الشريفة على خلاف التعبير الكلامي في المدح........................ ١٣

بحث روائي يتعلق بالآية الشريفة................................................. ١٣

الورع وأقسامه................................................................. ١٤

٣٧٧

في تقسيم المؤمن............................................................... ١٥

الوجه في انحدار العليين الى من هو أسفل منهم..................................... ١٦

بحث عرفاني يتعلق بالطاعة ومراتبها............................................... ١٧

الوجه في جزاء الطائعين لله تعالى المرافقة مع الأبرار دون الفوز بالجنة والنجاة من النار؟... ١٨

معنى رقي النفس............................................................... ١٨

[سورة النساء الآية ٧١ ـ ٧٦]

الآيات الشريفة تحث المؤمنين على الجهاد وتوجههم للقتال مع الكافرين وأخذ الحذر من أعداء الله تعالى كما انها تبيّن القواعد الّتي بنيت عليها الجهاد في سبيل الله تعالى.................................................. ٢٠

الخطاب في الآية الكريمة توجيهي................................................. ٢١

الحذر ومعناه.................................................................. ٢١

النفر وما يتعلق به.............................................................. ٢٢

الآية المباركة تصور الحالة النفسية للشخص المتردد في خوض الحرب................... ٢٣

ما يتعلق بالآية الشريفة المعترضة بين الآيتين........................................ ٢٥

تتضمن الآية الشريفة توجيه تربوي وتبيّن الغرض من القتال.......................... ٢٥

الوجه في تقديم القتل على النصر ، الآية المباركة تبيّن امرا تربويا دقيقا.................. ٢٧

تبيّن الآية الكريمة فائدة اخرى للقتال في سبيل الله تعالى............................. ٢٧

الآية الكريمة تهيج همم المؤمنين وتستنهضهم للقتال.................................. ٢٨

الوجه في ذكر الولدان في الآية الشريفة............................................ ٢٨

الآية المباركة تبيّن كمال انقطاعهم الى الله تعالى..................................... ٢٨

المراد من القرية الظالمة أهلها..................................................... ٢٩

تتضمن الآية الكريمة الدعاء..................................................... ٢٩

الآية الشريفة تبيّن دوافع المؤمنين للقتال وأقسامها................................... ٣٠

تظهر الآية الكريمة واقعية الفئة الكافرة............................................ ٣٠

الآية المباركة تبيّن ضعف سبل الشيطان في مقابل الحق والواقع........................ ٣١

بحث ادبي يتعلق بالآيات الشريفة................................................ ٣٢

٣٧٨

بحث دلالي وفيه أن الآيات المباركة تدل على امور :................................ ٣٣

الأوّل : في بيان قاعدة يعتمد عليها الجهاد في سبيل الله تعالى وانها ترتبط بالإيمان....... ٣٣

الثاني : تدل الآية الشريفة على وجوب الاستعداد للجهاد وبذل كل جهد في سبيله..... ٣٤

الثالث : تدل الآية المباركة على أن في صفوف المؤمنين من لم يكن الايمان في نفسه عميقا ٣٤

الرابع : يستفاد من الآية الكريمة كمال البعد بين المؤمنين والكافرين وأنها تبيّن السبب.... ٣٤

الخامس : تدل الآية المباركة على العلل الاربعة في تشريع الجهاد كما انها تتضمن الأسس التربوية في الإسلام    ٣٥

السادس : الآية الكريمة تدل على أن الضعف في الشيطان من لوازم ذاته وانها تدل على نكتة لطيفة قرآنية      ٣٥

السابع : يستفاد من الآية المباركة ان كل قتال مع المؤمنين انما يكون من كيد الشيطان وان وساوسه مهما بلغت من القوّة والعظمة تنهار في مقابل الحق والواقع........................................................... ٣٦

الثامن : تبيّن الآيات الشريفة الأسس الّتي يقوم عليها القتال......................... ٣٦

التاسع : تدل الآية المباركة على وجوب الحذر الأعم من المادي والمعنوي............... ٣٧

بحث روائي يتعلق بالآيات الكريمة................................................ ٣٧

بحث كلامي وفيه ان الحذر هل ينافي التقدير...................................... ٤١

[سورة النساء الآية ٧٧ ـ ٨٠]

الآيات الكريمة تبيّن حال طائفة اخرى من ضعاف المؤمنين........................... ٤٢

الكف والمراد منه............................................................... ٤٢

الآية المباركة تبيّن أمرين هما السبب في زيادة الايمان بالله العظيم....................... ٤٤

الآية الكريمة تصور حال الكفّار من داخل نفوسهم كما انها تحكي مقالتهم وموقفهم المتثاقل والسبب في ذلك كله        ٤٤

الوجه في وصف الدنيا بالمتاع القليل.............................................. ٤٥

كيفية النيل الى الحياة الحقيقيّة والعيش الهنيء....................................... ٤٦

الخير والوجه في إطلاقه في الآية الشريفة........................................... ٤٦

الفتيل ومعناه.................................................................. ٤٦

٣٧٩

الآية الكريمة تبيّن حقيقة من الحقائق الواقعية الّتي يدركها جميع افراد الإنسان وتوقظ الضمائر بها       ٤٧

البروج ومعناها................................................................. ٤٧

الآية المباركة تبيّن حال طائفة خاصة وتخبر عن نواياهم............................... ٤٨

معنى الحسنة والسيئة ونسبة كل منهما............................................ ٤٩

الآية الشريفة تبيّن حقيقة من الحقائق الواقعية وتشرحها.............................. ٥٠

تتضمن الآية الكريمة التنديد..................................................... ٥٠

تنزيه لمقام الرسول الكريم عن ما وصفه المنافقون.................................... ٥٢

الآية الشريفة تتضمن ايحاء شديدا في النفس بتوقير الرسول العظيم.................... ٥٣

طاعة الرسول تلازم عدم جواز التولي عنه.......................................... ٥٣

بحث ادبي يتعلق بالآيات المباركة................................................. ٥٤

بحث دلالي وفيه ان الآيات الشريفة تدل على امور................................. ٥٥

الأوّل : تبيّن الآية الكريمة الحالة النفسية لبعض المؤمنين............................. ٥٥

الثاني : الآية المباركة تعطي العلّة في الاعراض عن طاعة الله تعالى..................... ٥٦

الثالث : الآيات الكريمة تبيّن نظرية الإسلام في هذه الحياة........................... ٥٧

الرابع : تدل الآية الشريفة على ان الموت واقع على الإنسان مهما طارده كرهه وانها تفند كثير من مزاعم بعض الفلاسفة ٥٨

الخامس : يستفاد من الآية المباركة ان اتخاذ الحصون والقلاع لا ينافي التوكل............ ٥٩

السادس : يستفاد من الآيات الشريفة ان لبعض الاعتقادات والأقوال له الأثر في سلب فهم الإنسان عن الواقع وهو السبب في منع وصوله الى الحقيقة............................................................. ٥٩

السابع : ان الآيات المباركة تدل على حقيقتين لا بدّ من الالتفات إليهما.............. ٥٩

هل ان السيئة تكون وصفا ذاتيا للأشياء.......................................... ٦٠

الثامن : يستفاد من الآية الشريفة ان من اسباب النعم والفوز بالحسنة الطاعة لله والرسول وعصيانهما يجلب السيئة والنقمة        ٦٠

هل الإنسان يعرف مواطن الخير ويميزها عن الشر................................... ٦٠

التاسع : الآية المباركة تدل على شأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ومنزلته عند الله تعالى................ ٦١

العاشر : تدل الآية الشريفة على نظرية الإسلام في الطاعة والايمان.................... ٦١

٣٨٠